وصلت الى سن الثلاثين ولم اتزوج رغم الفرص المتكررة التي تعرض علي من رجال ذوي مراكز مرموقة ومواصفات ممتازة بجانب رغبتي الملحة في ان تكون لي اسرة واولاد وشريك حياة اعطيه مالدي من عواطف جياشة احتبسها في قلبي وامومة مدفونة احلم بتطبيقها مع اطفالي .
لدي احساس قوي يدفعني لتحقيق هذا الحلم فانا والحمد لله ميسورة الحال ماديا فقد ترك والدي لي ثروة كبيرة واعيش مع امي بمفردي بعد وفاة والدي وانا في العاشرة من عمري ولم ترض والدتي ان تتزوج وقامت برعايتي الى ان تخرجت في الجامعة وعملت في شركة كبيرة اكتسبت خبرة لاباس بها تكفي لان ادير اعمال والدي رحمة الله عليه .فازدادت الثروة واصبحت حياتي العملية تشغل معظم وقتي .
وتبدا مشكلتي عند عودتي الى المنزل لافكر في وحدتي واحتياجاتي الفطرية ولايطفئها الا النوم لابدأ يوما اخر اكمل به مسيرة حياتي اليومية المتكررة والتي تكاد تخلو من اي عاطفة الا تجاه والدتي التي لاتترك فرصة الا وتعبر عن تضحيتها من اجلي وامتناعها بعدم الارتباط باي رجل كحق شرعي لها حتى لاتعرضني لاي ظرف يعكر صفو حياتي معها .. مؤكدة في كل عباراتها انه ليس هناك رجل يستحق التضحية مهما كانت احتياجاتها له ، وانه من الافضل لها ان تكبت هذه الاحتياجات من ان تعاشر رجلا تعطيه عواطفها فيرد بالغدر او تسعده فيقابل ذلك ببث التعاسة في حياتها .
كانت امي ولازالت تتفنن في استدرار عواطفي وشفقتي عليها مصورة لي انها كانت ضحية الاخلاص والعطاء والحب الذي لم تنل منه غير الطعن في الكرامة والخيانة والاساءة لها اسطوانة شجن اسمعها يوميا مع دموع امي وعرضها الرائع لمآسي الحياة التي عاشتها طوال حياتها مع والدي الذي كان ينعم في عالمه الخاص بانانيته ونرجسيته بعيدا عنها ولم تنل منه الا قسوة المشاعر والجحود .
صورت لي ابي انه وحش جميل يفتن المشاعر ويمتص دماء ضحيته .. مؤكدة معنى اوسع واكبر وهو ان والدي كان من ارقى الرجال فما بالك بباقي الرجال الذين هم ادنى منه ولم تكتف بذلك فقد دللت نظرتها بوصف ابيها بانه كان رجلا عظيما على المستوى الاجتماعي والوظيفي الا انه كان يتسم بغلظة القلب وجفاف المشاعر تجاه امها وكل صنف النساء ..العجيب انني احمل في ذاكرتي صورة مختلفة تماما عن والدي رحمه الله فقد كنت اراه اباً حنونا معطاءً عطوفاً اسعد طفولتي برحمته ورقته واسبغ علي من حسن التعامل والرعاية ماجعلني لااتذكر له هفوة ولو صغيرة حتى صورة علاقته بامي في مخيلتي لم اجد فيها شيئا يذكر مما تحكيه امي لي التي تعلل ذلك بانها كانت دائما تحاول ان تخفي الحقيقة عني حتى لااشاهد في طفولتي مايعكر صفوي وانها كانت تتظاهر بالسعادة والابتسام حتى لاتخدش النعيم الذي كانت تحاول توفيره لي .
هذه هي الصورة التي دأبت امي على رسمها في مخيلتي كلما استطاعت الى ذلك سبيلا .. لم تكن لي حياة خاصة لان صديقاتي تعودن ان تكون امي بيننا في كل مجلس او مناسبة واذا حدث وخرجت معهن بمفردي فانها كانت تشعرني بالذنب بطريقتها عندما تقول مثلا بعد عودتي : (( ارجو ان تكوني قد قضيت وقتا ممتعا يستحق المعاناة التي تكبدتها بوحدتي اثناء غيابك)) فاشعر بالذنب الذي يمنعني من ان اتركها وحدها في المرة التالية .
كانت امي تستخدم خفة ظلها وقدرتها الفائقة على السخرية التي تبعث علي الضحك في تسليتي من خلال حكايات واحداث .. كانت مغرمة بقصص الفشل الزوجي الذي الم بشخصيات قابلتها في حياتها او اقارب لنا .. فكان هذا يؤكد عندي نظريتها المنشودة التي تصر على غرسها في عقلي ... وكانها تقول دائما وبطريقة غير مباشرة لاتتزوجي ولاتضحي بنفسك من اجل عاطفة ستعود عليك باسوأ النتائج والعواقب الوخيمة ...
ظللت ارفض الفرص المعروضة عليّ الى ان قابلت شخصا لايقاوم من فرط الجمال الذي يتمتع به في شخصيته وكيانه الراسخ بالعلم والثقافة وعراقة الاصل وحسن الحديث .....
حاولت التملص من لقائه مرارا الا ان طبيعة عمله فرضت علينا ان نلتقي دون ارادتنا وجاءت اللحظة الصعبة عندما قابلته في احد المعارض في المانيا وسألني عن سر تجنبي اياه وهو الراغب الجاد في التقرب مني وصارحني انه يرى في عيني نفس الرغبة تجاهه ، فما سر تصرفي الغريب ؟
صارحته بحقيقة امري وشرحت له مااعيشه من صراع بين رغباتي الملحة ونظرية امي التي ادين لها بعمري وان زواجي سيكون بمثابة الضربة القاضية لها ...
ضحك ضحكة تنم عن استهجان مااقول ولم يرد بكثير ولكنه قال لي عبارة واحدة ايقظت تفكيري على صراع اقوى مما انا فيه حيث قال :
((عليك ان تكوني بارة بأمك دون ان تتبعيها فيما يغضب الله ))
وتركني في حيرة من امري احاول تفسير ما قال او بمعنى اصح احاول ان اكذِّب مايعتريني احيانا من حنق على امي ورفض لنظريتها التي تتنافى مع ماعهدته شخصيا في ابي رحمة الله عليه حتى اقضي على الذنب الذي ينتابني كلما رفضت رأي امي .. انا في صراع مابين فطرتي ورغباتي وبين حبي لامي التي لااريد ان اصدمها في مشاعري واملها فيّ كأبنة تأمل في ان تعطيها دائما .
الدكتور السبكي :
ليتك ارسلتي رسالتك هذه من سنوات مضت لاوفر عليك حيرتك ، ولكن قدر الله وماشاء فعل ... والحقيقة انك تجيبين على نفسك دون ان تدري من خلال سردك لاحداث حياتك ..
وكانك تشعرين بداخلك بخطأ نظرية امك العجيبة والتي جمعت رجال الدنيا كلهم تحت وصف واحد مستشهدة بوالدها بعد ان وصفته بافضل الرجال وكأنها تقول هؤلاء اروع امثلة ممكنة في عالم الرجال فما بالك بمن بعدهما .
كل احاديثها معك عبارة عن غسيل مخ لتستخرج منك رفض الزواج دون ان تكون قد امرتك بذلك لتعفي نفسها من الذنب وتحافظ على امتلاكها لك .. لتشعرك ان الدنيا لن تسير الا بها معك وان الدنيا ستكون جحيما اذا تجرأتِ وتزوجتِ ..
وحاولت ان تمحو من ذاكرتك ذكرى والدك الطيبة .. ربما كانت تعكس الحقائق لتستأثر بمشاعرك وحتى لو كانت ماذكرت عن والدها ووالدك به شئ من الحقيقة فما كان يجب ان تنقل مشاعرها الخاصة اليكِ ، ولكن للاسف هي شخصية معقدة لاسباب لانعلمها ... فاللهم اعف عنها لانها نجحت في ان تصنع منك شخصية ناجحة عمليا ووظيفيا وغفلت عن تنشئتك حياتيا بما يتناسب مع فطرتك الجميلة في ان تكوني زوجة معطاءة واما حنونا كا ذكرتِ في اول رسالتك ثم جاء الفرج من عند الله بعد طول غياب حينما قابلتِ هذا الانسان المحترم الذي لخص لك النصيحة بحكمته في جملة واحدة وتركك حتى تعيها وتفهميها اذ نصحك بان تكوني بارة بأمك دون ان تغضبي الله الذي جعل الزواج مشروعا لتستمر الحياة ولننعم بنتائجه بشرط ان نحسن الاختيار ونثق في الله ان يبارك فيه .
عليك اذن تنفيذ هذه النصيحة الغالية ... وربما ينتابك الخوف من نتائج زواجك ان يغضب امك .. اؤكد لك ان هذا لن يستمر وربما تجدين بعض المقاومة منها ولكنك بذلك لن تغضبي الله وسترضخ للامر الواقع ثم تتحول الى راضية به وتسعد بك وبمن تتزوجين ويصبح لها ابنة وابنا ثم احفادا وترجع عن مبدأها الذي بنته على تجربتها الخاصة .
كوني واثقة من فطرتك ورغبتك البناءة في الزواج والعطاء وستكونين سعيدة باذن الله .
منقول عن مجلة كل الناس / العدد 791 / لسنة 2004
تحياتي
لدي احساس قوي يدفعني لتحقيق هذا الحلم فانا والحمد لله ميسورة الحال ماديا فقد ترك والدي لي ثروة كبيرة واعيش مع امي بمفردي بعد وفاة والدي وانا في العاشرة من عمري ولم ترض والدتي ان تتزوج وقامت برعايتي الى ان تخرجت في الجامعة وعملت في شركة كبيرة اكتسبت خبرة لاباس بها تكفي لان ادير اعمال والدي رحمة الله عليه .فازدادت الثروة واصبحت حياتي العملية تشغل معظم وقتي .
وتبدا مشكلتي عند عودتي الى المنزل لافكر في وحدتي واحتياجاتي الفطرية ولايطفئها الا النوم لابدأ يوما اخر اكمل به مسيرة حياتي اليومية المتكررة والتي تكاد تخلو من اي عاطفة الا تجاه والدتي التي لاتترك فرصة الا وتعبر عن تضحيتها من اجلي وامتناعها بعدم الارتباط باي رجل كحق شرعي لها حتى لاتعرضني لاي ظرف يعكر صفو حياتي معها .. مؤكدة في كل عباراتها انه ليس هناك رجل يستحق التضحية مهما كانت احتياجاتها له ، وانه من الافضل لها ان تكبت هذه الاحتياجات من ان تعاشر رجلا تعطيه عواطفها فيرد بالغدر او تسعده فيقابل ذلك ببث التعاسة في حياتها .
كانت امي ولازالت تتفنن في استدرار عواطفي وشفقتي عليها مصورة لي انها كانت ضحية الاخلاص والعطاء والحب الذي لم تنل منه غير الطعن في الكرامة والخيانة والاساءة لها اسطوانة شجن اسمعها يوميا مع دموع امي وعرضها الرائع لمآسي الحياة التي عاشتها طوال حياتها مع والدي الذي كان ينعم في عالمه الخاص بانانيته ونرجسيته بعيدا عنها ولم تنل منه الا قسوة المشاعر والجحود .
صورت لي ابي انه وحش جميل يفتن المشاعر ويمتص دماء ضحيته .. مؤكدة معنى اوسع واكبر وهو ان والدي كان من ارقى الرجال فما بالك بباقي الرجال الذين هم ادنى منه ولم تكتف بذلك فقد دللت نظرتها بوصف ابيها بانه كان رجلا عظيما على المستوى الاجتماعي والوظيفي الا انه كان يتسم بغلظة القلب وجفاف المشاعر تجاه امها وكل صنف النساء ..العجيب انني احمل في ذاكرتي صورة مختلفة تماما عن والدي رحمه الله فقد كنت اراه اباً حنونا معطاءً عطوفاً اسعد طفولتي برحمته ورقته واسبغ علي من حسن التعامل والرعاية ماجعلني لااتذكر له هفوة ولو صغيرة حتى صورة علاقته بامي في مخيلتي لم اجد فيها شيئا يذكر مما تحكيه امي لي التي تعلل ذلك بانها كانت دائما تحاول ان تخفي الحقيقة عني حتى لااشاهد في طفولتي مايعكر صفوي وانها كانت تتظاهر بالسعادة والابتسام حتى لاتخدش النعيم الذي كانت تحاول توفيره لي .
هذه هي الصورة التي دأبت امي على رسمها في مخيلتي كلما استطاعت الى ذلك سبيلا .. لم تكن لي حياة خاصة لان صديقاتي تعودن ان تكون امي بيننا في كل مجلس او مناسبة واذا حدث وخرجت معهن بمفردي فانها كانت تشعرني بالذنب بطريقتها عندما تقول مثلا بعد عودتي : (( ارجو ان تكوني قد قضيت وقتا ممتعا يستحق المعاناة التي تكبدتها بوحدتي اثناء غيابك)) فاشعر بالذنب الذي يمنعني من ان اتركها وحدها في المرة التالية .
كانت امي تستخدم خفة ظلها وقدرتها الفائقة على السخرية التي تبعث علي الضحك في تسليتي من خلال حكايات واحداث .. كانت مغرمة بقصص الفشل الزوجي الذي الم بشخصيات قابلتها في حياتها او اقارب لنا .. فكان هذا يؤكد عندي نظريتها المنشودة التي تصر على غرسها في عقلي ... وكانها تقول دائما وبطريقة غير مباشرة لاتتزوجي ولاتضحي بنفسك من اجل عاطفة ستعود عليك باسوأ النتائج والعواقب الوخيمة ...
ظللت ارفض الفرص المعروضة عليّ الى ان قابلت شخصا لايقاوم من فرط الجمال الذي يتمتع به في شخصيته وكيانه الراسخ بالعلم والثقافة وعراقة الاصل وحسن الحديث .....
حاولت التملص من لقائه مرارا الا ان طبيعة عمله فرضت علينا ان نلتقي دون ارادتنا وجاءت اللحظة الصعبة عندما قابلته في احد المعارض في المانيا وسألني عن سر تجنبي اياه وهو الراغب الجاد في التقرب مني وصارحني انه يرى في عيني نفس الرغبة تجاهه ، فما سر تصرفي الغريب ؟
صارحته بحقيقة امري وشرحت له مااعيشه من صراع بين رغباتي الملحة ونظرية امي التي ادين لها بعمري وان زواجي سيكون بمثابة الضربة القاضية لها ...
ضحك ضحكة تنم عن استهجان مااقول ولم يرد بكثير ولكنه قال لي عبارة واحدة ايقظت تفكيري على صراع اقوى مما انا فيه حيث قال :
((عليك ان تكوني بارة بأمك دون ان تتبعيها فيما يغضب الله ))
وتركني في حيرة من امري احاول تفسير ما قال او بمعنى اصح احاول ان اكذِّب مايعتريني احيانا من حنق على امي ورفض لنظريتها التي تتنافى مع ماعهدته شخصيا في ابي رحمة الله عليه حتى اقضي على الذنب الذي ينتابني كلما رفضت رأي امي .. انا في صراع مابين فطرتي ورغباتي وبين حبي لامي التي لااريد ان اصدمها في مشاعري واملها فيّ كأبنة تأمل في ان تعطيها دائما .
الدكتور السبكي :
ليتك ارسلتي رسالتك هذه من سنوات مضت لاوفر عليك حيرتك ، ولكن قدر الله وماشاء فعل ... والحقيقة انك تجيبين على نفسك دون ان تدري من خلال سردك لاحداث حياتك ..
وكانك تشعرين بداخلك بخطأ نظرية امك العجيبة والتي جمعت رجال الدنيا كلهم تحت وصف واحد مستشهدة بوالدها بعد ان وصفته بافضل الرجال وكأنها تقول هؤلاء اروع امثلة ممكنة في عالم الرجال فما بالك بمن بعدهما .
كل احاديثها معك عبارة عن غسيل مخ لتستخرج منك رفض الزواج دون ان تكون قد امرتك بذلك لتعفي نفسها من الذنب وتحافظ على امتلاكها لك .. لتشعرك ان الدنيا لن تسير الا بها معك وان الدنيا ستكون جحيما اذا تجرأتِ وتزوجتِ ..
وحاولت ان تمحو من ذاكرتك ذكرى والدك الطيبة .. ربما كانت تعكس الحقائق لتستأثر بمشاعرك وحتى لو كانت ماذكرت عن والدها ووالدك به شئ من الحقيقة فما كان يجب ان تنقل مشاعرها الخاصة اليكِ ، ولكن للاسف هي شخصية معقدة لاسباب لانعلمها ... فاللهم اعف عنها لانها نجحت في ان تصنع منك شخصية ناجحة عمليا ووظيفيا وغفلت عن تنشئتك حياتيا بما يتناسب مع فطرتك الجميلة في ان تكوني زوجة معطاءة واما حنونا كا ذكرتِ في اول رسالتك ثم جاء الفرج من عند الله بعد طول غياب حينما قابلتِ هذا الانسان المحترم الذي لخص لك النصيحة بحكمته في جملة واحدة وتركك حتى تعيها وتفهميها اذ نصحك بان تكوني بارة بأمك دون ان تغضبي الله الذي جعل الزواج مشروعا لتستمر الحياة ولننعم بنتائجه بشرط ان نحسن الاختيار ونثق في الله ان يبارك فيه .
عليك اذن تنفيذ هذه النصيحة الغالية ... وربما ينتابك الخوف من نتائج زواجك ان يغضب امك .. اؤكد لك ان هذا لن يستمر وربما تجدين بعض المقاومة منها ولكنك بذلك لن تغضبي الله وسترضخ للامر الواقع ثم تتحول الى راضية به وتسعد بك وبمن تتزوجين ويصبح لها ابنة وابنا ثم احفادا وترجع عن مبدأها الذي بنته على تجربتها الخاصة .
كوني واثقة من فطرتك ورغبتك البناءة في الزواج والعطاء وستكونين سعيدة باذن الله .
منقول عن مجلة كل الناس / العدد 791 / لسنة 2004
تحياتي
تعليق