( بغداديات )
بتوقيع : بهلول الكظماوي
يحكى انّه كانت توجد هناك في الماضي مدينة كبيرة تعيش حياة الرفاه الاجتماعي و
الدعة و الطمأنينة و الامان,
وكان يأتيها رزقها رغداً, اذ يتعاون الناس فيما بينهم, تضللهم رعاية السماء حيث
يتعاملون فيما بينهم بالحسنى و بسماحة الدين الحنيف.
وعلى حين غرّة غزى هذه المدينة جيش جرّار قادماً اليها من خارج الحدود , فسقطت
كلّ المدينة في قبضته.
و كان قائد هذا الجيش رجلاً ذا حنكة و دهاء, وله باع و تجربة في ممارسة حكم
البلدان التي تسقط في امرتة, .... و بعد مرور وقت ليس بالقصير على حكم هذه
البلدة , الا انه لم يصادف ان يأتي اليه احد ليشتكي من جاره او شريكه او صاحبه.
ولم تحدث اية منازعات او خصومات لتطرح عليه.
ارسل هذا القائد على وجوه القوم و زعماء القبائل و سألهم : كيف لهم ان يتدبروا
كلّ شؤون مدينتهم الكبيرة هكذا و يعيشوا هذا الرغد و الدعة والامان فيما بينهم
بحيث لا توجد شكاوات و لا خصومه و لا عداوات فيما بينهم ؟
فأجابوه : نحن قوم اذا جاع فينا احد اشبعناه, واذا افتقر احد فينا اغنيناه,
واذا ترمّل احدنا او كان اعزباً زوّجناه ..... يرحم كبيرنا صغيرنا, ويوقّر
صغيرنا كبيرنا !!!
فسألهم : مالي ارى ابوابكم مفتوحة حتى الصباح و بدون حراسة ( حتى اني لا اجد
عندكم من يمتهن مهنة الحراسة ) ؟ اما تخافون السرقة ؟
فأجابوه : لا يوجد فينا من هو بحاجة الى السرقة او اكل المال الحرام, واذا صادف
ان وجد مثل هكذا معتوه او ناقص عقل فنحن نحرس بعضنا بعضاً!
فسألهم : مالي ارى قبوركم امام بيوتكم ؟
فأجابوه : لنتذكّر الموت بمشاهدتها فنزهد في الدنيا !!!
فقال لهم : لقد جئت لمساعدتكم و انقاذكم و تنظيم اموركم وهذا قصري و مضافتي و
سرايي مشرعة ابوابها لخدمتكم في كل الاوقات.
فاجابوه : لنا قادتنا و زعمائنا و علمائنا و لا حاجة لنا بك!
من كلّ ذلك حزّ في نفس هذا القائد و اراد ان يلقن هؤلاء القوم درساً يجعلهم
يحتاجون اليه و يرضخون لسطوته , فقال لهم : انكم منّ الله عليكم بالخير و
البركة في حال وجود مناطق فقيرة و محرومة من الجوار الواجب المساعدة وان لديه
مشروعاً خيرياً لمساعدة هذه الدول و المدن الفقيرة و المنكوبة , و اقترح عليهم
ان يساهم الجميع بهذه المساعدات وان يجلب كل واحد منهم بيضة وكف طحين .
واصبح الصباح التالي فاتي كلّ واحد منهم جالباً معه بيضة وكف طحين الى مكان
التجميع .
و بعد فترة من التجميع رجع ليقول لهم : لقد انتنفت الحاجه الى بيضكم و طحينكم
, فقد سبقكم الى نجدتهم قوماً غيركم , فهلمّوا ارجعوه اليكم فلا حاجة لهم به.
و بالفعل رجع كل واحدمنهم ليسترجع بيضته من البيض الذي جلبوه و كفّاً من الطحين
الذي جلبه .
ولكن الذي حصل بعد ايام من ارجاعهم للبيض و الطحين ان بدأت المشاحنات و
العداوات تنخر بمجتمعهم.
اتدري لماذا حصل ذلك يا عزيزي القارئ الكريم:
ذلك لان الحرام وسوء النوايا دخلت الى مجتمعهم, فذلك ان الذي اتى ببيضة كبيرة
اذا استرجع لنفسه اصغر منها فقد ظلم نفسه, واذا استرجع اكبر منها فقد ظلم غيره
, و كذلك الحال في كفّ الطحين .
وهذا بالضبط ما حصل في زمن طاغية العراق صدام حسين الذي فرّق بين شعبنا العراقي
ما بين الطوائف و الاعراق , لقد تعمّد هدام العراق بان جعل بعض العراقيين
يأكلون السحت الحرام ابتداء ثم اجبر البعض الآخر اكراهاً , اكل البعض اموال من
صودرت اموالهم و بيعت بالمزادات الخاصة ابتداءً ثم المزادات العامّة.
استولى نظام هدام على ما نهبه من دول الجوار في حربيه الخليجيتن ( ايران و
الكويت ) و باعها كغنائم حرب.
فرّق الناس و جعلها شيعاً و احزاباً ,
فالتفوق العلمي لا يؤهّل المواطن العراقي للدخول الى الجامعاات او الى الدراسات
العليا بقدر ما هو اخلاصه للحزب الحاكم.
التوضيف , الترقية , العلاوة و الحوافز و المكرمات كلها وفق التقييم عن مدى
اخلاصه للحزب الفاشي الحاكم حتى اذا كان هذا الاخلاص يتمثل في تصفية الاخ او
الصديق و القريب و الرفيق.
من كل ذلك تشكلت احدى الاسباب التي جعلتنا نقف عاجزين عن ازاحة هذا الكابوس
الذي نصّبه الغزات الغرباء ليجثوا على صدر شعبنا العراقي الذي جبل على التسامح
و التآخي و التوحّد و التآزر , و المعروف ان حساب العاقل اضعاف حساب الجاهل , و
عهدنا بشعبنا هو سيد العاقلين و العارفين .
و شاءت ارادة الله جل و على ان اسياد هذا النظام وصلت بهم القناعة لتغييره و
الاطاحة به لنفاذ مدّة صلاحيته.
و اتيحت اليوم الفرصه لمعارضة هذا النظام الظالم باستلام مقاليد البلد , ( و
تلك الايام نداولها بين الناس )..... و لو دامت لغيرك ما وصلت اليك !
فيا ترى كم نحن بحاجة الى مراجعة انفسنا و هذا امام المتقين علي بن ابي طالب (
ع ) يقول : ميدانكم الاول انفسكم فان قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر !
( حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ... وزنوها قبل ان توزنوا ... فليس منا من بات
و لم يحاسب نفسه ) .
بتوقيع : بهلول الكظماوي
يحكى انّه كانت توجد هناك في الماضي مدينة كبيرة تعيش حياة الرفاه الاجتماعي و
الدعة و الطمأنينة و الامان,
وكان يأتيها رزقها رغداً, اذ يتعاون الناس فيما بينهم, تضللهم رعاية السماء حيث
يتعاملون فيما بينهم بالحسنى و بسماحة الدين الحنيف.
وعلى حين غرّة غزى هذه المدينة جيش جرّار قادماً اليها من خارج الحدود , فسقطت
كلّ المدينة في قبضته.
و كان قائد هذا الجيش رجلاً ذا حنكة و دهاء, وله باع و تجربة في ممارسة حكم
البلدان التي تسقط في امرتة, .... و بعد مرور وقت ليس بالقصير على حكم هذه
البلدة , الا انه لم يصادف ان يأتي اليه احد ليشتكي من جاره او شريكه او صاحبه.
ولم تحدث اية منازعات او خصومات لتطرح عليه.
ارسل هذا القائد على وجوه القوم و زعماء القبائل و سألهم : كيف لهم ان يتدبروا
كلّ شؤون مدينتهم الكبيرة هكذا و يعيشوا هذا الرغد و الدعة والامان فيما بينهم
بحيث لا توجد شكاوات و لا خصومه و لا عداوات فيما بينهم ؟
فأجابوه : نحن قوم اذا جاع فينا احد اشبعناه, واذا افتقر احد فينا اغنيناه,
واذا ترمّل احدنا او كان اعزباً زوّجناه ..... يرحم كبيرنا صغيرنا, ويوقّر
صغيرنا كبيرنا !!!
فسألهم : مالي ارى ابوابكم مفتوحة حتى الصباح و بدون حراسة ( حتى اني لا اجد
عندكم من يمتهن مهنة الحراسة ) ؟ اما تخافون السرقة ؟
فأجابوه : لا يوجد فينا من هو بحاجة الى السرقة او اكل المال الحرام, واذا صادف
ان وجد مثل هكذا معتوه او ناقص عقل فنحن نحرس بعضنا بعضاً!
فسألهم : مالي ارى قبوركم امام بيوتكم ؟
فأجابوه : لنتذكّر الموت بمشاهدتها فنزهد في الدنيا !!!
فقال لهم : لقد جئت لمساعدتكم و انقاذكم و تنظيم اموركم وهذا قصري و مضافتي و
سرايي مشرعة ابوابها لخدمتكم في كل الاوقات.
فاجابوه : لنا قادتنا و زعمائنا و علمائنا و لا حاجة لنا بك!
من كلّ ذلك حزّ في نفس هذا القائد و اراد ان يلقن هؤلاء القوم درساً يجعلهم
يحتاجون اليه و يرضخون لسطوته , فقال لهم : انكم منّ الله عليكم بالخير و
البركة في حال وجود مناطق فقيرة و محرومة من الجوار الواجب المساعدة وان لديه
مشروعاً خيرياً لمساعدة هذه الدول و المدن الفقيرة و المنكوبة , و اقترح عليهم
ان يساهم الجميع بهذه المساعدات وان يجلب كل واحد منهم بيضة وكف طحين .
واصبح الصباح التالي فاتي كلّ واحد منهم جالباً معه بيضة وكف طحين الى مكان
التجميع .
و بعد فترة من التجميع رجع ليقول لهم : لقد انتنفت الحاجه الى بيضكم و طحينكم
, فقد سبقكم الى نجدتهم قوماً غيركم , فهلمّوا ارجعوه اليكم فلا حاجة لهم به.
و بالفعل رجع كل واحدمنهم ليسترجع بيضته من البيض الذي جلبوه و كفّاً من الطحين
الذي جلبه .
ولكن الذي حصل بعد ايام من ارجاعهم للبيض و الطحين ان بدأت المشاحنات و
العداوات تنخر بمجتمعهم.
اتدري لماذا حصل ذلك يا عزيزي القارئ الكريم:
ذلك لان الحرام وسوء النوايا دخلت الى مجتمعهم, فذلك ان الذي اتى ببيضة كبيرة
اذا استرجع لنفسه اصغر منها فقد ظلم نفسه, واذا استرجع اكبر منها فقد ظلم غيره
, و كذلك الحال في كفّ الطحين .
وهذا بالضبط ما حصل في زمن طاغية العراق صدام حسين الذي فرّق بين شعبنا العراقي
ما بين الطوائف و الاعراق , لقد تعمّد هدام العراق بان جعل بعض العراقيين
يأكلون السحت الحرام ابتداء ثم اجبر البعض الآخر اكراهاً , اكل البعض اموال من
صودرت اموالهم و بيعت بالمزادات الخاصة ابتداءً ثم المزادات العامّة.
استولى نظام هدام على ما نهبه من دول الجوار في حربيه الخليجيتن ( ايران و
الكويت ) و باعها كغنائم حرب.
فرّق الناس و جعلها شيعاً و احزاباً ,
فالتفوق العلمي لا يؤهّل المواطن العراقي للدخول الى الجامعاات او الى الدراسات
العليا بقدر ما هو اخلاصه للحزب الحاكم.
التوضيف , الترقية , العلاوة و الحوافز و المكرمات كلها وفق التقييم عن مدى
اخلاصه للحزب الفاشي الحاكم حتى اذا كان هذا الاخلاص يتمثل في تصفية الاخ او
الصديق و القريب و الرفيق.
من كل ذلك تشكلت احدى الاسباب التي جعلتنا نقف عاجزين عن ازاحة هذا الكابوس
الذي نصّبه الغزات الغرباء ليجثوا على صدر شعبنا العراقي الذي جبل على التسامح
و التآخي و التوحّد و التآزر , و المعروف ان حساب العاقل اضعاف حساب الجاهل , و
عهدنا بشعبنا هو سيد العاقلين و العارفين .
و شاءت ارادة الله جل و على ان اسياد هذا النظام وصلت بهم القناعة لتغييره و
الاطاحة به لنفاذ مدّة صلاحيته.
و اتيحت اليوم الفرصه لمعارضة هذا النظام الظالم باستلام مقاليد البلد , ( و
تلك الايام نداولها بين الناس )..... و لو دامت لغيرك ما وصلت اليك !
فيا ترى كم نحن بحاجة الى مراجعة انفسنا و هذا امام المتقين علي بن ابي طالب (
ع ) يقول : ميدانكم الاول انفسكم فان قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر !
( حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ... وزنوها قبل ان توزنوا ... فليس منا من بات
و لم يحاسب نفسه ) .
تعليق