الزواج الثاني:تعدد في الزيجات أم في القناعات الدينية؟!...... بقلم زهرة ملدان
*
ـ تعدد الزوجات أو التعدد في الزيجات ليس تشريعاً مستحدثاً من قبل الإسلام؛ بل هو عادة كانت سائدة في الجاهلية في شبه الجزيرة العربية وغيرها من البلدان، كالهند وما يجاورها، حتى أتى الإسلام وأمضاها بعد أن شذَّبها ووضع لها قيوداً وضوابطَ تقيد ضمنها، لا يجوز تعديها وتجاوزها، كالتخطي في التعدد إلى أكثر من أربع زوجات، أو أن يكون التعدد في الزوج مثلاً، أو أن يكون الزواج دون العدل الذي يعتبر شرطاً أساساً في التعدد.
في تفصيلٍ بسيط لما كان سائداً قبل ظهور الإسلام، من أجواء مجون وفجور في العلاقات القائمة بين الرجل والمرأة، حيث كان الزواج قبل الإسلام له صورٌ متعددة، تتعدد وتختلف حسب المجتمعات والمناطق، "فعند قدماء اليونان اللاتين كانوا يبيعون النساء في الأسواق، ويبيحون تعدد الزوجات بغير حساب، وكان سائداً عند الإسبرطيين وعند الفولواني أوروباني زمن سيزار، ومعروفاً عند الجرمانيين في زمن ناسيت كان فاشياً عند الرومان..."(1). -يقول السيد الطباطبائي: "فاتخاذ الزوجات المتعددة كانت سُنة جارية في غالب الأمم القديمة كمصر والهند والصين والفرس بل والروم واليونان...، وعند بعض الأمم لا يقف إلى عدد كاليهود والعرب فكان الرجل منهم، ربما تزوج العشرة والعشرين وأزيد..."(2).
وبالعودة إلى شبه الجزيرة العربية حيث نزل الإسلام، حيث لا قيمة للمرأة ولا لكيانها و لا لمشاعرها، إذ كانت الزيجات لها أشكال متعددة لا تمت إلى تكوين الأسرة بصلة، ومنها: حق المرأة في تعدد أزواجها واختيارها منهم من تريد أباً لأولادها. ومنها: أن يتزوج مجموعة من الرجال من قبيلة معينة من مجموعة من النساء من قبيلة أخرى؛ بحيث يكون كل الرجال أزواج لجميع النساء من المجموعة. في هذه الأجواء أتى التشريع الإسلامي؛ ليضع قيوداً لكل هذه الفوضى العارمة في المجتمع، فوضع لها حداً من خلال حكم نظري إلى فعلي، يستحق أن يسمى إعجازاً لو طبق كما يريد الله تعالى وبالقيد الذي وضعه جلَّ وعلا. مقارنة بما كان سائداً قبل الإسلام، نرى أنَّ الإسلام كان وما زال خير تشريع، وأحكم نظامٍ وأدقه في وضع الأسس الاجتماعية التي ينطوي تحتها نظام الأسرة والزواج.
فضلاً عن ذلك، بالانتقال إلى المرحلة الثانية من التشريع نجد تفصيل الحكم وتطبيقه مقيداً بشرط العدالة، ومحدداً بالأربع دون العشرة والعشرين
. إذ يقول الله تعالى: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾(3).فإن ما اشترطه الله تعالى في الزواج المتعدد؛ وهو العدل، ليس بالأمر اليسير والسهل التحقق، بل هو شرط قلَّ ما يتسنى لشخصٍ أن يدركه إلاَّ إن كان معصوماً، وعليه يكون محصوراً بالأئمة، أو بعدد قليل ممن قد يحصل على الحد الأدنى من العدالة بين الزوجات، بالتالي إن أراد الرجل أن يلتزم بهذا الشرط، فإن هذه الظاهرة ستكون ضئيلة جداً ولكنها موفقة؛ لأنها قائمة على ما يرضي الله تعالى وهو "إقامة العدل". مضافاً إلى أنّ هذا الحق للرجل، يمكن إسقاطه، من خلال اشتراط عدمه في عقد الزواج؛ أي أن تشترط الزوجة على زوجها في العقد أن لا يتزوج ثانيةً.
* لماذا أُمضيَ التعدد وهُذِّبَ ولم يستأصل كغيره من العادات الجاهلية؟
ـ مما لا شك فيه أنَّ الإسلام اقتلع الكثير من عادات الجاهلية ودمرها، واعتبرها من أبشع ما يكون في المجتمع البشري؛ لأنها تنافي الفطرة الإنسانية والخلقة البشرية التي فطر عليها الإنسان، حيث إنّ أكثر ما كان يمارسه كان نتيجة همج واكتساب عارض بسبب عيشه في الحياة البادية التي لا يسودها سوى القتل والنهب والتعدي والظلم إلخ..، إلا أن ما أمضاه الإسلام واعتبره أساساً في الحياة البشرية ما هو موجود في طبيعة الإنسان وميله كالميل نحو العبادة والانقياد، أو كالميل إلى التعدد في الزوجات عند الرجل، كما في موضوعنا. فالإسلام لم يحرِّم التعدد في الزوجات؛ لأن المشرِّع هو الله تعالى الذي يدرك ما في نفوس البشر، ويدرك بأنَّ المرأة تميل إلى الاستقرار النفسي مع رجلٍ واحد وفي أسرة واحدة فحرَّم عليها التعدد. وجوَّزه للرجل؛ لأنَّه تعالى يدرك بأنَّ الرجل ميالٌ لتعدد الزوجات، وهذا مما أثبته علماء النفس والاجتماع الغربيين، فيقول ويل ديورانت في كتابه (لذات الفلسفة): "مما لا شك فيه أن أكثر ذلك (مشيراً إلى الانحراف الأخلاقي الجنسي) يعود إلى الطبع الثابت الذي نتميز به والذي لا يرضى بغير التنوع وعدم الاقتصار على زوجة واحدة"، كما ويقول: "إنَّ الرجل طُبع على تعدد الزوجات، ولا يمكن أن يفرض عليه نظام الزوجة الواحدة إلا بواسطة أسس القيود الأخلاقية، ودرجة معينة من الفقر والعمل الشاق والمراقبة الدائمة من قبل الزوجة"(4).
ومثل هذه الشواهد التي تثبت أن الرجل ميال بطبعه إلى التعدد في علاقاته لا يسع المجال لذكرها. وننتقل لما حلَّله العلماء والباحثون في ما وراء التعدد في الزوجات، فنأخذ عصارة ما قدمه الشهيد المطهري في كتابه (نظام حقوق المرأة في الإسلام نموذجاً)، حيث يقول: (إنَّه من الأسباب التي نستفيدها من التعدد ما هو ناشئ عن التفاوت الطبيعي بين المرأة والرجل من حيث فترة الإخصاب والقابلية على إنجاب الأطفال، بمعنى أن المرأة قد تيأس ولا تستطيع الإنجاب، بَيْد أنّ الرجل يريد أطفالاً وذرية فيلجأ إلى الزواج ثانية، ويقول أن العامل الرئيسي الذي أوجب -طول التاريخ- تعدد الزوجات وجعله حقاً للمرأة واجباً على الرجل، فهو زيادة عدد النساء المهيئات للزواج على عدد الرجال المهيئين له)(5).ويبرر ذلك بأنه ليس نتيجة ازدياد نسبة الولادات من البنات، بل أسباب عديدة منها: أنّ الفتاة تبلغ قبل الذكر فتكون قادرة على الإنجاب في الوقت الذي ما تزال بنية الفتى تميل إلى الطفولة، كما أن المرأة أكثر تحملاً للآلام، وصلابةً أمام الأمراض؛ مما يجعلها قوية تحارب الموت، عكس الرجل الذي تزداد نسبة الوفيات عنده مقارنة مع نسبتها عند النساء، فضلاً عن أن الرجال معرضون للمخاطر والموت أكثر من النساء بطبيعة ما يلاقونه من حروبٍ وغيرها. إلاَّ أنَّ هذه المبررات لا تسنح وتعطي للرجل الحق في أن يكون عابداً لغريزته لسببٍ ما أو دونه، "فإن ميزة الإسلام عن الشرائع الأخرى أنَّه يعارض التصوف والرهبانية ولا يعني ذلك أنه يبيح العبث في المقابل، بل أنَّ رأي الإسلام هو أنَّ جميع الغرائز سواء منها الجنسية وغيرها يجب أن تشبع في حدود الحاجة"(6).
تعدد الزوجات وإشكالات مطروحة:
يلجأ الكثيرون مِمَّن يتهجمون على العقيدة الإسلامية وتشريعاتها إلى حمل راية المرأة وتحررها كعنوانٍ للدخول إلى عالم الشرق وعاداته؛ للوصول إلى نقد مفاهيم الإسلام وقيمه وتشريعاته، ولم يسلَمْ تشريع تعدد الزوجات في الإسلام من النقد، مرددين بأن ذلك من الأمور المهينة، التي لا تمت إلى هذا العصر بصلة، بل هي خاصة بطبيعة معينة وبجغرافية خاصة؛ حيث كانت القبائل تعيش في الصحراء، في الأجواء الحارة والحياة الصعبة، التي لم يكن للمرأة –فيها- قدرة على أن تؤدي حقوق زوجها، في الوقت الذي كان الرجل فيه محتاجاً لأكثر من امرأة نتيجة الجو الحار والأجواء الجغرافية..، كُلُّها من الأمور الواهنة؛ إذ أن تعدد الزوجات والأزواج -الذي كان سائداً قبل الإسلام- لم يكن خاضعاً لمناخ معين ومجتمع معين، بل كان سائداً في كثير من المناطق التي لا تتوفر فيها المواصفات المذكورة، وكان ناتجاً عن الميل والفطرة التي لا تتغير بين مجتمع وآخر، أو جغرافيا وأخرى.
إشكالات مرفوعة للاعتراض على تشريع الإسلام، الذي وُضع في نظام وقيود، وضمن ضوابط وحدود، دون أن تكون فيه المرأة مهانة، بل زوجة شرعية أمام الله والعرف.
ادعاءات لا ترى التعدد سوى فيما هو قانوني وتحت سقف الدين، فإن ما يجري اليوم في الغرب، وقبل اليوم، منذ القرون الوسطى إلى الآن، لا يعتبر تعدداً؛ لأنَّه متسترٌ بستار الحرية والانفتاح، وإعطاء كل فردٍ ما يريده في حياته. إذ أنَّ نظام الزوجة الواحدة في الغرب ليست إلا مادة قانونية على الورق وليس لها وجود واقعي في حياة الناس، كما إنَّ تعدد الزوجات كان موجوداً في الشرق بشكل قانوني وهذا يعني قبول الالتزام برعاية المرأة وأطفالها، "وفي الغرب تجد حالة تعدد الزوجات نفسها ولكن بشكل مخادع وغير قانوني؛ أي بشكل اتخاذ عشيقات وخليلات، والحلّ من الالتزام برعاية المرأة أو أبوة الأطفال"(7).
فهل ما يوضع ضمن قوانين وأسس هو ما غدا منبوذاً في هذا العصر، وهل العودة إلى العصور السالفة من الهمجية دونما أي قيود هو المباح؛ كالذي يسري في أوروبا اليوم. فلو اعتبرنا أنّ تعدد الزوجات يؤثر على المرأة سلباً من حيث استقرارها النفسي، بالتالي على عطاءاتها في وظائفها التكوينية، فلما لا يكون هذا عندما يقدم الرجل على التعدد من خلال الزنا والعلاقات اللاأخلاقية، أم أنه مشروط بعدم القانونية والشرعية حتى يكون غير مؤثر على حقوق المرأة.
التعدد في الزوجات أصل أم استثناء؟
ـ لقد تناول المفسِّرون الآية الكريمة التي تتحدث عن تشريع التعدد، في تفسيرات عدَّة، منهم من اعتبر أن التعدد في الزوجات كان بغية الحفاظ على أموال اليتامى، حيث كانت العادات سائدة بأن يتولى الكفيل أموال الأيتام فيتصرف بها؛ دون أن يحافظ عليها. مثلما لو كانت ملكاً لزوجته فتكون بمثابة ماله، وهذا ما يستفاد من سياق الآية، إلاّ أنه قد يستدعي حصر هذا التشريع في زمن معين فلا يسري إلى هذه الأيام. بالتالي قد يطال هذه المسألة إشكالات عدَّة، مثل التي تطرح حول الحجاب وغيره من الأمور، في حين يرى بعض التربويون أن الغاية والحكمة من تعدد الزوجات؛ هي بناء الأسرة لما لها من أهمية في تكوين المجتمع، خصوصاً إن كانت أسرة تعرضت لفقد الأب فأصبحت دون كفيل ولو معنوياً، وهذا تفسير مقبول ومنطقي جداً. وللآية تفسيرات أخرى لا يسع المجال لذكرها.
تعدد الزوجات والواقع:
ـ في خضم التفسيرات الكثيرة للآية، والمتعارضة مع بعضها أحياناً، يبقى السؤال هل التعدد له حكمة، وهل لتطبيقه لا بدَّ من غايات؟ وإذا كان لبناء الأسرة، فلماذا لا يُنظر في هذا الأمر، أنّه قد يتسبب في هدم أسرة أخرى -وهي الأولى- كما في أكثر الزيجات المتعددة، وهذا لا نقاش فيه. فالقدر المتيقن من غاية التعدد في الزوجات هو لمصلحة ما، إذ أنّ الله تعالى لم يشرع شيئاً دون أن يكون له مصلحة لخدمة الإنسانية. وإلاَّ فلماذا لم يتزوج الرسول(صلى الله عليه وآله) أو أي إمام من الأئمة دون مصلحةٍ ما؛ إذ لم يرد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه عدَّد زوجاته عبثاً، بل كان يراعي المصلحة الاجتماعية فوق أي مصلحة أخرى. فما هي المصلحة؟
المصلحة أن التعدد أفضل ما يكون من الحلول لمشكلةٍ معينة في بعض الأحيان:
المصلحة أن يلجأ الرجل إلى الزواج ثانية عندما لا تستطيع زوجته الإنجاب، أو عندما تعاني من مرضٍ مزمن قد يعوقها عن تأدية حقوقه، أو أن يكون التعدد كبديل عن الطلاق وتشتت الأسرة، عندما لا يجد فيها الزوجين إلى التفاهم طريق، فأفضل الحلول أن يتزوج الرجل ويترك زوجته مع أطفاله تحت رقابته ونفقته حفاظاً على الأسرة؛ خصوصاً أن الزوجة تضحي بالكثير أمام أطفالها، بل تطلب ذلك في كثيرٍ من الأحيان. أو أن يكون التعدد لكفالة أسرة يتيمة والحفاظ عليها من الضياع وعدم الاستقرار.
التعدد في الزوجات، هو استثناء وليس الأصل في الزواج، بل الأصل هو الواحد إلاَّ (باستثناء) حالات معينة؛ أي أن الرجل وإن كان ميالاً للتعدد فهو يستطيع أن يعيش من دونه، إن لم تدعُ الحاجة إليه.
والدليل على ذلك أنَّ الله تعالى عندما خلق آدم خلق له حواء واحدة، فلو أنَّه كان يعلم بأنَّ آدم (عليه السلام) لن يستطيع العيش دون امرأة أخرى مع حواء، لخلق له حواء ثانية على الأقل.
تساؤل: التعدد في الزوجات -كما تقدم- له غاياته ويجب أن يكون ضمن شروطه، والباري عز وجل شرَّعه وفقاً لمصلحة معينة، أو مصالح متعددة، وهو قد يطبّق وفقاً لما أراده الله تعالى وقد لا يطبّق، ولكن هل هذا يستدعي أن يكون الخطأ في هذا الأمر نابعاً من التشريع؛ لأنه مخالفٌ لأهواء المرأة، وهل هو يستدعي أن ننحرف وراء ما يروِّجه أعداء الشريعة الإسلامية؟
ففي قراءة وجيزة لآراء جزء من النساء الملتزمات حول السبب في رفض التعدد في الزوجات، قد تبرز بعض الأسباب التي يمكن حصرها في أمرين:
1ـ الخوف من المجتمع، وما سيقال عن الزوجة الأولى، من أنَّها مقصِّرة وغير مؤهلة لتكون زوجة، وأم، وربة منزل. 2ـ اعتبار أن هذا التشريع هو مخالف لفطرتها، وأنَّها ترفض الأمر فطرياً، نتيجة الغيرة المغروزة في نفسها، ولا حول ولا قوة لها أمامها.
فلو دققنا في هذين الأمرين فإننا سنلحظ أنَّ المجتمع هو المحرك الأول وراءهما. ففي الأوَّل نجد للمجتمع دوراً مباشراً، حيث غدت المرأة تخاف منه، ومما سيقوله عنها، وفي الثاني نرى تأثير المجتمع بطريقة غير مباشرة. وهنا تلعب الأسرة والتربية دورهما كجزء من هذا المجتمع، حيث إن الفتاة تتربى على عدم تقبل الأمر كلياً، فتنمي الغيرة عندها بالعادة وليس فطرياً، والعادة إن ترسخت أصبحت ملكةً وهكذا، حتى يختلط الأمر فيها بين ما هو فطريٌ وعرضي.
فلو أن الغيرة موجودة في المرأة فطرياً، فلماذا ترضاه بعض النساء في المجتمعات الأخرى؟ هل فطرتها تختلف عن فطرة النساء الأخريات؟ أم لأنَّها تربت على تعوُّد هذا الأمر؟ فضلاً عن ذلك، لماذا ترضى الزوجة الثانية إن كانت تغار، وترفضه فطرياً؟!
والملاحظ في الأمر أن ما هو مغيب كلياً عن الموضوع؛ هو دور الدين والقناعة الدينية في الموضوع، فنقتنع بما نريده من الشرع، ونرمي بما لا نريده خلف أظهرنا، وكأن القناعات الدينية مقتصرة على أمورٍ دون أخرى ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض﴾(8).
إلاَّ أنَّه وأمام الرفض شبه المطلق لتعدد الزوجات، لا يفترض أن تتحمل المرأة وزر ما تربَّت عليه في مجتمعها، بل لا بدَّ من إعادة النظر في القناعة الدينية الموجودة عندها، إضافة إلى التربية التي تلقتها. فالمشكلة تكمن في عدم الوصول إلى الثقة المطلقة بالمشرِّع، التي تقتضي تقديم المصلحة الاجتماعية الإسلامية، لنتوصل من خلالها إلى إيصال المفاهيم الإسلامية كما هي، والقناعة الدينية المطلقة في كل شيء، بالتالي لا نطالب المرأة بذنبٍ لم ترتكبه بمفردها، بل قد نطالبها به بعد عشرين عاماً من التربية الصحيحة.
لكن هذا لا يعني أنّ المرأة هي العنصر الوحيد، الذي لا يطبق الشرع، بالمطلق، بل إن الرجل كذلك؛ إذ نلحظ أنّه في كثير من الزيجات لا يوجد ما يسمى بالعدالة بين الزوجات، وهو شرط موجود في الآية المباركة، مع ذلك نلحظ أنّ الرجل، طبق ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء..﴾ وغضَّ النظر عن العدالة؛ وهذا إيمان ببعض الكتاب وكفر بالآخر، خصوصاً أنَّ العدالة قد تكون مطلوبة قبل الشروع بالزواج الثاني.
خاتمة:
في ختام هذا العرض والمعالجة المتواضعة لموضوع التعدد، يبقى القول أنَّ هذا التشريع كان بمثابة التشذيب والتهذيب للعادات والميول الموجودة عند الإنسان، مضافاً إلى أنَّها قد تكون حلاً لمشكلة مستعصية، لا يشعر بها سوى من وقع فيها مثل: عدم القدرة على الإنجاب، فيجد أنّ التعدد رحمة تضاف إلى الكثير من النعم الإلهية، لكنّ هذا لا يبرر أن يسعى الإنسان وراء غرائزه، تاركاً عقله وراء ظهره، مع الالتفات دائماً إلى أن لا يكون المسلم رجلا ً كان أو امرأة مصداقاً للآية الكريمة ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض﴾.
الهوامش:
(1) رضا، محمود رشيد: حقوق النساء في الإسلام. ط1، دار الأضواء، بيروت، 1410هـ-1998م. ص79-80.
(2) الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن. ط3، دار الأعلمي، بيروت، 1394هـت1974م. ص183.
(3) سورة النساء، الآية 3.
(4) يراجع: المطهري، مرتضى: نظام حقوق المرأة في الإسلام. ط2، مؤسسة الإعلام الإسلامي، بيروت، 1405هـ-1985م. ص300.
(5) يراجع: المطهري، م.ن، ص288.
(6) يراجع: المطهري، م.ن، ص53.
(7) كلام لغوستاف لوبون، نقلاً عن المطهري، م.س، ص281.
(8) سورة البقرة، الآية 85.
منقول من مجلة النجاة
تعليق