بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم :
: قصة حقيقية و عبر عظيمة ... ( إنّهُ كانَ ظلوماً جهُولاً )
أما بعد :
أنظروا إلى عدالة المولى جل و علا و أنه يمهل و لا يهمل ، و لتعرفوا مدى تأثير الطمع في نفس الإنسان ، فلنقرأ سوياً هذه القصة لتدركوا حقيقة ما أقصد :
*****************************************
القصة هي :
كان تاجراً متوسط الثراء ، و كان يعمل بشراء الأبقار من العراق أو من إيران ثم ينتقل بها هو و رجاله مرحلة مرحلة حتى يصل إلى سورية و لبنان و قد يصل إلى مصر ليبيع ما لديه من الأبقار ثم يشتري بثمنها أقمشة و مصنوعات أخرى و يعود بها إلى العراق .
و كان الرجل مسلماً حقاً : قواماً ، صواماً ، منفقاً على الفقراء ، قائماً بواجباته نحو ربه و نحو الناس ورعاً تقياً نقياً ، ماله ليس له وحده ، بل للمحتاجين من أقربائه و أهل بلدته و لكلّ فقير محتاج .
و في إحدى سفراته بتجارته و كان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 م هطلَ ثلج كثير ، فسد الطريق ، و قتل الأعشاب فماتت أبقاره عدا أربعة منها ، فصرف رجاله ، و أخذ ينتقل بها من مكان إلى آخر ، و كان في نيته أن يصل إلى حلب الشهباء ليؤدي ما عليه من ديون هناك حسب طاقته ، و يطلب تأجيل ما بقي عليه منها إلى العام القادم ، لأن تجارته في عامه هذا لم تربح و أن مع العسر يسراً .
و في مساء ذات يوم من الأيام وصل إلى قرية صغيرة في طريقه من الموصل الحدباء إلى حلب الشهباء فطرق باب أحد بيوتها فلما خرج إليه صاحب الدار أخبره بأنه ضيف الله و أنه يريد أن يبيت ليلته في داره فإذا جاء الصباح سافر إلى قرية أخرى .
و لم تكن حينذاك فنادق يأوي إليها المسافرون و لم تكن يومئذ مطاعم يتناول الغرباء فيها طعامهم ... لقد كان الغريب أو المسافر يطرق أية دار من دور الموقع الذي يصل إليه ثم يحل ضيفاً بين ظهراني أهله ينام كما ينامون و يتناول من طعامهم بدون أجر أو مقابل ...
و رحب صاحب الدار بضيفه و ادخل أبقاره إلى صحن داره و قدم الطعام للضيف و العلف للأبقار.
كان صاحب البيت معدماً و كان قد أصابه ما أصاب الناس من جرّاء هطول الثلج بكثرة و لمدة طويلة فماتت مواشيه و تضرر زرعه .
و كان متزوجاًَ و له ولد واحد في العقد الثاني من عمره و كان في داره غرفتان : غرفة يأوي إليها هو و زوجه و غرفة يأوي إليها ولده .
و اجتمعت العائلة حول الضيف الجديد و ابتدأ السمر شهياً طلياً عرف المضيف من خلاله أن ضيفه يحمل مبلغاً من المال ....
و في الهزيع الثاني من الليل آوى المضيف مع زوجته إلى غرفتهما ، و أوى الضيف إلى غرفة ولد المضيف فنام الولد على فراشه في الزاوية اليمنى من الغرفة و آوى الضيف إلى فراشه في الزاوية اليسرى من الغرفة ...
و في غرفة المضيف همست له زوجه : يا فلان ! إلى متى نبقى في عوز شديد ؟ هذا الضيف غني ، و نحن بأشد الحاجة إلى ماله و أبقاره إننا مقبلون على مجاعة لا يستطيع الأغنياء أن يتغلبوا عليها إلا بمشقة بالغة و سنموت نحن بدون ريب إننا الآن نأكل يوماً و نجوع أياماً فكيف بنا إذا حلت بالقرية المجاعة المترقبة و لا مال عندنا و لا طعام ؟
" إن الفرصة سانحة اليوم ، و لن تعود مرة أخرى في يوم من الأيام ! هلم إلى الضيف فاسلبه ماله و خُذ أبقاره حتى تبقي على حياتنا و حياة ولدنا الوحيد "
و قال لها الرجل : " كيف و هو ضيفنا ؟ كيف أسلبه ماله و أبقاره ؟! كيف يسمح لنا بسلبه ؟!
و قالت زوجه :" اقتله ، ثم نرميه في حفرة قريبة ببطن الوادي و من يعرف بخبره ؟ من !! "
و تردد الرجل ، و ألحت المرأة و كان الشيطان ثالثهما فزين للرجل قول امرأته و ألح هو أيضا في الإقدام على قتل الضيف ... و لكي تقطع المرأة على زوجها داء تردده و لكي يقطع عليه الشيطان قالت المرأة لزوجها : " إن ما تفعله ضرورة لإنقاذنا من الموت الأكيد ، و الضرورات تبيح المحرمات ؟؟؟؟؟!!!!!!!!"
و اقتنع الرجل أخيراً و عزم على قتل الضيف و سلب ما لديه من مال و متاع .
كان الوقت في الثلث الأخير من الليل و كان كل شيء هادئاً ساكناً و كانت الأنوار مطفأة و لم تكن أنوار المنازل في حينه غير سراج يوقد بالزيت . و أخرج الرجل خنجره و شحذه ثم يمم شطر غرفة الضيف و ابنه و من ورائه زوجه تشجعه ....
و مشى رويداً رويداً على رؤوس أصابع رجليه و اتجه شطر الزاوية اليسرى من الغرفة حيث يرقد الضيف ، و تحسس جسمه حتى تلمس رقبته في الظلام ثم ذبحه كما يذبح الشاة .
و جاءت إلى الرجل زوجه ، و تعاونا على سحب الجثة الهامدة إلى خارج الغرفة و حيث اكتشفا هناك أنهما ذبحا ابنهما الوحيد .
و شهق الرجل شهقة عظيمة و شهقت المرأة فسقطا مغشياً عليهما و على صوت الجلبة استيقظ الضيف و استيقظ الجيران ليجدا ابن الرجل قتيلاً و ليجدوا أمه و أباه مغشيأً عليهما راقدين إلى جانب الجثة الهامدة على الأرض .
و سارع الضيف و سارع الجيران إلى الرجل و امرأته بالماء البارد يرشونه على وجهيهما و سارع هؤلاء إلى تدليك جسدي الرجل و امراته فلما أفاقا أخذا يبكيان بكاءً مرأً و طلبا إلى الجيران إبلاغ الحادث إلى الشرطة فجاءت على عجل و ألقت القبض على الجانيين .
مالذي حدث في غرفة الضيف و ابن المضيف ؟
لقد قام الابن إلى فراش الضيف بعد أن غادر أبوه الغرفة و أخذ الرجلان يتجاذبان أطراف الحديث و كان الحديث ذا شجون فطال أمده حتى نام الولد على فراش الضيف بعد أن غلبه النعاس .
و لم يشأ الضيف أن يوقظ ابن مضيفه فترك له فراشه بعد أن أحكم عليه الغطاء ثم آوى إلى فراش ابن المضيف ....
و حين قدم المضيف إلى غرفة الضيف و ابنه كان متأكداً من موضع فراش كل واحد منهما ، فذبح ابنه و هو يريد الضيف فكان كالخارجي الذي أراد اغتيال عمرو بن العاص في عماية الفجر فاغتال بدله " خارجة بن حذافة " فلما علم بالخبر هتف من صميم قلبه : " أردت عمراً و أراد الله خارجة ...."
و دفن الجيران الولد القتيل و استقر والده في السجن ...
على شجر خابور الفرات قرب ( قرقيسياء ) كانت يمامتان تتناجيان بما يتناجى به الناس من خبر قصة الضيف و المضيف و قصة عدالة السماء :
قالت الأولى :
إن الله جل جلاله هو الغني و الناس الفقراء .
و الله هو الرزاق العليم .
و رزقه مكتوب لكل ذي روح .
فليطلب المرء رزقه حلالا .
و قالت الثانية :
لا حارس كالأجل .
و الله هو الرقيب الحسيب .
فإذا نام الخلق فالخالق لا ينام .
و لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها .
قالت الأولى :
احفظ الله يحفظك .
و من يتق الله يجعل له مخرجا .
( و كان أبُوُهما صالحاً فأرادَ رَبّكَ أن يَبْلُغا أشُدَّهُما و يستخرجا كنزهُما ) الكهف 82.
و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
و قالت الثانية :
الظلم لا يدوم و إن دام دمر .
و الظلم ظلمات و من بعض ظلماته السجون .
و العدل نور ، و من بعض نوره راحة الضمير .
و ردد الحيوان و الجماد و الإنسان حكمة الباري جل جلاله و عدالة السماء و اعتبر كل شيء إلا الإنسان ( إنّهُ كانَ ظلوماً جهُولاً ) الأحزاب 72 .
يا ليت الحكام و الظلام يعتبرون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم :
: قصة حقيقية و عبر عظيمة ... ( إنّهُ كانَ ظلوماً جهُولاً )
أما بعد :
أنظروا إلى عدالة المولى جل و علا و أنه يمهل و لا يهمل ، و لتعرفوا مدى تأثير الطمع في نفس الإنسان ، فلنقرأ سوياً هذه القصة لتدركوا حقيقة ما أقصد :
*****************************************
القصة هي :
كان تاجراً متوسط الثراء ، و كان يعمل بشراء الأبقار من العراق أو من إيران ثم ينتقل بها هو و رجاله مرحلة مرحلة حتى يصل إلى سورية و لبنان و قد يصل إلى مصر ليبيع ما لديه من الأبقار ثم يشتري بثمنها أقمشة و مصنوعات أخرى و يعود بها إلى العراق .
و كان الرجل مسلماً حقاً : قواماً ، صواماً ، منفقاً على الفقراء ، قائماً بواجباته نحو ربه و نحو الناس ورعاً تقياً نقياً ، ماله ليس له وحده ، بل للمحتاجين من أقربائه و أهل بلدته و لكلّ فقير محتاج .
و في إحدى سفراته بتجارته و كان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 م هطلَ ثلج كثير ، فسد الطريق ، و قتل الأعشاب فماتت أبقاره عدا أربعة منها ، فصرف رجاله ، و أخذ ينتقل بها من مكان إلى آخر ، و كان في نيته أن يصل إلى حلب الشهباء ليؤدي ما عليه من ديون هناك حسب طاقته ، و يطلب تأجيل ما بقي عليه منها إلى العام القادم ، لأن تجارته في عامه هذا لم تربح و أن مع العسر يسراً .
و في مساء ذات يوم من الأيام وصل إلى قرية صغيرة في طريقه من الموصل الحدباء إلى حلب الشهباء فطرق باب أحد بيوتها فلما خرج إليه صاحب الدار أخبره بأنه ضيف الله و أنه يريد أن يبيت ليلته في داره فإذا جاء الصباح سافر إلى قرية أخرى .
و لم تكن حينذاك فنادق يأوي إليها المسافرون و لم تكن يومئذ مطاعم يتناول الغرباء فيها طعامهم ... لقد كان الغريب أو المسافر يطرق أية دار من دور الموقع الذي يصل إليه ثم يحل ضيفاً بين ظهراني أهله ينام كما ينامون و يتناول من طعامهم بدون أجر أو مقابل ...
و رحب صاحب الدار بضيفه و ادخل أبقاره إلى صحن داره و قدم الطعام للضيف و العلف للأبقار.
كان صاحب البيت معدماً و كان قد أصابه ما أصاب الناس من جرّاء هطول الثلج بكثرة و لمدة طويلة فماتت مواشيه و تضرر زرعه .
و كان متزوجاًَ و له ولد واحد في العقد الثاني من عمره و كان في داره غرفتان : غرفة يأوي إليها هو و زوجه و غرفة يأوي إليها ولده .
و اجتمعت العائلة حول الضيف الجديد و ابتدأ السمر شهياً طلياً عرف المضيف من خلاله أن ضيفه يحمل مبلغاً من المال ....
و في الهزيع الثاني من الليل آوى المضيف مع زوجته إلى غرفتهما ، و أوى الضيف إلى غرفة ولد المضيف فنام الولد على فراشه في الزاوية اليمنى من الغرفة و آوى الضيف إلى فراشه في الزاوية اليسرى من الغرفة ...
و في غرفة المضيف همست له زوجه : يا فلان ! إلى متى نبقى في عوز شديد ؟ هذا الضيف غني ، و نحن بأشد الحاجة إلى ماله و أبقاره إننا مقبلون على مجاعة لا يستطيع الأغنياء أن يتغلبوا عليها إلا بمشقة بالغة و سنموت نحن بدون ريب إننا الآن نأكل يوماً و نجوع أياماً فكيف بنا إذا حلت بالقرية المجاعة المترقبة و لا مال عندنا و لا طعام ؟
" إن الفرصة سانحة اليوم ، و لن تعود مرة أخرى في يوم من الأيام ! هلم إلى الضيف فاسلبه ماله و خُذ أبقاره حتى تبقي على حياتنا و حياة ولدنا الوحيد "
و قال لها الرجل : " كيف و هو ضيفنا ؟ كيف أسلبه ماله و أبقاره ؟! كيف يسمح لنا بسلبه ؟!
و قالت زوجه :" اقتله ، ثم نرميه في حفرة قريبة ببطن الوادي و من يعرف بخبره ؟ من !! "
و تردد الرجل ، و ألحت المرأة و كان الشيطان ثالثهما فزين للرجل قول امرأته و ألح هو أيضا في الإقدام على قتل الضيف ... و لكي تقطع المرأة على زوجها داء تردده و لكي يقطع عليه الشيطان قالت المرأة لزوجها : " إن ما تفعله ضرورة لإنقاذنا من الموت الأكيد ، و الضرورات تبيح المحرمات ؟؟؟؟؟!!!!!!!!"
و اقتنع الرجل أخيراً و عزم على قتل الضيف و سلب ما لديه من مال و متاع .
كان الوقت في الثلث الأخير من الليل و كان كل شيء هادئاً ساكناً و كانت الأنوار مطفأة و لم تكن أنوار المنازل في حينه غير سراج يوقد بالزيت . و أخرج الرجل خنجره و شحذه ثم يمم شطر غرفة الضيف و ابنه و من ورائه زوجه تشجعه ....
و مشى رويداً رويداً على رؤوس أصابع رجليه و اتجه شطر الزاوية اليسرى من الغرفة حيث يرقد الضيف ، و تحسس جسمه حتى تلمس رقبته في الظلام ثم ذبحه كما يذبح الشاة .
و جاءت إلى الرجل زوجه ، و تعاونا على سحب الجثة الهامدة إلى خارج الغرفة و حيث اكتشفا هناك أنهما ذبحا ابنهما الوحيد .
و شهق الرجل شهقة عظيمة و شهقت المرأة فسقطا مغشياً عليهما و على صوت الجلبة استيقظ الضيف و استيقظ الجيران ليجدا ابن الرجل قتيلاً و ليجدوا أمه و أباه مغشيأً عليهما راقدين إلى جانب الجثة الهامدة على الأرض .
و سارع الضيف و سارع الجيران إلى الرجل و امرأته بالماء البارد يرشونه على وجهيهما و سارع هؤلاء إلى تدليك جسدي الرجل و امراته فلما أفاقا أخذا يبكيان بكاءً مرأً و طلبا إلى الجيران إبلاغ الحادث إلى الشرطة فجاءت على عجل و ألقت القبض على الجانيين .
مالذي حدث في غرفة الضيف و ابن المضيف ؟
لقد قام الابن إلى فراش الضيف بعد أن غادر أبوه الغرفة و أخذ الرجلان يتجاذبان أطراف الحديث و كان الحديث ذا شجون فطال أمده حتى نام الولد على فراش الضيف بعد أن غلبه النعاس .
و لم يشأ الضيف أن يوقظ ابن مضيفه فترك له فراشه بعد أن أحكم عليه الغطاء ثم آوى إلى فراش ابن المضيف ....
و حين قدم المضيف إلى غرفة الضيف و ابنه كان متأكداً من موضع فراش كل واحد منهما ، فذبح ابنه و هو يريد الضيف فكان كالخارجي الذي أراد اغتيال عمرو بن العاص في عماية الفجر فاغتال بدله " خارجة بن حذافة " فلما علم بالخبر هتف من صميم قلبه : " أردت عمراً و أراد الله خارجة ...."
و دفن الجيران الولد القتيل و استقر والده في السجن ...
على شجر خابور الفرات قرب ( قرقيسياء ) كانت يمامتان تتناجيان بما يتناجى به الناس من خبر قصة الضيف و المضيف و قصة عدالة السماء :
قالت الأولى :
إن الله جل جلاله هو الغني و الناس الفقراء .
و الله هو الرزاق العليم .
و رزقه مكتوب لكل ذي روح .
فليطلب المرء رزقه حلالا .
و قالت الثانية :
لا حارس كالأجل .
و الله هو الرقيب الحسيب .
فإذا نام الخلق فالخالق لا ينام .
و لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها .
قالت الأولى :
احفظ الله يحفظك .
و من يتق الله يجعل له مخرجا .
( و كان أبُوُهما صالحاً فأرادَ رَبّكَ أن يَبْلُغا أشُدَّهُما و يستخرجا كنزهُما ) الكهف 82.
و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
و قالت الثانية :
الظلم لا يدوم و إن دام دمر .
و الظلم ظلمات و من بعض ظلماته السجون .
و العدل نور ، و من بعض نوره راحة الضمير .
و ردد الحيوان و الجماد و الإنسان حكمة الباري جل جلاله و عدالة السماء و اعتبر كل شيء إلا الإنسان ( إنّهُ كانَ ظلوماً جهُولاً ) الأحزاب 72 .
يا ليت الحكام و الظلام يعتبرون
تعليق