إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الزهراء(عليها السلام) الفيصل والقدوة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الزهراء(عليها السلام) الفيصل والقدوة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    الزهراء(عليها السلام) الفيصل والقدوة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين[1].
    هذان الشهران (جمادى الأولى وجمادى الثانية) يتعلّقان بسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.
    وحديثنا بهذه المناسبة يدور حول ثلاثة محاور، هي:

    1) الزهراء(عليها السلام) فيصلاً
    مقدمة في تقييم الأفكار
    إن لتقييم الأفكار والنظريات والمبادئ والمذاهب طريقين هما:
    الأول: الطريق المباشر، حيث يتم التوجّه إلى الفكرة مباشرة ويجري تقييمها من خلال ذاتها، ويُنظر هل هي تتناقض مع ذاتها، ومع الواقع الخارجي أم لا؟
    الثاني: الطريق غير المباشر، وذلك من خلال ملاحظة آثار الفكرة ونتائجها في الواقع، فهذا الطريق يمثل فرداً من أفراد البرهان الإنّي ـ مقابل اللمي ـ المذكور في علم المنطق، وهو الذي يُنتقل فيه من المعلول إلى العلة وذلك مثل الانتقال من وجود الدخان إلى وجود النار، في هذا الطريق تُلاحظ نتائج الفكرة في الواقع الخارجى والحياة العملية، ثم يُحكم من خلالها على الفكرة ذاتها وفيما إذا كانت حقاً أم باطلا!
    ولسنا الآن بصدد الحكم على الطريق الثاني وأنه صحيح مطلقاً أو في الجملة، فليس هذا مدار بحثنا، إنما الذي نريد الحديث عنه هو الواقع القائم وهو أن الناس عادة يقيّمون الأفكار من خلال نتائجها، ولايقيّمها من خلال ذاتها إلا المفكرون بل بعض المفكرين، أما الطابع العام في المجتمعات فهو تقييم الفكرة من خلال نتائجها.
    فلو أخذنا الفكر الماركسي كمثال، فهناك من المفكرين من قيّمها عبر ذاتها وأثبت بطلانها من خلال ذلك، ولكن ليس كل الناس يعرفون نظرية فائض القيمة التي طرحها كارل ماركس في مؤلفاته، ولا كلهم يعرفون الأدوار التاريخية الخمسة التي زعمها ولكن مع هذا ترى أغلب الناس يحكمون بخطأ الفكر الماركسي من خلال ملاحظة فشل الشيوعية في كل العالم، فلقد تحوّل الاتحاد السوفياتي السابق إلى دولة من دول العالم المتخلفة بعد أن كان إحدى القوتين العظميين في العالم، وانهار الاقتصاد الشيوعي بل النظام الشيوعي في العالم كله.
    مقدمة ثانية: في تقييم الحكومات التي حكمت باسم الإسلام
    لو انتقلنا الآن إلى أدوار الحكم التي مرّت على المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وحكمت باسم الإسلام وبعنوان الخلافة، نجد في صدرها ثلاثة أدوار ـ تبعتها أدوار أخرى ـ .
    الدور الأول تمثّل في حكومة الثلاثة الأوائل، أما الدور الثاني فتمثّل في الحكومة الأموية، فيما تمثّل الدور الثالث في حكم بني العباس.
    إننا نعتقد أن هذه الأدوار الثلاثة أعطت انطباعاً سلبياً وعكست صورة بشعة عن الإسلام لدى كثير من الناس في العالم، ولا ننكر أن هناك مفكرين ومنصفين درسوا الإسلام من خلال ذاته، ولكن كما قلنا في المقدمة الأولى لا يقيّم كل الناس الأفكار من خلال ذاتها بل يحكمون عليها من خلال آثارها وتطبيقاتها، ومن ثم فإن هذه الحكومات الثلاث أعطتهم انطباعاً سيئاً عن الإسلام.
    والواقع أننا نستطيع القول إن كثيراً من هؤلاء الحكام كان يشبه صداماً، أفهل هناك عاقل يستعدّ للرضوخ لحكم صدام، إلا أن يُفرض عليه بالحديد والنار؟!
    إن الحكام الذين حكموا باسم الخلافة الأموية والعباسية وغيرهما عكسوا صورة كهذه، فلقد رأينا معاوية مثلاً يفرض ابنه على المسلمين ثم يقوم خطيبه في المسجد فيقول: أمير المؤمنين هذا (ويشير إلى معاوية)، فإن مات فهذا (ويشير إلى يزيد)، ومن أبى فهذا (ويشير إلى سيفه)! فيقول له معاوية: اجلس فأنت أخطب الخطباء!
    أليس هذا منطق صدام؟
    وفي السقيفة نفسها حدث ما يشبه هذا! فماذا كان مصير زعيم الخزرج عندما لم يرض بترشيح الأول؟
    قالوا: طؤوه ـ وهذا ما يذكره القوم في كتبهم ـ فوطؤوه بأقدامهم حتى كاد أن يموت، ثم قتلوه واتهموا الجن بقتله ووضعوا بيتين من الشعر ونسبوهما إلى الجن وهما:
    نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة *** ورميناه بسهمين فلم تخطئ فؤاده
    أليس هذا يشبه منهج صدام وأسلوبه في تصفية خصومه؟
    أما يزيد فقد أخذ البيعة من الناس على أنهم خدم له يباعون ويُشترَون!
    إن صداماً لم يفعل هذا ظاهراً، بينما فعله يزيد وهو المسمى خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله!!

    دور الزهراء(عليها السلام) في فضح الحكومات الجائرة
    النقطة المحورية في هذا البحث أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بأجمعهم قاموا ـ عبر أقوالهم ومواقفهم ومظلوميتهم ـ في الفصل بين الحكومات الجائرة والإسلام.
    وكان لثلاثة من المعصومين(عليهم السلام) دور كبير في فضح هذه العهود الثلاثة.
    فكان لسيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) الدور الأساسي في فضح الحكومة الأموية وإسقاطها.
    أما الإمام الذي قام بفضح الحكومة العباسية من خلال مواقفه ومظلوميته فهو الإمام الكاظم(عليه السلام) الذي سُجن وجرى عليه ماجرى من ظلم و محن في هذا الطريق.
    وكان لأم الأئمة فاطمة الزهراء(عليها السلام) دور محوري في هذا السبيل، إذ إنها التي قامت بفضح أخطر الحلقات والأدوار; وذلك لأن حكومة الأوائل هي التي مهّدت الطريق لجميع جرائم الأمويين والعباسين والعثمانيين ومن جاء بعدهم، فإن الانحراف بدأ منذ ذلك الحين، كما أن تمكين الأمويين بدأ من تلك المرحلة أيضاً.
    ونجد في الأشعار التي يرددها خطباء المنبر وشعراء أهل البيت(عليهم السلام) بياناً لهذه الحقيقة، يقول الشاعر:
    سهم أتى من جانب السقيفة *** وقوسه على يد الخليفة
    أي أن السهم الذي أصاب نحر الطفل الرضيع في كربلاء كان قد انطلق من السقيفة.
    ويقول الشاعر الآخر:
    اليوم من إسقاط فاطم محسناً *** سقط الحسين من الجواد صريعاً
    أي أنه لو لم تكن تلك الجرأة على بضعة قلب المصطفى(صلى الله عليه وآله) وإسقاط جنينها يوم حرق الدار، لما بلغ الحال بالقوم لأن يصرعوا ريحانة الرسول(صلى الله عليه وآله)على رمضاء كربلاء ويطأوه بحوافر خيولهم!
    إذن كان هذا السقوط نتيجة ذاك السقوط.
    ويقول شاعر ثالث:
    كفٌّ بها أمك الزهراء قد ضربوا *** هي التي أختك الحورا بها سلبوا
    فهذه الجناية نتيجة تلك!
    وموقف الزهراء(عليها السلام) كان يحظى بالأهمية المضاعفة لأنها هي التي بدأت بحلّ عقدة الخلط بين الدين وتصرفات الحكام الظلمة، فأنقذت الإسلام من خطر الزوال، لقد قالت الزهراء(عليها السلام) بالموقف واللسان:
    إن هولاء لا يمثلون الإسلام والدين والنبي(صلى الله عليه وآله)، قالت ذلك في خطبتها الفدكية وقالته بإخفاء قبرها وذهابها إلى ربها وهي واجدة عليهم منكرة لأفعالهم.
    إن الخطبة الفدكية للزهراء(عليها السلام) مهمة جداً ولها تأثير كبير في النفوس والعقول، وقد قال أحد المستبصرين:
    لقد سمعت هذه الخطبة في شريط مسجّل، فهزّتني وكانت الدافع لبحث انتهى بإعلاني الانتماء إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
    وهكذا مجهولية قبرها(عليها السلام)، إذ كيف يمكن أن يُتصور أن يكون لعائشة وكل زوجات النبي(صلى الله عليه وآله) قبور معروفة ولا يُعرف لفلذة كبد النبي وحبيبته قبر؟! ومهما حاول الخصوم أن ينكروا من حقائق فإنهم لا يستطيعون إنكار هذه الحقيقة، فكان هذا الموقف من الزهراء(عليها السلام) ـ حيث أوصت بإخفاء قبرها وعدم السماح للقوم بحضور تشييعها ـ من المواقف المهمة التي فصلت بين الممارسات الخاطئة للحكام وبين الفكرة النقية للإسلام، وكأنها ـ(عليها السلام)ـ قالت:
    إن هؤلاء الأشخاص لا يمثّلون الدين، وإنما هم حكّام متخلفون حكموا المجتمعات الإسلامية بمنطق الحديد والنار.
    ونحن إذ نحيي ذكرى الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(عليها السلام) فإننا نحيي هذه الحقيقة أيضاً، فهي صلوات الله عليها أعطت المقياس والحدّ الفاصل بين الفكرة والتطبيق، وأنقذت الإسلام من خطر التشويه والزوال بسبب تصرفات الحكومات المنحرفة.

    2) الزهراء قدوةً
    خطر النموذج الغربي وخواؤه
    ننتقل الآن إلى موضوع آخر وهو موضوع الرمز والقدوة، فنقول:
    إن من الأمور التي يقوم بها الغرب اليوم صناعة الرموز في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية ـ وهذه الرموز غير طبيعية وإنما يقومون بصناعتها بطريقة متكلفةـ وهذا بحث طويل لا نريد أن نخوض فيه الآن.
    إن ما نتوخاه من هذا البحث ونريد قوله هنا هو أن الغرب قد صنع رموزاً للمرأة في عالمنا المعاصر ـ من جملة ما صنع من رموز ـ وهذه قضية خطيرة جداً، وقد باتت خطورتها اليوم أكثر من أي وقت مضى، عندما نأخذ بنظر الاعتبار العولمة وأدواتها، فإن الناس كانوا فيما مضى في مأمن من التخريب الثقافي إلا إذا ذهبوا إلى الغرب، أما اليوم فإن الغرب دخل إلى بيوتنا، إنه اليوم موجود في كل بيت شئنا أم أبينا عبر شاشات التلفاز والقنوات الفضائية وشبكات الانترنيت و...
    لقد صنعوا رموزاً جذابة للمرأة، فجعلوا منها نائبة في البرلمان، ورئيسة للوزراء بل رئيسة للجمهورية في بعض البلدان، وهذه الأمور مغرية للمرأة بلاشك.
    ولكننا نعتقد أن الغرب فشل في تحقيق هدفه، وذلك لأنه وإن دفع المرأة نحو القمة من الناحية المادية لكن ينبغي أن نعرف أن الثمن الذي دفعته المرأة كان باهضاً، كما كان يقول السيد الوالد (رحمة الله عليه).
    مثلاً: لو أن شخصاً مصاباً بداء السكري جلس إلى مائدة فيها مختلف أنواع الأطعمة، فلم يلتزم بالحمية بل أكل كلّ ما يشتهي مما هو موجود أمامه، فإن الثمن الذي سيدفعه سيكون أغلى من اللذة العاجلة التي حصل عليها حين لم يملك نفسه وأطلق لها العنان.
    وهكذا هو حال المرأة في الغرب، فإن الثمن الذي دفعته لقاء المكاسب المادية التي حصلت عليها هو تحطم شخصيتها، فالمرأة الغربية محطمة، والعائلة في الغرب محطمة، والعلاقات بين الزوجين مفككة، بل يتفق أحياناً أن تموت امرأة في بيتها وحيدة ولا يُعرف بخبرها الا بعد انبعاث الروائح الكريهة من المكان الذي تقيم فيه.
    أما نحن فوضعنا أفضل بكثير، إن عندنا تلاحماً وتقارباً وتزاوراً، في حين إن هذه القضايا مفقودة في الغرب. ولذلك بدأنا نشهد الآن ردود فعل عندهم تجاه هذه الحالة، وقد تحدث أحد الخطباء الكبار عن ظهور جمعية باسم «جمعية المرأة المستسلمة لزوجها» في الغرب، وهذه حالة مدهشة تحكي ردود الفعل على الواقع الذي بلغه الغرب في هذا المجال.
    والغريب أن عشرات الألوف من النساء الغربيات انتمين إلى هذه الجمعية، وقد ألّفت رئيسة الجمعية كتاباً يحمل الاسم نفسه (جمعية المرأة المستسلمة لزوجها) حيث طبع منه لحد الآن نصف مليون نسخة!
    أما فكرة الجمعية بإجمال فنابعة من أن الحضارة المادية أجّجت الصراع في داخل العائلة بين الرجل والمرأة من خلال خطاباتها التحريضية لكل منهما، فجعلت كلاً منها ضد الآخر ـ والمؤسف أن هذه الحالة بدأت تتسرّب إلى البلدان الإسلامية، كلّ حسب مستوى تأثره بالحضارة الغربية ـ.
    إن الحضارة الغربية تقول للمرأة: لكِ كيانكِ وشخصيتكِ المناظرة للرجل فتمرّدي عليه فليس له قيمومة عليك بل أنت مساوية له لا فرق بينك وبينه من أية جهة، وهذا يعني تنصيب قائدين في موقع واحد وتأجيج الخلاف بينهما، فهل سيبقى هذا الكيان قائماً أم سيتحطم كما نرى في الغرب؟
    تقول الإحصائيات إن أرقام الطلاق في الغرب رهيبة جداً، وكذلك حالات الانتحار الناتجة من الخلافات العائلية، أما الخيانات الزوجية فغدت أسهل من شرب الماء عندهم.
    ملخص فكرة الجمعية هو العودة إلى الحالة التي كانت عليها المرأة قديماً خاضعة لزوجها، مستسلمة ومطيعة له، واعتباره القيّم على شؤونها (الرجال قوّامون على النساء)!

    الزهراء(عليها السلام) النموذج الصالح والقدوة الحسنة
    إننا نعتقد أن أفضل رمز ونموذج يمكن أن نقدمه للمرأة في العالم كله، هي السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وسيُقبل العالم على الاقتداء بهذا النموذج إن نحن نجحنا في تعريف العالم بشخصية الزهراء(عليها السلام).
    لقد اطّلعت سيدة يابانية ـ في قضية لا مجال لتفاصيلها الآن ـ على حياة فاطمة الزهراء(عليها السلام) فتأثرت بها وقالت:
    هذا هو النموذج الذي كنت أبحث عنه، ثم أعلنت إسلامها.
    المرأة المعاصرة ـ حتى المسلمة ـ تحتاج اليوم إلى هذه القدوة المثالية، بل نحتاج إليها جميعاً في بيوتنا وعوائلنا.
    لقد كانت الزهراء(عليها السلام) قمّة في حياتها الزوجية حتى قال عنها زوجها الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «فو الله ما أغضبتُها و لا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتْني ولا عصت لي أمراً، و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان»[2].
    أفلا نحتاج اليوم لمثل هذا النموذج؟ أوَ لا يحتاجه العالم كله أيضاً؟
    ألا تشكل الزهراء(عليها السلام) بديلاً أفضل من هذه النماذج المعروضة؟
    وفي وصيتها هي(عليها السلام) تقول للإمام(عليه السلام):
    «يابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني».
    فقال(عليه السلام) لها: «معاذ الله أنت أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبخك بمخالفتي»[3].
    ألسنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذا المثال؟! وكان أبوها النبي(صلى الله عليه وآله)قد أوصاها أن لا تطلب شيئاً من زوجها.
    وقد ذكر المؤرخون:
    أنه دخل الإمام(عليه السلام) الدار يوماً فقال لها: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاث إلا شيء آثرتك به؟ قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئاً[4].
    أفتوجد اليوم امرأة لا تطلب من زوجها شيئاً وتصبر على ذلك ثلاثة أيام؟
    ألا يحتاج العالم لهذا النموذج الذي يأخذ بيده من هوّة الماديات السحيقة إلى قمة المعنويات والكمال والحياة السعيدة؟
    لقد أنجبت السيدة الزهراء وربّت خيرة النساء; زينب وأم كلثوم، وخيرة الرجال; الحسن والحسين سلام الله عليهم أجمعين.
    فما أحوجنا اليوم إلى الاقتداء بها في حياتها العائلية; مع زوجها وأبنائها؟ وما أحوجنا إلى الاقتداء بجهادها وصبرها، فلقد كانت مجاهدة من الطراز الأول، وأنجبت أئمة معصومين جاهدوا ضد الطغاة والحكومات المستبدة فكانوا بحقّ قلاع الحرية الحقيقية، ونحن اليوم بحاجة إلى هذه النماذج، وينبغي لنا عرضهم رموزاً وقدوات في بلادنا وفي العالم كله.

    الغرب بأمسّ الحاجة إلى الرموز المعنوية
    هل سمعتم بجسر الانتحار في لندن؟ يقول أحد الإخوة ممن كانوا هناك:
    لاحظت أنهم صنعوا لأحد الجسور حاجزاً من الجانبين، فسألت عن السبب، فقيل لي: إن هذا الجسر يقع على شارع للسير السريع، فكان الذين يريدون الانتحار يلقون بأنفسهم منه الشارع الذي تحته فتدهسهم السيارات المسرعة، وقد بني على جانبيه هذا الحاجز للحد من حالات الانتحار المتزايدة يومياً.
    فأية حياة يعيشها الغربيون؟ هل هذه هي الحضارة التي يتبجحون بها؟ إنها ليست سوى مظاهر خاوية من الداخل، مثلها مثل من أشرف على الموت لإصابته بمرض عضال كالسرطان ولكنه يحتفظ بمظهر طبيعي!!
    ولذلك إذا عُرض على الغربيين الإسلام بشكل صحيح أقبلوا عليه، لكن المشكلة في أن عرضنا ضعيف.
    نقل وكيل أحد التجار في طهران أن أحد المؤمنين كان قد أعطاه كتاباً للوالد(رحمه الله) حول الإسلام، فأهداه في إحدى سفراته الأوربية إلى امرأة تعمل في شركة يتعامل معها، فلم يمض يوم على قراءتها الكتاب حتى اعتنقت الإسلام!.

    مسؤوليتنا تجاه الزهراء(عليها السلام); فراغات لابد من ملئها
    هناك فراغات كثيرة فيما يتعلق بمسؤوليتنا تجاه الزهراء(عليه السلام)وبخاصة في شهري جمادى الاولى والثانية، ومنها:
    1ـ لقد ألّف العامة في «فقه عائشة»، ولا أدري هل من فقهها خروجها على إمام زمانها الذي قال فيه النبي(صلى الله عليه وآله): حربك حربي؟!
    ولم يكتب أحد ـ على حدّ علمي ـ في «فقه فاطمة(عليها السلام)» ـ بشكل مستقل ـ إلا السيد الوالد رحمة الله عليه، ولكن المشروع بحاجة إلى المتابعة.
    2ـ ثمة فراغ في مخاطبة العقل الجامعي، أجل إن الكتب الموجودة عندنا جيدة، ولكن لكل جيل عقلية معينة، فعلينا أن نؤلف كتباً عن السيدة الزهراء(عليها السلام)تخاطب عقلية الجامعيين.
    عندنا كتب عن الحجاب ولكن كم منها يتحدث بلغة الفتيات الجامعيات؟ هذا فراغ ينبغي ملؤه أيضاً.
    3ـ وهناك فراغ في الكتب التي تخاطب العقل الغربي، فللغربي عقلية معينة تختلف عن عقلية الشرقي، وأسلوب الكلام الذي تقوله للشرقي ربما لا يقبله الغربي، إذن نحن بحاجة إلى كتب تخاطب العقل الغربي، وقد شاهدت قبل أيام كتاباً كتب خصيصاً لمخاطبة العقل الغربي عن الزهراء(عليها السلام)، ولكن ينبغي المزيد، ففي هذا المجال يوجد فراغ أيضاً.
    4ـ وأخيراً لدينا فراغ في مجال المؤسسات الاجتماعية الصغيرة، وأعني بها التجمعات والمجالس البيتية، وهذه مهمة جداً.
    لاشك أن للكيانات والمؤسسات الكبيرة كالحسينيات والمساجد دورها المهم والمؤثر، بيد أن للمجالس الصغيرة البيتية دورها الخاص الذي قد لا تنهض به المراكز الكبيرة، إذن فلنشجع على هذه الظاهرة ـ ظاهرة تشكيل المجالس البيتيةـ وبخاصة في أيام جمادى الأولى والآخرة.
    نقل لي أحد المؤمنين في الكويت أنه ذهب إلى البحرين لصفقة تجارية مع أحد التجار البحرينيين الذين يتعامل معهم، فأخبره أنه سيلتقيه اليوم التالي، ولكن الأخير اعتذر وقال إنه يعطل عمله يوم غد، يقول التاجر الكويتي:
    فتعجبت وقلت: وما المناسبة ولا توجد عطلة رسمية أو عيد ولا هو بيوم جمعه مثلاً؟ فقال: أنت شيعي ولا تعرف! غداً يوم وفاة فاطمة الزهراء(عليها السلام)وعندنا عطلة.
    يقول الكويتي:
    فأسفت على غفلتي وأنا الشيعي، واهتمام هذا التاجر بالموضوع مع أنه من أبناء العامة، فعقدت العزم على إقامة مجلس العزاء في بيتي كل عام بهذه المناسبة، وأنا مستمرّ على ذلك منذ حوالي أربعين سنة، وقد لمست منه الخيرات والبركات الكثيرة.
    فلنشجع أبناءنا على إحياء هذه المناسبة وإقامة هذه المجالس التي قد تستمر بعدنا عشرات الأعوام، كما أن في طهران اليوم مجالس يعود تاريخها إلى أكثر من مئة عام.
    ويوم كان الوالد (رحمة الله عليه) في الكويت شجّع هذه الظاهرة، وها نحن نلمس النتائج، فهي اليوم بالمئات، وإننى لا أذكر أن أحداً بدأ مجلساً ثم تركه بل هي مستمرة حتى يومنا هذا لما لمس أصحابها فيها من الخير والبركة، فلنحاول جهدنا لملء هذا الفراغ أيضاً.
    وستكون هذه الأعمال ذخراً لآخرتنا إن شاء الله تعالى، وقد نقل لي أحد الإخوة الذين حضروا دفن السيد محمد كاظم القزويني (رحمه الله تعالى) أنهم وضعوا كتاب «فاطمة من المهد إلى اللحد» الذي هو أحد تأليفاته مقابل وجهه في قبره بناءً على وصيته، ويوم القيامة يأتي السيد القزويني ومعه كتاب «فاطمة من المهد إلى اللحد»، ويأتي السيد كاظم الكفائي ومعه كتابه المشهور «الزهراء في الأدب والتاريخ» ذلك الكتاب الذي حُكم عليه بسببه بالإعدام في عهد الحكم البائد في العراق، ولكن الله تعالى نجّاه، ويأتي العلامة الأميني ومعه «الغدير» وهكذا صاحب العبقات، وقد نقل عن أحد علمائنا الماضين رحمهم الله تعالى أنه سأل عن أشدّ المناطق نصباً لأهل البيت(عليهم السلام) ثم شدّ الرحال إليها لكي ينشر بينهم الولاء لآل البيت(عليهم السلام). وثمة شخص آخر استشاط المخالفون غضباً من جهوده في خط أهل البيت(عليهم السلام) فقرروا الانتقام منه ومن الذين اهتدوا على يديه، فأحاطوا بالمسجد الذي كان فيه وأحرقوه بمن فيه، فاستشهد هو والمؤمنون الذين كانوا معه رحمهم الله جميعاً، وسيأتي هذا الرجل ومعه هذه التضحية الكبرى كوثيقة للشفاعة يوم القيامة، فبماذا سنأتي نحن؟
    هل فكرنا في ذلك؟
    إن امرأة مؤمنة باعت ذهبها وتبرعت بثمنه لطباعة كتاب عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، كما باع الشيخ محمد جواد البلاغي (رحمه الله تعالى) بيته في سبيل نشر الدين، أفلا نقدّم نحن أيضاً ما نقدر عليه في هذا الطريق، ليكون وثيقة من وثائق الشفاعة في يوم القيامة (يوم لا ينفع مال ولا بنون) بإذن الله تعالى؟!
    أسأل الله تعالى التوفيق لي ولكم لذلك.
    وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

    [1]. تقرير للكلمة التي القيت على جمع من الأفاضل وطلبة العلوم الدينية في مدينة قم المقدسة،مطلع جمادى الأولى وذلك بمناسبة قرب حلول الأيام الفاطمية، حيث أكد سماحته على الإخوة المؤمنين إحياء هذه الأيام والقيام بمسؤولياتهم تجاه السيدة الزهراء عليها السلام التي تمثل القدوة للمرأة المسلمة والفيصل الذي يفصل بين الإسلام والحكومات الجائرة التي حكمت باسمه.
    [2]. بحار الأنوار، ج34، ص134.
    [3]. بحار الأنوار، ج34، ص191.
    [4]. بحار الأنوار، ج14، ص197.



  • #2
    احسنتي على انتقائك للموضوع وعظم الله اجورنا واجوركم باستشهاد بضعة الرسول فاطمة الزهراء عليهما السلام

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
    ردود 2
    17 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
    استجابة 1
    12 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة ibrahim aly awaly
    بواسطة ibrahim aly awaly
     
    يعمل...
    X