إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كلمة لأحد علماء المذهب السني حول الإمام الصادق عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كلمة لأحد علماء المذهب السني حول الإمام الصادق عليه السلام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الإمــــام الصّـادق عليه السلام

    خصـائصه – فقهـــه

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

    قليل من الناس هم القدوة الحسنة في العلم والعمل، والفكر والورع، والخلق والتدين، فإذا انضم إلى ذلك كون القدوة سليل بيت النبوة، وحفيد شرف الرسالة والاصطفاء، وكان من صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من كبار التابعين لهم، كان هو القدوة الفذ، والمَعْلَم البارز، والجبل الأشم الذي يقتفى أثره، ويتبع منهجه، ويستضيء الجيل بسيرته.

    والإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط (80-148هـ =699-765م). هو الذي نجد فيه المثل الأعلى لاتباع شرع الله ودينه، ونراه ذلك القدوة الذي وصفناه، والذي حقَّ لنا أن نستنير بسيرته العطرة التي اقتفى فيها سيرة وسنة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يفرط في شيء من جوانبها الفكرية والعلمية والأدبية والدينية.

    لذا لُقِّب بالصادق لصدق اتباعه، وكونه لم يعرف عنه الكذب قط، وكان من أجلاّء التابعين، وسادس الأئمة الإثني عشر عند الشيعة الإمامية، وكان جريئاً في الحق، صدَّاعاً به، مستقيماً على أمر الله، زاهداً تقياً، ناسكاً متعبداً، أنوفاً لا يرضى بغير شرع الله منهجاً وعملاً واقتفاء واتباعاً.

    ويحلو لي أن أبرز معالم شخصية الإمام جعفر الصادق في تدينه وتقواه، وعلمه وفقهه؛ لأننا في عصر أحوج إلى هذا الجانب المتميز؛ إذ قد نجد علماء كثيرين، ولكنهم لم يبلغوا شأواً عالياً في منزلة الأبرار المحسنين، والأتقياء المخلصين، ومعدن الخلق المتين.

    هذا بالإضافة إلى مَحبِّتي الخاصة لآل بيت النبوة، وسلالة الرسالة، التزاماً مع توجيه القرآن المجيد لجميع المؤمنين والمسلمين في قول الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}(الشورى/23). قال ابن عباس (رضي الله عنهما): معنى الآية: إلا أن تودّوني، فتراعوني في قرابتي وتحفظوني فيهم. وقال بهذا المعنى في الآية: علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم)، واستشهد بالآية حين سيق إلى الشام أسيراً، وهو تأويل ابن جبير، وعمرو بن شعيب(تفسير ابن عطية 13/162). وذكر الثعلبي والزمخشري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: [من مات على حبِّ آل محمد، مات شهيداً، ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة].



    سمو الخلق وشدة التدين في شخصية الإِمام الصادق:

    لا غرابة في أن نجد تميّزاً واضحاً، وسمة بارزة في شخصية الإمام الصادق (عليه السلام) لأنه من عترة النبي الطاهرة، ومن دوحة الرسالة، وشجرة النبوة، فشأن النسب الرفيع، والمعدن الأصيل، والمنبت الكريم أن تصدر عنه أخلاق عالية، ويتصف بتربية فائقة، تعد أشرف ما يتحلى به المرء، وأعلى ما يفخر به الإنسان؛ لأن اقتران الأخلاق السامية مع تهذيب التربية وأصالة المحتد يصقل النفس المؤمنة، ويخلد أثرها، ويفرض على الناس احترامها، وينشر عنها بين الملأ والمجتمعات السمعة الطيبة العالية، ويغرس في القلوب محبة أصحابها.

    فأخلاقه وسيرته وشمائله وسجاياه قبس من نور النبوة، وتدينه وورعه، وتقواه وزهده، وعبادته وتنسكه التزام بالكتاب والسنة، وتأدب بأدب القرآن، وتخلق بأخلاق المؤمنين الصالحين الذين رضي الله

    عنهم وأرضاهم في الدنيا والآخرة، وفي طليعتهم إمام الهدى علي بن أبي طالب (عليه السلام).

    كان الإمام الصادق (عليه السلام) مضرب الأمثال في إخلاصه لدينه، واتباع شرع ربه، وقيامه بعبادة خالقه، لم يكن في هذا النهج إلا مبتغياً رضوان الله، لا يطمع في شرف دنيوي، ولا يريد عزاً ومنصباً فانياً وخالياً من تألق الروح المؤمنة الصافية، وصفاء النفس المسلمة، وغيرة الرجل الشديد المتمسك بحرمات الله، الملتزم حدود الله تعالى.

    وكان الصادق إمام مدرسة فريدة جامعة لأخلاق الإسلام وآداب القرآن، مما جعله يعتز بهذا الانتماء والارتباط، ويجد نفسه أسعد الناس، وأعظم من الخلفاء والحكام والولاة، أحبه الناس جميعاً لنقاء سريرته، وهدوء طبعه، ووقاره وحلمه، ورقة أدبه، وشدة تمسكه بدينه، وإخلاصه لربه، وقوة اعتزازه بإرث النبوة، وعمله بالكتاب والسنة.

    لم يقصر في واجب النصح للمسلمين، ولم يتلكأ يوماً في مواجهة الحقائق، وإعلان كلمة الحق عند الخلفاء، وكان أكبر وأعمق من الأحداث والمصائب التي حلّت بأسرته وسلالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم تهزّه النكبات، ولم تلن له قناة، وظل أبياً عزيزاً كريماً، يجد في مآسي آل البيت خير دليل على صدق اتباعهم، وأصالة نفوسهم، وصحة منهجهم.

    ووجد في الانصراف للعبادة، وملازمة العلم ونشره، وتبليغ دعوة الله، سلوى المكروب، وأنيس المهموم، وتفريج حزن المحزون. قال الإِمام مالك (رحمه الله): كنت عند جعفر بن محمد، وكان كثير التبسم، فإذا ذُكر عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخضر واصفر، ولقد اختلفت إليه زماناً، فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصلياً، وإما صائماً، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا على طهارة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العُـبَّاد الزُّهَّاد الذين يخشون الله، وما رأيته إلا يُخرج الوسادة من تحته، ويجعلها تحتي، وجعل يعدد فضائله، وما رآه من فضائل غيره من أشياخه في خبر طويل(المدارك نقلاً عن كتاب الإمام الصادق لأستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة: ص76-77).

    ولازم الصادق جانب الورع والاحتياط واتقاء الشبهات، وتجنب مواضع التهمة، والبعد عن الفتنة ومزالق الهوى والشيطان، لما رأى سوء الأحوال في عصره، واقتحام الشبهات. ولم يكن ورعه عن فقر وحاجة، وإنما كان بحمد الله غنياً، بدليل تجمله في الثياب، وحسن لباسه ومظهره، وتحدثه عن نعم الله عليه، مع البعد عن البطر والأثر، والعجب والغرور، وطلبه الحلال من غير إسراف ولا خيلاء، تمسكاً بحقيقة التدين، دون تشويه ولا سوء فهم؛ لأنه كما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: [إن الله جميل يحب الجمال](أخرجه مسلم والترمذي عن ابن مسعود، وهو حديث صحيح) وقال أيضاً: [إن الله يحب أن تُرى نعمته على عبده](أخرجه الإمام أحمد) .

    وكان لقوة تدينه، وشدة إخلاصه لربه أثر واضح في تكوين شخصيته، فلم يكن يخشى في الحق لومة لائم، ولم يغرَّه الثناء، ولم يخشى الهجاء واللوم والتقريع، وكان قوالاً بالحق، جريئاً في الكلام، أعلن براءته ممن حرَّفوا الإِسلام، ولم يجامل الخليفة المنصور في أمر، وظل منكراً لما رآه من انحراف، حتى احتل مكانة عالية في نفس هذا الخليفة، وكان يخشاه ويراقبه، ويتأثر بصدقه في القول، وإخلاصه في العمل.

    ولا يجد الباحث المنقب أثراً في حياة الإمام الصادق، مخالفاً لمعاني الإِسلام وهديه، فعمل للآخرة، ولم ينس واجبه في الدنيا، وأعد نفسه لما بعد الموت وخاف لقاء الله، وحذَّر من يوم الآخرة كما حذَّر القرآن الكريم، فقال: " يا ويلهم، ما أشقاهم، وأطول عناهم، وأشد بلاهم، يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً، ولا هم ينصرون إلا من رحم الله، إنه هو العزيز الرحيم"(من أمالي الإمام الصادق (عليه السلام):2/33 وما بعدها) وقال أيضاً: "إن هؤلاء الحمقاء الجهلاء الذين حادوا عن مدرجة الأكياس العقلاء، ولم يلتفتوا إلى عاقبة الآخرة، ولم يحسبوا لملاقاة الموت أي حساب، كانوا كمن هو آمن من الموت، ولم يخشى الحرمان من المكافاة، ولم يخف العقاب يوم القيامة، غافلين عن أن الموت لم يأتهم اختياراً، ولم يطرقهم باستئذان". قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}(الأعراف/34)(من أمالي الإمام الصادق (عليه السلام): 32).

    فرّغ الإمام الصادق نفسه إلى الإصلاح الاجتماعي، والتوجيه الروحي، والبناء الأخلاقي، والدعوة إلى الله بكل ما أوتي من قوة؛ لأنه وجد أن هذا السبيل أخلد وأبقى، وأجدى وأنفع؛ لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (رضي الله عنه): [لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النعم] أو[مما طلعت عليه الشمس](أخرجه البخاري ومسلم) وحث على الأخوة والمحبة والود بين الناس، فقال: "اتقوا الله وكونوا إخوة متحابين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا"(من أمالي الإمام الصادق 4/174).

    وأصبح واثقاً من نفسه، بصيراً بالحق، مقدراً أن ما هو عليه هو الصواب، قال: "إن لكلامنا حقيقة، وإن عليه لنوراً، فما لا حقيقة له ولا نور فذلك قول الشيطان.."(قيم أخلاقية في فقه الإمام جعفر الصادق للشيخ محمد جواد مغنية:ص13)

    وتميزُّ الإِمام الصادق بالإخلاص والطاعة والتقوى التي أضحت مثلاً بارزاً فيه، وفي أمثاله من التابعين وآل البيت، أدى إلى إعجاب العلماء والعوام فيه وتقديرهم له، قال عنه الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل": " وهو ذو علم غزير في الدين والأدب، وحكمة كاملة في الدنيا، وزهد بالغ في الدين، وورع تام في الشهوات" وقال فيه الإِمام مالك: "ما رأت عين ولا سمعت أذن أفضل من جعفر بن محمد، علماً وعبادة وورعاً" وقال عنه الشعراني في لواقح الأنوار: "وكان سلام الله عليه إذا احتاج إلى شيء قال: يا رباه، أنا أحتاج إلى كذا، فما استتم دعاءه إلا وذلك الشيء بجنبه موضوع"، وقال سبط بن الجوزي في الخواص:"قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرياسة"(أنظر ما ختم به كتاب أمالي الصادق 4/157 وما بعدها).

    كل هذا يرشدنا إلى أن الإمام الصادق بلغ درجة الولاية، وأنه من المقربين، والشهداء الصالحين، ومن أئمة الهدى والرشاد، قال عمرو بن أبي المقدام: "كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت انه من سلالة النبيين"(الخاتمة السابقة).

    ولقد بشر أبوه الباقر بإمامته، قال سدير الصيرفي: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد، يعرف فيه شبه خَلْقه وخُلُقه وشمائله، وإني لأعرف من ابني هذا شبه خلقي وخُلقي وشمائلي، يعني أبا عبدالله (عليه السلام)(الأصول من الكافي لأبي جعفر الكليني 1/306).

    وقال أيضاً: "ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل"(الأصول من الكافي لأبي جعفر الكليني 1/306).

    وحذَّر الإمام (رضوان الله عليه) من البلاء العام الذي يعم البر والفاجر، والصالح والطالح، والتقي والعاصي، لينذر الناس عاقبة سلوكهم، ويجنبهم سوء سلوكهم، ومغبة عصيانهم، فقال: "وقد يتعلق هؤلاء بالآفات التي تصيب الناس، فتعم البر والفاجر، أو يُبتلى بها البر، ويسلم الفاجر منها، فقالوا: كيف يجوز هذا في تدبير الحكيم وما الحجة فيه؟ فيقال لهم: إن هذه الآفات، وإن كانت تنال الصالح والطالح جميعاً، فإن الله عز وجل جعل ذلك صلاحاً للصنفين كليهما، أما الصالحون فإن الذي يصيبهم من هذا يزدهم نعم ربهم عندهم في سالف أيامهم، فيحدوهم ذلك على الشكر والصبر.

    وأما الطالحون فإن مثل هذا إذا نالهم كسر شرتهم، وردعهم عن المعاصي والفواحش، وكذلك يجعل لمن سلم منهم من الصنفين صلاحاً في ذلك. أما الأبرار فإنهم ليغتبطون بما هم عليه من البر والإصلاح، ويزدادون فيه رغبة وبصيرة. وأما الفجار فإنهم يعرفون رأفة ربهم، وتطوله عليهم بالسلامة من غير استحقاق، فيحضهم ذلك على الرأفة بالناس، والصفح عمن أساء إليهم"(الأصول من الكافي لأبي جعفر الكليني 4/52-54)

    وقد أكسبه إخلاصه لربه وتقواه وورعه في دينه نفاذ البصيرة وقوة الإدراك، ونور الحكمة، فكان ذلك مع ذكائه ويقظته الفكرية سبباً في إدراك معاني الشريعة ومراميها وغاياتها بقلبه النيّر، وعقله المتفتح(الإمام الصادق للشيخ محمد أبو زهرة:ص78)



    أصول الاجتهاد أو الفقه عند الإمام الصادق:

    الإمام جعفر الصادق أحد أعلام الاجتهاد السباقين، وربما كان نبوغه وتفوقه الاجتهادي بسبب عيشه في المدينة المنورة من المولد إلى الوفاة، وتأثره بفقهاء المدينة السبعة ومنهم جده لأمه فاطمة: القاسم بن محمد أبي بكر، والتزامه سيرة آل البيت في التقوى والعلم، وتمثل الشريعة المطهرة عقيدة وعبادة، وعلماً، وخبرة، ودراية بالنصوص وإدراك معاني الشريعة وروحها العامة.

    برع الإمام الصادق في الاجتهاد، فكان بحق مرجع الفقه الإمامي كله، وإليه ينسب المذهب الإمامي أو الجعفري، ويرى الإمامية أن أول من تكلم في أصول الفقه: الإمامان الصادق وأبوه الباقر، وقالوا: إن أول من ضبط أصول الاستنباط: الإمام الباقر، وأملاها على تلاميذه، وجاء من بعده ابنه الإمام الصادق، فأملى ضوابط الاستنباط، غير مختلف مع أبيه؛ لأن المعين واحد. ولقد أبدع الصادق في اجتهاده وتقريره أن باب الاجتهاد مفتوح لمن كان أهلاً له، وأن التقليد مذموم(الأصول من الكافي 1/53).

    وأحسن الشيعة الإمامية أتباعه حين ابقوا باب الاجتهاد مفتوحاً مع تسلسل أدوار التاريخ وتعاقب الأجيال، وأن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام، وأن الأخبار لم تستوف كل شيء، وأن الاجتهاد فيها بموازنتها بالكتاب والسنة من الأخبار. قال الصادق (عليه السلام): إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يُعرف. وإن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام. وما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة، يعرِّف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله. إن الله لم يدع الأرض بغير عالم، ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل(الأصول من الكافي لأبي جعفر الكليني الرازي:1/177-178).
    وهذا يتفق مع مبدأ خلود الشريعة، وصلاحها لكل زمان ومكان، وينسجم مع تمام الإخلاص لشريعة الله، ويدل على مرونة الشريعة، وأن الله تعالى لم يهمل عقول الأمة، وإنما ترك لها مجال الاجتهاد، لتوائم ما عليه الشريعة مع ما تقتضيه المصلحة الزمنية المتجددة أو المتطورة.

    والمنهاج الأصولي للإمام الصادق يتفق مع منهاج الإمام الشافعي، والأصول المقررة عند الإمامية أربعة: الكتاب، السنة، الإجماع، العقل. وإذا كان الإمام الشافعي أول من دوّن جميع أصول الفقه تقريباً، ورتبها وفصّلها، فلا يدل على انه هو الذي وضع هذا العلم، ولا يعني أن قواعد هذا العلم لم تكن معروفة عند من سبقه من أئمة الاجتهاد، ولا يغض هذا من شأن الإمامين: أبي حنيفة ومالك، ولا من مقام الإمامين: الباقر والصادق (رضى الله عنهما).

    أثر عن الإمام الصادق كلام إجمالي في الاستنباط، فتراه يقرر أن الكتاب أصل هذا الدين، وأنه مقدم السنة، وأن السنة لا يؤخذ بها إذا خالفته. قال: "إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أُنزل في القرآن؟ إلاّ وقد أنزل الله فيه"(الأصول من الكافي1/59). وقال أيضاً: "إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلاّ أنزله في كتابه، وبيَّنه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجعل لكل شيء حدّاً، وجعل عليه دليلاً يدل عليه، وجعل على من تعدّى ذلك الحد حداً" (الأصول من الكافي1/59). هذا في بيان شمول القرآن وإقامة الأدلة على كل شيء، فلم يفرط الله في شيء من كتابه إلا أبانه وأوضحه، كما قال سبحانه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}(الأنعام/38).

    وقال مبيناً وجوب الأخذ بالكتاب والسنة: "إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه"، "إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)-أي اقبلوه-، وإلا فالذي جاءكم به أولى به"(الأصول من الكافي:ص69، جواب الشرط في الجملة محذوف أي فاقبلوه، ومعنى الجملة الثانية:ردوه عليه، ولا تقبلوا منه، فإنه أولى بروايته، وأن يكون عنده لا يتجاوزه).

    وحدد الصادق (عليه السلام) موقع اجتهاده بما رواه من الحديث، جاء في الكافي عن هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى فقال:[أيها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله، فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله، فلم اقله](الأصول من الكافي:ص69).

    هذه النقول تدلنا على أصول ثلاثة: أن القرآن أصل الأحكام الشرعية، والحديث يرجع إليه، واستنباط الأحكام من القرآن يحتاج إلى عالم مدقق عميق النظر، والقرآن مقدِّم على السنة(الإمام الصادق للشبخ محمد أبو زهرة:ص271).



    أدلة مصادر الاستنباط عند الصادق عليه السلام:

    المصادر عنده أربعة كما بينا: القرآن والسنة والإجماع والعقل. أما القرآن والسنة: فلا خلاف بين المسلمين قاطبة في حجيتهما ووجوب اتباع ما جاء فيهما؛ لأن الله تعالى أوجب ذلك علينا كما بيّن في القرآن الكريم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء/59).

    ويرى الإمامية أن فهم القرآن بالرأي لا يجوز إلا لمن تشبع بعلم الأوصياء؛ لأن علم القرآن كله عند الأوصياء، وإن باب الفهم بالنص متسع عندهم، والنص لا يقتصر على الحديث النبوي، بل يشمل أقوال الأئمة(الإمام الصادق للشبخ محمد أبو زهرة:ص316) . روى العياشي في تفسيره عن الصادق (رضي الله عنه) أنه قال:"من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء".
    والذي يراه المحققون الأثبات من الإمامية كغيرهم من أئمة الإسلام أن القرآن الكريم لا تبديل ولا نقص فيه، ولا تغيير ولا تحريف، وأنه ثابت بالتواتر تواتراً لا شك فيه، وما ينسب إلى الإمام الصادق من مرويات خلاف هذا باطل ومكذوب عليه (رضي الله عنه). جاء في كتاب التبيان للطوسي: "أما الكلام في زيادته ونقصانه-أي القرآن-فما يليق به؛ لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، وأما النقصان منه، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى، وهو الظاهر في الروايات، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع: طريقها الآحاد التي لا تُجد علماً، فالأولى الإعراض عنها، وترك التشاغل بها.."(الصافي:ص15).
    لكن يوجد ألفاظ مجملة وأحكام غير مفصلة في القرآن، وهذا صحيح، يتفق فيه جميع المسلمين، إلا أن الإمامية يرون أن المبين ليس هو النبي فقط، بل إن الأئمة يبينون أيضاً بما أودعوا من علم، كما يرون أن بعض الآيات ليس فيها إجمال خلافاً لأهل السنة، مثل آية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(المائدة/3).لا إجمال فيها ولا تحتاج إلى بيان، وقال غيرهم: قد تحتاج إلى بيان إذ ما المراد بالدم أهو المسفوح أم الجامد؟ وما طريقة التذكية؟. ومثل آية السرقة:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(المائدة/38). لا إجمال فيها، وقال بقية الفقهاء: فيها إجمال حول بيان نصاب السرقة ومعناها، ومدى شمولها، فهل تشمل النباش والطرار (النشال) أم لا؟.



    وأما السنة النبوية:

    يقتصر قبول رواياتها على أئمة البيت، ذكر الطوسي في عدة الأصول: أن خبر الواحد إنما يكون حجة في العمل إذا كان راوية من الطائفة المحقة، وهم الإثنا عشرية، فلا يقبل خبر الواحد إلا إذا كان الراوي إمامياً، والمروي عنه إمامياً، وهذا محصور في أئمتهم وهو علي وفاطمة والحسن والحسين وبقية الأئمة، فلا تقبل الرواية عن ذرية فاطمة من ولد الحسن (رضي الله عنه)، لأنهم ليسوا أئمة عندهم. ورأي بعض الفقهاء الشيعة قبول خبر غير الإمامي إذا وثقه إمامي، وكان في السند بعض الإمامية، فلا يقبل الحديث إذا كان السند كله غير إمامي(الإمام الصادق للشيخ أبي زهرة:ص380،384) *(المدار في الحجية هو خبر الثقة من دون فرق يبن أن يكون أساس الوثاقة شهادة الإمامي أو غيره).

    ولا يشترط جمهور الإمامية التعدد لقبول خبر الواحد، بل يأخذون بخبر الواحد المفرد، وذكر الطوسي أن بعضهم يشترط التعدد؛ لأن الإمام علي(رضي الله عنه) كان لا يقبل حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا إذا رواه اثنان.

    ويشترطون اتصال السند بالمعصوم فقط، سواء أوصله المعصوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم لم يوصله، أما الحديث المرسل فيقبل عندهم إذا أرسله الثقة*(لا يكفي إرسال الثقة له، إلا إذا ثبت بشهادة الثقة أو بغير ذلك أنه لا يروي إلا عن الثقة ليكون ذلك حجة على وثاقة المجهول الذي أرسل الثقة عنه)، ولم يعارض الحديث المتصل السند، لكنه أضعف من المتصل المسند وهذا يشبه قول الإمام الشافعي (رضي الله عنه).

    وينقسم الحديث الصحيح عند الإمامية بالنظر إلى عدالة الراوي إلى أربعة أقسام: صحيح، وحسن، وموثق، وضعيف. والحديث الصحيح كما جاء في معالم الدين للشيخ حسن زيد الدين: ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات(معالم الدين:ص216). والخلاصة: أن خبر الثقة الواحد يؤخذ به في الأحكام عند الإمامية كغيرهم(فقه الإمام جعفر الصادق للشيخ جواد مغنية:1/29).

    ويرى الإمام الصادق أن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن، ويرد خبر الآحاد إذا عارض أمراً مجمعاً عليه، وقال: إن المشهور من الأحاديث يرد غير المشهور؛ لأن الشاذ لا يلتفت إليه ولا يؤخذ به. والمتأخر من الأخبار والأحاديث ينسخ المتقدم إذا لم يمكن الجمع والتوفيق بينهما بوجه من الوجوه، ولم يمكن ترجيح أحدهما بأحد وجوه الترجيح؛ لأن المتأخر يعد ناسخاً للمتقدم.

    ويقول الإمامية: إنهم أول من دَوَّن الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن الإمام علي (كرم الله وجهه) أول من دون الحديث في كتاب عظيم، وهذا يدل على أن الحديث دُوِّن في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذه نظرة تخالف ما عليه جماهير المسلمين وهو أن السنّة لم تدون إلا في عهد عمر بن عبد العزيز في أواخر المئة الأولى من الهجرة، وفي آخر العصر الأموي.

    أما الأحاديث المروية في الكافي وعددها 16099 حديثاً فأكثرها ينتهي عند الأئمة المعصومين، ولا يتصل سندها بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأكثرها ما يروى في الكافي واقف عند الإمام الصادق (رضي الله عنه)، وقليل منها يصل إلى أبيه الباقر، والأقل من ذلك يتصل بأمير المؤمنين علي (كرم الله وجهه)، والنادر ما ينتهي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

    وأما الأحاديث المروية في كتاب "من لا يحضره الفقيه" لأبي جعفر بن موسى القمي الملقب بالصدوق وعددها 9044 حديثاً، فأكثرها مرسل غير مسند، بدليل قول المؤلف نفسه "وضعت هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه"(الإمام الصادق للشيخ أبي زهرة:ص425،429،438،448).

    ولشيخ الطائفة في عصره الطوسي كتابان مشهوران في أحاديث الأحكام هما التهذيب وفيه كما ذكر السيد حسن الصدر 13000 حديث(لكن الطوسي صاحب الكتاب ذكر في كتابه عدة الأصول أن أحاديث التهذيب وأخباره تزيد على خمسة آلاف حديث)، والاستبصار وفيه نحو 5000 حديث.



    وأما الإجماع:

    فهو حجة عند الإمام الصادق والشيعة، كالإجماع على الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، مثل أعداد الصلوات المفروضة وأركانها وهيئاتها، ومناسك الحج، وأركان الصوم، وأنواع الزكاة ومقاديرها، إلا أن حجية الإجماع عند الإمامية بسبب موافقة الإمام المعصوم، وقوله هو الحجة في الحقيقة؛ لأنهم عرَّفوا الإجماع بأنه اتفاق جماعة يكشف اتفاقهم عن رأي المعصوم. والزمان-كما يذكر الطوسي مقرراً مذهب الإمامية-لا يخلو من إمام أبداً.

    يتبين مما ذكر أن الإمام عند الإمامية هو الحجة والأصل، فهو القطب في فهم القرآن، وهو الأصل في نقل سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكلامه في ذاته سنة، والإجماع حجة لأنه السبيل لكشف آراء الإمام؛ لأن الأرض لا تخلو قط من إمام، ولا تتفق الأمة على ضلالة، وكاشف الضلالة هو الإمام(الإمام الصادق للشيخ أبي زهرة:ص467).

    والإجماع عند الإمامية يمكن وقوعه، وقد وقع بالفعل، قال صاحب القوانين المحكمة: "ثم إن أصحابنا متفقون على حجية الإجماع ووقوعه".

    ولابد عند الإمامية وغيرهم من سند أو دليل للإجماع، فإن المجتهدين لا يمكن أن يقرروا حكماً شرعياً إلا إذا كان معتمداً على دليل من الكتاب أو السنة، والإجماع في ذاته حجة من غير نظر إلى أصله. والعقل كما ذكر صاحب القوانين المحكمة يمكن أن يكون سنداً للإجماع إذا بني على الحسن والقبح الذاتيين أو على تخريج أو استنباط واضح المأخذ يتفق عليه جماهير علمائهم في الأمصار.



    أما العقل باعتباره مصدراً:

    فهو دليل في مذهب الإمام الصادق (رضي الله عنه)، حيث لا دليل من الكتاب والسنة ولا إجماع يعتمد عليه، ويقف المجتهد عنده، لأن الإجماع يكون كاشفاً عن رأي الإمام في نظر الإمامية ومنهاجهم، والمبادئ العقلية، مثل قبح العقاب بلا بيان، وتقديم الأهم على المهم، وإيجاب مقدمة الواجب، واختيار أهون الشرَّين، والضرورات تبيح المحظورات، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة، والأصل براءة كل إنسان حتى تثبت إدانته والعلم بالتكليف.

    ولا بد عندهم للحكم التكليفي أن يكون مسبوقاً بشرع من الله تعالى، خلافاً لما يراه المعتزلة، والعقل في ذاته غير آمر ولا ناه، ولكنه كاشف لأمر الله ونهيه، وكاشف عن رأي الإِمام في الأمر، وهم كالزيدية يرون –كما صرح صاحب القوانين المحكمة- أن العقل يدرك الأمر بالحسن، والنهي عن القبيح، كوجوب قضاء الدين، ورد الوديعة، وحرمة الظلم، واستحباب الإِحسان ونحو ذلك.

    ودور العقل في المذهب الجعفري يأتي بالنظر لما في الأشياء من مصلحة، وما يخالطها من مضرة، فإن رجحت المصلحة حكم بأنه مطلوب، وإن رجحت المضرة منع، وليس من المعقول أن يطلب العقل الشيء الضار، ويدفع النافع. وهذا قريب مما كان يسود أهل المدينة وهو أن الرأي يعتمد على المصلحة المجالسة لما دعا إليه الشارع. أما الرأي في العراق فكان جل اعتماده على القياس(الإمام الصادق للشيخ أبي زهرة: ص489).

    ويمكننا القول بأن الإمام الصادق رضي الله عنه قد التزم في شأن العقل مصدراً للتشريع منهاج المدينة الذي يبني الرأي على المصلحة التي هي من جنس المصالح التي أمر بها الشارع الإِسلامي، وبذلك يلتقي المذهب الجعفري مع مذهب مالك رضي الله عنه.

    قال صاحب القوانين المحكمة :"إن العقل والشرع متطابقان، فكل ما حكم به الشرع فقد حكم به العقل، وبالعكس إن كل ما حكم به الشرع لو اطلع العقل على الوجه الذي دعا الشارع إلى تعيين الحكم الخاص في ذلك الشيء، لوافق عليه، وذلك لأن الحكيم العدل الذي لا يفعل القبيح لا يصدر عنه القبيح.. مثلاً الصلاة والزكاة وتعيين التحريم للخمر والخنزير إنما كان ذلك لجهة ما فيها من حسن أو قبح ذاتي، أو بحسب زمان ومكان أو شخص.. وتلك الجهة علة تامة لاختيار الله سبحانه وتعالى ذلك الحكم، فلو فرض اطلاع عقولنا على تلك العلة، لحكمنا فيه مثل ما حكم لسان الشرع.. وبالجملة العقل تابع لما أفاده الشارع".



    وأما الاستصحاب:

    وهو استمرار بقاء حكم أو وصف يقيني ثبت في الماضي، في الحاضر، وإذا عرض شك في بقائه لا يلتفت إليه، فيأخذ به الإِمامية، متفقين في تحديد معناه مع غيرهم من الجمهور، مثل الحكم ببقاء الطهارة إذا ثبتت، وحصل شك في وقوع ما ينقضها، فإنه يبقى حكمها، ولو حصل شك في نقضها. ويحكم ببقاء حياة الغائب أو المفقود الذي لا تعرف حياته أو موته، فإن حال الحياة وصف يستمر قائماً حتى يوجد دليل على ذلك.

    قال أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة رحمة الله: إنه يلاحظ أن الفقه الذي لا يعتمد على القياس أو ينفيه، يكثر من الاستصحاب، وإنه كلما قل الاعتماد على الأدلة المستنبطة من غير النصوص، كثر الأخذ بالاستصحاب، فالظاهرية الذين ضيقوا الاستدلال، وقصوره على النصوص، ونفوا تعليل الأحكام، أكثروا من الاستصحاب، والشافعي مع إقراره القياس قد نفى الاستحسان والمصالح المرسلة، ولذلك كثر عنده الأخذ بالاستصحاب. والإِمامية الإثنا عشرية قد أغلقوا باب القياس، وأخذوا بالمصلحة على أساس أن التحسين العقلي والتقبيح العقلي مبنيان على دفع الضرر وجلب المصلحة، ولذلك كثر عندهم الاستصحاب، وقد وردت الأخبار عن الأئمة عندهم تفيد وجب الأخذ بالاستصحاب كأصل شرعي(الإمام الصادق للشيخ أبي زهرة :ص501-502).

    ولا يأخذ الإِمامية بالقياس المستنبط العلة، ويعد القياس المنصوص فيه على العلة حجة عندهم وهو القياس الجلي. واستدلوا على نفي القياس بأدلة نفاة القياس، وهي في الحقيقة محمولة على القياس الفاسد الاعتبار، أو المصادم للنص. مثل حديث: "تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب، وبرهة بالسنة، وبرهة بالقياس، وإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا"(رواه ابن المسيب عن أبي هريرة). قال الإِمام الصادق أبو عبدالله (عليه السلام): "إن أصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس، فلم تزدهم المقائيس من الحق إلا بعداً، وإن دين الله لا يصاب بالمقائيس"(الأصول من الكافي 1/56.).



    وأما الاستحسان بالمعنى
    الذي أخذ به أبو حنيفة ومالك وأحمد والزيدية، فيرفضونه، وهو كما قال الكرخي: "أن يعدل المجتهد عن أن يحكم في مسألة بمثل ما حكم به في نظائرها، لوجه أقوى اقتضى ذلك" أي فهو العدول عن مقتضى القياس الظاهر إلى قياس أشد تأثيراً منه، وإن كان أخفى، أو إلى نص أو إجماع أو ضرورة.

    وبما أن الإمامية رفضوا القياس كما تقدم، فما قام عليه مرفوض أيضاً. ولكنهم يأخذون بالنص والإجماع والضرورة.

    وكذلك المصالح المرسلة
    التي لا يشهد لها دليل بالإِلغاء ولا بالإِثبات، كما ذكر المالكية، يرفض الإِمامية الأخذ بها، جاء في القوانين المحكمة في القسم الثالث من أقسام المصالح:"وإما مرسلة يعني لم يعتبرها الشارع وما ألغاها، وكانت راجحة وخالية من المفسدة، وهذا هو الذي ذهب إلى حجيته بعض العامة، ونفاها أصحابنا وأكثر العامة، وهو الحق، لعدم الدليل على حجيته، ولأنا نرى أن الشارع ألغى بعضها، واعتبر بعضها، فإلحاق المرسلة بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح". هذا ما يصرحون به، ولكن عند تمحيص المذهب الإِمامي الاثنى عشري نجدهم كما بينا يعتبرون المصلحة؛ لأنهم يدخلونها في الدليل العقلي؛ لأن شروط الأخذ بالمصالح عند المالكية (وهي ألا تصادم نصاً في موضوعها، وأن تكون ملائمة لمقاصد الشارع، وأن يكون في الأخذ بها دفع حرج وجلب يسر) لا يمكن أن يجافيها العقل، فهي داخله في حكم العقل، وتحسينه وتقبيحه، وإنها بمقتضى المذهب الاثنى عشري لا تعتبر مرسلة(الأصول من الكافي:ص529).



    أما العرف بذاته
    فليس مصدراً من مصادر التشريع عند الإِمامية، أي ليس طريقاً صحيحاً لمعرفة الأحكام الشرعية، وإنما يرجع للعرف في تشخيص موضوع الحكم لا في الحكم نفسه، مثل تشخيص الخراج والضمان والضرر والنية ونحوها. كذلك لا يكون العرف أصلاً من أصول الإِثبات في القضاء، ويكون أحياناً وسيلة لمعرفة الشيء الذي اختلف فيه المتخاصمان(فقه الإمام جعفر الصادق للشيخ محمد جواد مغنيه 6/123،124).



    فقه الإمام الصـادق عليه السلام

    الإِمام الصادق رضي الله عنه إمام عظيم ومجتهد كبير في الفقه الإِسلامي شهد له الأئمة والعلماء بفقهه وقدرته على الاجتهاد المطلق، لذا لا يخرج فقه الإِمامية عن فقهه، وكل ما لديهم من أحكام فقهية مأخوذ عنه، وكان عالماً بطرق الاختلاف وأسبابه ومرجحاً بين العلماء ما يراه أصوب وأحق بالاتباع، بل له فضل السبق على أكثرهم.

    كان الإمام أبو حنيفة يروي الحديث عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الفقهاء في عصره، فقال منوهاً به: "أعلم الناس هو أعلمهم باختلاف الناس"وسئل أبو حنيفة: من أفقه الناس ممن رأيت؟ فقال: جعفر الصادق ابن محمد. وكان يقول:"لولا السنتان لهلك النعمان" أي لولا العامان اللذان تتلمذ فيهما على الإمام الصادق لهلك أبو حنيفة.

    وكان أوسع الفقهاء إحاطة ودراية وفهماً وغزارة علم ومعرفة، وكان الإِمام مالك يتردد عليه دارساً راوياً، ويقول إذا حدث عنه: حدثني الثقة، أي الإِمام جعفر الصادق. ووصفه بقوله المتقدم: "ما رأت عين ولا سمعت أذن، ولا خطر على بال بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً".

    جمع الصادق رضي الله عنه بين تفسير القرآن، ورواية الحديث النبوي، والفقه والاجتهاد، واتفق الإِمامية على أن كل ما جاء عن أئمتهم عامة وعن الصادق وأبيه خاصة: حجة في ذاته، مادامت صحته قد ثبتت.

    وكان من أبرز فقهاء عصره، روى عنه المحدثون والفقهاء الذين عاصروه، مثل سفيان بن عينية وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم كثير، وروى عنه أبو حنيفة ومالك، وحسبه في ذلك فضلاً. وهو فوق ذلك كله حفيد علي زين العابدين الذي كان سيد أهل المدينة في عصره فضلاً وشرفاً وديناً وعلماً. وتتلمذ عليه ابن شهاب الزهري وكثير من التابعين، وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه، فجمع الله له الشرف الذاتي وشرف النسب والقرابة الهاشمية، والعترة المحمدية، كما ذكر أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة في مقدمة كتابه عن الصادق.
    وروى عنه مسلم وأصحاب السنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدار قطني، وكان من الثقات عند أهل الحديث.
    وأخذ الكثيرون عنه فقهه المختلط بالحديث، وصارت هذه صبغة كتب الفقه عند الإِمامية، فهي كتب فقه ورواية معاً. وحديثه هو حديث أبيه الباقر وأجداده، قال الكليني في الكافي: سمعنا أبا عبدالله عليه السلام يقول: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين _أي علي_ وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله"(الكافي1/5، طبع بيروت.).
    ولم يكن فقه الإِمام الصادق مستقلاً عن فقه الأئمة سواه، وإنما هو أحد أئمة الاجتهاد، ومن أصدق الرواة والمحدثين، وكان يروي عن التابعين أمثال سعيد بن جبير، وليست روايته مقصورة على آل البيت، ويلاحظ أن فقه الصادق (عليه السلام) يغلب عليه الحديث، والحديث يشمل عند الإمامية أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديث الأئمة، فليست أقوالهم آراء، ولكنها سنة متبعة، ونصوص ثابتة هي حجة في ذاتها، وقد أخذ أهل السنة عن الصادق روايته كما بينا، كما أخذوا عنه الفقه بمدارسة القرآن والأحاديث وما يستنبط منهما(الإمام الصادق لأبي زهرة:254-256.).
    ومن مصادر فقهه: الأخذ بفتوى الصحابي، مثل عبدالله بن عمر، والأخذ عن كبار التابعين، وقد أخذ علم أهل المدينة من أهل المدينة.

    أنواع الأحكام الفقهية في نظر الإِمامية ومدى قابليتها للاجتهاد:
    الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال العباد وهي مادة الفقه ومواضيعها تنقسم بالنظر إلى قابليتها للاجتهاد إلى أقسام خمسة(انظر وقارن قيم أخلاقية في فقه الإمام جعفر الصادق للشيخ محمد جواد مغنيه: ص32-40.).
    1-العبادات: وهي فرائض الإسلام من صلاة وصيام وحج وزكاة وما يتبعها من النوافل أو التطوعات، وهي توقيفية حكماً وموضوعاً ومن صنع الشارع وحده، لا مجال فيها للاجتهاد، ولا شك فيها إطلاقاً لعرف وعقل؛ لأنه قاصر بذاته عن معرفة السر لشكل العبادة وهيئتها، ولكنها لا تتناقض ولا تصطدم مع العقل شكلاً وأساساً؛ لأن الإِسلام في جوهرة دين العقل بأوسع معاني الكلمة، خلافاً للحنابلة وابن تيمية الذين اعتبروا الدين فوق العقل، وحصروا مهمته في الأمور الدنيوية فقط كالفلاحة والتجارة والطب والهندسة والصناعة ونحو ذلك.
    2-المعاملات: من عقود البيع والشراء والإِجازة والشركة والهبة والصلح والزواج والطلاق والوصية والجهاد والمعاهدات بأفعال العباد وعاداتهم كتحريم الغش والزنا والخيانة والغدر والظلم ووجوب الوفاء بالدَّين والعهد، وهذه محل اجتهاد؛ لأنها قائمة على مراعاة المصالح والحاجات، ومنع المساوئ والمضار عن النفس الإِنسانية.
    3-الأخلاق الاجتماعية: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي من الأمور الاجتهادية، لكونها من باب الإِرشاد إلى المصلحة والبعد عن المفسدة.
    4-المباحات : مثل الأكل والشرب والزراعة والرعي والصناعة والتجارة والطب ونحوها من الحقوق الطبيعية، وهي مجتهد فيها، وجاء الأمر الإِلهي بها تعبيراً عن الواقع المعاشي، مثل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين . إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة: 168-169) وقوله سبحانه:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأعراف:31) وقوله عز وجل {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ ِلأَوْلِي النُّهَى}(طه:54) .

    5-الأحكام القابلة للتغير: الأحكام الشرعية نوعان: أصلية وفرعية. أما الأحكام الأصلية أو الطبيعية كحرمة المحارم، ووجوب التراضي في العقود، والمسئولية الفردية ونحوها، فهي ثابتة ودائمة تصلح لجميع الناس في كل زمان ومكان، ولا تقبل التغير والتبديل؛ لأن طبيعة الإِنسان النقية تقتضيها الإنسانية. وعلى هذه الأحكام وحدها يحمل الحديث النبوي الشريف: [حلال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حرام إلى يوم القيامة].

    وأما الأحكام التي تقبل التغيير والتبديل: فهي التي ترتبط بأوضاع الجماعة، وتدور مدارها وجوداً وعدماً ويمكن تبديلها، في ظل المبادئ الشرعية العامة مثل إِنفاق على الزوجة يتفاوت بين الفئات والأسر والأفراد، قال الله تعالى : {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}(الطلاق:7) ومثل حكم الجهاد والقتال، كان منهياً عنه حينما كان المسلمون قلة مستضعفين بمكة المكرمة، ثم أذن به حينما صاروا أقوياء بالمدينة المنورة.



    نماذج من فقه الإِمام الصادق عليه السلام:

    ليس الخلاف بين السنة والشيعة خلافاً اعتقادياً، فالعقيدة واحدة، ولا خلافاً فقهياً، فالفقه يعتمد على الاجتهاد، والمجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد، ولا خلافاً فكرياً، فكل المسلمين ينشدون القوة والعزة والكرامة والحفاظ على الحقوق وطرد العدو من ديارهم، وإثبات المقدرة على الاستقلال الذاتي من جميع وجوهه الاقتصادية والاجتماعية. وأكد هذا كله وقوف الفريقين جبهة واحدة أمام الاستعمار والصهيونية، وقد أخذت بعض قوانين مصر في الأحوال الشخصية من آراء الإِمامية، مثل وقوع الطلاق الثلاث بلفظ الثلاث طلقة واحدة، وإجازة الوصية لوارث، وهو رأي عند الإِمامية، وإن كان المأثور عن الإِمام جعفر الصادق خلافه، وهو الحق، للحديث المتواتر: "ألا لا وصية لوارث"(حديث متواتر عن اثني عشرة صحابياً منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة والدار قطني وابن عدي.).

    وإنما الخلاف بين السنة والشيعة تاريخي سياسي محض، ولا يجوز في ميزان الشرع والعقل أن يتحمل جيل أو فرد تبعة أو مسؤولية جيل أو فرد آخر، ويجب الالتزام بالوحدة الشاملة بين المسلمين، لقوله تعالى:

    {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}(الأنبياء:29) وإعلان التمسك بمبدأ الأخوة الإِيمانية لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(الحجرات:10). ويستتبع كل ذلك التقارب لا التباعد، والتفاهم والتلاقي لا الخصام والتنافر والتدابر، وإنهاء مظاهر العصبية الدينية، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن العصبية النسبية بقوله: [ليس منا من دعا إلى عصبية](أخرجه أبو داود عن جبير بن مطعم رضى الله عنه). فلا يكون هناك توارث الخلافات؛ لأن عصبية الدين منبوذة مثل عصبية النسب، بل إنها أولى وأجدر بالمنع والإِنهاء، ولأن التفرق بسبب هذا الإِرث البغيض لا يقره دين ولا عرف ولا منهاج حياة، ولأن الخصومة الموروثة تزيد في النفرة والتباغض وعداء الأجيال والطوائف، وما علينا إلا أن نظهر جميعاً قدراً كبيراً من التسامح والصفاء من الأحقاد، وألا يتحمل الخلف ما قد وقع بين السلف، لقول الله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ}(البقرة :134-141).



    مظاهر الخـلاف الفقهي :

    الخلاف الفقهي بين السنة والشيعة أقل من الخلاف بين مذهبي الحنفية والشافعية، وأحكام الفقه عند الإمامية قريبة من فقه الشافعية، وقد نجد تطابقاً بينها وبين فقه الحنفية في جزئيات أو فروع؛ لأن مصدر الأحكام واحد وهو القرآن والسنة.

    وليس هذا الخلاف في الأصول، وإنما هو في نطاق الفروع فقط، ومرجعه إلى الاجتهاد الذي يعذر فيه المجتهدون.

    ولقد تصفحت فقه الإِمامية، فوجدت المخالفة بينهم وبين مذاهب أهل السنة محصورة في مسائل معدودة، وليست في الغالب جوهرية، ويتضح ذلك فيما يأتي، ومرجعها في الأكثر إلى اجتهاد الإِمام الصادق رضى الله عنه(انظر فقه الإِمام جعفر الصادق للأستاذ محمد جواد مغنية –6أجزاء.).



    في الطـهارات :

    1-الماء المشتبه فيه بين إناءين، قال الإِمام : يهريقهما ويتيمم، أما المشتبه فيهما من ثوبين، فيصلي فيهما جميعاً مرتين.

    2-كل شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله، وإن كان غير مأكول اللحم.

    3-الحكم بنجاسة أهل الكتاب، ويطهرون إذا تطهروا بالماء، وعقب على ذلك الشيخ محمد جواد مغنية بقوله: وليس من شك أن القول بالطهارة يتفق مع مقاصد الشريعة الإِسلامية السهلة السمحة، وإن القائل بها لا يحتاج إلى دليل؛ لأنها وفق الأصل الشرعي والعقلي والعرفي والطبيعي، أما القائل بالنجاسة فعليه الإِثبات.

    4-يغسل الإِناء الذي ولغ فيه الكلب مرة بالتراب لا سبعاً، ثم بالماء.

    5-وجوب الوضوء لإِقامة الصلاة، كما يجب للصلاة نفسها إجماعاً ونصاً، ولا يجب الوضوء للأذان.

    6-الاكتفاء بمسح الرجلين في الوضوء، عملاً بقراءة "وأرجلِكم" بالكسر.

    7-قضاء الصوم لمن صام جنباً، وعليه كفارة كبرى: العتق أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً، أي عليه القضاء والكفارة.

    8-وجوب الغسل على من مسّ الميت بعد أن يبرد جسده وقبل أن يغسَّل .

    9-لا يصح ولا يشرع المسح على الخفين.



    في العبــادات :

    10-السجود على طين قبر الحسين (عليه السلام) ينوِّر إلى الأرضين السبع.

    11-يزاد في الأذان بعد الحيعلتين: "حي على خير العمل" وليس قول: "أشهد أن علياً ولي الله" من فصول الأذان وأجزائه بالاتفاق.

    12-يخير المصلي في الركعتين الأخيرتين من الرباعية بين قراءة الفاتحة أو ذكر الله.

    13-يجزئ في التشهد أن تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله" ويجب التشهد في الثلاثية والرباعية مرتين: الأول والأخير، ومن أخل بذلك عامداً، بطلت صلاته.

    14-صيغة التسليم من الصلاة: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

    15-إبطال الصلاة بتعمد قول "آمين" بعد قراءة الفاتحة، كالزيدية والإِباضية.

    16-وجوب سجود السهو إذا تكلم المصلي ساهياً أو تشهد أو سلم في غير موضع التشهد والتسليم أو شك بين الأربع والخمس.

    17-يجب الترتيب في قضاء الصلوات المفروضة بعد أداء صاحبة الوقت.

    18-يجوز قضاء الصلاة عن الميت تبرعاً، وله الأجر والثواب، ويجوز الاستئجار على ذلك.

    19-يخير المقتدي في الركعتين الأوليين من الصلاة الجهرية بين قراءة الفاتحة والسكوت.

    20-تقطع صلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة المكتوبة جماعة.

    21-سقوط صلاة النافلة في السفر.

    22-لا يجوز القصر بنية الإِقامة عشرة أيام، ومسافة السفر المبيحة للقصر ثمانية فراسخ (46,80كم) علماً بأن الفرسخ (5760متراً). ويجب القصر في سفر بريدين أو ثمانية فراسخ، وعند الصادق (عليه السلام) وأبيه: أدنى المسافة بريد أو أربعة فراسخ (23,40كم). وتحديد الوطن متروك للعرف، ويصح القصر حال التردد في السفر لمدة شهر. وكل موضع يجب فيه القصر حتماً، يجب فيه الإِِفطار في شهر رمضان وبالعكس.

    23-يشترط لصلاة الجمعة وجود الإِمام المعصوم أو نائبه الخاص للصلاة. وعقب الشيخ مغنية عليه بقوله: والحق مشروعية صلاة الجمعة في حال غيبة الإِمام على سبيل التخيير بينها وبين الظهر.

    24-صلاة العيدين وصلاة الكسوف (أو صلاة الآيات) فريضة في حضور الإِمام المعصوم أو نائبه الخاص، وقال أكثر الإِمامية باستحبابها جماعة وفرادى في زمن الغيبة، وليس فيها أذان ولا إقامة، ولكن يُنادى: "الصلاة" ثلاث مرات. وصلاة الكسوف والخسوف بعشرة ركوعات أي خمسة في كل ركعة.

    25-يفسد الصوم، وتجب الكفارة بتعمد الكذب، والحق أنه حرام لا يفسد الصوم، ويفسد الصوم أيضاً بغمس الرأس في الماء، وبالبقاء على الجنابة مع الكفارة في حال الجنابة.

    26-من أصابه العطش حتى خاف على نفسه، له في الصوم أن يشرب ما يمسك رمقه ولا يرتوي. وتجب الكفارة الكبرى على من أفطر في صوم يوم نذره على نفسه أو جامع في أثناء الاعتكاف. ويكفي استغفار الله لمن عجز عن كفارة الصيام.

    27-وجوب الإفطار في رمضان أثناء السفر إلا في أربع حالات.

    28-وجوب قضاء الصوم على الولي عن الميت.

    29-تستحب الزكاة ولا تجب في التجارة بشروط، وكذا في ناتج العقارات المعدّة للاستثمار كالدكان والبستان ونحوهما، ولكن يجب الخمس في الزائد على مؤنة السنة من أرباح التجارة والصناعة والزراعة.

    30-يجب إعطاء الزكاة للمستحقين من الشيعة الاثنى عشرية.

    31-يجب الخمس على الذمي فيما اشتراه من المسلم، وعلى المال الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميز. وللإِمام من الخمس ثلاثة أسهم، وهي نصف الخمس. ويعطي سهم الإِمام في حال غيبته إلى السادة من قرابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

    32-تجوز النيابة في الحج والطواف عن الحي استحباباً.

    33-من مات حاجاً في الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، أما من مات دون الحرم، فيقضي عنه وليه حجة الإسلام.

    34-يجب ما يسمى بطواف النساء في العمرة المفردة، ولا يجب في عمرة التمتع، وهو أن يطوف بالبيت ثانية بعد السعي والطواف الأول، ويصلي ركعتين وجوباً في الطواف الواجب. وكذلك يجب في حج التمتع طواف النساء، فيكون عليه ثلاثة أطوفة: للعمرة، وللحج، وللنساء.

    36-يتحقق الإِحرام بدون لبس الثوبين، ولا يجوز للمحرم الاستظلال بمظلة.

    37-يشترط إذن الإِمام في جهاد الغزو في سبيل الله وانتشار الإِسلام، وإعلاء كلمته في بلاد الله وعباده. أما في جهاد الدفاع عن الإٍسلام وبلاد المسلمين، فلا يشترط فيه إذن الإِمام.



    في المعاملات، والخلاف فيها أقل من غيرها:

    38-النهي لا يدل على الفساد، وإنما يدل بالمطابقة على التحريم فقط، ولا يدل بنفسه على الفساد، لا في العبادات ولا في المعاملات.

    39-يثبت "خيار الحيوان" لكل من اشترى أي حيوان ثلاثة أيام.

    40-الشرط الفاسد لا يفسد عقد الزواج الدائم، ويفسد غيره من العقود إلا شرطاً واحداً فقط: وهو ما كان مناقضاً لمقتضى العقد كشرط عدم الاستمتاع بالزوجة إطلاقاً، أو شرط الخيار في الفسخ.

    41-الغبن الفاحش وإن لم يكن معه تغرير يثبت الخيار على الفور للمغبون بين الرد أو الإِمساك، سواء كان بائعاً أو مشترياً.

    42-يثبت خيار التأخير على الفور في فسخ البيع للبائع بعد ثلاثة أيام، إذا تأخر المشتري في دفع الثمن. ولا يجري خيار المجلس والحيوان والتأخير في الإِجارة.

    43-يجوز عند متأخري الفقهاء بيع الشيء قبل قبضه قليلاً كان أو موزوناً، ولكن مع الكراهة.

    44-يجوز الاتفاق على تعجيل الدين بإسقاط بعضه، أي أنهم لا يقولون بقاعدة "ضع وتعجل" ولا يجوز تأجيل المعجل بشرط الزيادة؛ لأنه ربا محرم، فهم كغيرهم في هذا الحكم الأخير.

    45-ليس القبض بشرط لصحة الرهن ولا للزومه، لعدم الدليل على ذلك.

    46-لا تؤكل ذبيحة الكتابي ولا صيده، لاشتراط إسلام الصائد والمذكي عندهم. ويحل الصيد بالأسلحة الحديثة كالبارودة. وتشترط التسمية في الصيد والتذكية.



    في الأطعــمة :

    47-كل حيوان بحري غير السمك لا يحل أكله، وهذا قريب من مذهب الحنفية.

    48-يحرم من الذبيحة خمسة عشر شيئاً كالقضيب والأنثيين والنخاع والمثانة.



    في الأيمان والنذور والشهادات:

    49-كفارة العهد "أعاهد الله أن أفعل كذا" كفارة كبرى مثل كفارة الجماع في نهار رمضان: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً.

    50- يثبت اللواط والسحاق بأربعة رجال فقط.



    في الأحوال الشخصية :

    51-الإِشهاد على الزواج الدائم مستحب وليس بواجب.

    52-يحرم الزواج من الكتابية(هناك الكثيرون من فقهاء الإِمامية الذين يرون جواز الزواج من الكتابية مع الكراهية.).

    53-لا يحرم من الرضاع إلا رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة، حتى ينبت اللحم ويشتد العظم، في مدة الحولين.

    54-يباح زواج المتعة بشروط. والتمتع يكون بالعفيفة، ويجوز بأكثر من أربع نساء، ومن تمتع بزانية فهو زانٍ. وعدة التمتع بها خمسة وأربعون يوماً.

    55-لا يصح الطلاق إلا بحضور شاهدي عدل، وأن يكون في طهر لم يواقعها فيه، فلا يقع الطلاق الحيض إلا في خمس حالات.

    56-لا تزيد مدة الحمل ساعة عن السنة، وهو ما أخذت به القوانين في مصر وسوريا.

    57-لا يقع طلاق المكره والسكران.

    58-الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع واحدة.

    59-لا عدة على من لم تكمل التسع إن كان قد دخل بها الزوج ثم طلقها.

    60-عدة الكتابية مثل عدة المسلمة عدداً وحكماً وحداداً.



    في القضاء والوصايا والحدود:

    61-يشترط في القاضي طهارة المولد، فلا يجوز لابن الزنا تولي القضاء.

    62-الإِقرار مرتين على ما يوجب الحد غير الزنا كشرب المسكر والسرقة والقذف.

    63-وضع اليد دليل على الملك في المنقولات والعقارات بشرطين: جهالة ابتداء الوضع، وقابلية العين تحت اليد للنقل والتملك، بخلاف الموقوف.

    64-يجوز الإِثبات بوسائل المختبر الجنائي والطب الشرعي كفحص البصمات والكتابات والملابس ونحوها من القرائن.

    65-تصح الوصية للوارث لإِطلاق أدلة الوصية في الكتاب والسنة.

    66-على الإِمام أن يزوج الزانية رجلاً يمنعها من الزنا.

    67-الزاني بالمحارم كالأم والبنت والأخت وبنت الأخ والعمة والخالة يجب قتله، وكذا الزاني بامرأة أبيه. ويقتل أيضاً غير المسلم إذا زنى بمسلمة، ومن أكره امرأة على الزنا، سواء كان محصناً أو غير محصن.

    68-عقوبة الزاني غير المحصن: مئة جلدة، وحلق شعر رأسه، ونفيه عن بلده سنة كاملة.

    69-من وجد مع زوجته رجلاً يزني بها، فله قتلهما معاً، ولا شيء عليه، وهذا موافق لمذاهب السنة، وإذا تاب المذنب قبل أن تقوم عليه البينة يسقط عنه الحد، كما يقول الحنابلة.

    70-عقوبة المحصن: الجلد والرجم معاً للشيخ والشيخة المحصنين، والرجم فقط للمحصن والمحصنة غير الشيخ والشيخة.

    71-حد السحاق مئة جلدة. وحد القواد (الذي يجمع بين الرجل والمرأة) خمس وسبعون جلدة.

    72-من سب الجلالة أو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الأئمة المعصومين يقتل. ويقتل أيضاً مدعي النبوة والساحر، وهذا موافق لرأي بعض فقهاء السنة.

    73-الجناية على الميت بقطع عضو منه كالرأس واللسان والذكر توجب مئة دينار.

    هذه أهم الخلافية التي عثرت عليها في فقه الإمامية، وهي كما يبدو محل اجتهاد، والاجتهادات يعذر فيها أصحابها، وإن كنت شخصياً لا أقر الاجتهاد القائل بزواج المتعة والوصية للوارث، لمخالفة الإجماع والأحاديث المتواترة.

    أسأل الله الكريم أن يجمع المسلمين على كلمة واحدة، وأن تنتهي الخلافات المذهبية فيما بينهم، وأن يوحدوا صفوفهم للقاء العدو المشترك المتمثل في أئمة الكفر والصهاينة.

    والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

    الدكتور: وهبة الزحيلي

  • #2
    السلام عليكم

    اخى فى الله صاحب الموضوع

    جزاك الله الف خير وخير باذنه تعالى

    وجعل هذا الموضوع فى ميزان حسناتك يوم القيامة باذن الله

    بارك الله فيك ................................................

    اخوك فى الله

    اسلام بلا مذاهب

    السلام عليكم

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X