بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد
معنى الغرور ذمه طوائف المغرورين ،والمغرورين من الكفار والعصاه والفساق من المؤمنين المغترون من اهل العلم وفرقهم المغترون من الاغنياء أكثر من سائر الطوائف ـ ضد الغرور الفطانه والعلم والزهد .
وهو سكون النفس الى ما يوافق الهوى ، ويميل اليه الطبع عن شبهه وخدعه من الشيطان ، فمن اعتقد انه على خير إما فى العاجل أو فى الآجل عن شبهه فاسده فهو مغرور، ولما كان اكثر الناس ظانين بانفسهم خيرا ومعتقدين بصحه ماهم عليه من الاعمال والافعال وخيريته مع انهم مخطئون فيه فهم مغرورون ايضا، مثلا من ياخذ المال الحرام ينفقها فى مصارف الخير ، كبناء المساجد والمدارس والقناطر والرباطات وغيرها ، يظن أن هذا خير له وسعاده مع أنه محض الغرور، حيث خدعه الشيطان وأراه ماهو شر له خيرا ، وكذا الواعظ الذى غرضه الجاه والقبول من موعظته يظن أنه فى طاعه الله سبحانه وتعالى ،مع انه في المعصيه بغرور الشيطان .
ثم لاريب فى أن سكون النفس الى مايوافق الهوى ، ويميل الطبع اليه عن شبه ومخيله ، مركب من امرين : ( أحدهما ) اعتقاد النفس بأن هذا خير له مع كونه خلاف الواقع ( وثانيهما ) حبها وطلبها باطناًٍلمقتضيات الشهوه أو الغضب ، فإن الواعظ إذا قصد بوعظه طلب الجاه والمنزله معتقدا أنه يجلب به الثواب تكون له رغبه الى الجاه واعتقاد بكونه خيرا له إذ الغنى إذا أمسك ماله ولم ينفقه فى المصارف الآزمه وواظب على العباده معتقدا أن مواظبته على العباده تكفى لنجاته وان كان بخيلا يكون له حب للمال واعتقاد بانه على خير ، ثم الاعتقاد المذكور راجع الى نوع معين من الجهل المركب وهو الجهل الذى يكون المجهول المعتقد فيه شيئا يوافق الهوى ، فيكون من رذائل القوه العاقله ، والحب والطلب للجاه والمال من رذائل قوتى الغضب والشهوه .
فالغرور يكون من رذائل القوى الثلاث أو من رذائل العاقله مع اجدهما.
الطائفه الثانيه
( العصاه والفساق من المؤمنين )
وعلاج هذا الغرور، ان يعرف الفرق بين الرجاء الممدح والتمنى المذموم ويعلم ان غروره ليس رجاء ممدوحا بل هو تمن مذموم كما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والاحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله ".
فأن الرجاء لاينفك عن العمل إذ من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه ، كذلك من رجا رحمه الله وهو لم يؤمن او آمن ولم يترك المعاصى أ, تركها ولم يعمل صالحا فهو مغرور جاهل .
الطائفه الثالثه
( أهل العلم )
والمغترون منهم فرق :
( فمنهم )
من اقتصر من العلم على علم الكرم والمجادله ومعرفه آداب المناظره ليتفاخر فى انديه الرجال ويتفوق على الاقران والامثال ، من غير أن يكون له فى العقائد قدم راسخ أو مذهب واحد ، بل يختار تاره ذاك وتاره هذا ، وتكون عقيدته كخيط مرسل فى الهواء تفيئه الريح مره هكذا ومره هكذا ، ومع ذلك يظن بغروره أنه أ‘رف الناس وأعلمهم بالله وبصفاته .
( ومنهم )
من اقتصر من العلم على النحو واللغه ، أو الشعر أو المنطق واغتر به وأفنى عمره فيها ، وزعم ان علم الشريعه والحكمه موقوف عليها ، ولم يعلم أن ماليس مطلوبا لذاته ويكون وسيله الى ما هو مقصود لذاته يجب أن يقتصر عليه بقدر الضروره ، والتعمق فيه الى درجات لاتتناهى فضول مستغنى عنها وموجب للحرمان عما هو مقصود لذاته .
( ومنهم )
من اقتصر على فن المعاملات من الفقه ، المتضمن لكيفيه الحكم والقضاء بين الناس ، واشتغل بأجراء الاحكام ، وأعرض عن علم العقائد والاخلاق بل عن فن العبادات من الفقه ، وأهمل تفقد قلبه ليتخلى عن رذائل الاخلاق ويتحلى بفضائل الملكات وتفقد جوارحه وحفظها عن المعاصى والزامها الطاعات .
( ومنهم )
من حصل على فن العبادات أيضا بل أحكم العلوم الشرعيه بأسرها وعمق فيها وشتغل ، ولكن ترك العلم الإلهى وعلم الاخلاق ولم يحفظ الباطن والظاهر عن المعاصى ولم يعمرها بالطاعات .
( ومنهم )
من أحكم جميع العلوم من العقليه والشرعيه وتعمق فيها واشتغل بها إلا أنه اهمل العمل رأسا ، أو واظب على الطاعات الظاهره واهمل صفات القلب وربما تفقد صفات القلب واخلاق النفس ايضا وجاهد نفسه فى التبرى عنها وقلع منابتها الجليه القويه ولكن بقيت فى زاويا قلبه خفايا من مكائد الشيطان وخبايا وتلبيات النفس ما دق وغمض مدركه فلا يتفطن بها .
وجميع هؤلاء غافلون إذا كان اعتقادهم أنهم على خير وسعاده وإن كان بينهم تفاوت من حيث الضعف والشدة إذ سعاده النفس وخلاصها عن العذاب لاتحصل إلا بمعرفه الله سبحانه وتعالى ومعرفه صفاته وافعاله واحوال النشأه الآخره والعلم برذائل الأخلاق وشرائفها ، ثم تهذيب الباطن بفضائل الأخلاق وعماره الظاهر بصوالح الطاعات والأعمال ، فكل من يعلم بعض العلوم وترك ماهو المهم من العلم ـ اعنى معرفه سلوك الطريق وقطع عقبات النفس التى هى الصفات المذمومه المانعه عن الوصول الى الله سبحانه وتعالى ـ وظن أنه على خير كان مغرورا ، وإذا مات ملوثا بتلك الصفات كان محجوبا على الله سبحانه وتعالى ، فمن ترك العلم المهم واشتغل بغيره فهو كمن له مرض خاص مهلك فحتاج الى تعلم الدواء واستعماله، فاشتغل بتعلم مرض آخر يضاد مرضه فى المعالجه كما ان من أحكم العلوم باسرها وترك العمل مثل المريض الذى تعلم دواء مرضه وكتبه وهو يقرأه ويعلمه المرضى ولا يستعمله قط لنفسه فإنه لاريب فى أن مجرد تعلم الدواء لايشفيه بل لو كتبت منه الف نسخه وعلمه الف مريض حتى شفى جميعهم وكرره كل ليله الف مره لم ينفعه ذلك من مرضه شيئاحتى يشترى هذا الدواء ويشربه كما تعلم فى وقته ومع شربه واستعماله يكون على خطر من شفائه فكيف إذا لم يشربه أصلا فلو ظن أن مجرد تعلم الدواء يكفيه ويشفيه فهو مغرور فكذلك من احكم علم الطاعات ولم يعملها وأحكم علم المعاصى ولم يجتنبها واحكم علم الاخلاق ولم يزك نفسه عن رذائلها ولم يتصف بفضائلها فهو فى غايه الغرور.
الطائفه الرابعه
( الوعاظ )
والمغترون منهم كثيرون:ـ
( فمنهم )
من يتكلم فى وعظه فى اخلاق النفس وصفات القلب ، من الخوف ، والرجاء ، والتوكل والرضا ، والصبر ، والشكر ونظائرها ويظن أنه إذا تكلم بهذه الصفات ودعا الخلق اليها صار موصوفا بها ، وهو منفك عنها فى الواقع إلا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين ، ويزعم أن غرضه اصلاح الخلق دون أمر آخر ، ومع ذلك لو أقبل الخلق على أحد من اقرانه وصلحوا على على يديه وكان اقوى منه فى الارشاد والاصلاح لمات غما وحسدا ولو أثنى احد المترددين عليه على بعض أقرانه لصار ابغض خلق الله اليه .
( ومنهم )
من اشتغل بالشطح والطامات وتلفيق كلمات خارجه عن قانون الشرع والعقل ، وربما كلف نفسه بالفصاحه والبلاغه ، وتصنع التشبيهات والمقدمات ، وشغف بطيارات النكت وتسجيع الالفاظ وتلفيقها ، طلبا للاعوان والانصار وشوقا الى تكثر البكاء والرقه والتواجد والرغبات فى مجلسه ، والتذاذا بتحريك الرؤوس على كلامه والبكاء عليه ، وفرحا بكثره الاصحاب والمستفيدين والمعتقدين به ، وسرورا بالتخصيص بهذه الخاصه من بين سائر الاقران وربما لم يبال بالكذب فى نقل الاخبار والاثار ، ظنا منه أنه اوقع فى النفوس وأشد تأثيرا فى رقه العوام وتواجدهم ولا ريب فى أن هؤلاء شر الناس ، بل شياطين الانس ضلوا واضلوا عن سواء السبيل .
( ومنهم )
من هذب اخلاقه وراقب قلبه وصفاه عن جميع الكورات وصغرت الدنيا فى عينه وانقطع طمعه عن الخلق فلم يلتفت اليهم ودعته الرحمه والشفقه على عباد الله الى نصحهم واستخلاصهم عن أمراض المعاصى بالوعظ فلما استقل به وجد الشيطان مجال الفتنه فدعاه الى الرئاسه دعاء خفيفا ـ اخفى من دبيب النمله ـ لايشعر به ، ولم يزل ذلك فى قلبه يربو وينمو حتى دعاه الى التصنع والتزين للخلق ! بتحسين الالفاظ والنغمات والحركات والتصنع فى الزي والهيئه والشمائل ، وأقبل الناس اليه يعظمونه ويوقرونه توقيرا يزيد ( الله يلعن يزيد واتباعه ) على توقير الملوك إذ رأوه شافيا لامراضهم بمحض الرحمه والشفقه من غير طمع فآثروه بأبدانهم وأموالهم وصاروا له كالخدم والعبيد فعند ذلك انتشر طبعه وارتاحت نفسه وذاق لذه يالها من لذه وأصاب من الدنيا شهوه يستحقر معها كل شهو، فوقع فى اعظم لذات الدنيا بعد قطعه بانه تارك للدنيا ، فقد غره الشيطان على مالا يشعر به وعلامه ثوران حب الرئاسه فى باطنه :ـ انه لو اظهر من اقرانه من مالت القلوب الى قبوله وزاد أثر كلامه فى القبول على كلامه شق ذلك عليه إذ لولا أن النفس قد أستبشرت وستلذت بالرئاسه لكان يغتنم ذلك .
وصــــــل
( أهل العباده والعمل )
والمغرورون منهم فرق كثيره :ـ
( فمنهم )
من غلبت عليه الوسوسه فى إزالة النجاسه وفى الوضوء ، فيبالغ فيه ولا يرتضى الماء المحكوم بالطهاره فى فتوى الشرع ، ويقدر الاحتمالات البعيده الموجبه للنجاسه ن وإذا آل الامر إلى الاكل وأخذ المال قدر الاحتمالات الموجبه للحل بل ربما أكل الحرام المحض وقدر له محملا بعيدا لحله ولو انقلب هذا الاحتمال من الماء الى طعام لكان أشبه بسيره أكابر الاولياء ثم من هؤلاء من يخرج الى الاسراف فى صبه الماء وربما بالغ عند الوضوء فى التخليل وضرب أحدى يديه على وجهه أو يده الاخرى ولا يدرى هذا المغرور أن هذا العمل ان كان مع اليقين بحصول ما يلزم شرعا فهو تضييع للعمر الذى هو اعز الاشياء فيما له مندوحه عنه ، وان كان بدونه بل يحتاط فى التخليل ليحصل الجزم بوصول الماء الى البشره فما باله يتيقن بوصول الماء الى البشره فى الغسل بدون هذه المبالغه والاحتياط مع أن حصول القطع بايصال الماء الى البشره فى الغسل الزم واوجب ثم ربما لم يكن له مبالغه واحتياط فى الصلاه وسائر العبادات وانحصر احتياطه ومبالغته بالوضوء زاعماأن هذا يكفى لنجاته ، فهو مغرور فى غايه الغرور.
( ومنهم )
من أغتر بالصلاه فغلبت عليه الوسوسه فى نيتها ، فلا يدعه الشيطان حتى يعقد نيه صحيحه بل يشوش عليه حتى تفوته الجماعه أو فضيله الوقت ، وقد يوسوس فى التكبير حتى يغير صيغتها لشده الاحتياط فيه ، يفعل ذلك فى اول صلاته ثم يغفل فى جميع صلاته ولا يحضر قلبه ويغتر بذلك ويظن أنه إذا أتعب نفسه فى تصحيح النيه فهو على خير وربما غلبت على بعضهم الوسوسه فى دقائق القراءه ، واخرج حروف الفاتحه وسائر الاذكار عن مخارجها ، فلا يزال يحتاط فى التشديدات وتصحيح المخارج والتمييز بين مخارج الحروف المتقاربه ، من غير اهتمام فيما عدا ذلك ، من حضور القلب والتفكير فى معانى الاذكار ، ظنا منه أنه إذا صحت القراءه فالصلاه مقبوله وهذا اقبح انواع الغرور .
( ومنهم )
من اغتر بالصوم وربما صام الايام الشريفه بل صام الدهر ولم يحفظ لسانه عن الغيبه ولا بطنه عن الحرام عند الافطار ثم يظن بنفسه الخير وذلك فى غايه الغرور .
( ومنهم )
من اغتر بالحج فيخرج الى الحج من غير خروج عن المظالم وقضاء الديون وطلب الزاد الحلال ، ويضيع فى الطريق الصلاه ويعجز عن طهاره الثوب والبدن ، ثم يحضر البيت بقلب ملوث برذائل الاخلاق وذمائم الصفات ومع ذلك يظن أنه على خير ، فهو فى غايه الغرور .
( ومنهم )
من اغتر بقراءه القرآن ، فيهذ هذا ، وربما يختم فى اليوم والليله مره فيجزى به لسنه وقلبه مردد فى أوديه الأمانى وربما اسرع فى القرآءه غايه السرعه ويظن أن سرعه اللسان من الكمالات ويتفاخر على الامثال والأقران .
( ومنهم )
من اغتر ببعض النوافل ، كصلاه الليل ، أو مجرد غسل الجمعه ، أو أمثال ذلك من غير أعتداد بالفرائض ، زاعما أن المواظبه على مجرد هذه النافله ينجيه فى الآخره فهو ايضا من المغرورين .
( ومنهم )
من تزهد وقنع بالدون من المطعم والملبس والمسكن ، ظانا أنه ادرك رتبه الزهاد ومع ذلك راغب فى الرئاسه باشتهاره بالزهد فهو ترك أهون المهلكين باعظمها إذ حب الجاه أشد فسادا من حب المال ولو ترك الجاه وأخذ المال لكان أقرب الى السلامه ، فهو مغرور إذ ظن أنه من الزهاد ، ولم يعرف أن منتهى لذات الدنيا الرئاسه وهو يحبها فكيف يكون زاهدا
الطائفه السادسه
( المتصوفه )
والمغترون فيهم أكثر من أن يحصى : ــ
( فمنهم )
أرباب البوقات وهم القلندريه الذين لا يعرفون معنى التصوف ولا شيئا من مراسيم الدين وصوفوا أوقاتهم فى التكدى والسؤال من الناس ، ويظنون أنهم تاركون للدنيا مقبلون على الآخره مع انهم لو ظفروا بشئ من أامور الدنيا لأخذوه بجميع جوارحهم فهؤلاء أرذل الناس بوجوه كثيره لاتخفى .
( ومنهم )
من اغتر بالزى والمنطق ولبس الصوف واطراق الراس وإدخاله فى الجيب وخفض الصوت وتنفس الصعداء وتحريك البدن فى الطول والعرض والسقوط الى الارض لا سيما إذا سمعوا كلاما فى الوحده والعشق مع عدم اطلاعهم على حقيقه شئ منهما وربما تجاوز بعضهم من ذلك الى الرقص والتصفيق وابداء الشهيق والنهيق واختراع الاذكار والتغنى بالاشعار .... وغير ذلك من الحركات القبيحه والهيئات الشنيعه ويظن أن العبد بهذه الحركات والافعال يصل الى الدرجات العاليه ولم يعلم المغرور انها تقرب العبد الى سخط الله سبحانه وتعالى وعذابه .
( ومنهم )
من وقع فى الاباحه وطوى بساط الشرع والاحكام وترك الفصل بين الحلال والحرام والشبهات ولا يحترز عن اموال الظلمه والسلاطين وربما قال : المال مال الله والخلق عيال الله ، فهم فيه السواء . وربما قال إن الله مستغن عن عملى فاي حاجه الى أن اتعب نفسى فيه ؟ وربما قال : لاوزن لأعمال الجوارح وإنما النظر الى القلوب ، وقلوبنا والهه الى حب الله واصله الى معرفه الله ، وربما خاضوا فى الشهوات الدنيويه ، وقالوا : إنها لا تصدنا عن طريق الله ، لقوة نفوسنا وقوة أقدامنا قيها وأنما يحتاج العوام الى تهذيب النفس لأعمال البدنيه ونحن مستغنون عنه فهؤلاء يرفعون درجتهم عن درجه الانبياء ـ عليهم السلام ـ إذ كانوا يصرحون بان ارتكاب الامور المباحه فضلا عن الخطايا والمعاصى يصدهم عن طريق الله ، حتى يبكون سنين متواليه على ترك الراجح وفعل المرجوح فهم اشد الناس غرورا واعظم الخلق حماقه وجهلا .
( ومنهم )
من يدعى غايه المعرفه واليقين والوصول الى درجات المقربين ومشاهده المعبود ومجاورة المقام المحمود والملازمه فى عين الشهود وتلقف من الطامات كلمات يرددها ويظن أنه يتكلم عن الوحى ويخبر عن السماء وينظر الى العباد والفقهاء والمحدثين وسائر اصناف العلماء بعين الحقاره والازدراء يقول فى العباد : إنهم اجراء مبعوثون وفى العلماء إنهم بالحديث عن الله لمحجوبون ويدعي لنفسه من الكرامات مالا يدعيه نبى ولا ولي ويدعى كونه واصلا الى الحق فارغا عن اعباء التكلف لا علما أحكم ولا عملا هذب لم يعرف من المعارف إلا أسماء يتفوه بها عند الاغنياء للوصول الى بعض حطامهم الخبيثه فهو عند الله من الفجار المنافقين وعند ارباب القلوب من الحمقى الجاهلين مع ظنه أنه من المقربين فهو اشد الغافلين المغرورين .
( ومنهم )
ملاميه يرتكبون قبائح الاعمال وشنائع الافعال الموجبه للبعد عن طريق المروه ظنا منهم أن هذا موجب لكسر النفس وإزاله ذمائم الاخلاق ولم يعلموا ان هذه الافعال من الذمائم وقد نهى صاحب الشرع عنه .
الطائفه السابعه
( الاغنياء وأرباب الأموال )
والمغترون فيهم اكثر من سائر الطوائف :ـ
( فمنهم )
من يحرص على بناء المساجد والمدارس والرباطات والقناطر وسائر ما يظهر للناس بالاموال المحرمه وربما غصب ارض المساجد والمدارس وربما صير لها موقوفات اخذها من غير حلها ولا باعث له على ذلك سوى الرياء والشهوه ولذا يسعى فى كتابه اسمه على احجار ليتخلد ذكره ويبقى بعد الموت أثره ويظن المسكين أنه قد استحق المغفره بذلك وانه مخلص فيه ولم يدر أنه تعرض لسخط الله فى كسب هذه الأموال وفى انفاقها ، وكان الواجب عليه الامتناع عن اخذها من اهله ، وإذا عصى الله وأخذها وكان الواجب عليه التوبه وردها الى أهلها فأن لم يبق من أخذها منه ولا ورثته ، كان الواجب أن يتصدق بها على المساكين ، مع أنه ربما كان فى بلده او فى جواره مسكين يكون فى غايه الفقر والمسكنه ولا يعطيه درهما .
( ومنهم )
من ينفق الاموال فى الصدقات إلا أنه يطلب الفقراء الذين عادتهم الشكر والافشاء للمعروف ويكره التصديق فى السر بل يطلب المحافل الجامعه ويتصدق فيها ، وربما يكره التصديق على فقراء بلده ويرغب أن يعطى أهل البلاد الآخر مع أكثريه أستحقاق فقراء بلده طلبا لاشتهار بالبذل والعطاء فى البلاد الخارجه البعيده وربما يصرف كثيرا منه الى رجل معروف فى البلاد وإن لم يكن مستحقا ، ليشهر ذلك فى البلاد ولا يعطى قليلا منه الى فقير له غايه الاستحقاق إذا كان خامل الذكر يفعل هذا ويظن أنه يجلب بذلك الاجر والثواب ولم يدر المغرور أن هذا القصد أحبط عمله واضاع ثوابه .
( ومنهم )
من يجمع مالا من غير حله ولا يبالى باخذ المال من اى طريق كان ثم يمسكه غايه الامساك إلا أنه لايبالى بصرف بعضه فى طريق الحج إما لنفسه فقط أو لاولاده وأزواجه ايضا أما للاشتهار أو لما وصل اليه ان تارك الحج يبتلى بالفقر .
( ومنهم )
من غلب عليه البخل فلا تسمح نفسه بانفاق شى من ماله فيشتغل بالعباده البدنيه من الصوم والصلاه ظنا منه ان ذلك يكفى لنجاته ولم يدر ان البخل صفه مهلكه لابد من إزالتها وعلاجه بذل المال دون العبادات البدنيه ومثله مثل من دخلت فى ثوبه حيه وقد اشرف على الهلاك وهو مشغول بطبخ السكنجبين ليسكن الصفراء وغافل بان الحيه تقتله الآن ومن قتلته الحيه فأى حاجه له الى السكنجبين .
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد
معنى الغرور ذمه طوائف المغرورين ،والمغرورين من الكفار والعصاه والفساق من المؤمنين المغترون من اهل العلم وفرقهم المغترون من الاغنياء أكثر من سائر الطوائف ـ ضد الغرور الفطانه والعلم والزهد .
وهو سكون النفس الى ما يوافق الهوى ، ويميل اليه الطبع عن شبهه وخدعه من الشيطان ، فمن اعتقد انه على خير إما فى العاجل أو فى الآجل عن شبهه فاسده فهو مغرور، ولما كان اكثر الناس ظانين بانفسهم خيرا ومعتقدين بصحه ماهم عليه من الاعمال والافعال وخيريته مع انهم مخطئون فيه فهم مغرورون ايضا، مثلا من ياخذ المال الحرام ينفقها فى مصارف الخير ، كبناء المساجد والمدارس والقناطر والرباطات وغيرها ، يظن أن هذا خير له وسعاده مع أنه محض الغرور، حيث خدعه الشيطان وأراه ماهو شر له خيرا ، وكذا الواعظ الذى غرضه الجاه والقبول من موعظته يظن أنه فى طاعه الله سبحانه وتعالى ،مع انه في المعصيه بغرور الشيطان .
ثم لاريب فى أن سكون النفس الى مايوافق الهوى ، ويميل الطبع اليه عن شبه ومخيله ، مركب من امرين : ( أحدهما ) اعتقاد النفس بأن هذا خير له مع كونه خلاف الواقع ( وثانيهما ) حبها وطلبها باطناًٍلمقتضيات الشهوه أو الغضب ، فإن الواعظ إذا قصد بوعظه طلب الجاه والمنزله معتقدا أنه يجلب به الثواب تكون له رغبه الى الجاه واعتقاد بكونه خيرا له إذ الغنى إذا أمسك ماله ولم ينفقه فى المصارف الآزمه وواظب على العباده معتقدا أن مواظبته على العباده تكفى لنجاته وان كان بخيلا يكون له حب للمال واعتقاد بانه على خير ، ثم الاعتقاد المذكور راجع الى نوع معين من الجهل المركب وهو الجهل الذى يكون المجهول المعتقد فيه شيئا يوافق الهوى ، فيكون من رذائل القوه العاقله ، والحب والطلب للجاه والمال من رذائل قوتى الغضب والشهوه .
فالغرور يكون من رذائل القوى الثلاث أو من رذائل العاقله مع اجدهما.
الطائفه الثانيه
( العصاه والفساق من المؤمنين )
وعلاج هذا الغرور، ان يعرف الفرق بين الرجاء الممدح والتمنى المذموم ويعلم ان غروره ليس رجاء ممدوحا بل هو تمن مذموم كما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والاحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله ".
فأن الرجاء لاينفك عن العمل إذ من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه ، كذلك من رجا رحمه الله وهو لم يؤمن او آمن ولم يترك المعاصى أ, تركها ولم يعمل صالحا فهو مغرور جاهل .
الطائفه الثالثه
( أهل العلم )
والمغترون منهم فرق :
( فمنهم )
من اقتصر من العلم على علم الكرم والمجادله ومعرفه آداب المناظره ليتفاخر فى انديه الرجال ويتفوق على الاقران والامثال ، من غير أن يكون له فى العقائد قدم راسخ أو مذهب واحد ، بل يختار تاره ذاك وتاره هذا ، وتكون عقيدته كخيط مرسل فى الهواء تفيئه الريح مره هكذا ومره هكذا ، ومع ذلك يظن بغروره أنه أ‘رف الناس وأعلمهم بالله وبصفاته .
( ومنهم )
من اقتصر من العلم على النحو واللغه ، أو الشعر أو المنطق واغتر به وأفنى عمره فيها ، وزعم ان علم الشريعه والحكمه موقوف عليها ، ولم يعلم أن ماليس مطلوبا لذاته ويكون وسيله الى ما هو مقصود لذاته يجب أن يقتصر عليه بقدر الضروره ، والتعمق فيه الى درجات لاتتناهى فضول مستغنى عنها وموجب للحرمان عما هو مقصود لذاته .
( ومنهم )
من اقتصر على فن المعاملات من الفقه ، المتضمن لكيفيه الحكم والقضاء بين الناس ، واشتغل بأجراء الاحكام ، وأعرض عن علم العقائد والاخلاق بل عن فن العبادات من الفقه ، وأهمل تفقد قلبه ليتخلى عن رذائل الاخلاق ويتحلى بفضائل الملكات وتفقد جوارحه وحفظها عن المعاصى والزامها الطاعات .
( ومنهم )
من حصل على فن العبادات أيضا بل أحكم العلوم الشرعيه بأسرها وعمق فيها وشتغل ، ولكن ترك العلم الإلهى وعلم الاخلاق ولم يحفظ الباطن والظاهر عن المعاصى ولم يعمرها بالطاعات .
( ومنهم )
من أحكم جميع العلوم من العقليه والشرعيه وتعمق فيها واشتغل بها إلا أنه اهمل العمل رأسا ، أو واظب على الطاعات الظاهره واهمل صفات القلب وربما تفقد صفات القلب واخلاق النفس ايضا وجاهد نفسه فى التبرى عنها وقلع منابتها الجليه القويه ولكن بقيت فى زاويا قلبه خفايا من مكائد الشيطان وخبايا وتلبيات النفس ما دق وغمض مدركه فلا يتفطن بها .
وجميع هؤلاء غافلون إذا كان اعتقادهم أنهم على خير وسعاده وإن كان بينهم تفاوت من حيث الضعف والشدة إذ سعاده النفس وخلاصها عن العذاب لاتحصل إلا بمعرفه الله سبحانه وتعالى ومعرفه صفاته وافعاله واحوال النشأه الآخره والعلم برذائل الأخلاق وشرائفها ، ثم تهذيب الباطن بفضائل الأخلاق وعماره الظاهر بصوالح الطاعات والأعمال ، فكل من يعلم بعض العلوم وترك ماهو المهم من العلم ـ اعنى معرفه سلوك الطريق وقطع عقبات النفس التى هى الصفات المذمومه المانعه عن الوصول الى الله سبحانه وتعالى ـ وظن أنه على خير كان مغرورا ، وإذا مات ملوثا بتلك الصفات كان محجوبا على الله سبحانه وتعالى ، فمن ترك العلم المهم واشتغل بغيره فهو كمن له مرض خاص مهلك فحتاج الى تعلم الدواء واستعماله، فاشتغل بتعلم مرض آخر يضاد مرضه فى المعالجه كما ان من أحكم العلوم باسرها وترك العمل مثل المريض الذى تعلم دواء مرضه وكتبه وهو يقرأه ويعلمه المرضى ولا يستعمله قط لنفسه فإنه لاريب فى أن مجرد تعلم الدواء لايشفيه بل لو كتبت منه الف نسخه وعلمه الف مريض حتى شفى جميعهم وكرره كل ليله الف مره لم ينفعه ذلك من مرضه شيئاحتى يشترى هذا الدواء ويشربه كما تعلم فى وقته ومع شربه واستعماله يكون على خطر من شفائه فكيف إذا لم يشربه أصلا فلو ظن أن مجرد تعلم الدواء يكفيه ويشفيه فهو مغرور فكذلك من احكم علم الطاعات ولم يعملها وأحكم علم المعاصى ولم يجتنبها واحكم علم الاخلاق ولم يزك نفسه عن رذائلها ولم يتصف بفضائلها فهو فى غايه الغرور.
الطائفه الرابعه
( الوعاظ )
والمغترون منهم كثيرون:ـ
( فمنهم )
من يتكلم فى وعظه فى اخلاق النفس وصفات القلب ، من الخوف ، والرجاء ، والتوكل والرضا ، والصبر ، والشكر ونظائرها ويظن أنه إذا تكلم بهذه الصفات ودعا الخلق اليها صار موصوفا بها ، وهو منفك عنها فى الواقع إلا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين ، ويزعم أن غرضه اصلاح الخلق دون أمر آخر ، ومع ذلك لو أقبل الخلق على أحد من اقرانه وصلحوا على على يديه وكان اقوى منه فى الارشاد والاصلاح لمات غما وحسدا ولو أثنى احد المترددين عليه على بعض أقرانه لصار ابغض خلق الله اليه .
( ومنهم )
من اشتغل بالشطح والطامات وتلفيق كلمات خارجه عن قانون الشرع والعقل ، وربما كلف نفسه بالفصاحه والبلاغه ، وتصنع التشبيهات والمقدمات ، وشغف بطيارات النكت وتسجيع الالفاظ وتلفيقها ، طلبا للاعوان والانصار وشوقا الى تكثر البكاء والرقه والتواجد والرغبات فى مجلسه ، والتذاذا بتحريك الرؤوس على كلامه والبكاء عليه ، وفرحا بكثره الاصحاب والمستفيدين والمعتقدين به ، وسرورا بالتخصيص بهذه الخاصه من بين سائر الاقران وربما لم يبال بالكذب فى نقل الاخبار والاثار ، ظنا منه أنه اوقع فى النفوس وأشد تأثيرا فى رقه العوام وتواجدهم ولا ريب فى أن هؤلاء شر الناس ، بل شياطين الانس ضلوا واضلوا عن سواء السبيل .
( ومنهم )
من هذب اخلاقه وراقب قلبه وصفاه عن جميع الكورات وصغرت الدنيا فى عينه وانقطع طمعه عن الخلق فلم يلتفت اليهم ودعته الرحمه والشفقه على عباد الله الى نصحهم واستخلاصهم عن أمراض المعاصى بالوعظ فلما استقل به وجد الشيطان مجال الفتنه فدعاه الى الرئاسه دعاء خفيفا ـ اخفى من دبيب النمله ـ لايشعر به ، ولم يزل ذلك فى قلبه يربو وينمو حتى دعاه الى التصنع والتزين للخلق ! بتحسين الالفاظ والنغمات والحركات والتصنع فى الزي والهيئه والشمائل ، وأقبل الناس اليه يعظمونه ويوقرونه توقيرا يزيد ( الله يلعن يزيد واتباعه ) على توقير الملوك إذ رأوه شافيا لامراضهم بمحض الرحمه والشفقه من غير طمع فآثروه بأبدانهم وأموالهم وصاروا له كالخدم والعبيد فعند ذلك انتشر طبعه وارتاحت نفسه وذاق لذه يالها من لذه وأصاب من الدنيا شهوه يستحقر معها كل شهو، فوقع فى اعظم لذات الدنيا بعد قطعه بانه تارك للدنيا ، فقد غره الشيطان على مالا يشعر به وعلامه ثوران حب الرئاسه فى باطنه :ـ انه لو اظهر من اقرانه من مالت القلوب الى قبوله وزاد أثر كلامه فى القبول على كلامه شق ذلك عليه إذ لولا أن النفس قد أستبشرت وستلذت بالرئاسه لكان يغتنم ذلك .
وصــــــل
( أهل العباده والعمل )
والمغرورون منهم فرق كثيره :ـ
( فمنهم )
من غلبت عليه الوسوسه فى إزالة النجاسه وفى الوضوء ، فيبالغ فيه ولا يرتضى الماء المحكوم بالطهاره فى فتوى الشرع ، ويقدر الاحتمالات البعيده الموجبه للنجاسه ن وإذا آل الامر إلى الاكل وأخذ المال قدر الاحتمالات الموجبه للحل بل ربما أكل الحرام المحض وقدر له محملا بعيدا لحله ولو انقلب هذا الاحتمال من الماء الى طعام لكان أشبه بسيره أكابر الاولياء ثم من هؤلاء من يخرج الى الاسراف فى صبه الماء وربما بالغ عند الوضوء فى التخليل وضرب أحدى يديه على وجهه أو يده الاخرى ولا يدرى هذا المغرور أن هذا العمل ان كان مع اليقين بحصول ما يلزم شرعا فهو تضييع للعمر الذى هو اعز الاشياء فيما له مندوحه عنه ، وان كان بدونه بل يحتاط فى التخليل ليحصل الجزم بوصول الماء الى البشره فما باله يتيقن بوصول الماء الى البشره فى الغسل بدون هذه المبالغه والاحتياط مع أن حصول القطع بايصال الماء الى البشره فى الغسل الزم واوجب ثم ربما لم يكن له مبالغه واحتياط فى الصلاه وسائر العبادات وانحصر احتياطه ومبالغته بالوضوء زاعماأن هذا يكفى لنجاته ، فهو مغرور فى غايه الغرور.
( ومنهم )
من أغتر بالصلاه فغلبت عليه الوسوسه فى نيتها ، فلا يدعه الشيطان حتى يعقد نيه صحيحه بل يشوش عليه حتى تفوته الجماعه أو فضيله الوقت ، وقد يوسوس فى التكبير حتى يغير صيغتها لشده الاحتياط فيه ، يفعل ذلك فى اول صلاته ثم يغفل فى جميع صلاته ولا يحضر قلبه ويغتر بذلك ويظن أنه إذا أتعب نفسه فى تصحيح النيه فهو على خير وربما غلبت على بعضهم الوسوسه فى دقائق القراءه ، واخرج حروف الفاتحه وسائر الاذكار عن مخارجها ، فلا يزال يحتاط فى التشديدات وتصحيح المخارج والتمييز بين مخارج الحروف المتقاربه ، من غير اهتمام فيما عدا ذلك ، من حضور القلب والتفكير فى معانى الاذكار ، ظنا منه أنه إذا صحت القراءه فالصلاه مقبوله وهذا اقبح انواع الغرور .
( ومنهم )
من اغتر بالصوم وربما صام الايام الشريفه بل صام الدهر ولم يحفظ لسانه عن الغيبه ولا بطنه عن الحرام عند الافطار ثم يظن بنفسه الخير وذلك فى غايه الغرور .
( ومنهم )
من اغتر بالحج فيخرج الى الحج من غير خروج عن المظالم وقضاء الديون وطلب الزاد الحلال ، ويضيع فى الطريق الصلاه ويعجز عن طهاره الثوب والبدن ، ثم يحضر البيت بقلب ملوث برذائل الاخلاق وذمائم الصفات ومع ذلك يظن أنه على خير ، فهو فى غايه الغرور .
( ومنهم )
من اغتر بقراءه القرآن ، فيهذ هذا ، وربما يختم فى اليوم والليله مره فيجزى به لسنه وقلبه مردد فى أوديه الأمانى وربما اسرع فى القرآءه غايه السرعه ويظن أن سرعه اللسان من الكمالات ويتفاخر على الامثال والأقران .
( ومنهم )
من اغتر ببعض النوافل ، كصلاه الليل ، أو مجرد غسل الجمعه ، أو أمثال ذلك من غير أعتداد بالفرائض ، زاعما أن المواظبه على مجرد هذه النافله ينجيه فى الآخره فهو ايضا من المغرورين .
( ومنهم )
من تزهد وقنع بالدون من المطعم والملبس والمسكن ، ظانا أنه ادرك رتبه الزهاد ومع ذلك راغب فى الرئاسه باشتهاره بالزهد فهو ترك أهون المهلكين باعظمها إذ حب الجاه أشد فسادا من حب المال ولو ترك الجاه وأخذ المال لكان أقرب الى السلامه ، فهو مغرور إذ ظن أنه من الزهاد ، ولم يعرف أن منتهى لذات الدنيا الرئاسه وهو يحبها فكيف يكون زاهدا
الطائفه السادسه
( المتصوفه )
والمغترون فيهم أكثر من أن يحصى : ــ
( فمنهم )
أرباب البوقات وهم القلندريه الذين لا يعرفون معنى التصوف ولا شيئا من مراسيم الدين وصوفوا أوقاتهم فى التكدى والسؤال من الناس ، ويظنون أنهم تاركون للدنيا مقبلون على الآخره مع انهم لو ظفروا بشئ من أامور الدنيا لأخذوه بجميع جوارحهم فهؤلاء أرذل الناس بوجوه كثيره لاتخفى .
( ومنهم )
من اغتر بالزى والمنطق ولبس الصوف واطراق الراس وإدخاله فى الجيب وخفض الصوت وتنفس الصعداء وتحريك البدن فى الطول والعرض والسقوط الى الارض لا سيما إذا سمعوا كلاما فى الوحده والعشق مع عدم اطلاعهم على حقيقه شئ منهما وربما تجاوز بعضهم من ذلك الى الرقص والتصفيق وابداء الشهيق والنهيق واختراع الاذكار والتغنى بالاشعار .... وغير ذلك من الحركات القبيحه والهيئات الشنيعه ويظن أن العبد بهذه الحركات والافعال يصل الى الدرجات العاليه ولم يعلم المغرور انها تقرب العبد الى سخط الله سبحانه وتعالى وعذابه .
( ومنهم )
من وقع فى الاباحه وطوى بساط الشرع والاحكام وترك الفصل بين الحلال والحرام والشبهات ولا يحترز عن اموال الظلمه والسلاطين وربما قال : المال مال الله والخلق عيال الله ، فهم فيه السواء . وربما قال إن الله مستغن عن عملى فاي حاجه الى أن اتعب نفسى فيه ؟ وربما قال : لاوزن لأعمال الجوارح وإنما النظر الى القلوب ، وقلوبنا والهه الى حب الله واصله الى معرفه الله ، وربما خاضوا فى الشهوات الدنيويه ، وقالوا : إنها لا تصدنا عن طريق الله ، لقوة نفوسنا وقوة أقدامنا قيها وأنما يحتاج العوام الى تهذيب النفس لأعمال البدنيه ونحن مستغنون عنه فهؤلاء يرفعون درجتهم عن درجه الانبياء ـ عليهم السلام ـ إذ كانوا يصرحون بان ارتكاب الامور المباحه فضلا عن الخطايا والمعاصى يصدهم عن طريق الله ، حتى يبكون سنين متواليه على ترك الراجح وفعل المرجوح فهم اشد الناس غرورا واعظم الخلق حماقه وجهلا .
( ومنهم )
من يدعى غايه المعرفه واليقين والوصول الى درجات المقربين ومشاهده المعبود ومجاورة المقام المحمود والملازمه فى عين الشهود وتلقف من الطامات كلمات يرددها ويظن أنه يتكلم عن الوحى ويخبر عن السماء وينظر الى العباد والفقهاء والمحدثين وسائر اصناف العلماء بعين الحقاره والازدراء يقول فى العباد : إنهم اجراء مبعوثون وفى العلماء إنهم بالحديث عن الله لمحجوبون ويدعي لنفسه من الكرامات مالا يدعيه نبى ولا ولي ويدعى كونه واصلا الى الحق فارغا عن اعباء التكلف لا علما أحكم ولا عملا هذب لم يعرف من المعارف إلا أسماء يتفوه بها عند الاغنياء للوصول الى بعض حطامهم الخبيثه فهو عند الله من الفجار المنافقين وعند ارباب القلوب من الحمقى الجاهلين مع ظنه أنه من المقربين فهو اشد الغافلين المغرورين .
( ومنهم )
ملاميه يرتكبون قبائح الاعمال وشنائع الافعال الموجبه للبعد عن طريق المروه ظنا منهم أن هذا موجب لكسر النفس وإزاله ذمائم الاخلاق ولم يعلموا ان هذه الافعال من الذمائم وقد نهى صاحب الشرع عنه .
الطائفه السابعه
( الاغنياء وأرباب الأموال )
والمغترون فيهم اكثر من سائر الطوائف :ـ
( فمنهم )
من يحرص على بناء المساجد والمدارس والرباطات والقناطر وسائر ما يظهر للناس بالاموال المحرمه وربما غصب ارض المساجد والمدارس وربما صير لها موقوفات اخذها من غير حلها ولا باعث له على ذلك سوى الرياء والشهوه ولذا يسعى فى كتابه اسمه على احجار ليتخلد ذكره ويبقى بعد الموت أثره ويظن المسكين أنه قد استحق المغفره بذلك وانه مخلص فيه ولم يدر أنه تعرض لسخط الله فى كسب هذه الأموال وفى انفاقها ، وكان الواجب عليه الامتناع عن اخذها من اهله ، وإذا عصى الله وأخذها وكان الواجب عليه التوبه وردها الى أهلها فأن لم يبق من أخذها منه ولا ورثته ، كان الواجب أن يتصدق بها على المساكين ، مع أنه ربما كان فى بلده او فى جواره مسكين يكون فى غايه الفقر والمسكنه ولا يعطيه درهما .
( ومنهم )
من ينفق الاموال فى الصدقات إلا أنه يطلب الفقراء الذين عادتهم الشكر والافشاء للمعروف ويكره التصديق فى السر بل يطلب المحافل الجامعه ويتصدق فيها ، وربما يكره التصديق على فقراء بلده ويرغب أن يعطى أهل البلاد الآخر مع أكثريه أستحقاق فقراء بلده طلبا لاشتهار بالبذل والعطاء فى البلاد الخارجه البعيده وربما يصرف كثيرا منه الى رجل معروف فى البلاد وإن لم يكن مستحقا ، ليشهر ذلك فى البلاد ولا يعطى قليلا منه الى فقير له غايه الاستحقاق إذا كان خامل الذكر يفعل هذا ويظن أنه يجلب بذلك الاجر والثواب ولم يدر المغرور أن هذا القصد أحبط عمله واضاع ثوابه .
( ومنهم )
من يجمع مالا من غير حله ولا يبالى باخذ المال من اى طريق كان ثم يمسكه غايه الامساك إلا أنه لايبالى بصرف بعضه فى طريق الحج إما لنفسه فقط أو لاولاده وأزواجه ايضا أما للاشتهار أو لما وصل اليه ان تارك الحج يبتلى بالفقر .
( ومنهم )
من غلب عليه البخل فلا تسمح نفسه بانفاق شى من ماله فيشتغل بالعباده البدنيه من الصوم والصلاه ظنا منه ان ذلك يكفى لنجاته ولم يدر ان البخل صفه مهلكه لابد من إزالتها وعلاجه بذل المال دون العبادات البدنيه ومثله مثل من دخلت فى ثوبه حيه وقد اشرف على الهلاك وهو مشغول بطبخ السكنجبين ليسكن الصفراء وغافل بان الحيه تقتله الآن ومن قتلته الحيه فأى حاجه له الى السكنجبين .
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
تعليق