إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حديث السلسلة الذهبية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام )
    إن من مؤلفات الإمام الرضا ( عليه السلام ) هذه الرسالة الغراء التي سُمِّيت بـ ( صحيفة الرضا ) ، وسمّاها فريق من الرواة بـ ( مُسنَد الإمام الرضا ) .

    وهذه التسمية أقرب إلى وضع الكتاب ، لأنه حوى بعض ما يرويه من الأخبار عن جَدِّه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن آبائه الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) .

    وقد نص جَمْهَرَة من المحققين على أن هذه الرسالة من مؤلفات الإمام ( عليه السلام ) .

    وعلى أي حال فإن هذه الرسالة من ذخائر النبوة ، وكنوز أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومواريث الأئمة التي بلغت من عُلوِّ الأسناد ذروة الشرف .

    ونحن ننقل بعض هذه الرسالة عن نسخة طبعت في القاهرة بمطبعة المعاهد بجوار الأزهر سنة ( 1340 هـ ) ، وقد طبعها العلاَّمة عبد الواسع بن يحيى الواسمي ورتَّبها على عشرة أبواب .

    ونذكر هنا بعض الروايات التي جاءت عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) :

    الرواية الأولى : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : من أنعم الله عليه بنعمَة فليَحمد الله عليها ، ومن استبطأَ الرزقَ فليستغفر الله ، ومن أحزنه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) .

    الرواية الثانية : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : الإيمان إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان ) .

    الرواية الثالثة : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : يقولُ الله : مَا من مخلوق يعتصم بمخلوقٍ دوني إلا قطعتُ أسباب السماوات والأرض من دونه ، فان سألني لم أعطِه ، وإن دعاني لم أجبه .

    وما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي إلا ضمنتُ السماوات والأرض برزقه ، فإن سألني أعطيتُه ، وإن دعاني أجبتُه ، وإن استغفرني غفرتُ له ) .

    الرواية الرابعة : قال ( عليه السلام ) :

    ( حدَّثني علي بن الحسين ( عليه السلام ) أنَّ يهوديا سأل علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : أخبرني عمَّا ليس لله ، وعمَّا ليس عند الله ، وعما لا يعلمه الله ؟

    فقال علي ( عليه السلام ) : أمَّا مالا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود : عُزَير ابن الله ، والله لا يعلم له ولداً .

    وأمَّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعبيد .

    وأما ما ليس لله فليسَ لله شريك .

    قال اليهودي : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمَّداً رسول الله ) .

    الرواية الخامسة : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شكَّ فيه ، وغزو لا غلول فيه ، وحَج مبرور .

    وأول من يدخل الجنَّة شهيد ، وعبد مملوك أحسن عبادةَ ربِّه ، ونصح لسيده ورجل عفيف متعفف ذو عيال .

    وأول من يدخل النار إمام مسلَّط لم يعدل ، وذو ثروة من المال لم يقضِ حقه ، وفقيرٌ فخور ) .

    الرواية السادسة : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : من حفظ على أمَّتي أربعين حديثاً ينتفعون بها بعثَهُ الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ) .

    الرواية السابعة : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : مَن أفتَى الناس بغيرِ علم لَعَنتْهُ السَّماواتُ والأرض ) .

    الرواية الثامنة : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : التوكل والتوحيد نصفُ الدين ، واستنزِلُوا الرزقَ من عند الله بالصدقة ) .

    الرواية التاسعة : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : إن موسى بن عمران سألَ ربَّه فقال : بعيدٌ أنتَ يا رب فأناديك ، أم قريبٌ فأناجيك ؟

    فأوحى الله إليه : يا مُوسَى ، أنا جَلِيس من ذَكَرني ) .

    الرواية العاشرة : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : دعاء أطفالِ أمَّتي مُستَجاب ، مَا لم يقارِفوا الذنوب ) .

    الرواية الحادية عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : مَن مَرَّ على المقابر وقرأ : ( قُلْ هُوَ اللهُ ) إِحدَى عشرة مرَّة ، ثمَّ وَهبَ أجره للأموات ، أُعطِي لهُ من الأجر بِعدَد الأموات ) .

    الرواية الثانية عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : الدّعاء سلاحُ المؤمن ، وعِمَاد الدين ، ونُور السَّماوات والأرض ، فَعَليكم بالدّعاء ، وأخلِصوا النية ) .

    الرواية الثالثة عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : إذا أرادَ أحدكم حاجَة فَليُبَاكر في طَلبِهَا يَوم الخميس ، وليقرأ إذا خرج من منزلِه آخر آل عمران ، وآيةَ الكرسي ، و ( إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ) ، وأمّ الكتاب ، فإنَّ فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة ) .

    الرواية الرابعة عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : سِتَّة من المُروءة ، ثلاثة منها في الحَضَر ، وثلاثة في السَّفَر ، أمَّا التي في الحضر : فتلاوة القرآن ، وعِمَارة المَساجد ، واتِّخاذ الإخوان في الله ، وأما التي في السفر : فبَذل الزَّاد ، وحُسن الخلق ، والمِزَاح في غير معاصي الله ) .

    الرواية الخامسة عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : ( اللَّهُمَّ ارحَمْ خُلفَائي ) ثلاث مرات .

    قيل : يا رسول الله ، من خُلَفاؤك ؟

    قال : الذين يأتون من بعدي ويَروُون أحاديثي وسُنَّتي ، ويُعَلِّمونها النَّاس من بعدي ) .

    الرواية السادسة عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : إنَّ هذا العلم خَزائن الله ، ومفاتيحُه السؤال ، فاسألوا يَرحمُكُم الله ، فإنه يؤجر فيه أربعة : السَّائل والمُعلِّم ، والمُستَمِعُ ، والمُجِيب ) .

    الرواية السابعة عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : مَن قرأ ( إِذَا زُلزِلَتِ الأَرْضُ ) أربع مَرَّات ، كان كَمَن قَرَأ القرآن كُله ) .

    الرواية الثامنة عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( حدَّثني أبي محمد بن علي ( عليهما السلام ) قال :

    خَمسة لو دخلتُم فيهنَّ ما قدرتم على مِثلهنَّ :

    لا يَخافُ عَبد إلا ذَنبَّه ولا يَرجو إلا ربَّه .

    ولا يستحي الجاهلُ إذا سُئِل عما لم يعلم أن يقول : الله ورسوله أعلم .

    ولا يستحي الذي لا يعلم أن يتعلَّم .

    والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا إيمان لِمَن لا صَبر لَه ) .

    الرواية التاسعة عشر : قال ( عليه السلام ) :

    ( حدَّثني الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قال :

    وُجِد لوحٌ تحت حائطِ مدينة من المدائن مكتوبٌ فيه :

    أنا الله لا إله إلا أنا ، ومُحمَّدٌ نَبيِّي ، عجبتُ لمن أيقن بالموت كيف يفرح ؟!! ، وعجبتُ لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ؟!! ، وعجبتُ لِمَن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها ؟!! ، وعجبتُ لمن أيقَنَ بالحِسَابِ كيفَ يُذنِب ؟!! ) .

    الرواية العشرون : قال ( عليه السلام ) :

    ( قال رسول الله : أتاني مَلَك فقال : يا مُحمَّد ، إن رَبَّك يُقرئُك السَّلام ويقول لك : إن شِئتَ جَعلتُ لكَ بطحاءَ مكَّة ذَهباً .

    قال : فرفعَ رأسُه إلى السماء فقال : يا رَبِّ ، أشبعُ يوماً فأحمُدُك ، وأجوعُ يوماً فأسألُكَ ) .

    تعليق


    • #32
      شكرا لكم والدنا الكريم على هذا الموضوع
      يعطيكم الف عافية

      تعليق


      • #33
        المشاركة الأصلية بواسطة عاشقة:الزهراء
        شكرا لكم والدنا الكريم على هذا الموضوع
        يعطيكم الف عافية
        ===================

        بارك الله بك يا ابنتي و اسال الله لك العافيه و التوفيق
        و شكرا لك

        تعليق


        • #34
          عبادة الإمام الرضا ( عليه السلام )

          من أبرز خصوصيات الإمام الرضا ( عليه السلام ) انقطاعه إلى الله تعالى ، وتمسكه به .

          وقد ظهر ذلك في عبادته التي مثلت جانباً كبيراً من حياته الروحية التي هي نور وتقوى وورع .

          يقول بعض جماعته ( عليه السلام ) : ما رأيته قط إلا ذكرتُ قوله تعالى :

          ( كَانُوا قَلِيلاً فِي اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ ) [ الذاريات : 17 ] .

          ويقول الشبراوي عن عبادته ( عليه السلام ) : إنه كان صاحب وضوء وصلاة ، وكان ( عليه السلام ) في ليله كُلِّهِ يتوضأ ويصلي ويرقد ، وهكذا إلى الصباح .

          وقد كان الإمام ( عليه السلام ) أتقى أهل زمانه ، وأكثرهم طاعة لله تعالى .

          فيروي رجاء بن أبي الضحَّاك عن عبادة الإمام ( عليه السلام ) – وكان المأمون قد بعثه إلى الإمام ( عليه السلام ) ليأتي به إلى خُراسان ، فكان معه من المدينة المنورة إلى مرو – يقول : ( والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله منه ( عليه السلام ) ، ولا أكثر ذِكراً له في جميع أوقاته منه ، ولا أشد خوفا لله عزَّ وجلَّ .

          كان ( عليه السلام ) إذا أصبح صلَّى الغداة ، فإذا سلَّم جلس في مُصَلاَّه يُسَبِّح الله ، ويحمده ، ويُكبِّره ، وَيُهَلِّله ، ويصلي على النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) حتى تطلع الشمس .

          ثم يسجد ( عليه السلام ) سجدةً يبقى فيها حتى يتعالى النهار ، ثم يقبل على الناس يحدثهم ، ويعظهم إلى قُرب الزوال ، ثم جدد وضوءه ، وعاد إلى مُصَلاَّه .

          فإذا زالت الشمس قام ( عليه السلام ) وصلى ست ركعات ، ثم يؤذّن ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يقيم ويصلي الظهر ، فإذا سَلَّم سَبَّح الله وحمده ، وكبره ، وهَلَّله ما شاء الله .

          ثم يسجد ( عليه السلام ) سجدة الشكر ويقول فيها مائة مرة : شكراً لله ، فإذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات ، ثم يؤذن .

          ثم يصلي ( عليه السلام ) ركعتين فإذا سلم قام وصلى العصر ، فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يسبح الله ، ويحمده ، ويكبِّره ، ويُهَلِّله ، ثم يسجد سجدة يقول فيها مائة مرة : حَمْداً لله .

          فإذا غابت الشمس توضأ ( عليه السلام ) وصلَّى المغرب ثلاثاً بأذان وإقامة ، فإذا سلَّم جلس في مُصلاَّه يُسبِّح الله ، ويحمده ، ويُكبِّره ، ويُهَلِّله ما شاء الله ، ثم يسجد سجدة الشكر ، ثم يرفع رأسه ولا يتكلم حتى يقوم ويصلي أربع ركعات بِتَسلِيمَتَين ، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يُمسِي .

          ثم يفطر ( عليه السلام ) ، ثم يَلبث حتى يَمضي من الليل قريب من الثـلث ، ثم يقوم فيصلي العشاء والآخرة أربع ركعات ، فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يذكر الله عزَّ وجلَّ ، ويُسبِّحه ، ويحمده ، ويُكبِّره ، ويُهَلِّله ما شاء الله ، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي إلى فراشه .

          وإذا كان الثلث الأخير من الليل قام ( عليه السلام ) من فراشه بالتسبيح ، والتحميد ، والتكبير ، والتهليل ، والاستغفار ، فَاسْتَاكَ ثم توضأ ، ثم قام إلى صلاة الليل ، ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب ، ويحتسب بها من صلاة الليل ، ثم يصلي الركعتين الباقيتين .

          ثم يقوم ( عليه السلام ) فيصلي ركعتَي الشفع ، ثم يقوم فيصلي الوَتْر ، ويقول في قنوته : اللَّهم صَلِّ على محمد وآل محمد ، اللَّهم اهدِنَا فيمن هديت ، وعَافِنَا فيمن عافيت .

          ثم يقول ( عليه السلام ) : أستغفرُ الله وأسألُه التوبة ، سبعين مرة ، وإذا قرب الفجر قام فَصلَّى ركعتَي الفجر ، فإذا طلع الفجر أَذَّن وأقامَ وصَلَّى الغداة ركعتين ، فإذا سَلَّم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس ، ثم سجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار ) .

          فهذه هي صلاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) المفروضة ونوافلها ، وما يقرأ فيها من سور القرآن الكريم ، والتعقيبات التي يؤديها ) .

          ومعنى ذلك أنه ( عليه السلام ) كان في أغلب أوقاته مشغولاً بعبادة الله ، فإنه ( عليه السلام ) قد سَرى حُبُّ الله في قلبه ، وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتى صار عنصراً من عناصره ، وخصوصية من خصوصياته ( عليه السلام ) .

          تعليق


          • #35
            علم الإمام الرضا ( عليه السلام )

            إن الشيء البارز في شخصية الإمام الرضا ( عليه السلام ) هو إحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف .

            فقد كان ( عليه السلام ) – بإجماع المؤرخين والرواة – أعلمَ أهلِ زمانه ، وأفضلَهُم ، وأدراهُم بأحكام الدين ، وعلوم الفلسفة ، والطب ، وغيرها من سائر العلوم .

            وقد تحدث أبو الصلت الهروي عن سعة علومه ( عليه السلام ) ، وكان مرافقاً له يقول : ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي .

            وقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان ، وفقهاء الشريعة ، والمتكلمين ، فَغَلَبَهُم ( عليه السلام ) عن آخرهم ، حتى ما بقي منهم أحد إلا أقرَّ له بالفضل ، وأقرَّ له على نفسه بالقصور .

            إذن ، فإن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان أعلم أهل زمانه ، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي ، الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة ، والفروع الفقهية .

            ويقول إبراهيم بن العباس : ما رأيت الرضا ( عليه السلام ) يسأل عن شيء قَطّ إلا علم ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء ، فيجيب ( عليه السلام ) .

            وقد دلت مناظراته ( عليه السلام ) في خراسان والبصرة والكوفة حيث سُئِل عن أعقد المسائل ، فأجاب ( عليه السلام ) عنها جواب العالم الخبير المتخصص .

            وقد أذعنت له جميع علماء الدنيا - في عصره - وأقروا له بالفضل والتفوق عليهم .

            وظاهرة أخرى له ( عليه السلام ) وهي إحاطته الشاملة بجميع اللغات ، ويَدلُّ على ذلك ما رواه أبو إسماعيل السندي قال :

            سمعت بالهند أن لله في العرب حجة ، فخرجت في طلبه ، فَدُلِّلْتُ على الرضا ( عليه السلام ) .

            فقصدته وأنا لا أحسن العربية ، فَسَلَّمتُ عليه بالسندية ، فَردَّ عليَّ بِلُغَتِي ، فجعلت أُكلِّمه بالسندية وهو يردُّ عليّ بها .

            وقلت له : إني سمعت أن لله حجة في العرب فخرجت في طلبه ، فقال ( عليه السلام ) : أنا هو .

            ثم قال ( عليه السلام ) لي : سَلْ عما أردته .

            فسألته عن مسائل فأجابني عنها بِلُغَتِي ، وقد أكد هذه الظاهرة الكثيرون ممن اتصلوا بالإمام ( عليه السلام ) .

            يقول أبو الصلت الهروي : كان الرضا ( عليه السلام ) يكلم الناس بلغاتهم ، فقلت له : في ذلك فقال : يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه ، وما إن الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أَوَ مَا بلغَكَ قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أوتِينَا فَصلَ الخطاب ، وهل هو إلا معرفته اللغات .

            وقد أخبر الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها ، وتحققت بعد ذلك على الوجه الأكمل الذي أخبر ( عليه السلام ) به .

            وهذا يؤكد - بصورة واضحة - أصالة ما تذهب إليه الشيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) المزيد من الفضل والعلم ، كما منح رُسله ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، ومن بين ما أخبر ( عليه السلام ) به ما يلي :

            أولاً :

            روى الحسن بن بشار قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : إن عبد الله - يعني المأمون - يقتل محمداً - يعني الأمين - .

            فقلت له : عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون .

            قال ( عليه السلام ) نعم : عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد .

            وكان يتمثل بهذا البيت :

            وإن الضغن بعد الضغن يفشو عليك ويخرج الداء الدَّفينا

            ولم تمضِ الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين .

            ثانياً :

            ومن بين الأحداث التي أخبر ( عليه السلام ) عنها :

            أنه لما خرج محمد بن الإمام الصادق ( عليه السلام ) بِمَكَّة ودعا الناس إلى نفسه ، وخلع بيعة المأمون ، قصده الإمام الرضا ( عليه السلام ) .

            فقال له : يا عَم ، لا تُكَذِّب أباك ، ولا أخاك - يعني الإمام الكاظم ( عليه السلام ) - فان هذا الأمر لا يتم .

            ثم خرج ولم يلبث محمد إلا قليلاً حتى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي ، فانهزم محمد ومن معه ، ثم طلب الأمان ، فآمنه الجلودي .

            ثم صعد المنبر وَخَلَع نفسه وقال : إن هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق .

            ثالثاً :

            روى الحسين نجل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : كُنَّا حول أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ونحن شبان من بني هاشم ، إذ مَرَّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رَثُّ الهيئة ، فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته .

            فقال الرضا ( عليه السلام ) : لَتَرَوُنَّهُ عن قريبٍ كثير المال ، كثير التبَع .

            فما مضى إلا شهر ونحوه حتى وَلِيَ المدينة ، وَحَسُنَتْ حَالُه .

            رابعاً :

            روى محول السجستاني قال : لما جاء البريد بأشخاص الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى خراسان ، كنت أنا بالمدينة .

            فدخل المسجد ليودع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فودعهُ مِراراً ، فكان يعلو صوته ( عليه السلام ) بالبكاء والنحيب .

            فتقدمت إليه وسلمت عليه ، فَردَّ السلام ، وهَنَّأتُه فقال : ذَرْنِي ، فإني أخرج من جوار جدي فأموت في غربة ، وأُدفن في جنب هارون .

            قال : فخرجت متبعاً طريقه ، حتى وافى خراسان فأقام فيها وقتاً ثم دفن بجنب هارون .

            تعليق


            • #36
              عناصر الإمام الرضا ( عليه السلام ) النفسية

              عناصر الإمام الرضا ( عليه السلام ) ومكوناته النفسية كانت ملتقى للفضيلة بجميع أبعادها وصورها .

              فلم تبقَ صفة شريفة يسمو بها الإنسان إلا وهي من ذاتياته ( عليه السلام ) ، ومن نزعاته .

              فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام ( عليهم السلام ) بكلِّ مَكرُمَة ، وَحَبَاه بكل شرف ، وجعله عَلَماً لأمة جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) ، فيهتدي به الحائر ، ويُرشَد به الضالُّ ، وتستنير به العقول .

              فإن أخلاق الإمام الرضا ( عليه السلام ) نفحة من أخلاق جده الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) الذي امتاز على سائر النبيِّين بهذه الظاهرة الكريمة .

              فقد استطاع ( صلى الله عليه وآله ) بِسُمُوِّ أخلاقه أن يطور حياة الإنسان ، وينقذه من أَوحَال الجاهلية الرعْنَاء .

              وقد حمل الإمام الرضا ( عليه السلام ) أخلاق جده ( صلى الله عليه وآله ) ، فكانت من أهم عناصره ( عليه السلام ) .

              فيقول إبراهيم بن العباس عن مكارم أخلاقه ( عليه السلام ) :

              ما رأيت ولا سمعت بِأَحدٍ أفضل من أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، ما جفا أحداً قَطّ ، ولا قطع على أحد كلامه ، ولا رَدَّ أحداً عن حاجة ، وما مَدَّ رجليه بين جليسه ، ولا اتَّكَأَ قبله ، ولا شَتَمَ مَوَالِيه وَمَمَالِيكَه ، ولا قَهْقَهَ في ضِحكَةٍ .

              وكان يجلس على مائدته ومماليكه وموالِيه ، قليل النوم بالليل ، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها ، كثير المعروف والصدقة ، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة .

              ومن معالي أخلاقه أنه كما تقلد ولاية العهد التي هي أرقي منصب في الدولة الإسلامية لم يأمر أحد من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه ، وإنما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه .

              ويقول الرواة : إنه احتاج إلى الحمام فكره أن يأمر أحدا بتهيئته له ، ومضى إلى حمام في البلد لم يكن صاحبه يظن أن ولي العهد يأتي إلى الحمام في السوق فيشغل فيه ، وإنما حمامات الملوك في قصورهم .

              ولما دخل الإمام ( عليه السلام ) الحمام كان فيه جندي ، فأزال الإمام ( عليه السلام ) عن موضعه ، وأمره أن يصب الماء على رأسه .

              ففعل الإمام ( عليه السلام ) ذلك ، ودخل الحمام رجل كان يعرف الإمام فصاح بالجندي : هَلَكْتَ ، أتستخدم ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟

              فَذُعِر الجندي ، ووقع على الإمام ( عليه السلام ) يقبل أقدامه ، ويقول له متضرعا : يا بن رسول الله ، هلا عصيتني إذ أمرتك ؟

              فتبسَّم الإمام ( عليه السلام ) في وجهه وقال له برفق ولطف : إنها لَمَثُوبة وما أردت أن أعصيك فيما أُثَابُ عليه .

              ويقول إبراهيم بن العباس : سمعت علي بن موسى الرضا يقول : حلفتُ بالعتق ، ولا أحلف بالعتق إلا أعتقت رقبة ، وأعتقت بعدها جميع ما أملك .

              تعليق


              • #37
                فضل زيارة الإمام الرضا ( عليه السلام )
                أثرت عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) عدّة روايات تحدّث بها عن فضل الزيارة لمرقد أبيه الرضا ( عليه السلام ) ، وما أعدّه الله للزائر من الأجر والثواب ، وهذه بعضها :

                1- روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : سمعت محمّد بن علي الرضا ( عليهما السلام ) يقول : ( ما زار أبي أحد فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ إلاّ حرّم الله جسده على النار ... ) .

                2- روى علي بن أسباط قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) : ما لمن زار أباك بخراسان ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( الجنّة والله الجنّة ) .

                3- روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : قلت لأبي جعفر : قد تحيّرت بين زيارة أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) وبين زيارة قبر أبيك بطوس فما ترى ؟ فقال لي : ( مكانك ) ، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، فقال : ( زوّار أبي عبد الله كثيرون ، وزوّار قبر أبي بطوس قليلون ) .

                تعليق


                • #38
                  السلام عليكم
                  اخي الفاضل والموالي
                  حجي ابراهيم
                  طيب الله انفاسك
                  وكثر الله من امثالك
                  على نقل هذه الروايات
                  من زاره عند بعد
                  الإمام الثامن والى الجنه ضامن
                  السلطان أبا الحسن
                  علي بن موسى الرضا
                  عليه السلام
                  رزقنا وياك زيارته
                  واحسنت
                  وبارك الله فيك
                  التعديل الأخير تم بواسطة ولد الشيعة; الساعة 01-06-2005, 05:17 PM.

                  تعليق


                  • #39
                    المشاركة الأصلية بواسطة ولد الشيعة
                    السلام عليكم
                    اخي الفضل والموالي
                    حجي ابراهيم
                    طيب الله انفاسك
                    وكثر الله من امثالك
                    على نقل هذه الروايات
                    عن الإمام الثامن والى الجنه ضامن
                    السلطان أبا الحسن
                    علي بن موسى الرضا
                    عليه السلام
                    رزقنا وياك زيارته
                    واحسنت
                    -------------------

                    حياكم الله مولاي و بارك الله بكم
                    تحياتي الولائي

                    تعليق


                    • #40
                      كرامات الإمام علي الرضا ( عليه السلام )
                      يتميّز الأئمة ( عليهم السلام ) بارتباطٍ خاصٍّ بالله تعالى وعالَم الغيب ، بسبَبِ مقامِ العصمة والإمامة ، ولَهُم - مثل الأنبياء - معاجزٌ وكرامَاتٌ تؤيِّد ارتباطهم بالله تعالى ، وكونَهم أئمّة .

                      وللإمام الرضا ( عليه السلام ) معاجزٌ وكراماتٌ كثيرةٌ ، سجَّلَتْها كتبُ التاريخ ، ونذكر هنا بعضاً منها :

                      الكرامة الأولى :
                      عن علي بن ميثم عن أبيه ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت نجمة أم الرضا ( عليه السلام ) تقول : لما حملت بابني الرضا لم أشعر بثقل الحمل ، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً من بطني فيهولني ، فإذا انتبهت لم أسمع ، فلمّا وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض ، رافعاً رأسه ويحرّك بشفتيه ويتكلّم .

                      الكرامة الثانية :
                      عن إبراهيم بن موسى القزّاز ، قال : ألححت على الرضا ( عليه السلام ) في شيء طلبته منه ، فخرج يستقبل بعض الطالبيين ، وجاء وقت الصلاة فمال إلى قصر هناك ، فنزل تحت شجرة بقرب القصر ، وأنا معه وليس معنا ثالث ، فقال : ( أذّن ) ، فقلت : ننتظر يلحق بنا أصحابنا .

                      فقال : ( غفر الله لك ، لا تؤخرن صلاة عن أوّل وقتها إلى آخر وقتها من غير علّة عليك أبداً بأوّل الوقت ) ، فأذّنت وصلينا ، فقلت : يا ابن رسول الله ، قد طالت المدّة في العدة التي وعدتنيها ، وأنا محتاج وأنت كثير الشغل ، لا أظفر بمسألتك كل وقت ، قال : فحكّ بسوطه الأرض حكّاً شديداً ، ثمّ ضرب بيده إلى موضع الحك ، فأخرج سبيكة ذهب .

                      فقال : ( خذها إليك ، بارك الله لك فيها ، وانتفع بها ، واكتم ما رأيت ) ، قال : فبورك لي فيها حتّى اشتريت بخراسان ما كان قيمته سبعين ألف دينار ، فصرت أغنى الناس من أمثالي هناك .

                      الكرامة الثالثة :
                      قال أبو إسماعيل السندي : سمعت بالسند أنّ لله في العرب حجّة ، فخرجت منها في الطلب ، فدللت على الرضا ( عليه السلام ) فقصدته ، فدخلت عليه وأنا لا أحسن من العربية كلمة ، فسلّمت بالسندية ، فرد عليّ بلغتي ، فجعلت أكلّمه بالسندية وهو يجيبني بالسندية ، فقلت له : إنّي سمعت بالسند أنّ لله حجّة في العرب ، فخرجت في الطلب ، فقال بلغتي : ( نعم أنا هو ) ، ثمّ قال : ( فسل عمّا تريد ) .

                      فسألته عمّا أردته ، فلمّا أردت القيام من عنده ، قلت : إنّي لا أحسن من العربية شيئاً ، فادع الله أن يلهمنيها ، لأتكلم بها مع أهلها ، فمسح يده على شفتي ، فتكلّمت بالعربية من وقتي .

                      الكرامة الرابعة :
                      عن أبي الصلت الهروي ـ كان خادماً للإمام الرضا ( عليه السلام ) ـ قال : أصبح الرضا ( عليه السلام ) يوماً ، فقال لي : ( أدخل هذه القبّة التي فيها هارون ، فجئني بقبضة تراب من عند بابها ، وقبضة من يمنتها ، وقبضة من يسرتها ، وقبضة من صدرها ، وليكن كل تراب منها على حدته ) ، فصرت إليها فأتيته بذلك ، وجعلته بين يديه على منديل ، فضرب بيده إلى تربة الباب ، فقال : ( هذا من عند الباب ؟ ) قلت : نعم .

                      قال : ( غداً تحفر لي في هذا الموضع ، فتخرج صخرة لا حيلة فيها ) ، ثمّ قذف به ، وأخذ تراب اليمنة ، وقال : ( هذا من يمنتها ؟ ) قلت : نعم ، قال : ( ثمّ تحفر لي في هذا الموضع ، فتظهر نبكة لا حيلة فيها ) ، ثمّ قذف به ، وأخذ تراب اليسرة ، وقال : ( ثمّ تحفر لي في هذا الموضع ، فتخرج نبكة مثل الأولى ) ، وقذف به .

                      وأخذ تراب الصدر ، فقال : ( وهذا تراب من الصدر ، ثمّ تحفر لي في هذا الموضع ، فيستمر الحفر إلى أن يتم ، فإذا فرغ من الحفر فضع يدك على أسفل القبر ، وتكلّم بهذه الكلمات ... ، فإنّه سينبع الماء حتّى يمتلئ القبر ، فتظهر فيه سميكات صغار ، فإذا رأيتها ، ففتت لها كسرة ، فإذا أكلتها خرجت حوتة كبيرة ، فابتلعت تلك السميكات كلّها ، ثمّ تغيب ، فإذا غابت فضع يدك على الماء ، وأعد الكلمات ، فإنّ الماء ينضب كلّه ، وسل المأمون عنّي أن يحضر وقت الحفر ، فإنّه سيفعل ليشاهد هذا كلّه ) .

                      ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( الساعة يجئ رسوله فاتبعني ، فإن قمت من عنده مكشوف الرأس فكلّمني بما تشاء ، وإن قمت من عنده مغطّى الرأس فلا تكلّمني بشيء ) ، قال : فوافاه رسول المأمون ، فلبس الرضا ( عليه السلام ) ثيابه ، وخرج وتبعته ، فلمّا دخل إلى المأمون وثب إليه ، فقبّل بين عينيه ، وأجلسه معه على مقعده ، وبين يديه طبق صغير فيه عنب ، فأخذ عنقوداً قد أكل نصفه ، ونصفه باق ، وقد كان شربه بالسم ، وقال للرضا ( عليه السلام ) : حمل إليّ هذا العنقود فاستطبته ، فأكلت منه ، وتنغصّت به أن لا تأكل منه ، فأسألك أن تأكل منه .

                      قال : ( أو تعفيني من ذلك ؟ ) ، قال : لا والله ، فإنّك تسرنّي بما تأكل منه ، قال : فاستعفاه ثلاث مرّات ، وهو يسأله بمحمّد وعلي أن يأكل منه ، فأخذ منه ثلاث حبّات فأكلها ، وغطّى رأسه ونهض من عنده ، فتبعته ولم أكلّمه بشيء حتّى دخل منزله ، فأشار إليّ أن أغلق الباب فأغلقته ، وصار إلى مقعد له فنام عليه ، وصرت أنا في وسط الدار ، فإذا غلام عليه وفرة ظننته ابن الرضا ( عليه السلام ) ، ولم أكن قد رأيته قبل ذلك ، فقلت : يا سيدي الباب مغلق فمن أين دخلت ؟

                      فقال : ( لا تسأل عمّا لا تحتاج إليه ) ، وقصد إلى الرضا ( عليه السلام ) ، فلمّا بصر به الرضا ( عليه السلام ) وثب إليه ، وضمّه إلى صدره ، وجلسا جميعاً على المقعد ، ومد الرضا ( عليه السلام ) الرداء عليهما ، فتناجيا طويلاً بما لم أعلمه .

                      ثمّ امتد الرضا ( عليه السلام ) على المقعد ، وغطّاه محمّد بالرداء ، وصار إلى وسط الدار ، فقال : ( يا أبا الصلت ) ، قلت : لبيك يا ابن رسول الله ، قال : ( أعظم الله أجرك في الرضا ، فقد مضى ) ، فبكيت قال : ( لا تبك هات المغتسل والماء لنأخذ في جهازه ) ، فقلت : يا مولاي الماء حاضر ، ولكن ليس في الدار مغتسل إلاّ أن يحضر من خارج الدار ، فقال : ( بل هو في الخزانة ) ، فدخلتها فوجدت فيها مغتسلاً لم أره قبل ذلك ، فأتيته به وبالماء .

                      ثمّ قال : ( تعال حتّى نحمل الرضا ( عليه السلام ) ) ، فحملناه على المغتسل ، ثمّ قال : ( اغرب عنّي ) ، فغسّله هو وحده ، ثمّ قال : ( هات أكفانه والحنوط ) ، قلت : لم نعد له كفناً ، فقال : ( ذلك في الخزانة ) ، فدخلتها فرأيت في وسطها أكفاناً وحنوطاً لم أره قبل ذلك ، فأتيته به فكفّنه وحنّطه .

                      ثمّ قال لي : ( هات التابوت من الخزانة ) ، فاستحييت منه أن أقول : ما عندنا تابوت ، فدخلت الخزانة ، فوجدت فيها تابوتاً لم أره قبل ذلك ، فأتيته به فجعله فيه ، فقال : ( تعال حتّى نصلّي عليه ) ، وصلّى بي وغربت الشمس ، وكان وقت صلاة المغرب ، فصلّى بي المغرب والعشاء ، وجلسنا نتحدّث ، فانفتح السقف ، ورفع التابوت .

                      فقلت : يا مولاي ليطالبني المأمون به فما تكون حيلتي ؟ قال : ( لا عليك فإنّه سيعود إلى موضعه ، فما من نبي يموت في مغرب الأرض ، ولا يموت وصي من أوصيائه في مشرقها إلاّ جمع الله بينهما قبل أن يدفن ) ، فلمّا مضى من الليل نصفه أو أكثر ، إذا التابوت قد رجع من السقف حتّى استقر مكانه ، فلمّا صلّينا الفجر قال لي : ( افتح باب الدار ، فإنّ هذا الطاغية يجيئك الساعة ، فعرّفه أنّ الرضا ( عليه السلام ) قد فرغ من جهازه ) .

                      قال : فمضيت نحو الباب ، فالتفت فلم أره ، فلم يدخل من باب ، ولم يخرج من باب ، قال : وإذا المأمون قد وافى ، فلمّا رآني قال : ما فعل الرضا ؟ قلت : أعظم الله أجرك في الرضا ، فنزل وخرق ثيابه وسفى التراب على رأسه ، وبكى طويلاً ، ثمّ قال : خذوا في جهازه ، قلت : قد فرغ منه ، قال : ومن فعل به ذلك ؟ قلت : غلام وافاه لم أعرفه ، إلاّ أنّي ظننته ابن الرضا .

                      قال : فاحفروا له في القبّة ، قلت : فإنّه يسألك أن تحضر موضع الحفرة ، قال : نعم أحضروا كرسياً فجلس عليه ، وأمر أن يحفر له عند الباب ، فخرجت الصخرة ، فأمر بالحفر في يمنة القبّة ، فخرجت النبكة ، ثمّ أمر بذلك في يسرتها ، فظهرت النبكة الأخرى ، فأمر بالحفر في الصدر ، فاستمر الحفر ، فلمّا فرغ منه وضعت يدي على أسفل القبر ، وتكلّمت بالكلمات ، فنبع الماء وظهرت السميكات ، ففتتت لها كسرة خبز فأكلتها ، ثمّ ظهرت السمكة الكبيرة فابتلعتها كلّها وغابت ، فوضعت يدي على الماء وأعدت الكلمات ، فنضب الماء كلّه ، وانتزعت الكلمات من صدري من ساعتي ، فلم أذكر منها حرفاً واحداً .

                      فقال المأمون : يا أبا الصلت الرضا أمرك بهذا ؟ قلت : نعم ، قال : فما زال الرضا يرينا العجائب في حياته ، ثمّ أراناها بعد وفاته ، فقال للوزير : ما هذا ؟ قال : ألهمت أنّه ضرب لكم مثلاً بأنّكم تتمتّعون في الدنيا قليلاً مثل هذه السميكات ، ثمّ يخرج واحد منهم فيهلككم .

                      فلمّا دفن ( عليه السلام ) قال لي المأمون : علّمني الكلمات ؟ قلت : والله انتزعت من قلبي فما أذكر منها حرفاً ، وبالله لقد صدّقته فلم يصدّقني ، وتوعدني بالقتل إن لم أعلمه إياها ، وأمر بي إلى الحبس ، فكان في كل يوم يدعوني إلى القتل ، أو تعليمه ذلك ، فأحلف له مرّة بعد أخرى كذلك سنة ، فضاق صدري فقمت ليلة جمعة فاغتسلت وأحييتها راكعاً وساجداً وباكياً ومتضرّعاً إلى الله في خلاصي ، فلمّا صليت الفجر إذا أبو جعفر بن الرضا ( عليه السلام ) قد دخل إليّ .

                      وقال : ( يا أبا الصلت ضاق صدرك ؟ ) قلت : إي والله يا مولاي ، قال : ( أمّا لو فعلت قبل هذا ما فعلته الليلة ، لكان الله قد خلّصك كما يخلّصك الساعة ) ، ثمّ قال : ( قم ) ، فقلت : إلى أين ؟ والحرّاس على باب السجن ، والمشاعل بين أيديهم ؟ قال : ( قم ، فإنّهم لا يرونك ، ولا تلتقي معهم بعد يومك هذا ) ، فأخذ بيدي وأخرجني من بينهم ، وهم قعود يتحدّثون ، والمشاعل بين أيديهم فلم يرونا ، فلمّا صرنا خارج السجن .

                      قال : ( أي البلاد تريد ؟ ) قلت : منزلي بهراة ، قال : ( أرخ رداءك على وجهك ، وأخذ بيدي ) ، فظننته حوّلني عن يمنته إلى يسرته ، ثمّ قال لي : ( اكشف وجهك ) ، فكشفته ، فلم أره ، فإذا أنا على باب منزلي فدخلته ، فلم ألتق مع المأمون ، ولا مع أحد من أصحابه إلى هذه الغاية .

                      الكرامة الخامسة :
                      روى أبو عبد الله البرقي عن الحسن بن موسى بن جعفر ، قال : خرجنا مع أبي الحسن ( عليه السلام ) إلى بعض أمواله في يوم لا سحاب فيه ، فلمّا برزنا قال : ( حملتم معكم المماطر ؟ ) قلنا : وما حاجتنا إلى المماطر ؟ وليس سحاب ، ولا نتخوّف المطر ، قال : ( لكنّي قد حملته ، وستمطرون ) .

                      قال : فما مضينا إلاّ يسيراً حتّى ارتفعت سحابة ، ومطرنا حتّى أهمتنا أنفسنا ، فما بقي منّا أحد إلاّ ابتل غيره .

                      الكرامة السادسة :
                      عن الحسن بن علي بن يحيى ، قال : زوّدتني جارية لي ثوبين ملحمين ، وسألتني أن أحرم فيهما ، فأمرت الغلام فوضعهما في العيبة ، فلمّا انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوت بالثوبين لألبسهما ، ثمّ اختلج في صدري ، فقلت : ما أظنّه ينبغي أن أحرم فيهما ، فتركتهما ولبست غيرهما .

                      فلمّا صرت بمكّة ، كتبت كتاباً إلى أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، وبعثت إليه بأشياء كانت معي ، ونسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم ؟ فلم ألبث أن جاءني الجواب بكل ما سألته عنه ، وفي أسفل الكتاب : ( لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم ) .

                      الكرامة السابعة :
                      قال علي بن الحسين بن يحيى : كان لنا أخ يرى رأي الإرجاء ، يقال له : عبد الله ، وكان يطعن علينا ، فكتبت إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) أشكو إليه ، وأسأله الدعاء ، فكتب إليّ : ( سترى حاله إلى ما تحب ، وأنّه لن يموت إلاّ على دين الله ، وسيولد له من أم ولد له فلانة غلام ) .

                      قال علي بن الحسين بن يحيى : فما مكثنا إلاّ أقل من سنة حتّى رجع إلى الحق ، فهو اليوم خير أهل بيتي ، وولد له بعد كتاب أبي الحسن من أم ولده تلك غلام .

                      الكرامة الثامنة :
                      قال سليمان بن جعفر الجعفري : كنت مع الرضا ( عليه السلام ) في حائط له ، وأنا أحدّثه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه ، وأخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب ، فقال لي : ( تدري ما يقول هذا العصفور ؟ ) قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم .

                      قال : ( قال إنّ حيّة تريد أن تأكل فراخي في البيت ، فقم فخذ تلك النسعة ، وادخل البيت ، واقتل الحيّة ) ، قال : فقمت وأخذت النسعة ، فدخلت البيت ، وإذا حيّة تجول في البيت ، فقتلتها .

                      الكرامة التاسعة :
                      قال الحسن بن علي بن فضّال : إنّ عبد الله بن المغيرة ، قال : كنت واقفياً ، وحججت على تلك الحالة ، فخلج في صدري بمكّة شيء ، فتعلّقت بالملتزم ، ثمّ قلت : اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي ، فأرشدني إلى خير الأديان ، فوقع في نفسي أن آتي الرضا ( عليه السلام ) ، فأتيت المدينة ، فوقفت ببابه ، فقلت للغلام : قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب ، فسمعت نداءه وهو يقول : ( أدخل يا عبد الله بن المغيرة ) ، فدخلت ، فلمّا نظر إليّ قال : ( قد أجاب الله دعوتك ، وهداك لدينه ) ، فقلت : أشهد أنّك حجّة الله على خلقه .

                      الكرامة العاشرة :
                      عن بكر بن صالح ، قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : امرأتي أخت محمّد بن سنان ، بها حمل فادع الله أن يجعله ذكراً ، قال : ( هما اثنان ) ، قلت في نفسي : هما محمّد وعلي بعد انصرافي ، فدعاني بعد فقال : ( سم واحداً علياً والأخرى أم عمر ) .

                      فقدمت الكوفة ، وقد ولد لي غلام وجارية في بطن ، فسمّيت كما أمرني ، فقلت لأمّي : ما معنى أم عمر ؟ فقالت : إنّ أمّي كانت تدعى أم عمر .

                      الكرامة الحادية عشرة :
                      عن عبد الله بن سوقة ، قال : مر بنا الرضا ( عليه السلام ) ، فاختصمنا في إمامته ، فلمّا خرج خرجت أنا وتميم بن يعقوب السرّاج من أهل برقة ، ونحن مخالفون له ، نرى رأي الزيدية ، فلمّا صرنا في الصحراء ، فإذا نحن بظباء ، فأومئ أبو الحسن ( عليه السلام ) إلى خشف منها ، فإذا هو قد جاء حتّى وقف بين يديه ، فأخذ أبو الحسن يمسح رأسه ، ودفعه إلى غلامه ، فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه ، فكلّمه الرضا بكلام لا نفهمه فسكن .

                      ثمّ قال : ( يا عبد الله ، أو لم تؤمن ؟ ) قلت : بلى يا سيّدي ، أنت حجّة الله على خلقه ، وأنا تائب إلى الله ، ثمّ قال للظبي : ( اذهب إلى مرعاك ) ، فجاء الظبي وعيناه تدمعان ، فتمسح بأبي الحسن ( عليه السلام ) ورغى .

                      فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : ( تدري ما يقول ؟ ) قلنا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : ( يقول دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي فأجبتك ، وحزنتني حين أمرتني بالذهاب ) .

                      تعليق


                      • #41
                        كلام الإمام الرضا ( عليه السلام ) في التوحيد
                        قال محمّد بن زيد الطبري : كنت قائماً عند علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) بخراسان ، وحوله جماعة من بني هاشم وغيرهم ، وهو يتكلّم في توحيد الله تعالى ، فقال ( عليه السلام ) :

                        ( أوّل عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحيده ، ونظام توحيده نفي التحديد عنه ، لشهادة العقول بأنّ كل محدود مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أنّ له خالقاً ليس بمخلوق ، الممتنع من الحدث هو القديم في الأزل ، ليس الله عبد من نعت ذاته ، ولا إيّاه وحّد من اكتنهه ، ولا حقّقه من مثَّله ، ولا به صدق من نهّاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه بشيء من الحواس ، ولا إيّاه عنى من شبّهه ، ولا له عرف من بَعَّضه ، ولا إيّاه أراد من توهّمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول .

                        بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته سبحانه ، وبالفطرة تثبت حجّته ، خلق الخلق بينه وبينهم حجابُ مباينته إيّاهم ومفارقتهم له ، وابتداؤه لهم دليلهم على أن لا ابتداء له ، لعجز كل مبتدأ منهم عن ابتداء مثله ، فاسماؤه تعالى تعبير ، وأفعاله سبحانه تفهيم ، قد جهل الله سبحانه من حدّه ، وقد تعدّاه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه .

                        من قال : ( كيف ) فقد شبّهه ، ومن قال : ( أين ) فقد حصره ، ومن قال : ( فيم ) فقد وعاه ، ومن قال : ( علام ) فقد شبّهه ، ومن قال : ( متى ) فقد وقّته ، ومن قال : ( لِمَ ) فقد علّله ، ومن قال : ( فِيم ) فقد ضمّنه ، ومن قال : ( إلام ) فقد نهاه ، ومن قال : ( حَتّام ) فقد غيّاه ، ومن غيّاه فقد جَزّأه ، ومن جَزَّأه فقد ألحد فيه .

                        لا يتغيّر الله تعالى بتغاير المخلوق ، ولا يتحدّد بتحديد المحدود ، واحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل مباشرة ، متجلِ لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسيم ، موجود لا عن عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدّر لا بفكر ، مدبّر لا بعزيمة ، شاء لا بهمّة ، مدرك لا بحاسة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمّه الأماكن ، ولا تأخذه السِنات ، ولا تحدّه الصفات ، ولا تقيّده الأدوات .

                        سبق الأوقات كونُه ، والعدَم وجودُه ، والابتداءَ أزله ، وبمشابهته بين الأشياء عالم أن لا شبه له ، وبمضادّته بين الأضداد علم أن لا ضدّ له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والظل بالحرور ، مؤلّف بين متدانياتها ، مفرّق بين متبايناتها ، بتفريقها دل على مفرقها ، وبتأليفها دل على مؤلّفها ، قال سبحانه : ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .

                        له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم إذ لا معلوم ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا من حيث احدث استفاد معنى المحدث ، لا تنائيه ( منذ ) ، ولا تدنيه ( قد ) ، ولا تحجبه ( لعل ) ، ولا توقّته ( متى ) ، ولا تشتمله ( حين ) ، ولا تقاربه ( مع ) ، كلّما في الخلق من أثر غير موجود به ، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه ، لا تجري عليه الحركة والسكون .

                        وكيف يجري عليه ما هو أجراه ! أو يعود فيه ما هو أبداه ! إذاً لتفاوتت دلالته ، وامتنع من الأزل معناه ، ولمّا كان البارئ غير المبرأ ولو وجد له وراء لوجد له أمام ، ولو التمس له التمام لزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث !

                        وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء ! لو تعلّقت به المعاني لقامت فيه آية المصنوع ، ولتحوّل من كونه دالاً إلى كونه مدلولاً عليه ، ليس في محال القول حجّة ، ولا في المسألة عنه جواب ، لا إله إلاّ هو العلي العظيم ) .

                        تعليق

                        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                        حفظ-تلقائي
                        x

                        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                        صورة التسجيل تحديث الصورة

                        اقرأ في منتديات يا حسين

                        تقليص

                        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                        يعمل...
                        X