السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولهِ الأمين وآله الطيبين الطاهرين الذين جعل الله محبتهم محبة له وجعلها عنواناً لصحيفة المؤمن وجوازاً على الصراط المستقيم.
ندعوكم لقراءة مختصر خطبة الجمعة لسماحة الشيخ جلال الدين الصغير –دام ظله- بتاريخ 11-3-2005
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولهِ الأمين وآله الطيبين الطاهرين الذين جعل الله محبتهم محبة له وجعلها عنواناً لصحيفة المؤمن وجوازاً على الصراط المستقيم.
ندعوكم لقراءة مختصر خطبة الجمعة لسماحة الشيخ جلال الدين الصغير –دام ظله- بتاريخ 11-3-2005
بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله والأئمة الميامين من آله الطاهرين،
اردف سماحة الشيخ قائلاً :
((.. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بابي الأحرار وسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين وأسأل تعالى ان يديم علينا نعمة البر بالحسين ونعمة السير على خطى أنصار الحسين ))..
ثم قال سماحته :
((الشعوب ، كل الشعوب والجماعات، كل الجماعات تمر بأزمات، لايوجد أمة ممن الأمم الا وتمر بأزمة كما لايوجد إنسان الا ومرّ بأزمة ويتهيء لأزمة أخرى، هذه الأزمات التي تسمى او يطلق عليها في نصنّا الأسلامي بالفتنة او البلاء أو الامتحان او ما الى ذلك هي حالة طبيعية تاتي من خلال تقلّب الدنيا مابين صيفٍ وشتاء وما بين حرٍ وبردٍ ومابين مرض وعافية ومابين هذه الأحوال المتناقضة فيما بينها، ولكن هذه الأزمات في الكثير من الأحيان هي التي اطاحت بأمم وهي التي اسقطت رؤوساً وبنفس المقدار هي التي رفعت من أناس كانوا صغاراً فحوّلتهم الى عظماء ،
حركة الأزمة، وأزمة السلوك كيف يمكن لدين الله سبحانه وتعالى أن يحولها الى طاقة لاتهزم الأمم بل تعمل ترسيخ حركة الأمة، وتعمل على اضفاء زخم كبير في حركتها بأتجاه اهدافها وبأتجاه طموحاتها، هذا الحديث ليس بغريب عن طبيعة المناسبة التي نمر بها ولا بغريب عن طبيعة الظرف الذي نعيشهُ ، ففي اول يوم من أيام صفر وصلت سبايا الحسين(ع) الى الشام ، ووصولها كان يبلور صورة ازمة شديدة ألمّت بأهل بيت العصمة والطهارة (ع) وسباياهم، فنحن في ظرفنا هذا لانحسد على جانبٍ منه لكثرة مافيه من أزمات ولكثرة مافيه من أمتحانات وابتلاءات، فلو كانت الدنيا بطبيعتها، متلونة مابين حياة وموت ومابين فقر وغنى، ومابين عافية ومرض وما الى ذلك من امور، هل يعني ان يتلون الأنسان ام ان المطلوب هو ان يبقى الأنسان بلون واحد مهما تلّونت صور الدنيا ومهما سارت الدنيا بهذا الأنسان ضمن مطباتها الكثيرة وضمن حفرها المتعددة لايبقى له لون الا لون واحد..
بالنسبة لنا نحن إن سعدنا بوجودنا ضمن مدرسة أهل البيت (ع) فأن لدينا استحقاقات أخرى غير أن الدنيا ارتنا مالم تري للآخرين وعرفنا عن بلاءها وأزماتها مالايتمكن عقل الآخر في ان يصل اليه ولا أكاد أبالغ لو قلت بأن شطراً مما سُلّط علينا من بلاء لو أنه نزل بحق الأديان وبحق الأمم الأخرى لما بقينا على الوجود، ولكن نحمد الله تعالى أن حظينا بمدرسة بقيت تدارينا وبقيت تبارينا في كل الأزمات بل كان توجيهها لنا في أن نكون ابناء مدرسة الأزمات والبلاء، ومن بلاء لآخر ها هو التاريخ يحدثك بأن هامتنا بقيت هي العليا وفضيحة الآخر بقيت هي السمة الغالبة على أحداث هذا التاريخ. وحتى لاتبقى الكلمات مجرد تنظيرات، وحتى لايبقى الفكر مجرد كلمات تكتب في الكتب وترددها الأفواه قُدّمت لنا مدرسة كربلاء بكل صورها لكي تكون وسائل الأيضاح التي نحتاجها في مسيرة الآلآم وفي مسيرة الأزمات التي نمر بها، فالأزمة بطبيعتها تارةً تأتي موجهة من قبل الآخرين من أجل اسقاطك وأخرى تأتي من داخلك من أجل ان تفتت في عضدك ومن أجل ان تحد من عنفوان حركتك ولكن بطبيعة الأمور عادةً ماياتي البلاء مؤسساً من الخارج ولاسيما في الصراعات المذهبية لذلك حينما نطالع التاريخ ونطالع حركتنا ونجد أننا تغلبنا على الأزمات واستطعنا أن نحول هذه الأزمات الى مدرسة للأعتبار والعظة، نعلم جيداً عندئذ ان الخط التربوي والخط العقائدي الذي نحمله إستطاع ان يشق بنا كل هذه البحار المدلهمة بأفاقها والمتلاطمة بأمواجها،
يفترض بقصةٍ سبي حرائر الحسين (ع) ان يوجد صورة هزيمة ، فالسبايا في غالبيتهن العظمى من النساء ، ولم يكن فيهم من الرجال الا عليٌّ بن الحسين (ع) وهناك روايا ضعيفة جداً تشير الى وجود الحسن بن الحسن المثنى وهو جريح، ولكن يبقى الملاك هو أن الرجل الوحيد كان الأمام عليُ بن الحسين (ع) والبقية كلهم من النساء. والنساء بطبيعتهن العاطفية وبطبيعة السبي والآلآم التي تمر على السبي يفترض ان يعطي لهذه الأزمة صورة متفاقمة تشير الى شدّة هذه الأزمة، فما بالك لو أن الأمر لم ينتهي عن هذه الصورة فقط، وإنما حفل بصورة كثيرة جداً من التعذيب ومن الشماتة وما الى ذلك، وقصة السيدة رقية (ع) معروفة ، وهي الطفلة الصغيرة التي هربت غاسلتها عندما أرادت ان تغسلها فوجدت ان جسدها (ع) كان مسوداً ، وتصورت أن الأسوداد الذي كان فيه أنما يعود لمرض، لكن الصدّيقة الحوراء زينب(ع) نبهتها وقالت: لاعليك يا أخية فأن هذا من ضرب السياط.
هذه ايضاً يفترض ان تجعل الأزمة متفاقمة جداً وبطبيعة الأزمة يفترض ان تطبع بالعقول والقلوب ويفترض ان تزلزل الأنسان عن مبادئه ومثُلُهِ وأفكاره وقيمهِ، فضلاً عن أنه لا تدعه يتجه بأتجاه أهدافه. اما القضية الأخرى ان الأمم حينما لم يكتفي من وجه هذا البلاء الى حرائر الحسين من خلال أجسادهم ومن خلال شتيمتهم وسبابهم ومن خلال تسييرهم في المدن والشوارع وقصور الطغاة وسط الأفراح والأعياد التي نصبها بنو أمية عليهم لعائن الله، فحينما لم يكتفون بهذا المقدار وإنما أصروّا على تسيير رؤوس القتلى مع هؤلاء السبايا، فذلك كله يفترض ان يثير الأزمة بأتجاه ان تتفاقم واكثر من ذلك تلك الصورة التي تُنْقَل لنا من خلال العرض الذي قُدّم لشمر بن ذي الجوشن (عليه لعائن الله) حينما طُلب لقاء مالٍ في أن يأخذ الرؤوس بعيداً عن قافلة السبايا كي لاينظر الى سبايا آل محمد (ص) ، أصرَّ هذا اللعين في أن يضع رؤوس القتلى وعلى مقدمتهم رأس الحسين (ع) بين القافلة كي يمعن الناس في النظر الى سبايا آل الرسول (ص) ،
مثل هذه الحالات وكثير غيرها، فبعد ذلك سنرى كيف أن يزيد لعنة الله عليه أمرَ بربط النساء في صارية المسجد بعد أن ادخلهم من البوابة الشهيرة المعروفة بباب توما، فحينما يضعهم على سارية المسجد إنما يقول لكل من يدخل الى هذا المسجد ان ينظر الى هؤلاء.,
ترى وبعد كل ماجرى هل وجدنا من بنات الحسين(ع) ومن بناة رسول الله (ص) مايشعرنا بأن ثمةّ تزلزل في الموقف او ثمة انكسار عن مبدأ ؟ أم وجدنا حالة من التعالي على الألم والبقاء على نفس درجة العنفوان من اجل خدمة الرسالة وخدمة العقيدة والمبدأ ؟
وهنا نتحدث عن ثلّة من النساء، فهل وجدنا فيهن إنكساراً ؟، وهذه القضية اذا اردنا ان نفكر بها علينا ان نقرنها بقضية أخرى، وهي محور الفائدة ليومنا هذا ، فنحن أيضاً موعوداً بأهداف رسالتنا ومعتقدنا ، ولكن هذه الأهداف لم توضع الى جانبها احلام وردية ، فلم يقل لنا بأننا سوف نسير على حدائق الزهور وأننا سوف نصل الى هذه الأهداف من خلال مسيرة سهلة، بل على العكس ، فقد حّكَمنا امران، الاول عام (احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنّا) فالفتنة والبلاء هو أمر ملاصق للأيمان ، حتى قال الإمام الصادق(ع) ((ان البلاء اسرع الى المؤمن من انحدار الكُرَةِ الى القعر)) بل أن هناك تضافر في الروايات تتحدث عن أن الله سبحانه وتعالى إذا احب عبداً ابتلاه ، وبعض الروايات تقول بأن الأنسان المؤمن لو لم يبتلي عليه ان يتفحص ايمانه !!! أذن فالأمر الأول هو ان لابد للمؤمن كي يختبر ايمانه ان يبتلي ، ولكن ثمّة امرٍ آخر اكثر خصوصية فالسائرون الى دولة الإمام المهدي(عج) والتي تعني الجنة بعينها وأن يُزاح كل ظلم وجور عن هذه الأرض فتملأ قسطاً وعدلاً، هل أن هؤلاء السائرون يضنون الطريق أمامهم مفروش وليس فيه عقبات ؟ أم انهم موعودون بفتنٍ وبلاءات ومحن كبرى ، والعبرة ليس بموقف اليوم، فالعبرة كيف نوصل يومنا الى غدنا ونحن نتمتع بنفس الولاء لأمامنا المنتظر(عج) ، فحينما نريد أن نعتبر علينا ان نُيَّمِمْ النظر مرةً أخرى والوجهة مرةً اخرى الى الشام ، الى السبايا الذين تعرضوا لأشد الأزمات ولم يتنازلوا وهم نساء ، ولم يذعنوا ولم يتخاذلوا بل استمروا على طريق ذات الشوكة يرفعون هامة من بعد أخرى ليرى التاريخ أي مدرسة عظمى قد صُنعت من قبل أهل البيت (ع) ويومنا هذا تعلمون أن فيه الكثير من البلاء ومع كل يوم تزداد البلاء نبرة البلاء وشدته، والبلاءات تتعدد، فلربما يأتي قسم منها على شاكله سراّء وقسم آخر يأتي على شكل ضرّاء، والعبرة تبقى للذي يثبت الى اخر الطريق، ولايفوتني هنا أن اذكرّ بشخصيتين هما من أبغض الشخصيات الى الله سبحانه وتعالى وللموالين أيضاً .. شخصية الشمر (لعنة الله عليه) وشخصية زحر بن قيس الجعفي وهو الذي أخذ رأس الأمام الحسين(ع) وكان يسب الصديقة الحوراء والإمام زين العابدين في كل مسير وهو الذي دخل على يزيد بعد معاوية (لعنة الله عليه) وقال ليزيد: أملأ ركابي فضةً أو ذهب .. الخ الأبيات ،
وهؤلاء لهم تاريخ وقاتلوا في صفين مع الإمام امير المؤمنين (ع) ، وهذه عبرة كبيرة كي يتصور المرء أنه مرَّ من بوابة البلاء وارتاح، لأن مسير المؤمن يشبه مسير القطار، والقطار يمر بمحطات، والعبرة فيمن يبقى في داخل القطار، حيث تتزاحم عليه الأوضاع ويتزاحم عليه الناس من اجل أن ينزل من هذا القطار، اذن فالعبرة ليست بحسن البداية ولا بحسن الوسط وإنما بحسن العاقبة ((العاقبة للمتقين) ومن يصل الى هذه النقطة هو المتقي ، فلا تقولوا بأننا قاومنا الأرهاب وقمنا بالأنتخابات ولاتقولوا بأننا قاومنا الأرهاب واسقطناه في محرم ، فهذه الأمور صحيحة ولايعلّم الى الله تعالى طبيعة الشكر الألهي على هؤلاء الناس على ماقدموه لهذا الدين ، ولكن ثمة استحقاقات أخرى قادمة علينا أيها الأخوة ، استحقاقات على درجة ((أن يصبح الأنسان مؤمناً فيمسي كافراً)!!
كل هذه أزمات ، وسلوكية الأزمة أن نتربى من مدرسة كربلاء ، وحينما نريد ان نبقى مرفوعي الهامة ومتكاتفين ضمن خط ومبادئنا وعقائدنا علينا ان نبقى في مدرسة كربلاء، حيث البلاء في صورته العليا، ولم نظفر من السائرين على هذا الخط الا شعار ((هيهات منا الذلة) ، فلم ينقل لنا التاريخ أي حالة إنكفاءة في سلوكهم او استرخاء في مواقفهم ، وإنما كان عشق الرجال للموت يشابه عشق النساء للفداء.
لذلك تحولت كربلاء رغم شدةّ مافيها من بلاء الى المدرسة التي تصنع البسمه في وجه التاريخ رغم الدمعة والحزن والبلاء ولكن بعد الضيق ياتي الفرج وفرج الله سبحانه وتعالى هو مايرسم البسمه على شفاه هذه الأمة.
إذن اخوتي الأحبة، ماوددته هو أن يبقى هذا المعنى مترسخاً أكثر في اذهانكم لأنه هو الزاد الذي نحتاجه في قادم الأيام ، فبالأمكان ان يتحدث الأنسان عن أمور كثيرة ولكن مانحتاجه اليوم هو السلوكيات التي تثبتنا وتبقينا على طريقٍ رأينا فيه من الصعوبات ما أسقط الجبال وبحمد الله تعالى لم نسقط ونعلم بأن الذي سيأتينا من بعد ذلك صعبُ مرير ولكننا أيضاً بحول الله سوف لن نتراخى طالما أننا في مدرسة كربلاء.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلاته وسلامه على رسوله وآله ابداً..
اردف سماحة الشيخ قائلاً :
((.. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بابي الأحرار وسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين وأسأل تعالى ان يديم علينا نعمة البر بالحسين ونعمة السير على خطى أنصار الحسين ))..
ثم قال سماحته :
((الشعوب ، كل الشعوب والجماعات، كل الجماعات تمر بأزمات، لايوجد أمة ممن الأمم الا وتمر بأزمة كما لايوجد إنسان الا ومرّ بأزمة ويتهيء لأزمة أخرى، هذه الأزمات التي تسمى او يطلق عليها في نصنّا الأسلامي بالفتنة او البلاء أو الامتحان او ما الى ذلك هي حالة طبيعية تاتي من خلال تقلّب الدنيا مابين صيفٍ وشتاء وما بين حرٍ وبردٍ ومابين مرض وعافية ومابين هذه الأحوال المتناقضة فيما بينها، ولكن هذه الأزمات في الكثير من الأحيان هي التي اطاحت بأمم وهي التي اسقطت رؤوساً وبنفس المقدار هي التي رفعت من أناس كانوا صغاراً فحوّلتهم الى عظماء ،
حركة الأزمة، وأزمة السلوك كيف يمكن لدين الله سبحانه وتعالى أن يحولها الى طاقة لاتهزم الأمم بل تعمل ترسيخ حركة الأمة، وتعمل على اضفاء زخم كبير في حركتها بأتجاه اهدافها وبأتجاه طموحاتها، هذا الحديث ليس بغريب عن طبيعة المناسبة التي نمر بها ولا بغريب عن طبيعة الظرف الذي نعيشهُ ، ففي اول يوم من أيام صفر وصلت سبايا الحسين(ع) الى الشام ، ووصولها كان يبلور صورة ازمة شديدة ألمّت بأهل بيت العصمة والطهارة (ع) وسباياهم، فنحن في ظرفنا هذا لانحسد على جانبٍ منه لكثرة مافيه من أزمات ولكثرة مافيه من أمتحانات وابتلاءات، فلو كانت الدنيا بطبيعتها، متلونة مابين حياة وموت ومابين فقر وغنى، ومابين عافية ومرض وما الى ذلك من امور، هل يعني ان يتلون الأنسان ام ان المطلوب هو ان يبقى الأنسان بلون واحد مهما تلّونت صور الدنيا ومهما سارت الدنيا بهذا الأنسان ضمن مطباتها الكثيرة وضمن حفرها المتعددة لايبقى له لون الا لون واحد..
بالنسبة لنا نحن إن سعدنا بوجودنا ضمن مدرسة أهل البيت (ع) فأن لدينا استحقاقات أخرى غير أن الدنيا ارتنا مالم تري للآخرين وعرفنا عن بلاءها وأزماتها مالايتمكن عقل الآخر في ان يصل اليه ولا أكاد أبالغ لو قلت بأن شطراً مما سُلّط علينا من بلاء لو أنه نزل بحق الأديان وبحق الأمم الأخرى لما بقينا على الوجود، ولكن نحمد الله تعالى أن حظينا بمدرسة بقيت تدارينا وبقيت تبارينا في كل الأزمات بل كان توجيهها لنا في أن نكون ابناء مدرسة الأزمات والبلاء، ومن بلاء لآخر ها هو التاريخ يحدثك بأن هامتنا بقيت هي العليا وفضيحة الآخر بقيت هي السمة الغالبة على أحداث هذا التاريخ. وحتى لاتبقى الكلمات مجرد تنظيرات، وحتى لايبقى الفكر مجرد كلمات تكتب في الكتب وترددها الأفواه قُدّمت لنا مدرسة كربلاء بكل صورها لكي تكون وسائل الأيضاح التي نحتاجها في مسيرة الآلآم وفي مسيرة الأزمات التي نمر بها، فالأزمة بطبيعتها تارةً تأتي موجهة من قبل الآخرين من أجل اسقاطك وأخرى تأتي من داخلك من أجل ان تفتت في عضدك ومن أجل ان تحد من عنفوان حركتك ولكن بطبيعة الأمور عادةً ماياتي البلاء مؤسساً من الخارج ولاسيما في الصراعات المذهبية لذلك حينما نطالع التاريخ ونطالع حركتنا ونجد أننا تغلبنا على الأزمات واستطعنا أن نحول هذه الأزمات الى مدرسة للأعتبار والعظة، نعلم جيداً عندئذ ان الخط التربوي والخط العقائدي الذي نحمله إستطاع ان يشق بنا كل هذه البحار المدلهمة بأفاقها والمتلاطمة بأمواجها،
يفترض بقصةٍ سبي حرائر الحسين (ع) ان يوجد صورة هزيمة ، فالسبايا في غالبيتهن العظمى من النساء ، ولم يكن فيهم من الرجال الا عليٌّ بن الحسين (ع) وهناك روايا ضعيفة جداً تشير الى وجود الحسن بن الحسن المثنى وهو جريح، ولكن يبقى الملاك هو أن الرجل الوحيد كان الأمام عليُ بن الحسين (ع) والبقية كلهم من النساء. والنساء بطبيعتهن العاطفية وبطبيعة السبي والآلآم التي تمر على السبي يفترض ان يعطي لهذه الأزمة صورة متفاقمة تشير الى شدّة هذه الأزمة، فما بالك لو أن الأمر لم ينتهي عن هذه الصورة فقط، وإنما حفل بصورة كثيرة جداً من التعذيب ومن الشماتة وما الى ذلك، وقصة السيدة رقية (ع) معروفة ، وهي الطفلة الصغيرة التي هربت غاسلتها عندما أرادت ان تغسلها فوجدت ان جسدها (ع) كان مسوداً ، وتصورت أن الأسوداد الذي كان فيه أنما يعود لمرض، لكن الصدّيقة الحوراء زينب(ع) نبهتها وقالت: لاعليك يا أخية فأن هذا من ضرب السياط.
هذه ايضاً يفترض ان تجعل الأزمة متفاقمة جداً وبطبيعة الأزمة يفترض ان تطبع بالعقول والقلوب ويفترض ان تزلزل الأنسان عن مبادئه ومثُلُهِ وأفكاره وقيمهِ، فضلاً عن أنه لا تدعه يتجه بأتجاه أهدافه. اما القضية الأخرى ان الأمم حينما لم يكتفي من وجه هذا البلاء الى حرائر الحسين من خلال أجسادهم ومن خلال شتيمتهم وسبابهم ومن خلال تسييرهم في المدن والشوارع وقصور الطغاة وسط الأفراح والأعياد التي نصبها بنو أمية عليهم لعائن الله، فحينما لم يكتفون بهذا المقدار وإنما أصروّا على تسيير رؤوس القتلى مع هؤلاء السبايا، فذلك كله يفترض ان يثير الأزمة بأتجاه ان تتفاقم واكثر من ذلك تلك الصورة التي تُنْقَل لنا من خلال العرض الذي قُدّم لشمر بن ذي الجوشن (عليه لعائن الله) حينما طُلب لقاء مالٍ في أن يأخذ الرؤوس بعيداً عن قافلة السبايا كي لاينظر الى سبايا آل محمد (ص) ، أصرَّ هذا اللعين في أن يضع رؤوس القتلى وعلى مقدمتهم رأس الحسين (ع) بين القافلة كي يمعن الناس في النظر الى سبايا آل الرسول (ص) ،
مثل هذه الحالات وكثير غيرها، فبعد ذلك سنرى كيف أن يزيد لعنة الله عليه أمرَ بربط النساء في صارية المسجد بعد أن ادخلهم من البوابة الشهيرة المعروفة بباب توما، فحينما يضعهم على سارية المسجد إنما يقول لكل من يدخل الى هذا المسجد ان ينظر الى هؤلاء.,
ترى وبعد كل ماجرى هل وجدنا من بنات الحسين(ع) ومن بناة رسول الله (ص) مايشعرنا بأن ثمةّ تزلزل في الموقف او ثمة انكسار عن مبدأ ؟ أم وجدنا حالة من التعالي على الألم والبقاء على نفس درجة العنفوان من اجل خدمة الرسالة وخدمة العقيدة والمبدأ ؟
وهنا نتحدث عن ثلّة من النساء، فهل وجدنا فيهن إنكساراً ؟، وهذه القضية اذا اردنا ان نفكر بها علينا ان نقرنها بقضية أخرى، وهي محور الفائدة ليومنا هذا ، فنحن أيضاً موعوداً بأهداف رسالتنا ومعتقدنا ، ولكن هذه الأهداف لم توضع الى جانبها احلام وردية ، فلم يقل لنا بأننا سوف نسير على حدائق الزهور وأننا سوف نصل الى هذه الأهداف من خلال مسيرة سهلة، بل على العكس ، فقد حّكَمنا امران، الاول عام (احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنّا) فالفتنة والبلاء هو أمر ملاصق للأيمان ، حتى قال الإمام الصادق(ع) ((ان البلاء اسرع الى المؤمن من انحدار الكُرَةِ الى القعر)) بل أن هناك تضافر في الروايات تتحدث عن أن الله سبحانه وتعالى إذا احب عبداً ابتلاه ، وبعض الروايات تقول بأن الأنسان المؤمن لو لم يبتلي عليه ان يتفحص ايمانه !!! أذن فالأمر الأول هو ان لابد للمؤمن كي يختبر ايمانه ان يبتلي ، ولكن ثمّة امرٍ آخر اكثر خصوصية فالسائرون الى دولة الإمام المهدي(عج) والتي تعني الجنة بعينها وأن يُزاح كل ظلم وجور عن هذه الأرض فتملأ قسطاً وعدلاً، هل أن هؤلاء السائرون يضنون الطريق أمامهم مفروش وليس فيه عقبات ؟ أم انهم موعودون بفتنٍ وبلاءات ومحن كبرى ، والعبرة ليس بموقف اليوم، فالعبرة كيف نوصل يومنا الى غدنا ونحن نتمتع بنفس الولاء لأمامنا المنتظر(عج) ، فحينما نريد أن نعتبر علينا ان نُيَّمِمْ النظر مرةً أخرى والوجهة مرةً اخرى الى الشام ، الى السبايا الذين تعرضوا لأشد الأزمات ولم يتنازلوا وهم نساء ، ولم يذعنوا ولم يتخاذلوا بل استمروا على طريق ذات الشوكة يرفعون هامة من بعد أخرى ليرى التاريخ أي مدرسة عظمى قد صُنعت من قبل أهل البيت (ع) ويومنا هذا تعلمون أن فيه الكثير من البلاء ومع كل يوم تزداد البلاء نبرة البلاء وشدته، والبلاءات تتعدد، فلربما يأتي قسم منها على شاكله سراّء وقسم آخر يأتي على شكل ضرّاء، والعبرة تبقى للذي يثبت الى اخر الطريق، ولايفوتني هنا أن اذكرّ بشخصيتين هما من أبغض الشخصيات الى الله سبحانه وتعالى وللموالين أيضاً .. شخصية الشمر (لعنة الله عليه) وشخصية زحر بن قيس الجعفي وهو الذي أخذ رأس الأمام الحسين(ع) وكان يسب الصديقة الحوراء والإمام زين العابدين في كل مسير وهو الذي دخل على يزيد بعد معاوية (لعنة الله عليه) وقال ليزيد: أملأ ركابي فضةً أو ذهب .. الخ الأبيات ،
وهؤلاء لهم تاريخ وقاتلوا في صفين مع الإمام امير المؤمنين (ع) ، وهذه عبرة كبيرة كي يتصور المرء أنه مرَّ من بوابة البلاء وارتاح، لأن مسير المؤمن يشبه مسير القطار، والقطار يمر بمحطات، والعبرة فيمن يبقى في داخل القطار، حيث تتزاحم عليه الأوضاع ويتزاحم عليه الناس من اجل أن ينزل من هذا القطار، اذن فالعبرة ليست بحسن البداية ولا بحسن الوسط وإنما بحسن العاقبة ((العاقبة للمتقين) ومن يصل الى هذه النقطة هو المتقي ، فلا تقولوا بأننا قاومنا الأرهاب وقمنا بالأنتخابات ولاتقولوا بأننا قاومنا الأرهاب واسقطناه في محرم ، فهذه الأمور صحيحة ولايعلّم الى الله تعالى طبيعة الشكر الألهي على هؤلاء الناس على ماقدموه لهذا الدين ، ولكن ثمة استحقاقات أخرى قادمة علينا أيها الأخوة ، استحقاقات على درجة ((أن يصبح الأنسان مؤمناً فيمسي كافراً)!!
كل هذه أزمات ، وسلوكية الأزمة أن نتربى من مدرسة كربلاء ، وحينما نريد ان نبقى مرفوعي الهامة ومتكاتفين ضمن خط ومبادئنا وعقائدنا علينا ان نبقى في مدرسة كربلاء، حيث البلاء في صورته العليا، ولم نظفر من السائرين على هذا الخط الا شعار ((هيهات منا الذلة) ، فلم ينقل لنا التاريخ أي حالة إنكفاءة في سلوكهم او استرخاء في مواقفهم ، وإنما كان عشق الرجال للموت يشابه عشق النساء للفداء.
لذلك تحولت كربلاء رغم شدةّ مافيها من بلاء الى المدرسة التي تصنع البسمه في وجه التاريخ رغم الدمعة والحزن والبلاء ولكن بعد الضيق ياتي الفرج وفرج الله سبحانه وتعالى هو مايرسم البسمه على شفاه هذه الأمة.
إذن اخوتي الأحبة، ماوددته هو أن يبقى هذا المعنى مترسخاً أكثر في اذهانكم لأنه هو الزاد الذي نحتاجه في قادم الأيام ، فبالأمكان ان يتحدث الأنسان عن أمور كثيرة ولكن مانحتاجه اليوم هو السلوكيات التي تثبتنا وتبقينا على طريقٍ رأينا فيه من الصعوبات ما أسقط الجبال وبحمد الله تعالى لم نسقط ونعلم بأن الذي سيأتينا من بعد ذلك صعبُ مرير ولكننا أيضاً بحول الله سوف لن نتراخى طالما أننا في مدرسة كربلاء.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلاته وسلامه على رسوله وآله ابداً..