لا أنصح بقراءة الموضوع من على الشاشة .. اطبع الموضوع و اقراه على راحتك
أـ مرحلة الطفولة
ولد الإمام الخميني (س) عام 1902م (1320 ه.ق / 1281 ه.ش) في مدينة "خمين" التي تقع على بعد 349 كليومتر جنوب غربي طهران، في عائلة متدينة. و بعد ستة أشهر من ولادته استشهد أبوه "آية الله السيد مصطفى الموسوي" على يد عملاء الحكومة. أمه هي السيدة هاجر، و هي من عائلة عرفت بالعلم و التقوى، و في عام 1908 م (1326 ه) توفيت أثر المرض. ففقد الإمام الخميني والدته و هو في السادسة من عمره، فكفلته عمته "السيدة صاحبه" حتى بلغ عامة الخامسة عشر، حيث فقد عمته أيضا. لذا فقد عاش الإمام صعوبة اليتم منذ طفولته، و عرف مفهوم الشهادة منذ صغره، و كانت هذه العوامل مؤثرة في تكوين شخصيته.
مرحلة الدراسة
درس مقدمات العلوم في مدينة خمين كالأدب العربي و المنطق و أصول الفقه، و عند ما بلغ سنة التاسعة عشر عام 1921 م (1339 ه) توجه إلى الحوزة العلمية بمدينة "أراك" و بعد عام من الدراسة فيها توجه إلى مدينة قم المقدسة، فأكمل دروسه السابقة، و درس علوم الرياضيات و الهيئة و الفلسفة عند الفقهاء و المجتهدين، إضافة إلى دروس الأخلاق و العرفان، حيث طوى أعلى دروس العرفان النظري و العملي في مدة ستة سنوات عند المرحوم آية الله الميرزا محمد علي الشاهآبادى. و بدأ إلقاء المحاضرات و الدروس على تلامذته عند بلوغه سن السابعة و العشرين عام 1929 م (1347 ه) بتدريس الفلسفة الإسلامية و العرفان النظري و الفقه و أصول الفقه و الأخلاق الإسلامية. و استمر بتدريس هذه المباحث طوال إقامته في مدينة قم .
مرحلة الجهاد و الثورة
الوثائق الموجودة تشير إلى أن سماحة الإمام الخميني (س) في شبابه و طوال سني دراسته كان يحارب المفاسد الاجتماعية و الانحرافات الفكرية و الأخلاقية، و في عام 1943 م دون و نشر كتابه "كشف الأسرار" سرد فيه فضائح الملك "رضاشاه" طوال عشرين عاما، و رد على شبهات المنحرفين دفاعا عن الإسلام و العلماء، و طرح فكرة الحكومة الإسلامية و ضرورة الثورة لإقامتها في كتابه هذا. و في العام 1961 م بدأ بالنضال العلني ضد الحكم الملكي، عند ما اعترض على لائحة كانت تحمل في طياتها إبعاد الإسلام عن القوانين. و قد كانت الحكومة آنذاك قد صادقت على هذه اللائحة، فتحرك الإمام الخميني معارضا هذه اللائحة، داعيا المراجع و الحوزات العلمية و الشعب إلى القيام ضدها، و وجه برقيات شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء، و القى عدة خطب لفضح أهداف هذه اللائحة، و أصدر بيانات متعددة، و انطلقت تحركات المراجع، و مظاهرات الناس من مدينة قم و طهران و سائر المدن. مما اضطر النظام الملكي إلى إلغاء هذه اللائحة، و التراجع عن مواقفه. و استمر الإمام الخميني في معارضته لنظام الملك.
و بتاريخ 22/3/1963 م شن النظام الملكي هجومه الشرس على مدرسة العلوم الإسلامية الفيضية بمدينة قم المقدسة فقتل العديد من طلاب العلوم الدينية، و انتشرت خطب الإمام الخميني و بياناته حول هذه الفاجعة في أنحاء إيران.
و عصر يوم العاشر من محرم عام 1383 ه (2/6/1963 م) ألقى الإمام كلمة غاضبة فضح فيها العلاقات السرية بين نظام الملك و الكيان الصهيوني . و في نفس الليلة قامت القوات الخاصة لنظام الملك بمحاصرة بيت الإمام الخميني، و اعتقلوا الإمام و اقتادوه إلى طهران. لكن خبر اعتقال الإمام انتشر بسرعة في أنحاء إيران، و ما أن طلعت شمس اليوم التالي، حتى انطلقت الجماهير إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة، و كانت أكبر تلك المظاهرات في مدينة قم، حيث اعترضتها قوات النظام بشدة، و سقط عدة شهداء، و في طهران أعلن الملك الأحكام العرفية، و قمعت المظاهرات في ذلك اليوم و اليوم الذي تلاه، و أقدمت الحكومة العسكرية على قتل الآلاف العزل. و كانت مجزره 5 حزيران 1963 م عظيمة لدرجة ذاعت أخبارها خارج الحدود، فحركت الرأي العام و اعترض العلماء و الجماهير داخل البلاد و خارجها. و بعد عشرة أشهر من السجن، اضطر النظام الملكي إلى إطلاق سراح الإمام الخميني. لكن الإمام الخميني استمر في معارضته، و إلقاء الخطب التي يفضح فيه مؤامرات الملك. و أقر النظام الملكي لائحة الحصانة للمستشارين السياسيين و العسكريين الأمريكان، مما أثار غضب القضائية زعيم الثورة، الذي ما إن اطلع على هذه الخيانة حتى وسع جهوده، و أرسل رسلا إلى كافة المناطق الإيرانية، و قرر إلقاء خطبة يوم 1383 ه (26/10/1964م) يفضح فيها هذه الخيانة. و رغم التهديدات التي وجهها النظام إلى الإمام، لكن سماحته أطلق صوته عاليا في ذلك اليوم، و هاجم الرئيس الأميركي و حكومته .
فقام النظام الملكي بنفي الإمام إلى خارج إيران، ففي منتصف ليلة 4/11/1964م حاصرت القوات الخاصة و المظليين بيت الإمام الخميني، و اعتقلوا الإمام، و نقلوه إلى مطار طهران مباشرة، و بناءا لاتفاق سابق تم نقله إلى أنقرة ثم إلى بورسا في تركية، ليوضع تحت الرقابة الشديدة لقوات الأمن الإيرانية و التركية، و حرمانه من أي نشاط سياسي و اجتماعي.
مرحلة النفي
أقام الإمام الخميني (س) في تركيا أحد عشر شهرا، و كان الملك الإيراني خلالها يزاول تحطيم بقايا المقاومة بشدة لا مثيل لها من قبل، خلال هذه المدة دون الإمام الخميني كتابا كبيرا هو "تحرير الوسيلة" و كان هذا الكتاب يشكل الرسالة العملية للأحكام، و تطرق فيها لأول مرة ـ في ذلك الزمان ـ لأحكام الجهاد و الدفاع و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قضايا الساعة.
و بتاريخ 5/10/1965م تم نفي الإمام الخميني و ابنه الأكبر السيد مصطفى مجددا إلى المنفي الثاني بعد تركيا و هو العراق، فوضع تحت الإقامة الإجبارية في النجف الأشرف، فبدأ بتدريس دورات الخارج في الفقه، و طرح المباني النظرية للحكومة الإسلامية تحت اسم "ولاية الفقيه " و رغم الصعاب استمر بمتابعة القضايا السياسية لإيران و العالم الإسلامى بدقة و اهتمام، و أقام اتصالات مع ثوار إيران، و عوائل شهداء ثورة الخامس من حزيران 1963م، و السجناء السياسيين، و ذلك عبر طرق و أساليب مختلفة. كما كانت إقامته في النجف فرصة ليتصل مباشرة مع المؤمنين و الطلاب الجامعيين المسلمين في الدول الأجنبية، و يقوى ارتباطه بهم أكثر من قبل، و كان لهذا الأمر أثره الفعال في نشر أفكار الإمام الخميني و أهدافه في مختلف أرجاء العالم. و عند وقوع اعتداءات الكيان الصهيونى و الحرب العربية الإسرائيلية، قام الإمام الخميني بجهود واسعة من أجل دعم المسلمين الفلسطينيين و دول المواجهة، فالتقى عدة مرات مع زعماء المنظمات الفلسطينية المجاهدة، و أرسل ممثلين عنه إلى لبنان، و أصدر فتواه الهامة و التاريخية التي اعتبر فيها أن الدعم العسكري و الاقتصادي لثورة الفلسطينيين و دول المواجهة العربية واجب شرعى، و كانت هذه الأعمال أول أعمال تصدر عن مرجع من المراجع البارزين في عالم التشيع.
و بينما كان الملك الإيراني منهمكا بإقامة حفل ذكرى ألفين و خمسمائة عام على الملكية، كان سماحة الإمام يوجه خطاباته، و يرسل نداءات تثير الحركة و تبعث على الوعي مواكبا كل الأحداث الداخلية في إيران، محافظا بذلك على ديمومة شعلة الجهاد و الثورة.
و كانت كلمات الإمام آنذاك تبعث الأمل لدى القابعين داخل زنزانات الملك، أولئك الذين كانوا يئنون من التعذيب الوحشي لمنظمة "السافاك" فتبعث فيهم الصمود و المقاومة و الصبر على تحمل السجن.
مرحلة اشتداد الثورة و انتصار الثورة الإسلامية
كان استشهاد الابن الأكبر للإمام أي السيد مصطفى الخميني يوم 23/10/1977م،يمثل نقطة البدء في تأجيج نار الثورة من جديد في جسد الحوزات الدينية، و تحرك المجتمع المؤمن في إيران. أما الإمام الخميني فإنه أدهش الجميع عند ما اعتبر أن وفاة ابنه الذي كان يمثل جميع آماله ـ ألطافا إلهية خفية.
بعدها قام النظام الملكي بنشر مقالة في إحدى الصحف الرسمية نال فيها من شخصية الإمام و تحامل عليه، مما أدى إلى تحرك شعبي عارم في مدينة قم المقدسة يوم 9/1/1978م استشهد خلاله عدد من طلاب العلوم الدينية الثوريين، و دفعت هذه الحادثة أهالي مدينة قم إلى التحرك من جديد، و انتشر الغضب العارم في أنحاء البلاد، و استمرت مراسم الثالث و السابع و الأربعين بشكل متواصل، حيث وقعت أحداث تبريز و يزد و جهرم و شيراز و أصفهان و طهران، لتدفع كل مناسبة إلى حدث، و كل حدث إلى مناسبة، و مع كل حدث و مناسبة كان للإمام الخميني نداءا يسجل على أشرطة تسجيل، و توزع الأشرطة التي يدعو فيها الناس إلى الاستقامة و الثبات، و الاستمرار في الثورة حتى إسقاط أساس السلطة الملكية الجائرة، و إقامة الحكومة الإسلامية . حيث كان الأنصار و التباع يتلقفون هذه الأشرطة و يستنسخونها و ينشرونها في مختلف أنحاء البلاد. و لم يتمكن الملك من إطفاء شعلة الثورة رغم ما ارتكبه من مجازر وحشية ضد الشعب المسلم، و رغم إعلانه الأحكام العرفية في إحدى عشرة مدينة، و استبداله لرئيس الوزراء، و تغيير المدراء الكبار، بل استمرت الثورة بالاتساع، حيث إن كل مناورة و حيلة سياسية أو عسكرية كان الملك يقوم بها، كان الإمام الخميني يواجهها ببيان و نداء يفضح فيه أهداف الملك، و يحدد الإمام الخطوات اللازمة لإفشال تلك الحيل.
في نيويورك بأمريكا التقى وزيري خارجية العراق و إيران، و اتفقا على إخراج الإمام الخميني (س) من العراق، و في 24/9/1978م قامت قوات الأمن العراقية بمحاصرة بيت الإمام الخميني في النجف الأشرف، و اشترطت على الإمام أن يوقف نشاطه السياسي، و يعلن تراجعه عن المواجهة، كشرط لبقائه في العراق. لكن الإمام قرر الاستمرار في المواجهة، فنفي للمرة الثالثة خلال ثلاثة عشر عام و ذلك يوم 3/10/1978م فغادر النجف قاصدا الكويت، لكن الكويت امتنعت عن استقبال الإمام امتثالا للضغوط الملكية في أوضاع الدول الإسلامية و بعد مشورة الإيرانية .
عندها دقق الإمام الخميني ابنه السيد أحمد قرر الهجرة إلى باريس، فوصلها يوم 106/1978م، و في اليوم التالي استقر في منزل أحد الإيرانيين في ضاحية "نوفل لوشاتو"، و سرعان ما حضر مندوبو قصر الأليزة ليبلغوا الإمام الخميني أن الرئيس الفرنسي "ديستان" يؤكد ضرورة امتناع الإمام عن مزاولة أي نشاط سياسي، و رد الإمام بصراحة و بشدة أن مثل هذه القيود تتعارض مع ادعاء الديمقراطية، و أنه حتى لو اضطر إلى التنقل من مطار لآخر، و من بلد إلى آخر، فإنه سوف لن يتنازل عن أهدافه. و هكذا فإن إقامة الإمام الخميني مدة أربعة أشهر في هذه الضاحية الباريسية جعل منها محط أنظار العالم، و أهم مركز أخبار في العالم . و كان لإلقاء الإمام المحاضرات المتعددة و اللقاءات الكثيرة مع الوفود التي انهالت من أنحاء العالم الدور المهم في إفهام العالم آرائه حول الحكومة الإسلامية، و أهداف ثورته.
و الشعب الإيراني بدوره كان يصعد من تحركه و ثورته مع وصول توجيهات الإمام الخميني، فانتشرت المظاهرات، و عمت الإضرابات التي شلت المؤسسات الحكومية، و استبدل الملك رؤساء وزرائه الواحد تلو الآخر، ثم أعلن ما ارتكبه من مخالفات، و قدم بعضا من أعوانه القدماء توبته عن للمحاكمة، و أطلق بعض السجناء السياسيين، لكن كل تلك الأعمال لم تمنع الثورة من الاتساع و الاشتداد. و عين الإمام الخميني شورى الثورة، و هرب الملك يوم 16/1/1979م تحت حجة المرض و حاجته للاستراحه، فأدى هروبه إلى انبعاث الفرح و السرور عند أبناء الشعب، و شد من عزمهم على النضال حتى إسقاط النظام.
و جاء قرار الإمام الخميني بعزمه على العوده إلى إيران، ليفجر الفرح و السرور و الأمل في قلوب أبناء الشعب، و دفع أعداء الثورة إلى إظهار ردود فعل متسرعة، فقام النظام بالتشاور مع أمريكا و قرر إغلاق مطارات البلاد بوجه الرحلات الأجنبية. فتوجهت الجموع من أنحاء البلاد نحو طهران لتشارك أهالي طهران في تظاهرات مليونية تطالب بفتح المطارات، فرضخ النظام إلى ذلك و فتح مطار طهران الدولي، فهبطت الطائرة التي أقلت الإمام يوم 1/2/1979م بعد أربعة عشر عاما قضاها في المنفى.
يتبع
هذا الموضوع بمساعدة اخ من المنتديات
أـ مرحلة الطفولة
ولد الإمام الخميني (س) عام 1902م (1320 ه.ق / 1281 ه.ش) في مدينة "خمين" التي تقع على بعد 349 كليومتر جنوب غربي طهران، في عائلة متدينة. و بعد ستة أشهر من ولادته استشهد أبوه "آية الله السيد مصطفى الموسوي" على يد عملاء الحكومة. أمه هي السيدة هاجر، و هي من عائلة عرفت بالعلم و التقوى، و في عام 1908 م (1326 ه) توفيت أثر المرض. ففقد الإمام الخميني والدته و هو في السادسة من عمره، فكفلته عمته "السيدة صاحبه" حتى بلغ عامة الخامسة عشر، حيث فقد عمته أيضا. لذا فقد عاش الإمام صعوبة اليتم منذ طفولته، و عرف مفهوم الشهادة منذ صغره، و كانت هذه العوامل مؤثرة في تكوين شخصيته.
مرحلة الدراسة
درس مقدمات العلوم في مدينة خمين كالأدب العربي و المنطق و أصول الفقه، و عند ما بلغ سنة التاسعة عشر عام 1921 م (1339 ه) توجه إلى الحوزة العلمية بمدينة "أراك" و بعد عام من الدراسة فيها توجه إلى مدينة قم المقدسة، فأكمل دروسه السابقة، و درس علوم الرياضيات و الهيئة و الفلسفة عند الفقهاء و المجتهدين، إضافة إلى دروس الأخلاق و العرفان، حيث طوى أعلى دروس العرفان النظري و العملي في مدة ستة سنوات عند المرحوم آية الله الميرزا محمد علي الشاهآبادى. و بدأ إلقاء المحاضرات و الدروس على تلامذته عند بلوغه سن السابعة و العشرين عام 1929 م (1347 ه) بتدريس الفلسفة الإسلامية و العرفان النظري و الفقه و أصول الفقه و الأخلاق الإسلامية. و استمر بتدريس هذه المباحث طوال إقامته في مدينة قم .
مرحلة الجهاد و الثورة
الوثائق الموجودة تشير إلى أن سماحة الإمام الخميني (س) في شبابه و طوال سني دراسته كان يحارب المفاسد الاجتماعية و الانحرافات الفكرية و الأخلاقية، و في عام 1943 م دون و نشر كتابه "كشف الأسرار" سرد فيه فضائح الملك "رضاشاه" طوال عشرين عاما، و رد على شبهات المنحرفين دفاعا عن الإسلام و العلماء، و طرح فكرة الحكومة الإسلامية و ضرورة الثورة لإقامتها في كتابه هذا. و في العام 1961 م بدأ بالنضال العلني ضد الحكم الملكي، عند ما اعترض على لائحة كانت تحمل في طياتها إبعاد الإسلام عن القوانين. و قد كانت الحكومة آنذاك قد صادقت على هذه اللائحة، فتحرك الإمام الخميني معارضا هذه اللائحة، داعيا المراجع و الحوزات العلمية و الشعب إلى القيام ضدها، و وجه برقيات شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء، و القى عدة خطب لفضح أهداف هذه اللائحة، و أصدر بيانات متعددة، و انطلقت تحركات المراجع، و مظاهرات الناس من مدينة قم و طهران و سائر المدن. مما اضطر النظام الملكي إلى إلغاء هذه اللائحة، و التراجع عن مواقفه. و استمر الإمام الخميني في معارضته لنظام الملك.
و بتاريخ 22/3/1963 م شن النظام الملكي هجومه الشرس على مدرسة العلوم الإسلامية الفيضية بمدينة قم المقدسة فقتل العديد من طلاب العلوم الدينية، و انتشرت خطب الإمام الخميني و بياناته حول هذه الفاجعة في أنحاء إيران.
و عصر يوم العاشر من محرم عام 1383 ه (2/6/1963 م) ألقى الإمام كلمة غاضبة فضح فيها العلاقات السرية بين نظام الملك و الكيان الصهيوني . و في نفس الليلة قامت القوات الخاصة لنظام الملك بمحاصرة بيت الإمام الخميني، و اعتقلوا الإمام و اقتادوه إلى طهران. لكن خبر اعتقال الإمام انتشر بسرعة في أنحاء إيران، و ما أن طلعت شمس اليوم التالي، حتى انطلقت الجماهير إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة، و كانت أكبر تلك المظاهرات في مدينة قم، حيث اعترضتها قوات النظام بشدة، و سقط عدة شهداء، و في طهران أعلن الملك الأحكام العرفية، و قمعت المظاهرات في ذلك اليوم و اليوم الذي تلاه، و أقدمت الحكومة العسكرية على قتل الآلاف العزل. و كانت مجزره 5 حزيران 1963 م عظيمة لدرجة ذاعت أخبارها خارج الحدود، فحركت الرأي العام و اعترض العلماء و الجماهير داخل البلاد و خارجها. و بعد عشرة أشهر من السجن، اضطر النظام الملكي إلى إطلاق سراح الإمام الخميني. لكن الإمام الخميني استمر في معارضته، و إلقاء الخطب التي يفضح فيه مؤامرات الملك. و أقر النظام الملكي لائحة الحصانة للمستشارين السياسيين و العسكريين الأمريكان، مما أثار غضب القضائية زعيم الثورة، الذي ما إن اطلع على هذه الخيانة حتى وسع جهوده، و أرسل رسلا إلى كافة المناطق الإيرانية، و قرر إلقاء خطبة يوم 1383 ه (26/10/1964م) يفضح فيها هذه الخيانة. و رغم التهديدات التي وجهها النظام إلى الإمام، لكن سماحته أطلق صوته عاليا في ذلك اليوم، و هاجم الرئيس الأميركي و حكومته .
فقام النظام الملكي بنفي الإمام إلى خارج إيران، ففي منتصف ليلة 4/11/1964م حاصرت القوات الخاصة و المظليين بيت الإمام الخميني، و اعتقلوا الإمام، و نقلوه إلى مطار طهران مباشرة، و بناءا لاتفاق سابق تم نقله إلى أنقرة ثم إلى بورسا في تركية، ليوضع تحت الرقابة الشديدة لقوات الأمن الإيرانية و التركية، و حرمانه من أي نشاط سياسي و اجتماعي.
مرحلة النفي
أقام الإمام الخميني (س) في تركيا أحد عشر شهرا، و كان الملك الإيراني خلالها يزاول تحطيم بقايا المقاومة بشدة لا مثيل لها من قبل، خلال هذه المدة دون الإمام الخميني كتابا كبيرا هو "تحرير الوسيلة" و كان هذا الكتاب يشكل الرسالة العملية للأحكام، و تطرق فيها لأول مرة ـ في ذلك الزمان ـ لأحكام الجهاد و الدفاع و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قضايا الساعة.
و بتاريخ 5/10/1965م تم نفي الإمام الخميني و ابنه الأكبر السيد مصطفى مجددا إلى المنفي الثاني بعد تركيا و هو العراق، فوضع تحت الإقامة الإجبارية في النجف الأشرف، فبدأ بتدريس دورات الخارج في الفقه، و طرح المباني النظرية للحكومة الإسلامية تحت اسم "ولاية الفقيه " و رغم الصعاب استمر بمتابعة القضايا السياسية لإيران و العالم الإسلامى بدقة و اهتمام، و أقام اتصالات مع ثوار إيران، و عوائل شهداء ثورة الخامس من حزيران 1963م، و السجناء السياسيين، و ذلك عبر طرق و أساليب مختلفة. كما كانت إقامته في النجف فرصة ليتصل مباشرة مع المؤمنين و الطلاب الجامعيين المسلمين في الدول الأجنبية، و يقوى ارتباطه بهم أكثر من قبل، و كان لهذا الأمر أثره الفعال في نشر أفكار الإمام الخميني و أهدافه في مختلف أرجاء العالم. و عند وقوع اعتداءات الكيان الصهيونى و الحرب العربية الإسرائيلية، قام الإمام الخميني بجهود واسعة من أجل دعم المسلمين الفلسطينيين و دول المواجهة، فالتقى عدة مرات مع زعماء المنظمات الفلسطينية المجاهدة، و أرسل ممثلين عنه إلى لبنان، و أصدر فتواه الهامة و التاريخية التي اعتبر فيها أن الدعم العسكري و الاقتصادي لثورة الفلسطينيين و دول المواجهة العربية واجب شرعى، و كانت هذه الأعمال أول أعمال تصدر عن مرجع من المراجع البارزين في عالم التشيع.
و بينما كان الملك الإيراني منهمكا بإقامة حفل ذكرى ألفين و خمسمائة عام على الملكية، كان سماحة الإمام يوجه خطاباته، و يرسل نداءات تثير الحركة و تبعث على الوعي مواكبا كل الأحداث الداخلية في إيران، محافظا بذلك على ديمومة شعلة الجهاد و الثورة.
و كانت كلمات الإمام آنذاك تبعث الأمل لدى القابعين داخل زنزانات الملك، أولئك الذين كانوا يئنون من التعذيب الوحشي لمنظمة "السافاك" فتبعث فيهم الصمود و المقاومة و الصبر على تحمل السجن.
مرحلة اشتداد الثورة و انتصار الثورة الإسلامية
كان استشهاد الابن الأكبر للإمام أي السيد مصطفى الخميني يوم 23/10/1977م،يمثل نقطة البدء في تأجيج نار الثورة من جديد في جسد الحوزات الدينية، و تحرك المجتمع المؤمن في إيران. أما الإمام الخميني فإنه أدهش الجميع عند ما اعتبر أن وفاة ابنه الذي كان يمثل جميع آماله ـ ألطافا إلهية خفية.
بعدها قام النظام الملكي بنشر مقالة في إحدى الصحف الرسمية نال فيها من شخصية الإمام و تحامل عليه، مما أدى إلى تحرك شعبي عارم في مدينة قم المقدسة يوم 9/1/1978م استشهد خلاله عدد من طلاب العلوم الدينية الثوريين، و دفعت هذه الحادثة أهالي مدينة قم إلى التحرك من جديد، و انتشر الغضب العارم في أنحاء البلاد، و استمرت مراسم الثالث و السابع و الأربعين بشكل متواصل، حيث وقعت أحداث تبريز و يزد و جهرم و شيراز و أصفهان و طهران، لتدفع كل مناسبة إلى حدث، و كل حدث إلى مناسبة، و مع كل حدث و مناسبة كان للإمام الخميني نداءا يسجل على أشرطة تسجيل، و توزع الأشرطة التي يدعو فيها الناس إلى الاستقامة و الثبات، و الاستمرار في الثورة حتى إسقاط أساس السلطة الملكية الجائرة، و إقامة الحكومة الإسلامية . حيث كان الأنصار و التباع يتلقفون هذه الأشرطة و يستنسخونها و ينشرونها في مختلف أنحاء البلاد. و لم يتمكن الملك من إطفاء شعلة الثورة رغم ما ارتكبه من مجازر وحشية ضد الشعب المسلم، و رغم إعلانه الأحكام العرفية في إحدى عشرة مدينة، و استبداله لرئيس الوزراء، و تغيير المدراء الكبار، بل استمرت الثورة بالاتساع، حيث إن كل مناورة و حيلة سياسية أو عسكرية كان الملك يقوم بها، كان الإمام الخميني يواجهها ببيان و نداء يفضح فيه أهداف الملك، و يحدد الإمام الخطوات اللازمة لإفشال تلك الحيل.
في نيويورك بأمريكا التقى وزيري خارجية العراق و إيران، و اتفقا على إخراج الإمام الخميني (س) من العراق، و في 24/9/1978م قامت قوات الأمن العراقية بمحاصرة بيت الإمام الخميني في النجف الأشرف، و اشترطت على الإمام أن يوقف نشاطه السياسي، و يعلن تراجعه عن المواجهة، كشرط لبقائه في العراق. لكن الإمام قرر الاستمرار في المواجهة، فنفي للمرة الثالثة خلال ثلاثة عشر عام و ذلك يوم 3/10/1978م فغادر النجف قاصدا الكويت، لكن الكويت امتنعت عن استقبال الإمام امتثالا للضغوط الملكية في أوضاع الدول الإسلامية و بعد مشورة الإيرانية .
عندها دقق الإمام الخميني ابنه السيد أحمد قرر الهجرة إلى باريس، فوصلها يوم 106/1978م، و في اليوم التالي استقر في منزل أحد الإيرانيين في ضاحية "نوفل لوشاتو"، و سرعان ما حضر مندوبو قصر الأليزة ليبلغوا الإمام الخميني أن الرئيس الفرنسي "ديستان" يؤكد ضرورة امتناع الإمام عن مزاولة أي نشاط سياسي، و رد الإمام بصراحة و بشدة أن مثل هذه القيود تتعارض مع ادعاء الديمقراطية، و أنه حتى لو اضطر إلى التنقل من مطار لآخر، و من بلد إلى آخر، فإنه سوف لن يتنازل عن أهدافه. و هكذا فإن إقامة الإمام الخميني مدة أربعة أشهر في هذه الضاحية الباريسية جعل منها محط أنظار العالم، و أهم مركز أخبار في العالم . و كان لإلقاء الإمام المحاضرات المتعددة و اللقاءات الكثيرة مع الوفود التي انهالت من أنحاء العالم الدور المهم في إفهام العالم آرائه حول الحكومة الإسلامية، و أهداف ثورته.
و الشعب الإيراني بدوره كان يصعد من تحركه و ثورته مع وصول توجيهات الإمام الخميني، فانتشرت المظاهرات، و عمت الإضرابات التي شلت المؤسسات الحكومية، و استبدل الملك رؤساء وزرائه الواحد تلو الآخر، ثم أعلن ما ارتكبه من مخالفات، و قدم بعضا من أعوانه القدماء توبته عن للمحاكمة، و أطلق بعض السجناء السياسيين، لكن كل تلك الأعمال لم تمنع الثورة من الاتساع و الاشتداد. و عين الإمام الخميني شورى الثورة، و هرب الملك يوم 16/1/1979م تحت حجة المرض و حاجته للاستراحه، فأدى هروبه إلى انبعاث الفرح و السرور عند أبناء الشعب، و شد من عزمهم على النضال حتى إسقاط النظام.
و جاء قرار الإمام الخميني بعزمه على العوده إلى إيران، ليفجر الفرح و السرور و الأمل في قلوب أبناء الشعب، و دفع أعداء الثورة إلى إظهار ردود فعل متسرعة، فقام النظام بالتشاور مع أمريكا و قرر إغلاق مطارات البلاد بوجه الرحلات الأجنبية. فتوجهت الجموع من أنحاء البلاد نحو طهران لتشارك أهالي طهران في تظاهرات مليونية تطالب بفتح المطارات، فرضخ النظام إلى ذلك و فتح مطار طهران الدولي، فهبطت الطائرة التي أقلت الإمام يوم 1/2/1979م بعد أربعة عشر عاما قضاها في المنفى.
يتبع
هذا الموضوع بمساعدة اخ من المنتديات
تعليق