لقدوصف الله عز وجل نفسه بالرحمة و جعل لها سبلا ومن سبلها هو الرسول الاكرم و اهل بيته الكرام و لاثبات ان الباري عز وجل جعلهم كذلك انظرالى طلبتهم و تلامذتهم تراهم مع كل ذلك التفوق العلمي لم يصنعوا سما او سلاحا للقتل الاعمي الذي نراه اليوم في حضارة الغرب
)يَوْمَ نَطْوِي السَّمآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( (الانبياءِ/104-107)
أرأيت كيف تنبسط رحمة الله من خلال بذرةٍ صغيرةٍ تزرع؛ فإذا بها دوحة وارفة الظلال كثيرة الثمار تمنح الناس بركاتها؟
وهل رأيت كيف أن الفجر يبدأ خيطاً رفيعاً في الأفق؛ فلا يزال يتماوج ويتنامى ويتسع حتى يتنفّس عن صبح بهيج؟
وهل رأيت كيف أن الله تبارك اسمه قد خزن نوره وأودعه في الشمس، فأصبحت لاهبة تضيء المنظومة فينتشر الدفء والحياة… كذلك سنة الله في العالمين.
إن رحمة الله تبدأ من نقطة مركزية ثم تنتشر وتتنامى حتى تصل إلى حيث يعجز الخيال البشري عن تصوره… وكذلك خلق الله سبحانه وتعالى جميع الكائنات.
وكان أول ما خلق نور نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، رغم أننا لا نعلم علم اليقين أين كان هذا النور وكم كان وهجه وكم اختزن في داخله من الرحمة الإلهية، إذ استحيل على عقل ابن آدم المحدود أن يستوعب مثل هذه الحقيقة الكبرى.. ولكننا نعلم من جهة أُخرى أننا لو امتطينا سفينة فضائية تنطلق بسرعة النور، وطال سفرنا مليارات السنين الضوئية، لما وصلنا إلى نهاية الكون التي لا يعرف أين هي وما هي.. ولكننا نعرف أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قال: )وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِاَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ( (الذاريات/47) وهذا التوسع نغيب عنه قدرة التصور وأرقام الكامپيوترات.. نظراً إلى أن أقل التقديرات تشير إلى وجود خمسمائة مليار مجرة، ولا تعني المنظومة الشمسية سوى ذرة صغيرة في هذا المحيط المتلاطم..
لقد وقفت طويلاً ومعي طوابير من المفكرين والحكماء والملمين وكبار كبار الناس؛ وقفنا جميعاً لعلنا نغترف غرفةً من الحقيقة، إلا أن الأكف قد ارتدت إزاء حقيقة الكائنات من حولنا، بل بإزاء حقيقة من أنا ومن أنت… وحقيقة السماء والأرض، وطبيعة وسر العلاقة بين الكائنات وبين ربها.. ولكنني ببركة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد لمست بصيصاً من نور وومضة من ضياء وموجة من الحقيقة، وذلك حينما تجلت لدي نقطةٌ؛ هي المبدأ في كتاب ربنا سبحانه وتعال، وأعني بها نقطة الباء من البسملة الشريفة..
إنها نقطة باء بسم الله الرحمن الرحيم التي تربط بين الحادث والقديم، أي بين الذي كان عدماً وبين الأزلي.. فالله عز وجل قد سبق وجوده العدم، وكان حيث لا مخلوق وحيث لا معلوم وحيث لا عرش ولا كرسي ولا سماء ولا أرض..
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات بالرحمة، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ولم يقل: بسم الله المنتقم الجبار، رغم أن هذه الأسماء كلها أسماء حسنى وشريفة، ولكن الاسم الذي ابتدأ به الله خلقه خلقه هو اسم الرحمة الربانية التي وسعت كل شيء، فكانت الشمس تجري لمستقر لها برحمة الله، وكانت الريح تنشر السحب فيحيي الله الأرض بعد موتها برحمة الله، وها نحن الأحياء نعيش ونتنفس برحمة الله.
أما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد خاطبه الله سبحانه وتعالى بالقول الكريم: )وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( وكان هو قد قال عن نفسه المقدسة: (إنما انا رحمة مهداة) ودليل هذه الرحمة أن المرء يزداد حبّاً وتعلقاً بنبيه وبكتاب ربه كلما ازداد معرفة بهما، حتى لا يفتأ يطلب من الرحمة والقرب من النبي صلى الله عليه وآله، لأنه قد عرف أن رحمة الله لا تحدها الحدود، ولأن نبيه هو نبي الرحمة.
وإذا أردت -أيّها الأخ المؤمن- سبر غور هذه الحقيقة، فإليك الرواية الموثقة القائلة بأن الناس حينما يأمر بفريق منهم إلى الجنة، وآخرين إلى النار، وتفرغ ساحة المحشر والحساب، تقف سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام في تلك الساحة مستمرة في طلب الشفاعة بإخراج بعض الناس من عذاب جهنم وإدخالهم الجنة، رغم أنها في غنى عنهم، وهم يعانون أنواع العذاب والأهوال، أعاذنا الله وإياكم منها… فيستجيب الله لها شفاعتها وحبها ورحمتها بالناس..
أقول: انك -أيها المؤمن- حينما تتعرف على عدم محدودية الرحمة الإلهية، وعلى أن الله قد خلق خلقه ليرحمهم، عليك والحال هذه، أن تسعى سعيك وتبذل كل جهدك لأن تعيش في بحبوحة الأمل وإذا ما أذنبت ذنباً ما فليس لك أن تقنط من رحمة الله، بل عليك أن تجر نفسك إلى جادة الأمل عبر التوبة والدعاء، لأن الله تبارك وتعالى يحب التوابين، كما يحب المتطهرين من ذنوب، ويحب أن يرى عبده داعياً إياه راجياً ثوابه..
فلتطلب من الله كل شيء، وكن في طلبك إلى الله متطلعاً إلى المزيد، لأن ذلك يمثل إيماناً منك بأن الله هو الرب الذي لا تنقصه كثرة العطاء خزائنه.. فهذا أفق واسع من آفاق الرحمة.
ثم لتتعلم من ربك ولتتخلق باخلاقه.. فترحم نفسك وجسمك أن يمسهما عذاب جهنم، مما يعني لزوم طرد الأحقاد والضغائن والعصبيات، حيث تجتهد في كسب الفضائل والكمالات الروحية والأخلاقية.
لقد كان من رحمة الله بنا أن خلقنا مسلمين، وخلق في قلوبنا الرحمة والحب لأولادنا أكثر من غيرنا من الأمم، وهنا مالا يحصى كثرة من الشواهد على تماسك الأسرة إذا ما عرفت رحمة ربها وتأكدت من معرفة كتاب الله وشخصية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله..
ثم إن هذه الرحمة من طبيعتها أن تأخذ بعداً آخر، وهو الرحمة بجميع الناس، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الناس أثنان ؛ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
فها هو الإسلام الذي حكم بصورة تامة معظم أرجاء العالم ولمدة خمسة قرون، أي منذ انتشاره على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى زمن الحروب الصليبية، ولكن التاريخ -على اختلاف كتابه- شاهد كبير على أن المسلمين لم يصنعوا القنبلة الذرية أو أبادوا البشرية بها، وكذلك لم يصنعوا الأسلحة الكيمياوية أو استخدموا المدافع لحرق الشعوب.. رغم أن عشرات الآلاف من الاكتشافات والاختراعات كانت من نصيب المسلمين.. لأن مبدأ الرحمة وآفاقها كانت تمنعهم عن ذلك.. بل لقد امتنع النبي صلى الله عليه وآله عن قطع مجرى الماء على حصون خيبر، وهو كان بأمس الحاجة إلى تعجيل القضاء على اليهود الممتنعين عليه في تلك الحصون، اليهود الذين نقضوا كل عهودهم التي أبرموها مع المسلمين، وراحوا يتعاونون مع مشركي قريش.. لأن رحمة النبي والقرآن كانت تمنعه من اتخاد هذا الأسلوب غير الإنساني وغير الرحيم..
هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حينما فتح الله حصون خيبر، على يد الإمام علي عليه السلام وغنم من اليهود ما غنم من كميات هائلة من الذهب، قد أمر بها لتوزع على فقراء مكة، رغم ما واجهته مكة وكفارها… حتى قيل إن النبي قد فتح قلوب أهل مكة قبل أن يفتح أرضها.
إن المسلمين -ولفرط ما أُشربت قلوبهم بالرحمة - يحرم عليهم استخدام السم حتى في حالة الحرب، علماً أنهم تطوروا في مختلف العلوم.
نعم؛ لقد ظهر العديد من الحكام الظلمة بين المسلمين فارتكبوا القبائح وتجاوزوا الحدود، ولكنهم لو قيسوا بحكام الغرب عبر التاريخ، لكان الفرق كبيراً، ولمالت كفة الظلم والقسوة لصالح الحكام الكفرة رغم شذود حكام المسلمين.. وهذا هو الإسلام الذي يترك أثره على طبيعة الحركة التاريخية والاجتماعية والإسلامية ..
إننا حينما ندعو إلى التمسك برحمة الله والدعاء لنيلها، نعرف أنها تتجلى دائماً وأبداً في رسول الله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام.
فنحن لا نبغي إلاّ الخير للعالم كله.. وحتى لو دخلنا الحرب، فإن حربنا تختلف عن حروب غيرنا.. فنحن لا ننشر الفساد ولا نقتل الأبرياء ولا نحرق الحرث والنسل، في وقت تجد الكافرين يقتلون الأطفال والنساء ويدمرون الأرض كما فعلوا في الحروب الصليبية. أو في المجزرة النووية في هيروشيما وناكازاكي اليابانييتين، رغم توقيع طوكيو على معاهدة انتهاء الحرب، باعتبار أن ديدنهم الحقد على البشرية والتصميم على إبادة أكبر كمية منهم.
ومهما يكن؛ فإن العودة إلى الآيات القرآنية الكريمة ترشدنا إلى أن سبحانه وتعالى قد خلق الخلق ليفيض عليهم من رحمته.. وهذا يعني بشكل مباشر أن هذه الحكومات الظالمة والحاقدة على البشرية، وهذه الجاهليات المستولية على الأرض محكومة بالفناء، وأن الله عز وجل سيمنّ على الشعوب مرة أخرى بمن يحقق لها العدل والرحمة والرخاء، بعد أن عانت ما عانت من الظلم والجور.
وهنا بالذات؛ أُوجه دعوتي الخالصة للمؤمنين والمؤمنات لأن يمعنوا النظر في قوله تعالى من سورة الأنبياء: )يَوْمَ نَطْوِي السَّمآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ( أي أن مثل الخليقة مثل الكتاب الذي ينبغي أن يقرأ من أوله إلى آخره، ثم قوله سبحانه: )وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ( وهذه الحقيقة يفهمها الذين أخلصوا لله عبادته )إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ(..
إن الأرض ستنتهي قيادتها إلى الأنبياء والصالحين من عباد الله، لأنه القائل: )وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( وهذه الرحمة من الحري أن تعم التاريخ البشري ولا سيما نهايته وآفاق قانون الوراثة الإلهية الذي أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة سلفاً…
إننا إذ نحتفي بذكرى مولد نبينا ورسولنا الأكرم وإمامنا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، نعلم مطلق العلم بأن نهاية المطاف سيطرد النور ظلام الجاهليات، حيث سينبلج الصباح، وسنجد أن الكرة الأرضية سترفل تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فنحن قد وعدنا بذلك، والذي وعدنا هو الله، وهو أصدق القائلين الذي لا يخلف وعده سبحانه وتعالى.. ولذلك تجدنا مطمئنين في مسيرتنا وحركتنا، ومتمسكين بطريقتنا.. لا نخدع ولا نركع ولا نخضع ولا نستسلم.. متوكلين على ربنا الرحيم دائماً وأبداً، وكلنا يقين بأن العاقبة للمتقين.
نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد، وأن يجعلنا ضيوفاً على مائدة رحمته التي وسعت كل شيء، وأن يرزقنا شفاعة النبي وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
منقول
أختكم : الذهب المصفى
)يَوْمَ نَطْوِي السَّمآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( (الانبياءِ/104-107)
أرأيت كيف تنبسط رحمة الله من خلال بذرةٍ صغيرةٍ تزرع؛ فإذا بها دوحة وارفة الظلال كثيرة الثمار تمنح الناس بركاتها؟
وهل رأيت كيف أن الفجر يبدأ خيطاً رفيعاً في الأفق؛ فلا يزال يتماوج ويتنامى ويتسع حتى يتنفّس عن صبح بهيج؟
وهل رأيت كيف أن الله تبارك اسمه قد خزن نوره وأودعه في الشمس، فأصبحت لاهبة تضيء المنظومة فينتشر الدفء والحياة… كذلك سنة الله في العالمين.
إن رحمة الله تبدأ من نقطة مركزية ثم تنتشر وتتنامى حتى تصل إلى حيث يعجز الخيال البشري عن تصوره… وكذلك خلق الله سبحانه وتعالى جميع الكائنات.
وكان أول ما خلق نور نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، رغم أننا لا نعلم علم اليقين أين كان هذا النور وكم كان وهجه وكم اختزن في داخله من الرحمة الإلهية، إذ استحيل على عقل ابن آدم المحدود أن يستوعب مثل هذه الحقيقة الكبرى.. ولكننا نعلم من جهة أُخرى أننا لو امتطينا سفينة فضائية تنطلق بسرعة النور، وطال سفرنا مليارات السنين الضوئية، لما وصلنا إلى نهاية الكون التي لا يعرف أين هي وما هي.. ولكننا نعرف أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قال: )وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِاَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ( (الذاريات/47) وهذا التوسع نغيب عنه قدرة التصور وأرقام الكامپيوترات.. نظراً إلى أن أقل التقديرات تشير إلى وجود خمسمائة مليار مجرة، ولا تعني المنظومة الشمسية سوى ذرة صغيرة في هذا المحيط المتلاطم..
لقد وقفت طويلاً ومعي طوابير من المفكرين والحكماء والملمين وكبار كبار الناس؛ وقفنا جميعاً لعلنا نغترف غرفةً من الحقيقة، إلا أن الأكف قد ارتدت إزاء حقيقة الكائنات من حولنا، بل بإزاء حقيقة من أنا ومن أنت… وحقيقة السماء والأرض، وطبيعة وسر العلاقة بين الكائنات وبين ربها.. ولكنني ببركة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد لمست بصيصاً من نور وومضة من ضياء وموجة من الحقيقة، وذلك حينما تجلت لدي نقطةٌ؛ هي المبدأ في كتاب ربنا سبحانه وتعال، وأعني بها نقطة الباء من البسملة الشريفة..
إنها نقطة باء بسم الله الرحمن الرحيم التي تربط بين الحادث والقديم، أي بين الذي كان عدماً وبين الأزلي.. فالله عز وجل قد سبق وجوده العدم، وكان حيث لا مخلوق وحيث لا معلوم وحيث لا عرش ولا كرسي ولا سماء ولا أرض..
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات بالرحمة، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ولم يقل: بسم الله المنتقم الجبار، رغم أن هذه الأسماء كلها أسماء حسنى وشريفة، ولكن الاسم الذي ابتدأ به الله خلقه خلقه هو اسم الرحمة الربانية التي وسعت كل شيء، فكانت الشمس تجري لمستقر لها برحمة الله، وكانت الريح تنشر السحب فيحيي الله الأرض بعد موتها برحمة الله، وها نحن الأحياء نعيش ونتنفس برحمة الله.
أما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد خاطبه الله سبحانه وتعالى بالقول الكريم: )وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( وكان هو قد قال عن نفسه المقدسة: (إنما انا رحمة مهداة) ودليل هذه الرحمة أن المرء يزداد حبّاً وتعلقاً بنبيه وبكتاب ربه كلما ازداد معرفة بهما، حتى لا يفتأ يطلب من الرحمة والقرب من النبي صلى الله عليه وآله، لأنه قد عرف أن رحمة الله لا تحدها الحدود، ولأن نبيه هو نبي الرحمة.
وإذا أردت -أيّها الأخ المؤمن- سبر غور هذه الحقيقة، فإليك الرواية الموثقة القائلة بأن الناس حينما يأمر بفريق منهم إلى الجنة، وآخرين إلى النار، وتفرغ ساحة المحشر والحساب، تقف سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام في تلك الساحة مستمرة في طلب الشفاعة بإخراج بعض الناس من عذاب جهنم وإدخالهم الجنة، رغم أنها في غنى عنهم، وهم يعانون أنواع العذاب والأهوال، أعاذنا الله وإياكم منها… فيستجيب الله لها شفاعتها وحبها ورحمتها بالناس..
أقول: انك -أيها المؤمن- حينما تتعرف على عدم محدودية الرحمة الإلهية، وعلى أن الله قد خلق خلقه ليرحمهم، عليك والحال هذه، أن تسعى سعيك وتبذل كل جهدك لأن تعيش في بحبوحة الأمل وإذا ما أذنبت ذنباً ما فليس لك أن تقنط من رحمة الله، بل عليك أن تجر نفسك إلى جادة الأمل عبر التوبة والدعاء، لأن الله تبارك وتعالى يحب التوابين، كما يحب المتطهرين من ذنوب، ويحب أن يرى عبده داعياً إياه راجياً ثوابه..
فلتطلب من الله كل شيء، وكن في طلبك إلى الله متطلعاً إلى المزيد، لأن ذلك يمثل إيماناً منك بأن الله هو الرب الذي لا تنقصه كثرة العطاء خزائنه.. فهذا أفق واسع من آفاق الرحمة.
ثم لتتعلم من ربك ولتتخلق باخلاقه.. فترحم نفسك وجسمك أن يمسهما عذاب جهنم، مما يعني لزوم طرد الأحقاد والضغائن والعصبيات، حيث تجتهد في كسب الفضائل والكمالات الروحية والأخلاقية.
لقد كان من رحمة الله بنا أن خلقنا مسلمين، وخلق في قلوبنا الرحمة والحب لأولادنا أكثر من غيرنا من الأمم، وهنا مالا يحصى كثرة من الشواهد على تماسك الأسرة إذا ما عرفت رحمة ربها وتأكدت من معرفة كتاب الله وشخصية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله..
ثم إن هذه الرحمة من طبيعتها أن تأخذ بعداً آخر، وهو الرحمة بجميع الناس، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الناس أثنان ؛ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
فها هو الإسلام الذي حكم بصورة تامة معظم أرجاء العالم ولمدة خمسة قرون، أي منذ انتشاره على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى زمن الحروب الصليبية، ولكن التاريخ -على اختلاف كتابه- شاهد كبير على أن المسلمين لم يصنعوا القنبلة الذرية أو أبادوا البشرية بها، وكذلك لم يصنعوا الأسلحة الكيمياوية أو استخدموا المدافع لحرق الشعوب.. رغم أن عشرات الآلاف من الاكتشافات والاختراعات كانت من نصيب المسلمين.. لأن مبدأ الرحمة وآفاقها كانت تمنعهم عن ذلك.. بل لقد امتنع النبي صلى الله عليه وآله عن قطع مجرى الماء على حصون خيبر، وهو كان بأمس الحاجة إلى تعجيل القضاء على اليهود الممتنعين عليه في تلك الحصون، اليهود الذين نقضوا كل عهودهم التي أبرموها مع المسلمين، وراحوا يتعاونون مع مشركي قريش.. لأن رحمة النبي والقرآن كانت تمنعه من اتخاد هذا الأسلوب غير الإنساني وغير الرحيم..
هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حينما فتح الله حصون خيبر، على يد الإمام علي عليه السلام وغنم من اليهود ما غنم من كميات هائلة من الذهب، قد أمر بها لتوزع على فقراء مكة، رغم ما واجهته مكة وكفارها… حتى قيل إن النبي قد فتح قلوب أهل مكة قبل أن يفتح أرضها.
إن المسلمين -ولفرط ما أُشربت قلوبهم بالرحمة - يحرم عليهم استخدام السم حتى في حالة الحرب، علماً أنهم تطوروا في مختلف العلوم.
نعم؛ لقد ظهر العديد من الحكام الظلمة بين المسلمين فارتكبوا القبائح وتجاوزوا الحدود، ولكنهم لو قيسوا بحكام الغرب عبر التاريخ، لكان الفرق كبيراً، ولمالت كفة الظلم والقسوة لصالح الحكام الكفرة رغم شذود حكام المسلمين.. وهذا هو الإسلام الذي يترك أثره على طبيعة الحركة التاريخية والاجتماعية والإسلامية ..
إننا حينما ندعو إلى التمسك برحمة الله والدعاء لنيلها، نعرف أنها تتجلى دائماً وأبداً في رسول الله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام.
فنحن لا نبغي إلاّ الخير للعالم كله.. وحتى لو دخلنا الحرب، فإن حربنا تختلف عن حروب غيرنا.. فنحن لا ننشر الفساد ولا نقتل الأبرياء ولا نحرق الحرث والنسل، في وقت تجد الكافرين يقتلون الأطفال والنساء ويدمرون الأرض كما فعلوا في الحروب الصليبية. أو في المجزرة النووية في هيروشيما وناكازاكي اليابانييتين، رغم توقيع طوكيو على معاهدة انتهاء الحرب، باعتبار أن ديدنهم الحقد على البشرية والتصميم على إبادة أكبر كمية منهم.
ومهما يكن؛ فإن العودة إلى الآيات القرآنية الكريمة ترشدنا إلى أن سبحانه وتعالى قد خلق الخلق ليفيض عليهم من رحمته.. وهذا يعني بشكل مباشر أن هذه الحكومات الظالمة والحاقدة على البشرية، وهذه الجاهليات المستولية على الأرض محكومة بالفناء، وأن الله عز وجل سيمنّ على الشعوب مرة أخرى بمن يحقق لها العدل والرحمة والرخاء، بعد أن عانت ما عانت من الظلم والجور.
وهنا بالذات؛ أُوجه دعوتي الخالصة للمؤمنين والمؤمنات لأن يمعنوا النظر في قوله تعالى من سورة الأنبياء: )يَوْمَ نَطْوِي السَّمآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ( أي أن مثل الخليقة مثل الكتاب الذي ينبغي أن يقرأ من أوله إلى آخره، ثم قوله سبحانه: )وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ( وهذه الحقيقة يفهمها الذين أخلصوا لله عبادته )إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ(..
إن الأرض ستنتهي قيادتها إلى الأنبياء والصالحين من عباد الله، لأنه القائل: )وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( وهذه الرحمة من الحري أن تعم التاريخ البشري ولا سيما نهايته وآفاق قانون الوراثة الإلهية الذي أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة سلفاً…
إننا إذ نحتفي بذكرى مولد نبينا ورسولنا الأكرم وإمامنا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، نعلم مطلق العلم بأن نهاية المطاف سيطرد النور ظلام الجاهليات، حيث سينبلج الصباح، وسنجد أن الكرة الأرضية سترفل تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فنحن قد وعدنا بذلك، والذي وعدنا هو الله، وهو أصدق القائلين الذي لا يخلف وعده سبحانه وتعالى.. ولذلك تجدنا مطمئنين في مسيرتنا وحركتنا، ومتمسكين بطريقتنا.. لا نخدع ولا نركع ولا نخضع ولا نستسلم.. متوكلين على ربنا الرحيم دائماً وأبداً، وكلنا يقين بأن العاقبة للمتقين.
نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد، وأن يجعلنا ضيوفاً على مائدة رحمته التي وسعت كل شيء، وأن يرزقنا شفاعة النبي وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
منقول
أختكم : الذهب المصفى
تعليق