المقاومة ... والخطأ الخطيئة!
هنري حاماتي
واضح أن الضغوط الدولية الراهنة تتدرّج في السياق التالي:
أ خروج الجيش السوري من لبنان.
ب نزع سلاح المقاومة اللبنانية، وتحوّل حزب الله الى حزب سياسي لبناني.
ج نزع سلاح المخيمات الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، مريدين أو مرغمين، الى حيث يتمّ توطينهم.
د توطينهم حيث هم في لبنان، ولو أفضى هذا الى تقسيم لبنان الى فدرالية كانتونات مذهبية..
وكل هذا هو لغرض تصفية موضوع حق العودة للفلسطينيين، تطبيقاً للقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة.
هذا السيناريو يصبح قابلاً للتطبيق منذ اللحظة التي يتم فيها زوال المانع الاكبر المتمثل بوجود المقاومة اللبنانية. ولوجود المقاومة أبعاد عدة واضحة تؤلف إشكالات هامة جدا للاستراتيجية الاميركية الشرق أوسطية:
1 بُعد داخلي لبناني يشكل ثقلاً ضخماً في معادلات القوى اللبنانية، تحالفه، في الخط السوري القومي، قوى حزبية، عقائدية وتكتلية، تؤمن استمرار الفاعلية الغالبة للخط السوري القومي بعد انسحاب الجيش السوري ومخابراته من لبنان.
2 بُعد عسكري استراتيجي لبناني يتمثل في قوة رادعة للمقاومة تحمي حدود جبهة لبنان مع العدو، وتضع حداً لمسلسل اجتياحاته العسكرية المهينة.
3 بُعد فلسطيني يتمثل في إفشال خطة نزع سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبالتالي، إفشال خطتي التهجير والتوطين، الأمر الذي يعني حشر اميركا واسرائيل في زاوية القرار 194، الذي لا سبيل الى الغائه لأنه صادر عن الأمم المتحدة، مثل القرارين 242 و338.
4 بُعد قومي سياسي يتمثل في بقاء لبنان في دائرة الصمود القومي، مع الشام، ضد الضغوط الاميركية الاسرائيلية، وفي تأكيد وحدة المسارين اللبناني الشامي، المقتضى القومي الأول لمفاوضات السلام.
ولمعرفة أهمية هذا المقتضى القومي، يكفي أن نتصور ما كان يكون عليه موقعنا القومي، دوليا، وفي وجه الضغوط الدولية، لو أن الاردن لم يسارع الى عقد اتفاقية صلح وسلام مع العدو، ولو أنه كان، اليوم، ما زال في الخط القومي الموحّد، مع الشام ولبنان... في وحدة مسارات ثلاثة، ينشدّ اليها، حكما، المسار الفلسطيني، فتتقومن بها الجبهة المفتوحة في قلب العدو: جبهة الانتفاضة!
5 بُعد قومي استراتيجي يتمثل في الارتدادات المحتملة، بل شبه المؤكدة، للصدام العسكري مع المقاومة، على معادلات التوازنات السياسية في العراق، هذه التوازنات التي تشكل الأمل الأخير للولايات المتحدة لإمكان الخروج من تورطها العسكري هناك.
6 بُعد إقليمي استراتيجي يتمثل في العلاقة الاستراتيجية بين الشام والمقاومة وايران، وهذا ما تخشى الولايات المتحدة التهور في معاملته لأنه يفتح على جيشها في العراق آلاف الكيلومترات من الحدود العراقية السورية والعراقية الايرانية، التي عانت في مثلها الأمرّين في فيتنام، يوم انفتحت الحدود الكمبودية الفيتنامية على جيوشها، فتكبّدت ألواناً من الهزائم العسكرية والبشرية والسياسية والمالية... لا حصر لها.
مثل هذه الأبعاد الخطيرة والهامة لا تستطيع العنجهية الأميركية أن تتجاهلها، وهي، لهذا، تكتفي، حتى الآن، بالمداورة والمناورة في معالجة القضايا المركبة المعقدة التي تواجهها في ما تحبّ أن تقدم صورته للعالم: أن المقاومة قوة مسلحة يجب التعامل معها على انها مجرد جماعة إرهابية.
نعم، تصفية المقاومة في لبنان ليست غرضاً في ذاته، وأميركا تعرف هذا جيداً، لأنها تعرف جيداً أن المقاومة حضور سياسي عسكري شعبي صريح، ذو أبعاد محلية وقومية وإقليمية... ولا يمكن أن تُوهم نفسها انها هنا تتعامل مع ما يشبه بن لادن، أو الزرقاوي، أو أبو سياف... أو ما شاكلهم، ممن تعرفهم واشنطن ويعرفونها أكثر مما نعرفهم ونعرفها...
المقاومة عندنا حضور سياسي عسكري شعبي صريح، كالجيش اللبناني، والجيش السوري، والانتفاضة الشعبية الفلسطينية، والمقاومة العراقية البطلة...
وهذا، بالضبط، ما يدعونا الى تحصينها...
وفي هذا السبيل نرى ما يلي:
يرتكز منطق حزب الله، في كل أدبياته الموجهة للداخل اللبناني والخارج الدولي، الى العناصر التالية:
أولاً: نحن في حالة حرب مع العدو الإسرائيلي. والدفاع عن النفس، بكل وسيلة ممكنة، هو حق طبيعي، وحق شرعي أقرّته المواثيق الدولية.
ثانياً: لقد اجتاحت إسرائيل سيادة الدولة اللبنانية وانتهكتها مرات عدة في الماضي، بذرائع متنوّعة عدة لم تحجب يوماً شهيتها القديمة لمياه الليطاني، التي كادت بريطانيا تُلحقها بخريطة مشروع الوطن القومي اليهودي، خلال الاعوام 1917 و 18 و 19 و 20، لولا تشدد فرنسا بتمسكها بحرفية اتفاقية سايكس بيكو، لجهة خط الحدود المرسوم لخريطة <<لبنان الكبير>>، والمار بالناقورة... ولهذا السبب دعت اسرائيل اجتياحها الأكبر الأخير للبنان <<عملية الليطاني>>... على أمل أن تقنص بالاجتياح العسكري ما لم تقدر على قنصه بواسطة حلفائها الانكلوسكسون المجرمين...
ثالثاً: الجيش اللبناني لا يستطيع وحده أن يحمي الأرض اللبنانية في مواجهة الجيش الإسرائيلي... فالمقاومة الشعبية المسلحة ضرورة استراتيجية للدفاع عن الأرض والسيادة اللبنانيتين: فما تستطيعه حرب العصابات ضد الجيوش النظامية القوية لا يستطيعه جيش لبنان. وخير مثل حي، على هذا، مآثر المقاومة الشعبية في العراق ضد أعتى جيش في العالم... ومآثر الانتفاضة في فلسطين ضد <<الجيش الذي لا يُغلب>>.
رابعاً: المقاومة شرعية مئة بالمئة لأنها جزء من القوة الدفاعية اللبنانية. وشرعيتها مثبتة في كونها جزءاً من الاستراتيجية العسكرية للدولة اللبنانية. فالسلطة السياسية في لبنان، وهي رمز السيادة الوطنية، تعتبرها قوة دفاعية شعبية رسمية، والجيش اللبناني يتعامل معها على هذا الأساس...
خامساً: المقاومة باعتراف أسوأ المراوغين حررت لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن كبدت إسرائيل خسائر لم تتكبد مثلها في كل حروبها مع الجيوش النظامية العربية...
هذا يعني أن المقاومة قوة حقيقية، فهي اذن، في حساب الوقائع التاريخية، حقيقة جديدة فرضت نفسها بمجرد انتصارها:
حقيقة جديدة لن يمر انتصارها دون أن يترك أثراً كبيراً في التفكير الاستراتيجي القومي، في تعامله مع مستقبل مشروع <<الوطن القومي اليهودي>> في فلسطين.
وحدها حرب العصابات قادرة على إنهاك إسرائيل وجعل حياتها مستحيلة، وتدميرها، ذلك أننا لا نملك، واقعياً، ما هو قادر على تهديد هذه الترسانة النووية الإسرائيلية ودحرها، واختراق الوجدان الجماعي اليهودي لثنيه عن مشروعه العنصري الاغتصابي، غير سلاح البطولة الأسمى: سلاح الأستشهاد البطولي، الذي خبر اليهود فاعليته في لبنان، مع أبطالنا الاستشهاديين الأول، وخبروا قدره بل قدريته مع أبطالنا الاستشهاديين في الأنتفاضة، كما تتلوى ألماً في اختباره جيوش الاحتلال الأميركي في العراق، اليوم، مع أبطالنا الاستشهاديين الميامين، المياومين بتصميم عز نظيره على دحر الأحتلال الأميركي بقوة الروح القومية الظافرة. بهذا السلاح الأقوى الأسمى الذي ستعجز مصانع الاسلحة الأكثر تطوراً في العالم عن ابتكار سلاح ضده، يصنع شعبنا اليوم، في لبنان وفلسطين والعراق، حضوره ومستقبله: يصنع سيادته وحريته ووحدته، بقوة روحه المشحونة بقيم تاريخه، التي قرّر أنها هي معنى وجوده.
ولهذا،
لأن المقاومة هي هذه الحقيقة الجديدة المؤسسة على البطولة الأسمى، نحن مطالَبون بتقويم تاريخي لها، ليس فقط بوصفها ظاهرة إنسانية روحية فريدة في العالم، بل أيضاً بوصفها خصوصية قومية ابتدعها شعبنا من مقومات شخصيته الحضارية الغنية الراقية، خلال جحيم معاناته في مواجهة قوى الاغتصاب والاحتلال والتآمر والاستلاب... وبوصفها، في الوقت نفسه، السلاح الأوحد في المواجهة: بوصفها ذات فرادة مزدوجة!
وبعد،
منطق حزب الله في كلامه عن المقاومة، من حيث هي الضرورة الأولى للمواجهة، ومن حيث هي حضور استراتيجي شرعي... يجب أن يقودنا الى تجاوز حدود صورتها كقوة مذهبية متمركزة في وسط فسيفسائي مذهبي، داخلة، مرغمة ولو غير مريدة، في حسابات التوازنات التافهة لنظام سياسي مذهبي عنصري تافه، هو هذا النظام اللبناني الساقط.
كل كلام، في هذا السياق، هو لغو حكماً، فيما نحن في مواجهة تنفيذ مخطط استعماري صهيوني يهدف الى تجزئة كيانات سايكس بيكو الى كيانات مذهبية عنصرية جديدة... ولا نملك الا المقاومة الشعبية المنظمة لمنع تنفيذ هذا المخطط.
لقد حاول حزب الله في السابق استقطاب قوى لبنانية من مذاهب مختلفة للانخراط في العمل المقاوم. والواضح أن محاولاته لم تحقق النجاح المطلوب، لأسباب عدة، أولها تخاذل الأحزاب العقائدية والسياسية المكوّنة من طوائف مختلفة، وانكفاؤها، وانحسارها عن الساحة القومية، وتقلص اهتمامات قياداتها الى المصالح الشخصية والمنافع الدنيئة.
كل الأحزاب اللبنانية العلمانية، كبيرها وصغيرها، كانت تتفرج على حزب الله وهو يتصدى وحده للعدو، وكأن الأمر لا يعنيها... وها هي اليوم، تتابع في السلوك نفسه، اذ تتفرج على حزب الله وهو يواجه التهديد الأكبر من جهات العالم الأربع، كأن الأمر لا يعنيها...
وأخيراً،
وتأسيساً على ما تقدّم، نحن مدعوون اليوم الى مراجعة كل التوصيفات السياسية التي استخدمناها سابقاً للدفاع عن المقاومة اللبنانية، ولإثبات ضرورتها وشرعيتها وأهميتها التاريخية، كما نحن مدعوون الى النظر إليها من رأس زاوية منفرجة تسمح برؤية المشهد العام للحقائق الجديدة التي تتظاهر، في الدرجة الأولى، في خصوصيتنا القومية الراهنة الأولى: شعب يقاوم بما ملكت يداه، في لبنان وفلسطين والعراق، مخرجاً الى حلبة معركة وجوده سلاحه الأقوى والأنبل: سلاح الاستشهاد البطولي الذي بات يروّع أعتى الجيوش، وأضخمها، وأكثرها صلفاً وعنجهية.
وفي المراجعة العقلانية الصارمة، نكتشف أننا، في لبنان، ارتكبنا خطأ كبيراً بل خطيئة كبيرة عندما أبقينا المقاومة تحت سقف التطوّع لمن يريد التطوع، ولم يتقرّر لها، في مستويات القرار اللبناني السوري، تخطيط سياسي عسكري يرفع تكوينها الى المستوى الاستراتيجي الأعلى، فاستمرت هكذا دون أن تتطور، وبقيت، حتى الآن، في نطاق المبادرين الأبطال الكربلائيين الناشئين على العز بشعار <<هيهات منّا الذلة>>، لتتحول بهذا الى إشكال سوري لبناني نبحث له عن طريقة لصدّ تداعيات وجوده، وكأن وجوده بات عبئاً.
نعم، الخطأ الخطيئة هو في ان السلطات السياسية السورية اللبنانية لم تخطط لتأسيس تكوين شعبي مقاوم، بقيادة عسكرية مدنية صريحة، وبقانون دستوري علني صريح يصدر عن السلطة التشريعية اللبنانية، ويأخذ شرعيته من ممثلي الشعب اللبناني، مصدر السلطات السياسية في البلاد: قانون دستوري يؤسس المقاومة الشعبية، وينظمها، ويسلحها، ويرفدها بكل ما تحتاجه، بوصفها منظمة شعبية رسمية مسلّحة رديفة للجيش، وهذا من أبسط حقوق الدولة، بل من أبسط واجبات الدولة المنتهكة سيادتها، والواقعة تحت الاحتلال...
ورأينا، اليوم، أن الأوان لم يفت، لأننا ما زلنا في حالة حرب مع العدو، ولأن إسرائيل التي اجتاحت لبنان مرات عدة في الماضي، حتى بلوغ بيروت العاصمة، ما زالت عيناها على الليطاني، والفدرالية المذهبية هي أقصر الطرق إليه، ولأن الرد العملي الحاسم على المشروع الأميركي الإسرائيلي الثاني، بعد خروج الجيش السوري من لبنان، والهادف الى نزع سلاح المقاومة الاسلامية بوصفها ميليشيا مذهبية مسلحة، هو إعلان تأسيس مقاومة شعبية وطنية لبنانية، تُسهم فيها أحزاب لبنان الوطنية وسائر فئاته، في تنظيم رسمي شعبي جامع، يحفظ فيه كل المساهمين هوياتهم السياسية الخاصة، تماماً كما تحفظ العصابات اليهودية هوياتها الخاصة في تنظيم دفاعي موحّد، في أرضنا المحتلة.
نحن لا نقول بهذا من أجل الدفاع عن المقاومة الإسلامية في لبنان، في مناسبة التهديدات الدولية، والقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن التابع للإقطاع الدولي الأميركي، وفي أجواء <<النصائح>> العربية العنّينة وكأن المقاومة قد انتهى دورها بتحريرها جنوب لبنان، وكأن إسرائيل قد انكفأت وانحسرت وألغت كل أطماعها وشهواتها في الأرض والماء بل نقول هذا، لأن حربنا مع العدو، وظهيره الأنكلوسكسوني، وعملائهما، لن تنتهي الا بانتصار أخير حاسم نسجله عليه، أو يسجله علينا!
فالمعركة ما زالت في بدايتها... وبعض الأخطاء خطايا مميتة.
فلئن كانت الجبانة المنقذة من الموت ذلّة نفسية مهينة، فإن الخطأ الخطيئة المميت ذلة عقلية مشينة، ذلك أن للوجود الانساني قطبين: القيم والحقائق... فإذا فُقد أحد قطبيه خسر نفسه، وتداعى، وصار الى زوال.
=================
يرفع المقال لمن يريد النقاش اما بالنسبه لي فاقول جملة واحده..( مع حفظ حقوق صاحب المقال من المقصد السيء)
هو يصب في خانة انهاء المقاومه بقصد او بنوايا سليمة لا فرق فالنتيجة واحده .
هنري حاماتي
واضح أن الضغوط الدولية الراهنة تتدرّج في السياق التالي:
أ خروج الجيش السوري من لبنان.
ب نزع سلاح المقاومة اللبنانية، وتحوّل حزب الله الى حزب سياسي لبناني.
ج نزع سلاح المخيمات الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، مريدين أو مرغمين، الى حيث يتمّ توطينهم.
د توطينهم حيث هم في لبنان، ولو أفضى هذا الى تقسيم لبنان الى فدرالية كانتونات مذهبية..
وكل هذا هو لغرض تصفية موضوع حق العودة للفلسطينيين، تطبيقاً للقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة.
هذا السيناريو يصبح قابلاً للتطبيق منذ اللحظة التي يتم فيها زوال المانع الاكبر المتمثل بوجود المقاومة اللبنانية. ولوجود المقاومة أبعاد عدة واضحة تؤلف إشكالات هامة جدا للاستراتيجية الاميركية الشرق أوسطية:
1 بُعد داخلي لبناني يشكل ثقلاً ضخماً في معادلات القوى اللبنانية، تحالفه، في الخط السوري القومي، قوى حزبية، عقائدية وتكتلية، تؤمن استمرار الفاعلية الغالبة للخط السوري القومي بعد انسحاب الجيش السوري ومخابراته من لبنان.
2 بُعد عسكري استراتيجي لبناني يتمثل في قوة رادعة للمقاومة تحمي حدود جبهة لبنان مع العدو، وتضع حداً لمسلسل اجتياحاته العسكرية المهينة.
3 بُعد فلسطيني يتمثل في إفشال خطة نزع سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبالتالي، إفشال خطتي التهجير والتوطين، الأمر الذي يعني حشر اميركا واسرائيل في زاوية القرار 194، الذي لا سبيل الى الغائه لأنه صادر عن الأمم المتحدة، مثل القرارين 242 و338.
4 بُعد قومي سياسي يتمثل في بقاء لبنان في دائرة الصمود القومي، مع الشام، ضد الضغوط الاميركية الاسرائيلية، وفي تأكيد وحدة المسارين اللبناني الشامي، المقتضى القومي الأول لمفاوضات السلام.
ولمعرفة أهمية هذا المقتضى القومي، يكفي أن نتصور ما كان يكون عليه موقعنا القومي، دوليا، وفي وجه الضغوط الدولية، لو أن الاردن لم يسارع الى عقد اتفاقية صلح وسلام مع العدو، ولو أنه كان، اليوم، ما زال في الخط القومي الموحّد، مع الشام ولبنان... في وحدة مسارات ثلاثة، ينشدّ اليها، حكما، المسار الفلسطيني، فتتقومن بها الجبهة المفتوحة في قلب العدو: جبهة الانتفاضة!
5 بُعد قومي استراتيجي يتمثل في الارتدادات المحتملة، بل شبه المؤكدة، للصدام العسكري مع المقاومة، على معادلات التوازنات السياسية في العراق، هذه التوازنات التي تشكل الأمل الأخير للولايات المتحدة لإمكان الخروج من تورطها العسكري هناك.
6 بُعد إقليمي استراتيجي يتمثل في العلاقة الاستراتيجية بين الشام والمقاومة وايران، وهذا ما تخشى الولايات المتحدة التهور في معاملته لأنه يفتح على جيشها في العراق آلاف الكيلومترات من الحدود العراقية السورية والعراقية الايرانية، التي عانت في مثلها الأمرّين في فيتنام، يوم انفتحت الحدود الكمبودية الفيتنامية على جيوشها، فتكبّدت ألواناً من الهزائم العسكرية والبشرية والسياسية والمالية... لا حصر لها.
مثل هذه الأبعاد الخطيرة والهامة لا تستطيع العنجهية الأميركية أن تتجاهلها، وهي، لهذا، تكتفي، حتى الآن، بالمداورة والمناورة في معالجة القضايا المركبة المعقدة التي تواجهها في ما تحبّ أن تقدم صورته للعالم: أن المقاومة قوة مسلحة يجب التعامل معها على انها مجرد جماعة إرهابية.
نعم، تصفية المقاومة في لبنان ليست غرضاً في ذاته، وأميركا تعرف هذا جيداً، لأنها تعرف جيداً أن المقاومة حضور سياسي عسكري شعبي صريح، ذو أبعاد محلية وقومية وإقليمية... ولا يمكن أن تُوهم نفسها انها هنا تتعامل مع ما يشبه بن لادن، أو الزرقاوي، أو أبو سياف... أو ما شاكلهم، ممن تعرفهم واشنطن ويعرفونها أكثر مما نعرفهم ونعرفها...
المقاومة عندنا حضور سياسي عسكري شعبي صريح، كالجيش اللبناني، والجيش السوري، والانتفاضة الشعبية الفلسطينية، والمقاومة العراقية البطلة...
وهذا، بالضبط، ما يدعونا الى تحصينها...
وفي هذا السبيل نرى ما يلي:
يرتكز منطق حزب الله، في كل أدبياته الموجهة للداخل اللبناني والخارج الدولي، الى العناصر التالية:
أولاً: نحن في حالة حرب مع العدو الإسرائيلي. والدفاع عن النفس، بكل وسيلة ممكنة، هو حق طبيعي، وحق شرعي أقرّته المواثيق الدولية.
ثانياً: لقد اجتاحت إسرائيل سيادة الدولة اللبنانية وانتهكتها مرات عدة في الماضي، بذرائع متنوّعة عدة لم تحجب يوماً شهيتها القديمة لمياه الليطاني، التي كادت بريطانيا تُلحقها بخريطة مشروع الوطن القومي اليهودي، خلال الاعوام 1917 و 18 و 19 و 20، لولا تشدد فرنسا بتمسكها بحرفية اتفاقية سايكس بيكو، لجهة خط الحدود المرسوم لخريطة <<لبنان الكبير>>، والمار بالناقورة... ولهذا السبب دعت اسرائيل اجتياحها الأكبر الأخير للبنان <<عملية الليطاني>>... على أمل أن تقنص بالاجتياح العسكري ما لم تقدر على قنصه بواسطة حلفائها الانكلوسكسون المجرمين...
ثالثاً: الجيش اللبناني لا يستطيع وحده أن يحمي الأرض اللبنانية في مواجهة الجيش الإسرائيلي... فالمقاومة الشعبية المسلحة ضرورة استراتيجية للدفاع عن الأرض والسيادة اللبنانيتين: فما تستطيعه حرب العصابات ضد الجيوش النظامية القوية لا يستطيعه جيش لبنان. وخير مثل حي، على هذا، مآثر المقاومة الشعبية في العراق ضد أعتى جيش في العالم... ومآثر الانتفاضة في فلسطين ضد <<الجيش الذي لا يُغلب>>.
رابعاً: المقاومة شرعية مئة بالمئة لأنها جزء من القوة الدفاعية اللبنانية. وشرعيتها مثبتة في كونها جزءاً من الاستراتيجية العسكرية للدولة اللبنانية. فالسلطة السياسية في لبنان، وهي رمز السيادة الوطنية، تعتبرها قوة دفاعية شعبية رسمية، والجيش اللبناني يتعامل معها على هذا الأساس...
خامساً: المقاومة باعتراف أسوأ المراوغين حررت لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن كبدت إسرائيل خسائر لم تتكبد مثلها في كل حروبها مع الجيوش النظامية العربية...
هذا يعني أن المقاومة قوة حقيقية، فهي اذن، في حساب الوقائع التاريخية، حقيقة جديدة فرضت نفسها بمجرد انتصارها:
حقيقة جديدة لن يمر انتصارها دون أن يترك أثراً كبيراً في التفكير الاستراتيجي القومي، في تعامله مع مستقبل مشروع <<الوطن القومي اليهودي>> في فلسطين.
وحدها حرب العصابات قادرة على إنهاك إسرائيل وجعل حياتها مستحيلة، وتدميرها، ذلك أننا لا نملك، واقعياً، ما هو قادر على تهديد هذه الترسانة النووية الإسرائيلية ودحرها، واختراق الوجدان الجماعي اليهودي لثنيه عن مشروعه العنصري الاغتصابي، غير سلاح البطولة الأسمى: سلاح الأستشهاد البطولي، الذي خبر اليهود فاعليته في لبنان، مع أبطالنا الاستشهاديين الأول، وخبروا قدره بل قدريته مع أبطالنا الاستشهاديين في الأنتفاضة، كما تتلوى ألماً في اختباره جيوش الاحتلال الأميركي في العراق، اليوم، مع أبطالنا الاستشهاديين الميامين، المياومين بتصميم عز نظيره على دحر الأحتلال الأميركي بقوة الروح القومية الظافرة. بهذا السلاح الأقوى الأسمى الذي ستعجز مصانع الاسلحة الأكثر تطوراً في العالم عن ابتكار سلاح ضده، يصنع شعبنا اليوم، في لبنان وفلسطين والعراق، حضوره ومستقبله: يصنع سيادته وحريته ووحدته، بقوة روحه المشحونة بقيم تاريخه، التي قرّر أنها هي معنى وجوده.
ولهذا،
لأن المقاومة هي هذه الحقيقة الجديدة المؤسسة على البطولة الأسمى، نحن مطالَبون بتقويم تاريخي لها، ليس فقط بوصفها ظاهرة إنسانية روحية فريدة في العالم، بل أيضاً بوصفها خصوصية قومية ابتدعها شعبنا من مقومات شخصيته الحضارية الغنية الراقية، خلال جحيم معاناته في مواجهة قوى الاغتصاب والاحتلال والتآمر والاستلاب... وبوصفها، في الوقت نفسه، السلاح الأوحد في المواجهة: بوصفها ذات فرادة مزدوجة!
وبعد،
منطق حزب الله في كلامه عن المقاومة، من حيث هي الضرورة الأولى للمواجهة، ومن حيث هي حضور استراتيجي شرعي... يجب أن يقودنا الى تجاوز حدود صورتها كقوة مذهبية متمركزة في وسط فسيفسائي مذهبي، داخلة، مرغمة ولو غير مريدة، في حسابات التوازنات التافهة لنظام سياسي مذهبي عنصري تافه، هو هذا النظام اللبناني الساقط.
كل كلام، في هذا السياق، هو لغو حكماً، فيما نحن في مواجهة تنفيذ مخطط استعماري صهيوني يهدف الى تجزئة كيانات سايكس بيكو الى كيانات مذهبية عنصرية جديدة... ولا نملك الا المقاومة الشعبية المنظمة لمنع تنفيذ هذا المخطط.
لقد حاول حزب الله في السابق استقطاب قوى لبنانية من مذاهب مختلفة للانخراط في العمل المقاوم. والواضح أن محاولاته لم تحقق النجاح المطلوب، لأسباب عدة، أولها تخاذل الأحزاب العقائدية والسياسية المكوّنة من طوائف مختلفة، وانكفاؤها، وانحسارها عن الساحة القومية، وتقلص اهتمامات قياداتها الى المصالح الشخصية والمنافع الدنيئة.
كل الأحزاب اللبنانية العلمانية، كبيرها وصغيرها، كانت تتفرج على حزب الله وهو يتصدى وحده للعدو، وكأن الأمر لا يعنيها... وها هي اليوم، تتابع في السلوك نفسه، اذ تتفرج على حزب الله وهو يواجه التهديد الأكبر من جهات العالم الأربع، كأن الأمر لا يعنيها...
وأخيراً،
وتأسيساً على ما تقدّم، نحن مدعوون اليوم الى مراجعة كل التوصيفات السياسية التي استخدمناها سابقاً للدفاع عن المقاومة اللبنانية، ولإثبات ضرورتها وشرعيتها وأهميتها التاريخية، كما نحن مدعوون الى النظر إليها من رأس زاوية منفرجة تسمح برؤية المشهد العام للحقائق الجديدة التي تتظاهر، في الدرجة الأولى، في خصوصيتنا القومية الراهنة الأولى: شعب يقاوم بما ملكت يداه، في لبنان وفلسطين والعراق، مخرجاً الى حلبة معركة وجوده سلاحه الأقوى والأنبل: سلاح الاستشهاد البطولي الذي بات يروّع أعتى الجيوش، وأضخمها، وأكثرها صلفاً وعنجهية.
وفي المراجعة العقلانية الصارمة، نكتشف أننا، في لبنان، ارتكبنا خطأ كبيراً بل خطيئة كبيرة عندما أبقينا المقاومة تحت سقف التطوّع لمن يريد التطوع، ولم يتقرّر لها، في مستويات القرار اللبناني السوري، تخطيط سياسي عسكري يرفع تكوينها الى المستوى الاستراتيجي الأعلى، فاستمرت هكذا دون أن تتطور، وبقيت، حتى الآن، في نطاق المبادرين الأبطال الكربلائيين الناشئين على العز بشعار <<هيهات منّا الذلة>>، لتتحول بهذا الى إشكال سوري لبناني نبحث له عن طريقة لصدّ تداعيات وجوده، وكأن وجوده بات عبئاً.
نعم، الخطأ الخطيئة هو في ان السلطات السياسية السورية اللبنانية لم تخطط لتأسيس تكوين شعبي مقاوم، بقيادة عسكرية مدنية صريحة، وبقانون دستوري علني صريح يصدر عن السلطة التشريعية اللبنانية، ويأخذ شرعيته من ممثلي الشعب اللبناني، مصدر السلطات السياسية في البلاد: قانون دستوري يؤسس المقاومة الشعبية، وينظمها، ويسلحها، ويرفدها بكل ما تحتاجه، بوصفها منظمة شعبية رسمية مسلّحة رديفة للجيش، وهذا من أبسط حقوق الدولة، بل من أبسط واجبات الدولة المنتهكة سيادتها، والواقعة تحت الاحتلال...
ورأينا، اليوم، أن الأوان لم يفت، لأننا ما زلنا في حالة حرب مع العدو، ولأن إسرائيل التي اجتاحت لبنان مرات عدة في الماضي، حتى بلوغ بيروت العاصمة، ما زالت عيناها على الليطاني، والفدرالية المذهبية هي أقصر الطرق إليه، ولأن الرد العملي الحاسم على المشروع الأميركي الإسرائيلي الثاني، بعد خروج الجيش السوري من لبنان، والهادف الى نزع سلاح المقاومة الاسلامية بوصفها ميليشيا مذهبية مسلحة، هو إعلان تأسيس مقاومة شعبية وطنية لبنانية، تُسهم فيها أحزاب لبنان الوطنية وسائر فئاته، في تنظيم رسمي شعبي جامع، يحفظ فيه كل المساهمين هوياتهم السياسية الخاصة، تماماً كما تحفظ العصابات اليهودية هوياتها الخاصة في تنظيم دفاعي موحّد، في أرضنا المحتلة.
نحن لا نقول بهذا من أجل الدفاع عن المقاومة الإسلامية في لبنان، في مناسبة التهديدات الدولية، والقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن التابع للإقطاع الدولي الأميركي، وفي أجواء <<النصائح>> العربية العنّينة وكأن المقاومة قد انتهى دورها بتحريرها جنوب لبنان، وكأن إسرائيل قد انكفأت وانحسرت وألغت كل أطماعها وشهواتها في الأرض والماء بل نقول هذا، لأن حربنا مع العدو، وظهيره الأنكلوسكسوني، وعملائهما، لن تنتهي الا بانتصار أخير حاسم نسجله عليه، أو يسجله علينا!
فالمعركة ما زالت في بدايتها... وبعض الأخطاء خطايا مميتة.
فلئن كانت الجبانة المنقذة من الموت ذلّة نفسية مهينة، فإن الخطأ الخطيئة المميت ذلة عقلية مشينة، ذلك أن للوجود الانساني قطبين: القيم والحقائق... فإذا فُقد أحد قطبيه خسر نفسه، وتداعى، وصار الى زوال.
=================
يرفع المقال لمن يريد النقاش اما بالنسبه لي فاقول جملة واحده..( مع حفظ حقوق صاحب المقال من المقصد السيء)
هو يصب في خانة انهاء المقاومه بقصد او بنوايا سليمة لا فرق فالنتيجة واحده .
تعليق