السلسلة الذهبية في المسيرة المهدوية
الحلقة (4)
الإمام المهدي
بين الطف والغري
تقديم
سماحة ولي أمر المسلمين آية الله العظمى
السيد محمود الحسني
(دام ظله الوارف)
تأليف
أبو الحسين
مقدمة السيد الحسني(دام ظله):-
بسم الله الرحمن الرحيم
أين أبن النبي المصطفى ، وأبن علي المرتضى ، وأبن خديجة الغراء ، وأبن فاطمة الزهراء الكبرى ، بأبي أنت و أمي ونفسي لك الوقاء والحمى ، يا ابن السادة المقربين ، يا ابن النجباء الأكرمين ، يا ابن الهداة المهديين ، يا ابن الخيرة المهذبين ، يا ابن الغطارفة الأنجبين ، يا ابن الأطائب المطهرين ، يا ابن الخضارمة المنتجبين ، يا ابن الشُهب الثاقبة ، يا ابن الأنجم الزاهرة ، يا ابن السُبل الواضحة ، يا ابن الأعلام اللائحة ، يا ابن العلوم الكاملة ، يا ابن السنن المشهورة ، يا ابن المعالم المأثـورة ، يا ابن المعجزات الموجودة ، يا ابن الدلائـل المشهودة ، يا ابن الصـراط المستقيم ، يا ابن النبأ العظيم 0000000000000000000 ،
وبعد
يكون الكلام في عدة نقاط
النقطة الأولى:-
الولاء والشوق واللوعــة
إن هذا البحث الجيد الممتع الذي تفضل به جناب الأخ المؤمن ( أبو الحسين ) يعبر عن شوقه ولوعته وحرقة قلبه على سيدنا ومولانا وأملنا وهدفنا الحجة بن الحسن(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) ويعبر عن الشعور بالمسؤولية الحقيقية وعيش القضية المهدوية والتفاعل معها فكراً وعاطفة وعملاً وفقه الله تعالى لما فيه الخير والصلاح في نصرة إمامه وإمامنا المنتظر(u) ونسال الله تعالى أن يُثبتنا جميعاً على الحق ونصرة الحق وجعلنا ممن يعيش في ظل دولة الحق والعدل الإلهي المقدس .
النقطة الثانية:-
السلسلة الذهبية ووجوب القراءة
إن هذا البحث يمثل الحلقة ( 4 ) من حلقات السلسلة الذهبية في المسيرة المهدوية والتي أوجبنا قراءتها واخذ العظة والعبرة منها للسير في طريق التكامل الفكري والروحي والأخلاقي للوصول الى الاستعداد التام لنصرة الإمام(u) وحصول القرب من الملك الجبار الواحد القهار .
النقطة الثالثة:-
أطروحة ومؤيدات
ما سُجل في البحث من احتمالية ظهور الإمام(u) بين كربلاء والنجف بتأويل معنى الركن والمقام الوارد في الروايات يمكن قبوله على نحو الأطروحة والاحتمال ، وربما يُضاف بعض المؤيدات الى ما طرحه الباحث من مؤيدات لهذه الأطروحة منها :
( 1 ) ما ورد عن المعصومين(u) عن جدهم المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنهم(عليهم السلام) الحج والكعبة والقبلة والبلد الحرام ونحوها والتي تتضمن معنى الركن والمقام ، ومن تلك الموارد :
عن الإمام الصادق(u) : { نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل ، ونحن الزكاة ، ونحن الصيام ، 0000000 ونحن الحج ، ونحن الشهر الحرام ، ونحن البلد الحرام ، ونحن كعبة الله ، ونحن قبلة الله ، ونحن وجه الله ، قال تعالى (( فأينما تولوا وجوهكم ، فثم وجه الله )) ، ونحن الآيات والبينات 00000000000 }
( 2 ) ما ورد عن أهل البيت(عليهم السلام) إن أول من يرجع في آخر الزمان هو الإمام الحسين(u) ومعه أصحابه ، ثم أمير المؤمنين(u) ، وسيأتي ذكر ما يشير لهذا المعنى ، وفي هذا أشارة الى احتمالية كون الظهور في هذه الأماكن الخاصة المشرفة المقدسة والتي تتضمن الموالين والأنصار.
( 3 ) الإشارة الواردة في الروايات الى السهلة وكونها عاصمة دولة العدل الإلهي ، والى إن عمران قصور وبيوت الكوفة والنجف سيتصل بعمران كربلاء وفي هذا إشارة الى وجود الأنصار ممن يحتضن مركز الحكم والقيادة فتأتي احتمالية كون الظهور في مثل هذا المكان .
( 4 ) ما ورد عن المعصومين(u) إن الإمام القائم(u) ينادي بشعار [ يا لثارات الحسين ]
وفي هذا احتمالية أن يكون المناسب لصاحب هذا النداء(u) الظهور قرب كربلاء وغير هذا العديد من المؤيدات خاصة ما ذكره الباحث خلال البحث فعليك متابعة ما موجود في هذا البحث .
النقطة الرابعة:-
العراقيون وحركة التمهيد
إن الأطروحة المذكورة ومؤيداتها يمكن مناقشتها من وجوه لا يُناسب المقام طرحها لكن المهم هنا ذكر الملاك أو الغرض الذي أراد الباحث المؤمن تحقيقه المتمثل في إبراز الدور القيادي للعراقيين في تأسيس دولة العدل الإلهي ومثل هذا الدور يلزم المكلف عموماً والعراقي خصوصاً ويحمله المسؤولية الشرعية والأخلاقية والروحية والعاطفية ، والوصول الى مرحلة الاستعداد التام لتقبل اطروحة الإمام(u) وتهيئة العدد المناسب من الأنصار للتعجيل في الظهور المقدس أو تحقيقه ، فيكون المكلف العراقي جُندياً مُلتزماً مُخلصاً مُضحياً مُتمثلاً لأوامر سيده ومولاه(u) لا تأخذه في الله لومة لائم ، لا يهاب الموت إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه ، يستأنس بالموت كما يستأنس الطفل بثدي أُمه ،
وأود أن الفت الجميع الى انه ستصدر حلقة لاحقة إن شاء الله تعالى فيها بحث مستقل واطروحة مناسبة لتحقيق الغرض أو الملاك المرجو في هذا البحث .
النقطة الخامسة :-
أيها العراقـي
أيها العراقي المؤمن المخلص اعرف نفسك وقدرك ودورك وانتفض لكرامتك وعراقيتك ودورك القيادي لنصرة إمامك المعصوم(u) ، فكن مؤمناً قوياً عزيزاً في ذات الله تعالى فان العزة لله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) وللمؤمنين ، وأوصيك ونفسي بالجهاد الأكبر وهو جهاد النفس بتربيتها على الطاعة والتقوى وتعميق الإيمان والتحلي بأخلاق المعصومين(عليهم السلام) والتخلي عن رذائل الأخلاق وعن متابعة الهوى والشيطان والتنزه عن حب الدنيا والترف وعن عبادة الأصنام والأوثان من الرجال والأموال ولكي تكون الصورة واضحة والمسؤولية تامة ولمعرفة التقييم الموضوعي الصحيح للنفس وللغير من الأصحاب المؤمنين الموالين ومن الأعداء المنافقين الكافرين ، فعليك متابعة ما موجود في هذا البحث وما طُرح من بحوث في السلسلة الذهبية .
والحمد لله رب العالمين
والعاقبة للمتقين
محمود الحسني
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على سيد المرسلين وآله الطيبين الطـاهرين
مـدخـل
لقد تسالم جميع العلماء والمفكرين والمحدثين المهتمين بقضية إقامة دولة العدل الإلهي دولة المهدي(روحي لمقدمه الفداء) على إن المكان الذي سيشهد حوادث الظهور الأولى سيكون مكة المكرمة والمدينة وقد استفاضت الأحاديث في هذا الأمر وأصبح الاعتقاد به من اليقينيات لدى عامة المسلمين لما حملته أحاديث الرسول( صلوات الله عليه وعلى آله) من مصاديق ودلالات ثابتة لا تقبل النقاش أو الرد فأصبحت الأبصار والقلوب شاخصة الى ذلك الحرم المقدس الكعبة المشرفة والى تلك البقعة المباركة تنتظر ظهور الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة والشمس الباهرة والعلم الهادي المهدي لإقامة دولة العدل الإلهي وتطبيق الاطروحة العادلة الشاملة الكاملة في كل شبر من المعمورة .
وفي الحقيقة فان الأسباب الداعية لاختيار هذا المكان وأهميته كثيرة ولكننا سنوجز بعضها وبقدر ما يتوصل إليه العقل القاصر المتدني 000 وهي :
( 1 ) ما يحمله هذا المكان (مكة) من قدسية واحترام بالغ لارتباط اثاره بمسيرة الأنبياء والرسل منذ أبينا آدم(u) وحتى رسول الهدى وخاتم النبيين(صلى الله عليه وآله وسلم) ارتباطاً وثيقاً .
( 2 ) انه يمثل قبلة المسلمين وبيت الله العتيق الذي يتوجه إليه المسلمون في صلاتهم وعباداتهم .
( 3 ) انه المكان المقدس الذي تتم فيه مراسم الشعيرة المقدسة (الحج) الذي هو فرع من فروع الدين وأداءها أي الفريضة فرض واجب .
( 4 ) المكان الذي يجتمع فيه المسلمون والذي يفترض أن يكون عنصراً من عناصر وحدة المسلمين و أئتلاف كلمتهم والمنبر الإلهي القدسي الذي من خلاله تتم دعوة الناس الى الحق والى عبادة الله ونصرة دينه ،
فلا عجب أن تكون هذه البقعة محل اهتمام الله سُبحانه بها واهتمام الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) .
كذلك لا يخفى على اللبيب إن المدينة المنورة كانت لها الأهمية العظمى في نشر تعاليم الإسلام وتثبيت أركانه وهي البؤرة القدسية المضيئة التي انتشر منها نور الإسلام أصقاع العالم كافة وهي في نفس الوقت المثوى الطاهر لجسد سيد الخلق وأشرفهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك نرى إن هاتين القريتين كانتا المحطتين الرئيسيتين لجميع الحوادث التي تعلقت بوجود الإسلام والصراعات التي دارت في حياة الرسول وبعدها بين الحق والباطل وبين النور والظلام ورغم إن دائرة الصراع انتقلت بعد الصدر الأول من الإسلام الى دوائر آخرى سواء في العراق أو خراسان أو الشام لكن ظلت هاتان البقعتان (مكة والمدينة) يُنظر اليهما بعين الهيبة والقدسية والاحترام من لدن عامة المسلمين . ولا عجب عندما يصرح الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله بأهميتهما وان الشرارة الأولى للثورة المهدوية ستنقدح من هاتين البقعتين لمواجهة السفياني وأشباهه من الطواغيت على يد القائد المؤمل والعلم المنصوب(روحي له الفداء) لإقامة دولة العدل الإلهي .
المهدي (عليه السلام)
بين الطف و الغري
ولو نظرنا الى هذه الاطروحة اعني الظهور الأول للإمام(عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف) في مكة نجدها تامة وكاملة وان الراد عليها راد على الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) وحاشا لله ولرسوله (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )00000
ولكننا بشيء من التسامح الذي نرجوه من الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) يمكن ان ننظر الى هذه الاطروحة من الوجه الآخر لها إذا صدق أن لها وجهاً آخر وهذا الوجه من الاطروحة النبوية غير متداول بين المسلمين بل يختلف عما تسالم عليه المسلمون والوجه الجديد للاطروحة النبوية هو إن الذي عناه الرسول من مكة هو (كربلاء) والذي عناه من المدينة هو (النجف الأشرف) وسنحاول أن نذكر بعض الاحتمالات التي تدعم هذه الاطروحة اقصد الوجه الثاني لإطروحة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
الاطروحة الجديدة وعدم التصريح
وقبل كل هذا وذاك قد يخطر في الذهن سؤال هو:
لماذا لم يصرح الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)
بذلك الأمر صراحة ؟
وما الحاجة الى هذه التورية ؟
والجواب يقع في مستويات نكتفي بذكر اثنين منها:
الأول:- تقية الأعداء
إن معظم الأحاديث التي تناولت موضوع الإمام المهدي(u) كانت تحمل طابع الرمز أو المجاز ذلك لأن القضية محاطة بأحداثها ومجرياتها بمكامن الخطر الذي يتهدد الإمام(u) نفسه والقضية برمتها ، هذا إذا عرفنا إن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرى المستقبل بعين الحاضر ويرى إن الدهر سيظهر في مستقبله قوى معادية للإسلام ولقضيته الكبرى ،
(ثورة المهدي)هذه القوى تمتلك إمكانات تدميرية ووسائل تجسسية متطورة ، ويكفينا دلالة إن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين(عليهم السلام) نفوا التوقيت لهذا الأمر ووصفوه كالساعة لا تأتي إلا بغتة ليكون عنصر المفاجأة أشد وقعاً على الأعداء واكبر انتصاراً ،
أما الحديث الصريح عن هذه القضية ومجريات أحداثها فلا يخدم القضية بل سيكون عنصراً فعالاً بيد الأعداء للقضاء على الثورة المهدوية في مهدها.
الثاني:- مراعاة المستوى الذهني
إن الرسول كان يحدث الناس على قدر عقولهم بل واستحقاقاتهم إذ كان من الصعب عليهم أن يُحدثهم بمعالم غيب الله وانه ستكون هناك مرتبتان في العراق يستقر بهما الجسدين الطاهرين جسد وصيه المرتضى وجسد سبطه المُنتجب(عليهما أفضل الصلاة والسلام) وان هاتين البقعتين أعني (كربلاء والنجف) ستكونان مهوى لقلوب شيعة علي(u) وان لهما من الشرف والرفعة ما لا أُذن سمعت ولا رأت عين ، هذا إذا عرفنا إن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان خبيراً بمجتمعه هذا المجتمع الذي لا زالت بقايا الجاهلية عالقة في قلبه وروح الجسد والعصبية الجاهلية لا زالت تجري في دمائه برغم التحول النوعي الكبير الذي أحدثه الإسلام 000 هذا المجتمع الذي ينظر الى منزلة النبوة على إنها ملك وان آل هاشم إنما يريدون حصر هذا الملك بينهم وما حادثة الغدير والتجديد الذي نزل به الذكر الحكيم في ضرورة التبليغ بولاية علي بن أبي طالب(u) وان الله سبحانه سيعصم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من الناس خير دليل على عدم قناعة البعض من المسلمين بهذا الأمر ولكن التجديد الإلهي ( وإلا ما بلغت رسالته) دفع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الى الاعلان عن هذا الفتح العظيم وإتمام النعمة على المسلمين اصبح لدينا الأن واضحاً من أن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن بقادر على أن يُخبر جميع المسلمين بهذه الأمور الغيبية و لربما خص بذلك بعض المقربين منه .
بين مكة والمدينة
بعد أن تعرفنا على تلك الاطروحة الجديدة المتواضعة سنحاول في هذا المقام تأييدها وزيادة قيمتها الاحتمالية بعدة طرق منها مناقشة الاطروحة الآخرى التي صرح بها الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أشار بها الى مكان الظهور ( مكة والمدينة ) وسنوجز الكلام في جهات والله ولي التوفيق:
الجـهة الأولى:-
التمحيص
إن التمحيص الإلهي الضروري لإيجاد اليوم الموعود لا يكون إلا على الحق والتجارب والمحن ولا ينطلق إلا من طاعته والإخلاص له :
أما المذهب أو المذاهب التي تكون في واقعها بعيدة عن الإسلام فالتربية على أساسها والتدريب على طاعتها تدريب على الباطل وان اتخذ صيغة الإسلام (انظر تاريخ ما بعد الظهور ص38 ـ 39 )
الناطقة بالحق
والساكتة عنه
أقول :
كذلك فان التمحيص الإلهي لإيجاد اليوم الموعود سيكون على تلك الفئة داخل المذهب الواحد هذه الفئة المحقة والناطقة بالحق الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر والتي لم تتخذ التقية غطاءاً وراء عزلتها وسلبيتها المحرمة ، فالتربية المهدوية لا تقوم على الساكتين عن الحق بل على الناطقين بالحق وما جند الإمام(u) إلا أولئك الناطقين بالحق و مريدوهم و مؤيدوهم .
لقد تسالمت مذاهب المسلمين على اختلافها في إن الحق منحصر في مذهب واحد على الأجمال وان المذاهب الآخرى الإسلامية بعيدة عن واقع الإسلام بقليل أو كثير غاية الأمران المذهب يدعي هذه المزية لنفسه . فإذا كانت المذاهب جميعاً سوى واحداً في ضلالة فكيف يجري التمحيص بدون مسوغ ؟
ونقول أيضاً إذا كان الانحراف موجود داخل المذهب الواحد بمعنى الابتعاد داخل المذهب الواحد عن مقاصد الإمام(u) ومراميه ورسالته فكيف يمكن أن يجري الانتخاب والتمحيص على مثل هؤلاء وجوابه:
إن الانتخابات والتمحيص يجري على تلك الفئة من أبناء المذهب التي تقول بمنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة الطواغيت أينما كانوا .
جند الإمام(عليه السلام)
وهنا يبرز لدينا سؤال آخر:
هل يمكن أن نتصور إن الإمام(u) يظهر وسط أعدائه بل الذين لا يقولون بمنهجه ؟ ؟
الجواب : إذا اخذ الفرد مفهوم القيادة المهدوية في ذهنه في حال غيابه ، أي الإشراف غير المباشر على تربية المؤمنين فانه سوف ينعكس على سلوكه بكل وضوح وسيتجه الى التضحية اكثر من الفرد الخالي من هذه الفكرة وبطبيعة الحال ذلك لأقتران مفهوم القيادة المهدوية في ذهنه من خلال:
1 / كونه جُندياً مأموراً و مُوجهاً بالفعل للعمل في سبيل الله وإطاعة أحكامه وان أوامر قائده المهدي موجودة ومتوفرة لديه متمثله بالأحكام الشرعية .
2 / كونه مسؤولاً ومحاسباً أمام هذا القائد ولو بشكل غير مباشر .
3 / الشعور بمظلومية هذا القائد حال غيبته وبمظلومية البشرية البائسة التي أوجبت لها غيبة إمامها ومرورها بعصور الظلم والانحراف .
4 / الشعور بانتظار هذا القائد واحتمال ظهوره وقيامه بدولة الحق في أي لحظة من الزمن وتعميق أخلاص الفرد وإيمانه وتضحيته في سبيل دينه .
الحجاز والأنصار
مما تقدم نصل الى عدة نتائج منها :
خلو مكة من العدد الكافي للنصرة والتأييد المطلقين للإمام إذا أخذنا في نظر الاعتبار إن الحجاز كانت ومازالت تناصب آل البيت(u) وشيعتهم العداء الواضح ورغم احتمال التحاق الصف الأول (الثلاث مائة وثلاثة عشر) بالإمام من خلال السبل الطبيعية التي ذكرها السيد(قدس سره) (جوازات السفر التي يحملونها ومكوثهم بعد فريضة الحج ريثما يظهر الإمام في عاشوراء) لكن المشكلة تبقى قائمة أمام العشرة الآف المُمحصين هذا إلا إذا قلنا إن الأحساء و القطيف مواطن الشيعة في الحجاز ستمده بذلك العدد المُمحص وهذا الاحتمال مستبعد لأمور كثيرة لا نُريد ذكرها في المقام أبرزها انه من المستقبح إن تقتصر النصرة على مكان معين وشريحة اجتماعية واحدة في ذلك المكان (خاصة وإنها تمثل الشريحة الأضعف في الحجاز عدة وعدداً) دون العالم الإسلامي (حاشا لله) ولذلك فان ظهوره(عجل الله تعالى فرجه) بين من يعتقدون ويؤمنون بعقيدته و بمظلوميته اقصد بصورة رئيسية العراقيين يكون راجحاً حتى إذا اعتبرنا ذلك المجتمع منحرفاً نوعاً ما ولكن سرعان ما ينكشف له وبعد وقت قليل إن هذا الذي يحمل العنوان الثانوي هو ( القائد المنتظر لليوم الموعود) .
الجهة الثانية:-
مشكلة العشرة آلاف
لقد اختلفت الأخبار في ذكر عدد أفراد القاعدة الشعبية التي ستشكل الدعامة الأولى لجنده المليوني والذين بهم سيغزو العالم ، فبعض الأخبار ذكرت إنهم خمسة عشر ألف والأخرى قالت إنهم اثنتا عشر ألف وثالثة قالت انهم عشرة الآف وهذا الرقم الأخير رجحه السيد(قدس سره) في موسوعته عن الإمام المهدي(u) ، قلنا إن مشكلة القادة أو الحكام الثلاث مائة وثلاثة عشر يمكن تذليلها في إطار البحث النظري في عملية الالتحاق بالإمام(u) ونصرته في الكعبة الشريفة سواء منهم الطائرون فوق السحاب (المسافرون جواً) والذين تطوى لهم الأرض (المسافرون براً ) ولكن مشكلة العشرة آلاف ستبقى بدون حل ولا يمكن تذليلها إلا إذا طرحنا الاحتمالات التالية :
الاحتمال الأول/ ضعف الحكم في الحجاز
ضعف حكومة الحجاز وغياب دواعي الأمن الداخلي والرقابة على الحدود بحيث يمكن لهؤلاء العشرة آلاف التسلل عبر الحدود للالتحاق بالإمام(u) وهذا الاحتمال فيه نقطة قوة وهي :
إن الكثير من الحكومات والدول التي تسير في ركاب الغرب الأوربي والاستعمار العالمي وتكون صنيعة له تنتابها بين فترة وأخرى حالات من التدهور السياسي والاقتصادي والضعف في أحكامها والضعف في السيطرة على البلاد وهذا الأمر ملحوظ في كثير بل معظم بلدان العالم الثالث والسبب في حقيقة الأمر يعود الى تبعيتها للأنظمة الإستكبارية في العالم وتخليها عن شعوبها وعدالة قضاياها ومصائرها ، ولكن نقطة القوة هذه لا تصمد في هذا الاحتمال إذا أخذنا في نظر الاعتبار إن بلاد الحجاز بلاد نفطية وتمتلك ثروات معدنية كثيرة وهي ذات موقع ستراتيجي ويمكن أن تكون قاعدة عسكرية لضرب أي توجهات في المنطقة تتقاطع مع مصالح الأنظمة الإستكبارية كأميركا وأوربا وان من مصلحة أميركا وأوربا ابقاءها تحت سيطرتها وعدم السماح بأي ضعف أو انحلال في هيكلية سياساتها الداخلية والخارجية فهي واجهة الأميركان والأوربيين في المنطقة والصورة الكاذبة للأسلام والمسلمين وعليه فان مصلحة الاستعمار العالمي تقتضي إبعاد كل ما من شأنه أن يهز أو يزعزع العرش النفطي السعودي أو يعبث بنظامه من بعيد أو قريب وهذا الأمر ملحوظ منذ مجيء الزمرة السعودية الى الحكم وعليه يمكن استبعاد هذا الاحتمال .
الاحتمال الثاني التشيُع في الحجاز
حصول تغيير في المجتمع الحجازي نحو منهج آل البيت(عليهم السلام) بمعنى حدوث انقلاب تدريجي نتيجة تأثير المد الشيعي في الأحساء و القطيف أو انقلاب مفاجئ في المجتمع الحجازي والانتهاج بمنهج آل البيت(عليهم السلام) وموالاتهم ونصرتهم.
وهذا الأحتمال ضعيف للأسباب التالية :
1 / عدم وجود مقدمات ملموسة بهذا الاتجاه في العصر الراهن على اقل تقدير ، بل العكس هو الحاصل حيث نرى المجتمعات الشيعية في القطيف والأحساء تتعرض للاضطهاد والأستصغار والتنكيل وان المذهب الشيعي يُلاقي الازدراء والاحتقار والتكفير من قبل المجتمع الحجازي والحكومة هناك ، والأنكى من ذلك إن ملوك النفط يعملون بشكل مُعلن وغير مُعلن على قمع المجتمعات الشيعية في بلدان اخرى والتنكيل بهم من خلال الحركات والأحزاب الوهابية مثلما حصل في أفغانستان وباكستان وغيرهما من البلدان .
2 / وجود التعصب الديني والقبلي في المجتمع الحجازي وانتهاجهم للمذهب الوهابي المعروف بعدائه للأسلام والمسلمين.
3 / أما الانقلاب المُفاجيء فغير ممكن طبعاً لأنعدام مبرراته الموضوعية في المجتمع الحجازي وهو افتراض نظري يتقاطع مع واقع المجتمع الحجازي ومؤسساته في الظاهر
هذه أهم الأسباب التي تدعونا لنقض هذا الاحتمال الذي يشير الى كون مكان الظهور (مكة والمدينة).
بين النجف وكربلاء
وعلى العكس من ذلك لو اعتبرنا إن مكة التي يقصدها الحديث النبوي كربلاء ، وان المدينة المنورة هي النجف الأشرف سنجد إن الآفاق رحبة لاستقبال هذه الاطروحة ورجحانها .
وذلك :
أولاً:- العراق يعتبر القاعدة الشعبية المثلى لاستقبال الإمام(u) ونصرته فمن المعروف إن العراق كان وما يزال مركزاً للتشيُع وبؤرة الشيعة الوثابة برغم الانحرافات التي تصيب هــذا المجتمع ، ومثل هذا العدد العشرة الآف يمكن توفره في هذا البلد .
ثانياً:-إن كربلاء والنجف تعتبران قبلة الزوار الشيعة سواء كانوا أعاجم أم غيرهم من الإيرانيين والباكستانيين واللبنانيين واليمنيين ومن كل أصقاع العالم ،
وان زيارة الأضرحة الطاهرة في هاتين المدينتين جارية وباستمرار لا سيما في شهر عاشوراء ولذلك فان احتمال مشاركة شرائح مختلفة من الطائفة الشيعية ومن بلدان متفرقة أمر وارد واحتماله قوي جداً وان حصول الإمام على العشرة الآف لنصرته فضلاً عن القادة والحكام الثلاث مئة وثلاثة عشر نعده من المسلمات هذا إذا اكتملت الشروط التي تنسجم مع الحكمة الإلهية 00 وان من السهولة بمكان أن يفدّ الى العراق هذا العدد من الزوار الأعاجم في شهر عاشوراء هذا إذا اعتبرنا إن الظهور سيكون في هذا الشهر بالذات وان وجود مثل هذا العدد أو اقل أو أكثر لا يثير أي ريبة أو شك .
الاحتمال الثالث توفـر جوازات سفر
حصول القاعدتين الأولى والثانية اعني (الثلاث مئة وثلاثة عشر والعشرة الآف ) على جوازات سفر لأداء فريضة الحج وهذا الأمر يبدو ممكناً للوهلة الأولى ، ولكنه سيكون صعباً طبعاً إذ إن رحيل الحجاج بعد أداء مناسك الحج سيكون في النصف الأول من ذي الحجة وان بقاء مثل هذا العدد الكبير ( الثلاث مئة وثلاثة عشر ، وعشرة آلاف ) لمدة خمس وعشرون يوماً سيثير الريبة والشكوك لدى السلطات المكية وقد يتعرضون للمسائلة ومن ثم ترحيلهم عن البلد قسراً وإذا كان الأمر مقبولاً بالنسبة للعدد ( 313 ) لقلتهم فانه غير مقبول بالنسبة الى العشرة آلاف ، وهكذا يكون هذا الاحتمال مرجوحاً إذا ما قورن باحتمال وجود هؤلاء جميعاً وتواجدهم في العراق .
تعليق