إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

القول الناسف حول ما قاله الجمال حول آية الولاية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القول الناسف حول ما قاله الجمال حول آية الولاية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين المعصومين واللعن أعداء آل محمد
    لقد شدني كتابة هذا الموضوع هو اطلاعي إلى موضوع سخيف جدا وهو (القول الفصل في آية الولاية " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ " ) . فلقد أراد صاحب هذا الموضوع تبيين ان الآية الشريفة لا تخص الإمام علي عليه السلام .
    وقد قال ان أبناء الشيعة الأثنى عشرية متعلقون في دلالتهم على ان ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بالآية باطلة في عدة نقاط وصلت إلى أثنى عشر نقطة . وقد عمل الاخوة الكرام في هذا المنتدى منتدى يا حسين على ردها وإشباعها بشكل جيد .
    ولكن لنتوقف على هذه النقاط كي نبين ما خفي على صاحب الإشكالات متمنين من الله التوفيق والسداد . ولقد حرصنا على الأدلة من كتاب الله العزيز دون السنة . ولو أننا لا نؤمن بفصل السنة عن الكتاب العزيز كما فعل في مرض رسول الله (ص) فتاهت به الأمة . ولكن اضطررنا إلى ذلك لنوافق ما يراه صاحب الاشكالات حيث انه لا يؤمن بان السنة هي المبينة للكتاب العزيز . بل يرى ان القران الكريم مبين لنفسه ضاربا بذلك السنة عرض الحائط . فإذا أوردنا دليل من السنة النبوية أو رواية فإنما كان إيرادها لتوضيح غرض معين وليس لدلالة على ان الآية خاصة لأمير المؤمنين عليه السلام .
    ملاحظة : ارجوا من الاخوة الكرام ان لا يضعون اي مشاركة الا بعد الانتهاء من وضع الموضوع كاملا . حتى لا يتششت الموضوع .

  • #2
    أولا : دلالة سبب النزول

    ليس للإمامية الإثني عشرية متعلق بالآية الا بما زعموه من سبب النزول فقالوا أن سيدنا علي رضي الله عنه هو الولي المقصود لأنه قد تصدق بخاتمه وهو راكع وسبب النزول هذا غير ثابت فقد رويت أسباب نزول غيره في الآية منها ماهو أكثر مناسبة لنص الآيات فقد روي بأنها نزلت في سيدنا عبادة بن الصامت و في المنافق عبدالله بن أبي بن سلول حين تبرأ عبادة من حلفائه من اليهود وقال أتولى الله ورسوله والذين آمنوا ولم يتبرأ المنافق عبدالله بن أبي منهم و على الرغم من ضعف الروايات في حادثة التصدق بالخاتم واضطرابها فإن أسباب النزول مهما كانت لا تصادر معاني الآيات ولا تخرجها عن ظاهرها وقد تعبدنا الله بتدبر القرآن الكريم وإتباعه ولم يتعبدنا بمعرفة أسباب النزول والإيمان بصحة الروايات فيها وهو سبحانه لم يضمن لنا حفظ الروايات الدالة على سبب النزول بل ضمن لنا حفظ القرآن فقط ولو كان فهم القرآن مقصورا على معرفة سبب النزول لضمنه الله تعالى في القرآن الكريم الذي وصفه ربنا فقال " عربي مبين " وقال " تبيانا لكل شئ " فما لايكون مبينا الا بمعرفة غيره فلا يصح وصفه بالإبانة والتبيين بل يكون مايوضحه هو المبين له وهذا باطل ونخلص من ذلك الى أن رواية التصدق بالخاتم وغيرها مما ذكر أنه سبب لنزولها ليس ملزما للأمة وليس مما يجب معرفته من الدين بالضرورة عكس معنى الآية الظاهر فالإيمان بظاهر الآية ملزم للمسلمين وتولي الله ورسوله والمؤمنين مما علم من الدين بالضرورة "


    عبادة ابن الصامت وآية الولاية :
    تعلق الكثير ممن يريد نفي هذه الآية عن أمير المؤمنين عليه السلام برواية أنها نزلت في الصحابي عبادة ابن الصامت على ان هذه الرواية لا يمكن الاستدلال بها في كون الآية نزلت في عبادة ابن الصامت لأسباب وهي :
    1- اشتهار الخبر عند جميع الفرق الإسلامية سنة وشيعة على ان الآية إنما نزلت في أمير المؤمنين علي عليه السلام . وسنذكر هنا بعض المصادر وليس الكل فلا يتسع المجال لذكر جميع المصادر . وعلى من يريد الاطلاع فعليه الرجوع إلى هذه المصادر ليرى كيفية روايتها بطرق شتى .
    أ‌- فطرق الشيعة هي : الامالي لصدوق ( ص108) – الكافي (1 – 427) دلائل الإمامة (54) – المناقب لابن شهر شوب (3-5) - كشف اليقين ( 119) .
    ب‌- اما روايات التي رواها علماء الفرقة السنية فهي : ملحقات إحقاق الحق ( 3-505) – شواهد التنزيل ( 1- 180) – المناقب لابن المغازلي ( ص111- ص313-ص314) والكثير من الطرق الأخرى .

    2- ان الرواية التي تقول بأنها نزلت في عبادة بن الصامت إنما هي رواية آحاد . ورواية الآحاد لا يمكن ان تكون حجة على الروايات التي تواترت واشتهرت بين المسلمين سنة وشيعة على كون ان الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام . أضف على ان روايات الآحاد لا يأخذ بها في إصدار الحكم عند جميع الفرق الإسلامية .

    3- إذا فرض ان الآية نزلت في عبادة ابن الصامت فان الرواية التي تقول بذلك تبين ان عبادة كان حليف اليهود ولما اسلم قاطعت اليهود حلفه فانزل الله هذه الآية تسلية له وقال ان وليه الله ورسوله واللذين آمنوا . وهذا الفعل لا يقتصر على عبادة ابن الصامت فقط في توليه الله ورسوله وإنما هو أمر عام وليس بخاص لصاحب السبب فقوله تعالى ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(النساء: الآية100) فهي ليست خاصة بمن نزلت فيه وهو صفي ابن اكثم وإنما هي عامة . ولكن قوله تعالى ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(المائدة: 55) لا يمكن ان يشترك فيه كل المؤمنون . لان التصدق أثناء الركوع كان فعلا خاصا لشخص أو عدة أشخاص . ونرجع لنقول هل يوجد رواية تقول ان هذه الآية نزلت على عبادة ابن الصامت او غيره من الصحابة وهو على حال كان يدفع الزكاة أثناء الركوع ؟.
    لو رجعنا إلى كتب الرواة والمؤرخين المسلمين فإننا لا نجد فيها حدث يتصف بهذا الوصف القرآني إلا ما فعله الإمام علي عليه السلام عندما تصدق بالخاتم لسائل أثناء ركوعه وهو ما اتفق عليه الرواة والمؤرخون المسلمين .
    ومن هنا يتضح ان الروايات الدالة على ان الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام متواترة وقد شهدت بها كل الفرق الإسلامية لا كما يقول الكاتب أنها مضطربة . ولم نجد سبب نزول للآية اكثر مناسبة لما قام به الإمام علي عليه السلام . وحتى ان قيل ان سبب نزولها في عبادة ابن الصامت فلا يمكن تطبيق حادثة التصدق بالخاتم على عبادة أو غيره لان التاريخ أو الرواة لم ينقل لنا أحدا منهم حدث القيام بالتصدق أثناء الركوع غير أمير المؤمنين علي عليه السلام . وهنا يتضح ثبوت نزول هذه الآية على الإمام علي عليه السلام من حيث النقل المطابقة للواقع في للآية الشريفة .

    تعليق


    • #3
      سبب النزول :
      ان الآيات الموجودة في الكتاب العزيز إنما نزلت على قسمين هما :
      القسم الأول : هي الآيات التي نزلت لهداية الناس بدون ان يصاحبها سؤال أو وقوع حدث معين يستوجب التعليق عليه كالآيات التي تحدث عن قيام الساعة ومشاهد القيامة وأحوال النعيم والعذاب .
      القسم الثاني : هي تلك الآيات التي نزلت كجواب على سؤال معين أو تعليق على حدث أو حل لمشكلة معينة كسؤال أهل الكتاب عن الروح فنزل قوله تعالى ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الإسراء:85) . وكذلك ما نزل بشأن المعارك الإسلامية كبدر واحد والخندق وحنين وغيرها فكل هذه الآيات نزلت لسبب معين وحادث أو تعليق طارئ أو جواب على سؤال . وهنا استدعت نزول الوحي بها فسميت سبب النزول . ومعرفة سبب النزول في الآية له فائدة كبيرة في فهم مدلول الآية وتفسيرها ولنضرب مثـال على هذا الآمر :
      1- قوله تعالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة:158)
      هنا الآية ركزت على نفي الإثم في السعي بين الصفا والمروة دون ان تصرح بالوجوب . وهنا نسأل لماذا اكتفت بالنفي للحرمة دون ان تصرح بالوجوب ؟
      الجواب على السؤال هو من خلال سبب نزولها لان سبب نزولها إنما كان سببه ان بعض الصحابة تأثموا من السعي بين الصفا والمروة فنزلت هذه الآية تبين ان السعي إنما هو من شعائر الله ونفي أو محو من عقول الصحابة ما اعتقدوه أنها من أعمال الجاهلية .
      2- قوله تعالى ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران:195)وقد روي ان سبب نزول هذه الآية إنما كان لسبب سؤال أم سلمة لرسول الله (ص) حيث قالت : يا رسول الله لا اسمع الله ذكر النساء في الهجرة فانزل الله هذه الآية المباركة .
      قوله تعالى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55) .
      وهنا نتساءل بغض النظر عن كونها نازلة في أمير المؤمنين عليه السلام إلا أننا نطرح هذا السؤال . من هم اللذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم في حال الركوع ؟.
      للجواب على هذا السؤال لابد ان نعرف سبب لنزول الآية الشريفة فهي تخبر عن ان الله ورسوله والذين آمنوا هم أوليائكم . ولكن من هؤلاء المؤمنون الذين وصفتهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حالة الركوع . لابد ان يكون هنالك سبب أو سؤال أو حادثة أو أمر طارئ استدعى نزول هذه الآية الشريفة تخبر بمن هم هؤلاء المؤمنون . ان ولاية الله ورسوله (ص) لابد ان تكون معروفة من قبل هؤلاء الذين عاصرو زمن الوحي ونزوله فقد قال تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (الأحزاب:6) . ولكن ما لم يعرفوه ذلك التساؤل الذي كان يراود عقولهم وهو لمن الولاية بعد رسول الله (ص) ؟ إذ لابد من ولاية لشخص أو عدة أشخاص بعد رحيل الرسل الأعظم (ص) تخضع له الأمة الإسلامية حتى تهتدي وتعرف معالم دينها من خلاله . فلذلك وقعت هذه الحادثة وهي التصدق بالخاتم أثناء الركوع من قبل شخص معين . فعلق القران عليها وانزل آية شريفة تعليقا على هذه الحادثة ليبين لناس ما كانوا يستفهمون عليه وما كانوا يختلفون فيه ( وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الجاثـية:17) . وحتى لا يقع الخلاف بعد رسول الله (ص) ويجيبهم ويبين لعقولهم بان جواب استفهامكم إنما هو في هذه الآية الشريفة . ولكن وقع الخلاف بعدما جاء العلم كما بينت الآية والسبب في ذلك البغي الذي كان في أنفسهم بتصريح الآية الشريفة ولو اتبعوا ما بين لهم القران بعد استفهامهم لما كان هنالك خلاف في الأمر .
      ولكي نعرف معنى ما تقوله الآية وما تصرح به لابد ان نرجع إلى سبب نزولها لكي نعرف مدلول الآية وفيمن نزلت . فتجاهل سبب النزول لا يؤدي بنا إلى معرفة ان زيد ابن ثابت هو المقصود في القران ولا معرفة ان أبى بكر هو المقصود في آية ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ)(التوبة: الآية40) .

      اللفظ الظاهري للآية والمعنى الباطني :
      اعتمدت الفرق الإسلامية التي لا تأخذ طرق أهل البيت عليهم السلام في فهم القران الكريم على ظواهر الآيات الشريفة وتركت بواطنها . زاعمة بذلك ان القران الكريم يفهم من خلال ظاهر الآية الشريفة .
      وعندما نرجع إلى القران الكريم نجد ان دلالة آياته الشريفة إنما تكون من خلال فهم اللفظ والمعنى معا ولا يكون مفهومه مقتصرا على اللفظ . لان هنالك آيات شريفة لا يمكن قبولها من الناحية الظاهرية متمثلا بتفسير الألفاظ ومعانيها اللغوية . وإنما لا بد من وجود معنى مبين أو المصداق كواقع ينطبق عليه اللفظ اللغوي .
      ولتبيين هذا الشيء نقول ان جملة " شربت الماء وارتويت " لا يمكن ان يكون لها معنى بدون وجود الواقع الخارجي المتمثل بالمصداق وهو الماء . فلو ان إنسان كرر هذه الجملة لفظا " شربت الماء وارتويت " مائة مرة أو ألف مرة لما كان هنالك ارتواء من العطش ولا كانت هنالك حقيقة الارتواء . فالحقيقة انه لم يرتوي من العطش وهنا لا فائدة من اللفظ إطلاقا .
      ولكن إذا وجد المعنى الحقيقي أو المصداق وهو الماء فهنا يحصل الارتواء من العطش ويكون للفظ معنى حقيقي لان اللفظ في هذه الحالة يكون مطابقا للواقع وهنا يتبين لنا الأعجاز القرآني . فليس الأعجاز القرآني في ألفاظه ومعانيه لان القران الكريم نزل على العرب بلغتهم وبفهمهم فلا يمكن ان يتحداهم بألفاظ هم لها عارفون كما ان وإعجازه ليس في بلاغته .وإنما أعجازه في ان جميع ألفاظه ومعانيه مطابقة للواقع الخارجي أي المصداق في جميع الأزمنة . فيكون معجزا لأصحاب السياسة في سياستهم ولأصحاب العلم في علمهم ولأصحاب البلاغة في بلاغتهم ولأصحاب اللغة في لغتهم .
      كما ان الأخذ بظواهر الآيات يوقع الإنسان في الفهم الخاطئ والبعيد للآيات المتشابهة فقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران:7) . وهنالك الكثير من الآيات المتشابهة التي لا يمكن الأخذ بظواهرها اللفظية وإنما تحتاج إلى من أعطاه الله علم الكتاب . فقد سال الإمام علي عليه السلام من قبل زنديق من الزنادقة عن آيات متشابهات قد فسرها على النحو اللفظي ومنها قوله تعالى ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ )(التوبة: الآية67)
      وقوله ( نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا)(لأعـراف: الآية51) وقـوله ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)(مريم: الآية64) فلو فسرت وبينت هذه الآيات الشريفة على معناها الفظي لنسب إلى الله سبحانه وتعالى صفة النسيان وهذا يؤدي إلى عدم تنزيه الله من الصفات الناقصة أو السلبية ولكن أجاب بها أمير المؤمنين العارف بكتاب الله والمبين له فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام جـوابا على الزنديق : ( فأما قوله تعالى : " نسوا الله فنسيهم " إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته ، فنسيهم في الآخرة أي : لم يجعل لهم من ثوابه شيئا ، فصاروا منسيين من الخير ، وكذلك تفسير قوله عز وجل : " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " يعنى بالنسيان : انه لم يثيبهم كما يثيب أوليائه ، والذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسوله وخافوه بالغيب . وأما قوله : " وما كان ربك نسيا " فان ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ، ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد تقول العرب : نسينا فلان فلا يذكرنا : أي انه لا يأمر لهم بخير ، ولا يذكرهم به ) . ( الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج 1 ص 359 ) .
      وكذلك آية الولاية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55) فهنا لا يمكن الأخذ بها مـن الناحية اللفظية .حيث نجد المقطع مـن الآية الشريفة ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) إذا لم يطبق هذا الأمر في الواقع الخارجي وتمثل هذا الأمر كمصداق حقيقي لما كان هنالك أي معنى لهذا اللفظ . فالآية الشريفة إنما تصف المؤمنين بصفة القيام بالصلاة وإيتاء الزكاة على فعل مميز وهو عند الركوع . هؤلاء المؤمنين قد دفعوا الزكاة أثناء الصلاة وهم بحالة الركوع . ولو لم يحصل هذا الأمر واقعيا أو كمصداق حقيقي لما كان هنالك أي فائدة للفظ الآية . فكلنا يعلم بان قيام الصلاة وإيتاء الزكاة إنما هو من صفاة المؤمنين عامة ولكن على وصف الآية الشريفة فان هذه الصفة والفعل من إيتاء الزكاة عند قيام الصلاة وفي حالة الركوع إنما كانت صفة خاصة حصلت ووقعت ولذلك نزلت هذه الآية الشريفة تصف هذا الأمر . فكان نزول اللفظ مطابقا لحصول المعنى ومطابق للواقع والمصداق الحقيقي الحاصل .
      فيتبين هنا انه الإيمان بظواهر الآيات لا يكون ملزما إلا في الآيات المحكمة والواضحة والمبينة لنفسها . أما الآيات المتشابهة التي لا تتبين إلا بآيات محكمة والتي لا يعلمها إلى الله والراسخون في العلم فيلزم اخذ تبيانها من الينابيع الصافية التي أودع الله فيها علم الكتاب وتبيانه. فوضحت بيانه من سبب نزوله وليس إلى من يقول بتفسير القران برأيه مستندا إلى الفظه اللغوية التي لا تزيل القناع عن بيناته .

      الطرق المبينة للقران :
      في هذا المقطع أورد الكاتب الآية " تبيانا لكل شيء " في حين نجد ان القران الكريم قد أمر بالصلاة ولكن لم يرد في القران الكريم كيفية الصلاة وكذلك ورد الأمر بالزكاة ولكن لم يحدد لنا القران الكريم النصاب في الزكاة فلم يقل النصاب في الغنم أو البقر أو غير ذلك . ولنعد إلى الآية حيث يقول الله تعالى ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:89) . هنا نجد ان الآية توضح ان الله سبحانه وتعالى سيبعث في كل أمة بشهيد يشهد عليهم وعلى أعمالهم . ثم سيؤتى بالرسول كشاهد على الشهداء اللذين شهدوا على أممهم . ثم يقول وأنزلنا عليك الكتاب لنبين لك كل شيء . فالقران الكريم نزل على الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم فيه كل شيء ولكن تبيانه كان لرسول الله (ص) ثم بينه الرسول (ص) إلى الناس كافة . ولو كان القران مبين لجميع الناس لما احتاجت الناس إلى السنة النبوية فيكفيها فقط الكتاب أما النبي فلا فائدة منه مطلقا . لان سنته نبذت وراء الظهور وهذا ما صرح به عمر ابن الخطاب فقال حسبنا كتاب الله ضاربا بذلك السنة النبوية ودور الرسول (ص) عرض الحائط في تبيين ما ينفع الأمة من هدى إلى الطريق الصحيح وكذلك الأحكام التشريعية .
      إذا الآية الشريفة تصرح بان القران الكريم نـزل تبيانا لرسول الله (ص) حتى يبين لناس مـا اختلفوا فيه ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل:64) فلو كان كل الناس يفقهون تبيان القران لقال الله تعالى وما أنزلنا عليهم الكتاب إلا لنبين بدل قوله ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ ) .
      ويقول الله تعالى في كتابه الحكيم ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (الرعد:43) فلا يمكن حمل الآية في قوله ومن عنده علم الكتاب على العلم بوجود ونزول القران الكريم فالجميع يعرف أو عنده علم بوجود الكتاب ونزوله على الخاتم (ص) . كذلك لا يمكن حمل الآية على المعاني اللفظية لكلمات القران الكريم لان القران الكريم نزل بلسان عربي فعند نزوله على العرب إنما نزل على لسانهم فهم يعرفون ألفاظه ومعانيه . إذا فالمقصوم بمن عنده علم الكتاب أي الذي عنده علم بتبيان ما في الكتاب الحكيم .
      والآن لنذهب إلـى الآية الثانية التي أوردها في نصه وهي قوله تعالى (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:195) . ونجد ان الكاتب حذف الكلمة الأولى من الآية الشريفة وهي بلسان ليكتفي بكلمتين من الآية عربي مبين ليوهم القارئ الكريم ان القران إنما تبيانه لأنه باللغة العربية . ولكن لنرجع إلى الآيات التي قبلها والتي بعدها لنجد ان الله تعالى يقول ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء:192-196)
      الآية الشريفة الأولى تقول بان الله سبحانه وتعالى هو المنزل وفي الآية الثانية تقول بان الذي أنزله هو الروح الأمين أي جبرائيل عليه السلام فهو الواسطة في تنزيل الوحي والمكلف به . ولكن هذا الوحي أنزله جبرائيل على قلب النبي (ص) حتى ينذر به الناس بعد تبيين ما يعني الوحي اللاهي . ثم في الآية التالية يبين الله سبحانه وتعالى ان هذا الوحي بلسان عربي أي انه أنزله على الرسول الكريم (ص) بلغة العرب . ثم يقول انه في زبر الأولين والزبر هنا أي الكتاب وجمعها زبور فهي تجمع كجمع القدر فيقال قدور كما في صحاح الجواهري . أي ان هذا الكتاب المبين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على قلبك بواسطة جبرائيل عليه السلام إنما هو عربي ولكنه كان موجودا في كتب الأولين وكلنا يعلم ان القران الكريم إنما نسخ شرائع الأنبياء الأولين .

      تعليق


      • #4
        ثانيا : سيدنا علي مفرد

        والآية تأمر بموالاة الذين آمنوا أي مجموع المؤمنين وقد يظن البعض أن سبب ورود الجمع هو إرادة تعظيم سيدنا علي بالتحدث عنه بصيغة الجمع وهذا قبيح جدا إذ كيف يذكر الله ورسوله بالمفرد في الآية بينما يذكر غيرهما بالجمع تعظيما ولم أجد في كتاب الله جمع الإسم أو الصفة تعظيما الا لله عز وجل فحتى سيدنا محمد قد خاطبه الله بالمفرد في العديد من الآيات " يا أيها النبي " " يا أيها الرسول "


        جمع الإمام علي عليه السلام في الآية :ان العرب يعبرون بلفظ الجمع على المفرد في كثير من كلامهم وتعبيرهم ولذلك نزل في القران الكريم على هذا النحو ومنها :
        1-قوله تعالى ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173) . فكلمة الناس في الآية إنما عنت شخصا واحدا وهو نعيم ابن مسعود الاشجعي بإجماع المفسرين والمؤرخين والمحدثين . وذلك ان أبو سفيان أعطاه عشرا من الإبل على ان يثبط المسلمين ويخوفهم من المشركين ففعل وقال لهم " ان الناس قد جمعوا لكم فخشوهم " فكره اكثر المسلمين الخروج بسبب إرجافه . فخرج الرسول (ص) مع سبعين رجلا من المسلمين ورجعوا سالمين فنزلت هذه الآية ثناء على السبعين الذين خرجوا مع الرسول (ص) .
        2- قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (المائدة:11) . فكان الذي بسط يديه ليضرب النبي (ص) رجل واحد من بني محارب يدعى غورث . وقيل عمر ابن الجحاش من بني النضير فقيل انه استل سيف وهزه وأراد به ضرب الرسول (ص) فمنعه الله تعالى من ذلك في قضية أوردها المحدثون وقد أوردها ابن هشام في غزوة ذات الرقاع في الجزء الثالث من سيرته . فأطلق الله كلمة قوم على شخص واحد مفردا وذلك تعظيما لله تعالى على نعمته عليهم حيث سلم نبيه من القتل .
        3- قوله تعالى ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران:61) . وهنا نجد كلمة أبناءنا على صيغة الجمع مع ان المقصود في الآية هم الحسنين عليهم السلام كما أننا نجد كلمة نساءنا مع ان المقصود منها السيد فاطمة الزهراء عليها السلام ونجد كلمة أنفسنا مع ان المقصود فيها أمير المؤمنين عليه السلام . وإنما ذكرهم الله تعالى بصيغة الجمع تعظيما للفعل الذي قاموا به من خروجهم مع رسول الله (ص) لمباهلة نصارى نجران في قضية مفصلة ذكرها المؤرخون والمحدثون والمفسرون حول آية المباهلة .
        4- قوله تعالى ( فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ)(آل عمران: 39) حيث المنادي هو جبرائيل وهو واحد ذكر بصيغة الجمع نادى نبي الله زكريا عليه السلام في المحراب وبشره بيحيى عليه السلام .
        5- وقولـه تعالى ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42) والمنادي هنا أيضا جبرائيل وهو واحد ذكر بصيغة الجمع .
        6- وقوله تعالى ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ )(المنافقون: 7) ذكر مقاتل في تفسيره إنها نزلت في ابن أبى سلول . وان قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(القصص: 3) نازلة في اوس ابن الصامت .
        وهنالك الكثير من هذه الأمور المذكورة في القران الكريم وهو مما يبين جواز إطلاق صيغة الجمع على المفرد إذا اقتضى تبيين نكتة بيانية .

        رأي العلماء بالنسبة لجمع المفرد في آية الولاية :
        1- ذكر الزمخشري في كشافه : فإن قلت كيف صح أن يكون لعلي رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة ، قلت : جئ به على لفظ الجمع ، وإن كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل نواله ، ولينبه على ان سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان ، وتفقد الفقراء حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير ، وهم في الصلاة ، لم يؤخروه إلى الفراغ منها .
        2- السيد عبد الحسين شرف الدين في المراجعات (ص 235) : إنما أتى بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بقيا منه تعالى على كثير من الناس ، فإن شانئي علي وأعداء بني هاشم وسائر المنافقين وأهل الحسد والتنافس ، لا يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد ، إذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في تمويه ، ولا ملتمس في التضليل فيكون منهم - بسبب يأسهم - حينئذ ما تخشى عواقبه على الإسلام ، فجاءت الآية بصيغة الجمع مع كونها للمفرد اتقاء من معرتهم ، ثم كانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة ومقامات متعددة ، وبث فيهم أمر الولاية تدريجا تدريجا حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة ، جريا منه صلى الله عليه وآله ، على عادة الحكماء في تبليغ الناس ما يشق عليهم ، ولو كانت الآية بالعبارة المختصة بالمفرد ، لجعلوا أصابعهم في آذانهم ، واستغشوا ثيابهم ، وأصروا واستكبروا استكبارا ، وهذه الحكمة مطردة في كل ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين كما لا يخفى .
        3- راي الطبرسي في تفسيره مجمع البيان ( 3- ص364) : وذلك أن أهل اللغة قد يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التفخيم والتعظيم ، وذلك أشهر في كلامهم ، من ان يحتاج الى استدلال عليه .

        قوله " يا أيها النبي " وقوله " يا أيها الرسول" في القران الكريم :
        عند الرجوع الى الآيات الشريفة التي توجد فيها هذه العبارة الشريفة " يا أيها النبي " نجد ان القران الكريم يخاطب الرسول الأعظم (ص) بالنبي في الأمور التي تحتاج إلى الإنباء والتحذير والإنذار . أما كلمة " يا أيها الرسول" فإنما جاءت في موضعين وآيتين في القران الكريم في موضع يحتاج إلي تبليغ الرسالة أو أمر معين لناس خاص بالرسالة .

        تعليق


        • #5
          ثالثا : مامعنى وليكم

          من القبيح وصف الله تعالى بإمامة الحكم إذ لو قصد من كلمة " وليكم " في الآية الوالي أو الأمير لصار المعنى إنما أميركم الله ورسوله و الذين آمنوا " وهذا ظاهر البطلان وقد يحملها البعض على معنى الأولى والأحق كقوله تعالى "( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً " (الأحزاب:6 وفي هذا تكلف ظاهر في حمل كلمة " ولي " على الأولى والأحق بدون قرينة فولي وصف وأولى صيغة تفضيل وهذا المعنى على بعده أيضا بعيد عن مايريدون لأن طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله وليس هذا لغيره من المؤمنين إذ أن طاعة أولياء الأمر مشروطة بطاعة الله ورسوله وليست مقترنة بها فلاقياس بين الرسول وولي الأمر في هذه على أن الآية الكريمة " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ " خالية من التفضيل إطلاقا فليس فيها صيغة تفضيل ولا فيها أولى ممن ولا أولى بماذا .... فيسقط هذا المعنى لخلو الآية من التفضيل وليجرب المخالف أن يأتينا بكلام مفيد في تفضيلا بأولى ليس فيه أولى ممن ولا أولى بماذا فلن يستطيع وقد يقول بعضهم ان ولي هنا بمعنى المتصرف والوكيل كقوله تعالى " فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ " (البقرة: من الآية282 ) ونجيب عليه بأنه لاعلاقة لذلك بالحكم والولاية العامة فلا الأمة سفيهة ولا قاصرة حتى يعين الله عليها قيما كما عين على السفيه والقاصر الضعيف فقد مدح الله هذه الأمة المرحومة في عدة مواضع فقال" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ "(آل عمران: من الآية110) " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " (البقرة: من الآية143) وليس من مهام الحاكم أن يكون وكيلا على رعيته كالقيم على المرأة والسفيه بل مهمته أن يدير أمورهم حسب شرع الله فقط فيرد من شذ منهم عنه اليه وليس له أن يتحكم في تصرفات الملتزم بالشريعة ولا أن يمضي بدلا عنه شيئا لايريده فلا يتصرف بالنيابة عنهم في كل الأمور كالولي القيم على القاصر والسفيه إمامة الحاكم ليست كقوامة الرجل على أهل بيته ليتدخل في تفاصيل حياتهم بل يقتصر دوره على الحكم بشرع الله ورسوله ومن زعم غير ذلك فعليه الإثبات وحيث بطلت الأقوال السابقة فلم يتبق الا أن نحمل كلمة ولي على الناصر والمعين ( من الموالاة ) حتي يستقيم المعنى ونعطي لربنا التنزيه اللائق به فكما هو من القبيح أن نصور الله كوالي وأمير فمن الجميل جدا أن نصف الله بالولاية بفتح الواو وهي النصرة قال تعالى" إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ" (لأعراف:196 ) " قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ " (سـبأ:41 )

          معنى كلمة " وليكم " في أية الولاية :

          لقد اختصت اللغة العربية عن اللغات الأخرى بخصائص كثيرة ومنها :
          1- استخدام المعاني والألفاظ في اكثر من معنى استعمالا حقيقيا أو مجازيا وهذا ناتج عن محدودية الألفاظ وسعة المعاني وتداعيها .
          2- ان الكلمة التي يكثر استخدامها في اكثر من معنى لا تصلح ان تكون بيانا واضحا لما أراد المتكلم من معنى معين حين الاستعمال ما لم يقرنها بقرينة حالية أو مقالية صارفة أو معينة حتى يتبين المعنى الحقيقي .
          ولذلك يجب ان نعلم ان ألفاظ الولاء والولاية – بفتح الواو – والولاية – بكسر الواو – والولي والمولى وسائر الألفاظ الأخرى المماثلة كلها مشتقة من مادة ( والي ) التي كثر استخدامها في القران الكريم على اختلاف اشتقاقاتها وورودها .
          وقال الراغب في مفردات غريب القران (ص533) :
          والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ، والولاية النصرة ، والولاية تولى الأمر ، وقيل الولاية والولاية . نحو الدلالة والدلالة ، وحقيقته تولى الأمر . والولى والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالى ، وفى معنى المفعول أي الموالى ، يقال للمؤمن هو ولى الله عز وجل ولم يرد مولاه ، وقد يقال : الله تعالى ولى المؤمنين ومولاهم ، فمن الاول قال الله تعالى : ( الله ولى الذين آمنوا - إن وليى الله - والله ولى المؤمنين - ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا - نعم المولى ونعم النصير - واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ) قال عز وجل : ( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس - وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه - ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) والوالى الذى في قوله ( وما لهم من دونه من وال ) بمعنى الولى .
          وقال الشافعي في نهاية في غريب الحديث : يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالى : ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم الخ .
          وقال الجواهري في الصحاح : الولي : القرب والدنو ......... الخ ) .
          وفي لسان العرب : والولي : ولي اليتيم الذي يلي أمره .....الخ )
          وفي معجم مقايسس اللغة : الواو وألام والياء : اصل صحيح يدل على القرب . من ذلك ولي القرب .
          ومن هنا نستنتج ان معنى هذه الكلمة هو القرب وان استخدمت لمعان كثيرة وفي اكثر من موضع فهي تفيد في معنى القرب للأشياء المعنوية والحسية :
          الأشياء المعنوية : مثل استخدامها في الطاعة والتبعية لأنه يقرب التابع من المتبوع فلا يكون هنالك شيء اقرب منه إلى المتبوع من التابع وليس هنالك حائل بينهما . وكذلك في التحالف والتناصر لأنها تشكل قرب بين الطرفين ومن ذلك تحالف بعض قبالئل العرب مع الفرس أو الروم في الجاهلية لان كل منهما يدافع عن الآخر وينصره .
          الأشياء الحسية : وهو كولاية الأب على ابنته في التزويج وولاية الرجل على الطفل اليتيم . وكذلك تستخدم في المحبة والمودة بين المجتمعين . وتستخدم بمعنى التدبير والسلطان بين شخص ومجتمع .

          ضرب مثال لتوضيح الفكرة :
          ان من الكلمات التي تستخدم في اللغة العربية هي كلمة الاخوة وهذي الكلمة تستخدم في كثير من المواضع . فهي تستخدم في الاخوة التي تأتى من الدم الواحد فيقال اخوين لأنهما من أبوين أو من أب واحد أو أم واحدة فيكون الرابط بينهما الدم . وكذلك تطلق على المؤمنون ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )(الحجرات: الآية10) فيكون الصلة بينهما الإيمان . وكذلك تستخدم الاخوة في الإسلام ويكون الرابط بينهما الشهادتين . وتطلق الاخوة على من رضع من ثدي واحد فيكون الصلة بينهما البن الذي شرباه من ثدي واحد . وتطلق الاخوة في اللغة العربية على حروف معينة فيقال كان وأخواتها وان وأخواتها لما تعمله أخوات ان أو أخوات كان في الجملة . فتقوم أخوات ان بما تقوم به ان في الجملة وكذلك بالنسبة لكان وأخواتها فيكون صلة الاخوة هنا المقام والفعل .
          وهنا يتبين لنا ان معنى الاخوة الحقيقي في جميع ما تقدم إنما هو معنى واحد فقط وهو ( الصلة ) من حيث التشابه أو قيام المقام مثل كان واخوتها وان وأخواتها أو اخوة الرحم أو الاشتراك في شيء معين كالإسلام والإيمان واخوة الرضاعة .
          وكذلك بالنسبة لكلمة ( ولي ) فهي وان استخدمت في تسع معاني ولكنها ترجـع في كـل معانيها إلـى كلمة ( الأولى ) أي الأقرب والأولى بالأمر مثل ابن العم حيث قال اللهبي يخاطب بني أمية :
          مهلا بني عمنا مهلا موالينا ****** لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

          وابن العم إنما سمي ( مولى ) لأنه يعقل عن ابن عمه – أي يؤدي دينه - ويحوز ميراثه ، فكان بذلك أولى من غيره . والجار ( مولى ) لأنه أولى بالملاصقة من البعيد ، وأولى بالشفعة في العقار مـن غيره . والحليف ( مولى ) لأنه أولى بنصرة حليفه ممن لا حلف بينه وبينه . والمعتق ( مولى ) لأنه أولى بنصرة معتقه من غيره . والمعتق ( مولى ) لأنه أولى بميراثه ممن لم يعتقه . ومالك الرق ( مولى ) لأنه أولى بتدبير عبده من غيره . والناصر ( مولى ) لأنه اختص بالنصرة فصار بها أولى من غيره . وضامن الجريرة ( مولى ) لأنه ألزم نفسه ما يلزم المعتق ، فكان بذلك أولى ممن لـم يضمن . والسيد المطاع ( مولى ) لأنه أولى بالطاعة ممن عداه .
          وقد نص الكثير بقول ان هذه الكلمة تعني الأولى ومنهم أبو عبيدة ابن المثنى وهو مقدم في اللغة والعربية وابن قتيبة مستندين بقوله تعالى ( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحديد:15) . أي ان الله عز وجل أراد معنى ان النار أولى بهم . وقال لبيد :

          فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ****** مولى المخافة خلفها وأمامها


          أراد لبيد أن الظبية تحيرت فلم تدر أخلفها أولى بالمخافة أم أمامها .وقال الاخطل يمدح عبد الملك ابن مروان :

          فأصبحت مولاها من الناس كلهم ****** وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا


          يريد بقوله هذا أن ابن مروان أولى بسياسة الأمة وتدبيرها ، وهو أيضا خليفة مطاع الأمر . وذكر الفراء في كتاب معاني القرآن في تفسير هذه الآية : إن الولي والمولى في لغة العرب شئ واحد . وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه المعروف بتفسير المشكل في القرآن في ذكره أقسام مولى : إن المولى والولي الأولى بالشيء . واستشهد على ذلك بالآية المقدم ذكرها وببيت لبيد وغيره من الشعر . ويدل على ذلك أيضا قراءة عبدالله ابن مسعود فقد روي انه قرا ( إنما مولاكم الله ورسوله والذين امنوا ) كما في كنز العمال (16- ص 309) .

          ومما تقدم يتبين ان كلمة " وليكم " في آية الولاية تفيد ( القرب ) وبهذا تعني التصدي والهيمنة والحاكمية والسلطنة على الآمر لان هذا المعنى هو القاسم المشترك . وليس كما يزعم البعض من العامة أنها تعني المحبة والنصرة لأنها لو كانت تعني المحبة لاستخدم لفظ الحب والمودة الذي هو عكس البغض والكراهية كما في قوله ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)(البقرة: 165) وقال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(البقرة: 222)وقال تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(آل عمران: 31) وقال تعالى ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76) وقال تعالى( هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ)(آل عمران: 119) وقال تعالى( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: 134) وقال تعالى ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(آل عمران: 146) وقال تعالى ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(آل عمران: 159) وقالى تعالى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ )(المائدة: 18) وغيرها من الايات الكثيرة في كتاب الله التي توضح هذا المطلب . ولو أريد استخدام معنى النصرة لاستخدم لفظ النصرة الذي هو عكس الخذلان فقال تعالى ( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)(البقرة: 214) وقال تعالى ( أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(البقرة250) وقال تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123) وقالى تعالى ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160) وقال تعالى( فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(لأنفال: 26) وقال تعالى ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(لأنفال: 72) وقال تعالى ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ)(التوبة: 25)وقال تعالى ( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)(التوبة: 40) وقال تعالى ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) (الأنبياء:68) وقال تعالى ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج: 40) وقـال تعالـى ( فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(الروم: 47) وقال تعالى ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51) وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7) وغيرها من الايات الكثيرة التي تعبر عن النصرة بلفظها . وبذلك استخدم معنى الأولي بالأمر بلفظ وليكم في الآية لأنه هو القاسم المشترك في المعاني كلها .

          وقال ابن جبر في نهج الإيمان ص 125 : والذي يدل أيضا على أن المراد بلفظة ( مولى ) الأولى : لأن إذا حملت عليها كانت شاملة للمعاني العشرة ، فكأن حملها عليها أولى لهذا المعني ، واللفظ إذا حمل على التخصيص كان أولى من حمله على الاشتراك ، لأن في حمله على الاشتراك إخلالا بالمفهوم ، فحمله على التخصيص أولى تحصيلا للمفهوم .
          وبهاذ يكون مفهوم الولاية هو الأولى أي التصدي لشؤون الغير وفي قبالها العداوة وهي التجاوز والتعدي على الغير لان التصرف بمصلحة الغير ولاية كولاية الرجل على اليتيم وولاية الأب في زواج ابنته وولاية النبي على الأمة . وتأتى الولاية بمعنى التصرف بشؤون الغير مطلقا كقوله تعالى ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (البقرة: الآية257) وقوله تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(التوبة: الآية71) . إلا ان الولاية في الآيتين السابقتين إنما كانت ولاية مطلقة ولكن عندما نرجع لآية الولاية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (المائدة:55) نجد ان الولاية هنا خاصة لأننا عرفنا ان المؤمنون والمؤمنات أولياء لبعض مطلقا ولكن في آية الولاية يتبين ان الله سبحانه وتعالى يستثني نفسه عن المؤمنون الذين يتولون بعضهم على الإطلاق ويكون وليهم بكلمة ( إنما ) ثم يستثني نبيه منها ليجعله وليا عليهم أي يجعله أولى بالتصرف بشؤونهم كما قال تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(الأحزاب: الآية6) ثم يستثني بعض المؤمنون من المؤمنون ليجعل لهم ما جعله لنبيه من ولاية الأمر ويأمر نبيه بهذا الشيء وهو ما أمر رسول الله (ص) في غدير خم فقال ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) بعد ان سألهم ( أتعلمون أنى أولى بالمؤمنين من أنفسهم فقالوا : بلى فأجابهم الرسول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) . فخص رسول الله ولاية أمر الأمة لعلي من بعده وهذا ما تؤكده الآية الشريفة بوصف هؤلاء المؤمنون وتبيين من هم حين وصفتهم بقول الله تعالى ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(المائدة: الآية55) . ولم يصرح أحدا من المؤرخين والمحدثين والمفسرين بأحد من المؤمنين قام بهذا الوصف غير أمير المؤمنين عليه السلام .

          هل ان النار محبة وناصرة ؟
          قال تعالى ( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحديد:15)
          عندما نمعن القراءة في هذه الآية الكريمة ونحملها على وصف صاحب الشبهات بالمعنى الذي قاله وهو ان الولي بمعنى المحبة والنصرة فلا يكون هنالك معنى لان تكون النار في الآية الشريفة ناصرة ومحبة لمن استحق دخولها . ولكن إذا قلنا بان معناها الأولى بالشيء يتبين لنا معنى جلي وحقيقي لهذه الكلمة وهي " ولي " فتكون النار أولى بمن استحقها .

          كيف تكون الولاية بمعنى القرب كما صرح به علماء اللغة :
          لا شك ان الله سبحانه وتعالى قريبا من المؤمنين والكافرين حيث قال ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (قّ:16) . فيتبين ان الله سبحانه وتعالى قريبا من الجميع . ولكن هل الجميع قريبين من الله سبحانه وتعالى ؟.
          طبعا لو نظرنا إلى المؤمنين فإننا نجد ان المؤمن كلما كان تقيا طائعا لله تعالى فانه سيكون قريبا من الله . ولذلك قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) أي كلما جاهد الإنسان في الطاعة وتقوى الله عز وجل فان الله سيهديه إلى سبله والسبل هنا الطرق إليه فكلما كان تقيا طائعا لله كان قريبا منه .
          أما المعاند والشقي فلا يكون قريبا من الله سبحانه وتعالى بسبب ذنوبه وأهوائه فهو المبتعد عن الله تعالى لا ان الله هو المبتعد عنه . فكلما كان الإنسان قريبا من الله فانه سيكون لناس هاديا له وسيكون سراجا ودليلا إلى الله لقربه منه . ولذلك نلاحظ ان السراج أو النور يكون هو الأقرب إلى المكان المقصود وهو الهادي والدال إلى هذا المكان . فلو كان الإنسان يريد بيتا أو مكان معين يقصده فان الدليل سيرشده إلي اقرب شيء لهذا البيت أو المكان . ولكون الأنبياء والصالحين من عباد الله أنوارا وسراجا لهداية الناس فيكونون هم الأقرب إلى الله تعالى . فيسلك الناس الطريق المؤدي إلي هؤلاء لأنهم اقرب إلى الله عز وجل . وهنا يتبين معنى القرب بالنسبة لكلمة " ولي " .

          معنى ولاية الله وولاية رسوله وولاية اللذين آمنوا :
          بعد ان تبين ان الله هو الهادي لعباده وان معنى " ولي " القرب هنا لزم سؤال وهو هل الولاية لله نفسها لرسوله ؟. وهل ولاية الذين امنوا هي نفسها ولاية الله ورسوله ؟.
          طبعا جواب هذا السؤال هو ان ولاية الله وولاية رسوله وولاية الذين امنوا إنما هي واحدة . ولكن ولاية الله تعالى إنما هي ولاية له لم تأتيه من غيره أي انه مستقل بها . أما ولاية الرسول فإنها أتت من قبل الله عز وجل أي ان الله هو الذي أعطاه هذه الولاية فيقوم بها بأمر الله تعالى يحكم بها وفقا لما أمره الله تعالى بدون استقلالية في الأمر . أما ولاية الذين امنوا فلا تكون هذه الولاية مع ولاية الرسول في نفس الوقت ولكن تكون ولاية للذين امنوا بعد انتقال الرسول (ص) إلى ربه .
          إذا ولاية اللذين آمنوا إنما هي سنخ لولاية الرسول وولاية الرسول إنما هي سنخ لولاية الله تعالى . ولتبيين هذا الأمر نقول انه بما ان الولاية بمعنى الهداية فهداية الذين آمنوا لا تختلف عن هداية الرسول وان هداية الرسول لا تختلف عن هداية الله . بل ان كل الهدايات الثلاثة مسلكها واحد وهو القرب من الله سبحانه وتعالى فقال الله تعالى ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة:6) والسراط بمعنى الطريق والطريق المستقيم هو الطريق الأقرب إلى المراد .

          هل ان هذه الأمة سفيهة وقاصرة ؟.
          لقد بعث الله سبحانه وتعالى أنبيائه ورسله إلى الأمم كافة ولم يستثني أمة أو فئة من الناس إلا وأرسل عليها رسول أو نبي من أنفسهم ليقيم عليهم الحجة ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) (التوبة:128) .
          ولكن ما ان يلتحق النبي أو الرسول إلى ربه حتى يدب في هذه الأمم الفوضى والارتداد عن كل القيم والمبادئ التي بناها ووضعها نبيهم . وهذا الأمر كان من بداية وجود الإنسان على الأرض أي من عهد أبينا آدم عليه السلام إلى عهد الخاتم (ص) . وأمر الارتداد صرح به القران الكريم واخبر عن حصوله بعد وفاة الرسول (ص) فقال ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144) . فالانقلاب في الآية الشريفة إنما هو نتيجة السفاهة والقصور في معرفة الحق المبين والدين الحنيف . ولو انهم كانوا عارفين بتعاليم دينهم وبيناته لما اختلفوا في أمر . تجد نتيجة هذا المعنى في الحروب التي جاءت بعد رحيل الرسول (ص) حيث قتلت انفس وانتهكت محارم ويتمت أطفال . فيكفي مثلا ما حصل في قتل عثمان وما سببه من حرب الجمل التي راح ضحيتها عشرون ألف وما تلتها من الحروب مثل صفين والنهروان إلى واقعة كربلاء الأليمة التي قتل فيها سبط الرسول ( ص) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام . ثم تلتها واقعة الحرة التي قتل فيها ثلاث مائة من الصحابة وهتكت فيها مدينة الرسول (ص) حتى حبلت فيها ألف امرأة بدون زوج وروع فيها الناس . كل ذلك إنما كان نتيجة سفاهة وقصور في اتباع الحق والدين والتمسك به . ولو انهم تمسكوا بالحق الذي وضعه رسول الله (ص) وتبعوا وصيه وابن عمه علي أمير المؤمنين عليه السلام لما حصلت هذه المآسي الأليمة على هذه الأمة . لكن الكل طمع في هذا الإرث وهو الحكم والسلطنة على هذه الأمة فدبت فيهم الحروب الطاحنة متناسين ان أساس بعث نبيهم إنما كان الهداية والإنذار . لذلك كان قيام أو قعود أئمتنا عليهم السلام إنما كان لأجل هداية الناس كافة . فخروج الإمام علي عليه السلام في الجمل إنما كان رد هذه الفئة الناكثة التي استحلت الأمة لأجل السلطة وقتلت أخيارها كل ذلك طلبا في ثار عثمان . وقتاله في صفين إنما قاتل الفئة الباغية التي بغت على الأمة بقيادة معاوية ابن أبى سفيان . وقاتل الخوارج في النهروان لمروقهم عن الدين واستحلالهم دماء المسلمين . فلم يخرج عليه السلام إلى بعد ان انهالت عليه الأمة واجتمعت وجعلته خليفة عليها فكان مبدئه " إما العدل أو بيت العزلة " . ولكن كان اختيارها لهذا الإمام بعد ما افسد هذه الأمة من كان قبله فكان خروجه لإصلاح الفاسد في أمر هذه الأمة . كما ان صلح الإمام الحسن عليه السلام إنما كان لأجل الأمة وحقن لدمائها . وخروج أبى عبدالله الحسين عليه السلام إنما كان بعد وصول الأمة إلى ترك السنة النبوية وكتاب الله العزيز حتى كادت الأمة ان تمحي معالم دينها . فخرج عليه السلام يفدي بنفسه تلك الرسالة التي أسسها جده المصطفى (ص) حتى قال " ما خرجت أشرا ولا بطرا ولكن خرجت في طلب الاصطلاح في أمة جدي وحتى آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر " . وهذا شيء مختصر لما نقله التاريخ فمن أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى تاريخ الأمة ليجد ما هو اقبح مما ذكرنا . وليجد ان ما فعله أئمة أهل البيت إنما إصلاح ما فسد في هذه الأمة لهدايتها بعد انقلابها الذي صاحب وفاة نبيها (ص) .
          أما بالنسبة للآية ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(آل عمران: 110) فيا ليت هذا الكاتب عرف معنى الأمة التي ذكرتها الآية الشريفة .
          فهل الحروب التي وقعت بعد رسول الله (ص) من الناكثين على الأمة أصحاب الجمل والباغين عليها أصحاب صفين والمارقين أصحاب النهروان تقول بانها خير أمة ؟ هل مقتل الحسين عليه السلام تجعلها خير أمة ؟ هل ان واقعة الحرة وما صاحبها من ألام على الأمة تجعلها خير أمة ؟ .
          لكي تكون خير أمة يجب ان تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما صرحت الآية الشريفة . على ان الأمة في القران الكريم ليس بمعنى الأمة الإسلامية . فالأمة هي الفئة التي سارت على نهج معين وقد تطلق على شخص واحد كما في قوله تعالى ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120) وقد تطلق على فئة معينة تسير على نهج معين كقوله تعالى ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (لأعراف:159) وقوله ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (آل عمران:113) وقوله ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) .
          فالأمة في القران الكريم تطلق على المفرد كما أطلقت على نبي الله إبراهيم عليه السلام وتطلق على الفئة المتبعة لنهج معين كما قال الله تعالى في دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:128) وقوله تعالى ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف:23) أي وجدنا آبائنا على نهج ونحن متبعون لهم . كما ان للامة معان اخرى لا نريد ان نخوض فيها. إذا فقوله ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(آل عمران: 110) إنما عنت الآية فئة من الناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهؤلاء هم أهل البيت عليهم السلام القائمين على نهج واحد . وليس كما يدعي البعض من ان الأمة هي أمة النبي محمد (ص) فلم تكن الأمة الإسلامية آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر بل منقلبة على أعقابها بعد رحيل نبيها (ص) ودل على ذلك سفك الدماء وانتهاك المحارم وغير ذلك .
          من أراد المزيد فليطلع إلى المصادر التاريخية حيث ان ما قلناه إنما كان إشارة فقط على سفاهة الأمة وقصورها في فهم ما ينفعها . والسفاهة والقصور إنما كان نتيجة ترك الأمام القائم على الهداية فمن المحال ان يذهب النبي (ص) يترك الأمة بدون ان يرشدها إلى ما ينفعها أو ان يعين فيها من يهديها . فعاشت الأمة لأجل ذلك محنة من الاضطراب وعدم معرفة طريق الهداية . فقتل الكثير من الناس وانتهكت كثير من القيم الإسلامية نتيجة لترك وصايا رسول الله (ص) .
          التعديل الأخير تم بواسطة سيف بتار; الساعة 27-06-2005, 10:05 PM.

          تعليق


          • #6
            اللهم صل على محمد وآل محمد



            يرفع الموضوع وتسجيل متابعة

            وكم نآمل ان شرفنا الجمال هنا

            تعليق


            • #7
              رابعا : سياق الآية يوضح معنى كلمة وليكم

              لو قرأنا الآية التي تليها بتمعن وإرادة للحق لأتضح لنا المقصود من كلمة وليكم في الآية موضع الخلاف فبعد أن وجهنا المولى عز وجل الى وجوب قصر موالاتنا ونصرتنا على المؤمنين وأن لا نتولى غيرهم بين لنا نتيجة تولي الله ورسوله والمؤمنين وهي الغلبة والتمكين لأننا سنصبح حينها من حزب الله الغالب قال تعالى " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ "وتشبهها من هذه الناحية .
              الاية رقم 51 السابقة لها وهي قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " فبعد أن نهانا الله تعالى عن موالاتهم بين الله لنا نتيجة توليهم وهي أن من يتولاهم يصبح في حكمهم "منهم "
              )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)إتحاد الفعل " يتولى " في العبارتين في الآيتين أعلاه
              " ومن يتول الله " ....... " ومن يتولهم " يوضح لكل طالب حقيقة أن نوع الموالاة التي يتحدث عنها ربنا في الآيتين واحدة وهي المحبة والنصرة فيتضح لكل ذي بصيرة أن كلمة " وليكم " في الآية موضع البحث لاتعني " واليكم " ولا " من تولونه أموركم " بل تعني " من تتولونه " لأنه قد جاءت نتيجتها بقوله تعالى " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا " فلو كانت كما يظن أبناء عمومتنا الإثني عشرية لكانت الآية التي تليها " ومن يول أمره لله ورسوله والذين أمنوا " ولكنه تعالى قد قال " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا " وهناك فرق كبير في المعنى فهل من متدبر فيكون معنى " إنما وليكم " هو " إنما من تتولونه " وليس " إنما من يتولى أمركم "


              سياق الآية مع الآيات التي قبلها والتي تليها :
              قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) من الواضح في الآية الشريفة إنها تنهى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء بمعنى التحالف ونصرة بعضهم البعض . وقد بينا سابقا ان كلمة ( مولى ) تعني النصرة لأنه من يتولى احد فقد اختص بالنصرة فصار بها أولى من غيره . وبهذا ترجع كلمة ( مولى ) إلى الأولى حتى وان كانت تعني النصرة . فإذا اتخذ المؤمنون اليهود والنصارى أولياء لهم فهم أولى بنصرتهم من غيرهم وكذلك يكون اليهود أولى بالنصرة للمؤمنين . فيؤدي هذا الأمر إلى ان يكون المؤمنون من اليهود والنصارى وكذلك يكون النصارى واليهود من المؤمنين كونهما ينصران بعض وكل منهما أولى بالآخر من غيرهم . فيتحقق هنا التصرف بالأمر لان كلا الطرفين له الأحقية في التصرف بشؤون الآخر فيعلم ان الطرف الآخر منه . وقد شهدنا تحالفات للقبائل العربية مع الفرس فتنصر الفرس هذه القبائل وتنصر القبائل الفرس . ورأينا ان الفرس هي التي تكون متصرفة في أمور هذه القبائل وهي الأولى بأمورهم كونهم حلفاء لهم . وهذا ينطبق أيضا مع تحالف القبائل الأخرى مع الروم أو تحالفهم مع ملوك اليمن .
              ثم لننظر إلى ذيل الآية حيث تقول ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لنجد ان الآية تبين ان الله لا يهدي الفئة التي اتخذت اليهود والنصارى أولياء بعضهم لبعض . حيث انهم صاروا ظالمين لأنفسهم كونهم وكلوا من يكون أولى بأنفسهم من الله فكانوا ظالمين لها لأنهم لم يهدوا أنفسهم إلى هدى الله تعالى . ولو انهم وكلوا أنفسهم وجعلوا الله ورسوله والذين آمنوا أولى بأنفسهم لهداهم إلى الطريق المستقيم .
              ولنرجع إلى عبادة ابن الصامت الذي يزعمون ان الآية نزلت فيه لنجد ان سبب النزول يقول بان عبادة ابن الصامت كان حليفا لليهود أي انه كان نصيرا لهم وكانوا نصراء له أي انه منهم وهم منه . فلما اسلم انزل الله في حقه هذه الآية حتى يترك اليهود وحلفهم ويلتحق بركب المؤمنين ويكون منهم فيكون الله هو وليه ورسوله والمؤمنون . فإذا نصر الله ورسوله والمؤمنون فسوف ينصرونه وإذا نصره الله ورسوله فيكونون أولياء عليه متصرفون بشؤونه اكثر من نفسه لان الله هو الهادي ورسوله وليست نفسه من تهديه .
              ثم يقول تعالى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة: 56) بعد ان نهت الآية الشريفة التي قبل هذه الآية عن موالاة اليهود ونصرتهم والتحالف معهم . نجد ان هذا الأمر سيؤدي إلى ان يكون المؤمنون من اليهود واليهود من المؤمنين . وهذا يؤدي إلى ان يظلم المؤمنون أنفسهم كونهم لم يجعلوا الله ولي عليهم بالنصرة والهداية .
              ان آية الولاية تستثني ثلاثة بأداة الحصر ( إنما ) هم الله سبحانه وتعالى ورسوله والذين آمنوا . فالخطاب في الآية الأولى كان للذين آمنوا بشكل العام المطلق أي كل المؤمنين نهتهم الآية عن تولي اليهود والنصارى . ولم تنهاهم إلا لأنهم كانوا موالين بالفعل لليهود والنصارى سواء كان الكل أو البعض . ولكن في هذه الآية نجد الاستثناء لله تعالى ولرسوله وبعض المؤمنين فلا يمكن ان تصرح الآية السابقة بنهي الذين امنوا جميعا ثم تقول بمولاة الذين آمنوا جميعا . وهنا يتضح انه يوجد بعض المؤمنون كانوا موالين لليهود والنصارى وأيضا هنالك مؤمنون موالون لله ولرسوله وهم المستثنون . فأمرت المؤمنون بشكل عام الموالون لليهود والنصارى بان يتركوا موالاتهم لليهود والنصارى ويوالون من يوالي الله ورسوله وهم الخاصة الذين استثنتهم الآية مع الله ورسوله .ثم بينت الآية الشريفة حالة المؤمنون الذين استثنهم فقالت انهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون أي في حالة الركوع .
              ثم يقول الله تعالى ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة: 55-56) هنا يوجد نكتة لطيفة جدا أرادت الآية ان توضحها وهي ان التولي لا يجب ان يكون للمؤمنين الذين نهتهم الآية من تولي اليهود والنصارى وأمرتهم بترك تحالفهم .بل يكون التولي للمؤمنين في الآية الثانية التي وضحتها وهي ان من يتولى الله ورسوله واللذين امنوا الذين وصفتهم بأنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حال الركوع فان هؤلاء من حزب الله الغالبون . لان الله سوف ينصرهم لنصرهم الله ورسوله والمؤمنون وبذلك يتولى نصرهم فالنصر من الله لا من أنفسهم . فمن المحال ان ينصر الله المؤمنون الموالون لليهود والنصارى كون اليهود والنصارى أعداء لله ولرسوله والمؤمنون .
              وحتى ان سلمنا لما قاله صاحب الشبهة لما ساقه في الآيات الشريفة فقد اجمع علماء الأمة الإسلامية على ان الدليل مقدم على سياق الآية . فإذا جاء السياق مخالف لدليل فانهم يتركون السياق ويتمسكون بالدليل وهذا ما حصل في آية التطهير إذا ان الآية خاصة بأصحاب الكساء الخمسة مع أنها جاءت مع سياق النساء . كما ان حمل الآية على خلاف سياقها لا يضر في إعجاز القران ولا في بلاغته . وقد اجمع المسلمون على ان القران الكريم لم يرتب على حسب نزوله ولذلك كانت هنالك عدة مصاحف رتبت باجتهاد الصحابة .فإذا لا وزن هنا لسياق ان كان معارضا للمدلول والأدلة .

              تعليق


              • #8
                خامسا : كلمة الذين مشكلة

                ليجرب المخالف أن يأتي بجملة فيها الاسم الموصول " الذين " ويقصد به شخص واحد دون أن يكون التعبير ركيكا متكلفا فلن يستطيع فقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن سيدنا محمد غير مرة بكلمة " الذي " ومنها قوله تعالى " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ " (الأعراف:157من الآية ) " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " (الأعراف: من الآية 158 ) وقال عن سيدنا ابراهيم عليه السلام " وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى " (النجم:37 ) واخبر كذلك عز وجل عن نفسه بكلمة الذي في مرات كثيرة يصعب حصرها ومنها قوله تعالى " إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ " (الأعراف:196 ) وهي هنا في الموالاة كآية الولاية تماما اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ " (الرعد:من الآية 2 ) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ " (الأنعام:من الآية 165 ) " الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ " (الشعراء:78 ) ........ " الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ " (الشعراء:218 ) وغيرها الكثير جدا من الآيات فكيف يعبر عن نفسه وعن خليله وعن حبيبه بالذي ثم يعبر عن أحد المؤمنين بالذين وهو على قباحته اذا كان للتعظيم فلا يستساغ لغويا للفرد كما أسلفنا


                التفخيم في القران الكريم :
                لفظ " الذين " وان كان يستخدم للجمع فقد عرف بالاستخدام انه يطلق على الواحد تفخيما وتعظيما وله نظائر في القران الكريم ومنها قوله تعالى ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)(يوسف: الآية3) فمن هم الذين يقصون القصص مع الله سبحانه وتعالى ؟. وقوله تعالى ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )(البقرة: الآية199) وهنا أمر بالإفاضة كما أفاض الناس فمن هم هؤلاء الناس الذين يجب اتباعهم ؟. مع انه قيل أراد به إبراهيم عليه السلام وقيل محمد (ص) . وقوله تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا )(سـبأ: الآية10) فمن هم المقصودين بكلمة ( آتينا ) ؟. إلى الكثير من هذا القبيل .
                أضف إلى ذلك ان حمل الذين آمنوا على العموم لا يفيد شيء لأنه إذا كان كل المؤمنون أولياء لأنفسهم فلا يكون هنالك فائدة من الخطاب . فإذا ذكر جميع المؤمنين بأنهم أولياء أنفسهم فلا فائدة ترجى من ذلك لان هذا شيء معلوم . ولكن حملها على الخاص يعطينا فائدة كبيرة في الخطاب حيث يعلم جميع المخاطبين بان وليكم شخص أو ثلة من الأشخاص . فهنا لا قباحة في المعنى ولا ركاكة .

                تعليق


                • #9
                  سادسا : أيهما أهم الحكم أم الموالاة

                  لم يؤكد الله تعالى على وجوب ولاية الأمر في القرآن قدر ما أكد على وجوب الموالاة والنصرة بين المؤمنين فالحكم وإدارة شئوون الناس من أمور الدنيا تتخذها كل الأمم الكافرة والمؤمنة لأنها من ضروريات حياتهم ولم يخبرنا الله تعالى في القرآن أن تولي أمور المسلمين فضيلة لمن يتولاها فيثيبه الله عليها أو يعاقبه على تركها وأنما الثواب والعقاب على تصرفات الحاكم بعد أن يحكم و الآية تكرار وتأكيد لوجوب الموالاة بين المؤمنين فلقد كرر ربنا الأمر بموالاة المؤمنين والتبري من غيرهم فمن الآيات التي تحض على موالاة المؤمنين قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ " (لأنفال:من الآية 72 ) " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (التوبة:71 ) ووعد بمعاقبة من والى غيرهم كما مر في الايات التي بدأت بها الموضوع


                  موالاة الحاكمية والموالاة للهداية :
                  هنالك فرق بين الموالاة بمعنى الحاكمية والموالاة بقصد الهداية . إذ ان الحكم إنما وضع من قبل الناس لتنظيم الحياة الاجتماعية . فهو في اتجاه آخر يختلف كليا عن اتجاه الهداية المجعولة من قبل الله تعالى . فليس بالضرورة ان يكون الحاكم هادي إلى الله سبحانه وتعالى . ولكن من كانت معه الولاية بمعنى الهداية فمن المحال ان يأخذ اتجاه آخر غير اتجاه الهداية حتى وان اجتمعت معه الحاكمية والولاية التي بمعنى الهداية . تجد هذا المعنى صريحا في القران الكريم وفي آيات كثيرة ومنها على سبيل المثال قوله تعالى ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام:62) . في هذه الآية تجد ان الله سبحانه وتعالى يخبر ان الأمر يرد إلى الله لأنه هو مولاهم الحق أي الهادي إلى الحق وهو أيضا الحاكم عليهم فالله سبحانه وتعالى له الهداية والحكم معا . وقال تعالى ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا)(البقرة: 213) نجد هنا ان الله سبحانه وتعالى إنما بعث الأنبياء منذرين ومبشرين وهنا تكمن الهداية ثم أعطاهم الله الكتاب والحكم حتى يحكموا بين الناس . وقال تعالى ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (آل عمران:79) هنا يتبين استحالة الظلم الحاكم الذي أتاه الله الحكم والنبوة . فإذا أعطى الحكم والنبوة والكتاب فلا يظلل الناس كما يفعل الوالي الذي بمعنى الحاكم المعين من قبل الناس . وقال تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) (النساء:105) وهنا الخطاب لرسول الله (ص) حيث انزل عليه الكتاب لهداية الناس وحتى يحكم بما أعطاه الله سبحانه وتعالى . وهنالك الكثير من الآيات التي تؤكد على وجوب الولاية بمعنى الهداية . فيعلم كل لبيب ان أساس الهداية هو تبيين الحق إلى الناس وإرجاعهم إلى حكم الله سبحانه وتعالى فهو أسرع الحاسبين كما صرحت الآية ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام:62) . والسؤال هنا يقول كيف نرد الأمر إلى الله ؟.
                  لا يمكن ان ترد الحكم إلى الله سبحانه وتعالى مباشرة وإنما يكون عبر أنبيائه ورسله والصالحين فهم الهادين إلى الله المنصبين منه ليحكموا فيما اختلف فيه الناس .

                  الحكم في شؤون الناس :
                  ان ولاية الأمر بمعنى الحاكمية قد تكون مع الظالمين وقد تكون مع الصالحين وهذا الشيء لا خلاف فيه أبدا . ولكن إذا كانت الولاية بمعنى الحكم للهداية فلا يمكن ان تكون إلا مع الصالحين . وهذه الولاية التي بمعنى الهداية تجدها في الله سبحانه وتعالى . لكن الله سبحانه وتعالى اختار من الناس صفوة أعطاهم هذه الولاية وجعلهم طريقا إليه حتى يتمكن الناس من الوصول إلى الله سبحانه عن طريق هذه الصفوة . فلا يمكن ان تجعل هذه الولاية من قبل الناس كما قال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36) فالله هو من يجعلها فيختار من الناس صفوة وهي أنبيائه ورسله وأوليائه الصالحين لأنه من المحال ان يكون الحاكم الظالم هاديا إلى الله سبحانه وتعالى . وإذا ردت الناس شؤون حياتها وأمورها إلى الله وأوليائه ليحكموا فيهم كان لهم الفوز العظيم . ولكن إذا ردت أمورها وشؤون حياتها إلى الظالمين حتى وان كانوا أوليائهم بمعنى انهم حكام لهم فقد ظلوا ظلالا كبيرا .
                  مشكلة فهم العامة لمسألة الحكم والخلافة والولاية :
                  تكمن المشكلة في عامة المسلمين انهم يعتقدون بان الولاية والخلافة تعني الحكم . فالحكم كما قلنا إذا كان من قبل الناس فانه يكون إما لظالم أو لصالح مع ان القران الكريم صرح ان الخيرة لله تعالى حيث قال ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص:68) . متجاهلين المعنى الحقيقي للخلافة الذي يعني الهداية قال الله تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )(البقرة: 30) فهنا الاختيار من الله سبحانه وتعالى لأدم عليه السلام إذ لا يمكن ان يختار الله سبحانه لمنصب الخلافة ظالما . ثم قالت الملائكة ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(البقرة: 30) وهنا أرادت الملائكة بقولها ان الإنسان إنما فيه صفتان هما الإفساد وسفك الدماء ولكن نحن مهتدون إليك ونسبح ونقدس لك ولا نعصيك . فأجابهم الحق تعالى بقوله ( قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)(البقرة: 30) أي انني اعلم ما خفي عنكم وهو وجود الصالحين منهم يهدون منهم إلي .
                  نجد في الآية الشريفة ان الله سبحانه وتعالى جعل ادم خليفة والخليفة هو من يقوم مقام من اخلفه بأمر أي يجب ان يكون الخليفة سنخ لمستخلفه . وبذلك يكون الخليفة مرآة لمستخلفه فيقال ان نبي الله موسى عليه السلام غضب لله تعالى . أي ان غضبه إنما كان كونه خليفة لمستخلفه فهو مرآة لربه فآثار الغضب بانت عليه لغضب مستخلفه. فلو ان ملكا من الملوك كان عادلا وكان وليه أو خليفته في بلد أو منطقة أخرى . فان هذا الخليفة أو الوالي سيعكس عدل مستخلفه وان كان ظالما فسيعكس صورة مستخلفه .
                  إذا فالخليفة صورة لمستخلفه لا تكون من حيث الصورة الجسمية التي تعكسها المرآة وإنما من خلال انه يعكس حكم مستخلفه . فكذلك خليفة الله إنما يعكس عدل وحكم وهداية مستخلفه وهو الله عز وجل إذ من المحال ان يكون حكم الظالم صورة لحكم الله تعالى . ولذلك تجد الصحابة إذا شاهدوا الغضب في وجه رسول الله (ص) يعلمون ان الله سبحانه غاضبا . لان رسول الله (ص) إنما مرآة لمستخلفه فيقولون " نعوذ بالله من غضب الله ورسوله " فهم يرون غضب الله سبحانه وتعالى من خلال مستخلفه وهو رسول الله (ص) .
                  فيتبين من هذه الآية الشريفة ان هذا الخليفة المجعول من الله عز وجل إنما هو حاكم يعكس حكم الله كما تعكس المرآة الأشياء . فهذا الحاكم إنما هو ولي الله في الأرض الأكثر قربا من الله وهذا الطريق إليه إنما هو اقرب الطرق إلى الله تعالى .

                  صفة الحاكم أو الوالي على الناس:
                  ان أساس وجود الإنسان على الأرض للخلافة وإنما جاء هذا الأمر من إرادة إلهية حكيمة حيث قال تعالى ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(البقرة: 30) . ولكن هذا الخليفة له مواصفات وضعها الله سبحانه وتعالى تؤهله لكي يكن خليفة لله تعالى . فلا يمكن ان يكون أي إنسان خليفة وخاصة الظالمين فقد قال الله تعالى حاكيا عن إبراهيم الخليل عليه السلام ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(البقرة: 124) . الآية هنا توضح ان الله اصطفى إبراهيم كي يكون إمام لناس والإمام هو القائد والمقتدى به إلى الله سبحانه وتعالى . فلما طلب إبراهيم هذه الإمامة لذريته قال له الحق تعالى ان هذا الأمر لا يناله الظالمين . فخلافة الأرض لا يمكن ان تكون لظالم . فما هي مواصفات هذا الخليفة المجعول من الله سبحانه وتعالى ؟.
                  هذا السؤال يجيب عليه القران الكريم بشكل جلي ويحدد نقاط يبين فيها مواصفات هذا الخليفة وهي :
                  1- سجود كل الملائكة لهذا الخليفة بحيث يكون هو قبلتهم فقال تعالى ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر:29) .
                  2- ان هذا الخليفة قد تعلم من الله مباشرة حيث قال تعالى ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ )(البقرة: 31) وقال تعالى ( وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(الكهف: 65) .
                  3- ان يكون هذا الخليفة معلما للملائكة حيث قال تعالى ( قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ )(البقرة: 33) .
                  إذا هذا الخليفة امتاز بميزات جعلته قبلة للملائكة ومتعلما من الله ومعلما للملائكة فستحق بهذه الميزات خلافة الأرض حتى يقوم بهداية الناس . ولا أريد من طرح مواصفات الخليفة إلا التنبيه من خلال القرآن الكريم عن صفات الخليفة المنصوب من الله سبحانه وتعالى وليس الخوض في تفاصيل مواصفات الخليفة لان هذا الأمر يطول شرحه .
                  هل ان هداية الناس وإدارة شؤونهم لها مثوبة عظيمة أم أنها لا تستحق كما يقول صاحب الأشكال ؟.
                  القران الكريم يجيب على هذا الأمر بشكل دقيق فيقول ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة:32) .
                  يرى اغلب المفسرون في معنى هذه الآية هو ان من يقتل نفس أي يضلها فكأنما أضل الناس جميعا . كون ان هذا الضال سيظل بقية الناس فهو كالسحابة الصغيرة التي تحجب نور الشمس عن العالم . وبذلك سيعمل على حرفهم عن الطريق الصحيح أو طريق الله سبحانه وتعالى . فيكون إضلاله لهذا الشخص يؤدي إلى ضلال الناس وبذلك يكون قد قتلهم . ومن أحيا نفس ببث نور العلم والحقيقة فيها فهو كمن بث روح الحياة في هذه النفس لان الهداية إنما هي الحياة الأبدية فمن سماه الله حيا فهو لا يموت . فيكون كمن أحيا الناس جميعا لان هذه النفس التي احيها بنور العلم والحقيقة ستعمل على أحياء الناس بتعليمهم وتنوير أنفسهم إلى الحقيقة .
                  فهل نضر هذا إلى هذه الفضيلة التي وضعها الله سبحانه وتعالى لمن يتولى هداية الناس إلى الحقيقة فجعل مثوبته كمن أحيا الناس جميعا . وجعل عقاب من تولى إضلال الناس ولو كان شخصا بأنه كمن قتل الناس جميعا .

                  تعليق


                  • #10
                    سابعا : ربنا ليس عاجزا عن التعبير عما يريد

                    لو أراد الله الولاية أو المحبة والمولاة لشخص واحد من دون المؤمنين فلن يعجزه قول " والذي آمن " بدلا من قول " و الذين آمنوا " فقد قال تعالى عن مؤمن آل فرعون " وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ " (غافر:38 ) فليس من البلاغة ولا من البيان الذي تميز به كلام الله الغموض واستخدام اللفظ في غير محله دون قرينة من كلام الله توضح المقصود منه


                    لقد بينا ان معنى كلمة " ولي " في اللغة هو بمعنى القرب . وقلنا ان كلمة ولي تعني المتصدي أو الأولى بالشيء في جميع معانيها التسعة ومن ضمنها المحبة والنصرة .
                    كما ان الله سبحاه وتعالى ليس بعاجز عن القول " والذي آمن " بدل " والذين آمنوا " . وحتى ان استخدمت كلمة " والذين آمنوا " في البلاغة لشخص واحد فهذا لا يضر بالبلاغة أبدا . تجد مثل هذا المعنى كثير في القران الكريم كقوله (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ )(يوسف: 3) ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ)(الكهف: من الآية13) ( لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)(طـه: 132) ( إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)(القصص: 58) ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا)(يّـس: 12) ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) (قّ:43) ( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ) (الواقعة:57) ( أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) (الواقعة:59) ( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً) (الإنسان:28) .
                    فهل يستطيع احد ان يقول مع الله رازق ومحيي ومميت وخالق لان كل الآيات ذكرت هذه الصفات مسبوقة بنحن . فإذا ذكرت كلمة نحن فقد ذكرت لتعظيم كما أسلفنا . فإما ان تكون بهذا المعنى وهو التعظيم أو يكون هنالك خلل في بلاغة القران الكريم فإذا لم يرد بها التعظيم فمن هم الخالقون والرازقون والمميتون والمحيون مع الله سبحانه وتعالى ؟.
                    على ان كلمة " والذين آمنوا " قرنت ببيان واضح جلي وهو " الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " .
                    لماذا قال الله تعالى " والذين آمنوا " ولم يقل " الذي آمن " ؟.

                    ان الله سبحانه وتعالى ماض أمره قال تعالى ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32) . فجعل في كتابه رموزا لا يفقه معناها وبيان تأويلها إلا الراسخون في العلم فقد قال تعالى ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ )(آل عمران: 7) . فجعل هذه الرموز التي لا يعلمها إلا هو وأنبيائه والراسخون في العلم لعلمه بما يحدثه المبدلون والمنافقون فقد قال تعالى ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة:79) وقال تعالى ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (الانشقاق:19) أي لتتبعون ما فعله اليهود والنصارى من تحريف الكتاب والكتابة بأيديكم خلاف ما يقوله الله سبحانه وتعالى وستسقطون آيات الكتاب الحكيم . فتولى الله سبحانه حفظه من إسقاط بعض آياته فقال ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) وذلك بان جعل فيه رموزا لا يعرفها إلا هو ورسله والراسخون في العلم ويكفينا جواب الإمام علي عليه السلام على الزنديق في هذه الفقرة :
                    - الاحتجاج - الشيخ الطبرسي ج 1 ص 376 :
                    " جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره ، وغير أنبيائه وحججه في أرضه ، لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون ، من : إسقاط أسماء حججه منه ، وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم ، فاثبت به الرموز ، وأعمى قلوبهم وأبصارهم ، لما عليهم في تركها وترك غيرها ، من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه ، وجعل أهل الكتاب المقيمين به ، والعالمين بظاهره وباطنه من : شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، أي : يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت ، وجعل أعدائها ، أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم ، فأبى الله إلا ان يتم نوره ، ولو علم المنافقون لعنهم الله : ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها ، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ، ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه ، كما قال الله تعالى ، " فلله الحجة البالغة " أغشى أبصارهم ، وجعل على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك ، فتركوه بحاله ، وحجبوا عن تأكيد الملتبس بإبطاله ، فالسعداء ينهون عليه ، والأشقياء يعمون عنه ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور . ثم ان الله جل ذكره لسعة رحمته ، ورأفته بخلقه ، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه ، قسم كلامه ثلاثة أقسام ، فجعل قسما منه : يعرفه العالم والجاهل وقسما : لا يعرفه إلا من صفى ذهنه ، ولطف حسه ، وصح تميزه ، ممن شرح الله صدره للإسلام ، وقسما : لا يعرفه إلا الله ، وأمناؤه ، والراسخون في العلم ، وإنما فعل الله ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه واله من علم الكتاب ما لم يجعل الله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته ، تعزرا وافتراء على الله عز وجل ، واغترارا بكثرة من ظاهرهم ، وعاونهم ، وعاند الله عز وجل ورسوله فإما ما علمه الجاهل والعالم ، فمن فضل رسول الله في كتاب الله ، فهو قول الله عز وجل : " من يطع الرسول فقد أطاع الله " وقوله : " ان الله وملائكته يصلون على النبي يـا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قولـه : " صلوا عليه " والباطن قوله : " وسلموا تسليما " أي سلموا لمن وصاه واستخلفه ، وفضله عليكم ، وما عهد به إليه تسليما ، وهذا مما أخبرتك : انه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه ، وصفى ذهنه ، وصح تمييزه ، وكذلك قوله : " سلام على آل يس " لأن الله سمى به النبي صلى الله عليه واله حيث قال : " يس والقرآن الحكيم * انك لمن المرسلين " لعلمه بأنهم يسقطون قول الله : سلام على آل محمد كما اسقطوا غيره ، وما زال رسول الله صلى الله عليه واله يتألفهم ، ويقربهم ، ويجلسهم عن يمينه وشماله ، حتى أذن الله عز وجل في إبعادهم بقوله : " واهجرهم هجرا جميلا " وبقوله ، " فما للذين كفروا قبلك مهطعين * عن اليمين وعن الشمال عزين * أيطمع كل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا انا خلقناهم مما يعلمون " وكذلك قـول الله عـز وجل : " يوم ندعو كل أناس بإمامهم " ولم يسم بأسمائهم . وأسماء آبائهم وأمهاتهم " .

                    تعليق


                    • #11
                      ثامنا : إنما للحصر وتحمل معنى ليس الا

                      قال تعالى " إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً " (طـه:98 ) أي ليس لكم إله الا الله فلو طبقنا ذلك على الآية " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ " على إفتراض المعنى الذي تذهب اليه الإمامية لصار المعنى ليس لكم واليا الا الله ورسوله وعلي وهذا بالإضافة الى قبحه في حق الله عز وجل كما تقدم فإنه يحصر الولاية في سيدنا علي بعد وفاة سيدنا محمد فلا يستطيع أحد أن يتولى بعده حتى ولده لأن الولاية قد حصرت فيه فقط فتصبح الأمة بعد موته كالرعية بدون راعي وهذا ليس من مصلحة الأمة في شئ لأنها ستدخل في حيرة كالتي دخلها بنو عمنا الإمامية بعد غيبة إمامهم


                      معنى كلمة " إنما " : كلمة إنما مركبة من كلمتين " إن " للإثبات و " ما " لنفي فهي تثبت في الآية الشريفة الألوهية لله عز جل وتنفيها عن غيره . وكذلك في آية الولاية فهي تثبت الولاية لله ولرسوله والذين آمنوا وتنفيها عن غيرهم . فتقول ان الأولى والأحق بزمام الأمور هو الله ورسوله والذين آمنوا وتنفيها عن غيرهم وبذلك تحصر هذه الولاية فيهم فقط وتنفيها عن غيرهم . فنجد ان كلمة " إنما " تخصص ولاية الأمر والأحقية في التصرف لله ولرسوله والذين أمنوا . فلو قلت لك " إنما لك عندي درهم " أي نفي ما زاد على الدرهم . وذا قيل " إنما السخاء حاتم " أي نفي السخاء عن غيره . وإذا قيل " إنما النحاة المدققون البصريون " أي نفي التدقيق عن غيرهم وهكذا .
                      وقد قال الأعشى :
                      ولست بالأكثر منهم حصى ****** وإنما العزة للكثار

                      أراد نفي العزة عمن ليس بكثار . وروي عن رسول الله (ص) قال ( إنما الماء من الماء ) أي إنما وجوب الاغتسال من نزول المني . وأحتج الأنصار في نفي الماء من غير الماء وادعى مخالفوهم نسخ الخبر . فعلم انهم فهموا منه التخصيص وإلا كانوا يقولون " إنما " لا تفيد الاختصاص بوجوب الماء من الماء .
                      وقال تعالى ( يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي)(لأعراف: 187) فرسول الله في هذه الآية يثبت علم الساعة عند الله وينفي علمها عند غيره تعالى فهو يحصر علم الساعة وخصه لله تعالى فقط دون غيره .
                      لمن الولاية بعد أمير المؤمنين علي عليه السلام :
                      ان مذهب أهل البيت عليهم السلام المعروف بالأمامية إنما هو المذهب الوحيد الذي ثبت على رأي لا خلاف فيه من ناحية الأحكام الشرعية القطعية والمعتقدات والمعارف الإلهية كالتوحيد والنبوة والميعاد في حين ان الفرق الإسلامية الأخرى اختلفت في هذه المعارف وان اتفقت مع الأمامية بالأيمان بها .
                      وعلى سبيل المثال لنلتفت إلى القضية المختلف فيها ما بين الفرقتين الشيعة والسنة وهي مسالة الإمامة أو الخلافة والولاية بعد رسول الله (ص) . التي قال صاحب الشبهة إننا وقعنا في حيرة واضطراب بعد غيبة الإمام عليه السلام . لنجد ان الفرقة الشيعية الأمامية تقول برأي فيها وهي ان الإمامة والخلافة إنما هي منصب الهي معين من قبل الله عز وجل . فالخليفة معين من قبل الله عز وجل وقد انزل بذلك نص صريح لا يقبل التأويل . ولذلك حددت الخلفاء المعينين من الرسول (ص) من قبل الله عز وجل فنص عليهم رسول الله (ص) وكل إمام نص على من بعده . إذ ان حكم الله هو النافذ الذي لا يختلف فيه إلا من تغلب عليه هواه وحكم بغير ما انزل الله سبحانه وتعالى حيث قال ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ )(البقرة: 143) .
                      أما ما يقوله أنها محصورة في الإمام علي عليه السلام فهذا صحيح في زمنه ولكن أمير المؤمنين عليه السلام نص بمن يكون بعده . فإذا سلم صاحب الإشكال بان أمير المؤمنين ولي الأمر على الناس فقد عرف انه المتصرف الوحيد بهذا الشان فيعهده إلى من يستحقها لأنه العارف بمن يهدي الناس من بعده . وهذا ما فعله رسول الله (ص) من عهده لأمير المؤمنين عليه السلام .
                      عندما استبدل رسول الله (ص) كلمة " محمد رسول الله " إلى " محمد ابن عبد الله " وذلك في صلح الحديبية كان رسول الله (ص) هو اصل الرسالة أي له الأحقية في التصرف فيها لأنه متصل بالوحي . فكذلك شان الأمة هو المتصرف فيه والى من يعهده . فإذا عهده إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو العارف به فأمير المؤمنين عليه السلام عارف بمن يعهده من بعده .
                      ولكن تجد معنى الإمامة في الفرق الإسلامية الأخرى متشتت ومضطرب لا يثبت على رأي ولا على طريق واحد ومن هذا الأمر نجد لهم عدة أقوال وطرق ومنها :
                      1- نظام الشورى : منهم من قال ان اختيار الخليفة إنما يكون من خلال أصحاب الحل والعقد أي مبدأ الشورى . لكن هذا المبدأ له عدة أشكال فهو يكون ابتداء كما حصل في بيعة أبى بكر والإمام علي عليه السلام . أو يكون من خلال تعيين عدد معين يختارهم الخليفة لشورى كما فعل عمر ابن الخطاب عندما اختار ستة من الصحابة الشورى .
                      2-العهد : وهو ان ينص الخليفة على الخليفة الذي بعده قبل ان يموت وله عدة أشكال . فمنهم من عهد لواحد فقط كما فعل أبو بكر عندما عهد إلى عمر . أو ان يعهد الخليفة لعدة أشخاص كما فعل عمر عندما عهد إلى ستة أشخاص يكون الخليفة واحد منهم بالانتخاب . أو ان يعهد لاثنين أو اكثر فيقول الخليفة من بعدي فلان ثم فلان ثم فلان كما فعل سليمان ابن عبد الملك فقد عهد إلى عمر ابن عبد العزيز ثم من بعده إلى يزيد ابن عبد الملك .
                      3-القهر والاستيلاء : وهذا يكون بالسيف والغلبة كما قال به الإمام احمد " الإمامة لمن غلب " ( الأحكام السلطانية، للفراء: 20، 22، 23 )
                      وإذا نظرنا إلى هذه الوجوه والآراء فإننا لا نجد لها أي دليل شرعي أبدا ولا نجدها عند فقهاء الصحابة . أضف إلى هذا الأمر ان هذه الأمور لم تتحقق فبيعة أبى بكر لم تتحقق عندما وصفها عمر بأنها فلتة من الجاهلية . فإذا كانت فلتة وقى الله شرها وأمر بقتل من يقوم بتكرارها فإننا نجد أن بالأصل لم تكن شرعية فلو كانت شرعية لما قال عمر أو وصفها بأنها فلتة من الجاهلية وأمر بقتل من يعود إليها .
                      كما أننا نجد ان من مبررات البيعة لأبي بكر إنما كان الخوف من الفتنة والاضطراب الذي قد يحل بالأمة بعد وفاة نبيها (ص) . وخلو الأمة من الحاكم والولي الشرعي الهادي للامة حتى انهم لم ينتظروا حضور الكثير من الصحابة ومن جملتهم أهل البيت الذين كانوا يجهزون رسول الله (ص) . فكان حرصهم على مصلحة الأمة أنساهم رسول الله (ص) المسجى على المغتسل . وهذا أمر جيد عندهم ولكن في رأيهم الثالث بشأن الخلافة وهو ان الخلافة تكون بالقهر والاستيلاء يسقط هذا الحرص لان القهر والاستيلاء إنما كان بالسيف وهذا ما يدمر الأمة ويشعل فيها الفتن والاضطراب .
                      ان مذهب أهل البيت عليهم السلام واقصد به المذهب الجعفري هو المذهب الوحيد الذي قال بطريق واحد غير مضطرب بشان الخلافة والإمامة . وهو الثابت عندهم بلا خلاف وليس كما يقول الكاتب بان التصدق بالخاتم إنما هو أمر غير ثابت . فقد سلكت الفرقة الأمامية هذا المسلك مثبتة فيه أقوالها من مصادرها القطعية وان احتجت بمصادر العامة فهذا لا يعني ضعف دلائلها وإنما كان الاحتجاج برأيها وإثباته من كتب مخالفيها . وليست آية الولاية هي الوحيدة في إثبات ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام إنما هنالك عدة آيات وأحاديث ودلائل نقلية وعقلية قاطعة لا يشك فيها تدل على ولايته المطلقة على الأمة الإسلامية . فآية الولاية قيض من فيض على إمامة علي أمير المؤمنين عليه السلام .

                      تعليق


                      • #12
                        تاسعا : مناقشة حديث التصدق بالخاتم

                        يعتمد الإمامية الإثني عشرية على حديث تصدق سيدنا علي بخاتمه أثناء ركوعه لتفسير الآية وعلى إفتراض صحة الحديث فهناك أكثر من تحفظ على ذلك الإستدلال - الآية تتحدث عن الزكاة الواجبة " يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " وهم يقولون تصدق بخاتمه وليس التصدق كالزكاة - لا مشروعية لإيتاء الزكاة الواجبة أو صدقة التطوع أثناء الصلاة لأنها خارج الصلاة - ذكر الله أن من صفات المؤمنين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الخضوع والتذلل لله تعالى فالركوع هنا بمعنى الخضوع وهو كقوله تعالى " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " (البقرة: 43 ) فالمطلوب هنا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والخضوع التام لله" يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ " (آل عمران:43 ) ولايزعم أحد هنا أن السيدة مريم مطالبة بالركوع مع الرجال جماعة - أنه بالاستدلال بدليل خارجي على معنى الآية تصبح الآية غير محكمة لأن المحكم هو ما أستغنى بنفسه لإيصال المعنى وهم يجعلون إمامة سيدنا علي وولده أهم أركان الاسلام فلزم أن يكون عليها آية محكمة تدعو اليها شأنها شأن كل الأركان والواجبات التي يجازى فاعلها بالجنة ويعاقب منكرها بالنار ولا أقل من ذلك لعقيدة بمثل هذه الخطورة


                        معنى الزكاة :
                        قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) (الشمس:9) فمعنى زكاها أي نماها . والمقصود في الآية الشريفة ان الإنسان إذا زكى نفسه وطهرها فسيفلح لأنه بهذا الأمر قد نماها وزادها طهارة ورفعة .

                        هل ان الصدقة غير الزكاة ؟.
                        أطلق لفظ الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة عند الفقهاء . كون دفع الأموال في الأمور المندوبة والواجبة إنما هو تنمية للأموال فسميت زكاة التطوع أو المندوبة أو النافلة بالصدقة . وسمية الزكاة الواجبة بالفريضة .
                        مشروعية الفعل في الصلاة :
                        ان الفعل المنافي للصلاة هو ذلك الفعل الذي يمحي صورة الصلاة . ولكن تصدق الإمام علي عليه السلام إنما كان مد الخنصر بحيث فهم السائل هذا الإيماء فسحب الخاتم من يده الشريفة . ولذلك ذكر الله هذه الصدقة على أنها زكاة تعظيما لهذا الفعل فعظمه وجعل ثوابه مثل ثواب الزكاة . ومن جهة أخرى فنحن لا ندري لربما كانت على أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك الوقت زكاة واجبة أي بلوغ النصاب في ماله عليه السلام . أما بشان الصلاة فربما كانت الصلاة تطوعية وليست فريضة . وقد قال به فقاء السنة وقالوا بأفعال اكثر من الزكاة في الصلاة :
                        1- حاشية السندي على النسائي - ابن عبد الهادي ج 2 ص 59
                        ذكره في فتح الباري وإنما صلى ليراه الناس كلهم بخلاف ما إذا كان على الأرض فإنه يراه بعض دون بعض ثم نزل عن درجات المنبر ومشى إلى ورائه حتى صار بحيث يكون رأسه وقت السجود متصلا بأصل المنبر فسجد كذلك والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف ثم عاد إلى درجات المنبر بعد القيام من السجدة الثانية وهذا العمل القليل لا يبطل الصلاة وقد فعله صلى الله تعالى عليه وسلم لبيان كيفية الصلاة وجواز هذا العمل فلا إشكال ويفهم منه ان نظر المقتدى إلى أمامه جائز لتأتموا أي لتقتدوا ولتعلموا من التعلم أي العلم والله تعالى أعلم .
                        فهل هذا العمل الذي فيه خطوات ومشي لا يبطل الصلاة وتحريك أو الإيماء بالخنصر يبطل الصلاة ويخرج فاعله من الصلاة .
                        2- تفسير القرطبي - القرطبي ج 6 ص 222 :
                        وقال ابن خويزمنداد قوله تعالى : " ويؤتون الزكاة وهم راكعون " تضمنت جواز العمل اليسير في الصلاة ، وذلك أن هذا خرج مخرج المدح ، وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحا ، وقد روي أن [ علي بن أبي طالب ] رضي الله عنه أعطى السائل شيئا وهو في الصلاة ، وقد يجوز أن يكون هذه صلاة تطوع ، وذلك أنه مكروه في الفرض .

                        3- فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 4 ص 342 :
                        روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلي خلف الصف " أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف فيصلى معك أعد صلاتك " قالوا وإنما يجره بعد ان يتحرم بالصلاة ويستحب للمجرور ان يساعده وذلك مما يدل علي ان العمل القليل لا يبطل .
                        وهنا نجد ان في الصلاة ان المصلين يسحبون بعضهم من صف إلى صف آخر وهذا الأمر لا يبطل الصلاة فكيف بمن تصدق برفع خنصره فهو ثابت أما السحب فيوجب تحرك المصلي من مكان لآخر .
                        4- شرح مسلم - النووي ج 6 ص 208 :
                        ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه فيه أن العمل القليل لا يبطل الصلاة وضبط أصحابنا القليل بما دون ثلاث خطوات متتابعات وقالوا الثلاث متتابعات تبطلها ويتأولون هذا الحديث على أن الخطوات كانت متفرقة لا متوالية ولا يصح تأويله على أنه كان خطوتين لأن قوله انتهينا إلى النساء يخالفه . وهنا أيضا يذكرون ان الخطوتين في الصلاة لا تبطل الصلاة ولا تخرج من الصلاة .

                        معنى الركوع :
                        صحاح الجواهري : الركوع الانحناء ومنه الركوع لصلاة . وركع الشيخ : انحنى من كبره .
                        وليس لأحد أن يقول المراد بالركوع في الآية الخشوع دون الركوع في الصلاة ، وذلك أن المعروف في اللغة من معنى الركوع هو التطأطؤ المخصوص وشبه به الخضوع والخشوع ، وقد نص على ذلك أهل اللغة ،
                        أنشد صاحب كتاب العين للبيد :
                        أخبر أخبار القرون التي مضت ****** أدر كأني كلما قمت راكع

                        وقال صاحب الجمهرة : الراكع الذي يكبو لوجهه ، ومنه الركوع في الصلاة . فإذا كانت الحقيقة ما قلناه فلا يجوز حملها على المجاز .
                        معنى الركوع في الآية الشريفة :
                        قال تعالى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55) الآية الشريفة تصف الذين آمنوا بأنهم مقيمين لصلاة وانهم يأتون الزكاة في حال الركوع . ولا معنى هنا ان نحمل الركوع بمعنى الخضوع والخشوع . فعندما نقول " شاهدت زيدا مسافرا وهو راكب " فلا يمكن ان تكون مشاهدتي له في حال غير الركوب أو في موضع غير الركوب . وعندما أقول " أتيت زيدا وهو نائم " فلا يمكن ان يكون زيدا عندما أتيته في غير حال النوم أو في موضع غير النوم .
                        ولا معنى ان يصف الله تعالى هؤلاء المؤمنون بقوله يقيمون الصلاة وهم بغير الخشوع والخضوع فوصفه لهم بقيام الصلاة إنما كان بعد خشوعهم وتذللهم له ثم عندما يأتون الزكاة يقال انهم خاضعون وخاشعون . فلا معنى بان يصفهم بقيام الصلاة ثم بإيتاء الزكاة ثم يرجع ليصف صلاتهم بأنها بخضوع وخشوع .

                        هل كانت مريم عليها السلام تسجد وتركع مع الراكعين ؟
                        قال تعالى ( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (آل عمران:43)
                        معنى القنوت : صحاح الجواهري :
                        القنوت : الطاعة. هذا هو الأصل ومنه قوله تعالى : (والقانتين والقانتات ) ثم سمي القيام في الصلاة قنوتا . وفي الحديث " أفضل الصلاة طول القنوت " ومنه قنوت الوتر .
                        معنى السجود : صحاح الجواهري :
                        سجد : خضع . ومنه سجود الصلاة وهو وضع الجبهة على الأرض وأسجد الرجل : طأطأ رأسه وانحنى .
                        أما الركوع فقد بينا معناه سابقا .
                        ومن هنا يتبين ان القنوت والسجود والركوع في الآية إنما هي أفعال تعبدية في الصلاة . إذ ان الله سبحانه وتعالى يأمر السيدة مريم عليها السلام بالقنوت أي إطالة القيام في الصلاة والسجود ثم الركوع . والسجود هو اشد انخفاضا من الركوع وهنا قدم السجود على الركوع لان الواو لا توجب الترتيب نظيرة التثنية إذا اتفقت الصفاة والأسماء . فإذا قلت مثلا " جاءني زيد وعمرو " فلو جمعت بينهما في الخبر لو قلت " جاءني الزيدان " .

                        أما قوله ( وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) فله قولان أما ان يكون معناه افعلي ما يفعلون أو كما قال الجبائي : في صلاة الجماعة . وليس كما قال صاحب الإشكال " ولا يزعم أحد هنا أن السيدة مريم مطالبة بالركوع مع الرجال جماعة " فهذا الزعم إنما هو من زعمه هو وإلا ما يؤيد قولنا هو ما يقلوله علمائه :

                        - تفسير ابن كثير - ابن كثير ج 1 ص 371 :
                        قال مجاهد : كانت مريم عليها السلام تقوم حتى تتورم كعباها والقنوت هو طول الركوع في الصلاة يعني امتثالا لقول الله تعالى " يا مريم اقنتي لربك " قال الحسن : يعني اعبدي لربك " واسجدي واركعي مع الراكعين " أي كوني منهم وقال الاوزاعي : ركدت في محرابها راكعة وساجدة وقائمة حتى نزل ماء الأصفر في قدميها رضي الله عنها وأرضاها . وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمتها من طريق محمد بن يونس الكديمي وفيه مقال : ثنا علي بن بحر بن بري ثنا الوليد بن مسلم عن الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير في قوله : " يا مريم اقنتي لربك واسجدي " قال : سجدت حتى نزل الماء الأصفر في عينيها .

                        - تفسير الجلالين- المحلي ، السيوطي ص 72 :
                        ( واسجدي واركعي مع الراكعين ) * أي صلي مع المصلين .

                        - تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ج 74 ص 348 :
                        " يا مريم اقنتي لربك يعني صلي لربك يقول اذكري لربك في الصلاة بطول القيام فكانت تقوم حتى ورمت قدماها واسجدي واركعي مع الراكعين " يعني مع المصلين مع قراء بيت المقدس .

                        - البداية والنهاية - ابن كثير ج 2 ص 70 :
                        يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها بأن اختارها لايجاد ولد منها من غير أب وبشرت بأن يكون نبيا شريفا ( يكلم الناس في المهد ) أي في صغره يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وكذلك في حال كهولته فدل على أنه يبلغ الكهولة ويدعو إلى الله فيها وأمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلا لهذه الكرامة ولتقوم بشكر هذه النعمة فيقال إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رضي الله عنها ورحمها ورحم أمها وأباها .

                        - قصص الأنبياء - ابن كثير ج 2 ص 374 :
                        ، وأمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلا لهذه الكرامة ولتقوم بشكر هذه النعمة ، فيقال إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رضى الله عنها ورحمها ورحم أمها وأباها .
                        ومن هنا نجد ان صاحب الإشكال لم يكن موفقا في استدلاله في الآية التي أمرت مريم بالقنوت والسجود والركوع . ولو كان مطلعا لما يقوله علمائه أو ما تقوله كتبه لما وقع في هذا الخطأ الكبير .

                        تعليق


                        • #13
                          بارك الله فيكم كثيرا

                          تعليق


                          • #14
                            عاشرا : الولي غير ولي الأمر

                            لم تأت كلمة ولي في القرآن الكريم بمعنى حاكم أو وال على المسلمين إطلاقا الا مقرونه بكلمة الأمر " أولي الأمر " ولا نجد في الآية الا كلمة " ولي " وهي من الولاية بفتح الواو كما مر وهي النصرة وليست ولاية الأمر .


                            لقد ورد لفظ أولى الأمر في القران الكريم مرتان في آيتين منفصلتين هما :
                            الآية الأولى قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59) في هذه الآية الشريفة رتب الله سبحانه وتعالى طاعته ثم طاعة الرسول (ص) ثم أولي الأمر وقرن طاعته بطاعة الرسول (ص) ثم قرن طاعة رسوله بطاعة أولى الأمر .
                            طاعة الله ورسوله أمر واضح لا غبار فيه ولكن أولي الأمر وقع فيه الإشكال والاختلاف في من هم . فذهب أهل العامة وهم المذاهب الأربعة الإسلامية على ان أولي الأمر هم أصحاب الإمارة والحكم . فأوجبوا طاعتهم باستدلال الآية الشريفة التي تأمر بطاعة أولي الأمر . وقالوا بطاعة الحاكم حتى وان كان ظالما أو فاسقا أو باغيا أو جاهلا وغافلا . إلا ان الأمامية قالت بان أولي الأمر المفترضين لطاعة هم أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . والمؤيد لذلك هو :
                            1-العقل : فالعقل يحكم بان أولي الأمر المفترضين الطاعة لابد ان يكونوا معصومين . فلا يمكن ان يأمر الله ورسوله بإطاعة من يخطئون أما عمدا أو جهلا أو سهوا أو ان يكونوا فساقا وظلمة . فلو حكم ولي الأمر بنهي يأمر به الله ورسوله أو أمر بشيء ينهى الله ورسوله عنه سهوا أو جهلا أو عمدا أو من خلال اتباع هواه فهنا يلزم التنافي والتناقض . كما ان العقل يحكم بتعيين من هم أولي الأمر من قبل الرسول كما عين الصلاة والصوم والزكاة . لأنه ان لم يعين فلربنا يدعيها فلان وفلان .
                            2-القران الكريم : قوله تعالى ( وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(الإنسان: 24) وقوله تعالى ( وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)(المائدة: 77) . ففي الآيتين إشارة إلى عدم إطاعة أصحاب الآثام والكفر أو الضالين منهم حتى وان كانوا من الحكام وأصحاب الإمارة . وهنالك الكثير من الآيات ولكن نكتفي باثنتين لتوضيح .
                            3-السنة : فقد أورد البخاري في (باب كتاب الجهاد - ج2 ص60 ) عن رسول الله (ص) قال : ( السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة ). فالسمع والطاعة كما في الحديث حق لكن إذا صاحبه معصية فلا يجب هنا الطاعة حتى لو كانت لحاكم .
                            أما الآية الثانية فقوله تعالى : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83)
                            في هذه الآية الشريفة تقول انه إذا جاء أمر من الأمن أو المخافة أذاعوا به أي أظهروه ونادوا به في الناس بسبب الخوف مما يسبب ضعف ويعلم المنافقين بهذا الضعف . ولكنهم لو ردوه إلى الرسول أو أولي الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم أي لعلمه القادرين على استنباط الحكم الشرعي واستخراجه من القران الكريم . فقالوا بما يجب إيذاعه وبما لا يجب اذاعه بين الناس . وليس بالضرورة هنا ان يكون الناس كلهم علماء وبذلك نستنتج من الآية ان أولي الأمر هم فئة عالمة وقادرة على استنباط واستخراج الحكم الشرعي .
                            الإنستنتج من الآيتين السابقتين ما يلي :
                            1- ان أولي الأمر الذين قرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله إنما هم فئة قادرة على استنباط الحكم الشرعي واستخراجه من الكتاب العزيز.
                            2- ان أولي الأمر في الآيتين السابقتين لابد ان يكونوا معصومين عن الغفلة والسهو والغلط في توجيه الناس وان لا يكونوا فاسقين أو ظالمين . لان طاعة الناس لهم إنما هي طاعة لله ولرسوله فإذا لم يكن حكمهم وإرشادهم موافق لأمر ونهي الله فلا تجب هنا طاعتهم .
                            3- ليس المقصود من أولي الأمر في الآيتين السابقتين الحاكم أو صاحب الإمارة . وإنما هو الأولى بأمور الناس في كل النواحي سواء شرعية أو اجتماعية أو إرشادية وهذا لا يقتصر على الحاكم أو غيره .
                            لسان العرب - ابن منظور ج 11 ص 27 :
                            وأولي الأمر منكم ، قال أبو إسحق : هم أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ومن اتبعهم من أهل العلم ، وقد قيل : إنهم الأمراء ، والأمراء إذا كانوا أولي علم ودين وآخذين بما يقوله أهل العلم فطاعتهم فريضة ، وجملة أولي الأمر من المسلمين من يقوم بشأنهم في أمر دينهم وجميع ما أدى إلى صلاحهم .
                            4-ان أولي الأمر منصبين من الله سبحانه وتعالى وهذا ما يدل عليه ذيل الآية الثانية في قوله (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً ) فكان فضله بان جعل بينكم رسولا وأولي أمر من بعده ولولا فضله عليكم ورحمته بكم لاتبعتم الشيطان إلا قليلا منكم .
                            الخلاصة : لم تثبت العصمة على أحد من الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلا في علي أمير المؤمنين عليه السلام . فقال رسول الله (ص) ( أنا مدينة العمل وعلي بابها ) وكذلك حديث الثقلين وغيرها من الأحاديث . وحتى ان قيل ان أولي الأمر هم الصحابة أو أمراء الجيش أو أصحاب العلم . فأمير المؤمنين علي عليه السلام لم يذكر التاريخ بوجود اعلم منه في زمن رسول الله (ص) بين الصحابة ولذاك قـال الرسول (ص) ( أقضاكم علي ) . كما انه لم يذكر التاريخ من تأمر على الإمام علي عليه السلام في الغزوات مثلما تأمر على جل الصحابة كأمثال تأمر أسامة ابن زيد على كل الصحابة عندما عقد له رسول الله (ص) اللواء لمحاربة الروم في آخر حياته . فيتبين لنا ان أولي الأمر هم علي وولده عليهم السلام كونهم معصومين عارفين بكتاب الله تعالى كما قال رسول الله (ص) ( علي مع القران والقران مع علي ) مقرونين بالكتاب معصومين كما هو معصوم وهم عدله كما في حديث الثقلين .

                            تعليق


                            • #15
                              لله درك فعلا بحث رائع جدا

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X