لقاء مع سماحة السيد مهدي المدرسي
التبليغ في العالم الغربي والعالم المسيحي
أجرى اللقاء : سيد حسن الحسن
إنها تجربة ثرية في التبليغ للإسلام في الغرب ، بدأت هذه التجربة منذ سنوات حتى أصبح حضوراً بارزاً في الغرب ، إنه سماحة الحجة الخطيب المفوه السيد مهدي المدرسي (حفظه الله) عضو (رابطة العلماء في العراق) و رئيس المعهد الإسلامي العراقي و نجل آية الله السيد هادي المدرسي (دام ظله الوارف) ، كما كان لسماحته حضور سياسي في الانتخابات العراقية الأخيرة من خلال نزوله في أحد القوائم الانتخابية رغم عدم فوزه ، ويعد اليوم من أبرز العلماء و خطباء المنبر الحسيني في الدول الغربية و له محاضرات باللغة الإنجليزية يحضرها الألوف أينما عقدت، و كان آخرها في العاصمة البريطانية - لندن - حيث أقيم ما أسمته بعض المصادر الصحفية "أكبر مجلس حسيني في القارة الأوربية " ، ويجدر بالذكر أن غير المسلمين من النصارى و حتى السيخ يحضرون و يشاركون في العزاء في هذا المجلس الحسيني الذي يعد أحد أكبر المجالس في بريطانيا و القارة الأوربية من حيث الإقبال الشديد من قبل مختلف طبقات المجتمع .
التقيناه ودار هذا الحديث الذي خصصناه لتجربته التبليغية في الغرب .
منتدى القرآن الكريم: في البدء نريد أن نسمع منكم قصة تجربتكم في حقل التبليغ في العالم الغربي والعالم المسيحي بعد هذه السنين الطويلة ؟ .
السيد مهدي المدرسي : أقول بدءًا قبل عدة أعوام أقمنا مجلساً لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) في مدينة سيدني الأسترالية ، وهي كبرى مدن القارة الأسترالية وفيها جالية ضخمة نسبياً من المسلمين ومن شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) أكثرهم من اللبنانيين وهنالك من العراقيين عدداً لا بأس به , فأقمنا مجلساً لإحياء تلك الذكرى الأليمة ، وألقيت أنا بهم كلمة تأبينية ومجلساً للعزاء , وكلمتي كانت باللغة الإنجليزية باعتبار الحضور أكثرهم من الشباب والشابات الذين ولدوا ونشئوا وترعرعوا في أستراليا , وألقيت تلك الكلمة وقلت فيما قلت : إنّ من أعظم مصائب يوم العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة ذلك اليوم الذي لا مثيل له في تاريخ البشرية , وهو يوم كما قال الإمام الحسن المجتبى (صلوات الله عليه) قال " : لا يوم كيومك يا أبا عبد الله " ، من أعظم المصائب الذي حصلت في ذلك اليوم قضية سلب المقانع من الهاشميات ومن نساء الإمام الحسين (عليه السلام) وبناته ، وهي من أعظم المصائب لأن الإمام الحسين (سلام الله عليه) قتل من أجل أن يمنع ذلك من الحدوث ، ثم أشرت إلى قضية الحجاب باعتبار أنّ النساء التي حضرن في ذلك المجلس كان حجابهم أقل من المستوى المطلوب - إن صحّ التعبير - فقلت : أن المرأة أو الفتاة التي لا تلتزم بالحجاب الإسلامي الذي في الواقع علّمنا إياه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتمثلت البتول الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام( وكذلك الحوراء زينب (سلام الله عليها) به ، قلت : إنّ المرأة التي لا تلتزم بالحجاب إنما هي بمثابة سهم في قلب عقيلة الهاشميين زينب الكبرى (سلام الله عليها) ، ثم انتهى المجلس بسرد لحوادث العاشر محرم الحرام وما تلت من مصائب وآلام على أهل بيت العصمة والطهارة , وبعد المجلس وإذا بفتاة
أسترالية من أصل يوناني تعلن في المجلس أنها قررت أن ترتدي الحجاب فهي لا تؤمن بالله ولا برسوله ولا باليوم الآخر إلا أن مصيبة الإمام الحسين )صلوات الله عليه) والألم الذي تحملته زينب الكبرى ودمج ذلك ومزجه بقضية الحجاب والستر والتحشم أدى إلى اقتناعها بهذه المفردة الصغيرة من مفردات الدين الإسلامي الحنيف فتقرر أن ترتدي الحجاب .
س : إذن ترى تقبلاً للإسلام عامة والتشيع خاصة في الغرب ؟ .
ج : قلت ما سبق كمقدمة وأشير به إلى المستوى العالي من الانفتاح الذي نجده في الأرض على التعاليم الإسلامي والشريعة السمحاء ، فهنالك تقبل من الغربيين لما جاء به نبي الهدى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من تعاليم تنفع البشرية بشكل عام ولا تخص فئة دون أخرى ولا تعني مجموعة دون أختها ، وإنما جاء بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى البشرية كافة ، لأنها في الواقع دين الله اختاره لعباده وهو آخر الأديان وخاتم الرسالات ، فهو لذلك ينفع البشرية في يومنا هذا كما كان ينفعها قبل أربعة عشر قرن من الزمن ، وسيبقى هذا الدين دين مشع بالعلم والبركة والمعرفة إلى يوم القيامة .
س : من خلال تجربتك ، هل التبليغ للتشيع استطاع الوصول للغربيين أم مازال في إطار الدفاع عن نفسه وحماية الجاليات المسلمة ؟ .
ج : أما من حيث تجربتي فهي وإن كانت قصيرة نسبياً إلا أنني أعتقد أن الله تبارك وتعالى وفقني لاكتساب تجربة غنية في هذا الحقل والتعرف على مفردات ومفاهيم كبيرة من ما يخص عقلية الفرد الغربي ، وأعتقد أن المجال واسع ومفسوح للتبليغ في الغرب ، ولكن من المؤسف -وهذه كلمة أكررها دائماً -أننا نجد التبليغ في الغرب لكننا لا نجد التبليغ للغرب ، وأعني بذلك أن أساليبنا التبليغية في الغرب تقتصر عادة على أساليب دفاعية ، أي أننا نحاول الحفاظ على جاليتنا وعلى أبنائنا والحفاظ على نسائنا وعلى أنفسنا من الانحراف السلوكي بدل أن نحاول أن نجتاز هذه المرحلة وأن نوصل صوت الإسلام الحنيف إلى الفرد الغربي ، ونكون بذلك قد حافظنا أيضاً على أبنائنا وعلى عوائلنا وعلى جالياتنا المستقرة في الغرب ، ويبقى الأمر الذي لا شك فيه أنّ المجال مفتوح في الغرب .
س : صف لنا تأثيرات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على التبليغ الإسلامي ؟ .
ج : نحن نجد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ينطبق عليه المثل القائل " رُبّ ضارة نافعة " ، حيث تجلّى ذلك في توجه العالم الغربي بشكل عام نحو الإسلام في محاولة لأبناء الغرب وأبناء العالم المسيحي للتعرف على بعض المفاهيم التي تدعو إلى أعمال كالتي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر في مدينة نيويورك و أرادوا هم بذلك أن يتعرفوا على نقاط الضعف بالإسلام وإذا بهم يواجهون هذا الدين العظيم ، ولذلك أصبح القرآن الكريم الكتاب الأول في المبيعات في مدينة نيويورك لعدة أسابيع ، كما اكتظت المساجد والمراكز الإسلامية بالسائلين عن الإسلام وبالراغبين بالتعرف عليه وعلى أسسه , والسبب في ذلك واضح وهو أن الإنسان يميل بطبعه إلى مصدر الضرر بالنسبة إليه ومصدر النفع له ، يميل إلى مصدر الضرر للتعرف على ما يمكنه أن يخسر من جراء ذلك الشيء ، ويميل إلى مصدر النفع لأنه يطلب منه الفائدة والمصلحة ، ومن هنا فقد انفتح الغرب على الإسلام بمصراعيه و طلب في ذلك التعرف على الإسلام وإذا به يجد نفسه قد مالَ إليه ، ولهذا أصبح الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في العالم الغربي وفي كل واحدة من دول الغرب .
فإذن لا عذر لنا في قابلية لاستيعاب الإسلام ، وإنما المشكلة تكمن في مساعي المسلمين في تبليغ دينهم ، فهذا الباحث الألماني الشهير الدكتور (ووفن استاين) كتب كتاباً تحت عنوان (علي رب العلم والسيف) يقول في كتابه :أنا فخور وشكور لشرف الكتابة عن أعظم شخصية في التاريخ ألا وهو علي ابن أبي طالب ، كما يقول : أنا أبكي لأن علياً أعطي بيده المسحاة بدل من القلم .. هل كان علياً مزارعاً ؟ .. هل كان علياً حفاراً للآبار ؟ .. علي ذلك البطل الذي كان شعاره (سلوني قبل أن تفقدوني ( .... علي ذلك الخطيب المفوّه الذي لم ينازع في أدبه وفي براعته وفي فصاحته ..علي ذلك الذي يلقي خطبة كاملة دون حرف الألف ... علي ذلك الذي كان يلقي خطبة عظيمة من دون أن يستخدم خمسة عشر حرفاً من مجموع سبعة وعشرون حرفاً من حروف اللغة العربية أي ما يساوي خمسة وخمسين في المائة من حروف اللغة الضاد ... علي ذلك الذي خطب وتحدث و كان قمة في البلاغة والفصاحة... علي ذلك الليث المغوار والبطل الذي لم ينازع في ساحة قتال ... علي سيد البشرية جمعاء ... علي ذلك الأب المحب العطوف الحنون على الأمة الإسلامية بأجمعها .. لماذا كُلّفت قدوات كعلي (سلام الله عليه) في حفر الآبار وفي زرع الحقول بدل أن يكلّف بالفكر والتخطيط والإدارة ، أعطي علي المسحاة بدلا من القلم .. لماذا ؟ ، ثم يقول هذا الرجل: إنني لأبكي لأن التاريخ لا يمكن له أن يستوعب عظمة علي إلى الأبد .
وهذا كله دليل على أن الغرب مستعد لتقبل الإسلام وتقبّل مفاهيم هذا الدين وتعاليمه العظيمة ، كما إنّ الإسلام تقبّل التعاليم المسيحية ، فالمسيحية والنصرانية ديانة شرقية لا غربية ، ومعنى ذلك أن بإمكاننا تخطي حواجز التعصب والعنجهية التي تسود الغرب إنشاء الله .
س: هل تواجه صعوبات أو عوائق قانونية في التبليغ في الغرب ؟ .
ج : القانون هو الحاكم في الغرب ، طبعاً ذلك لا يعني أنه ليس بإمكان أحد أن يسيّر القانون وأن يميل به يمنة ويسرة لكي يصبّ في مصلحة الأكثرية في الغرب ، لكن في نفس الوقت الغطاء القانوني يحكم جميع الأطياف ويحكم جميع الأديان ، وهذا ما يفتح لنا مجالاً لا نجده عادة في بلادنا .
س : ولكن ألم تكن لأحداث الحادي عشر من سبتمبر أثر سلبي على عملكم التبليغي ؟ .
ج : هناك نقطة مهمة وهي أن الغرب عرف -خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي غيّرت الطريقة التي يتعامل بها الغرب بشكل عام مع الإسلام ومع العالم الإسلامي-غيّرت هذه الأحداث مفاهيم كثيرة فيما يخص بنظرة الغرب إلى الإسلام ، وكانت بعض هذه التغيرات تصب في مصلحة المؤمنين بأتباع مذهب أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) .
س : وكيف ذلك ؟ .
ج : لأنهم عرفوا أن التشيع لا يدعو إلى قتل كل من خالفهم من أصحاب الديانات الأخرى ولا يدعو إلى العنف ولا يدعو للخشونة ، ولا يدعو إلى القضاء على كل من خالفه في الرأي أو العقيدة ، وإنما هو مذهب ينطلق من قواعد تحث على التسامح وعلى التعايش ، كما قول أمير المؤمنين (سلام الله عليه) : " الناس صنفان فإما أخو لك في الدين أو نظير لك في الخلق " ، أو قوله (سلام الله عليه) : " من آذى ذمّياً فقد آذاني " ، فالذمي مهما كانت ديانته ومهما كانت توجهاته فإنه محترم أمام القانون وله كرامته و له حقوقه كإنسان مثل باقي المسلمين في بلادهم ، وهذا الانفتاح الجديد كان في مصلحة الشيعة من أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وبدأ العالم ينظر إليهم بنظرة جديدة .
س: هل فرّق الغربيون بين الشيعة وغيرهم من المسلمين أم يضعون الجميع في سلة واحدة ويرمونهم بالإرهاب لأن جماعة إسلامية مارسته ؟ .
ج : طبعاً أستثني من ذلك بعض الحالات الشاذة عندما تهجّمت بعض الشخصيات الغربية البارزة على الإسلام وعمّمت ما تراه من بعض الإرهابيين على جميع المسلمين بجميع طوائفهم المختلفة ، وهذا أمر حصل ويحصل إلى يومنا هذا ، ولن يتوقف ، ولكن بشكل عام رؤية الغرب إلى التشيع والى أتباعه هي نظرة إيجابية ولله الحمد ، وهذا ما يفتح المجال للعمل بشكل أوسع وبصورة أعمق ، ولهذا فحتى الحواجز القانونية بدأت تُرفع في بعض الأحيان من أمام الشيعة بشكل خاص في ممارسة طقوسهم وفي تبليغ مذهبهم المحمدي الأصيل ، وهذا أمر يلمسه كل إنسان من الأمة الشيعية في المطارات في الغرب ونراه جلياً في كل مكان .
س: سماحتكم تستخدمون نفس الآليات التقليدية المعروفة لدينا في التبليغ في الغرب مثل الخطبة الحسينية والمنبر ، فهل ترونها تعطي التأثير الكافي ؟ .
ج : الآليات التقليدية مثل المنبر ومثل الخطبة الحسينية وما شابهها من الأمور التي تستخدم في الغرب كما أنها تستخدم في الشرق ، ولا أعتقد أن آليات أخرى ستأتي وتأخذ مكانها ، كما أن الكتاب لم يستبدل بجهاز الراديو أو الإنترنت أو التلفزيون ، فإن هذه الآليات وهذه الوسائل تأتي وتشغل حيزاً خاصاً ومختلفا عن بقية الآليات .
طبعاً أحيانا نحتاج نحن وفي بعض التجمعات إلى تطوير هذه الأساليب ، وفي أحيان أخرى نستخدم أساليب غير متوفرة عادة في الشرق والعالم والإسلامي ، فمثلاً بدلاً من استخدام المنبر -حيث يجلس الخطيب أو المتحدث على كرسي مرتفع ويخاطب الجماهير- أحيانا هذا الجو لا يكون مناسبا لكسب العقلية الغربية إلى التجمعات الدينية ، فعلينا أن نجلس في نفس مستوى المستمع ، أو في أحيانا أخرى ينبغي على المتحدث أن يقوم وأن يتجول ما بين المستمعين وأن يخاطبهم ويخاطبونه وأن يخلق جواً من التفاعل ، لا أن يتحدث هو والمستمع يستمع إليه ، وعادة ما وفي أكثر الأحيان تلي المحاضرات الدينية ندوات وأسئلة وأجوبة ويعطى للسائل جهازاً لتكبير الصوت كما أنه أعطي إلى المتحدث ، أحيانا يكون هناك مسرح أمام المستمعين فيمشي الخطيب على هذا المسرح يمنة ويسرة وبيده جهاز ميكرفون لكي يتحدث مع مستمعيه ، فهذه أمور هي في الواقع لا تكون بديلاً عن المنبر الحسيني وإنما هي تناسب الجو الذي يعيش فيه الشخص في عالم الغرب .
أما الخطاب الديني فأعتقد أنه يختلف جذرياً عن مثيله في العالم الإسلامي ، ومعنى ذلك أن الخطاب الديني في العالم الإسلامي يغلب عليه الطابع التقليدي ، وهو أشبه بإلقاء درس على الحضور ، إلا أن الخطاب الديني في الغرب له صفاته وله مميزاته الخاصة ، فمثلا يجب أن يطعّم بالأمور العلمية الحديثة وهذا أمر مهم جدا ، وحتى من حيث المحتوى فإنّ الخطاب الديني في الغرب يختلف جذرياً عن الخطاب الديني في الشرق ، وهذا يعني أنه لا يمكن لخطيب أن يترجم محاضرة دينية من العربية إلى الإنجليزية وأن يتوقع من الجمهور استقبالا لتلك المحاضرة ، فكل الأمثلة وكل النماذج وحتى القصص والموضوع بشكل عام ينبغي أن يكون مخصصاً لعقلية غربية ، وبعض المواضيع لا يستسيغها العقل الغربي ، وبعض الأمثلة لا يستوعبها العقل الغربي ، فلا بد أن يكون الموضوع وأن تكون المحاضرة قد أُنشأت أساساً لكي تخاطب العقلية الغربية ، وهذا أمر مهم وعلينا أن نراعيه إذا أرادنا أن نتقدم في مجال التبليغ في الغرب .
س : ما الفرق –حسب رأيك- بين الثقافة الغربية والشرقية ؟ وكيف تنظر للحضارة الغربية ؟ .
ج : الفرق بين الثقافة الغربية والثقافة الشرقية هو فرق شاسع لا مجال هنا للتحدث عنه إلا أن الحضارة الغربية بشكل عام هي بحر غزير عظيم فيها سلبيات وفيها إيجابيات لكنها على كل حال لا بد أن نتعرف عليها قبل أن نبدأ بمخاطبته ، ولا يمكن أن ننتقل إلى الغرب ونبدأ بمخاطبة الغرب من أول يوم ومن أول وهلة وإن كانت تعاليم الإنسان هي تعاليم فطرية تحدث و تخاطب فطرة الإنسان وتخاطب عقله بشكل سواء ، إلا أن الخطاب الديني والموضوع والمحاضرة الدينية حتى تكون ناجحة لابد لها أن تأخذ طابعاً غربياً حتى تكون مؤثرة .
س : هل تعتقد أن الخطبة الحسينية وقضية الحسين (عليه السلام) هي المحور للتبليغ أم يجب أن نتناول قضايا أخرى فكرية أو غيرها كما يطالب البعض ؟ .
ج : إنني أعتقد وأنا على يقين أنّ الخطابة الحسينية يجب وينبغي أن تكون جوهر التبليغ في الغرب ، والسبب واضح ، فالإمام الحسين (سلام الله عليه) وقضيته ومصائب يوم عاشوراء هي ما يهتز إليها كل ضمير حي وحتى كل ضمير ميت أماتته ظلمات المعاصي والذنوب ، فلا يوجد إنسان لا يتفاعل مع قضية الإمام الحسين (سلام الله عليه) ، ولا يوجد وجدان لا يتغير بالتعرف على الحسين (سلام الله عليه) ، ولا يوجد ضمير لا يتفاعل مع قضيته ، فإننا حينما نجد أن من أراد النيل بأبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) وجعجع به وبأصحابه وبأهل بيته كالحر بن يزيد الرياحي نراه يتفاعل مع الحسين ونراه يتغير وينقلب رأساً على عقب فيما يرتبط بنداء الحسين (سلام الله عليه) فإنّ العالم الغربي يتفاعل أيضا مع الإمام الحسين ، وهذه قضية مهمة .
فقد رأيت أنا مراراً وتكراراً ، وبإمكاني أن اذكر العشرات بل المئات من النماذج التي تدل إلى أن صرخة الحسين (عليه السلام) مدوية إلى يومنا هذا وفي كل مكان على وجه المأمورة ، وكم من أناس أسلموا لمجرد استماعهم لمصيبة الحسين (سلام الله عليه) ، وأذكر مثلاً قبل عامين التقيت برجل أسترالي أسلم واعتنق مذهب أهل البيت (سلام الله عليهم) وغيّر اسمه إلى محمد علي ، فلما سألته عن السبب قال لي : إني رأيت مشاهد زيارة الإمام الحسين في يوم الأربعين بعد سقوط الطاغية في العراق على شاشات التلفزيون وفي نشرات الأخبار فتساءلت مع نفسي : مَن الذي يقصده الملايين من العراقيين لمجرد سقوط صدام وكأنّ العراق كله ينتظر سقوط صدام لا لكي يلتذ بحريته ولا لكي يخرج من العراق ومن هذه الزنزانة الضخمة التي صنعها صدام بل فقط لكي يزور الحسين )سلام الله عليه) في كربلاء المقدسة ، فإذا كانت مشاهد زيارة الحسين في أربعينيته تغيّر وتؤدي بإنسان لترك النصرانية ودخول الحنيفية فكيف بالحسين (سلام الله عليه) ؟ وكيف بحوادث الطف المؤلمة ؟ .
س : هل تجد هذه الآليات التقليدية (المنبر والخطبة الحسينية) جديرة بتوصيل الفكر الشيعي رغم دعوات الانتقاد لها عند شرائح من مثقفينا ؟ .
ج : هؤلاء المثقفين مع احترامنا لهم لا يعون مدى تأثير هذه الآليات التقليدية ، وهذا ما لمسته أنا من خلال تجربتي ، فإن الخطاب الحسيني وذكر المصيبة طبعا لا تكون على الطريقة العربية وإنما تكون عادة سرداً لمصائب الإمام الحسين )سلام الله عليه) بأسلوب خلص يتفاعل معه الغرب ، وهو مؤثر جداً ، لأني قلت الإمام الحسين سلام الله عليه وقضيته يتفاعل معها كل ضمير ، والإمام الحجة (صلوات الله عليه) في حديث له يخاطب العالم بأسره حينما يحدثهم بمصائب جده الحسين فيقول : " يا أهل العالم إن جدي الحسين قتل مظلوما يا أهل العالم إن جدي الحسين قتل عطشانا " ، فهذا نداء للعالم بأسره وهو تعليم لنا وإرشاد لنا في نقل هذا الصوت إلى العالم كله .
طبعا تطوير الأساليب أمر وضروري أحيانا لأن بعض الآليات لا يتفاعل معها العالم الغربي ، فمثل هنالك في الغرب اعتماد كبير على الإنترنت وهذا ما ينبغي الاستفادة منه ، وأذكر مثالاً وهو أن المجلس الذي كان يقام في العاصمة البريطانية لندن وكنت أنا أخطب فيه وكان مجلساً يجذب ألفين من الناس وذلك في قلب العاصمة البريطانية إلا أنّ هذا العدد كان لا يعد شيئاً بالمقارنة مع أعداد المستمعين بالمحاضرات على شبكة الإنترنت ، مما يعني أن التركيز ينبغي أن يكون على المستمع باستخدام شبكة الإنترنت وقد وصل عدد المستمعين إلى مائة ألف ، وهذا أمر يجدر الالتفات إليه أيضا.
وكما لا يمكن أن نترجم محاضرة عربية إلى الإنجليزية ونتوقع من الناس أن يتفاعلوا معها ، كما إذا ترجمنا كتاباً إلى الإنجليزية فلا نتوقع تجاوبا مماثلا لما نجده في الشرق وفي العالم الإسلامي ، فالكتاب الذي يكتب بالعربية يخاطب عقلية عربية ، ومن هنا لا بد لنا من الحصول على من يكتب بخلفية ثقافية غربية لعقلية غربية حضارية ، كما ينبغي الاستفادة من الشبكة العالمية الإنترنت وما إلى ذلك أمر ضروري على كل حال ، لكن هذا لا يعني أن نلغي الأساليب القديمة بل نحاول أن نجد لها أمور تطور أداءها وبذلك تطور وتوسع من رقعة الاستفادة منها في الغرب .
س : هل تجد تقصيراً من المؤسسات الدينية الشيعية تجاه نشر الدعوة للتشيع في الغرب ؟ .
ج : لا شك أن هنالك ثغرات وسلبيات في الأساليب المستخدمة في الغرب كما في الشرق ، ولابد لنا من بحث سبل تطوير هذه الأساليب ، في الوقت ذاته أعتقد أن المشكلة لا تكمن في أساليب الدعوة في الغرب وإنما في أساليب الدعوة ، فكما بيّنت سابقاً الدعوة في الغرب للغرب شبه معدومة فيما يخص مذهب أهل البيت (سلام الله عليهم) ، وما يصل إلينا أحيانا من نماذج من أشخاص أسلموا ودخلوا في التشيع هي إنما أمور لا تحدث في كل يوم ، وإنما الأمر مثل مد وجزر ، هنالك مجلس يقام وهنا ندوة تعقد وهنا محاضرة تلقى فترى الناس يتوجهون نحو مذهب أهل البيت (سلام الله عليهم) ويعتنقون الإسلام عن طريقهم ، المشكلة الأساسية اليوم هي أنّ الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية في العالم الإسلامي لم تخطط بشكل جيد للتبليغ في الغرب كهدف أساسي من أهدافها ، وهذا أمر ينبغي أن يعالج لأن الآخرين يفعلون ما بوسعهم وينفقون الأموال الطائلة ويتعبون في نشر مذاهبهم وفي نشر عقائدهم الضالة والمضِلّة ، فإنك تجد أحيانا بأن المبلّغ يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أستراليا مثلا ، أو من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة لكي يبلّغ المسيحية ، فتراه يقف تحت الشمس الحارة وتحت ثقب طبقة الأوزون يقف في الشارع ويتحدث إلى هذا الرجل وإلى ذاك ويبلّغ ديانته ومذهبه في هذه الصورة ، وهذا ما يجب علينا أن نسبقهم إليهم ، فقد قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته للحسنين في آخر لحظات حياته : " الله الله في القرآن لا يسبقنكم إلى العمل به غيركم " ، وينبغي نحن أن نبادر إلى هداية الناس إلى السبيل السواء وإلى الصواب المستقيم قبل أن يفعل ذلك غيرنا .
س : كيف ينظر الغربيون إلى التشيع كفكرة ، خصوصاً بعد سقوط نظام صدام في العراق وتعاطي الإعلام معهم مباشرة دون وسيط كما في السابق ؟ .
ج : أعتقد أن الغرب بدأ يتحسس تميّز المذهب الشيعي وهو يمثل الإسلام المحمدي الأصيل على باقي المذاهب ، وبدأ الغرب يتعرف عليه بشكل مباشر وذلك من خلال المراكز الإسلامية الشيعية التي فتحت أبوابها للغرب لكي تبيّن أن التشيّع مذهب معتدل ملتزم يدعو إلى العقل والتعقل بدلاً من العنف ودعوات الجاهلية ، وللتشيع الفضل كل الفضل في تحسين صورة الإسلام وفي تبيين عظمة هذا الدين في الغرب ، حيث أصبحت باقي المذاهب يُنظر إليها بشكل مختلف ، كما أن سقوط نظام صدام في العراق ذلك الطاغوت الذي صنع من العراق جمهورية للخوف وهو الذي حوّل العراق إلى سجن كبير وقتل من الشيعة من قتل وشرّد من الشيعة من شرد وأقصى منهم من أقصى ، فقد اكتشف الغرب عدة أمور ، أولها : أن الشيعة هم الضحية الأولى في العراق وهم الذين خسروا قرابة أربعة ملايين من أبنائهم من جراء الحكم الطائفي البغيض الذي مارسه صدام على الأكثرية الساحقة في العراق الجريح ، واكتشف الغرب أيضاً أن الشيعة ليسوا ممن يبيعوا دينهم بدنياهم وأن الشيعة مستعدون للتضحية في سبيل رموزهم الدينية وفي سبيل عقيدتهم الخالصة ، وهذا أمر دفع الغرب للتعرف على التشيع بشكل أكبر ، فالمقابر الجماعية والتي تعد بالمئات أكبر دليل على الطائفية التي مورست بحق هذا الشعب المظلوم ، فبدأ الغرب بالتعرف على محنة الشعب العراقي وبالتعرف بالخصوص على محنة الشيعة في العراق ، وهذا ما دفعه للتعرف على المذهب الشيعي لأن مذهبه ولأن ولائه لأهل البيت (سلام الله عليهم) هو الذي جعل منه ضحية لنظام ذلك الطاغوت .
س : ما تحليلك لشخصية الغربي من ناحية التأثر عاطفياً أم عقلياً وبالأدلة ؟ .
ج : الشخصية الغربية تختلف من طبقة إلى أخرى ، لكن بشكل عام الأدلة العقلية أمر مهم في الخطاب الديني في الغرب ، فلا يمكن أن يخلوا خطابا أو محاضرة من أدلة عقلية رصينة من نماذج وأسئلة علمية من العلم الحديث ، هذا من جانب لكن العاطفة تلعب دورا مهما أيضا في الخطاب الديني ، فالتفاعل مع قضية الإمام الحسين (سلام الله عليه) هو تفاعل عاطفي مبتني على أسس عقلية ، فإن الغربي عندما يبكي على الحسين يبكي لأن المصيبة عظيمة ولأن المصاب بها عظيم أيضا ، وهذا أمر نراه دائما في المجالس الحسينية ، وأذكر من باب النموذج مثلاً أن رجلاً كان أستاذا في إحدى أكبر الجامعات في العاصمة البريطانية لندن وهو منتمي للديانة السيخية ، جاء وحضر مجلس الإمام الحسين (سلام الله عليه) الذي انعقد في لندن وحضر في الليلة السابعة من المجلس وهي ليلة نتذكر فيها عادة مصيبة العباس بن علي (عليه السلام) ، جاء وجلس ورأيته وأنا فوق المنبر يهتز من البكاء ويبكي بكاء الثكلى ، وعندما انتهى المجلس نزلت واصطحبته معي إلى المسكن سألته سؤال : ما الذي هداك إلى الحسين ؟ وأين أنت وأين حادثة الطف وواقعة عاشوراء ؟ ، طبعاً ذلك بعدما تعرفت عليه وعلمت أنه أستاذ جامعي وعلمت أنه رجل سيخي كما كان ظاهره ينبئ بذلك ، بالإضافة إلى ذلك هو من سلالة قرنانا وهو مؤسس الديانة السيخية ، فقلت له : أين أنت وأين الحسين ؟ ، فأجابني بهذه الكلمة ولا أنسى عبارته حيث قال : إن ملائكة السماوات تبكي على الحسين فكيف لا أبكي أنا ، يعني هو يرى في مصيبة عاشوراء جانباً غيبياً أيضا بالإضافة إلى كونها مصيبة إنسانية عظيمة ، ثم سأله أحد الإخوة : وماذا عن المنقذ هل تؤمن بنظرية المنقذ وأن رجلا سيأتي في آخر الزمان لكي يملئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ؟ ، قال : نعم وكيف لا أؤمن بذلك والكل يؤمن بذلك ، فسأله ذلك الشاب مستدركا قال : هل تؤمن بأن هذا المنقذ هو المهدي بن الحسن العسكري (عليهم السلام) ؟ ، فأجابه السيخي قائلا :أما عن اسمه ولقبه واسم أبيه فلا يمكنني إخبارك بذلك لا أعرف لكنني أعرف شيئا واحدا وهو أنّ هذا المنقذ حينما يظهر فإنك وإنني سنكون في صف واحد نقاتل معه أعدائه , يعني هذا الشيء حقيقة لا يمكن لأحد أن يراه إلا ويعرف عظمة هذا الدين ويعرف عظمة الشريعة السمحاء التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) .
أما من حيث الأدلة العقلية فهذا أمر لابد منه في الغرب وفي غير الغرب ، وأحاول أنا عادة أن أشير إلى مسائل علمية دقيقة تخصصية في كل مجلس تقريباً ، لأن الغرب كما في الشرق يتأثر بذلك تأثراً بالغا .
س : ما هو مدى طموحكم في ثمار هذا العمل التبليغي في الغرب ؟ هل تتحركون من أجل " تحول كبير " في الغرب تجاه الإسلام أم هو " إسلام بعض " الأفراد ؟ .
ج : الغرب متعطش للإسلام لتعاليمه ولمبادئه وهذا يفرض علينا مهمة تتجلى في عمل تبليغي واسع ، والتبليغ طبعاً يكون بشتى الوسائل والأدوات ، وعلى كل واحد منا أن يتحمل جزء من هذا العبء الكبير الذي لاشك بأنه سوف يجني ثماراً كبيرة في القريب العاجل رغم أن العمل التبليغي في الغرب ليس عملاً على المدى القريب ، ونحن مثلا نعمل بتوجيهات المرجع الديني الكبير المجدد آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (حفظه الله ورعاه) الذي أذكر أنه قال لي في لقاء قبل أشهر معدودة : يجب أن تصبوا جهودكم في هدف تحويل الغرب إلى جزء من العالم الإسلامي خلال مئة عام ، وهذا أمر وإن بدا صعباً مستصعباً في الوهلة الأولى إلا أنه ممكن وهو غير مستحيل لأنه لو نظرتم إلى انتشار الإسلام في بدء تبليغه من قِبَل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ترون أنه بعد انتهاء القرن الأول من بعثته أصبح ثلث العالم آنذاك مسلماً وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على عظمة هذه الرسالة وعلى تقبّل العالم لها .
س : ما هي تنقلون رؤيتكم للديانة المسيحية إلى المسيحيين ؟ وكيف تتحاورون معهم في مسائل عقيدية كشخصية السيد المسيح (عليه السلام) ومسألة الثالوث أو غيرها ؟ .
ج : هذا العالم يعاني من فراغ روحي كبير جداً لا يملئه دين إلا دين الإسلام ولا نماذج إلا نماذج أهل البيت (عليهم السلام) ، وأذكر مرة من المرات قامت إحدى الأخوات في مجلس في مدينة ديترويت في ولاية مشيكان الأمريكية وسألتني هذا السؤال : قُلتَ أنت في محاضرتك أن هناك أسلوبان ومنهجان للوصول إلى الحقيقة ، الأول هو منهج العلوم التجريبية الذي يعتمد على أساس التجربة والخطأ ، والمنهج الثاني هو منهج الأخذ من مصدر العلم وأشرت فيما بعد إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فكيف نعرف نحن مَن تسميهم بالأئمة هم الذين ينبغي علينا أخذ العلم منهم ؟ ، فأجبتها : اجلبي أنتِ لي نماذج أفضل من أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وسأكون أنا أول من يتبعهم ، هل عندك نموذج أفضل من علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى أتبعه ، أو نموذج أفضل من الزهراء (سلام الله عليها) {قُل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين} ، فلا توجد نماذج أفضل من أهل البيت (عليهم السلام) في أي مكان في العالم ، فالنصراني يأتي بنموذج سيدنا عيسى ابن مريم (عليه السلام) ولكن هذا النموذج كما يبينه الدين المسيحي هو نموذج ناقص فلم يكن المسيح أباً يوماً ما حتى أتبعه في الأبوة ، ولم يكن المسيح زوجاً حتى أتبعه في الزوجية ، ولم يكن المسيح ابناً لأب حتى أتبعه في البنوّة ، فهو نموذج ناقص بالمقارنة مع النموذج المتكامل العظيم الذي يقدمه لنا الإسلام في أهل بيت العصمة والنبوة (عليهم السلام) ، فالمسيحية ديانة مليئة بالتناقضات ومليئة بأمور لا يقبلها أي عاقل وأي ذي لُب ، وهذا مما يجعل الإسلام سريع الانتشار وديناً يقبله كل إنسان في الغرب بمجرد التعرف على أبسط مبادئه ، فترى إلى مسألة الثالوث مع أنه يتناقض مع العقل والغرب عادة يعتمد على أمور عقلية وأسس علمية دقيقة في إثبات كل شيء حتى في إثبات وجود الله تبارك وتعالى إلا أنهم عندما يصل الأمر إلى العقيدة لرب الأرباب يتزعزع ويسقط في هاوية الثالوث التي تناقض العقل والفطرة والضمير ، وهذا من الأمور التي تجعل الإسلام ديناً جذاباً لأي إنسان ، فقد أُجريت قبل فترة استفتاء في المملكة المتحدة حول السبب الرئيسي الذي يدعو البريطانيون لاعتناق الإسلام فكان الجواب هو أن الإسلام دين تعقل ولا يحوي على رموز معقدة تناقض العقل وإنما هو دين سهل بسيط فطري ينسجم الإنسان معه .
س : كيف ترون الفروق بين الذين يسلمون بعد الكفر مع غيرهم من المسلمين الفطريين المتواجدين في الغرب ؟ .
ج : دائماً أسمع من الشخص الذي يعتنق الإسلام يصف حاله في السابق قبل الإسلام بأنه كالذي كان يغرق مدى حياته ويكاد يموت خنقاً حتى إذا اعتنق الإسلام يشعر كأنه تنفس لأول مرة ، وهو بذلك يكون متمسكاً بهذا الدين يعمل بتعاليمه ويحاول جهد استطاعته أن ينفذ كل شيء جاء في هذا الدين ، وأنا شخصياً رأيت بعضهم من الذين أسلموا وهم قريبو العهد من الكفر وبالجريمة وعندما أسلموا بدءوا منذ اليوم الأول لإسلامهم بأداء الفرائض بالإضافة إلى النوافل وخاصة صلاة الليل ويجتهدون لحج بيت الله الحرام وتراهم أناساً قد تغيروا رأساً على عقب وهم خير نموذج للمسلمين الفطريين الذين –وللأسف- أصبحوا ينظرون إلى الإسلام نظرة من أُشبع وبلغ حد الإشباع فهو لا يدرك عظمة هذا الدين ، والفرق بين هؤلاء الذين يسلمون بعد كفرهم وبين المسلمين الفطريين هو الفرق بين المسلمين في صدر الإسلام ونظرائهم في عصرنا هذا ، فالمسلم الذي أسلم على يد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان يشعر بكل وجوده بأن هذا الدين لا مثيل له أبداً ولا يمكن له أن ينجو من هفوات الكفر ومن مهاوي الشرك إلا به وبالتمسك بتعاليمه وأنه لا يمكن لهم أن يخرجوا من مستنقع الذنوب والمعاصي والموبقات التي تفسد لهم دينهم ودنياهم إلا بالمطاوعة لتعاليم هذا الدين ، ولذلك فإنك ترى أنهم كانوا ثابتين في عقيدتهم راسخين في إيمانهم منهمكين في تطبيق تعاليم دينهم وهذا فرق شاسع بين أولئك وبيننا هذا اليوم .
س : في الختام ، ماذا تقولون ؟ .
ج : نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لإيصال صوت الحق والعدالة والإيمان ، صوت أهل بيت العصمة والطهارة إلى العالم أجمع وخاصة في مشروعنا الذي نعمل عليه وهو " قناة أهل البيت الفضائية " التي نأمل أن تكون منبراً من منابر نشر ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) وعقيدتهم وسيرتهم الطيبة في كل مكان لأنني أحاول أن يكون للقناة جناحاً في برامج اللغة الانجليزية ، نسأل الله التوفيق والسداد .
نقلا عن منتدى القران الكريم
التبليغ في العالم الغربي والعالم المسيحي
أجرى اللقاء : سيد حسن الحسن
إنها تجربة ثرية في التبليغ للإسلام في الغرب ، بدأت هذه التجربة منذ سنوات حتى أصبح حضوراً بارزاً في الغرب ، إنه سماحة الحجة الخطيب المفوه السيد مهدي المدرسي (حفظه الله) عضو (رابطة العلماء في العراق) و رئيس المعهد الإسلامي العراقي و نجل آية الله السيد هادي المدرسي (دام ظله الوارف) ، كما كان لسماحته حضور سياسي في الانتخابات العراقية الأخيرة من خلال نزوله في أحد القوائم الانتخابية رغم عدم فوزه ، ويعد اليوم من أبرز العلماء و خطباء المنبر الحسيني في الدول الغربية و له محاضرات باللغة الإنجليزية يحضرها الألوف أينما عقدت، و كان آخرها في العاصمة البريطانية - لندن - حيث أقيم ما أسمته بعض المصادر الصحفية "أكبر مجلس حسيني في القارة الأوربية " ، ويجدر بالذكر أن غير المسلمين من النصارى و حتى السيخ يحضرون و يشاركون في العزاء في هذا المجلس الحسيني الذي يعد أحد أكبر المجالس في بريطانيا و القارة الأوربية من حيث الإقبال الشديد من قبل مختلف طبقات المجتمع .
التقيناه ودار هذا الحديث الذي خصصناه لتجربته التبليغية في الغرب .
منتدى القرآن الكريم: في البدء نريد أن نسمع منكم قصة تجربتكم في حقل التبليغ في العالم الغربي والعالم المسيحي بعد هذه السنين الطويلة ؟ .
السيد مهدي المدرسي : أقول بدءًا قبل عدة أعوام أقمنا مجلساً لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) في مدينة سيدني الأسترالية ، وهي كبرى مدن القارة الأسترالية وفيها جالية ضخمة نسبياً من المسلمين ومن شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) أكثرهم من اللبنانيين وهنالك من العراقيين عدداً لا بأس به , فأقمنا مجلساً لإحياء تلك الذكرى الأليمة ، وألقيت أنا بهم كلمة تأبينية ومجلساً للعزاء , وكلمتي كانت باللغة الإنجليزية باعتبار الحضور أكثرهم من الشباب والشابات الذين ولدوا ونشئوا وترعرعوا في أستراليا , وألقيت تلك الكلمة وقلت فيما قلت : إنّ من أعظم مصائب يوم العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة ذلك اليوم الذي لا مثيل له في تاريخ البشرية , وهو يوم كما قال الإمام الحسن المجتبى (صلوات الله عليه) قال " : لا يوم كيومك يا أبا عبد الله " ، من أعظم المصائب الذي حصلت في ذلك اليوم قضية سلب المقانع من الهاشميات ومن نساء الإمام الحسين (عليه السلام) وبناته ، وهي من أعظم المصائب لأن الإمام الحسين (سلام الله عليه) قتل من أجل أن يمنع ذلك من الحدوث ، ثم أشرت إلى قضية الحجاب باعتبار أنّ النساء التي حضرن في ذلك المجلس كان حجابهم أقل من المستوى المطلوب - إن صحّ التعبير - فقلت : أن المرأة أو الفتاة التي لا تلتزم بالحجاب الإسلامي الذي في الواقع علّمنا إياه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتمثلت البتول الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام( وكذلك الحوراء زينب (سلام الله عليها) به ، قلت : إنّ المرأة التي لا تلتزم بالحجاب إنما هي بمثابة سهم في قلب عقيلة الهاشميين زينب الكبرى (سلام الله عليها) ، ثم انتهى المجلس بسرد لحوادث العاشر محرم الحرام وما تلت من مصائب وآلام على أهل بيت العصمة والطهارة , وبعد المجلس وإذا بفتاة
أسترالية من أصل يوناني تعلن في المجلس أنها قررت أن ترتدي الحجاب فهي لا تؤمن بالله ولا برسوله ولا باليوم الآخر إلا أن مصيبة الإمام الحسين )صلوات الله عليه) والألم الذي تحملته زينب الكبرى ودمج ذلك ومزجه بقضية الحجاب والستر والتحشم أدى إلى اقتناعها بهذه المفردة الصغيرة من مفردات الدين الإسلامي الحنيف فتقرر أن ترتدي الحجاب .
س : إذن ترى تقبلاً للإسلام عامة والتشيع خاصة في الغرب ؟ .
ج : قلت ما سبق كمقدمة وأشير به إلى المستوى العالي من الانفتاح الذي نجده في الأرض على التعاليم الإسلامي والشريعة السمحاء ، فهنالك تقبل من الغربيين لما جاء به نبي الهدى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من تعاليم تنفع البشرية بشكل عام ولا تخص فئة دون أخرى ولا تعني مجموعة دون أختها ، وإنما جاء بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى البشرية كافة ، لأنها في الواقع دين الله اختاره لعباده وهو آخر الأديان وخاتم الرسالات ، فهو لذلك ينفع البشرية في يومنا هذا كما كان ينفعها قبل أربعة عشر قرن من الزمن ، وسيبقى هذا الدين دين مشع بالعلم والبركة والمعرفة إلى يوم القيامة .
س : من خلال تجربتك ، هل التبليغ للتشيع استطاع الوصول للغربيين أم مازال في إطار الدفاع عن نفسه وحماية الجاليات المسلمة ؟ .
ج : أما من حيث تجربتي فهي وإن كانت قصيرة نسبياً إلا أنني أعتقد أن الله تبارك وتعالى وفقني لاكتساب تجربة غنية في هذا الحقل والتعرف على مفردات ومفاهيم كبيرة من ما يخص عقلية الفرد الغربي ، وأعتقد أن المجال واسع ومفسوح للتبليغ في الغرب ، ولكن من المؤسف -وهذه كلمة أكررها دائماً -أننا نجد التبليغ في الغرب لكننا لا نجد التبليغ للغرب ، وأعني بذلك أن أساليبنا التبليغية في الغرب تقتصر عادة على أساليب دفاعية ، أي أننا نحاول الحفاظ على جاليتنا وعلى أبنائنا والحفاظ على نسائنا وعلى أنفسنا من الانحراف السلوكي بدل أن نحاول أن نجتاز هذه المرحلة وأن نوصل صوت الإسلام الحنيف إلى الفرد الغربي ، ونكون بذلك قد حافظنا أيضاً على أبنائنا وعلى عوائلنا وعلى جالياتنا المستقرة في الغرب ، ويبقى الأمر الذي لا شك فيه أنّ المجال مفتوح في الغرب .
س : صف لنا تأثيرات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على التبليغ الإسلامي ؟ .
ج : نحن نجد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ينطبق عليه المثل القائل " رُبّ ضارة نافعة " ، حيث تجلّى ذلك في توجه العالم الغربي بشكل عام نحو الإسلام في محاولة لأبناء الغرب وأبناء العالم المسيحي للتعرف على بعض المفاهيم التي تدعو إلى أعمال كالتي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر في مدينة نيويورك و أرادوا هم بذلك أن يتعرفوا على نقاط الضعف بالإسلام وإذا بهم يواجهون هذا الدين العظيم ، ولذلك أصبح القرآن الكريم الكتاب الأول في المبيعات في مدينة نيويورك لعدة أسابيع ، كما اكتظت المساجد والمراكز الإسلامية بالسائلين عن الإسلام وبالراغبين بالتعرف عليه وعلى أسسه , والسبب في ذلك واضح وهو أن الإنسان يميل بطبعه إلى مصدر الضرر بالنسبة إليه ومصدر النفع له ، يميل إلى مصدر الضرر للتعرف على ما يمكنه أن يخسر من جراء ذلك الشيء ، ويميل إلى مصدر النفع لأنه يطلب منه الفائدة والمصلحة ، ومن هنا فقد انفتح الغرب على الإسلام بمصراعيه و طلب في ذلك التعرف على الإسلام وإذا به يجد نفسه قد مالَ إليه ، ولهذا أصبح الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في العالم الغربي وفي كل واحدة من دول الغرب .
فإذن لا عذر لنا في قابلية لاستيعاب الإسلام ، وإنما المشكلة تكمن في مساعي المسلمين في تبليغ دينهم ، فهذا الباحث الألماني الشهير الدكتور (ووفن استاين) كتب كتاباً تحت عنوان (علي رب العلم والسيف) يقول في كتابه :أنا فخور وشكور لشرف الكتابة عن أعظم شخصية في التاريخ ألا وهو علي ابن أبي طالب ، كما يقول : أنا أبكي لأن علياً أعطي بيده المسحاة بدل من القلم .. هل كان علياً مزارعاً ؟ .. هل كان علياً حفاراً للآبار ؟ .. علي ذلك البطل الذي كان شعاره (سلوني قبل أن تفقدوني ( .... علي ذلك الخطيب المفوّه الذي لم ينازع في أدبه وفي براعته وفي فصاحته ..علي ذلك الذي يلقي خطبة كاملة دون حرف الألف ... علي ذلك الذي كان يلقي خطبة عظيمة من دون أن يستخدم خمسة عشر حرفاً من مجموع سبعة وعشرون حرفاً من حروف اللغة العربية أي ما يساوي خمسة وخمسين في المائة من حروف اللغة الضاد ... علي ذلك الذي خطب وتحدث و كان قمة في البلاغة والفصاحة... علي ذلك الليث المغوار والبطل الذي لم ينازع في ساحة قتال ... علي سيد البشرية جمعاء ... علي ذلك الأب المحب العطوف الحنون على الأمة الإسلامية بأجمعها .. لماذا كُلّفت قدوات كعلي (سلام الله عليه) في حفر الآبار وفي زرع الحقول بدل أن يكلّف بالفكر والتخطيط والإدارة ، أعطي علي المسحاة بدلا من القلم .. لماذا ؟ ، ثم يقول هذا الرجل: إنني لأبكي لأن التاريخ لا يمكن له أن يستوعب عظمة علي إلى الأبد .
وهذا كله دليل على أن الغرب مستعد لتقبل الإسلام وتقبّل مفاهيم هذا الدين وتعاليمه العظيمة ، كما إنّ الإسلام تقبّل التعاليم المسيحية ، فالمسيحية والنصرانية ديانة شرقية لا غربية ، ومعنى ذلك أن بإمكاننا تخطي حواجز التعصب والعنجهية التي تسود الغرب إنشاء الله .
س: هل تواجه صعوبات أو عوائق قانونية في التبليغ في الغرب ؟ .
ج : القانون هو الحاكم في الغرب ، طبعاً ذلك لا يعني أنه ليس بإمكان أحد أن يسيّر القانون وأن يميل به يمنة ويسرة لكي يصبّ في مصلحة الأكثرية في الغرب ، لكن في نفس الوقت الغطاء القانوني يحكم جميع الأطياف ويحكم جميع الأديان ، وهذا ما يفتح لنا مجالاً لا نجده عادة في بلادنا .
س : ولكن ألم تكن لأحداث الحادي عشر من سبتمبر أثر سلبي على عملكم التبليغي ؟ .
ج : هناك نقطة مهمة وهي أن الغرب عرف -خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي غيّرت الطريقة التي يتعامل بها الغرب بشكل عام مع الإسلام ومع العالم الإسلامي-غيّرت هذه الأحداث مفاهيم كثيرة فيما يخص بنظرة الغرب إلى الإسلام ، وكانت بعض هذه التغيرات تصب في مصلحة المؤمنين بأتباع مذهب أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) .
س : وكيف ذلك ؟ .
ج : لأنهم عرفوا أن التشيع لا يدعو إلى قتل كل من خالفهم من أصحاب الديانات الأخرى ولا يدعو إلى العنف ولا يدعو للخشونة ، ولا يدعو إلى القضاء على كل من خالفه في الرأي أو العقيدة ، وإنما هو مذهب ينطلق من قواعد تحث على التسامح وعلى التعايش ، كما قول أمير المؤمنين (سلام الله عليه) : " الناس صنفان فإما أخو لك في الدين أو نظير لك في الخلق " ، أو قوله (سلام الله عليه) : " من آذى ذمّياً فقد آذاني " ، فالذمي مهما كانت ديانته ومهما كانت توجهاته فإنه محترم أمام القانون وله كرامته و له حقوقه كإنسان مثل باقي المسلمين في بلادهم ، وهذا الانفتاح الجديد كان في مصلحة الشيعة من أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وبدأ العالم ينظر إليهم بنظرة جديدة .
س: هل فرّق الغربيون بين الشيعة وغيرهم من المسلمين أم يضعون الجميع في سلة واحدة ويرمونهم بالإرهاب لأن جماعة إسلامية مارسته ؟ .
ج : طبعاً أستثني من ذلك بعض الحالات الشاذة عندما تهجّمت بعض الشخصيات الغربية البارزة على الإسلام وعمّمت ما تراه من بعض الإرهابيين على جميع المسلمين بجميع طوائفهم المختلفة ، وهذا أمر حصل ويحصل إلى يومنا هذا ، ولن يتوقف ، ولكن بشكل عام رؤية الغرب إلى التشيع والى أتباعه هي نظرة إيجابية ولله الحمد ، وهذا ما يفتح المجال للعمل بشكل أوسع وبصورة أعمق ، ولهذا فحتى الحواجز القانونية بدأت تُرفع في بعض الأحيان من أمام الشيعة بشكل خاص في ممارسة طقوسهم وفي تبليغ مذهبهم المحمدي الأصيل ، وهذا أمر يلمسه كل إنسان من الأمة الشيعية في المطارات في الغرب ونراه جلياً في كل مكان .
س: سماحتكم تستخدمون نفس الآليات التقليدية المعروفة لدينا في التبليغ في الغرب مثل الخطبة الحسينية والمنبر ، فهل ترونها تعطي التأثير الكافي ؟ .
ج : الآليات التقليدية مثل المنبر ومثل الخطبة الحسينية وما شابهها من الأمور التي تستخدم في الغرب كما أنها تستخدم في الشرق ، ولا أعتقد أن آليات أخرى ستأتي وتأخذ مكانها ، كما أن الكتاب لم يستبدل بجهاز الراديو أو الإنترنت أو التلفزيون ، فإن هذه الآليات وهذه الوسائل تأتي وتشغل حيزاً خاصاً ومختلفا عن بقية الآليات .
طبعاً أحيانا نحتاج نحن وفي بعض التجمعات إلى تطوير هذه الأساليب ، وفي أحيان أخرى نستخدم أساليب غير متوفرة عادة في الشرق والعالم والإسلامي ، فمثلاً بدلاً من استخدام المنبر -حيث يجلس الخطيب أو المتحدث على كرسي مرتفع ويخاطب الجماهير- أحيانا هذا الجو لا يكون مناسبا لكسب العقلية الغربية إلى التجمعات الدينية ، فعلينا أن نجلس في نفس مستوى المستمع ، أو في أحيانا أخرى ينبغي على المتحدث أن يقوم وأن يتجول ما بين المستمعين وأن يخاطبهم ويخاطبونه وأن يخلق جواً من التفاعل ، لا أن يتحدث هو والمستمع يستمع إليه ، وعادة ما وفي أكثر الأحيان تلي المحاضرات الدينية ندوات وأسئلة وأجوبة ويعطى للسائل جهازاً لتكبير الصوت كما أنه أعطي إلى المتحدث ، أحيانا يكون هناك مسرح أمام المستمعين فيمشي الخطيب على هذا المسرح يمنة ويسرة وبيده جهاز ميكرفون لكي يتحدث مع مستمعيه ، فهذه أمور هي في الواقع لا تكون بديلاً عن المنبر الحسيني وإنما هي تناسب الجو الذي يعيش فيه الشخص في عالم الغرب .
أما الخطاب الديني فأعتقد أنه يختلف جذرياً عن مثيله في العالم الإسلامي ، ومعنى ذلك أن الخطاب الديني في العالم الإسلامي يغلب عليه الطابع التقليدي ، وهو أشبه بإلقاء درس على الحضور ، إلا أن الخطاب الديني في الغرب له صفاته وله مميزاته الخاصة ، فمثلا يجب أن يطعّم بالأمور العلمية الحديثة وهذا أمر مهم جدا ، وحتى من حيث المحتوى فإنّ الخطاب الديني في الغرب يختلف جذرياً عن الخطاب الديني في الشرق ، وهذا يعني أنه لا يمكن لخطيب أن يترجم محاضرة دينية من العربية إلى الإنجليزية وأن يتوقع من الجمهور استقبالا لتلك المحاضرة ، فكل الأمثلة وكل النماذج وحتى القصص والموضوع بشكل عام ينبغي أن يكون مخصصاً لعقلية غربية ، وبعض المواضيع لا يستسيغها العقل الغربي ، وبعض الأمثلة لا يستوعبها العقل الغربي ، فلا بد أن يكون الموضوع وأن تكون المحاضرة قد أُنشأت أساساً لكي تخاطب العقلية الغربية ، وهذا أمر مهم وعلينا أن نراعيه إذا أرادنا أن نتقدم في مجال التبليغ في الغرب .
س : ما الفرق –حسب رأيك- بين الثقافة الغربية والشرقية ؟ وكيف تنظر للحضارة الغربية ؟ .
ج : الفرق بين الثقافة الغربية والثقافة الشرقية هو فرق شاسع لا مجال هنا للتحدث عنه إلا أن الحضارة الغربية بشكل عام هي بحر غزير عظيم فيها سلبيات وفيها إيجابيات لكنها على كل حال لا بد أن نتعرف عليها قبل أن نبدأ بمخاطبته ، ولا يمكن أن ننتقل إلى الغرب ونبدأ بمخاطبة الغرب من أول يوم ومن أول وهلة وإن كانت تعاليم الإنسان هي تعاليم فطرية تحدث و تخاطب فطرة الإنسان وتخاطب عقله بشكل سواء ، إلا أن الخطاب الديني والموضوع والمحاضرة الدينية حتى تكون ناجحة لابد لها أن تأخذ طابعاً غربياً حتى تكون مؤثرة .
س : هل تعتقد أن الخطبة الحسينية وقضية الحسين (عليه السلام) هي المحور للتبليغ أم يجب أن نتناول قضايا أخرى فكرية أو غيرها كما يطالب البعض ؟ .
ج : إنني أعتقد وأنا على يقين أنّ الخطابة الحسينية يجب وينبغي أن تكون جوهر التبليغ في الغرب ، والسبب واضح ، فالإمام الحسين (سلام الله عليه) وقضيته ومصائب يوم عاشوراء هي ما يهتز إليها كل ضمير حي وحتى كل ضمير ميت أماتته ظلمات المعاصي والذنوب ، فلا يوجد إنسان لا يتفاعل مع قضية الإمام الحسين (سلام الله عليه) ، ولا يوجد وجدان لا يتغير بالتعرف على الحسين (سلام الله عليه) ، ولا يوجد ضمير لا يتفاعل مع قضيته ، فإننا حينما نجد أن من أراد النيل بأبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) وجعجع به وبأصحابه وبأهل بيته كالحر بن يزيد الرياحي نراه يتفاعل مع الحسين ونراه يتغير وينقلب رأساً على عقب فيما يرتبط بنداء الحسين (سلام الله عليه) فإنّ العالم الغربي يتفاعل أيضا مع الإمام الحسين ، وهذه قضية مهمة .
فقد رأيت أنا مراراً وتكراراً ، وبإمكاني أن اذكر العشرات بل المئات من النماذج التي تدل إلى أن صرخة الحسين (عليه السلام) مدوية إلى يومنا هذا وفي كل مكان على وجه المأمورة ، وكم من أناس أسلموا لمجرد استماعهم لمصيبة الحسين (سلام الله عليه) ، وأذكر مثلاً قبل عامين التقيت برجل أسترالي أسلم واعتنق مذهب أهل البيت (سلام الله عليهم) وغيّر اسمه إلى محمد علي ، فلما سألته عن السبب قال لي : إني رأيت مشاهد زيارة الإمام الحسين في يوم الأربعين بعد سقوط الطاغية في العراق على شاشات التلفزيون وفي نشرات الأخبار فتساءلت مع نفسي : مَن الذي يقصده الملايين من العراقيين لمجرد سقوط صدام وكأنّ العراق كله ينتظر سقوط صدام لا لكي يلتذ بحريته ولا لكي يخرج من العراق ومن هذه الزنزانة الضخمة التي صنعها صدام بل فقط لكي يزور الحسين )سلام الله عليه) في كربلاء المقدسة ، فإذا كانت مشاهد زيارة الحسين في أربعينيته تغيّر وتؤدي بإنسان لترك النصرانية ودخول الحنيفية فكيف بالحسين (سلام الله عليه) ؟ وكيف بحوادث الطف المؤلمة ؟ .
س : هل تجد هذه الآليات التقليدية (المنبر والخطبة الحسينية) جديرة بتوصيل الفكر الشيعي رغم دعوات الانتقاد لها عند شرائح من مثقفينا ؟ .
ج : هؤلاء المثقفين مع احترامنا لهم لا يعون مدى تأثير هذه الآليات التقليدية ، وهذا ما لمسته أنا من خلال تجربتي ، فإن الخطاب الحسيني وذكر المصيبة طبعا لا تكون على الطريقة العربية وإنما تكون عادة سرداً لمصائب الإمام الحسين )سلام الله عليه) بأسلوب خلص يتفاعل معه الغرب ، وهو مؤثر جداً ، لأني قلت الإمام الحسين سلام الله عليه وقضيته يتفاعل معها كل ضمير ، والإمام الحجة (صلوات الله عليه) في حديث له يخاطب العالم بأسره حينما يحدثهم بمصائب جده الحسين فيقول : " يا أهل العالم إن جدي الحسين قتل مظلوما يا أهل العالم إن جدي الحسين قتل عطشانا " ، فهذا نداء للعالم بأسره وهو تعليم لنا وإرشاد لنا في نقل هذا الصوت إلى العالم كله .
طبعا تطوير الأساليب أمر وضروري أحيانا لأن بعض الآليات لا يتفاعل معها العالم الغربي ، فمثل هنالك في الغرب اعتماد كبير على الإنترنت وهذا ما ينبغي الاستفادة منه ، وأذكر مثالاً وهو أن المجلس الذي كان يقام في العاصمة البريطانية لندن وكنت أنا أخطب فيه وكان مجلساً يجذب ألفين من الناس وذلك في قلب العاصمة البريطانية إلا أنّ هذا العدد كان لا يعد شيئاً بالمقارنة مع أعداد المستمعين بالمحاضرات على شبكة الإنترنت ، مما يعني أن التركيز ينبغي أن يكون على المستمع باستخدام شبكة الإنترنت وقد وصل عدد المستمعين إلى مائة ألف ، وهذا أمر يجدر الالتفات إليه أيضا.
وكما لا يمكن أن نترجم محاضرة عربية إلى الإنجليزية ونتوقع من الناس أن يتفاعلوا معها ، كما إذا ترجمنا كتاباً إلى الإنجليزية فلا نتوقع تجاوبا مماثلا لما نجده في الشرق وفي العالم الإسلامي ، فالكتاب الذي يكتب بالعربية يخاطب عقلية عربية ، ومن هنا لا بد لنا من الحصول على من يكتب بخلفية ثقافية غربية لعقلية غربية حضارية ، كما ينبغي الاستفادة من الشبكة العالمية الإنترنت وما إلى ذلك أمر ضروري على كل حال ، لكن هذا لا يعني أن نلغي الأساليب القديمة بل نحاول أن نجد لها أمور تطور أداءها وبذلك تطور وتوسع من رقعة الاستفادة منها في الغرب .
س : هل تجد تقصيراً من المؤسسات الدينية الشيعية تجاه نشر الدعوة للتشيع في الغرب ؟ .
ج : لا شك أن هنالك ثغرات وسلبيات في الأساليب المستخدمة في الغرب كما في الشرق ، ولابد لنا من بحث سبل تطوير هذه الأساليب ، في الوقت ذاته أعتقد أن المشكلة لا تكمن في أساليب الدعوة في الغرب وإنما في أساليب الدعوة ، فكما بيّنت سابقاً الدعوة في الغرب للغرب شبه معدومة فيما يخص مذهب أهل البيت (سلام الله عليهم) ، وما يصل إلينا أحيانا من نماذج من أشخاص أسلموا ودخلوا في التشيع هي إنما أمور لا تحدث في كل يوم ، وإنما الأمر مثل مد وجزر ، هنالك مجلس يقام وهنا ندوة تعقد وهنا محاضرة تلقى فترى الناس يتوجهون نحو مذهب أهل البيت (سلام الله عليهم) ويعتنقون الإسلام عن طريقهم ، المشكلة الأساسية اليوم هي أنّ الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية في العالم الإسلامي لم تخطط بشكل جيد للتبليغ في الغرب كهدف أساسي من أهدافها ، وهذا أمر ينبغي أن يعالج لأن الآخرين يفعلون ما بوسعهم وينفقون الأموال الطائلة ويتعبون في نشر مذاهبهم وفي نشر عقائدهم الضالة والمضِلّة ، فإنك تجد أحيانا بأن المبلّغ يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أستراليا مثلا ، أو من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة لكي يبلّغ المسيحية ، فتراه يقف تحت الشمس الحارة وتحت ثقب طبقة الأوزون يقف في الشارع ويتحدث إلى هذا الرجل وإلى ذاك ويبلّغ ديانته ومذهبه في هذه الصورة ، وهذا ما يجب علينا أن نسبقهم إليهم ، فقد قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته للحسنين في آخر لحظات حياته : " الله الله في القرآن لا يسبقنكم إلى العمل به غيركم " ، وينبغي نحن أن نبادر إلى هداية الناس إلى السبيل السواء وإلى الصواب المستقيم قبل أن يفعل ذلك غيرنا .
س : كيف ينظر الغربيون إلى التشيع كفكرة ، خصوصاً بعد سقوط نظام صدام في العراق وتعاطي الإعلام معهم مباشرة دون وسيط كما في السابق ؟ .
ج : أعتقد أن الغرب بدأ يتحسس تميّز المذهب الشيعي وهو يمثل الإسلام المحمدي الأصيل على باقي المذاهب ، وبدأ الغرب يتعرف عليه بشكل مباشر وذلك من خلال المراكز الإسلامية الشيعية التي فتحت أبوابها للغرب لكي تبيّن أن التشيّع مذهب معتدل ملتزم يدعو إلى العقل والتعقل بدلاً من العنف ودعوات الجاهلية ، وللتشيع الفضل كل الفضل في تحسين صورة الإسلام وفي تبيين عظمة هذا الدين في الغرب ، حيث أصبحت باقي المذاهب يُنظر إليها بشكل مختلف ، كما أن سقوط نظام صدام في العراق ذلك الطاغوت الذي صنع من العراق جمهورية للخوف وهو الذي حوّل العراق إلى سجن كبير وقتل من الشيعة من قتل وشرّد من الشيعة من شرد وأقصى منهم من أقصى ، فقد اكتشف الغرب عدة أمور ، أولها : أن الشيعة هم الضحية الأولى في العراق وهم الذين خسروا قرابة أربعة ملايين من أبنائهم من جراء الحكم الطائفي البغيض الذي مارسه صدام على الأكثرية الساحقة في العراق الجريح ، واكتشف الغرب أيضاً أن الشيعة ليسوا ممن يبيعوا دينهم بدنياهم وأن الشيعة مستعدون للتضحية في سبيل رموزهم الدينية وفي سبيل عقيدتهم الخالصة ، وهذا أمر دفع الغرب للتعرف على التشيع بشكل أكبر ، فالمقابر الجماعية والتي تعد بالمئات أكبر دليل على الطائفية التي مورست بحق هذا الشعب المظلوم ، فبدأ الغرب بالتعرف على محنة الشعب العراقي وبالتعرف بالخصوص على محنة الشيعة في العراق ، وهذا ما دفعه للتعرف على المذهب الشيعي لأن مذهبه ولأن ولائه لأهل البيت (سلام الله عليهم) هو الذي جعل منه ضحية لنظام ذلك الطاغوت .
س : ما تحليلك لشخصية الغربي من ناحية التأثر عاطفياً أم عقلياً وبالأدلة ؟ .
ج : الشخصية الغربية تختلف من طبقة إلى أخرى ، لكن بشكل عام الأدلة العقلية أمر مهم في الخطاب الديني في الغرب ، فلا يمكن أن يخلوا خطابا أو محاضرة من أدلة عقلية رصينة من نماذج وأسئلة علمية من العلم الحديث ، هذا من جانب لكن العاطفة تلعب دورا مهما أيضا في الخطاب الديني ، فالتفاعل مع قضية الإمام الحسين (سلام الله عليه) هو تفاعل عاطفي مبتني على أسس عقلية ، فإن الغربي عندما يبكي على الحسين يبكي لأن المصيبة عظيمة ولأن المصاب بها عظيم أيضا ، وهذا أمر نراه دائما في المجالس الحسينية ، وأذكر من باب النموذج مثلاً أن رجلاً كان أستاذا في إحدى أكبر الجامعات في العاصمة البريطانية لندن وهو منتمي للديانة السيخية ، جاء وحضر مجلس الإمام الحسين (سلام الله عليه) الذي انعقد في لندن وحضر في الليلة السابعة من المجلس وهي ليلة نتذكر فيها عادة مصيبة العباس بن علي (عليه السلام) ، جاء وجلس ورأيته وأنا فوق المنبر يهتز من البكاء ويبكي بكاء الثكلى ، وعندما انتهى المجلس نزلت واصطحبته معي إلى المسكن سألته سؤال : ما الذي هداك إلى الحسين ؟ وأين أنت وأين حادثة الطف وواقعة عاشوراء ؟ ، طبعاً ذلك بعدما تعرفت عليه وعلمت أنه أستاذ جامعي وعلمت أنه رجل سيخي كما كان ظاهره ينبئ بذلك ، بالإضافة إلى ذلك هو من سلالة قرنانا وهو مؤسس الديانة السيخية ، فقلت له : أين أنت وأين الحسين ؟ ، فأجابني بهذه الكلمة ولا أنسى عبارته حيث قال : إن ملائكة السماوات تبكي على الحسين فكيف لا أبكي أنا ، يعني هو يرى في مصيبة عاشوراء جانباً غيبياً أيضا بالإضافة إلى كونها مصيبة إنسانية عظيمة ، ثم سأله أحد الإخوة : وماذا عن المنقذ هل تؤمن بنظرية المنقذ وأن رجلا سيأتي في آخر الزمان لكي يملئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ؟ ، قال : نعم وكيف لا أؤمن بذلك والكل يؤمن بذلك ، فسأله ذلك الشاب مستدركا قال : هل تؤمن بأن هذا المنقذ هو المهدي بن الحسن العسكري (عليهم السلام) ؟ ، فأجابه السيخي قائلا :أما عن اسمه ولقبه واسم أبيه فلا يمكنني إخبارك بذلك لا أعرف لكنني أعرف شيئا واحدا وهو أنّ هذا المنقذ حينما يظهر فإنك وإنني سنكون في صف واحد نقاتل معه أعدائه , يعني هذا الشيء حقيقة لا يمكن لأحد أن يراه إلا ويعرف عظمة هذا الدين ويعرف عظمة الشريعة السمحاء التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) .
أما من حيث الأدلة العقلية فهذا أمر لابد منه في الغرب وفي غير الغرب ، وأحاول أنا عادة أن أشير إلى مسائل علمية دقيقة تخصصية في كل مجلس تقريباً ، لأن الغرب كما في الشرق يتأثر بذلك تأثراً بالغا .
س : ما هو مدى طموحكم في ثمار هذا العمل التبليغي في الغرب ؟ هل تتحركون من أجل " تحول كبير " في الغرب تجاه الإسلام أم هو " إسلام بعض " الأفراد ؟ .
ج : الغرب متعطش للإسلام لتعاليمه ولمبادئه وهذا يفرض علينا مهمة تتجلى في عمل تبليغي واسع ، والتبليغ طبعاً يكون بشتى الوسائل والأدوات ، وعلى كل واحد منا أن يتحمل جزء من هذا العبء الكبير الذي لاشك بأنه سوف يجني ثماراً كبيرة في القريب العاجل رغم أن العمل التبليغي في الغرب ليس عملاً على المدى القريب ، ونحن مثلا نعمل بتوجيهات المرجع الديني الكبير المجدد آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (حفظه الله ورعاه) الذي أذكر أنه قال لي في لقاء قبل أشهر معدودة : يجب أن تصبوا جهودكم في هدف تحويل الغرب إلى جزء من العالم الإسلامي خلال مئة عام ، وهذا أمر وإن بدا صعباً مستصعباً في الوهلة الأولى إلا أنه ممكن وهو غير مستحيل لأنه لو نظرتم إلى انتشار الإسلام في بدء تبليغه من قِبَل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ترون أنه بعد انتهاء القرن الأول من بعثته أصبح ثلث العالم آنذاك مسلماً وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على عظمة هذه الرسالة وعلى تقبّل العالم لها .
س : ما هي تنقلون رؤيتكم للديانة المسيحية إلى المسيحيين ؟ وكيف تتحاورون معهم في مسائل عقيدية كشخصية السيد المسيح (عليه السلام) ومسألة الثالوث أو غيرها ؟ .
ج : هذا العالم يعاني من فراغ روحي كبير جداً لا يملئه دين إلا دين الإسلام ولا نماذج إلا نماذج أهل البيت (عليهم السلام) ، وأذكر مرة من المرات قامت إحدى الأخوات في مجلس في مدينة ديترويت في ولاية مشيكان الأمريكية وسألتني هذا السؤال : قُلتَ أنت في محاضرتك أن هناك أسلوبان ومنهجان للوصول إلى الحقيقة ، الأول هو منهج العلوم التجريبية الذي يعتمد على أساس التجربة والخطأ ، والمنهج الثاني هو منهج الأخذ من مصدر العلم وأشرت فيما بعد إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فكيف نعرف نحن مَن تسميهم بالأئمة هم الذين ينبغي علينا أخذ العلم منهم ؟ ، فأجبتها : اجلبي أنتِ لي نماذج أفضل من أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وسأكون أنا أول من يتبعهم ، هل عندك نموذج أفضل من علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى أتبعه ، أو نموذج أفضل من الزهراء (سلام الله عليها) {قُل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين} ، فلا توجد نماذج أفضل من أهل البيت (عليهم السلام) في أي مكان في العالم ، فالنصراني يأتي بنموذج سيدنا عيسى ابن مريم (عليه السلام) ولكن هذا النموذج كما يبينه الدين المسيحي هو نموذج ناقص فلم يكن المسيح أباً يوماً ما حتى أتبعه في الأبوة ، ولم يكن المسيح زوجاً حتى أتبعه في الزوجية ، ولم يكن المسيح ابناً لأب حتى أتبعه في البنوّة ، فهو نموذج ناقص بالمقارنة مع النموذج المتكامل العظيم الذي يقدمه لنا الإسلام في أهل بيت العصمة والنبوة (عليهم السلام) ، فالمسيحية ديانة مليئة بالتناقضات ومليئة بأمور لا يقبلها أي عاقل وأي ذي لُب ، وهذا مما يجعل الإسلام سريع الانتشار وديناً يقبله كل إنسان في الغرب بمجرد التعرف على أبسط مبادئه ، فترى إلى مسألة الثالوث مع أنه يتناقض مع العقل والغرب عادة يعتمد على أمور عقلية وأسس علمية دقيقة في إثبات كل شيء حتى في إثبات وجود الله تبارك وتعالى إلا أنهم عندما يصل الأمر إلى العقيدة لرب الأرباب يتزعزع ويسقط في هاوية الثالوث التي تناقض العقل والفطرة والضمير ، وهذا من الأمور التي تجعل الإسلام ديناً جذاباً لأي إنسان ، فقد أُجريت قبل فترة استفتاء في المملكة المتحدة حول السبب الرئيسي الذي يدعو البريطانيون لاعتناق الإسلام فكان الجواب هو أن الإسلام دين تعقل ولا يحوي على رموز معقدة تناقض العقل وإنما هو دين سهل بسيط فطري ينسجم الإنسان معه .
س : كيف ترون الفروق بين الذين يسلمون بعد الكفر مع غيرهم من المسلمين الفطريين المتواجدين في الغرب ؟ .
ج : دائماً أسمع من الشخص الذي يعتنق الإسلام يصف حاله في السابق قبل الإسلام بأنه كالذي كان يغرق مدى حياته ويكاد يموت خنقاً حتى إذا اعتنق الإسلام يشعر كأنه تنفس لأول مرة ، وهو بذلك يكون متمسكاً بهذا الدين يعمل بتعاليمه ويحاول جهد استطاعته أن ينفذ كل شيء جاء في هذا الدين ، وأنا شخصياً رأيت بعضهم من الذين أسلموا وهم قريبو العهد من الكفر وبالجريمة وعندما أسلموا بدءوا منذ اليوم الأول لإسلامهم بأداء الفرائض بالإضافة إلى النوافل وخاصة صلاة الليل ويجتهدون لحج بيت الله الحرام وتراهم أناساً قد تغيروا رأساً على عقب وهم خير نموذج للمسلمين الفطريين الذين –وللأسف- أصبحوا ينظرون إلى الإسلام نظرة من أُشبع وبلغ حد الإشباع فهو لا يدرك عظمة هذا الدين ، والفرق بين هؤلاء الذين يسلمون بعد كفرهم وبين المسلمين الفطريين هو الفرق بين المسلمين في صدر الإسلام ونظرائهم في عصرنا هذا ، فالمسلم الذي أسلم على يد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان يشعر بكل وجوده بأن هذا الدين لا مثيل له أبداً ولا يمكن له أن ينجو من هفوات الكفر ومن مهاوي الشرك إلا به وبالتمسك بتعاليمه وأنه لا يمكن لهم أن يخرجوا من مستنقع الذنوب والمعاصي والموبقات التي تفسد لهم دينهم ودنياهم إلا بالمطاوعة لتعاليم هذا الدين ، ولذلك فإنك ترى أنهم كانوا ثابتين في عقيدتهم راسخين في إيمانهم منهمكين في تطبيق تعاليم دينهم وهذا فرق شاسع بين أولئك وبيننا هذا اليوم .
س : في الختام ، ماذا تقولون ؟ .
ج : نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لإيصال صوت الحق والعدالة والإيمان ، صوت أهل بيت العصمة والطهارة إلى العالم أجمع وخاصة في مشروعنا الذي نعمل عليه وهو " قناة أهل البيت الفضائية " التي نأمل أن تكون منبراً من منابر نشر ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) وعقيدتهم وسيرتهم الطيبة في كل مكان لأنني أحاول أن يكون للقناة جناحاً في برامج اللغة الانجليزية ، نسأل الله التوفيق والسداد .
نقلا عن منتدى القران الكريم