خطبة الجمعة الموحدة الـ101 لسماحة السيد مقتدى الصدر التي ألقيت في عموم العراق نيابة عن السيد مقتدى الصدر بتاريخ7صفر الخير1426هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل البدء بالخطبة أقول:
أولاً: علينا أن نأخذ العبرة من كل شيء فالكل يعلم أن صلوات الجمعة بسنواتها السبع تقريباً ومنذ أن أقامها السيد الوالد (قدس سره) لم يسقط في أثناءها المطر بهذه الصورة التي حدثت في الأسبوع الماضي حيث مَنعت الكثير من الحضور إلى الصلوات ، فلذا وعلى الرغم من ان المطر يعني الخير إلا أنه قد يكون في بعض الأيام غضباً، فلا تكونوا يا أخوتي سبباً لإزالتها وزوالها بتناحركم وعصيانكم وسعيكم وراء الدنيا الدنيّة ، بل حافظوا عليها بأعمالكم الصالحة وتآخيكم وتوحدكم وإلا كنا ممن فرّط بدماء شهداء الحوزة الناطقة بالحق التي يفخر بها الأولون والآخرون، فلذا ندعوا الله أن يُؤيدها بتأييده، ونقول اللهم أدم لنا صلاة الجمعة، وأضيف اللهم إن رفعت ولينا ومرجعنا مكاناً علياً فاترك لنا ثماره ننعم بها وتكون لنا تكاملاً. (هذا واشهدوا أنّي قد بلّغت) بل اللهم اشهد أنّي قد بلّغت.
ثانياً: نُقل لي بأن أحد ما يُسمى بالسياسيين وجّه كلامه لما يسميه بالتيار الصدري قائلاً وبما معناه: بما أنكم لستم تنظيماً سياسياً فليس لكم الحق بالحقائب الوزارية وغيرها، فأقول: الحمد لله الذي جعل الحق يخرج من فمك ، والحمد لله الذي أنجى التيار من هذه المناصب الخدّاعة والتي لا تمت للعراق والعراقيين بصلة، وذلك لوجود المحتل، ثم اعلموا أن الحوزة العلمية الناطقة بالحق ستكون عليكم بعد الله رقيباً فلا تستطيعون لأكياسكم ولا لحقائبكم من ثروات الشعب مِلئا.
أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمدٍ وآله أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
لابد لنا من أن نأخذ العبرة من كل ما يدور حولنا ففي كل صغيرة وكبيرة عبرة، فكيف بحياة المعصومين ومماتهم سلام الله عليهم، فإنه يُمكننا أن نأخذ ما شاء الله من العِبر لو تتبعنا حياتهم من حين الولادة إلى استشهادهم وما بعدها أيضاً ، فإن أعمالهم لا تنقطع بل إن نهجهم مُستمر إلى يوم الدين، فهم خطوا لنا خطوطاً ونهجاً نسير عليه ولا نُفارقه ما دُمنا على بيعتهم سائرين وعلى حبهم ماضين.
ولا بد لنا أن نتأسى بكل صغيرة وكبيرة، لكي نكون أفضل مصداق من مصاديق أصحابهم واتباعهم وأعوانهم وأنصارهم، وإلا فنحن قد شذذنا وخرجنا عن خطهم ونهجهم من حيث نعلم أو لا نعلم، ولذا فإنه قد يقال بل هو شائع بين الجميع مع شديد الأسف ، حينما تقول لأحدهم تأسى بالمعصوم فيجيبك: (ويني وين المعصوم) أو لماذا لا تفعل مثل فعل الرسول أو الإمام ففي حينها يُجيبك: (ذاك معصوم شلون أصير مثله) وغيرها من الشبهات التي دخلت في رؤوسهم ويُدخلونها في رؤوس المساكين، فاقتنعوا بها وأقنعوا الناس بها أيضاً، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على انحطاط المجتمع وتهرّبه من واجباته التي على عاتقه، متناسياً قوله تعالى في محكم كتابه العزيز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخ وذكر الله كثيراً).
انظر فإن الآية تجعل الأسوة طريقاً لمن جعل رضا الله هدفاً له، وعليه يُمكن القول أنّه لا يمكن أن يكون الله راضياً عنك ما لم تتأسى بهم، لكن في نفس الوقت الحذر الحذر من الإنجراف خلف الشهوات واتباع النفس الأمارة بالسوء، التي تُوسوس لك بأن تتأسى بإمام دون الآخر، أو بعمل دون آخر، كالذي يتأسى بحُسن الملبس ولا يتأسى بالتواضع أو الزهد مثلاً، أو كالذي كلما تكلمت معه يقول إني أتأسى بالإمام الحسن أو الإمام الرضا سلام الله عليهما ، وخصوصاً في زماننا هذا وما يدور من تنازع على الدنيا وزُخرفها وشَرَكِها وحبائلها مع شديد الأسف.
طبعاً هذا عين الخيانة، فالإمام الرضا عليه السلام أُجبر على هذا من الظالمين ولم يتخذ المركز للأمر والنهي كما تعلمون بل اشترط عدم ذلك، وحيث اُضطر إليه فإنه حاول أن يجعله طريقاً لهداية الناس لكن الظالمين أبوا ذلك على الإطلاق، ولذا اضطروا أخيراً إلى دس السم في شرابه سلام الله عليه وأرواحنا له الفِدا.
لذا فإنك حينما تريد أن تتأسى بأحدهم سلام الله عليهم فلا تؤسس أساساً خاطئاً ومن تتأسى به أو تبني عليه، فيكون كُلُّ بنيانك هشاً وقابلاً للتهديم وبلا عناء ، أفهذا الذي تريد أم ماذا، لا نحن نريد أن نبني لأنفسنا ومجتمعنا بنياناً صلباً قوياً لا يميل مع كلِّ مائل كالسعفة التي تهب بها الريح فتأخذها يميناً ويساراً ، بل أجعل من أعمالك حصناً لك من الأهواء ومن الشهوات وما يدور من حولك من دنيا دنية لا خير فيها إلا لمن جعلها طريقاً لرضا الله جل جلاله وعلا مكانه.
هذا من ناحية وأما من ناحية أخرى ، فإنك بتأسيك بإمام دون آخر تكون مصداقاً للآية الشريفة التي تقول (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك إلا خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)، وطبعاً هم صلوات الله عليهم أفضل مصداق للكتاب بل هم عِدل الكتاب وهم من فسروه خير تفسير وطبقوه خير تطبيق، وهذا لا يختلف فيه اثنان. ثم إني استغل هذه الفرصة وخصوصاً ونحن في ذكرى استشهاد إمامنا الحسن بن علي سلام الله عليهما، الإمام الثاني للمسلمين الذي خلف الإمامة بعد أبيه سلام الله عليه فكان نعم الخلف لنعم السلف، فهو ذاك الذي تربى وترعرع في كنف جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وأبيه علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وقد ذهب معه في الكثير من الغزوات وكان معه في الكثير من الأمور، لقب بالكثير من الألقاب أشهرها المجتبى والزكي والتقي والولي وكذا لقب بالسبط، كما لا يخفى على الكثيرين بطبيعة الحال، هذا فضلاً عن أنه سيد شباب أهل الجنة وهو لقب أجمع عليه المسلمون جميعاً، هذا وإنه ممن باهل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعودا، وطبعاً القيام المقصود به القيام بالسيف، وإنما أوردت هذا الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكي يكون رداً على القائلين بعدم إمامته سلام الله عليه، ممن اشترطوا في مبايعته عدم الصلح مع معاوية أو قل اشترطوا عليه أن يُحاربه ، لكن لا فإنه إمام مفترض الطاعة سواء حارب أم صالح، أي قام أم قعد، وعموماً يُمكن الاستدلال على إمامته بروايات أخرى لا مجال لذكرها فليس هذا مطلبنا، فإن الإمام الحسن وكذا الإمام الحسين سلام الله عليهما، قد قاما وقد قعدا أيضاً، فأما الإمام الحسن فهو أراد مُحاربة معاوية ثم صالحه، وأن الإمام الحسين قد قام بعد قعود لو صح التعبير، فما من قيام إلا بعد قعود، عموماً فإنك إن أردت أن تتأسى بالإمام الحسن عليه السلام فإنه أيضاً ممن أراد القيام بالسيف، ولا يمكن أن تتأسى به من جهة المصالحة مع أعدائه ، وليس هذا فقط ، فإنه سلام الله عليه ليس من طلب المصالحة ، بل هو وافق عليها، فإن المصالحة كانت فكرة معاوية لعنه الله، إضطر إليها الإمام الحسن سلام الله عليه، فإذن التأسي به يقتضي عدم الصلح مع الأعداء ، وأرجوا أن يكون ذلك واضحاً أو قل يجب أن تتأسى بصلحه في نفس مورده لا في كل الموارد وإلا فهو ليس تأسياً على الإطلاق بل قد يكون خروجاً عن القواعد العامة وأنت تعلم، هذا وكما أنك حينما يقال لك لماذا لا تتأسى بجهاد الإمام الحسين عليه السلام فتقول إنه إمام وأنا لستُ كذلك، فتأسيك بصلح الإمام أيضاً ينطبق عليه نفس الرد، فإنه إنما صالحَ لكونه إماماً وأنت لست كذلك، فله هنا يجوز وهناك لا يجوز؟؟ ثم إن هذا كله من ناحية العمل الميداني كما يعبرون في الاصطلاح الحديث، أما لو أردنا أن نتأسى به على الصعيد الأخلاقي والتربوي فكذلك يجب أن نتأسى به من جميع النواحي لكن بحدود ما تتحمله ثم تتكامل فتزيد شيئاً فشيئاً، وإلا فأنت ممن لا يتكامل على الإطلاق فتكون ملعوناً، وفي هذا الصدد أحببت أن أنقل لكم رواية بهذا الصدد فلعلكم تتأسون بها وخصوصاً الحُضور ومن جعل الخلافات والاعتداءات ديدناً له وعادةً عنده لو صح التعبير مُحتجاً بأمور أقرب للباطل وأبعد عن الحق. روى ابن عائشة قال: دخل رجل من أهل الشام المدينة، فرأى رجلاً راكباً بغلة حسنة، فقال : لم أرَ أحسن منه، فمال قلبي إليه، فسألت عنه فقيل لي إنه الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فامتلأ قلبي غيضاً وحنقاً وحسداً أن يكون لعلي عليه السلام ولد مثله، فقلت أنت ابن علي بن أبي طالب فقال: أنا أبنه، أنت أبن من ومن ومن .... وجعلت أشتمه وأنال منه ومن أبيه وهو ساكت، حتى استحييت منه، فلما انقضى كلامي ضحك وقال: أحسبك غريباً ياشامي، فقلت : أجل فقال فَمِل معي، إن احتجت إلى منزل أنزلناك وإلى مال رفدناك وإلى حاجة عاوناك، فاستحييت منه وعجبت من كرم أخلاقه، فانصرفت عنه وصرت أحبه ما لا أحب أحداً غيره، وطبعاً لا يوجد أحداً منكم من يفعل هذا إلا ما ندر، فلو أن أحداً شتمك وأنت أحقر الناس بالنسبة لإمام مفترض الطاعة لقُمت بشتمه ، بل وضربه بل وحتى قتله في بعض الأحيان والتعدي عليه بما لا يليق مُحتجاً بأنه هو البادئ، لكن تذكر أنه من ضربك على خدك الأيمن فقدم له الأيسر وأنى لكم هذا، فبفعلكم هذا تملئون قلوب المعصومين قيحاً ، أفما آن أن تهتدوا، هذا وإني كنت ولفترة طويلة أكرس الخطب وأجعلها سياسية تجنباً لمثل هذه الأمور، فإني إن وعظتكم ولم تتعضوا فهذا هو الخسران المبين ، لكن أملي بالله وبكم كبير ، تجاوزوا عن أخطاء إخوتكم بل وأعدائكم أيضاً ، فالأخلاق الحسنة هي مبعث الهداية، أفلا ترون ان الرواية جعلت مِن تصرُف الإمام عليه السلام طريقاً لهداية عدوه، فإنك إن كنت ترى ضلالة الطرف الآخر فعليك هدايته وهي منحصرة بالأخلاق الحسنة وإلا إزداد طغياناً، لكن أكرر وأقول ليس الطرف الثاني دوماً على ضلالة بل لعلك أنت الضال المُضل وأنت لا تعلم فأنت جاهل وتجهل بأنك جاهل والعياذ بالله.
وسأبقى ما دمت حياً ناصحاً لكم فأمام أن تهتدوا وأما أن تضلوا، الأمر راجع لكم ، لكن لا تحسبوا أنفسكم ممن اتبع المراجع الناطقين والأولياء الصالحين بل وحتى الأئمة المعصومين، فإن شيعة أهل البيت واتباعهم هم يعملون أعمالهم ويتأسون بهم كما قلنا سابقاً، وأعلم إن مقابلة الإحسان بالإساءة هي الخير كل الخير، فطبعاً تذكر أنك ستسيء أيضاً ، فهل ترضى أن يرد عليك، فإن كنت اليوم أنت المعتدي عليه فغداً أنت المعتدى، وإذا كنت اليوم قد سمعت كلاماً ضد أخيك فصدقته فغداً هو من يسمع ضدك كلاماً فهل يصدقه أم لا ؟. فإن كنت قد صدقته سابقاً فلعله سيُصدقه لاحقاً، فاتقوا الله ولا تجعلوا من الدنيا مُفرقةً لكم.
مقتدى الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل البدء بالخطبة أقول:
أولاً: علينا أن نأخذ العبرة من كل شيء فالكل يعلم أن صلوات الجمعة بسنواتها السبع تقريباً ومنذ أن أقامها السيد الوالد (قدس سره) لم يسقط في أثناءها المطر بهذه الصورة التي حدثت في الأسبوع الماضي حيث مَنعت الكثير من الحضور إلى الصلوات ، فلذا وعلى الرغم من ان المطر يعني الخير إلا أنه قد يكون في بعض الأيام غضباً، فلا تكونوا يا أخوتي سبباً لإزالتها وزوالها بتناحركم وعصيانكم وسعيكم وراء الدنيا الدنيّة ، بل حافظوا عليها بأعمالكم الصالحة وتآخيكم وتوحدكم وإلا كنا ممن فرّط بدماء شهداء الحوزة الناطقة بالحق التي يفخر بها الأولون والآخرون، فلذا ندعوا الله أن يُؤيدها بتأييده، ونقول اللهم أدم لنا صلاة الجمعة، وأضيف اللهم إن رفعت ولينا ومرجعنا مكاناً علياً فاترك لنا ثماره ننعم بها وتكون لنا تكاملاً. (هذا واشهدوا أنّي قد بلّغت) بل اللهم اشهد أنّي قد بلّغت.
ثانياً: نُقل لي بأن أحد ما يُسمى بالسياسيين وجّه كلامه لما يسميه بالتيار الصدري قائلاً وبما معناه: بما أنكم لستم تنظيماً سياسياً فليس لكم الحق بالحقائب الوزارية وغيرها، فأقول: الحمد لله الذي جعل الحق يخرج من فمك ، والحمد لله الذي أنجى التيار من هذه المناصب الخدّاعة والتي لا تمت للعراق والعراقيين بصلة، وذلك لوجود المحتل، ثم اعلموا أن الحوزة العلمية الناطقة بالحق ستكون عليكم بعد الله رقيباً فلا تستطيعون لأكياسكم ولا لحقائبكم من ثروات الشعب مِلئا.
أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمدٍ وآله أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
لابد لنا من أن نأخذ العبرة من كل ما يدور حولنا ففي كل صغيرة وكبيرة عبرة، فكيف بحياة المعصومين ومماتهم سلام الله عليهم، فإنه يُمكننا أن نأخذ ما شاء الله من العِبر لو تتبعنا حياتهم من حين الولادة إلى استشهادهم وما بعدها أيضاً ، فإن أعمالهم لا تنقطع بل إن نهجهم مُستمر إلى يوم الدين، فهم خطوا لنا خطوطاً ونهجاً نسير عليه ولا نُفارقه ما دُمنا على بيعتهم سائرين وعلى حبهم ماضين.
ولا بد لنا أن نتأسى بكل صغيرة وكبيرة، لكي نكون أفضل مصداق من مصاديق أصحابهم واتباعهم وأعوانهم وأنصارهم، وإلا فنحن قد شذذنا وخرجنا عن خطهم ونهجهم من حيث نعلم أو لا نعلم، ولذا فإنه قد يقال بل هو شائع بين الجميع مع شديد الأسف ، حينما تقول لأحدهم تأسى بالمعصوم فيجيبك: (ويني وين المعصوم) أو لماذا لا تفعل مثل فعل الرسول أو الإمام ففي حينها يُجيبك: (ذاك معصوم شلون أصير مثله) وغيرها من الشبهات التي دخلت في رؤوسهم ويُدخلونها في رؤوس المساكين، فاقتنعوا بها وأقنعوا الناس بها أيضاً، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على انحطاط المجتمع وتهرّبه من واجباته التي على عاتقه، متناسياً قوله تعالى في محكم كتابه العزيز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخ وذكر الله كثيراً).
انظر فإن الآية تجعل الأسوة طريقاً لمن جعل رضا الله هدفاً له، وعليه يُمكن القول أنّه لا يمكن أن يكون الله راضياً عنك ما لم تتأسى بهم، لكن في نفس الوقت الحذر الحذر من الإنجراف خلف الشهوات واتباع النفس الأمارة بالسوء، التي تُوسوس لك بأن تتأسى بإمام دون الآخر، أو بعمل دون آخر، كالذي يتأسى بحُسن الملبس ولا يتأسى بالتواضع أو الزهد مثلاً، أو كالذي كلما تكلمت معه يقول إني أتأسى بالإمام الحسن أو الإمام الرضا سلام الله عليهما ، وخصوصاً في زماننا هذا وما يدور من تنازع على الدنيا وزُخرفها وشَرَكِها وحبائلها مع شديد الأسف.
طبعاً هذا عين الخيانة، فالإمام الرضا عليه السلام أُجبر على هذا من الظالمين ولم يتخذ المركز للأمر والنهي كما تعلمون بل اشترط عدم ذلك، وحيث اُضطر إليه فإنه حاول أن يجعله طريقاً لهداية الناس لكن الظالمين أبوا ذلك على الإطلاق، ولذا اضطروا أخيراً إلى دس السم في شرابه سلام الله عليه وأرواحنا له الفِدا.
لذا فإنك حينما تريد أن تتأسى بأحدهم سلام الله عليهم فلا تؤسس أساساً خاطئاً ومن تتأسى به أو تبني عليه، فيكون كُلُّ بنيانك هشاً وقابلاً للتهديم وبلا عناء ، أفهذا الذي تريد أم ماذا، لا نحن نريد أن نبني لأنفسنا ومجتمعنا بنياناً صلباً قوياً لا يميل مع كلِّ مائل كالسعفة التي تهب بها الريح فتأخذها يميناً ويساراً ، بل أجعل من أعمالك حصناً لك من الأهواء ومن الشهوات وما يدور من حولك من دنيا دنية لا خير فيها إلا لمن جعلها طريقاً لرضا الله جل جلاله وعلا مكانه.
هذا من ناحية وأما من ناحية أخرى ، فإنك بتأسيك بإمام دون آخر تكون مصداقاً للآية الشريفة التي تقول (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك إلا خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)، وطبعاً هم صلوات الله عليهم أفضل مصداق للكتاب بل هم عِدل الكتاب وهم من فسروه خير تفسير وطبقوه خير تطبيق، وهذا لا يختلف فيه اثنان. ثم إني استغل هذه الفرصة وخصوصاً ونحن في ذكرى استشهاد إمامنا الحسن بن علي سلام الله عليهما، الإمام الثاني للمسلمين الذي خلف الإمامة بعد أبيه سلام الله عليه فكان نعم الخلف لنعم السلف، فهو ذاك الذي تربى وترعرع في كنف جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وأبيه علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وقد ذهب معه في الكثير من الغزوات وكان معه في الكثير من الأمور، لقب بالكثير من الألقاب أشهرها المجتبى والزكي والتقي والولي وكذا لقب بالسبط، كما لا يخفى على الكثيرين بطبيعة الحال، هذا فضلاً عن أنه سيد شباب أهل الجنة وهو لقب أجمع عليه المسلمون جميعاً، هذا وإنه ممن باهل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعودا، وطبعاً القيام المقصود به القيام بالسيف، وإنما أوردت هذا الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكي يكون رداً على القائلين بعدم إمامته سلام الله عليه، ممن اشترطوا في مبايعته عدم الصلح مع معاوية أو قل اشترطوا عليه أن يُحاربه ، لكن لا فإنه إمام مفترض الطاعة سواء حارب أم صالح، أي قام أم قعد، وعموماً يُمكن الاستدلال على إمامته بروايات أخرى لا مجال لذكرها فليس هذا مطلبنا، فإن الإمام الحسن وكذا الإمام الحسين سلام الله عليهما، قد قاما وقد قعدا أيضاً، فأما الإمام الحسن فهو أراد مُحاربة معاوية ثم صالحه، وأن الإمام الحسين قد قام بعد قعود لو صح التعبير، فما من قيام إلا بعد قعود، عموماً فإنك إن أردت أن تتأسى بالإمام الحسن عليه السلام فإنه أيضاً ممن أراد القيام بالسيف، ولا يمكن أن تتأسى به من جهة المصالحة مع أعدائه ، وليس هذا فقط ، فإنه سلام الله عليه ليس من طلب المصالحة ، بل هو وافق عليها، فإن المصالحة كانت فكرة معاوية لعنه الله، إضطر إليها الإمام الحسن سلام الله عليه، فإذن التأسي به يقتضي عدم الصلح مع الأعداء ، وأرجوا أن يكون ذلك واضحاً أو قل يجب أن تتأسى بصلحه في نفس مورده لا في كل الموارد وإلا فهو ليس تأسياً على الإطلاق بل قد يكون خروجاً عن القواعد العامة وأنت تعلم، هذا وكما أنك حينما يقال لك لماذا لا تتأسى بجهاد الإمام الحسين عليه السلام فتقول إنه إمام وأنا لستُ كذلك، فتأسيك بصلح الإمام أيضاً ينطبق عليه نفس الرد، فإنه إنما صالحَ لكونه إماماً وأنت لست كذلك، فله هنا يجوز وهناك لا يجوز؟؟ ثم إن هذا كله من ناحية العمل الميداني كما يعبرون في الاصطلاح الحديث، أما لو أردنا أن نتأسى به على الصعيد الأخلاقي والتربوي فكذلك يجب أن نتأسى به من جميع النواحي لكن بحدود ما تتحمله ثم تتكامل فتزيد شيئاً فشيئاً، وإلا فأنت ممن لا يتكامل على الإطلاق فتكون ملعوناً، وفي هذا الصدد أحببت أن أنقل لكم رواية بهذا الصدد فلعلكم تتأسون بها وخصوصاً الحُضور ومن جعل الخلافات والاعتداءات ديدناً له وعادةً عنده لو صح التعبير مُحتجاً بأمور أقرب للباطل وأبعد عن الحق. روى ابن عائشة قال: دخل رجل من أهل الشام المدينة، فرأى رجلاً راكباً بغلة حسنة، فقال : لم أرَ أحسن منه، فمال قلبي إليه، فسألت عنه فقيل لي إنه الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فامتلأ قلبي غيضاً وحنقاً وحسداً أن يكون لعلي عليه السلام ولد مثله، فقلت أنت ابن علي بن أبي طالب فقال: أنا أبنه، أنت أبن من ومن ومن .... وجعلت أشتمه وأنال منه ومن أبيه وهو ساكت، حتى استحييت منه، فلما انقضى كلامي ضحك وقال: أحسبك غريباً ياشامي، فقلت : أجل فقال فَمِل معي، إن احتجت إلى منزل أنزلناك وإلى مال رفدناك وإلى حاجة عاوناك، فاستحييت منه وعجبت من كرم أخلاقه، فانصرفت عنه وصرت أحبه ما لا أحب أحداً غيره، وطبعاً لا يوجد أحداً منكم من يفعل هذا إلا ما ندر، فلو أن أحداً شتمك وأنت أحقر الناس بالنسبة لإمام مفترض الطاعة لقُمت بشتمه ، بل وضربه بل وحتى قتله في بعض الأحيان والتعدي عليه بما لا يليق مُحتجاً بأنه هو البادئ، لكن تذكر أنه من ضربك على خدك الأيمن فقدم له الأيسر وأنى لكم هذا، فبفعلكم هذا تملئون قلوب المعصومين قيحاً ، أفما آن أن تهتدوا، هذا وإني كنت ولفترة طويلة أكرس الخطب وأجعلها سياسية تجنباً لمثل هذه الأمور، فإني إن وعظتكم ولم تتعضوا فهذا هو الخسران المبين ، لكن أملي بالله وبكم كبير ، تجاوزوا عن أخطاء إخوتكم بل وأعدائكم أيضاً ، فالأخلاق الحسنة هي مبعث الهداية، أفلا ترون ان الرواية جعلت مِن تصرُف الإمام عليه السلام طريقاً لهداية عدوه، فإنك إن كنت ترى ضلالة الطرف الآخر فعليك هدايته وهي منحصرة بالأخلاق الحسنة وإلا إزداد طغياناً، لكن أكرر وأقول ليس الطرف الثاني دوماً على ضلالة بل لعلك أنت الضال المُضل وأنت لا تعلم فأنت جاهل وتجهل بأنك جاهل والعياذ بالله.
وسأبقى ما دمت حياً ناصحاً لكم فأمام أن تهتدوا وأما أن تضلوا، الأمر راجع لكم ، لكن لا تحسبوا أنفسكم ممن اتبع المراجع الناطقين والأولياء الصالحين بل وحتى الأئمة المعصومين، فإن شيعة أهل البيت واتباعهم هم يعملون أعمالهم ويتأسون بهم كما قلنا سابقاً، وأعلم إن مقابلة الإحسان بالإساءة هي الخير كل الخير، فطبعاً تذكر أنك ستسيء أيضاً ، فهل ترضى أن يرد عليك، فإن كنت اليوم أنت المعتدي عليه فغداً أنت المعتدى، وإذا كنت اليوم قد سمعت كلاماً ضد أخيك فصدقته فغداً هو من يسمع ضدك كلاماً فهل يصدقه أم لا ؟. فإن كنت قد صدقته سابقاً فلعله سيُصدقه لاحقاً، فاتقوا الله ولا تجعلوا من الدنيا مُفرقةً لكم.
مقتدى الصدر