بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله كما يحب ان يحمد، وكما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، ولا اله إلا الله كلما هلل الله شيء، وكما يحب ان يهلل وكما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
اللهم صل وسلم وزد وبارك وتحنن وترحم على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين صلاة تامة زاكية كلما حمدك حامد، وذكرك ذاكر، وهللك مهلل. في أراضيك وسماواتك يارب العالمين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والمبادرة لانزال التقوى من النفس الى الأسرة، ففي الاسلام لا يكفي ان يكون الرجل متقيا، بل يتوجب عليه ان يجعل أسرته متلبسة بالتقوى وبذلك يبرئ المرء ذمته أمام الله سبحانه وتعالى، في وقاية نفسه و أهله من النار.
وغير ذلك فان اكتفاء المؤمن بكونه مؤمنا دون بذل جهد لتغذية أسرته بالتقوى، لا يخلي ساحته من المسؤولية، ولا يعفيه من المحاسبة.
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز:
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و اهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)[سورة التحريم: الآية 6].
المسؤول الأول عن الأسرة
يؤكد المفسرون ان الآية المباركة، بجوها الأخروي المحرك لخوف الأباء وشفقتهم على أسرهم، صريحة في بيان مسؤولية الرجال عن أسرهم، وأنهم يتحملون مسؤولية تعليمهم وتربيتهم وتهذيبهم. ولا يمكن للأباء ان يقوا أهليهم النار إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، ولا تتم التقوى إلا بطاعة الله سبحانه وتعالى واجتناب معاصيه.
لقد أثار جو الآية المباركة الخوف الشديد عند المسلمين الأوائل على مصير أسرهم. فقد ورد في الكافي بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبى عبد الله (عليه السلام)، قال: لما نزلت الآية (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و اهليكم نارا ..) جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكلفت أهلي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (حسبك أن تأمرهم بما تأمر نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك).
وتدعم الكثير من الأحاديث والروايات الشريفة، أقوال المفسرين في فهمهم لهذه الآية المباركة، وكونها موجبة على الرجل أمر أهله، وهم الزوجات والولد، وإلزامهم تقوى الله سبحانه وتعالى، وانه مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن ذلك.
ففي الحديث الشريف:
(رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم ويتيمكم جيرانكم، لعل الله يجمعهم معه في الجنة).
وكما نقل صاحب الميزان عن الدر المنثور عن الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، في قوله تعالى: (قوا أنفسكم وأهاليكم نارا…) قال: (علموا أنفسكم واهليكم الخير وأدبوهم).
وفيه عن زيد بن أسلم قال: تلا رسول الله(صلى الله عليه وآله) هذه الآية (قوا أنفسكم واهليكم نارا..) فقالوا يا رسول الله كيف نقي أهلنا نارا؟.
قال: (تأمرونهم بما يحبه الله وتنهونهم عما يكره الله).
وجاء في الحديث ان أحد الصحابة سأل النبي (صلى الله عليه وآله) بعد نزول هذه الآية، كيف أقي نفسي وأهلي نار جهنم؟فأجابه (صلى الله عليه وآله وسلم): (تأمرهم بما أمرهم الله وتنهاهم عما نهاهم الله، ان أطاعوك كنت قد وقيتهم، وان عصوك كنت قد قضيت ما عليك).
وهناك حديث جامع يؤكد مسؤولية الأب عن الأسرة وضرورة دعم زوجته له في هذه المسؤولية الكبرى، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع عن أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
أباء مستقيلون
رغم هذه الجمهرة من الأحاديث التي لا تدع مجالا للشك والجدية في مسئولية الرجل عن أسرته وعياله،ورغم جو الآية المباركة الذي يثير الخوف والشفقة من الإنسان على نفسه ومتعلقيه، إلا أننا نجد البعض من الآباء لا يكترثون بتربية أسرهم، ويتركون للشارع والآخرين رسم نمط حياتهم كيف ما أرادوا وكأن القرآن الكريم لم ينزل فيهم وان النبي (صلى الله عليه وآله) قال أحاديثه لمخلوقات تعيش في كوكب غير الأرض التي يعيشون عليها.
لقد برز في الآونة الأخيرة مصطلح الأباء المستقيلون في الدراسات الاجتماعية، نظرا لتفشي ظاهرة الأباء الذين يتخلون عن التزاماتهم الأسرية، ويصبح كل همهم توفير الاحتياجات المادية لأسرهم، منشغلين عنها إما بالاستغراق في العمل لكسب مزيد من المال وتكديس الثروة، أو قضاء الوقت في اللعب واللهو مع رفقاء السوء، أو حتى غفلة عن أهمية إعطاء الرجل من جهده ووقته وماله لأسرته.
البعض من الناس يعتقد ان قضاء وقت مع الأسرة مضيعة للوقت، وهو ما لا ينبغي للمرء عمله. لكن ذلك خطأ كبير إذ ان قضاء الوقت مع الأسرة، الزوجة و الأطفال، ناهيك عن الثواب الأخروي الكبير الذي أعده الله سبحانه وتعالى، للمؤمنين الذين يقومون به، له متعة خاصة، للأب من ناحية و للأسرة من ناحية أخرى. ولو حاول أي واحد منا ان يتذكر اللحظات التي قضاها مع والده في فترات حياته المختلفة، لشعر ان تلك اللحظات غرست بداخله شعورا عاطفيا جميلا. إضافة الى ان الزوجة تكون بأشد لحظات سعادتها حين ترى زوجها بصفها، وقد ورد في الأحاديث كراهية السهر إلا بذكر الله سبحانه وتعالى أو تحصيل العلم، أو السهر مع الزوجة.
المسئولية المعاصرة
تزداد أهمية العناية من قبل الأب بالأسرة في الوقت الراهن، نظرا للتطور التكنولوجي الذي حدث في وسائط الإعلام والاتصال، فقد كان الإنسان فيما مضى من الزمن قادرا على صناعة الجو الثقافي والتوجيهي الخاصة بأسرته في داخل بيته، ولا يمكن لأية ثقافة أو توجيه آخر ان يقتحم عليه داره، أما في الوقت الراهن فان التطور أدى الى اقتحامات كثيرة للحرم الأسري، من هنا يتوجب على الأباء ملاحقة هذه الاقتحامات وعدم السماح لها بإدخال أهلهم النار. وهذا يتطلب منهم معرفة الفضائيات التي تشاهدها أسرهم، وصفحات الإنترنت التي يدخلون عليها، وان من الغفلة بمكان التساهل مع الثقافة التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، أو النظر إليها باعتبارها وسائل ترفيه، تتسلى بها أسرهم في فترات غيابهم عنها. ان كل وسيلة إعلام وضعت نصب عينيها هدفا تروم الوصول إليه، والكثير من هذه الوسائل، لا ترى اكثر من الغايات الدنيوية هدفا لها بما في ذلك الكثير من الوسائط الإعلامية الرسمية في الدول الإسلامية. واذا كانت بعض الدول لا تحمي أجواءها من التضليل الإعلامي المغذي لخطط الشيطان فان الآباء و الأمهات مسئولون عن مستقبل أبنائهم، ولا يمكن لأب أو أم ان ينظران الى أولادهما يحترقون بنار جهنم.
بل ينبغي المبادرة لصناعة الأجواء الإعلامية التي تقي أولادنا من النار كاختيار المحطات التي تنشط الدافع الديني بداخل أبنائنا، وصفحات الإنترنت التي تعمق من التزامهم الديني. وان من الأعمال الجدية اليوم التي تحمي أسرنا من الوقوع في نار جهنم، فتح القنوات الفضائية التي تنشر فكر أهل البيت (عليهم السلام)، والصفحات التي تروج لرواياتهم وسيرهم مع جدهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وبصف ذلك ينبغي للآباء الانفتاح على الأساليب الحديثة في التربية التي تيسر تفاعل الأسرة مع القيم الدينية، عبر الوسائل المختلفة. لقد فرض علينا التطور العلمي في حياة البشرية اليوم، ان نحيط علما بكثير من الأمور التي لم تكن في الماضي من الضرورات التربوية. وهذا يتطلب وعيا تربويا من قبل كل رب أسرة، وكل أم تريد تنشأة ولدها على الإيمان وحمايتهم من نار جهنم.
التزمت في التربية
بينما نجد بعض الأباء الذين يهربون من مسئولياتهم في التصدي لشؤون أسرهم التربوية والتهذيبية، نجد آخرين متزمتين في تربية أسرهم، ولشدة فرطهم في خوفهم عليها نراهم يتوسلون بأساليب غالية في التنفير منهم ومن التقوى. فتراهم بدل ان يجذبوا أبناءهم الى الدين يكونون سببا في التمرد والعصيان، وبذلك يقعون ويوقعون أبناءهم فيما كانوا منه يحذرون.
من ذلك اتخاذ أسلوب الرفض الكامل لأي مطلب للأسرة، ورفض الانفتاح على الوسائل الجديدة التي أصبحت في تناول كل بيت، والتوسل بالعقاب بصورة دائمة لتصحيح المسار الخاطئ لأي واحد من أفراد الأسرة. والأكثر من ذلك اعتماد الضرب بصورة دائمة لمعالجة المشاكل الأسرية، بل بسبب وبغير سبب، ولا اكشف سرا اذا ما ذكرت لكم ان هنالك كثيرا من النساء والأولاد والبنات يشكون من آبائهم الذين يعتمدون الضرب كأسلوب تربوي وحيد.
ان التوسل بالضرب لحل المشاكل مع الزوجة يذهب قاعدة الاحترام لزوجها ومن ثم لا تنطلق في مساعدته في الشؤون التربوية لأسرته.
يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها)
ان لنا التأسي بأمير المؤمنين (عليه السلام) في منع رجل عن ضرب زوجته، فقد ذكر الكوفيون ان سعيد بن قيس الهمداني رأى أمير عليا (عليه السلام) يوما في شدة الحر في فناء حائط فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟.
فقال (عليه السلام): ما خرجت إلا لأعين مظلوما أو أغيث ملهوفا، فبينما هو كذلك إذ أتته امرأة قد خلع قلبها لا تدري أين تأخذ من الدنيا حتى وقفت عليه فقالت: يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وتعدى علي وحلف ليضربني، فاذهب معي إليه.
فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله حتى يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع. ثم التفت إليها قائلا: وأين منزلك؟
فقالت في موضع كذا وكذا، فانطلق معها حتى انتهت الى منزلها فقالت: هذا منزلي.
فسلم أمير المؤمنين، فخرج شاب عليه أزار ملون.
فقال له أمير المؤمنين: اتق الله فقد اخفت زوجتك.
فقال الشاب: وما أنت وذاك، والله لأحرقنها بالنار لكلامك.
فلم يعلم الشاب إلا وقد أصلت أمير المؤمنين السيف على رأسه قائلا له:
آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر وترد المعروف؟ تب و إلا قتلتك.
واقبل الناس من السكك يسألون عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى وقفوا عليه. فعرف الشاب انه يواجه أمير المؤمنين، فأسقط في يده فقال معتذرا:
يا أمير المؤمنين أعف عني عفا الله عنك، والله لأكونن أرضا تطأني بالدخول الى منزلها.
فانكفاء علي (عليه السلام) وهو يقول: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) الحمد لله الذي اصلح بين امرأة وزوجها.
إننا مأمورون أيها المؤمنون بالتعامل باللطف واللين مع أسرنا، وتجنب أساليب الشدة والقسوة، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(خير الرجال من أمتي الذين لا يتطاولون على أهلهم ويجنون عليهم ولا يظلمونهم ثم قرأ (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)
ويقول تعالى في كتابه العزيز:
(الاقربون أولى بالمعروف)
ولا شك ان أهم معروف مع الأسرة هو التعامل معهم بلطف.
ويقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(خيركم خيركم لاهله و أنا خيركم لأهلي)
على العكس من ذلك نجد الأحاديث والروايات تمقت الذين يتعاملون بعنف وشدة مع أسرهم.
يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما)
وقال (صلى الله عليه وآله): (ان من شر رجالكم البهات البخيل الآكل وحده، المانع رفده، الضارب أهله وعبده، الملجئ عياله غيره، العاق والديه).
ان من الضروري للآباء سيما في الغرب ان يتعاملوا مع أسرهم وفق الرؤية القرآنية والهدي النبوي الشريف، وتعاليم أهل البيت، وان التوسل بالأساليب المنفرة لأفراد الأسرة، ستكون سببا في نفور الجيل الناشئ ليس من الأسرة فقط بل من الدين، والانتماء الحضاري.
في بلداننا هنالك نقص في وجود المؤسسات التي تستوعب النساء والأطفال الذين يتعسف معهم آباؤهم و أمهاتهم في التعامل التربوي، ويؤذونهم بالضرب والحرمان. ثم اذا ما تمكن هؤلاء في المستقبل يخرجون ناقمين على المجتمع بأكمله، لذلك هنالك حاجة للتفكير في هذه المؤسسات القائمة على أهداف بناء التقوى عند الأسر، من آباء وأبناء.
هذه المؤسسات موجودة في الغرب، لكن مشكلتنا مع هذه المؤسسات أنها تنطلق من أهداف، وتعتمد أساليب تربوية، لا تلتقي مع ديننا الحنيف، وهي بذلك لن تحل مشكلة التعسف التربوي.
من هنا أيها الأحبة: من الضروري ان نسعى الى اعتماد التقوى في علاقتنا بأسرنا، وان نسعى لبناء المؤسسات التي تستوعب النساء والأطفال الذين يتعسف معهم أولياء أمورهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لبناء علاقة التقوى مع أسرنا، وان يجعلنا من الناجحين في تجنيب أنفسهم وأهليهم نار جهنم، بجاه الحبيب المصطفى محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
بسم الله الرحمن الرحيم: (والعصر ان الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
والحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله كما يحب ان يحمد، وكما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، ولا اله إلا الله كلما هلل الله شيء، وكما يحب ان يهلل وكما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
اللهم صل وسلم وزد وبارك وتحنن وترحم على حبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين صلاة تامة زاكية كلما حمدك حامد، وذكرك ذاكر، وهللك مهلل. في أراضيك وسماواتك يارب العالمين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والمبادرة لانزال التقوى من النفس الى الأسرة، ففي الاسلام لا يكفي ان يكون الرجل متقيا، بل يتوجب عليه ان يجعل أسرته متلبسة بالتقوى وبذلك يبرئ المرء ذمته أمام الله سبحانه وتعالى، في وقاية نفسه و أهله من النار.
وغير ذلك فان اكتفاء المؤمن بكونه مؤمنا دون بذل جهد لتغذية أسرته بالتقوى، لا يخلي ساحته من المسؤولية، ولا يعفيه من المحاسبة.
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز:
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و اهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)[سورة التحريم: الآية 6].
المسؤول الأول عن الأسرة
يؤكد المفسرون ان الآية المباركة، بجوها الأخروي المحرك لخوف الأباء وشفقتهم على أسرهم، صريحة في بيان مسؤولية الرجال عن أسرهم، وأنهم يتحملون مسؤولية تعليمهم وتربيتهم وتهذيبهم. ولا يمكن للأباء ان يقوا أهليهم النار إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، ولا تتم التقوى إلا بطاعة الله سبحانه وتعالى واجتناب معاصيه.
لقد أثار جو الآية المباركة الخوف الشديد عند المسلمين الأوائل على مصير أسرهم. فقد ورد في الكافي بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبى عبد الله (عليه السلام)، قال: لما نزلت الآية (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و اهليكم نارا ..) جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكلفت أهلي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (حسبك أن تأمرهم بما تأمر نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك).
وتدعم الكثير من الأحاديث والروايات الشريفة، أقوال المفسرين في فهمهم لهذه الآية المباركة، وكونها موجبة على الرجل أمر أهله، وهم الزوجات والولد، وإلزامهم تقوى الله سبحانه وتعالى، وانه مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن ذلك.
ففي الحديث الشريف:
(رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم ويتيمكم جيرانكم، لعل الله يجمعهم معه في الجنة).
وكما نقل صاحب الميزان عن الدر المنثور عن الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، في قوله تعالى: (قوا أنفسكم وأهاليكم نارا…) قال: (علموا أنفسكم واهليكم الخير وأدبوهم).
وفيه عن زيد بن أسلم قال: تلا رسول الله(صلى الله عليه وآله) هذه الآية (قوا أنفسكم واهليكم نارا..) فقالوا يا رسول الله كيف نقي أهلنا نارا؟.
قال: (تأمرونهم بما يحبه الله وتنهونهم عما يكره الله).
وجاء في الحديث ان أحد الصحابة سأل النبي (صلى الله عليه وآله) بعد نزول هذه الآية، كيف أقي نفسي وأهلي نار جهنم؟فأجابه (صلى الله عليه وآله وسلم): (تأمرهم بما أمرهم الله وتنهاهم عما نهاهم الله، ان أطاعوك كنت قد وقيتهم، وان عصوك كنت قد قضيت ما عليك).
وهناك حديث جامع يؤكد مسؤولية الأب عن الأسرة وضرورة دعم زوجته له في هذه المسؤولية الكبرى، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع عن أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
أباء مستقيلون
رغم هذه الجمهرة من الأحاديث التي لا تدع مجالا للشك والجدية في مسئولية الرجل عن أسرته وعياله،ورغم جو الآية المباركة الذي يثير الخوف والشفقة من الإنسان على نفسه ومتعلقيه، إلا أننا نجد البعض من الآباء لا يكترثون بتربية أسرهم، ويتركون للشارع والآخرين رسم نمط حياتهم كيف ما أرادوا وكأن القرآن الكريم لم ينزل فيهم وان النبي (صلى الله عليه وآله) قال أحاديثه لمخلوقات تعيش في كوكب غير الأرض التي يعيشون عليها.
لقد برز في الآونة الأخيرة مصطلح الأباء المستقيلون في الدراسات الاجتماعية، نظرا لتفشي ظاهرة الأباء الذين يتخلون عن التزاماتهم الأسرية، ويصبح كل همهم توفير الاحتياجات المادية لأسرهم، منشغلين عنها إما بالاستغراق في العمل لكسب مزيد من المال وتكديس الثروة، أو قضاء الوقت في اللعب واللهو مع رفقاء السوء، أو حتى غفلة عن أهمية إعطاء الرجل من جهده ووقته وماله لأسرته.
البعض من الناس يعتقد ان قضاء وقت مع الأسرة مضيعة للوقت، وهو ما لا ينبغي للمرء عمله. لكن ذلك خطأ كبير إذ ان قضاء الوقت مع الأسرة، الزوجة و الأطفال، ناهيك عن الثواب الأخروي الكبير الذي أعده الله سبحانه وتعالى، للمؤمنين الذين يقومون به، له متعة خاصة، للأب من ناحية و للأسرة من ناحية أخرى. ولو حاول أي واحد منا ان يتذكر اللحظات التي قضاها مع والده في فترات حياته المختلفة، لشعر ان تلك اللحظات غرست بداخله شعورا عاطفيا جميلا. إضافة الى ان الزوجة تكون بأشد لحظات سعادتها حين ترى زوجها بصفها، وقد ورد في الأحاديث كراهية السهر إلا بذكر الله سبحانه وتعالى أو تحصيل العلم، أو السهر مع الزوجة.
المسئولية المعاصرة
تزداد أهمية العناية من قبل الأب بالأسرة في الوقت الراهن، نظرا للتطور التكنولوجي الذي حدث في وسائط الإعلام والاتصال، فقد كان الإنسان فيما مضى من الزمن قادرا على صناعة الجو الثقافي والتوجيهي الخاصة بأسرته في داخل بيته، ولا يمكن لأية ثقافة أو توجيه آخر ان يقتحم عليه داره، أما في الوقت الراهن فان التطور أدى الى اقتحامات كثيرة للحرم الأسري، من هنا يتوجب على الأباء ملاحقة هذه الاقتحامات وعدم السماح لها بإدخال أهلهم النار. وهذا يتطلب منهم معرفة الفضائيات التي تشاهدها أسرهم، وصفحات الإنترنت التي يدخلون عليها، وان من الغفلة بمكان التساهل مع الثقافة التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، أو النظر إليها باعتبارها وسائل ترفيه، تتسلى بها أسرهم في فترات غيابهم عنها. ان كل وسيلة إعلام وضعت نصب عينيها هدفا تروم الوصول إليه، والكثير من هذه الوسائل، لا ترى اكثر من الغايات الدنيوية هدفا لها بما في ذلك الكثير من الوسائط الإعلامية الرسمية في الدول الإسلامية. واذا كانت بعض الدول لا تحمي أجواءها من التضليل الإعلامي المغذي لخطط الشيطان فان الآباء و الأمهات مسئولون عن مستقبل أبنائهم، ولا يمكن لأب أو أم ان ينظران الى أولادهما يحترقون بنار جهنم.
بل ينبغي المبادرة لصناعة الأجواء الإعلامية التي تقي أولادنا من النار كاختيار المحطات التي تنشط الدافع الديني بداخل أبنائنا، وصفحات الإنترنت التي تعمق من التزامهم الديني. وان من الأعمال الجدية اليوم التي تحمي أسرنا من الوقوع في نار جهنم، فتح القنوات الفضائية التي تنشر فكر أهل البيت (عليهم السلام)، والصفحات التي تروج لرواياتهم وسيرهم مع جدهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وبصف ذلك ينبغي للآباء الانفتاح على الأساليب الحديثة في التربية التي تيسر تفاعل الأسرة مع القيم الدينية، عبر الوسائل المختلفة. لقد فرض علينا التطور العلمي في حياة البشرية اليوم، ان نحيط علما بكثير من الأمور التي لم تكن في الماضي من الضرورات التربوية. وهذا يتطلب وعيا تربويا من قبل كل رب أسرة، وكل أم تريد تنشأة ولدها على الإيمان وحمايتهم من نار جهنم.
التزمت في التربية
بينما نجد بعض الأباء الذين يهربون من مسئولياتهم في التصدي لشؤون أسرهم التربوية والتهذيبية، نجد آخرين متزمتين في تربية أسرهم، ولشدة فرطهم في خوفهم عليها نراهم يتوسلون بأساليب غالية في التنفير منهم ومن التقوى. فتراهم بدل ان يجذبوا أبناءهم الى الدين يكونون سببا في التمرد والعصيان، وبذلك يقعون ويوقعون أبناءهم فيما كانوا منه يحذرون.
من ذلك اتخاذ أسلوب الرفض الكامل لأي مطلب للأسرة، ورفض الانفتاح على الوسائل الجديدة التي أصبحت في تناول كل بيت، والتوسل بالعقاب بصورة دائمة لتصحيح المسار الخاطئ لأي واحد من أفراد الأسرة. والأكثر من ذلك اعتماد الضرب بصورة دائمة لمعالجة المشاكل الأسرية، بل بسبب وبغير سبب، ولا اكشف سرا اذا ما ذكرت لكم ان هنالك كثيرا من النساء والأولاد والبنات يشكون من آبائهم الذين يعتمدون الضرب كأسلوب تربوي وحيد.
ان التوسل بالضرب لحل المشاكل مع الزوجة يذهب قاعدة الاحترام لزوجها ومن ثم لا تنطلق في مساعدته في الشؤون التربوية لأسرته.
يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها)
ان لنا التأسي بأمير المؤمنين (عليه السلام) في منع رجل عن ضرب زوجته، فقد ذكر الكوفيون ان سعيد بن قيس الهمداني رأى أمير عليا (عليه السلام) يوما في شدة الحر في فناء حائط فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟.
فقال (عليه السلام): ما خرجت إلا لأعين مظلوما أو أغيث ملهوفا، فبينما هو كذلك إذ أتته امرأة قد خلع قلبها لا تدري أين تأخذ من الدنيا حتى وقفت عليه فقالت: يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وتعدى علي وحلف ليضربني، فاذهب معي إليه.
فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله حتى يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع. ثم التفت إليها قائلا: وأين منزلك؟
فقالت في موضع كذا وكذا، فانطلق معها حتى انتهت الى منزلها فقالت: هذا منزلي.
فسلم أمير المؤمنين، فخرج شاب عليه أزار ملون.
فقال له أمير المؤمنين: اتق الله فقد اخفت زوجتك.
فقال الشاب: وما أنت وذاك، والله لأحرقنها بالنار لكلامك.
فلم يعلم الشاب إلا وقد أصلت أمير المؤمنين السيف على رأسه قائلا له:
آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر وترد المعروف؟ تب و إلا قتلتك.
واقبل الناس من السكك يسألون عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى وقفوا عليه. فعرف الشاب انه يواجه أمير المؤمنين، فأسقط في يده فقال معتذرا:
يا أمير المؤمنين أعف عني عفا الله عنك، والله لأكونن أرضا تطأني بالدخول الى منزلها.
فانكفاء علي (عليه السلام) وهو يقول: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) الحمد لله الذي اصلح بين امرأة وزوجها.
إننا مأمورون أيها المؤمنون بالتعامل باللطف واللين مع أسرنا، وتجنب أساليب الشدة والقسوة، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(خير الرجال من أمتي الذين لا يتطاولون على أهلهم ويجنون عليهم ولا يظلمونهم ثم قرأ (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض)
ويقول تعالى في كتابه العزيز:
(الاقربون أولى بالمعروف)
ولا شك ان أهم معروف مع الأسرة هو التعامل معهم بلطف.
ويقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(خيركم خيركم لاهله و أنا خيركم لأهلي)
على العكس من ذلك نجد الأحاديث والروايات تمقت الذين يتعاملون بعنف وشدة مع أسرهم.
يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما)
وقال (صلى الله عليه وآله): (ان من شر رجالكم البهات البخيل الآكل وحده، المانع رفده، الضارب أهله وعبده، الملجئ عياله غيره، العاق والديه).
ان من الضروري للآباء سيما في الغرب ان يتعاملوا مع أسرهم وفق الرؤية القرآنية والهدي النبوي الشريف، وتعاليم أهل البيت، وان التوسل بالأساليب المنفرة لأفراد الأسرة، ستكون سببا في نفور الجيل الناشئ ليس من الأسرة فقط بل من الدين، والانتماء الحضاري.
في بلداننا هنالك نقص في وجود المؤسسات التي تستوعب النساء والأطفال الذين يتعسف معهم آباؤهم و أمهاتهم في التعامل التربوي، ويؤذونهم بالضرب والحرمان. ثم اذا ما تمكن هؤلاء في المستقبل يخرجون ناقمين على المجتمع بأكمله، لذلك هنالك حاجة للتفكير في هذه المؤسسات القائمة على أهداف بناء التقوى عند الأسر، من آباء وأبناء.
هذه المؤسسات موجودة في الغرب، لكن مشكلتنا مع هذه المؤسسات أنها تنطلق من أهداف، وتعتمد أساليب تربوية، لا تلتقي مع ديننا الحنيف، وهي بذلك لن تحل مشكلة التعسف التربوي.
من هنا أيها الأحبة: من الضروري ان نسعى الى اعتماد التقوى في علاقتنا بأسرنا، وان نسعى لبناء المؤسسات التي تستوعب النساء والأطفال الذين يتعسف معهم أولياء أمورهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لبناء علاقة التقوى مع أسرنا، وان يجعلنا من الناجحين في تجنيب أنفسهم وأهليهم نار جهنم، بجاه الحبيب المصطفى محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
بسم الله الرحمن الرحيم: (والعصر ان الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
والحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
تعليق