إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الآيات الدالة على ولاية الإمام المعصوم ..

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الآيات الدالة على ولاية الإمام المعصوم ..

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    بسم الله الرحمن الرحيم
    و صلى الله على سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الآيات الدالة على ولاية الإمام المعصوم


    أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (1)
    هذه آية أخرى من الآيات الدالة على وجوب طاعة الإمام المعصوم، و إن من يستطيع أولا و بالذات أن يحكم بين الناس و يكون واجب الإطاعة هو الممتلك لمقام العصمة، فان علمه علم حضوري و الهي، و قلبه متصل بالحق تعالى، و ليست علومه علوما اكتسابية.
    و شاهدنا في هذه الآية الاستدلال على ولاية الإمام لا ولاية الفقيه.
    و تقريب الاستدلال بهذا النحو: أن احتجاج آيات القرآن هنا مبني على لزوم إتباع الحق.فعلى الإنسان أن يتبع الحق الذي هو عين الواقعية و الاصالة و الحقيقة، في مقابل الباطل الفاقد للاصالة و الواقعية، و المبني‏على أساس الاعتبارات و الأوهام و الأمور السرابية و الوهمية و الخيالية.الحق هو صلب الواقع.و العلوم الحضورية للائمة عليهم السلام هي عين الحق، لان الباطل ليس له طريق إليها، خلافا للعلوم التي يكتسبها الإنسان من الخارج و المشوبة بالباطل و المحتملة للخطأ و الاشتباه.
    و لذا يقول الله تعالى في هذه الآية المباركة: إن الإنسان يجب أن يتبع من كان قلبه متصلا بالحق و الحقيقة، لا تدخل فيه آية شائبة من البطلان و الآراء الشخصية و الأهواء النفسانية.و خلاصة الأمر من لا يميل قلبه إلى الباطل بأي وجه من الوجوه.
    فبناء الاستدلال في هذه الآيات المباركة الواردة في هذه السورة الشريفة على هذا الأساس: إي الاستدلال على لزوم إتباع الحق لان الله تعالى يقول:
    قل الله يهدى للحق
    فبعد أن اخذ الله تعالى بواسطة الاستفهام الإنكاري إقرارا بالمعنى من المشركين، قبل هذه الجملة:
    قل هل من شركائكم من يهدى إلى الحق
    بان الشركاء الذين جعلوهم لله تعالى لا يستطيعون هداية الإنسان إلى الحق، أجاب بلا فصل: قل الله يهدى للحق.و من البديهي أن المقام يستلزم الإجابة الفورية على هذا السؤال و لا ينتظر جواب المخاطب، لذا فقد أجاب فورا بهذا الشكل فقال: قل الله يهدى للحق ثم قال:
    أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدى إلا أن يهدى
    و نلاحظ هنا انه على أساس مبنى لزوم متابعة الحق هذا، فقد جعل الله تعالى معادلة بين قوله:
    أفمن يهدى إلى الحق
    و قوله:
    أمن لا يهدى إلا أن يهدى.
    و الاستفهام يجب أن يكون له طرفان - لان الاستفهام يتردد دوما بين النفي و الإثبات - و احد طرفي الاستفهام هنا: أفمن يهدى إلى الحق و طرفه الآخر امن لا يهدى إلا أن يهدى.و نحن نعلم أن «يهدى‏» من‏باب الافتعال، و أصلها يهتدي، لأنه يجوز قلب «التاء» «دالا» و إدغامها بالدال الأخرى و كسر «الهاء» للمناسبة، فتصبح يهتدي: يهدي، فلا يهدي إذن تعني لا يهتدي، و نرى في هذه الصورة أن طرفي المعادلة هذين لا يستقبحان في هذا للاستفهام، ذلك لان المعادلة الصحيحة يجب أن تكون بين النفي و الإثبات، فنقول مثلا: هل جاء زيد أم لم يأت؟ و هو استفهام بين النفي و الإثبات.لكن هل يمكن القول يا ترى: هل جاء زيد أم إن غرفته مظلمة؟ كلا بالطبع فهذا استفهام غير صحيح، فظلمة غرفة زيد لا يمكن أن تكون عدلا لمجي‏ء زيد.و علينا أن نقول إذن: هل جاء زيد أم لم يأت؟ أو نقول مثلا: هل ذكرت هذا الأمر لعمرو أم لم تذكره؟ بحيث‏يدور الاستفهام دوما بين النفي و الإثبات.
    لو كانت هذه الآية هنا:
    أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدى.
    (يهدى أو لا يهدى) فكان نفيا و إثباتا، فلا أشكال في الأمر.لكن المعادلة في هذه الآية بنحو آخر، فهي تقول: هل الذي يهدي إلى الحق أحق أن يتبعه الإنسان (هدى يهدى فعل متعدي) أم ذلك الذي لا يهتدي إلا أن يهدى؟ ! و الذي لا يهتدي ليس عدلا لمن يهدي.
    و علينا القول هنا: أن هذه المعادلة إنما تصح فيما لو كان في كل طرف جملة مقدرة، كما لو سألتكم: هل جاء زيد أم أن غرفته مظلمة؟ و ظلمة غرفة زيد ليس عدلا لمجيئه في الاستفهام، لكن حيث أنا علمنا بالملازمة الخارجية أن زيدا كلما جاء أضاء غرفته، و حين لا يكون قد أتى فان غرفته ستكون مظلمة، فعندئذ و بدلا من أن نذكر جزئي كلتا الملازمين فإننا نذكر إحداها في طرف و الأخرى في الطرف الآخر و نحذف من [كلا] طرفي المعادلة جزءا.
    أي بدلا من أن نقول: هل جاء زيد و غرفته مضاءة أم لم يأت و غرفته‏مظلمة؟ فإننا نقول: هل جاء زيد أم أن غرفته مظلمة؟ و هناك الكثير من الاستعمالات بهذا النحو.
    و الآية محل البحث من هذا القبيل أيضا و السبب في ذلك هو أن لا يهدى (لا يهتدي) إلا أن يهدى لا يمكنها أن تكون عدلا ل افمن يهدى لتكون عدلا لهذه المعادلة الا بتقدير جملتين: إحداها في جانب الإثبات و الأخرى في جانب النفي.
    فتاتي المعادلة إذن بهذه الصورة:
    أفمن يهدى إلى الحق و يهتدي بنفسه أحق أن يتبع امن لا يهدى إلى الحق و لا يهتدي إلا أن يهدى
    بما إن في الطرف الآخر للمعادلة: امن لا يهدى إلا أن يهدى أي من لا يهتدي إلا أن يقوم غيره من الناس بهدايته، أي أن هدايته غيرية، ففي هذا الطرف من المعادلة يكون من يهتدي بنفسه أي من تكون هدايته ذاتية دونما تعلم أو تعليم أو هداية من الآخرين.
    فالآية إذن تريد إن تقول: أن من يهدي يجب أن تكون هدايته ذاتية و لا يكون ممن يهدى بالغير و يهتدي بالتعليم و التدريس، و إنما يهتدي بنفسه، و هذا هو العلم الحضوري.فالذين يمتلكون العلم الحضوري قد اهتدوا بأنفسهم بالهداية الإلهية.
    و على هذا فإننا نجعل جملة: أحق أن يتبع مثل «لسان الميزان‏» و نقول أن في هذا الطرف من المعادلة افمن يهدى إلى الحق و يهتدي بدون إن يهدى أي من لا تكون هدايته بالغير، و إنما من اهتدى بنفسه بهداية ذاتية، فهذا أحق أن يتبع.
    بينما نقول أن في ذاك الطرف من المعادلة امن لا يهدى إلى الحق و لا يهدى إلا أن يهدى أي من كانت هدايته بالغير.و نتيجة هذه المعادلة هي: أن كل من كانت هدايته غيرية لا يمكن أن يهدي إلى الحق، فالذي‏يهدي إلى عين الحق يجب أن تكون هدايته ذاتية و نفسية، و الذي يهدي إلى الحق هو من تكون هدايته ذاتية و إلهية.
    و هذا هو معنى العلم الحضوري الذي له الفعلية و الذي يكون علما فعليا للشخص الذي يحصل عليه و يعطياه، فيصونه الله تعالى بواسطة هذا العلم الحضوري من جميع الزلات و الخطايا: و ظهور الآية في هذا المعنى - بعد هذا البيان الدقيق - واضح و بين جدا. و عندما تكلمت فيما مضى مع احد علماء مشهد حول هذه الآية قال: ما هذا الذي تقوله أيها السيد! إذ معنى الآية ظاهر، و هو انه هل من الأفضل إتباع الذي يهدي إلى الحق أم الذي لا يهدي؟ فكيف تستفيدون العصمة من هذا؟ !
    فقلت له: نعم لو كان الشق الآخر من الآية: امن لا يهدى و كانت الآية بهذا النحو:
    أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدى
    و كان هناك نفي و إثبات لكان كلامكم تاما.و لكن للقرآن في كلماته و عباراته في كل «واو» و «فاء» معنى، و قد حصل مكان لا يهدى، لا يهدى و لكي يبين أن: «يهدي‏» ليست هداية ذاتية أتى بعبارة إلا أن يهدى.
    و هذا القرآن قول فصل.
    و ما هو بالهزل (2) .
    فكيف نستطيع أن نأخذ يهدى الواردة هنا على انها يهدى من دون دليل؟ ! فنجعل الفعل اللازم متعديا، و نضع المعنى و المراد الخاص بنا في قالب القرآن؟ ! فهذا ليس بالامر الصحيح.و يفهم مما بيناه و شرحناه اإ هذه الآية إنما وردت فقط في عصمة الإمام (الإمام المعصوم القائم بالأمور و الذي يجب أن يقضي و يحكم بين الناس) .
    و من هنا تتضح إن استدلال بعض الأعلام بهذه الآية على ولاية الفقيه - كما سمعت ذلك بنفسي احد الأيام التي كانت تقام فيها صلاة الجمعة في مقبرة جنة الزهراء و كنت‏حاضرا (3) - استدلال غير صحيح.
    و هذه الآية من حيث المجموع بمثابة قول الله تعالى
    و جعلنهم أأئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و أقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عبدين. (4)
    يهدون بأمرنا: أي إن امرنا بأيديهم فنحن نمسك برباط قلوبهم من عالم الأمر المختص بنا
    و ما امرنا إلا واحدة كلمح بالبصر (5) .
    فيدعون الناس بأمرنا إلى الصراط المستقيم.الأمر يعني نفس المشيئة الحقيقية لإلهية التي لا خطا فيها.
    و علاوة على هذا فانه في جملة
    و أوحينا إليهم فعل الخيرات
    لم يقل: و أوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات.أي ائتوا بالأعمال الحسنة أو أقيموا الصلاة، و إنما أوحينا إليهم نفس فعل الخيرات، أوحينا إليهم الصلاة، وأوحينا إليهم الزكاة.يعني إن وجودهم مصداق للصلاة و الزكاة.
    و هذه الآية بعد ذكر إبراهيم عليه السلام
    فجعلهم جذذا (6) .
    و قولهم
    حرقوه و انصروا ألهتكم إن كنتم فعلين (7) .
    و بعد ذكر لوط و إسحاق و يعقوب عليهم السلام الذين وهبهم الله لإبراهيم بصفة نافلة.لقد وردت هذه الآية بعد ذلك و قالت
    و جعلنهم أئمة يهدون بأمرنا.
    و بناء عليه فان ضمير «هم‏» يرجع إلى هؤلاء الأنبياء المذكورين.و هذه الهداية للأمر هي نفس العلم الحضوري، كما إن الشخص الذي يهديه الله من عالم الأمر لا يعود بحاجة إلى العلوم الاكتسابية و الأهواء و الآراء و النيات و أباطيل الناس التي لم يتميز فيها الحق من الباطل، و لم يصر فيها العلم علما صرفا و خالصا.فهؤلاء يهدون من هذا العالم لعالم الأمر الذي هو أمر الله، و لا توجد هناك أية شائبة بطلان و زلل و اشتباه.
    و هي كذلك بمثابة الآية الأخرى من القرآن التي تقول:
    و جعلنهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآيتنا يوقنون (8) .
    و هذه الآية جاءت بعد ذكر موسى عليه السلام في قوله تعالى:
    و لقد ءاتينا موسى الكتب فلا تكن في مرية من لقاؤه و جعلنه هدى لبنى إسرائيل. (9)
    و بناء عليه فان ضمير جمع الغائب في قوله تعالى:
    و جعلنا منهم أئمة
    يرجع إلى بني إسرائيل.أي إن الله قد جعل بعض أنبياء بني إسرائيل أئمة، و فوض إليهم من بين الأنبياء سمة الولاية و الأمارة هذه.و هي آية أخرى من آيات القرآن الدالة على العصمة و لزوم متابعة الإمام.حيث‏يجب أن يكون الإمام ممتلكا للمصونية من الباطل و الآراء الشخصية و الأهواء.و يجب أن يكون علمه حضوريا و متحققا بالحق بشكل حتمي.
    و من الآيات الأخرى التي تدل على ولاية المعصوم قوله تعالى:
    يا داود إنا جعلنك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله (10) .
    و هو خطاب من الله تعالى إلى داود على نبينا و آله و عليه السلام.خليفة الله: هو الذي تجتمع فيه الصفات العبودية بتمامها المحاذية للصفات الربوبية لذاته جل شانه بتمامها، و لا تتحقق إلا بالعصمة «عبدي اطعني حتى أجعلك مثلي، أو مثلي‏» و هذه الخلافة بهذه الخصوصية التي بينت‏بنحو الإطلاق و التي لم تكن خلافة من جهة دون جهة لا تتحقق إلا بالعصمة.أي إن ذلك الشخص الذي له العصمة بكل ما للكلمة من معنى هو الذي يكون خليفة الله بكل ما للكلمة من معنى.و إلا كان خليفة الله في جهة دون جهة، أي كان فيه نقصان من جهة و مزية من جهة أخرى، و بناء عليه فالعصمة من لوازم و آثار هذه الخلافة.
    و تقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة هو أن نقول: إن الله تعالى قد فرع هنا جواز الحكم بين الناس على كون داود خليفة الله في الأرض
    إنا جعلنك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق.
    فعلى أي شي‏ء تفرع الحكم بين الناس؟ على كونه خليفة الله.
    فإذا ما اعترض احد أولا بان الآية الشريفة جعلت وجوب الحكم متفرعا على الخلافة، و عليه فلن تكون نافية للجواز عن غير النبي أو الوصي.
    و ثانيا: بان الحكم بالحق بين الناس هو الذي فرع على الخلافة، لا اصل الحكم، و عليه فان التفريع في الآية سيرجع إلى قيد الحكم، الذي هو «بالحق‏» ، فالآية الشريفة أذن لا تكون متعلقة ببحث «إثبات ولاية و حكومة المعصوم‏» .
    فيجب إن نقول جوابا على كلا الإشكالين كما قال المرحوم الحاج الشيخ محمد حسن الآشتياني في كتاب القضاء انه أولا: أن الأمر إذا وقع في مقام توهم الخطر فانه يفيد الجواز، لا الوجوب.و ثانيا: أن ظهور الآية في تفريع الحكم بالحق، بنحو القيد و المقيد جميعا، على الخلافة الإلهية‏بلا إشكال.
    و من الآيات الأخرى التي يمكن الاستدلال بها على لزوم إتباع الإمام المعصوم هي الآية المباركة التي يقول الله تعالى فيها لرسوله الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم:
    إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق لتحكم بين الناس بما ارئك الله و لا تكن للخائنين خصيما (11) .
    بل لتكون مدافعا عن المؤمنين ضد الخائنين.
    و الاستدلال بهذه الآية متوقف أيضا على لزوم انحصار التبعية للحق، و عدم وجود فصل بين الحق و الباطل.حيث جاء في القرآن الكريم:
    فماذا بعد الحق إلا الضلل فاني تصرفون (12) .
    فليس ثمة فاصل بين الحق و الباطل.فإذا عدلتم عن الحق وقعتم في شراك الباطل.و لا يمكن أن يجد الإنسان مكانا يكون برزخا بين الحق و الباطل.فإذا كان ثمة أمر متحقق بالحق و كان واقعيا صرفا فذلك هو الحق، و إلا فهو باطل.و لا وجود لبرزخ بين الحق و الباطل.
    و الآية هنا تقول: لقد أنزلنا إليك القرآن بالحق.يعني عين الحق و الحقيقة و صلب الواقع و الاصالة، بحيث لا تكون فيه شائبة من الآراء الشيطانية و الأفكار النفسانية و الآراء الشخصية و المطالب التي لا تنطبق على حقيقة الواقع.و إنما أنزلنا عليك من أخبار الماضين و القوانين و المعارف ما هو صلب الواقع و حاق الحقيقة، لكي تحكم بين الناس بما أراك الله.
    فتلك الرؤية التي اعطاكها الله تعالى إذن رؤية معطاة على أساس هذا الحق و أساس حقيقة نزول القرآن هذه.و رؤيتك تلك علم حضوري و وجداني، لأننا إنما أنزلنا عليك القرآن لتحكم بما ارئك الله، أما إذا لم يكن نازلا بالحق لم تكن رؤيتك رؤية إلهية، و لكانت رؤية شخصية و مشوبة بالباطل.
    و عليه فإننا عندما أنزلنا القرآن بالحق فلأجل أن تكون نظرتك و فكرك حقا متصلا بالغيب و الاصالة و الحقيقة (و هذا معنى العلم الحضوري و الوجداني)، لكي تحكم بين الناس بما ارئك الله.و هذا متفرع على نزول القرآن بالحق.فنزول القرآن بالحق على قلب النبي - و هو الواعي للوحي الإلهي، و المتلقي للأسرار اللاهوتية و الجبروتية و الملكوتية لله - علة لكي يترتب عليه معلولة.و معلولة هو الحكم بين الناس بما أراه الله و هو الحق.فنحن أنزلنا القرآن لكي تحكم بين الناس بما أراك الله الذي هو الحق.
    و من الآيات القرآنية الأخرى هذه الآية:
    كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و انزل معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه (13)
    في هذه الآية أيضا كان الحكم بين الناس في المسائل المختلف فيها متفرعا على نزول الكتب على الأنبياء بالحق.و يستفاد هنا أيضا بنفس التقريب الذي بيناه في الآية السابقة أن الحكم بين الناس يجب أن يكون مترتبا بالحق.و هو نزول الكتاب بالحق على الأنبياء.
    و من الآيات الأخرى هذه الآية:
    و أنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب (14) و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق (15) .
    فهو لم يقل: لا تتبع أقوالهم و لا كلامهم و لا حتى فكرهم، و ذلك لان لها أصالة و واقعية، لذا لم يذكر أيا من هذه التعبيرات، و إنما قال و لا تتبع أهواءهم و الأهواء تعني الأفكار الخالية و الجوفاء بلا محتوى.
    و قد استعمل هذا اللفظ في كثير من آيات القرآن المجيد، أي أن أفكارهم جوفاء و أهواء و باطل.لقد أنزلنا القرآن عليك بالحق لكي تحكم بينهم بما انزل الله، حيث إن ذلك الحكم بالحق.و بالطبع فان هذا الحق قد صار متحققا،
    و لا تتبع أهواءهم
    ثم يقول بعيد هذا الكلام:
    و إن احكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم و احذرهم إن يفتنوك عن بعض ما انزل الله إليك (16) .
    فاحذر إن تتأثر و لو شيئا قليلا بآرائهم الشخصية و خيالاتهم، لان تلك الأهواء باطلة و شيطانية لا أصالة لها، و إن ما انزله الله إليك هو عين الحق و الحقيقة.
    و تقريب الاستدلال بهذه الآية الكريمة أيضا على وجوب إتباع المعصوم كما سبق، و ذلك لان الحكم بما انزل الله قد فرع على نزول الكتاب بالحق، أي انه بما إنا أنزلنا الكتاب عليك بالحق، لذا فانك أنت الذي يجب أن تحكم بين الناس، أما من لم يتحقق بالحق، فليس له حق الحكم بين الناس.
    و من آيات القرآن المباركة الأخرى هذه الآية:
    فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت‏و يسلموا تسليما (17) .
    فلا يكون هناك حرج و لا ضيق في صدر من يحكم عليه، إذ انه من الطبيعي أن يكون الحكم لشخص على شخص، و يسلموا تسليما بكل ما للكلمة من معنى، كان يكون الحكم للشخص على حد سواء، كان الحق له أو عليه.
    و هذا هو الإيمان، و في تلك الحال فإنهم سيكونون قد آمنوا، و الأمر كذلك أيضا في الواقع.و ذلك لان قلب النبي و وجوده عين الحق و عين الواقع، افيمكن أن يحكم بالباطل؟ ! أن مثله في ذلك مثل الله، فهل يمكن إن يحكم الله بالباطل.مع إطلاعه على جميع العلوم و الوقائع؟ ! و عليه فان وجود الموجودات هو العلم الحضوري لله، و العلم الفعلي الحضوري لله هو نفس الموجودات.
    لقد أراد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم أن يقسم خمس غنائم حنين فأعطى سهما اكبر بقليل لبعض المسلمين حديثي العهد بالإسلام، فجاءه احد أصحابه و قال له: يا رسول الله اعدل! فأجابه النبي: ويحك! أن لم اعدل فمن يعدل؟ !
    و حصل في إحدى تلك التقسيمات أيضا أن قيل أن محمدا صلى الله عليه و آله و سلم لم يعدل في التقسيم، فسمع ابن مسعود بهذا الأمر فقال: و الله لا ابرح حتى اذهب إلى النبي و انقل له ما قاله ذلك الشخص في حقه.فجاء إلى النبي و نقل له ذلك.فانزعج النبي و صار في منتهى الغضب و التأثر، و قال ما مضمونه: ماذا افعل يا رب؟ ! و الله لقد تحمل أخي موسى من أنواع الأذى هذا و صبر على كلام قومه، فان إنا لم اعدل فمن الذي‏يعدل؟ !
    لقد كان هذا الشخص يحب أن يحكم النبي لصالحه و يعطيه مائة ناقة أو ألف ناقة من هذه الغنائم، لكن النبي لم يعطه ذلك، و قسم الغنائم وفق المصلحة التي يراها (و بالطبع فلم يكن تصرفه ذلك في المقدار الذي كان يجب تقسيمه بين الجميع بالسواسية، بل في ذلك المقدار من الخمس من الغنائم الذي كان للنبي حرية إن يتصرف فيه) و حين لا ينال الناس ذلك فإنهم ينزعجون.
    بيد إن هؤلاء لا يؤمنون، و لا يصلون إلى حقيقة الإيمان إلا حين يأتون في جميع مرافعاتهم و مشاجراتهم إليك أنت لا إلى غيرك فيحكموك بينهم، و حين تحكم بينهم يرجعون من عندك بمنتهى طمأنينة القلب و سكون الخاطر دون أي قلق أو دغدغة في صدورهم، فعندها سيكونون مؤمنين.
    لقد جعل الله تبارك و تعالى هنا نفس النبي مركز الحكم بنحو يتوجب معه على جميع الناس أن يلتفوا حوله و يطوفوا به، و أن يجعلوه محورا لحل مشاجراتهم و مخاصماتهم، و أن لا يكون ثمة أحجام عنه أبدا.فالنبي المعصوم - أذن - هو مركز الحكم، و يجب على الناس أتباعه، و هذا هو معنى الولاية، أي وجوب إطاعة الناس للأوامر و النواهي و الأحكام التي يصدرها النبي، سواء في المخاصمات و المشاجرات أو في الأمور الأخرى التي يصدر الأوامر الولايتية بين الناس فيها.
    أن قضاء و حكم النبي منشعب من نورانيته النفسية صلى الله عليه و آله و سلم حيث إن نور الله قد تجلى فيها، فصارت متخلقة بأسماء و صفات الله سبحانه و تعالى و محققة بالعلوم الكلية.لقد تجاوز قلب النبي الجزئية و ارتبط بالكلية، و تحقق بالعلوم الكلية.و الآية السابقة لهذه الآية هي:
    و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بأذن الله
    (حيث‏يستفاد من هذه الآية أيضا وجوب الإطاعة، إذ إن لكل نبي ولاية، و على الناس أن يتبعوه و يطيعوه) و لو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما. (18)
    أي أن الله سيعفو عنهم.
    و لكن ما العمل؟ فان الناس لا ينصاعون و لا يخضعون و لا يسلموا تسليما.فهم لا يرجعون إلى النبي أصلا، فكيف يجعلونه حكما دون أن يحسوا في قلوبهم بأي حرج.
    و يقول تعالى بعد هذه الآية:
    و لو إنا كتبنا عليهم إن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من ديركم ما فعلوه إلا قليل منهم (19) .
    مع انه
    و لو إنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم و اشد تثبيتا و لذا لأتينهم من لدنا أجرا عظيما و لهدينهم صراطا مستقيما (20) .
    ثم يقول:
    و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصلحين و حسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله و كفى بالله عليما (21) .
    حيث إن الذين يتبعون النبي يصلون بسبب ولايتهم للنبي، إلى حيث‏يكونون في حالة معية معه، و هذا بنفسه ولاية، لذا يمكن استفادة الولاية من هذه الآية، كما يمكن استفادة وجوب إتباع هؤلاء الأشخاص الذين‏يكونون في حالة من المعية مع النبي.
    و مفاد هذه الآية هو نفس مفاد الآية التي نقراها كل يوم في الصلاة:
    اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين (22) .
    و هنا يقول تعالى أيضا
    و لهدينهم صراطا مستقيما،
    و إنهم يصيرون مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين.و خلاصة الأمر إنهم يتحدون معهم فيدخلون باجمعهم في معدن الولاية الإلهية حيث لا انقطاع هناك و لا تميز و
    هنالك الولية لله الحق
    اللهم صل على محمد و آل محمد
    التعليقات:
    1. ذيل الآية 35، من السورة 10: يونس.
    2. الآية 14، من السورة 84: الطارق.
    3. مقبرة عامة قرب مدينة طهران تسمى (بهشت زهراء) في فترة أقيمت فيها صلاة الجمعة. (م)
    4. الآية 73، من السورة 21: الأنبياء.
    5. الآية 50، من السورة 54: القمر.
    6. صدر الآية 58، من السورة 21: الأنبياء.
    7. جزء من الآية 68، من السورة 21: الأنبياء.
    8. الآية 24، من السورة 32: السجدة.
    9. الآية 23، من السورة 32: السجدة.
    10. صدر الآية 26، من السورة 38: ص.
    11. الآية 105، من السورة 4: النساء.
    12. ذيل الآية 32، من السورة 10: يونس.
    13. صدر الآية 213، من السورة 2: البقرة.
    14. أي التوراة و الإنجيل و غيرهما.
    15. صدر الآية 48، من السورة 5: المائدة.
    16. صدر الآية 49، من السورة 5: المائدة.
    17. الآية 65، من السورة 4: النساء.
    18. الآية 64، من السورة 4: النساء.
    19. صدر الآية 66، من السورة 4: النساء.
    20. الآيتان 66 و 67، من السورة 4: النساء.
    21. الآيتان 69 و 70، من السورة 4: النساء.
    22. الآيتان 6 و 7، من السورة 1: الفاتحة.

  • #2
    جزيت الف الف الف خير اختي الكريمة

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم

      السادة الكرام

      لم اجد في هذه الايات الكريمة مايدل دلالة واضحة
      على وجوب طاعة المعصوم

      ولم اجد فيها حتى مايدل على وجود معصوم بعد النبي عليه الصلاة والسلام

      ولكثرة الايات المذكورة وصعوبة النقاش فيها جميعا

      ارجو منكم ان تختارو احدى هذه الادلة بحيث تكون الاقوى والاوضح في نظركم لاثبات المعصومية

      ثم نرى ان كانت تثبت شيئا ام لا

      هدانا الله واياكم لما يحب ويرضى

      تعليق


      • #4
        في انتظار تكرمكم بالرد سادتي الكرام

        تعليق


        • #5
          [grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]بسم الله الرحمن الرحيم
          و به نستعين[/grade]


          العضوة خادمة بطلة كربلاء

          ما علاقة هذه الآيات بإمامكم المزعوم أقصد المعصوم ؟؟؟؟

          (( أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ))
          ((إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق لتحكم بين الناس بما ارئك الله و لا تكن للخائنين خصيما ))
          (( و أنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق . ))
          (( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت‏و يسلموا تسليما ))


          هذا الكلام يدل على أن دينكم إصطناعى و لم ينزل الله به من سلطان .... أتعجب كيف تكون فى جعبتكم كل هذه السيناريوهات و لم تعملوا فى هوليود ... يا فاضلة من أين أتيتى بهذا الكلام الفارغ ؟؟؟
          أكيد إنك تريدين الهزار ... قولى نعم و نرتاح جميعا ...

          بالله عليكى أجيبينى على هذه الأسئلة السهلة ...

          هل تستطيعين أن تثبتى أن الله واحد ؟؟؟
          هل تستطيعين أن تثبتى أن رسول الإسلام هو محمد و ليس غيره ؟؟؟
          هل تستطيعين إثبات أن شهر الصوم المفروض علينا هو شهر رمضان ؟؟؟
          هل تستطيعين أن تثبتى أن الصلاة مفروضة على المسلمين ؟؟؟


          ثم لى معك قول آخر بعد ارد

          و شكرا

          .

          تحذير شديد اللهجة الي العضو المخالف تجاوزت كثير ولن احرر كلامك ليبقي شاهدا عليك
          اما التزام ادب الحوار او طردك من المنتدي
          محرر عقائدي م2
          التعديل الأخير تم بواسطة م2; الساعة 31-05-2005, 05:54 AM.

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة Abofarhah
            [grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]بسم الله الرحمن الرحيم
            و به نستعين[/grade]


            العضوة خادمة بطلة كربلاء

            ما علاقة هذه الآيات بإمامكم المزعوم أقصد المعصوم ؟؟؟؟

            (( أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ))
            ((إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق لتحكم بين الناس بما ارئك الله و لا تكن للخائنين خصيما ))
            (( و أنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق . ))
            (( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت‏و يسلموا تسليما ))


            هذا الكلام يدل على أن دينكم إصطناعى و لم ينزل الله به من سلطان .... أتعجب كيف تكون فى جعبتكم كل هذه السيناريوهات و لم تعملوا فى هوليود ... يا فاضلة من أين أتيتى بهذا الكلام الفارغ ؟؟؟
            أكيد إنك تريدين الهزار ... قولى نعم و نرتاح جميعا ...

            بالله عليكى أجيبينى على هذه الأسئلة السهلة ...

            هل تستطيعين أن تثبتى أن الله واحد ؟؟؟
            هل تستطيعين أن تثبتى أن رسول الإسلام هو محمد و ليس غيره ؟؟؟
            هل تستطيعين إثبات أن شهر الصوم المفروض علينا هو شهر رمضان ؟؟؟
            هل تستطيعين أن تثبتى أن الصلاة مفروضة على المسلمين ؟؟؟


            ثم لى معك قول آخر بعد ارد

            و شكرا

            .




            احترم نفسك ستحترم إن إحترمتنا و إحترمت عقيدتنا ، فإن عقيدتك اللتي انت عليها يشوبها شوائب كثيرة ، و نستطيع ان نسخر منها ايضا ، اما ان تتمادى و تقول عن إمامنا المعصوم ، امام مزعوم فلا و لن نسمح لك ، و لا انت شخص الذي يحترم النقاش ، ان انت إلا شخص يتلاعب بلكلمات فلا معزة لك عندي و لا إحترام ،

            كفاني اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب عليهما السلام وليد الكعبة إماما لي .

            و كفاك انت عمر إبن الزنا ، إماما لك . إنتهى
            التعديل الأخير تم بواسطة لواء الحسين; الساعة 26-05-2005, 02:08 PM.

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمن الرحيم
              السلام عليكم ورخمة الله وبركاته

              أحسنتم أخي لواء الحسين على الرد
              وللأخ ابو فرحه وعبد الله أبو فيصل
              إذا الكثير من أتباع السنة يتفقون على الإمامة وتفسيرهم للقرآن وما نقلوها من الرسول (ص) فلماذا ترفضون أنتم لم تأخذوا الدين إلا من المستشرقين الكاذبين الذي غيروا التاريخ لأجل السلطة والمال

              هذا بعض من الردود في بحث المناظرات من كتاب ليالي بيشاور للسيد محمد الموسوي الشيرازي سلطان الواعظين ..

              آية الولاية ونزولها في الامام علي عليه السلام

              القرآن الكريم هو أعظم مرجع في اللغة العربية، وأقوى سند لها، وفي ما نحن فيه أيضا، القرآن دليل قاطع، وبرهان ساطع.

              فنجد فيه آية كريمة أخرى وهي: آية الولاية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(55)، فكلماتها على صيغة الجمع، واتفق المفسرون والمحدثون من الفريقين ـ الشيعة والسنة ـ أنها نزلت في حق علي عليه السلام وحده، منهم: الإمام الفخر الرازي في " التفسير الكبير " 3/431، والإمام أبو اسحاق الثعلبي في تفسير " كشف البيان " وجار الله الزمخشري في " الكشاف " 1/422، الطبري في تفسيره 6/186، أبو الحسن الرماني في تفسيره، ابن هوازن النيسابوري في تفسيره، ابن سعدون القرطبي في تفسيره، الحافظ النسفي في تفسيره المطبوع في حاشية تفسير الخازن البغدادي، الفاضل النيسابوري في غرائب القرآن 1/461، أبو الحسن الواحدي في أسباب النزول: 148، الحافظ أبو بكر الجصاص في تفسير أحكام القرآن:542، الحافظ أبو بكر الشيرازي في كتابه " ما نزل من القرآن في علي عليه السلام "، أبو يوسف الشيخ عبد السلام القزويني في تفسيره الكبير، القاضي البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل 1/345، جلال الدين السيوطي في الدر المنثور 2/293، القاضي الشوكاني في تفسيره " فتح الغدير " السيد محمود الألوسي في تفسيره " روح المعاني " الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي في تفسيره، ابو البركات في تفسيره 1/496، الحافظ البغوي في " معالم التنزيل " الامام النسائي في صحيحه، محمد بن طلحة الشافعي في " مطالب السؤول " ابن أبي الحديد في شرح النهج 13/277، الخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره 1/496، الحافظ القندوزي في " ينابيع المودة " الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه " المصنف "، رزين العبدري في " الجمع بين الصحاح الستة "، ابن عساكر في تاريخه، سبط ابن الجوزي في التذكرة: 9، القاضي عضد الأيجي في كتابه " المواقف ":276، السيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف، العلامة ابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة ": 123، الحافظ أبو سعد السمعاني في " فضائل الصحابة "، أبو جعفر الاسكافي في " نقض العثمانية "، الطبراني في الأوسط، ابن المغازلي في " مناقب علي بن أبي طالب "، العلامة الكنجي القرشي الشافعي في " كفاية الطالب "، العلامة القوشجي في " شرح التجريد "، الشبلنجي في نور الأبصار: 77، محب الدين الطبري في الرياض النضرة 2/227، وغيرهم من كبار أعلامكم.

              رووا عن السدي ومجاهد والحسن البصري والأعمش وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد الله وقيس بن ربيعة وعباية بن ربعي وعبدالله بن عباس وأبي ذر الغفاري وجابر بن عبد الله الأنصاري وعمار بن ياسر وأبو رافع وعبد الله بن سلام، وغيرهم من الصحابة، رووا أن الآية الكريمة نزلت في شأن سيدنا علي عليه السلام، وقد اتفقوا على هذا المضمون وان اختلفت ألفاظهم، قالوا:

              إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يصلي في المسجد، إذ دخل مسكين وسأل المسلمين الصدقة والمساعدة، فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي عليه السلام في الركوع فأشار بإصبعه إلى السائل، فأخرج الخاتم من يد الإمام علي عليه السلام، فنزلت الآية في شأنه وحده على صيغة الجمع، وذلك من أجل التعظيم والتفخيم لمقامه عليه السلام.

              الشيخ عبد السلام: إن هذا التفسير وشأن النزول لم يكن قول جميع علمائنا، فقد خالف هذا القول جماعة، فمنهم القائل: إنها نزلت في شأن الأنصار، وبعض قالوا: نزلت في شأن عبادة بن الصامت، وجماعة قالوا: نزلت في حق عبد الله بن سلام.

              قلت: إني أتعجب منكم، حيث تتركون قول أعظم أعلامكم وأشهر علمائكم وأكثرهم، إضافة إلى إجماع علماء الشيعة في ذلك، وتتمسكون بأقوال شاذة من أفراد مجهولين أو معلومين بالكذب والنصب والتعصب، بحيث نجد أقوالهم ورواياتهم مردودة وغير مقبولة عند كبا علمائكم.

              والجدير بالذكر أن بعض علمائكم ادعى إجماع المفسرين واتفاقهم على أن الآية: نزلت في شأن الإمام علي عليه السلام، منهم: الفاضل التفتازاني، والعلامة القوشجي في شرح التجريد، قال: إنها باتفاق المفسرين نزلن في حق علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع..

              فهل العقل السليم يسمح لكم بترك قول جمهور العلماء والمفسرين وتتمسكوا بأقوال واهية وشاذة صدرت من المتعصبين والمعاندين الجاحدين للحق والدين؟!


              شبهات وردود

              الشيخ عبد السلام: سماحتكم أردتم بهذه الآيات أن تثبتوا خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه بلا فصل بعد النبي (ص)، والحال أن فيها أمورا تمنع من قصدكم.

              أولا: كلمة " الولي " في الآية بمعنى المحب، لا بمعنى الإمام والخليفة، وإذا كانت بالمعنى الذي تقولونه فلا ينحصر الولي في رجل واحد، بل تشمل الآية أفرادا كثيرين، على القاعدة المقررة عند العلماء وهي: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المعنى والسبب، وعلى هذا فالإمام علي كرم الله وجهه هو أحد أفراد الآية الكريمة.

              ثانيا: صيغة الجمع في كلمة (وليكم) وكلمة (الذين) تفيد العموم، وحمل الجمع على الفرد ـ بدون دليل ـ يكون تأويلا لكلام الله تعالى بغير مجوز.

              قلت:

              أولا: كلمة " الولي " جاءت بصيغة المفرد وأضيفت إلى ضمير الجمع ، أي إنما ولي المسلمين.

              ثانيا: أجبناكم من قبل أن الأدباء واللغويين يجيزون إطلاق الجمع على الفرد لأجل التفخيم والتعظيم.

              وأما القاعدة المقررة عند العلماء، أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فنحن أيضا نلتزم بها، فقد جاء في اللفظ (إنما وليكم...) وهي أداة حصر، فلذا نقول: إن الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام والولاية الإلهية في عصره منحصرة فيه، فهو ولي المسلمين دون غيره، ولا يحق لأحد أن يدعي الولاية على الإمام علي عليه السلام ما دام في الحياة، فإذا مات أو قتل فالولاية الإلهية التي تضمنها الآية تنتقل إلى غيره، وهم الأئمة الأحد عشر من ولده، واحد بعد الآخر، فحينئذ يحصل مرادكم أيضا، لأنكم تقولون: إن الآية تشمل أفرادا كثيرين لا فردا واحدا.

              فالأفراد المشمولون بالآية هم الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام كما قال الزمخشري في " الكشاف " في ذيل الآية الكريمة: ولو أن الآية حصر في شأن علي عليه السلام فإن المقصود من نزولها بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ليتبعوا عليا عليه السلام في هذا الأمر ويتعلموا منه.

              ثالثا: أما قولكم بأن الشيعة أولوا الآية بغير مجوز ودليل، ما هو إلا سفسطة كلام تريدون من ورائه إغواء العوام.

              ونحن ذكرنا لكم ثلة من أسماء كبار علمائكم وأشهر أعلامكم ومفسريكم الذين قالوا بأن الآية نزلت في شأن علي عليه السلام، وهذا القول إنما يكون تنزيل الآية وتفسيرها، لا تأويلا أو رأيا اجتهاديا.

              الشيخ عبد السلام: أما كلمة (الولي) فهي بمعنى: المحب والناصر، لا بمعنى الأولى بالتصرف حتى تستنبطوا منها معنى الخلافة، لأنها إذا كانت بمعنى الخلافة، فيجب بعد نزول الآية أن يخلف علي كرم الله وجهه رسول الله في حال حياته إذا سافر أو غاب لبعض شؤونه، وأن يقوم مقامه ويتصرف في الأمور مثله (ص) وهذا الأمر لم يكن في حياة النبي (ص) فلذا نقول: إن كلامكم باطل.

              قلت: بأي دليل تقول: إن هذا الأمر ـ أي قيام الإمام علي عليه السلام مقام النبي (ص) ـ لم يكن في حياة النبي (ص)؟!

              فظاهر الآية يثبت مقام الولاية لعلي عليه السلام من حين نزولها ، واستمرار المقام بدليل الجملة الاسمية، وأن " الولي " صفة مشبهة، وهذان دليلان على ثبات ودوام مقام الولاية.

              ويؤيد هذا المعنى أن النبي (ص) جعل عليا عليه السلام خليفته في المدينة حين خرج منها إلى تبوك، ولم يعزله بعد ذلك إلى أن توفي (ص).

              ويؤيده حديث المنزلة، فإنه (ص) كرره في مناسبات كثيرة، قائلا : علي مني بمنزلة هارون من موسى، أو يخاطبه في الملأ: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

              وقد ذكرنا لكم بعض مصادره في الليالي الماضية.

              وهذا دليل آخر على أن عليا عليه السلام كان خليفة النبي (ص) في غيابه لما كان حيا واستمرت خلافته للنبي (ص) بعد حياته أيضا.

              الشيخ عبد السلام: لو تعمقتم في شأن نزول الآية كما تقولون وفكرتم فيه، لعدلتم عن رأيكم، لأنه لا يعد منقبة لسيدنا علي، بل يعد نقصا له كرم الله وجهه، وهو أجل من ذلك.

              قلت:

              أولا: لا يحق لأحد بلغ ما بلغ من العلم، أن يغير ويبدل شأن نزول آيات القرآن الحكيم، سواء ثبتت بها منقبة أو منقصة لأي شخص كان، فإن شأن النزول يتبع الواقع وليس بأمر اجتهادي، ولا يدخل فيه رأي هذا و ذاك، ولا يتصرف أحد في شأن نزول الآيات إلا شقي عديم الدين والأيمان، يتبع هواه ولا يطيع الله عز وجل، مثل البكريين في هذا الشأن، فإنهم اتبعوا قول عكرمة الكذاب وقالوا: إنها نزلت في شأن أبي بكر.

              ثانيا: أوضحوا لنا كيف تكون الآية الكريمة منقصة لمن نزلت في شأنه؟!

              الشيخ عبد السلام: لأنه من جملة خصال سيدنا علي كرم الله وجهه التي تعد من أجمل خصاله وفضائله، أنه لما كان يقف للصلاة كان ينسى نفسه وكل شيء سوى الله سبحانه، فلا يحس ولا يبصر إلا عظمة الله وآياته.

              وقد روى بعض العلماء، أنه عليه السلام لما أصيب بسهم في رجله في إحدى المعارك، فأشار عليه طبيب جراح ليأذن له حتى يشق اللحم ويخرج السهم من رجله، فأبى عليه السلام.

              ثم لما وقف بين يدي الله عز وجل واستغرق في العبادة في حال السجود أمر الإمام الحسن ـ رضي الله عنه ـ أن يخرج الجراح السهم من رجل أبيه، فأخرجه وما أحس سيدنا علي أبدا!

              فإن رجلا هذا حاله حين الصلاة، كيف يلتفت إلى سائل فقير فيعطيه خاتمه وهو في حال الركوع؟!

              ألم يكن انصرافه عن الله تعالى والتفاته إلى الفقير نقصا لصلاته ونقضا لعبادته؟!

              قلت: إن هذا الإشكال أهون من بيت العنكبوت! لأن التفات المصلي إلى الأمور المادية تعد نقصا، وأما إلى الأمور المعنوية فهو كمال، فإعطاء الزكاة والصدقة للفقير عبادة مقربة على الله سبحانه، والصلاة ـ أيضا ـ عبادة أقامها علي عليه السلام قربة إلى الله تعالى، فهو لم يخرج عن حال التقرب إلى الله، ولم ينصرف عن العبادة إلى عمل غير عبادي، وإنما انصرف من الله تعالى إلى الله، وتكررت عبادته، فقد آتى الزكاة في حال الصلاة، فجمع فرضين ليكسب رضا الله عز وجل ويتقرب إليه، وقد قربه الباري سبحانه وتعالى وقبل منه الزكاة والصلاة، فأنزل الآية وأعطاه الولاية، ليكون دليلا على قبول عمله وعبادته.

              ألم يكن هذا دليل على فضل الإمام علي عليه السلام وكماله؟!

              ما لكم كيف تحكمون؟!

              تعليق


              • #8
                سادتي الافاضل

                لقد طلبت منكم ايراد اقوى حججكم على الامامة حتى نتناقش فيه

                بمعنى ان توردو دليلا واحدا من بين هذه الادلة التي اوردتموها

                لان النقاش فيها جميعا غير ممكن

                تعليق


                • #9
                  عصمة آل البيت في الكتاب والسنة

                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                  وهذه أدلة أخرى ...


                  وبعد ، من الادلة على عصمتهم ( عليهم السلام ) من القرآن الكريم كثيرة نذكر اهمها :
                  (1) قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) .
                  الاحزاب 33 .
                  هذه الآية نزلت في اصحاب الكساء وهم : رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات الله عليهم اجمعين ـ وعلى هذا تواترت روايات كثيرة من السنة والشيعة، واذا أردت الوقوف على ما ندّعيه فعليك بمراجعة كتاب ( البرهان في تفسير القرآن ) 3 / 209 وممن ذكر نزول هذه الآية المباركة في أهل البيت (عليهم السلام) من أهل السنة :
                  1 ـ الطبري / جامع البيان 22 / 6 .
                  2 ـ الحاكم الحسكاني / شواهد التنزيل 2 / 36 .
                  3 ـ ابن كثير / تفسير القرآن العظيم 3 / 458 .
                  4 ـ الحمويني / فرائد السمطين 1 / 376 .
                  5 ـ ابن حجر / الصواعق المحرقة ص80 .
                  6 ـ البلاذري / انساب الاشراف 2 / 104 .
                  7 ـ السيوطي / الدر المنثور 5 / 198 .
                  8 ـ الحاكم النيسابوري / المستدرك على الصحيحين 2 / 416 .
                  9 ـ ابن عساكر / تاريخ مدينة دمشق 1 / 250 .
                  وغيرهم من علماء السنة .
                  وهذه الآية صريحة في عصمة اصحاب الكساء بدليل اذهاب الرجس عنهم والتطهير لهم على الاطلاق .
                  (2) قوله تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) .
                  آل عمران 61 .
                  وهذه الآية الشريفة نزلت في حق النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات الله عليهم اجمعين ـ بإجماع علماء الفريقين ، لاحظ :
                  1 ـ البرهان في تفسير القرآن 1 / 286 .
                  2 ـ النيسابوري في صحيحه 7 / 120 .
                  3 ـ الطبري / جامع البيان 3 / 192 .
                  4 ـ مسند احمد 1 / 185 .
                  5 ـ الجصّاص / أحكام القرآن 2 / 16 .
                  6 ـ الاصبهاني / دلائل النبوة ص297 .
                  7 ـ الواحدي النيسابوري / اسباب النزول ص74 .
                  8 ـ الزمخشري / الكشّاف 1 / 193 .
                  9 ـ الرازي / التفسير الكبير 8 / 85 .
                  10 ـ ابن أثير / اُسد الغابة 4 / 25 .
                  وآخرون من العلماء .
                  حيت جعلت علياً (عليه السلام) نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والرسول معصوم بالاتفاق اذن علي كذلك.
                  (3) قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم…).
                  النساء 59 .
                  المرا د من اولي الامر في الآية الشريفة هم الائمة الإثنا عشر من آل محمد ـ صلوات الله عليهم اجمعين ـ للروايات الكثيرة المروية عن ائمة أهل البيت (عليهم السلام) والمذكورة في عدة كتب منها كتاب : ( البرهان في تفسير القرآن ) 1 / 381.
                  وهذه الاية دلت على عصمة اولي الامر بدليل ان طاعتهم مقرونة بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله (ص) والطاعة لا تكون إلا لذوي العصمة والطهارة .
                  وقد ذكر جمهرة من علماء أهل السنة نزول هذه الآية المباركة في شأن الامام علي (ع) وان المقصود من اولي الامر هو علي بن ابي طالب (ع) ، منهم :
                  1 ـ الحسكاني / شواهد التنزيل 1 / 149 .
                  2 ـ ابي حيّان الاندلسي / تفسير البحر المحيط 3 / 278 .
                  3 ـ الكشفي الترمذي / مناقب المرتضوية / 56 .
                  4 ـ القندوزي / ينابيع المودة : 116 .
                  وأما الآيات الاخرى الدالة على عصمتهم فنذكر لك ارقامها وللوقوف على الحقيقة والواقع راجع كتاب (عمدة النظر) للسيد هاشم البحراني وكتب التفاسير الشيعيّة :
                  4 ـ التوبة 119 .
                  5 ـ المائدة 55 .
                  6 ـ الرعد 43 .
                  7 ـ النساء 41 .
                  8 ـ الحج 77 ـ 78 .
                  9 ـ النحل 43 .
                  10 ـ الانبياء 73 .
                  11 ـ السجدة 24 .
                  12 ـ النور 55 .
                  وأما الادلة الدالة على عصمتهم (عليهم السلام) من السنة الشريفة فكثيرة جداً نذكر بعضها:
                  (1) قال عبد الله بن عباس : سمعت رسول الله (ص) يقول : ( أهل بيتي أمان لاهل الارض ، كما ان النجوم امان لاهل السماء ، قيل : يا رسول الله الائمة بعدك من أهل بيتك ؟ قال : نعم الائمة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين ، امناء معصومون ، ومنّا مهدي هذه الامة ، ألا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي ، ما بال اقوام يؤذونني فيهم لا أنالهم الله شفاعتي ) .
                  الحمويني / فرائد السمطين 2 / 133 الرقم 430 .
                  (2) قال جابر بن عبد الله الانصاري : كان رسول الله (ص) في الشكاة التي قبض فيها ، فإذا فاطمة (عليها السلام) عند رأسه ، فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول الله ) طرفه اليها فقال : حبيبتي فاطمة ، ما الذي يبكيك ؟ قالت : أخشى الضيعة من بعدك ، قال : يا حبيبتي لا تبكين ، فنحن أهل بيت اعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحداً قبلنا ولا يعطيها أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيين ، …… ، ومنّا سبطا هذه الامة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وسوف يخرج الله من صلب الحسين تسعة من الائمة أمناء معصومون ، ومنّا مهدي هذه الامة .. روى هذا الحديث من علماء السنة :
                  1 ـ ابن عساكر / تاريخ دمشق 1 / 239 ح303 .
                  2 ـ الحمويني / فرائد السمطين 2 / 84 .
                  3 ـ الطبراني / المعجم الكبير ص135 .
                  4 ـ الطبري / ذخائر العقبى ص135 .
                  5 ـ البدخشي / مفتاح النجا ص263 .
                  (3) حديث الثقلين ، فقد ورد عن رسول الله (ص) متواتراً قوله : ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) رواه واخرجه اكثر من ( 180 ) عالم سني منهم :
                  1 ـ صحيح مسلم 2 / 238 .
                  2 ـ مسند أحمد 5 / 181 ، 3 / 26 .
                  3 ـ صحيح الترمذي 2 / 220 .
                  4 ـ الطبقات الكبرى 1 / 194 .
                  5 ـ المعجم الصغير 1 / 131 .
                  6 ـ سنن الدارمي 2 / 431 .
                  7 ـ كنز العمال 15 / 122 .
                  8 ـ المستدرك على الصحيحين 3 / 109 .
                  دلّ هذا الحديث على عصمة أهل البيت (ع) لانهم عدل القران ، وبما ان القران محفوظ من الزلل ومعصوم من الخطأ لانه من عند الله تعالى فكذلك ما قرن به وهم عترة محمّد (ص) وإلاّ لما صحت المقارنة .
                  نكتفي بهذا المقدار من الاحاديث للاختصار وعليكم بمراجعة كتاب ( عمدة النظر ) للبحراني حيث ذكر ( 45 ) حديثا على عصمتهم (عليهم السلام) كما ذكر اثنا عشر دليلا عقليا على عصمتهم (عليهم السلام) .

                  تعليق


                  • #10
                    [grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]بسم الله الرحمن الرحيم
                    و به نستعين[/grade]


                    االعضو لواء الحسين

                    دعك من هذا الكلام .... إن كان لك رد فى الموضوع و تستطيع أن تأتى بما يثبت وجوب ولاية المعصوم فإت به ...
                    أما أن تتبع كلام عام لا يثبت شيئ مما تقولون فلا رد لك عندى إلا ما قرأته ...
                    عجبا لكم فى أقوالكم و أفعالكم ...
                    تقول أن إمامك على بن أبى طالب وليد الكعبة .... طبعا كلام من عند أنفسكم لا دليل عليه و لا إثبات إلا من كلام علماؤكم بل سند .
                    و تقول أن إمامى عمر بن الخطاب إبن زنا ... و نسيت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج إبنته و سيدنا على زوجه أبنته أم كلثوم ...
                    فهل تطعن فى رسول الله الذى ناسب إبن الزنا أم تطعن فى على الذى يعطى إبنته لإبن الزنا ...

                    دع عنك النرفزة و حاول أن تجد ما ترد به ... المهم أن يكون كلاما صحيحا أو على الأقل من الممكن أن يقبله العقل .



                    هدانا الله و هداكم ...

                    و شكرا ..

                    .

                    تعليق


                    • #11
                      [grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]بسم الله الرحمن الرحيم
                      و به نستعين[/grade]


                      العضو خادمة بطلة كربلاء

                      لا تدعى على أهل السنة أنهم متفقون على الإمامة الموجودة عندكم فلو كانوا متفقين لأصبحوا من الشيعة ... فلا تدعى عليهم .

                      لقد فندنا لكم مرارا و تكرارا إدعائاتكم بخصوص آية الولاية فى كثير من المشاركات و إليك إختصارا لما قلناه :
                      1 - أن الواو ليست واو الحال إذ لو كان كذلك لكان لا يسوغ أن يتولى إلا مَن أعطى الزكاة في حال الركوع فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة .
                      2 - أنَّ المدح إنما يكون بعمل واجبٍ أو مستحبٍ ، وإيتاء الزكاة في الصلاة ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق علماء الملة ، فإن في الصلاة شغلاً .
                      3 - أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسناً لم يكن فرقٌ بين حال الركوع وغير حال الركوع ، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن .
                      4 - أن "عليّاً" لم يكن عليه زكاةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
                      5 - أنه لم يكن له أيضا خاتمٌ ولا كانوا يلبسون الخواتم .
                      6 - أنَّ إيتاءَ غيرِ الخاتم في الزكاة خيرٌ مِن إيتاء الخاتم فإنَّ أكثر الفقهاء يقولون لا يجزئ إخراج الخاتم في الزكاة .
                      7 - أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل ، والمدح في الزكاة أنْ يخرجها ابتداءً ، ويخرجها على الفور لا ينتظر أن يسأله سائلٌ .
                      8 - أنَّ الكلام في سياق النهي عن موالاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين كما يدل عليه سياق الكلام .
                      9 - أن الآية ليس بها أى تصريح يدل على سيدنا على .
                      10 - أن وليكم جاءت من الولاء و ليس من ولى الأمر .
                      11 - أن الإمامة و هى أعظم ما عندكم لا يمكن إثباتها بآية غير صريحة لها إحتمالات عدة .

                      إقرأى و تتدبرى ما تقرأين و لا داعى لكتابة موضوع بكل هذه المراجع و كلها تدور حول نفس الموضوع ... ركزى كلامك فى نقاط محددة حتى يتثنى الرد عليها .

                      و إلى الآن أراك لم تستطعين الإجابة على الأسئلة السهلة جدا جدا و هى :

                      هل تستطيعين أن تثبتى أن الله واحد ؟؟؟
                      هل تستطيعين أن تثبتى أن رسول الإسلام هو محمد و ليس غيره ؟؟؟
                      هل تستطيعين إثبات أن شهر الصوم المفروض علينا هو شهر رمضان ؟؟؟
                      هل تستطيعين أن تثبتى أن الصلاة مفروضة على المسلمين ؟؟؟

                      و بعد الإجابة لنا كلام آخر ... أما إذا لم تجيبى فسيعلم الجميع إنك لا يستطيعين الإجابة على أبسط الأسئلة .




                      هدانا الله و هداكم ...

                      و شكرا ..

                      .
                      التعديل الأخير تم بواسطة Abofarhah; الساعة 26-05-2005, 09:48 PM.

                      تعليق


                      • #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة Abofarhah
                        [grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]بسم الله الرحمن الرحيم
                        و به نستعين[/grade]


                        االعضو لواء الحسين

                        دعك من هذا الكلام .... إن كان لك رد فى الموضوع و تستطيع أن تأتى بما يثبت وجوب ولاية المعصوم فإت به ...
                        أما أن تتبع كلام عام لا يثبت شيئ مما تقولون فلا رد لك عندى إلا ما قرأته ...
                        عجبا لكم فى أقوالكم و أفعالكم ...
                        تقول أن إمامك على بن أبى طالب وليد الكعبة .... طبعا كلام من عند أنفسكم لا دليل عليه و لا إثبات إلا من كلام علماؤكم بل سند .
                        و تقول أن إمامى عمر بن الخطاب إبن زنا ... و نسيت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج إبنته و سيدنا على زوجه أبنته أم كلثوم ...
                        فهل تطعن فى رسول الله الذى ناسب إبن الزنا أم تطعن فى على الذى يعطى إبنته لإبن الزنا ...

                        دع عنك النرفزة و حاول أن تجد ما ترد به ... المهم أن يكون كلاما صحيحا أو على الأقل من الممكن أن يقبله العقل .



                        هدانا الله و هداكم ...

                        و شكرا ..

                        .





                        إني لا أشرفك بأن أرد عليك , و لكن أدعوك أن تقراء هذا الموضوع عسى و لعل أن يكون مفيدا لك

                        علي وليد الكعبة


                        بمناسبة ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام

                        13 رجب 1422هـ

                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد آله الطاهرين .

                        علي وليد الكعبة

                        سوف يكون الحديث في عدة نقاط :

                        1- أهمية الكعبة وعظم قدرها .

                        2- وليد الكعبة ومن هو ؟

                        3- علاقة علي عليه السلام بالكعبة .

                        1- الكعبة أول بيت للعبادة

                        يكثر استعمال البيت في القرآن الكريم في الكعبة المشرفة فيطلق البيت ويراد به الكعبة كما في الآيات التالية :

                        قال تعالى : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإسماعيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ( [1] ) .

                        وقال تعالى : ( فمن حجََّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطَّّّّوََّّّّف بهما ) [2] ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً ) [3] ( ولله على الناس حجُُّ البيت من استطاع إليه سبيلا ) [4] ] إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ [ [5]

                        ففي هذه الموارد استعمل لفظ البيت وأريد به الكعبة المشرفة .

                        كما فسرت الكعبة بالبيت في قوله تعالى : ] جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ[ [6]

                        أول بيت وضع

                        [ 1 ] قال تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96)فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبراهيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [7] .

                        وهذه الآية تدل على شرف هذا البيت بل كل الشرف له فهو السابق على كل البيوت والأماكن والبقاع ، ففضله وشرفه سابق على كل الأماكن المقدسة فهو مبارك ، وهدى للعالمين جميعاً ، وفيه آيات الله البينات : من مقام إبراهيم ، وحجر إ سماعيل ، وغيرهما،ولشرفه وعظمته جعله أماناً لكل الخلائق بما في ذلك الإنسان والحيوانات والطيور والنبات.

                        1 – فقد جاء في صحيح ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات ) ، ما هذه الآيات البينات ؟

                        قال : ( مقام إبراهيم ، حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه ، والحجر الأسود ، ومنزل إسماعيل عليه السلام ) [8] .

                        2_ وجاء في تفسير القمي قال : ( أم القرى مكة ، سميت أم القرى لأنها أول بقعة خلقها الله من الأرض لقوله : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً )( [9] ) .

                        3_ وفي خبر أبي حسّان عن أبي جعفر عليه السلام قال :

                        (( لما أراد الله عزّ وجلّ أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن وجه الماء حتى صار موجاً ، ثم أزبد فصار زبداً واحداً فجمعه في موضع البيت ، ثم جعله جبلاً من زبد ، ثم دحى الأرض من تحته ، وهو قول الله عز وجل : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً )[10] .

                        2 - بناء الكعبة

                        من هو أول من بنى الكعبة هل هوإبراهيم عليه السلام ؟ أو آدم عليه السلام أو الملائكة ؟؟ .

                        الجواب :

                        الذي يبدو من قوله تعالى : ] وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإسماعيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ [11] .

                        وغيرها أن البيت كان موجوداً قبل إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقد تهدم وبقيت أركانه وأسسه الأولية ، فجاء الخليل مع ابنه إسماعيل عليهما السلام ورفعا قواعد البيت التي اندثرت آثاره وانتهت معالمه الظاهرية ولم يبقى إلا القواعد الداخلية .

                        ويدل عليه قوله تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) [12].

                        قال الشيخ الطوسي : وروي عن علي عليه السلام أنه قال :

                        ( أول بيت وضع للعبادة البيت الحرام . وقد كانت قبله بيوت كثيرة ) [13] .

                        لعلها بيوت للسكن والاستقرار .

                        فيوجد هناك قولان في أول من بنى الكعبة :

                        القول الأول : أن أول من بناه هم الملائكة : ويوجد روايات عديدة تدل على وجود البيت قبل إبراهيم عليه السلام ، وقد حج إليه عدد من الأنبياء ، وحج إليه آدم عليه السلام ، بل والملائكة من قبله .

                        1 – فقد جاء في صحيح معاوية بن عمار ، وجميل بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام :

                        (( قال : لما طاف آدم بالبيت وانتهى إلى الملتزم ، قال له جبرائيل عليه السلام يا آدم أقر لربك بذنوبك في هذا المكان ، قال : فوقف آدم عليه السلام فقال : يا رب إن لكل عامل أجراً ، وقد عملت فما أجري ؟ فأوحى الله عز وجل إليه يا آدم قد غفرت ذنبك . قال : يا رب ولولدي [ أ ] ولذريتي ، فأوحى الله – عزّ وجلّ - إليه ، يا آدم من جاء من ذريتك إلى هذا المكان وأقر بذنوبه وتاب كما تبت ، ثم استغفر ، غفرت له )) [14] .

                        2 – وكذلك صحيح معاوية بن عمار ، الآخر ، عن أبي عبد الله عليه السلام :

                        (( قال : لمّا أفاض آدم من منى ، تلقته الملائكة فقالوا : يا آدم بِر حجّك ، أما إنه قد حججنا هذا البيت قبل أن تحجه بألفي عام )) [15] .

                        وذكر بناء الملائكة للبيت قبل آدم ، الأزرقي في تاريخ مكة ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام [16] .

                        والقول الثاني :

                        أن الذي بنى البيت هو آدم عليه السلام : كما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

                        (( إن آدم عليه السلام هو الذي بنى هذا البيت ، ووضع أساسه ، وأول من كساه الشعر وأول من حج إليه … إلخ )) [17] .

                        ولا محيص عن القول الأول للأدلة الصحيحة وعدم قوة الأدلة للقول الثاني .

                        3-النبي ( ص )ساهم في بناء الكعبة

                        ساهم رسول الله صلىالله عليه وآله في بناء الكعبة المشرفة .

                        فقد جاء في صحيحة داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله ساهم قريشاً في بناء البيت فصار لرسول الله صلى الله عليه وآله من باب الكعبة إ لى النّصف مابين الرّكن اليماني إلى الحجر الأسود ) [18] .

                        وفي رواية أخرى : كان لبني هاشم من الحجر الأسود إلى الركن الشّامي [19].

                        وهذه الرواية تخالف الرواية السابقة : إلاّ أن يقال : أنهم أشركوه صلى الله عليه وآله مع بني هاشم في هذا الضلع فكان له ما بين الحجر إلى الباب .

                        4-الرسول ( ص ) يضع الحجر الأسود

                        كما في صحيحة سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (( إنّ قريشاً في الجاهلية هدموا البيت فلمّا أرادوا بنائه حيل بينهم وبينه ، وألقي في روعهم الرّعب ، حتّى قال قائل منهم : ليأتي كل رجل منكم بأطيب ماله ، ولاتأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أوحرام ، ففعلوا فخلّى بينهم وبين بنائه فبنوه حتّى انتهوا إلى موضع الحَجَر الأسود فتشاجروا فيه أيّهم يضع الحجر الأسود في موضعه حتّى كاد أن يكون بينهم شرّ فحكموا أوّل من يدخل من باب المسجد ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلمّا أتاهم أمر بثوب فبسط ثمّ وضع الحجر في وسطه ثمّ أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ، ثمّ تناوله صلى الله عليه وآله فوضعه في موضعه ، فخصّه الله به ))[20].

                        5– احترام الكعبة في الجاهلية

                        فقد جاء في صحيح سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن العرب لم يزالوا على شيء من الحنيفية يصلون الرحم ، ويقرون الضّيف ، ويحجّون البيت ، ويقولون : اتقوا مال اليتيم ، فإنّ مال اليتيم عقال ، ويكفّون عن أشياء من المحارم مخافة العقوبة ، وكانوا لا يملا لهم إذا انتهكوا المحارم ، وكانوا يأخذون من لحاء شجر الحرم فيعلّقونه في أعناق الإبل ، فلا يجتري أحد أن يأخذ من تلك الإبل حيث ذهبت ، ولا يجتري أحد أن يعلّق من غير لحاء شجر الحرم ، أيّهم فعل ذلك عوقب ، فأمّا اليوم فأملى لهم ، ولقد جاء أهل الشام ونصبوا المنجنيق على أبي قبيس ، فبعث الله عليهم سبحانه كجناح الطير فأمطرت عليه صاعقة ، فأحرقت سبعين رجلاً حول المنجنيق )) [21] .

                        6-الكعبة عنوان الإسلام

                        قال تعالى : ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) [22].

                        وجاء في صحيح أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال :

                        ( لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة ) [23] .

                        - وفي صحيح عبدالرحمن بن أبي عبدالله ( البصري ) قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام :

                        (( أنّ ناساً من هؤلاء القصاص يقولون : إذا حج رجل حجة ، ثم تصدق ووصل كان خيراً له ، فقال : كذبوا لو فعل هذا الناس لعطل هذا البيت ، إنّ الله تعالى جعل البيت قياماً للناس )) [24] .

                        7- فضل النظر إلى الكعبة

                        1 – صحيحة زرارة قال : كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر عليه السلام وهو محتب مستقبل الكعبة ، فقال : (( أما إنّ النظر إليها عبادة )) .

                        2 – صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام :

                        (( قال : إنَّ الله تبارك وتعالى جعل حول الكعبة عشرين ومائة رحمة ، ستون للطائفين وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين ))[25] .

                        روى هذه الرواية الكليني في ( الكافي ج4 ص 240 ) وفيه : (( إنَّ الله تبارك وتعالى حوّل الكعبة عشرين ومائة رحمة منها ستون …)) .

                        وهذه الرواية رواها الشيخ الصدوق ، بسند صحيح عن أبي عبدالله عليه السلام قال وفيه : (( إن لله تبارك وتعالى حول الكعبة مائة وعشرين رحمة ، منها : ستون للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين )) [26] .

                        3 – صحيحة حريز، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

                        (( النظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر إلى الوالدين عبادة ، والنظر إلى الإمام عبادة ، وقال من نظر إلى الكعبة كتبت له حسنة ومحيت عنه عشر سيئات )).[27]

                        4- وعن أبي عبد الله ( الصادق ) عليه السلام (( من نظر إلى الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها، غفر الله له ذنوبه وكفاه همّ الدنيا والآخرة )) [28].

                        8- الكعبة هي القبلة الأولى

                        عندما أمر الله نبيّه وخليله إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة .

                        قال تعالى : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإسماعيل) [29] .

                        وقال تعالى : ) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ( [30] .

                        فعندما أكمل إبراهيم بناء الكعبة ، جعلها قبلة ومطافاً للناس قبل أي مكان مقدس آخر حتى قبل أن يقوم سليمان عليه السلام ببناء بيت المقدس في فلسطين .

                        فقول إبراهيم عليه السلام : ] رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ[ [31] .

                        فالهدف الأساسي من بناء الكعبة هو ، إقامة الصلاة والتوجه إليها في حال الصلاة مع إقامة شعائر الحج ومناسكه.

                        فتحويل القبلة من الكعبة إلى بيت المقدس إنما كان مؤقتاً وامتحاناً ، فبعد مرور تلك الفترة ، أرجعت القبلة إلى الكعبة المشرفة كما كانت في زمان إبراهيم عليه السلام .

                        فجعل الكعبة قبلة لجميع المسلمين في كل مكان ، هذا شرف للكعبة والحرم الإلهي ، ويتشرف بذلك جميع المسلمين لأنهم رجعوا إلى قبلة أبيهم إبراهيم عليه السلام .

                        وهذا الشرف للكعبة لا يدانيه أي شرف ، وأرض الكعبة لا تلحقها أي أرض في العالم مهما كانت .

                        9- الكعبة قبلة المسلمين

                        بعد أن مر المسلمون وأتباع الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بالامتحان في الصلاة متجهين إلى بيت المقدس على بعض الأقوال : ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) [32] .

                        وربما قيل في القبلة التي كنت عليها هي : الكعبة حيث أن الرسول كان في مكة يصلي إلى الكعبة وهي قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام وبعد هجرته إلى المدينة أُمر بالصلاة إلى بيت المقدس .

                        وفي شهر رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين ، أُمر الرسول أصحابه ، أن يحولوا وجوههم في الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة المعظمة .

                        فقال تعالى : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ( [33] .

                        وقال تعالى : ) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(149)وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( [34] .

                        يقول الطبرسي : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينتظر الوحي من السماء في تحويله إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم ، ومفخرة العرب ومطافهم ، فيكون أدعى لهم إلى الإيمان ، ولمخالفة اليهود )( [35]).

                        وبشرف الكعبة تتشرف مكة كقبلة للمسلمين ، خصوصاً على القول الفقهي القائل أن الكعبة قبلة لمن في المسجد الحرام ، والمسجد قبلة لمن في مكة ، ومكة قبلة لجميع البلدان .

                        كما جاء في خبر الحجال عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

                        (( إن الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا )) [36].

                        10- دحو الأرض من تحت الكعبة

                        قال تعالى : ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) .

                        أي بسطها ، من ( دحوت الشيء دحواً ) بسطته . وفي الحديث ( يوم دحو الأرض ) أي بسطها من تحت الكعبة ، و هو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة .

                        ويوم دحو الأرض : يوم مشهور ، ومشهود عند آل محمد عليهم السلام ، ويستحب صيامه ، وفيه ثواب كثير.

                        ودحو الأرض وبسطها إنما كان من تحت الكعبة

                        3 – سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام :

                        (( لم سميت مكة أم القرى ؟ قال عليه السلام : لأن الأرض دحيت من تحتها ......... وسأل عن أول بقعة بسطت من الأرض أيام الطوفان ، فقال له : موضع الكعبة ، وكانت زبرجدة خضراء )) [37] .

                        4 – وفي خبر صالح اللفائفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

                        (( إن الله عز وجل دحى الأرض من تحت الكعبة إلى منى ، ثم دحاها من منى إلى عرفات ، ثم دحاها من عرفات إلى منى فالأرض من عرفات وعرفات من منى ، ومنى من الكعبة )) [38] .

                        5 – وسئل أمير المؤمنين عليه السلام :

                        (( لم سميت مكة ؟ قال : لأن الله مكّ الأرض من تحتها ، أي دحاها )) [39] .

                        11- الكعبة أحب البقاع إلى الله

                        لاشك في تفاضل الأرض بعضها على البعض الآخر ، وقد تعددت الروايات الصحيحة الدالة ، على أفضلية أرض الكعبة المشرفة ومكة المكرمة والحرم الإلهي على غيرها من الأراضي ، فمن ذلك :

                        1 – صحيحة زرارة : (( قال كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر عليه السلام وهو محتب مستقبل الكعبة .

                        فقال : أما إنّ النظر إليها عبادة .

                        فجاءه رجل من بجيلة يقال له : عاصم بن عمر .

                        فقال لأبي جعفر عليه السلام : إنّ كعب الأحبار كان يقول : إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة .

                        فقال أبوجعفر عليه السلام : فما تقول فيما قال كعب؟

                        فقال : صدق ، القول ما قال كعب.

                        فقال أبوجعفر عليه السلام : كذبت وكذب كعب الأحبار معك وغضب .

                        قال زرارة : ما رأيته استقبل أحداً بقول : كذبت ، غيره .

                        ثم قال : ما خلق الله عز وجل بقعة في الأرض أحب إليه منها - ثم أومأ بيده نحو الكعبة - ولا أكرم على الله عز وجل منها ، لها حرّم الله الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السموات والأرض ، ثلاثة متوالية للحج : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، وشهر مفرد للعمرة رجب )).

                        روى هذه الرواية : ثقة الاسلام الكليني ( في الكافي ج4 ص239 )

                        12- مكة أحب الأرض إلى الله

                        إنّ أرض مكة المكرمة هي أرض الله المطهرة التي أنشأ عليها مشاعره المقدسة وأوجب على عباده حجّها تعظيماً لشأنه وإكراماً إليه فلا غرو أن تكون هذه البقعة أحب الأرض إليه :

                        فقد روى الشيخ الصدوق بسند صحيح ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

                        (( أحب الأرض إلى الله تعالى مكّة ، وما تربة أحب إلى الله عزّ وجل من تربتها ، ولا حجر أحب إلى الله من حجرها ، ولا شجر أحب إلى الله من شجرها ، ولا جبال أحب إلى الله من جبالها ، ولا ماء أحب إلى الله من مائها )) .[40]

                        13- أول ما خلق الله من الأرض مكة

                        تعددت الروايات الدالة على أن أرض مكة وبالأخص أرض الكعبة المشرفة هي أول ما خلق الله من الأرض .

                        1 – فقد جاء في تفسير القمي بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :

                        (( إن إبراهيم عليه السلام كان نازلاً في بادية الشام ، فلما ولد له من هاجر إسماعيل ، اغتمت ساره من ذلك غماً شديداً ، لأنها لم يكن لها منه ولد ، وكانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمّه ، فشكى إبراهيم ذلك إلى الله عز وجل ، فأوحى الله إليه ، إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء إن تركتها استمتعتها ، وإن أقمتها كسرتها ، ثم أمره أن يخرج إسماعيل وأمه ، فقال : يا رب إلى أي مكان ؟

                        قال : إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض وهي مكة … إلخ )) [41] .

                        ولادة علي في الكعبة

                        تسالم علماء الشيعة على ولادة علي بن أبي طالب عليه السلام في جوف الكعبة المباركة فقد روى الصدوق:

                        قال يزيد بن قعنب : كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزى بازاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة به لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطلق ، فقالت : رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل ، وإنه بنى البيت العتيق ، فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي . قال يزيد بن قعنب : فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ، والتزق الحائط ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عز وجل ، ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه السلام ثم قالت : إني فضلت على من تقدمني من النساء لان آسية بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا ، وإن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا ، وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرواقها، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف ، يا فاطمة سميه عليا فهو علي ، والله العلي الأعلى يقول : إني شققت اسمه من اسمي ، وأدبته بأدبي ، ووقفته على غامض علمي ، وهو الذي يكسر الاصنام في بيتي ، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ، ويقدسني ويمجدني ، فطوبى لمن أحبه وأطاعه ، وويل لمن أبغضه وعصاه . [42]

                        أعلام الفريقين على تواتر هذه الحادثة

                        1- قال الحاكم في " المستدرك " :

                        فقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة .[43]

                        2- وحكى الحافظ الكنجي الشافعي في ( الكفاية ) من طريق ابن النجار عن الحاكم النيسابوري أنه قال : ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه إكراما له بذلك ، وإجلالا لمحله في التعظيم .[44]

                        3- الدهلوي الشهير بشاه ولي الله والد عبد العزيز الدهلوي مصنف ( التحفة الاثنى عشرية في الرد على الشيعة ) فقال في كتابه ( إزالة الخفاء ) : تواترت الأخبار إن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليا في جوف الكعبة فإنه ولد في يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده .[45]

                        4- شهاب الدين السيد محمود الآلوسي صاحب التفسير الكبير قال : في ( شرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية ) لعبد الباقي أفندي العمري ص 15 عند قول الناظم :

                        أنت العلي الذي فوق العلى رفعا * ببطن مكة عند البيت إذ وضعا

                        قال :

                        وكون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة - إلى أن قال - : ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه بل لم تتفق الكلمة عليه ، وما أحرى بإمام الأئمة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين ؟ وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين .

                        وقال في ص 75 عند قول العمري :

                        وأنت أنت الذي حطت له قدم * في موضع يده الرحمن قد وضعا

                        وقيل : أحب عليه الصلاة والسلام ( يعني عليا ) أن يكافئ الكعبة حيث ولد في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها فإنها كما ورد في بعض الآثار كانت تشتكي إلى الله تعالى عبادة الأصنام حولها وتقول : أي رب حتى متى تعبد هذه الأصنام حولي ؟ والله تعالى يعدها بتطهيرها من ذلك .[46]

                        5- ذكر موفق بن أحمد الخوارزمي في كتاب المناقب ، ولد بمكة المشرفة داخل البيت الحرام في يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الاصم رجب سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة - وقيل بخمس وعشرين - وقبل المبعث باثنتي عشرة سنة - وقيل بعشر سنين - ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه ، وهي فضيلة خصه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاء لمرتبته وإظهارا لكرامته ، وكان هاشميا من هاشميين ، وأول من ولده هاشم مرتين ، وكان مولده بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله بخديجة بثلاث سنين ، وكان عمر رسول الله صلى الله عليه واله يوم ولادة علي ثماني وعشرين سنة ، انتهى كلام المالكي [47].

                        ويجدها القارئ من المتسالم عليه من فضائل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في غير واحد من مصادر القوم منها :

                        1 - مروج الذهب 2 ص 2 تأليف أبي الحسن المسعودي الهذلي

                        2 - تذكرة خواص الأمة ص 7 " سبط ابن الجوزي الحنفي

                        3 - الفصول المهمة ص 14 " ابن الصباغ المالكي

                        4 - السيرة النبوية 1 ص 150 " نور الدين علي الحلبي الشافعي

                        5 - شرح الشفا ج 1 ص 151 " الشيخ علي القاري الحنفي

                        6 - مطالب السئول ص 11 " أبي سالم محمد بن طلحة الشافعي

                        7 - محاضرة الأوائل ص 120 " الشيخ علاء الدين السكتواري

                        8 - مفتاح النجا في مناقب آل العبا " ميرزا محمد البدخشي

                        9 - المناقب " الأمير محمد صالح الترمذي

                        10 - مدارج النبوة " الشيخ عبد الحق الدهلوي

                        11 - نزهة المجالس 2 ص 204 " عبد الرحمن الصفوري الشافعي 12 - آيينه تصوف ط ص 1311 " شاه محمد حسن الجشتي

                        13 - روائح المصطفى ص 10 " صدر الدين أحمد البردواني

                        14 - كتاب الحسين 1 ص 16 " السيد علي جلال الدين

                        15 - نور الأبصار ص 76 " السيد محمد مؤمن الشبلنجي

                        16 - كفاية الطالب ص 37 " الشيخ حبيب الله الشنقيطي

                        علماء الشيعة

                        وأما أعلام الشيعة فقد ذكرت منهم هذه الأثارة أمة كبيرة وقد عد العلامة الأميني منهم 50 عالما ً وذكر تحت رقم 50 قال :

                        50 - شيخنا الأوردبادي ألف في الموضوع كتابا فخما ، وقد أغرق نزعا في التحقيق ولم يبق في القوس منزعا ، وإليك فهرست عناوينه .

                        1 - حديث المولد الشريف وتواتره .

                        2 - حديث الولادة الشريفة مشهور بين الأمة .

                        3 - نبأ الولادة والمحدثون

                        4 - حديث الولادة والنسابون .

                        5 - حديث الولادة والمؤرخون .

                        6 - حديث الولادة والشعراء .

                        7 - حديث الولادة والاجماع عليه . [48]

                        علي وليد الكعبة

                        فضائله لاتعد ولاتحصى

                        فعن ابن عباس : ما نزل في أحد في كتاب الله مانزل في علي .

                        وعنه : ما أنزل الله : يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي أميرها وشريفها ولقد عاتب الله أصحاب محمد ( ص ) في غير مكان من كتابه العزيز وما ذكر علياً إلا بخير .

                        وقال الحاكم : قال أحمد بن حنبل : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله ( ص ) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .

                        ولوم يكن من فضائله إلا ولادته في الكعبة لكفى .

                        علاقة علي عليه السلام بالكعبة

                        العبادة :

                        أعلى مراتب صفات الكمال للإنسان هو أن يصل إلى أعلى مراتب العبودية لله سبحانه وقد أبرز القرآن هذه الصفة لرسول لله صلى الله عليه وآله مما يدلل على علو هذه الصفة قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) فحقيقة الإسراء والعروج لا يحصلان للعبد إلا بقدم العبودية ، وكذلك قال تعالى : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) وكما في ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) وكما يقول : ( فوجد عبداً من عبادنا ) فالوحي والعلم اللدني لا يحصلان إلا لمن بلغ أقصى درجات العبودية , وهكذا علاقة علي عليه السلام بالكعبة علاقة العبادة منذ صغره حتى شهادته فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي عليه السلام أنه قال : إني عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب صليت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة . [49]

                        ومن اهتمام أمير المؤمنين عليه السلام بالكعبة أوصى بنيه بها كما جاء في صحيح حماد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :

                        ( كان علي صلوات الله عليه يقول لولده:يا بنيّ انظروا بيت ربكم فلا يخلونّ منكم فلا تناظروا )[50] .

                        ومعنى فلا تناظروا : يعني فلا تمهلوا . لان المراد من المناظرة الانظار وهو الإمهال .



                        والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .









                        --------------------------------------------------------------------------------

                        [1] سورة البقرة آية 127 .

                        2 البقرة : 158 .

                        3 البقرة 125 .

                        4 آل عمران : 97 .

                        5 آل عمران : 96 .

                        [6] سورة المائدة آية 97 .

                        [7] سورة آل عمران آية 96 و97 .

                        [8] الكافي ج4 ص 223 كتاب الحج باب 10 في قوله تعالى فيه آيات بينات ، الوسائل كتاب الحج باب 18 من أبواب مقدمات الطواف ح5.

                        [9] تفسير القمي ج2 ص272 ، وعنه في البحار ج54 ص64 .

                        [10] الكافي ج4 ص189 كتاب الحج باب3 ح6 .

                        [11] سورة البقرة آية 127 .

                        [12] سورة آل عمران آية 96 .

                        [13] التبيان للطوسي ج2 ص535 .

                        [14] الكافي ج4 كتاب الحج باب حج آدم ح3 .

                        [15] الكافي ج4 كتاب الحج باب حج آدم ح4 .

                        [16] تاريخ مكة للأزرقي ج1 ص44 .

                        [17] وسائل الشيعة كتاب الحج باب 10 من مقدمات الطواف ح1758 .

                        [18] الكافي ج 4 كتاب الحج باب 9 ورود تبّع …ح 5 ، والفقيه ج 2 ص 158 باب 64 ح 27 ، وعنهما في الوسائل كتاب الحج باب 11 من أبواب مقدمات الطواف ح 11 .

                        [19] نفس المصادر السابقة .

                        [20] الكافي ج 4 ص 217 باب 9 ورود تّبع …ح 3 ، الفقيه ج2 ص 158 باب 64 ح 24 ، وعنهما في الوسائل كتاب الحج باب 11 من أبواب مقدمات الطواف ح 9 .

                        [21] الوسائل كتاب الحج باب 18 من أبواب مقدمات الطواف ح2 .

                        [22] سورة المائدة آية 97 .

                        [23] الكافي ج1 ص271 كتاب الحج باب انه لو ترك الناس الحج لجاءهم العذاب ، علل الشرائع ج2 ص98 باب 132 ح1 .

                        [24] علل الشرائع ج2 ص161 باب210 ح1 .

                        [25] وسائل الشيعة كتاب الحج باب9 من مقدمات الطواف ح17819 عن الكليني .

                        [26] ثواب الإعمال ص 77ح11بسند صحيح ، ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص74 مرسلاً.

                        27 رواها الشيخ الكليني في ( الكافي ج4 ص240 )

                        28 الوسائل ج 13 ص 265 ح 17703 .

                        29 البقرة : 127

                        30 آل عمران : 96 .

                        31 إبراهيم : 37 .

                        32 البقرة : 143 .

                        33 القرة : 143 – 144 .

                        34 البقرة : 149 – 150 .

                        35 جوامع الجامع ج 1 ص 94 .

                        36 وسائل الشيعة ج 4 ص 303 ح 5216 . ط آل البيت .

                        37 علل الشرايع ج 2 ص 318 و 320 . ط الأعلمي .

                        38

                        39 البحار ج 96 ص 85 ح 45 .

                        40 الوسائل كتاب الحج باب 19 من أبواب مقدمات الطواف ج 13 ص 243 ح 17653 . طبع آل البيت .

                        41 تفسير علي بن إبراهيم

                        أخذنا أكثره من كتابنا : مكة أحب البقاع إلى الله . مخطوط . وانظر فضائل الكعبة ومكة في الوسائل كتاب الحج أبواب مقدمات الطواف والبحار ج 96 كتاب الحج

                        42 معاني الأخبار ص وعلل الشرايع ص والأمالي ص - بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 35 ص 7 .

                        43 المستدرك على الصحيحين ج 3 550 ح 6044 طبع دار الكتب العلمية وج 3 ص 483 طبع حيدر آباد .

                        44 الغدير - الشيخ الأميني ج 6 ص 22 .

                        45 الغدير - الشيخ الأميني ج 6 ص 22 .

                        46 الغدير - الشيخ الأميني ج 6 ص 22 – 23 .

                        47 بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 35 ص 7 عن الفصول المهمة لابن الصباغ ص 12 و 13



                        48 الغدير - الشيخ الأميني ج 6 ص 27 .

                        49 المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 121 ح 4584.

                        50 الكافي ج 4 ص 270 والوسائل ج 11 ص 21 طبع آل البيت .

                        تعليق


                        • #13
                          و هذا أيضا

                          قراءة في كتاب «عليّ وليد الكعبة» للمحقّق الأديب الشيخ محمد علي الأردوبادي


                          المؤلف :
                          الميرزا محمد علي بن الميرزا أبو القاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الأردوبادي التبريزي النجفي .

                          أردوباد المدينة التي استمدّ لقبه منها تقع على الحدود بين أذربيجان والقَفْقَاز قرب نهر أرس .

                          ولادته كانت في تبريز في 21 رجب سنة 1312هـ . بعد ثلاث سنوات من ولادته اصطحبه والده في رحلته إلى النجف الأشرف حيث المرقد الطاهر للإمام عليٍّ(عليه السلام) وحيث الحوزة العلمية المباركة وكان ذاك سنة 1315هـ فراح يتعاهده تربيةً وتعليماً . . . «كان والده عالماً فقيهاً تقيّاً ورعاً ، خشناً في ذات الله ، أحد مراجع التقليد في آذربيجان وقَفْقَاسيا . . . وتوفّي(رحمه الله) سنة 1333»1 .

                          درس عند جمع من العلماء الكبار فقد حضر في الفقه والاُصول على والده وشيخ الشريعة الأصفهاني وأخذ عن الأخير علمَي الحديث والرجال كما درس عند الميرزا علي ابن الحجّة الشيرازي . ودرس الفلسفة عند الشيخ محمد حسين الأصفهاني وحظي بدراسة كلّ من علمي الكلام والتفسير على يد الشيخ محمد جواد البلاغي ، ودامت دروسه هذه عند الأساتذة المذكورين لأكثر من عشرين سنة ، كانت حصيلتها ـ وهو صاحب الذكاء الحاد والاستعداد والنبوغ ـ أن شهد له بالاجتهاد كلّ من استاذه الشيرازي والنائيني والشيخ عبد الكريم الحائري والشيخ محمد رضا ـ أبي المجد ـ الأصفهاني والسيد حسن الصدر والشيخ محمد باقر البيرجندي وغيرهم . ونال بعد ذلك مكانة عظيمة في الحوزات العلمية وبين علمائها وأساتذتها ، واستجازه في رواية الحديث أكثر من ستين عالماً من أجلاّء علماء العراق وايران وسوريا ولبنان وغيرها . وله إجازات متعدّدة ضمّنها طرقاً للحديث وفوائد رجالية وتراجم المشايخ . . .

                          له مؤلّفات وآثار قاربت العشرين مؤلّفاً في تفسير القرآن والاُصول وله تقريرات معتبرة لمشايخه . . ومنها الدرة الغروية والتحفة العلوية تناول فيها طرق حديث الغدير; ومنظومة في واقعة الطف . . .

                          كانت وفاته في النجف ليلة الأحد 10 صفر سنة 1380 ودفن في الصحن الشريف .

                          كتابه الذي بين أيدينا كتاب ـ كما وصفه الناشر ـ «فريد في بابه ، عزيز في وجود نظائره ، غزير في مادته ، ضمّنه المؤلف بحثاً استدلالياً معتمداً في ذلك على ما ساقته كتب الفريقين المعتبرة بالأسانيد الصحيحة التي تضمّ بين مبتداها إلى منتهاها شيوخ المحدِّثين وثقات الرواة والنسابين الأثبات والمؤرِّخين الأعلام ومهرة الفن وصاغة القريض والمحقّقين الخبراء والشعراء المبدعين . . .»

                          كلّ هؤلاء راحوا يثبتون هذه الكرامة وهذا الشرف لتضاف بهذه الفضيلة منقبة أخرى إلى مناقب سيدنا وإمامنا علي بن أبي طالب وهي أوّل منقبة رافقت ولادته الميمونة . فرح بها المحبّون لهذا البيت الهاشمي العريق في قيمه وشيمه والتزامه والذي يشكِّل أرقى البيوت القرشية والعربية وأجلّها وأسماها في وقت أثارت هذه المكرمة ضغائن الآخرين وأعداء الدين فراحوا يبذلون جهودهم لتقويض هذا الخبر وإماتة هذا الذكر بتضعيف رواته .

                          وقد بوّب الكتاب هذا تبويباً جميلا بعناوين هي الأخرى دقيقة . فعدد صفحاته 137 مع كلمة الناشر وترجمة حياة المؤلف ، أما فصوله فهي :

                          * حديث المولد الشريف وتواتره .

                          * حديث الولادة الشريفة مشهور بين الأمّة .

                          * نبأ الولادة والمحدّثون .

                          * حديث الولادة والنسابون .

                          * حديث الولادة والمؤرِّخون .

                          * حديث الولادة والشعراء .

                          * حديث الولادة مجمع عليه .

                          ثمّ تأتي الفهارس العامة «الآيات القرآنية ، والاعلام ، والأشعار والأرجاز ثمّ فهرس الموضوعات» .

                          وكان جميلا اطراءُ الشيخ العلاّمة الأميني صاحب كتاب الغدير : «شيخنا الأوردبادي ألّف في الموضوع كتاباً فخماً ، وقد أغرق نزعاً في التحقيق ولم يبقِ في القوس منزعاً»2 .


                          المقدّمة

                          إنّ فضائل علي(عليه السلام) ومناقبه وصفاته التي تميّز بها ولدت معه ورافقته حتى استشهاده ، من ولادته في جوف الكعبة وهي أعظم بيت من بيوت الله سبحانه وتعالى ، وكانت هذه الولادة «إيذاناً بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها» كما يقول عباس محمود العقاد3 ، حتى استشهاده في محراب صلاته في بيت آخر من بيوت الله في مسجد الكوفة ، وهي ولادة ثانية له ، ولكن هذه المرّة حيث جوار الله سبحانه وتعالى وحيث الحياة الأبدية التي فيها الخلودوحيث الأنبياء والصديقون...

                          الولادة في هذه البقعة المباركة المقدّسة تعدّ أولى مناقبه(عليه السلام) التي كرّمها الله فيها ، والتي لم تنجو من كيد أعدائه وحقدهم وحسدهم ، فراحت جهودهم تتضافر وأقلامهم المأجورة تنشط لتكيد كيدها لهذه الفضيلة ، وبما أنّهم لا يستطيعون نكرانها بالمرّة لشهرتها وتواترها . . اختلقوا ولادة أخرى; ولادة حكيم بن حزام في الكعبة ، ليصلوا من خلال ذلك إلى أنّ ولادة عليّ لا تعدّ منقبةً يفخر بها أحبّاؤه وأولياؤه ، وهي ليست كرامة له ، فقد ولد غيره داخل الكعبة ، فلماذا لا نعدّها كرامة أيضاً؟ وعلى فرض أنّها كرامة له فلم يتفرّد بها; لأنّ حكيماً ولد هو الآخر في الكعبة ، وبالتالي توهين هذه المنقبة .

                          وحكيم هذا هو ابن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مُرّة4 ، فهو ابن أخ لخديجة بنت خويلد (أمّ المؤمنين رضوان الله عليها) ويلتقي بمصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير المتوفى سنة ست وثلاثين ومئتين الذي كان من رواة ولادته في الكعبة إلاّ أنّه تفرّد بإضافة منه (ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد) لمآرب في نفسه ، يلتقي به في جدّهم خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرّة .

                          علماً بأنّ هذه الإضافة لم أجدها عند غيره ممّن رووا ولادة حكيم في الكعبة وكلّهم كانوا في القرن الثالث للهجرة ، فهي رواية ولدت متأخّرة جدّاً ومقطوعة الإسناد وتعاني من ضعف رواتها وشذوذها . .

                          ولم تكن ولادة حكيم معروفة قبل هذه الرواية بل لم تذكر أبداً في المصادر التأريخية ولا الروائية ، كما أنّ حكيماً نفسه لم يذكر أنّ ولادته كانت في الكعبة ، لا في جاهليته ولا في إسلامه ، وهو شرف عظيم كانوا يفتخرون به في الجاهلية ويتمنّونه ، فكيف سكت حزام عن ذكر ذلك ولم يشر إليه ولو إشارة بسيطة؟ ولم يكن صاحب مناقب كثيرة حتّى يترك ذكرها كما لم يكن زاهداً فمنعه زهده عن ذكرها . كما لم يذكرها من حوله وهو من وجهاء قريش في الجاهلية والإسلام ومن علمائها بالنسب ، كما كان جواداً كريماً ، وهو بالتالي ليس نكرة حتى يُنسى خبر ولادته في بقعة مباركة . . وكان إذا سئل عن ولادته فلم يزد في إجابته عن : ولدتُ قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة . . وذلك قبل مولد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بخمس سنين5 .

                          وكان إسلامه يوم الفتح وقيل يوم أحُد ، وكان من المؤلفة ، أعطاه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من غنائم حنين مائة بعير . عاش مئة وعشرين سنة; ستّين في الجاهلية وستّين في الإسلام ، وتوفي في المدينة سنة أربع وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين6 .

                          الروايات

                          رواية مصعب بن عثمان الذي لم أجد له ترجمة تذكر في تاريخ دمشق ولا في غيره اللّهم إلاّ ما ذكره صاحب التبيين في أنساب القرشيين مكتفياً باسمه : مصعب ابن عثمان بن عروة بن الزبير وبأنّه كان عالماً بأخبار قريش7 .

                          فلا أقلّ من أن حاله مجهول ، إن لم يكن من أولئك الضعفاء الذين أكثر ابن بكار في الرواية عنهم في الجمهرة أشياء منكرة كثيرة خاصّة أنه كان واسطةً بين عامر بن صالح وعامر هذا وابن بكار المعروف بالكذب وأنّه ليس ثقة كما أنّ عامّة حديثه مسروق وبالتالي فقد يكون مصعب قد تأثّر بأُستاذه عامر ، يروي الموضوعات8 .

                          هذا وأن الزبير بن بكار المتوفى سنة 256هـ صاحب جمهرة نسب قريش متّهم هو الآخر بالضعف وبأنّه منكر الحديث ويضعه وهو ما يذكره صاحب كتاب الضعفاء الحافظ أحمد بن علي السليماني9 .

                          وقال في ميزان الاعتدال 2 : 66 : لا يلتفت إلى قوله . وإن ردّه ابن حجر في التهذيب بقوله : هذا جرح مردود ، فلعلّه استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن الحسن بن زبالة وعمر بن أبي بكر المؤملي وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب «النسب» عن هؤلاء أشياءً كثيرةً منكرةً10 .

                          فسواء أكان الزبير ضعيفاً بنفسه أو ينقل عن هؤلاء الضعفاء في كتابه . فهو بالتالي يفقد الثقة به وبكتابه ولا يعتمد على ما فيه إلاّ بعد تمحيص دقيق وجهد كبير .

                          فإذا عرفنا حال مصعب بن عثمان وصاحب كتاب جمهرة نسب قريش فالرواية بعد ذلك لا يمكن أن تكون محل اعتماد .

                          أمّا روايته فكما نقلها أيضاً صاحب تاريخ دمشق هي : أخبرنا أبو غالب بن الحسن وأخوه أبو عبدالله يحيى ، قالا : أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنبأنا أبو طالب المخلّص ، أنبأنا أحمد بن سليمان الطوسي ، أنبأنا الزبير بن بكّار ، حدّثني مصعب بن عثمان ، قال : دخلت أمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل متمّ بحكيم بن حزام ، فضربها المخاض في الكعبة فأُتيت بنطع حيث أعجلها الولادة ، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع (قطعة من الجلد) وكان حكيم بن حزام من سادات قريش ووجوهها في الجاهلية11 .

                          روايتا المستدرك

                          الرواية الاُولى : . . . سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب يقول : سمعت أبا أحمد محمد بن عبد الوهاب يقول : سمعت علي بن غنام العامري يقول : ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة ، دخلت اُمّه الكعبة فمخضت فيها فولدت في البيت(307) .

                          الرواية الثانية : أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن بالعرية ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، ثنا مصعب بن عبدالله فذكر نسب حكيم بن حزام وزاد فيه واُمّه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى ، وكانت ولدت حكيماً في الكعبة وهي حامل فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة ، فولدت فيها فحملت في نطع وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد .

                          هذه العبارة الأخيرة لم ترد في الروايتين السابقتين فهي إضافة منه ، وليس هذا غريباً عليه ولم يكن هذا منه بلا قصد ولا هدف فهو يعرف جيّداً ماذا يقصد بهذا النفي «ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد» ، وكيف يعذر وهو يعرف جيّداً تواتر خبر ولادة علي(عليه السلام) في الكعبة ولم يكن جاهلا به أو غافلا عنه . وإنّما هي «شِنشنة أعرفها من أخزم» حقّاً إنّه حقد موروث وبغض مستحكم ضد عليّ(عليه السلام)توارثته هذه العائلة من يوم الناكثين يقول الإمام علي(عليه السلام) : «وما زال الزبير منّا حتّى ولد له عبدالله ابنه» . فأراد أن ينفي هذه الكرامة لعليّ(عليه السلام) ولم يرضَ بأن تبقى الرواية «ولادة حكيم» كما رواها غيره وإن كانت أيضاً لا تخلو من الضعف والإرسال ، فأضاف عليها ما سوّلت له نفسه .

                          وبعد ذكر الحاكم النيسابوري لها قال : وهَمَ مصعب في الحرف الأخير .

                          أقول : وقد عرفت حال الرواية وما تعانيه من ضعف وانقطاع . . وقد يفهم من قول الحاكم هذا وهم ، أنّ مصعباً أصاب في كلامه الأوّل حول ولادة حكيم في الكعبة ، إلاّ أنّ هذا نفاه الحاكم في كلام آخر له في كفاية الطالب للكنجي الشافعي .

                          ثمّ راح يعزّز بشكل قاطع ردّه هذا بقوله : فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة13 .

                          علماً بأنّ حكيم بن حزام ـ وكما قلنا ـ لم يكن شخصاً مجهولا في الجاهلية وغير معروف في الإسلام مع هذا لم يذكر هذه الفضيلة لنفسه يوماً ولم تُذكر عنه بل ولم يذكرها أحدٌ له على الإطلاق حتّى رواها كلّ من مصعب بن عثمان بن عروة بن الزبير ومصعب بن عبدالله . . بعد أكثر من 200 سنة أي في القرن الثالث الهجري .

                          إنّ أوّل كتاب ذكرت فيه ولادة حكيم هو (جمهرة النسب) لابن الكلبي ، والكلبي وإن ورد فيه أنّه متروك الحديث ، وأنّه غير ثقة وأنّه يروي العجائب والأخبار التي لا أصول لها14 .

                          إلاّ أنّه ورد فيه مدح كثير ، وأن مبعث ما ذكر من مطاعن واتّهامات أنّ الرجل كان شيعيّاً لا غير .

                          وأمّا كتابه جمهرة النسب فقد تعرّض لإضافات كثيرة يعود سببها إلى أنّ أباسعيد السكري راوي الكتاب لم ينجو من الاتّهام بأنّه كان وراءها . فالدكتور ناجي حسن الذي يذكر في مقدّمة تحقيقه لجمهرة النسب : «لقد وصلتنا جمهرة النسب لابن الكلبي برواية أبي سعيد السكري عن محمّد بن حبيب عن ابن الكلبي ، ومع ذلك ظهرت فيه إضافات واضحة وزيادات وتعليقات بيّنة لم ترد في أصل الجمهرة بل أضافها الرواة والنسّاخ . ولا يستبعد أن يكون أبو سعيد السكري هو نفسه الذي قام بهذا العمل حين وجد لديه فيضاً من الأخبار ذات الصلة بالأنساب»15 .

                          أمّا الرواية الأخرى التي يذكرها النيسابوري فهي عن علي بن عثام العامري كما هو اسمه في سير أعلام النبلاء ويبدو أنّه حرِّف من عثام إلى غنام عند النيسابوري . ولو كانت روايته هذه محل اعتماد لما تغاضى عنها الذهبي في سيره وهو المعروف بموقفه المضاد لمن يذكر مناقباً لعليّ(عليه السلام) . وهذا يكفي في أنّها من الضعف والهزال ما جعل الذهبي يتجاهلها .

                          وهناك رواية شاذة ذكرها الأزرقي في أخبار مكّة : حدّثني محمد بن يحيى ، حدّثنا عبد العزيز بن عمران ، عن عبدالله بن أبي سليمان عن أبيه أنّ فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى ـ وهي اُمّ حكيم بن حزام ـ دخلت الكعبة وهي حامل ، فأدركها المخاض فيها ، فولدت حكيماً في الكعبة ، فحُملت في نطع وأُخذ ما تحت مثبرها (موضع الولادة) فغسل عند حوض زمزم ، وأخذت ثبابُها التي ولدت فيها فجعلت لقىً16 .

                          فأوّلا أنّ محمد بن يحيى كما في كتاب الجرح والتعديل للرازي قال : سألت أبي عنه فقال : كان رجلا صالحاً وكانت به غفلة ، رأيت عنده حديثاً موضوعاً . توفي سنة 243هـ17 .

                          أمّا عبد العزيز بن عمران فيقول عنه البخاري : إنّه لا يكتب حديثه ، منكر الحديث ، وقال عنه النسائي : متروك الحديث ، وقال عنه الرازي : متروك الحديث ، ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدّاً ، وقال محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري : عليّ بدنة إن حدّثت عن عبد العزيز بن عمران حديثاً18 .

                          هذا مضافاً إلى أن الازرقي في نفسه محل كلام حيث لم أعثر على شيء يدلّ على توثيقه وأمامك حياته في كتابه أخبار مكّة .

                          والمتحصّل من هذا المختصر ومن غيره أنّ رواية ولادة حكيم إن لم نقل بسقوطها فهي غير معتبرة عند كثير من المحدِّثين والمؤرِّخين ، بل نفاها جمع منهم بنفيهم ولادة غير أمير المؤمنين(عليه السلام) كما سنرى في مضامين هذا الكتاب19 .

                          فصول الكتاب

                          حديث المولد الشريف وتواتره

                          يفتتح المؤلف حديثه في هذا الباب بمقدّمة قصيرة جميلة تنمّ على قدرة عجيبة في اختيار الألفاظ ودقّتها على المراد .

                          يقول فيها : «إنّ المنقب في التاريخ والحديث جدّ عليم بأنّ هذه الفضيلة من الحقائق التي تطابق على إثباتها الرواة ، وتطامنت النفوس على اختلاف نزعاتها على الإخبات بها حيث لا يجد الباحث قطّ غَمِيزَة في إسنادها ، ولا طعناً في أصلها ، ولا مُنتدحاً للكلام على اعتبارها ، وتضافر النقل لها وتواترت الأسانيد إليها ، وإن وجدَ حولها صَخَباً من شذّاذ الناس وطأه بأخمص حجاه ، وأهواه إلى هوة البطلان السحيقة» .

                          بعد هذه المقدّمة راح ينقل الرواية التي تحكي ولادةً أخرى غير ولادة علي(عليه السلام) داخل الكعبة . ولادة حكيم بن حزام ، التي يرويها مصعب بن عبدالله . . والتي ما إن يصل النيسابوري إلى الفقرة الثانية فيها « . . ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد» وهي من زيادة هذا الراوي حتّى قال : «وهَم مصعب في الحرف الأخير وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ في جوف الكعبة»20 .

                          من هذا يتضح أنّ الحاكم وإن لم يناقش الفقرة الأولى من الرواية (ولادة حكيم في الكعبة) بل سكت عنها مكتفياً بأنّه وصف مصعباً بالتوهّم إلاّ أنّه نفاها في كلام آت له أثبته الحاكم الكنجي .

                          أقول : إنّه لم يكن متوهّماً بل يقول ما يعني ويعني ما يقول ، إنّه كان قاصداً لمآرب في نفسه كما ذكرنا ذلك في المقدّمة .

                          ومع هذا فإنّ الشيخ الأردوبادي راح ينقل الإطراء على الحاكم : والحاكم من أذعن الكلّ بثقته وحفظه وضبطه وتقدّمه في العلم والحديث والرجال والمعاجم طافحة بإطرائه والثناء عليه ، والكتب مفعمة بالاحتجاج به والركون إليه ، وتآليفه شاهدة بنبوغه وتضلّعه ، فناهيك به حاكماً بتواتر الحديث ، أي حديث ولادة أمير المؤمنين(عليه السلام) في جوف الكعبة .

                          ثمّ نقل نصوصاً أخرى توافق ما ذكره الحاكم في مستدركه ، ومن هذه النصوص :



                          * نصّ لشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم المحدِّث الدهلوي وهو والد عبد العزيز الدهلوي مصنّف (التحفة الاثنا عشرية) في الردّ على الشيعة . «قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّاً في جوف الكعبة ، فإنّه ولد في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده» .



                          هذا النصّ ورد في كتابه (إزالة الخفاء 2 : 251 ط الهند) ويتضمّن أمرين مهمّين :



                          * تواتر الأخبار بالولادة .

                          * نفيه لأي ولادة أخرى غير ولادة أمير المؤمنين(عليه السلام) .

                          * وأمّا الحافظ الكنجي الشافعي (ت 658) فقد حمل إلينا في كتابه (كفاية الطالب) . الذي ذكره الجلبي في كشف الظنون ونقل عنه ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمّة واحتجّ به ابن حجر قال :

                          «أخبرنا الحافظ أبو عبدالله محمد بن محمود النجار بقراءتي عليه ببغداد ، قلت له : قرأت على الصفار بنيسابور : أخبرتني عمّتي عائشة ، أخبرنا ابن الشيرازي ، أخبرنا الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ النيشابوري قال :

                          ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت الله الحرام ، ليلة الجمعة ، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب ، سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه ، إكراماً له بذلك ، وإجلالا لمحلّه في التعظيم»21 .

                          وهو أيضاً نصّ من الحاكم لا ريب فيه على أنّ الولادة تمّت في الكعبة وفيه نفي لأي ولادة أخرى مزعومة كولادة حكيم .

                          * لشهاب الدين أبو الثناء السيّد محمود الآلوسي المفسِّر ورد في شرحه لعينية العمري حينما قرأ :

                          أنت العليّ الذي فوق العُلى رُفعا ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا

                          قال : «وفي كون الأمير ـ كرّم الله وجهه ـ ولد في البيت ، أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة . . . إلى قوله : ولم يشتهر وضع غيره ـ كرّم الله وجهه ـ كما اشتهر وضعه ، بل لم تتفق الكلمة عليه . وما أحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين ، وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين»22 .

                          أقول : وحينما وصل إلى بيت آخر من قصيدة العمري نفسها :

                          وأنت أنت الذي حطّت له قدم في موضع يده الرحمن قد وضعا

                          وقيل : أحب عليه الصلاة والسلام (يعني عليّاً) أن يكافئ الكعبة حيث ولد في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها ، فإنّها كما ورد في بعض الآثار كانت تشتكي إلى الله تعالى عبادة الأصنام حولها وتقول : أي ربّ حتّى متى تعبد هذه الأصنام حولي؟ والله تعالى يعدها بتطهيرها من ذلك ، وإلى هذا المعنى أشار العلاّمة السيّد رضا الهندي بقوله :

                          لمّا دعاك الله قِدماً لأن تولد في البيت فلبّيته

                          شكرته بني قريش بأن طهّرت من أصنامهم بيته 23

                          وبعد ذلك راح المؤلِّف ينقل أقوالا أخرى لعلماء من الشيعة منهم العلاّمة السيّد الحسيني الآملي صاحب كتاب (الكشكول فيما جرى على آل الرسول) : «أنّه ولد في الكعبة بالحرم الشريف فلم يسبقه أحد ، ولا يلحقه أحد بهذه الكرامة . . .»24 .

                          ومنهم العلاّمة السيّد هاشم البحراني في (غاية المرام) :

                          «إنّ رواية أمير المؤمنين(عليه السلام) ولد في الكعبة بلغت حدّ التواتر ، معلومة في كتب العامّة والخاصّة»25 .

                          ومنهم السيّد محمد الهادي الحسيني في كتابه (أُصول العقائد وجامع الفوائد) حيث قال: «كان مولده(عليه السلام) في جوف الكعبة على ما روته الشيعة وأهل السنّة..»26.

                          فهو يريد ـ والكلام للمؤلّف ـ أنّ الحديث ممّا تصافقت الأيدي على نقله ، وتطامنت النفوس على روايته ، وأصفقت الجماهير من الفريقين على إثباته ، وذلك الذي نريد إثباته ، وبه يثبت التواتر .

                          خبر الولادة عند من لا يعمل إلاّ بالخبر المتواتر :

                          وبعد كلّ ذلك انتقل المؤلف إلى أنّ هناك بعضاً من العلماء لا يأبه في عمله إلاّ بالخبر المتواتر في وقت يعمل فيه جمعٌ منهم بالآحاد .

                          ومن أولئك : الشيخ الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان (ت 548) حيث قال في كتابه (إعلام الورى) :

                          «لم يولد قط في بيت الله تعالى مولود سواه لا قبله ولا بعده ، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا لمحلّه ومنزلته وإعلاءً لقدرته»27 .

                          ومن أولئك : الشريف المرتضى (ت 436) وهو يشرح القصيدة المذهبة للسيّد الحميري ، قال :

                          «وروي أنّها ـ يعني فاطمة بنت أسد ـ ولدته في الكعبة ، ولا نظير له في هذه الفضيلة»28 .

                          وهنا يقول المؤلف :

                          وليس قصده في إيرادها بلفظ «روي» إسنادها إلى رواية مجهولة ، وإنّما جرى فيها على ديدنه في هذا الكتاب من سرد الحقائق الراهنة مقطوعة عن الأسانيد لشهرتها وتضافر النقل لها وتداولها في الكتب لفتاً للأنظار إليها وإشادة بذكرها على نحو الاختصار ، وعلى ذمّة الباحث إخراجها من مظانّها ، ولذلك تراه يقول بعد الرواية غير متلكئ ولا متلعثم : «ولا نظير له . .» كجازم بحقيقتها ، مؤمن بصحّتها وتواترها ، وإلاّ للفظها كما هو دأبه في غير واحد من الأحاديث .

                          والشريف الرضي (ت406) في كتابه (خصائص الأئمّة) حيث قال : «ولد(عليه السلام)بمكة في البيت الحرام لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو أوّل هاشمي في الإسلام ولد من هاشم مرّتين ، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره»29 .

                          كما حذا حذوهما شيخ الطائفة الطوسي (ت 460) في (التهذيب) ثالث الكتب الأربعة المعوّل عليها عند الشيعة حيث قال: «ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة...»30.

                          وروى في (مصباح المتهجد) تاريخ شهر الولادة ومحلّها . . .31

                          ومنهم أيضاً الشيخ المفيد (413) قال في الإرشاد :

                          «ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة . . ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه ، إكراماً له من الله جلّ اسمه له بذلك ، وإجلالا لمحلّه في التعظيم»32 كما روى في مزاره وشاركه في هذا كلّ من الشهيد في مزاره وابن طاووس في مصباح الزائر ما علّمه الإمام الصادق(عليه السلام) لمحمّد بن مسلم حين زيارته أمير المؤمنين(عليه السلام) : السلام عليك يا من ولد في الكعبة أو السلام على المولود في الكعبة33 .

                          والشيخ المفيد ـ والقول للمؤلّف ـ من عرفته الأمّة بالنقد والتمحيص وأنه كيف كان يردّ الأخبار لأدنى علّة في أسانيدها أو متونها أو يتردّد في مفادها ، يعرف ذلك كلّه من سبر كتبه ورسائله ومسائله ، أو هل تراه مع ذلك يعدل عن خطته القويمة فيرمي القول على عواهنه بذكر الواهيات على سبيل الجزم بها ، لا سيما في كتاب (الإرشاد) الذي قصد فيه إعلاء ذكر آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) والتنويه بفضلهم وإمامتهم وتقدّمهم فيها ، فهل يذكر فيه إلاّ ما هو مسلّم بين الفريقين أو الملأ الشيعي على الأقلّ؟! وتبع الشيخ المفيد معاصره النسّابة ابن الصوفي34 .

                          مع السيّد الحميري

                          وقد أوشك هذا الفصل على نهايته ، ارتأى الشيخ أن يقتطع شيئاً ممّا نظمه السيّد الحميري (ت 179) فيما يخصّ ولادة الإمام(عليه السلام) في الكعبة :

                          ولدته في حرم الإله وأمنه والبيت حيث فناؤه والمسجدُ

                          بيضاء طاهرة الثياب كريمة طابت وطاب وليدها والمولدُ

                          وله أبيات أخرى منها :

                          طِبت كهلا وغلاماً ورضيعاً وجنينا



                          وببطن البيت مولو داً وفي الرمل دفينا35

                          وقد أعدّ المؤلّف نظم السيّد الحميري هذا أثبت لمفاده من أسانيد متساندة . والسبب في هذا ـ كما يقول المؤلّف ـ : هو أنّ السيّد الحميري الذي كان يسير بشعره الركبان في القرن الثاني ، والذي راح ينافح الآخرين من أعداء أهل بيت الوحي(عليهم السلام) وحتّى تكون حجّته قويّة لابدّ له من أن يحاججهم لا بالواهيات ولا بما لا يعرفه الناس أو لا يعترفون به .


                          وممّا نظمه كلّ من السرخسي :

                          ولدته منجبة وكان ولادها في جوف الكعبة أفضل الأكنان

                          والشفهيني :

                          أم هل ترى في العالمين بأسرهم بشراً سواه ببيت مكّة يولدُ؟

                          ويختم هذا الفصل بقول ثقة الإسلام النوري : إنّ هذه الفضيلة الباهرة جاءت في أخبار غير محصورة ، ومنصوص بها في كلمات العلماء وفي ضمن الخطب والأشعار . . .» .

                          وهنا يقول المؤلّف : ومهما حملنا قوله إنّها : «جاءت في أخبار غير محصورة» على المبالغة ، فإن أقل مراتبه أن تكون متواترة . .

                          حديث الولادة الشريفة مشهور بين الأمّة

                          تحت هذا العنوان كتب سماحته :

                          إنّ أيسر ما يسع الباحث إثباته هو شهرة هذا النبأ العظيم بنصوص أئمّة الحديث بذلك من ناحية ، وبتداول ذكره في الكتب من ناحية اُخرى ، وبالتسالم على روايته واطراد أسانيده من جهة ثالثة . ولها شواهد أخرى لعلّك تقف عليها في غضون هذه الرسالة إن شاء الله .

                          ثمّ راح يذكر أقوال كبار علماء الحديث ، نكتفي بأسمائهم وكتبهم وبعض أقوالهم ، لننتقل بعد ذلك إلى روايات الولادة المباركة للإمام علي(عليه السلام) .

                          * العلاّمة المجلسي في جلاء العيون : «إنّ ولادته(عليه السلام) في البيت ، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب ، سنة ثلاثين من عام الفيل ، مشهورة بين المحدّثين والمؤرِّخين من الخاصة والعامة»36 .

                          * المولى محمود بن محمد باقر في تحفة السلاطين : «إنّ حديث ولادته(عليه السلام) في البيت يوم انشقّ جداره لفاطمة بنت أسد فدخلته، مشهور كالشمس في رائعة النهار»37.

                          * السلطان محمد بن تاج الدين في تحفة المجالس : «إنّ الأقرب إلى الصواب أنّه(عليه السلام) ولد في الكعبة» وذكر بعض أخبارها . ثمّ قال : «وفي الأخبار أنّه لم يكن شرف الولادة في البيت لأي أحد قبله ولا بعده»38 .

                          * الشيخ العاملي الاصبهاني (ت 1100) في ضياء العالمين : «إنّ الولادة في البيت كانت مشهورة في الصدر الأوّل ، بحيث لم يمكن إنكارها مع أنّهم ـ يعني أهل الخلاف ـ أنكروها أيضاً أخيراً»39 .

                          هذا وأن هذه الشهرة في الأخبار لا يبارحها التواتر في الأسانيد .

                          * وانظر العلاّمة الحلّي (ت 726) في كشف الحق وكشف اليقين40 .

                          * والإربلي (ت 692) في كشف الغمّه حيث قال : «ولم يولد في البيت أحد سواه قبله ولا بعده ، وهي فضيلة خصّه الله بها إجلالا له وإعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته»41 .

                          * ومثله الشيخ ابن الفتال النيسابوري في روضة الواعظين .

                          * والحافظ ابن شهرآشوب المازندراني (ت 588) في مناقبه وبعد أن روى أحاديث الولادة42 .

                          * العلاّمة العاملي في الصراط المستقيم ذاكراً ارجوزة السيّد الحسيني :
                          ومولد الوصيّ أيضاً في الحرم بكعبة الله العليّ ذي الكرم43

                          * العلاّمة الطبرسي الآملي في تحفة الأبرار44 .

                          * القاضي السعيد الشهيد سنة 1019 التستري حين طفق ينازل ويناضل القاضي روزبهان من علماء المعقول والمنقول ، حنفي الفروع أشعري الأصول ، في إحقاق الحق حيث قال : «إنّ الفضيلة والكرامة في أنّ باب الكعبة كان مقفلا ، ولما ظهر آثار وضع الحمل على فاطمة بنت أسد ـ رضي الله عنها ـ عند الطواف خارج الكعبة انفتح لها الباب بإذن الله تعالى ، وهتف بها هاتف بالدخول .

                          كما عقّب التستري على مسألة ولادة حكيم قائلا :
                          وعلى تقدير صحّة تولّد حكيم بن حزام قبل الإسلام في وسط بيت الله الحرام ، فإنّما كان بحسب الاتفاق كما يتّفق بسقوط الطفل من المرأة ، والعجل من البقرة في الطريق وغيره ، على أنّ الكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها ، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة»45 .

                          * أبو الحسن المالكي في (الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة) يذهب المذهب نفسه في ولادة حكيم : فبعد أن يذكر ولادة عليّ في جوف الكعبة قال : وأمّا حكيم بن حزام فولدته أمّه في الكعبة اتفاقاً لا قصداً» وقد أصفق في هذا الكلام معه البحّاثة عبد الرحمن الصفوري الشافعي في نزهة المجالس46 .

                          بعد هذا فإنّ كتباً كهذه «المتينة المبنية على الحجاج والنضال لاسيما كتب العلاّمة والقاضي التستري وابن بطريق لم يتوخّ مؤرخوها ـ والكلام ما زال للشيخ المؤلف ـ سرد الوقائع التاريخية من أينما حصلت ، وإنّما قصدوا فيها إلزام الخصوم بالحجج النيّرة ، فهل يمكنهم إذن أن يسترسلوا بإيراد ما توسع بنقله القالة من دون تثبت؟ لا ، ولكن شريعة الحجّ والدين تلزمهم بإثبات الشائع الذائع المتلقّى عند الفريقين بالقبول المشهور نقله ، الثابت إسناده بحيث لا يدع للمتعنت وليجة إلى إنكاره ، وإلا لعاد ما يذكره ثلماً في بيانه ، وفتّاً في عضد برهانه ، فمن الواجب إذن أن يكون هذا الجواب ممّا يخضع له الخصم ولا يتقاعس عن الإخبات به الأولياء لمكان شهرة النقل له .

                          روايات الولادة المباركة

                          وهنا راح الشيخ المؤلِّف يذكر بعض روايات الباب ، نذكر بعضها ونكتفي بمصادر الأخرى .

                          * روى الوزير السعيد الإربليّ في (كشف الغمّة) عن كتاب (بشارة المصطفى) مرفوعاً إلى يزيد بن قَعْنَب ، قال :

                          كنت جالساً مع العبّاس بن عبد المطلب ـ (رضي الله عنه) ـ وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وكانت حاملا به لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطَلقُ فقالت : ياربّ ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل ، وأنّه بنى البيت العتيق ، فبحقّ الذي بنى هذا البيت ، وبحقّ المولود الذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليَّ ولادتي .

                          قال يزيد بن قَعْنَب : فرأيت البيت قد انشقّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ، وعاد إلى حاله ، والتزق الحائط ، فرُمْنَا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنّ ذلك من أمر الله عزّوجلّ ، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) . . .47 .

                          * ورواه ابن الفتّال في (روضة الواعظين) وفي (كشف اليقين) للعلاّمة الحلّي ، و(كشف الحقّ) عن (بشارة المصطفى) وفي (الإرشاد) لأبي محمّد الحسن الديلميّ عن البشارة أيضاً مثله48 . وروى مختصراً منه محمّد صالح الترمذي في مناقبه49 . ورواه مع بعض التغيير الشيخ الصدوق (ت 381) في (الأمالي) و(علل الشرائع) و(معاني الأخبار)50 .

                          * ورواه الشيخ الطوسيّ في (أماليه) عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن الحسن ابن شاذان ، عن أحمد بن محمد بن أيّوب ، عن عمر بن الحسن القاضي ، عن عبدالله ابن محمد ، عن أبي حبيبة ، عن سفيان بن عُيينة ، عن الزُّهريّ ، عن عائشة;

                          * وعن محمّد بن أحمد بن شاذان ، عن سهل بن أحمد ، عن أحمد بن عمر الربيعي ، عن زكريا بن يحيى ، عن أبي داود ، عن شُعْبة ، عن قَتَادة ، عن أنس بن مالك ، عن العبّاس بن عبد المطلب; قال الشيخ : وحدّثني إبراهيم بن عليّ ، بإسناده عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد(عليهما السلام) ، عن آبائه(عليهم السلام) قال :

                          كان العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قَعْنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وكانت حاملة بأمير المؤمنين(عليه السلام) لتسعة أشهر ، وكان يوم التمام .

                          قال : فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق ، فرمت بطرفها نحو السماء . . .

                          رأينا البيت قد انفتح من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا .

                          وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام .

                          قال : وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك ، وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ .

                          قال : فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه ، فخرجت فاطمة وعليّ على يديها . . .

                          * وفي (المناقب) لابن شهر آشوب روايتان :

                          رواية شُعبة ، عن قَتادة ، عن أنس ، عن العبّاس بن عبدالمطلب; وفي رواية الحسن بن محبوب ، عن الصادق(عليه السلام) ، والحديث مختصر ، أنّه انفتح البيت من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، ثمّ عادت الفتحة والتصقت ، وبقيت فيه ثلاثة أيّام . . .

                          * عن يزيد بن قَعْنَب; وجابر الأنصاري : وهو المعروف بحديث الراهب المثرم بن دعيب .

                          فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت الله وقالت : ربِّ إنّي مؤمنة بك . . . فانفتح البيت ودخلت فيه فإذا هي بحوّاء ، ومريم ، وآسيه ، وأُمّ موسى وغيرهنّ ، فصنعن مثل ما صنعن برسول الله(صلى الله عليه وآله) وقت ولادته .

                          * وحديث الراهب رواه ابن الفتّال في (روضة الواعظين) على وجه هو أبسط من هاتين الروايتين المفصلتين51 كما ذكره غيره52 .

                          وفي هذه المصادر وفي غيرها روايات مفصّلة أيضاً حول الولادة المباركة53 .

                          وقد نظّم مضامينها صاحب الوسائل الحرّ العاملي (ت 1104) ارجوزةً نذكر بيتين منها :

                          مولده بمكّة قد عُرفا في داخل الكعبة زيدت شرفا

                          على رُخامة هناك حمرا معروفة زادت بذاك قدرا54


                          والمشهور بين الخاصة والعامّة أنّه ولد بين العمودين على البلاطة الحمراء .

                          و ذكر العالم الشكوئي (ت 1330) في كتابه (مصباح الحرمين) في وداع الكعبة اُموراً ، منها «الصلاة بين الاسطوانتين على الرُّخامة الحمراء ، وهي على رواية بعض العلماء محل ولادة أمير المؤمنين(عليه السلام) كما مرّ في فصل المستجار . . .»55 .

                          وقال الشيخ أحمد بن الحسن الحرّ في (الدرّ المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك) في الفصل الرابع ، في ذكر أمير المؤمنين علي(عليه السلام) . . . ولادته في الكعبة في البيت على الحجر .

                          إذن فحديث ولادته(عليه السلام) أمر مشهور وروايته متواترة عند الفريقين .

                          نبأ الولادة والمحدِّثون

                          حتّى يصل سماحة الشيخ إلى المراد من المحدّثين راح يميّز بين المحدّثين الذين يصفهم بأنّهم سذج ، لم يجيدوا إلاّ نقل الأساطير أو قول بسيط مثل حدّثني فلان فيحشد أساطير وأقوالا بعيداً عن التفقّه في مغزى الحديث والتبصّر في مؤداه . . .

                          يميّز بين هذا النوع من الذين يطلق عليهم أنّهم المحدِّثون وبين نوع آخر أولئك هم أئمّة الحديث ومهرة فنّه النياقد ، الذين ـ كما يعبِّر الشيخ عنهم ـ لا يروقهم رمي القول على عواهنه ، فلا يؤمنون بالمنقول إلاّ بعد التفرّغ من أمر إسناده والتثبّت فيه والتروي في متنه ، حذار مخالفته لمعقول أو مصادمته لشيء من الأصول ، وبالتالي فإنّ هذا المحدث هو الحبر الناقد الضليع في العلم الذي ضرب فراغاً في أوقاته للتبصّر في هذا الفن ، والإحاطة به من أطرافه . . فهو محدِّث وهو فقيه وهو مفسِّر حين يتحرّى مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبآتها وهو فنيّ إذا عطف النظر على أيّ من العلوم . وهذا هو المحدِّث الذي يقصده سماحته ويريده وذكر لهذا مصاديق كالسيّد المرتضى والسيّد الرضي والشيخ الطوسي وقبلهم الصدوق وبعدهم ابن شهرآشوب وابن الفتال والعلاّمة الحلّي وابن بطريق . . . ومن أهل السنّة كالحاكم وغيره . .

                          وقفة قصيرة مع ابن أبي الحديد

                          يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : واختلف في مولد علي(عليه السلام) أين كان؟ فكثير من الشيعة يزعمون أنّه ولد في الكعبة ، والمحدّثون لا يعترفون بذلك ، ويزعمون أنّ المولود في الكعبة حكيم بن حزام . . .56 .

                          * كيف يصحّ هذا والحاكم النيسابوري من أئمّة الحديث يقول : . . . وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ في جوف الكعبة ، وما قاله المحدّث الدهلوي بتواتره وقول الآلوسي : إنّه أمر مشهور في الدنيا» وغيرهم من المحدّثين كما أسلفنا وكما هو آت؟! اللّهم إلاّ أن يقصد ابن أبي الحديد بالمحدِّثين أولئك الذين وصفهم الشيخ بالسذج . . . لا مهرة الحديث وأئمّته .

                          * وهذا العلاّمة المحدّث أبو الفتح الكراجكي قال في (كنز الفوائد) بعد أن ذكر أحاديث في مقدّمة الولادة من خبر الكاهن ورؤيا فاطمة بنت أسد وتعبير الكاهن لها ما لفظه : وفي الحديث أنّها ـ يعني فاطمة بنت أسد ـ دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها ، فصادف دخولها وقت ولادتها فولدت أمير المؤمنين(عليه السلام)داخلها»57 .

                          وممّن يذكر خبر الولادة المباركة كلّ من الشيخ أبو الفوارس في كتاب (الأربعين) والرواية التي يذكرها بسندها الطويل المضطرب إلى ميثم التمّار وفيها عدّة مناقب للإمام منها الولادة في الحرم58 .

                          * والفقيه ابن المغازلي المالكي في مناقبه الذي يذكر حديث الولادة مرفوعاً إلى علي بن الحسين(عليهما السلام) .

                          * وأبو عبدالله الشافعي الكنجي الحافظ (ت 658) في كفاية الطالب الذي ذكر رواية الولادة لعليّ(عليه السلام) بسندها عن جابر بن عبدالله . . .59

                          حديث الولادة والنسّابون

                          نظراً للأهمّية الكبيرة التي يمتاز بها النسّابون في معرفة فنّهم «النسب وأخباره» نرى شيخنا قد أفرد لهم باباً خاصّاً في هذه المسألة مبيّناً مدى أهمّية خبرتهم ووظيفتهم في هذا الموضوع ، متعرّضاً لبعض أقوالهم في خصوص ولادة الإمام عليّ(عليه السلام) . فنصوصهم فيها من الحجج القويمة على إثباتها ، ولهم قضاء فصل فيها وحكم عدل .

                          ومن هؤلاء النسّابة :

                          * العمري في (المجدي) : وولدت ـ يعني فاطمة بنت أسد ـ عليّاً(عليه السلام) في الكعبة ، وما ولد قبله أحد فيها60 .

                          * جمال الدين الداودي الحسني (ت 828) في (عمدة الطالب) : ذكر أنّ الولادة كانت في الكعبة . . . ونفى أن يكون أحد ولد في البيت سواه قبله وبعده ، إكراماً له من الله عزّوجلّ61 .

                          * العلاّمة السيّد محمد الحسيني النجفي في (المشجّر الكشاف لأصول السادة الأشراف) ، ولد علي بمكّة ثمّ قال : «ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه» .

                          ومثلهم النسّابة أبو عبدالله الراضي صاحب (مناهل الضرب في أنساب العرب) . وهناك اُرجوزة للنسّابة أبي صالح النباطيّ النجفي (ت1183) :

                          مولده الجمعة يوم السابع في شهر شعبان ببيت الصانع

                          حديث الولادة والمؤرِّخون


                          إنّ السابر زُبُر التأريخ وحوادثه يجد هذا الحديث ـ والكلام للشيخ ـ من أثبت ما تعرّض له مؤلّفوها ، وقد أثبتوه مخبتين به ، مذعنين بحقيقته ، ومنهم من نصّ بصحّته عندهم جميعاً .

                          وقد اختار الشيخ من هؤلاء المؤرِّخين جمعاً وصفهم بالبراعة في فنّهم وقدرتهم على الوقوف على المختلف فيه والمتّفق عليه . وإن تعرّضت بحوث هذا الكتاب لمثل أقوال هؤلاء المؤرِّخين أو بما يربو عليها أو يقاربها ، ومع هذا نقرأ لبعضهم :

                          * المؤرخ محمد خاوندشاه في (روضة الصفا) ، قال : «كانت ولادته(عليه السلام) في رواية يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل . . . وكان ميلاده(عليه السلام) في جوف الكعبة ، فإنّ اُمّه كانت تطوف بالبيت ، أو أنّ المشيئة الإلهية أجاءتها إلى فنائه ، وكانت في أوّل الطلق ، فكانت ولادته فيها ، ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحد منذ بدء الخليقة إلى الغاية . وإن لصحّة هذا الخبر بين المؤرِّخين المتحفّظين على الفضائل صيتاً لا تشوبه شبهة ، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد»62 .

                          والرجل مع ذلك ـ كما يقول الشيخ ـ يصافق مَن تقدّمه على أنّها ممّا اختصّ بها أمير المؤمنين(عليه السلام) ولا يشاركه فيها أيّ أحد .

                          ولا ريب في ذلك غير أنّ أعداء آل البيت النبوي افتعلوا حديث حكيم بن حِزام فتّاً في عَضُد هذه الفضيلة ، لكن المنقّبين من الفريقين لم يأبهوا به ، وبذلك تعرف قيمة ما هملج به القاضي روزبهان من أنّ ذلك مشهور بين الشيعة ولم يصحّحه علماء التاريخ ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حِزام ولد في الكعبة ولم يولد فيه غيره . . . إلى آخره .

                          وستجد نصوص التاريخ بذلك ، وعرفت ردّ الحاكم النيسابوريّ على مَن حصر ولادة البيت بحكيم ، وذكر تواتر النقل بولادة أمير المؤمنين(عليه السلام) فيه .

                          ومرّ أيضاً رواية أساطين أهل السنّة ، ولذلك ما يتلوه :

                          * المسعودي وهو الحجّة عند الفريقين يقول في (مروج الذهب) عند ذكر خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) مثبتاً هذه الحقيقة ، جازماً بها من غير ترديد ، قال : «وكان مولده في الكعبة»63 .

                          وقد احتجَّ بكتابه هذا الموافق والمخالف وهو من المصادر الموثوقة وقد راعى فيه ـ والقول للمؤلّف ـ جانب التقيّة بما يسعه ، بتأليفه على نسق كتب أهل السنّة وما يرتضونه من رواياتهم ، حتّى حسبه بعض من لم يرَ من كتبه غيره أنّه منهم .

                          فهل من السائغ إذن أن يذكر في كتاب هذا شأنه غير الثابت المتسالم عليه عند الأمّة جمعاء ، لا سيّما في مثل المقام الذي يكثر فيه بطبع الحال وَرَطات القالة؟

                          وذكر في كتابه الآخر (الوصية) :

                          «وروي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت ، فجاءها المخاض وهي في الطواف ، فلمّا اشتدّ بها دخلت الكعبة ، فولدته في جوف البيت . . . وما ولد في الكعبة قبله ولا بعده غيره»64 .

                          و(إثبات الوصيّة) من أنفس كتب الإمامية ، وليس من الجائز أن يحتجّ ويتبجّح فيه بما لا يقرّ به الخصم ، ولا تذعن به اُمّته ، ثمّ يقول بكلّ صراحة : «وما ولد . . .» وبمشهد منه ومسمع ما تحذلقوا به من أمر حكيم بن حِزام ، غير أنّ المؤرّخ لا يُقيم له وزناً .

                          * وذكر حمد الله المستوفى (ت 750هـ ) في (تاريخ گُزيده) : «أنّ مولده(عليه السلام) كان سنة ثلاثين من عام الفيل ، وكان في الكعبة حيث كانت أُمّه في الطواف فبان عليها أثر الطَلَق ، فأشارت إلى البيت ووضعته في جوفه»65 .

                          * محمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) وقيل : ولد في الكعبة ، البيت الحرام»66

                          ولا نكترث بإسناد ولادة البيت إلى القيل ، بعد قول الحاكم بتواترها ، وقول الآلوسي باشتهارها في الدنيا .

                          * المؤرخ نشانجيّ في (مرآة الكائنات) : «أنّه(عليه السلام) ولد ولرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ثلاثون سنة ، كانت أُمّه فاطمة زائرة البيت فولدته فيه لحكمة لله سبحانه فيه ، ولم يرزق هذا غيره وغير حكيم بن حزام»67. حيث عدّ ولادته(عليه السلام) من حكم الله سبحانه.

                          * عبد الحميد خان الدهلوي في (سير الخلفاء) نقل عن غير واحد من المؤرّخين ، أنّه «ولد في مكّة المكرّمة . . . ، ولم يتولّد أحد قبله في حِصَار البيت» . . .68 .

                          * المؤرِّخ والمحدِّث القمي في (تاريخ قم) سنة 378 : «إنّ ولادة أمير المؤمنين في الكعبة . . .»69 .

                          * وقال السيّد عليّ الحسينيّ المؤرّخ المصريّ في كتابه (الحسين(عليه السلام)) : «أنّه [الإمام علي(عليه السلام)] ولد بمكّة في البيت الحرام ، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب ، سنة ثلاثين من عام الفيل . . .70 .

                          * أحمد الغفاري القزويني من مؤرِّخي القرن العاشر ذكر في (تاريخ نگارستان) أنّه(عليه السلام) ولد في جوف الكعبة71 .

                          * المؤرخ الشروانيّ أنّه(عليه السلام) ولد في جوف الكعبة وأنّ غيره لم يولد هناك72 .

                          * الكاشفي ذكر حديث بن قعنب في (روضة الشهداء) عن (بشارة المصطفى) .

                          * الإمام البناكتي أنّه «لم يولد أحد قبله ولا بعده في البيت»73 .

                          * عبد المسيح الأنطاكي صاحب مجلّة (العمران) المصرية ، ونحن نقتبس طاقة من خمسة آلاف بيت نظمها في حياة أمير المؤمنين(عليه السلام) :

                          في رحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت أنوار طفل وضاءت في مغانيها

                          واستبشر الناس في زاهي ولادتهِ قالوا : السُّعود له لابدَّ لاقيها

                          قالوا : ابن مَنْ؟ فأُجيبوا أنّه ولدٌ من نسل هاشم من أسمى ذراريها

                          هنّوا أبا طالب الجواد والده والأُمّ فاطمة هُبُّوا نُهنّيها

                          إنّ الرضيع الذي شام74 الضياء ببيـ ـت الله عزّته لا عزّ يحكيها

                          أمّا الوليد فلاقى الأرض مبتسماً فما رغا رهباً ما كان خاشيها

                          وعام مولده العام الذي بدأت بشائر الوحي تأتي من أعاليها

                          فيه الحجارة والأشجار قد هتفت للمصطفى وهو رائيها وصاغيها

                          وإذ درى المصطفى فيه ولادة مو لانا العليّ غدا بالبشر يطريها

                          وبات مستبشراً بالطفل قال به لنا من النعم الزهراء ضافيها

                          ثمّ راح الأنطاكي يقول :
                          «كانت ولادة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين في العام الثلاثين لولادة المصطفى ـ عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام ـ على ما حقّق المحقّقون ، فتكون ولادته الشريفة حول سنة ستّة مائة وواحد مسيحية ، ومن بشائر سعده ـ عليه صلوات الله ـ أنّه ولد في الكعبة كرّمها الله ، ولدته أُمّه فيها فاستبشر بذلك أبوه وعمومته .

                          وعند ولادته الشريفة ـ والكلام ما زال للناظم الأنطاكي ـ دعته أُمّه : حيدرة ، ومعنى هذه الكلمة : الأسد ، فكأنّها أرادت أن تسمّيه باسم أبيها ، فلمّا وقع نظر أبيه أبي طالب عليه توسَّم بملامحه العَلاء ، ودعاه عليّاً . وقد صدقت الأيّام فراسته ، فكان عليه صلوات الله عليّاً في الدنيا والآخرة .
                          وعام مولد سيّدنا أمير المؤمنين ـ عليه صلوات الله ـ هو العام المبارك الذي بُدئ فيه برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ يسمع الهُتاف من الأحجار والأشجار ومن السماء ، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً . وفي هذا العام ابتدأ بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حِراء ، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتيمن بذلك العام وبولادة سيّدنا عليّ ـ عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام ـ وكان يسمّيه : سنة الخير ، وسنة البركة . وقال المصطفى(صلى الله عليه وآله) لأهله عندما بلغته بشرى ولادة المرتضى : «لقد ولد لنا الليلة مولود ، يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة» . وكان قوله هذا أوّل نبوءته ، فإنّ المرتضى ـ عليه صلوات الله ـ كان ناصره ، والحامي عنه ، وكاشف الغماء عن وجهه ، وبسيفه ثبت الإسلام ، ورسخت دعائمه وتمهّدت قواعده»75 . وقد ضمّن قصيدته كلّ ذلك وغيره من حياة الإمام(عليه السلام) .
                          * العلاّمة السيّد محمّد الطباطبائي في الرسالة الموضوعة لتأريخ مواليد أئمّة الدين(عليهم السلام) ووفياتهم : أنّه(عليه السلام) «ولد بمكّة في جوف الكعبة ، ولم يولد قبله ولا بعده أحد فيه سواه ، إكراماً له من الله جلّ اسمه بذلك . . .» .

                          * السيّد أبو جعفر الحسينيّ في شرح قصيدة أبي فراس الحمداني ، تعيين يوم ولادته بالجمعة . . . ومحلّها بالكعبة76 .

                          * قال الكفعميّ في (المصباح) : « . . . ولد عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في الكعبة ، . . .»77 .

                          * شيخ الإسلام الزنوزيّ في (بحر العلوم) : «أنّ محلّ ولادته(عليه السلام) الكعبة» .

                          * النخجوانيّ في (تجارب السلف في تواريخ الخلفاء ووزرائهم) ، فرغ منه سنة 724 : «أنّ عليّاً(عليه السلام) ولد في الكعبة . . . وسمّاه النبيّ(صلى الله عليه وآله) عليّاً ، وكنّاه بأبي تراب»78 .

                          * قال الحلبيّ في سيرته (إنسان العيون) : «إنّه(عليه السلام) ولد في الكعبة . . .» .

                          ثمّ قال : «وقيل : الذي ولد في الكعبة حكيم بن حِزام ، قال بعضهم : لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة ، لكن في (النور) حكيم بن حِزام ولد في الكعبة ، ولا يعرف ذلك لغيره ، وأمّا ما روي أنّ عليّاً (عليه السلام) ولد فيها ، فضعيف عند العلماء»79 .

                          وأنت تجد من سياق العبارة ـ وهذا القول للشيخ ـ أنّ المعتمد عند الرجل هو ولادة الإمام(عليه السلام) في الكعبة ، ولذلك ذكرها أوّلا مُرسِلا إيّاها إرسال المسلّم ، ثمّ عزا ولادة حكيم بن حزام فيها إلى القيل إيعازاً إلى وهنه ، ولذلك أردفه بجواب البعض عنه ، لكنّه وجد لصاحب (النور) كلمة لم يرقه الإغضاء عنها بما هو مؤرّخ ، أخذ على عاتقه إثبات المقول في كلّ باب ، وإذ لم يجد جواباً عنها لغيره لم يشفعها به ، واكتفى هو بما ذكرناه من اعتماده على حديث الولادة عن أن يردّ كلمة الرجل ، لأنّه مؤرّخ لا مُنِقّب .

                          وقفة مع صاحب كتاب النور :
                          ويكفينا تفنيداً لقول صاحب النور نصوص علماء أهل السنّة في ذلك ، ورواياتهم ، كنصّ الحاكم والمحدِّث الدهلويّ بتواتر حديثه ، وقول الآلوسيّ : «إنّه أمر مشهور في الدنيا» .

                          ثمّ واصل شيخنا كلامه : وأيّ عالم يردّ المتواتر ، أو يعدوه أمر مشهور ثبوته في الدنيا فيضعّفه حتّى يقول الرجل بملء فيه : «إنّه ضعيف عند العلماء»؟! وإن تعجب فعجب إثباته ولادة حكيم التي لم يستقم إسنادها ، ولا اعترف بها مخالفوه وأُمم من موافقيه ، وعلى فرض وقوعها فقد ذكرنا في غير مورد من هذه الرسالة وذكر الصفوريّ الشافعيّ : «أنّها من الصدف التي لا تُثبت فضيلة ولا تخرق عادة» .

                          ثمّ تضعيفه ولادة أمير المؤمنين التي أخبت بها أئمّة الحديث ، وأثبتها نَقَلَة التاريخ ، وطفحت بها كتب الأنساب ، ونظّمتها الشعراء ، وقال بها العلماء ، وفيهم من ينفي أن يكون لغيره ـ صلوات الله عليه ـ مولد في البيت ، وهو ما ورد عن الحاكم : «ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه» . وما عن البدخشيّ قوله : «ولم يولد في البيت أحد سواه ، قبله ولا بعده ، وهي فضيلة خصّه الله بها» . وقد مرّ ما عن أبي داود البناكتي . وكلمة ابن الصبّاغ المالكيّ السابقة : «ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لتِكْرُمَتهِ» . وقول الدهلوي في (سِيَرِ الخلفاء) : أنّه «لم يتولّد أحد قبله في حصار البيت» .

                          والآلوسيّ في أوليات هذه الرسالة : «ولم يشتهر وضع غيره كرّم الله وجهه ، كما اشتهر وضعه» يوعز إلى وهن حديث حكيم ، وانحياز الشهرة عنه . وقول الدهلويّ في (ازالة الخفاء) : «ولم يولد فيها أحد سواه قبله ولا بعده» .

                          هذه كلمات بعض مهرة الفن وأئمّة النقل ، وهنا يقول الشيخ : فلو كان يُقام لولادة حكيم في البيت وزن عند هؤلاء لما أطلقوا القول بملء الأفواه أنّ تلك خاصّة لأمير المؤمنين(عليه السلام) لا يشاركه فيها أحد ، مع وقوفهم على أمر حكيم ، وفيهم مَن أورد خبر ولادة حكيم في كتابه لكنّه غير آبه به .

                          وقفة مع الدياربكري :

                          ويقرب من هذه الهملجة ما جاء به الديار بكري في (تاريخ الخميس) قال : «ولد بمكّة بعد عام الفيل بسبع سنين ، ويقال : كانت ولادته في داخل الكعبة ولم يثبت»80 ولم يترك الشيخ المؤلّف هذا الزعم دون جواب فيقول :



                          وليت شعري بماذا تثبت الحقائق التاريخية؟ أبالوحي ، أم بأخبار الأنبياء ، وهتاف الكتب السماوية ، أم أنّ المرجع فيها الرجل والرجلان من النَقَلَة والرواة؟ وهل التزم الدياربكري في كتابه بأكثر مِن هذا؟ فما بال هذه الحقيقة التي هَتَفَتْ بها المئات والألوف ، وأثبتتها طبقات الناس جيلا بعد جيل لم تثبت عنده ، وثبتت لديه هَفَوات التاريخ ، التي لو أحصيتها لخرجت عن وضع الرسالة؟



                          ثمّ ما بال الدياربكري يعتمد على (شواهد النبوّة) كلّما نقل عنه ، ولا يرتضيه في خصوص المقام؟



                          ثمّ ما باله يغضّ الطرف عن غلطه الشائن من أنّ ولادته(عليه السلام) كانت بعد عام الفيل بسبع سنين ، لكنّه يردّ حديث ولادة البيت بعدم الثبوت؟



                          أنا أدري لماذا ، وأنت تدري ، وقبلنا الدياربكري يدري .



                          حديث الولاة والشعراء



                          وللشعر والشعراء قصب السبق في إثبات هذه الفضيلة للإمام(عليه السلام) وقد بلغت من الشهرة حتى لم تدع مجالا لإنكارها أو التشكيك فيها . . وهنا يبدأ المؤلّف هذا الفصل وقبل أن يذكر القصيدة وقائلها ، بمقدّمة جميلة جدّاً لا يسعنا تجاوزها أو اختصارها فهو يقول :



                          عرفت أن الحديث بلغ من الشهرة والثبوت بحيث لا يسع أيّ مُعْنِت إنكاره; ولذلك احتجّ به فريق كبير من المحقّقين في كتب الإمامة ، وأرسله إرسال المسلّمات جموع من نياقد فن الحديث في باب الفضائل ، وتبجّح به زُرافات من حَملة العلم ونقّاده في مؤلّفاتهم ، وهنالك لفيف لا يُستهان بعدّتهم ، ولا يُغمز في شيء من تثبّتهم وضبطهم من صيارفة القول ، وصاغة القريض ، وزبناء الشعر ، بين عالم ضليع ، وأديب بارع ، وشاعر مبدع ، تصدّوا لإثبات هذه الفضيلة فيما أفرغوه في بوتقة النظم ، أو حاكوه على نول الحقيقة ، فسار ذكرها مع الركبان وانتشر نشرها مع مهب الريح ، كما مرّ عن الحميري والسرخسي والشفهيني والحرّ العاملي والأفتوني وغيرهم . ثمّ أخذ يذكر آخرين إتماماً لما ذكره سابقاً ، أنظر الكتاب نفسه .



                          حديث الولادة مجمع عليه



                          بهذا العنوان صدّر الباحث الفصل الأخير من كتابه القيم هذا ، بعد أن أثبت في فصوله السابقة حديث الولادة عند الفريقين وأنه حديث مشهور عندهم حيث أعاد قول الآلوسي «إنّه أمر مشهور في الدنيا» ، وأنه «في المناقب المتسالم عليها التي لا يفتقر ناقلها إلى كتاب» كما ذكر ذلك السيّد حيدر الآملي ، وأنّ روايته مسندة عند الفريقين مصفقين على نقله وهو ما عرفناه عن ابن اللوحيّ . وأنّ العلاّمة النوري ترقّى أكثر مصرّحاً بأنّ تلك الفضيلة لا يبعد كونها من ضروريات مذهب الإمامية ، وأنها جاءت في أخبار غير محصورة وفي كلمات العلماء وفي ضمن الخطب والأشعار في جميع الأعصار ، وهو إجماع الشيعة عليه كما نقل ذلك صاحب «مدينة المعاجز» عمّا ذكره ابن شهرآشوب في مناقبه ، وفي مناقب المعصومين أنه إجماع أهل البيت(عليهم السلام) ثمّ ذكر أقوال بعض علماء الشيعة حيث أرسلوا ولادته(عليه السلام) في الكعبة إرسال المسلّمات نافين عنه أي شبهة وارتجاف ، ومنهم العلاّمة قطب الدين اللاهجي في كتابه (محبوب القلوب) فبعد أن نصّ على أنّ ولادته(عليه السلام) تمّت داخل الكعبة يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب قبل الهجرة بثلاثة وعشرين عاماً قال : «ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه» مبيّناً أنّها «فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته» .



                          ويقرب من هذا أقوال كلّ من السيّد عباس الموسوي المكّي في رحلته (نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس) والسيّد نعمة الله الموسوي الجزائري (ت1112) في (الأنوار النعمانيّة) ، ونظام الدين الساوجي في تكملة الجامع العباسي لبهاء الدين العاملي ناصّاً أنّ «ولادته في جوف الكعبة» .



                          وفي مزار «أبواب الجنان وبشائر الرضوان» أرسله إرسال المسلم الشيخ خضر العفكاوي النجفي (ت1255) .



                          ومن ذلك ما ذهب إليه العلاّمة الشريف الشيرواني في كتابه «الشهاب الثاقب» قائلا : «إنّه ولد في مكّة ببيت الله الحرام» معقباً ذلك بقوله : «ولم يولد فيه قطّ سواه لا قبله ولا بعده» مخالفاً بذلك غيره من أنّ ولادته يوم 13 رجب ناسباً ولادته يوم الجمعة إلى القيل .



                          وفي «تقويم المحسنين» أثبت الفيض الكاشاني (ت 1091) في حوادث رجب : ولد علي بن أبي طالب(عليه السلام)في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة وللنبي(صلى الله عليه وآله)يومئذ ثمان وعشرون سنة . وقد ماثله في ذلك الشيخ أبو محمد الديلمي في (إرشاده) ذاكراً أنّها من فضائله(عليه السلام) الجمّة المخصوصة به .



                          وقد ماثلهم في ذلك أيضاً صاحب (منهاج البراعة) في شرح نهج البلاغة السيّد حبيب الله الموسوي الخوئي بقوله «وقد خصّه الله بهذه الفضيلة على سائر الأنام ، ولم يولد في البيت أحد قبله ولا بعده . . .» .



                          ونهج منهجهم أيضاً العلاّمة السيد حيدر الكاظمي (ت 1265) في كتابه (عمدة الزائر) . . ناقلا رواية ذكرها الشيخ في الصحيح عن الإمام الصادق(عليه السلام) : كانت ولادته يوم الأحد لسبع خلون من شعبان ، وكان بين مولده ومولد رسول الله(صلى الله عليه وآله)ثلاثون سنة ، ولم يولد قبله ولا بعده في بيت الله الحرام سواه إكراماً له وتعظيماً له من الله تعالى بذلك وإجلالا لمحلّه» .

                          ويقول السيد مهدي القزويني (ت 1300) في (فلك النجاة) : ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب ، وروي سابع شعبان ، والأوّل أشهر بعد مولد رسول الله(صلى الله عليه وآله)بثلاثين سنة ، في الكعبة البيت الحرام ، . . .» .

                          وأمّا السيد محسن الأعرجي فقد نسب ولادته في شعبان إلى القيل ذاكراً حديث يزيد بن قَعنَب الذي ذكره الصدوق .

                          وهنا يقول شيخنا عن السيد الأعرجي : «وهذا العالم البحّاثة النيقد وجد خلافاً في شهر الولادة فأوعز إليه ، لكنّه لم يجد في حديث البيت أي ترديد ، فلم ينبس عنه ببنت شفّة ، ولو كان مثله يجد شيئاً لما آثر تركه; وهو ذلك الصريح الشديد في البحث .
                          وهكذا كلّ من الشيخين عبد النبيّ الجزائري في (حاوي الأقوال) والشيخ أبو علي الرجالي في (منتهى المقال) وهما من أعلام الدين وقد أخبتا بها ولصحتها .

                          وفي الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية للسيد علي خان المدني الشيرازي (ت1210) ، قد أذعن بحقيقة وحقيّة ما نقله عن (الفصول المهمّة) لنور الدين علي الصباغ المكي المالكي (ت 855) «ولد عليّ(عليه السلام) بمكة المشرّفة بداخل البيت الحرام . . . ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته» .

                          وفي عقائد الشيعة لعلي أصغر البروجردي الذي ذكر فيه بأنّ مولده(عليه السلام) في وسط البيت ضحى الجمعة بعد ثلاثين عاماً من ولادة النبي الأعظم .

                          بعد هذا كلّه يعلن المؤلف عن اكتفائه بهذه النماذج قائلا : ولعلّها جمعاء كقطر من بحر بالنسبة إلى ما يجده السابر لكتب علمائنا .

                          تعليق


                          • #14
                            تتمة


                            علماء أهل السنّة :



                            ثمّ راح يعلن إصفاق علماء أهل السنّة ومحدّثيهم وعرفائهم معنا في إثبات هذه المأثرة الفاضلة ، وعدّ هذا من أجلى الحقائق وأثبتها .



                            فكلام الحاكم في مستدركه وحكمه بتواتر النقل به ، وما نقله الحافظ الكنجي الشافعي عنه ذلك وما حكم بتواتره المحدّث الدهلوي وقد وافقهم الآلوسي بما نصّه بـ «أنّ ذلك مشهور في الدنيا» ومثله ما ورد عن الصفوري الشافعي وفي «تاريخ گُزيده» لحمد الله المستوفي ، و(مطالب السؤول) لابن طلحة الشافعي و(مرآة الكائنات) لنشانجي زاده و(سير الخلفاء) للدهلوي المعاصر وكتاب (الحسين) للسيد علي جلال الدين الحسيني ، وعبد الباقي أفندي العمري والمولى الرومي ، ومعين الدين الجشتي وعبد الرحمن الجامي في شعرهم والأمير محمد صالح الترمذي في مناقبه .



                            ثمّ بعد كلّ هذا أخذ شيخنا أيضاً ينقل بعض أسماء العامّة ممّن لم يمتاروا في صحّة خبر الولادة بل فسّروه خاضعين لأمره كما يصفهم بذلك شيخنا ، فنور الدين الصبّاغ المكي المالكي (ت 855) في (الفصول المهمّة) قال صريحاً : ولد علي(عليه السلام)بمكّة المشرّفة بداخل البيت الحرام ، يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب الفرد ، سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة ، . . . ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته»81 .



                            وقد نقل هذه العبارة كلّ من الصفوري الشافعي في (نزهة الحلبي)82 والسيد علي خان المدني في (الحدائق الندية)83 والشبلنجي الشافعي في (نور الأبصار) والسمهودي في (جواهر العقدين) وبرهان الدين الحلبي في (انات العيون) ، وما ذكره السبط ابن الجوزي في (تذكرة خواص الأمّة) هو : «روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ(عليه السلام) فضربها الطلق ، ففتح لها باب الكعبة ، فدخلت فوضعته فيها ، وكذا حكيم بن حزام ولدته أمّه فيها» .



                            وهنا راح يفرّق بين الولادة المزعومة لحكيم بن حزام داخل الكعبة وبين ولادة عليّ(عليه السلام) داخل الكعبة فيقول :



                            إنّ ولادة حكيم فيها ، على تقدير صحّتها ـ والكلام للمؤلّف ـ من جملة الصدف والاتفاقات غير القصدية ، فليس فيها فضل ما غير تلويث البيت بالمخاض ، ويجب تطهيره . وأين هذه من ولادة أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي فُتح لأُمّه الباب ، كما في عبارة السبط نفسه (ففتح لها باب الكعبة فدخلت فيها) ، ولم يُفتح لغيرها بالرغم من جهدهم في ذلك كما سبق في أحاديث كثيرة ، أو انشقّ لها جدار البيت فدخلته كما في أحاديث الشيعة ، ولا يعدو ذلك أن يكون الأمر إلهياً قصد به التنويه بشريف المولود المبارك الذي تشرّف البيت بولادته فيه؟!



                            وهناك حديث طويل أخرجه أبو نعيم الحافظ يبدو أنّه في فضل فاطمة بنت أسد أو في فضل ولادة علي داخل الكعبة إلاّ أنّهم قالوا : «في إسناده رَوح بن صلاح ضعّفه ابن عديّ فلذلك لم نذكره» .



                            وروح هذا في الوقت الذي ضعّفه ابن عدي فإنّ ابن حبّان ذكره في الثقات كما أنّ الحاكم قال عنه : ثقة مأمون84 .



                            كما أن نقل ابن الجوزي حديث الولادة المباركة لعليّ(عليه السلام) داخل الكعبة بصيغة المجهول «روي» لم يكن فيه ـ والكلام للشيخ ـ أي إيعاز إلى الوهن فيه بعدما عرفنا أنّ المعهود من ابن الجوزي في غير مورد من هذا الكتاب من إرداف الحديث بنقده أو تعميمه أو حذفه رأساً لضعفه ، وإنّما جاء به كذلك لتكثر طرقه الموجب للإطناب إذا تصدّى لسردها ، ولشهرته المغني عن ذكر الأسانيد ، وإنّما الغرض الإشارة إلى إحدى المسلّمات بأوجز بيان .



                            ومثل السبط ابن الجوزي مثل السيد ابن طاووس (ت 664) في كتابه «الإقبال» حيث كان يذكر رواية ولادة الإمام (عليه السلام) في الكعبة بصيغة المبني للمجهول فكان يقول : روي أن يوم ثالث عشر رجب كان مولد مولانا علي بن أبي طالب(عليه السلام)في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة»85 .



                            والمتحصل من ذلك كلّه أنّ الولادة محل إجماعهم وتأريخها محل خلافهم .



                            وقفة المؤلف مع الكازروني



                            قال أحمد بن منصور الكازروني في (مفتاح الفتوح) :



                            ولدت فاطمة عليّاً(عليه السلام) في الكعبة ، ونقل عنها أنّها كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم وعليّ في بطنها لم يمكِّنها; ولذا يقال عند ذكر اسمه : «كرّم الله وجهه ، أي كرّم الله وجهه عن أن يسجد لصنم» .



                            وهنا يقول الشيخ : أنا لا أحاول تصديق الرجل في كلّ ما يقول غير ما أتيت به من كلامه شاهداً لموضوع الرسالة ، فإني لا أصافقه على أنّ فاطمة كانت تسجد للصنم ، وإن كان ابنها أكبر وازع عن عبادة الأوثان ، ولو كنت أجوّز لها تلكم الاسطورة ، لما عداني اليقين بما ذكره من أمر جنينها . لكنّي أعتقد أنّ كون الإمام سلام الله عليه في بطنها حملا ، وتقدير كونها حاملا له(عليه السلام) من الله سبحانه منذ الأزل ، كان عاصماً لها عن عبادة الأصنام كبرهان الربّ (العصمة) المانع يوسف عن الزنا ، وهذا هو الذي نعتقده في آباء النبيّ والأئمّة عليهم وعليه السلام وأُمّهاتهم ، فهم مبرّؤون عمّا يصمهم في دين أو دنيا .



                            . . . ثمّ قال : إنا لا نقيم لهاتيك الرواية الساقطة وزناً ، وإن وافق راويها في إخراجها ابن حجر في (الصواعق) ولقد أُسرَّ ناقلها حَسواً في ارتغاء يزيد وقيعة في اُمّ الإمام كما تحامل على أبيه المقدّس فحكم بكفره لأمر دبّر بليل ، فصبّها في قالب الفضيلة له وتلقّاها الغير في غير ما رويّة ، انتهى .



                            أما عبد الرحمن الجامي في (شواهد النبوّة)86 فقد أسند حديث ولادة الإمام علي(عليه السلام) إلى بعضهم . وإن خلط الحابل بالنابل ـ كما يقول عنه المؤلّف ـ وجاء بعثرات لا تقال حول تاريخ الولادة مخالفة للضرورة والإجماع ، إلاّ أنّ المهمّ في كلامه هو إسناد حديث الولادة .



                            وما قاله الشيخ عبد الحق بن سيف الدين المحدّث الدهلوي في (مدارج النبوّة) . . . وقالوا : إنّ ولادته كانت في جوف الكعبة»87 .



                            وأمّا حديث الولادة الذي رواه يزيد بن قعنب فقد ذكره الأمير محمد صالح الكشفي الترمذي الأكبر آبادي في كتابه (المناقب) بأسانيد متكرّرة ، وقد أرسله إرسال المسلّم في كتابه المذكور ، ونقل أيضاً في كتابه هذا قول أبي داود البناكتي : «لم يحظ أحد قبل الإمام(عليه السلام) ولا بعده بشرف الولادة في البيت»88 .



                            وصدر الدين أحمد البردواني وهو من متأخّري علماء السنّة في (روائح المصطفى) قال : كانت ولادته(عليه السلام) في جوف الكعبة . . .»89 .



                            وشاه محمد حسن الجشني في كتاب (آئينه تصوف) قال : إنّه(عليه السلام) ولد في الكعبة . . . وميرزا محمد بن رستم البدخشي قال في (مفتاح النجا في مناقب آل العبا) : . . . ولم يولد في البيت الحرام أحد سواه ، قبله ولا بعده ، وهي فضيلة خصّه الله بها» .



                            وأمّا العلاّمة الشيخ الشنقيطي المدرس بالأزهر في (كفاية الطالب لمناقب علي ابن أبي طالب) وهو شديد التحرّز من أحاديث الروافض المكذوبة كما يزعم; لأن الإمام(عليه السلام) في غنى عنها كما يرى الشنقيطي لكثرة ما ثبت في السنّة من أحاديث فضائله ، أرسله إرسال المسلّم أن من مناقبه ـ كرّم الله وجهه ـ أنّه ولد في داخل الكعبة ، ولم يعرف ذلك لأحد غيره إلاّ حكيم بن حزام رضي الله عنه .



                            وقد أوضحنا القول في هذه الولادة الأخيرة المزعومة في المقدّمة وفي متون هذا الكتاب فلا نعيد .



                            وقفة أخيرة :



                            ويفرد المؤلف ختام فصله الأخير من كتابه القيم هذا بمناقشة مختصرة لما قاله الشيخ علي القاري في (شرح الشفا) بعد أن قال في حكيم بن حزام : «ولا يعرف أحد ولد في الكعبة غيره على الأشهر» ما نصّه : «وفي "مستدرك الحاكم" أن عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ أيضاً ولد في داخل الكعبة»90 .



                            فيقول الشيخ المؤلف بعد ذكره لما قاله القاري :



                            ليت القاري لم يسحب ذيل أمانته على كلمة الحاكم الموجودة في (المستدرك) . . . وليته ذكر قوله : تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين في جوف الكعبة . ثمّ واصل الشيخ ردّه بقوله : ليت! وهل ينفع شيئاً ليتُ؟ عذرته ، فهو حين رمى القول على عواهنه في ولادة حكيم بن حزام بإسناده إلى الأشهر المستخرج من عُلبة مخيّلته لم يكن يسعه المصارحة بأنّ خلافه ممّا تواترت به الأخبار ، فلا أقلّ من التكافؤ بأن يكون كلّ منهما مشهوراً . فكان الأحفظ لسمعته والأستر لَمينه ، أي (لكذبه) أن يمسخ كلمة الإمام الحاكم إلى رأيت ، وكان من المحتمل القريب أن لا يناقشه أحد الحساب ، لكن الحقيقة لابدّ وأن تبرز نفسها .



                            الهوامش :



                            (1) اُنظر أعيان الشيعة 2 : 410 .



                            (2) كتاب الغدير 6 : 37 .



                            (3) المجموعة الكاملة 2 : 35 .



                            (4) تاريخ دمشق 15 : 93 .



                            (5) تاريخ دمشق 15 : 98 .



                            (6) تاريخ دمشق 15 : 95 .



                            (7) التبيين في أنساب القرشيين : 266 .



                            (8) تهذيب الكمال 14 : 46 ، سير أعلام النبلاء 4 : 429 .



                            (9) انظر سير أعلام النبلاء 12 : 314 ، تهذيب التهذيب 3 : 313 ، وميزان الاعتدال 2 : 66 .



                            (10) انظرها في سير أعلام النبلاء 12 : 314 .



                            (11) تاريخ دمشق 15 : 98 .



                            (12) المستدرك 3 : 549 / 6041 / 1639 .



                            (13) المستدرك 3 : 550 / 6044 / 1642 .



                            (14) أنظر سير أعلام النبلاء والأنساب وجمهرة النسب .



                            (15) مقدّمة جمهرة النسب .



                            (16) أخبار مكة للأزرقي 1 : 174 .



                            (17) تذكرة الحفّاظ 2 : 501 . الجرح والتعديل 8 / 124 ، سير أعلام النبلاء 12 : 96 .



                            (18) التاريخ الكبير 6 : 29 ; التاريخ الصغير 2 : 234 ; الجرح والتعديل 5 : 390 ; تاريخ بغداد 10 : 441 ; تهذيب التهذيب 6 : 351 ; ميزان الاعتدال 2 : 632 .



                            (19) من ضمن المصادر التي اعتمدتها في هذه المقدمة المختصرة مقالة قيّمة ونافعة للأستاذ شاكر شبع (الولادة في الكعبة المعظّمة) نشرت في مجلّة تراثنا العدد 26 .



                            (20) المستدرك 3 : 483 .



                            (21) كفاية الطالب : 407 ، وانظر الغدير للشيخ الأميني 6 : 22 .



                            (22) الغدير للشيخ الأميني 6 : 22 .



                            (23) انظر الغدير 6 : 22 ـ 23 .



                            (24) الكشكول : 189 .



                            (25) غاية المرام : 13 .



                            (26) أُصول العقائد : 165 مترجماً من الفارسية وملخصاً .



                            (27) اعلام الورى : 153 .



                            (28) شرح القصيدة المذهبة : 51 .



                            (29) خصائص الأئمّة : 39 .



                            (30) التهذيب 6 : 19 كتاب المزار .



                            (31) مصباح المتهجد : 741 و 754 .



                            (32) الإرشاد : 90 والمقنعة : 72 ومسار الشيعة : 35 .



                            (33) انظر الإقبال : 608 ، ومصباح الزائر : 106 ، والمزار الكبير : 267 ، والبحار 100 : 374 .



                            (34) انظر المجدي : 11 .



                            (35) انظر مناقب ابن شهرآشوب 2 : 175 ، 176 ، روضة الواعظين : 81 ، أعيان الشيعة 1 : 324 .



                            (36) جلاء العيون 1 : 232 فارسي .



                            (37) تحفة السلاطين 2 ، فارسى .



                            (38) تحفة المجالس : 64 فارسي .



                            (39) ضياء العالمين 2 .



                            (40) نهج الحق وكشف الصدق : 232 ، كشف اليقين : 5 .



                            (41) كشف الغمّة 1 : 59 .



                            (42) مناقب ابن شهر آشوب 2 : 175 .



                            (43) الصراط المستقيم 2 : 215 .



                            (44) تحفة الأبرار ، ب4 ، ف2 .



                            (45) انظر إحقاق الحقّ .



                            (46) الفصول المهمّة : 30 وأيضاً نزهة المجالس 2 : 204 .



                            (47) كشف الغمّة 1 : 60 ، بشارة المصطفى : 7 .



                            (48) إرشاد القلوب : 211 .



                            (49) مناقب مرتضوي : 87 ط بومباي 1321 هـ .



                            (50) الأمالي 114 : 9 ، علل الشرائع 1 : 135 ، 3 ، معاني الأخبار 62 : 10 .



                            (51) روضة الواعظين : 77 ـ 81 .



                            (52) الفضائل لشاذان بن جبرئيل : 54 ، جامع الأخبار : 15 .



                            (53) علل الشرائع 3 : 135 . معاني الأخبار 10 : 62 ، أمالي الصدوق9 : 114 . أمالي الطوسي 2 : 317 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 172 ، روضة الواعظين : 77 .



                            (54) منظومة في تواريخ المعصومين(عليهم السلام) ، مخطوطة .



                            (55) مصباح الحرمين : 194 .



                            (56) شرح نهج البلاغة 1 : 14 .



                            (57) كنز الفوائد 1 : 255 .



                            (58) الأربعون حديثاً ، مخطوط ، نوادر المعجزات : 10 ، اليقين : 73 ، فضائل ابن شاذان : 2 .



                            (59) كفاية الطالب : 405 .



                            (60) المجدي : 11 .



                            (61) عمدة الطالب : 58 .



                            (62) روضة الصفا ، مترجماً من الفارسية وملخّصاً .



                            (63) مروج الذهب 2 : 349 .



                            (64) إثبات الوصية : 111 .



                            (65) تاريخ گُزيده (فارسي) : 192 مترجماً وملخصاً .



                            (66) مطالب السؤول : 11 .



                            (67) مرآة الكائنات 1 : 383 .



                            (68) سير الخلفاء : 208 مترجماً من الهندية وملخّصاً .



                            (69) تاريخ قم : 191 .



                            (70) كتاب الحسين(عليه السلام)1 : 16 .



                            (71) تاريخ نگارستان : 10 ، وانظر بشأنه كشف الظنون 2 : 1976 ، الذريعة 24 : 308 .



                            (72) روضة الصفا الجزء العاشر مترجماً من الفارسية وملخّصاً كتاب خاماسب : 51 .



                            (73) روضة الشهداء : 146 .



                            (74) شام : تطلع ، انظر «لسان العرب ـ شيم ـ 12 : 329» .



                            (75) القصيدة العلوية : 61 ، وهذه القصيدة تشتمل على 5595 بيتاً ، انظر الذريعة 17 : 120 ، والأعلام للزركلي 4 : 297 .



                            (76) شرح الشافية : 15 .



                            (77) مصباح الكفعمي : 512 .



                            (78) تجارب السلف : 37 ، ط طهران سنة 1313 هـ . ش ، مترجماً من الفارسية .



                            (79) إنسان العيون 1 : 165 .



                            (80) تاريخ الخميس 2 : 307 .



                            (81) انظر الفصول المهمّة : 30 .



                            (82) نزهة الحلبي 2 : 204 .



                            (83) الحدائق الندية : 10 .



                            (84) انظر العسقلاني في لسان الميزان 2 : 465 .



                            (85) الإقبال : 655 .



                            (86) شواهد النبوّة : 198 .



                            (87) مدارج النبوّة 2 : 531 مترجماً من الفارسية .



                            (88) مناقب مرتضوي : 87 ط بومباي سنة 1321هـ . مترجماً من الفارسية .



                            (89) روائح المصطفى : 10 ط كابنور سنة 1302 مترجماً من الفارسية .



                            (90) كفاية الطالب : 25 و 37 ، وشرح الشفا 1 : 151 ، المستدرك 3 : 483 .

                            تعليق


                            • #15
                              إضافة الى هذين الرابطين

                              عَليٌّ (عليه السلام) وَليدُ الكَعْبَة ِوَشهِيدُ المِحْرابْ
                              عنوان الموقع: http://www.mawkb-sheat-ali.com/Maqtal%20Al-Amir.doc
                              كاتب: عبدالأميرالخفاجي




                              علي وليد الكعبة
                              عنوان الموقع: http://alradhy.com/hadeth/hadeth22/7-3.htm


                              أتمنى أن تستفيدوا منهما

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
                              استجابة 1
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X