اللهم صل علي محمد وال محمد
[frame="3 80"]
العلاقة بين التصوف والفلسفة الكميّة
يقترب التصور الذي يقدمه علم الفيزياء المعاصر للوجود استنادا الى "كوانتم" النظريه الكميه بكل اضدادها و اسرارها ، و الى النظريه النسبيه و فيزياء الفلك ، وفق اكثر من زاوية من التصور الذي كان يحمله رجال التصوف منذ 1400 عام. فعلى عكس التصور الآلي للوجود الذي اعتمده الفكر الغربي ابتداء من الفلاسفة الاغريق و مرورا بصيرورة من التطور قلربت الالف عام ، نجد ان رجال التصوف كانوا يعتقدون بأن الأشياء و الأحداث المدركة بالحواس وفق علاقتها الجدلية ، و ارتباطها ببعضها بعضا ، ليست إلا صوراً و تجليات عن الحقيقة المطلقة بذاتها .
على انه في الوقت الذي تستخدم فيه العلوم، بخاصة الفيزياء، لغة الرياضيات الحديثة البالغة الدقه للتعبير عن موضوعاتها، نجد ان التصوف كان يعتمد بالأحرى على العلم اللدني و الحدس الداخلي ، مع التأكيد على ان المعرفه الصوفيه ما لا يمكن التعبير عنها بالكلم ، و ان التجربه الصوفيه وفق هذا المعنى متعاليه عن الوصف، كما ان الصوفيه لا يعتبرون العقل مصدرا للمعرفة، بل هو ليس اكثر من آلية لتفسير و تحليل تجاربهم الصوفيه الذاتيه.
على ان المقاربه بين التجربه العلميه و التجربه الصوفية هنا، قد دعوا للدهشة، بالقياس الى ما يبدو من اختلاف بين طبيعة العلم و طبيعة التصوف.
فعلماء الفيزياء يوظفون في مبحثهم على الوجود التجارب العلمية، و التي يتعاون على انجازها فريق عمل دؤوب مؤهل بقدرات عالية، و بالاستعانه بآليات تقنيه على درجة من الدقه، فيما رجال التصوف، على العكس، يكتفون في معراجهم نحو هذه المعرفه ، بالتسامي الروحي و الحدس اللدنّي ، من دون توظيف اية آليه خارجيه ، بل في خلوه ضروريه لهذا التأملو هذا "الذكر" .
على رغم ذلك فإن التشابه بين العلمين جدّ كبير ، حيث تتطلب التجارب الفيزيائية الحديثة التي تبحث في مكونات أجزاء العناصر الدقيقه ، من الفيزيائي مراحل طويله و صعبه من التدريب ، قد تصل لسنوات عدّة ، الأمر الذي يشبه ما يتطلبه التصوف العميق من سنوات طويله من التتلمذ على يد "الشيخ" أو الامام اللاوحي الواصل .كما ان دقة و فعالية الأجهزة التقنيه ، تمكن الفيزيائي من الوصول الى الإحساس نفسه ، ان لم يكن اكبر ، الذي يصل اليه الصوفي عبر التأمل الحدسي الباطني .
فكلاهما ، الفيزيائي و الصوفي ، يستغرقان في حالة تأمل أو "ذكر" عميق ، يتولد عنها عند كليهما ، مقدرة لا تشبه المتعارف عليه ، تكون مطيتها للتفكير في الوجود ، و هي الحالة التي يستحيل على "العلماني" أو الشخص العادي ان يصل اليها ، و ذلك على رغم اختلاف اللغة أو التقنيه التي سيوظفها كلا الطرفين للتعبير عن كشوفاته أو استنتاجاته للآخرين .
غاية الذكر 
ان غاية الذكر الأساسية هي "لجم" العقل عن التفكير، و الخوض في مقام يغيب فيه العقل كلياً ، و يحلّ محلّه "الحدس" كوسيلة للوعي . و الوصول إلى هذه الدرجة من "سكينة العقل" ، يتم عن طريق تركيز المرء لانتباهه على عنصر بذاته ، كأن يركز على تنفسه ، و الترتيل بذكر الله أو "لا إله إلا الله" .
وفق هذا المعنى تكون اصلاة بذاتها شكلا من اشكال الذكر، وفق ما يتحقق خلالها من توقف العقل عن التفكير (خارج الصلاة ذاتها). لذلك يتحقق في الصلاة ذلك الشعور بالأمن و السكينة والصفاء ، تماما كما يحدث خلال الحالة التي ترافق أعلى مراحل "الذكر" .
و اثناء الذكر يتخلص العقل من كل الافكار او المفاهيم ، و بالتالي يصبح مهيئاً للإبحار خلال ساعات طويلة في رحاب "مقام" حدسي مفارق ، على انه و بناء على هذا التوقف للعقل عن التفكير ، تقوم الحالة الحدسية ذاتها ، بتطوير حالة من "الوعي اللدنّي" الذي لا علاقة له بما هو موجود ، ليحل محل العقل . و هذا الوعي الأخير بالذات هو الذي يمكن الصوفي من ادراك الوجود من دون حجاب ، بذاته و من ذاته، من دون المرور بمصفاة قنوات العقل "المفاهيمي".
و تجربة التوحدّ مع الوجود ، تعد الخاصية الأساسية لهذا المقام الحدسي ، أو هذه الحالة الإستغراقية الشعور ، التي تنتفي خلالها أشكال الانفصال أو التعدد كافة ، و يتأكد خلالها بالأحرى معنى الوحدة الكلية ، او الولوج الى "عالم الأنوار" بلغة التصوف ، و الذي يؤسس لتجربة إنغماس الوعي في حالة توحد مطلق مع الوجود ، على النحو الذي يمكن الصوفيه من تجاوز وجودهم الخاص القائم بذاته ، و توحدهم مع الحقيقة المطلقة.
مبحث الوجود
في مجال علم الفيزياء ، نجد عددا من النماذج و النظريات الفيزيائية التي حاولت ان تقدم تفسيرا يشرح حقيقة الوجود ، و هي المحاولات الت شكلت أساسات البحث العلمي الحديث .
مع ذلك نجد ان اينشتاين يؤكد بأنه : " بقدر استناد القوانين الرياضية الى الواقع ، تكون غير أكيده ، و بقدر ما تكون أكيده فانها لا تستند الى الواقع " . حيث بدا جلياً أمام التحليل العقلي ، ان الجوهر الأساسي للأشياء ، يتكشف و كأنه "مستحيل" أو "مضاد" . و على رغم ان هذا اللغز المحيّر ( أو السرّ الوجودي) كان قائما في قلب التفكير الصوفي منذ زمن طويل، نجد ان العالم لم يعترف به كذلك الا في الفترة القريبة الماضيه.
اذ لم تعدّ المعرفة المتعلقة بعالم الذرة ، و ما دون الذره ، مستندة الى التجربة الحسية، فقد تأكد أن هذه المعرفة ، اي القائمة على معطيات الحواس أو المنطق لم تعد بالضرورة صحيحة، و حيث اتاحت الفيزياء الكمية للعلماء اليوم امكانية الإكتفاء بمجرد نظرة مجردة عن حقائق الأشياء . أي ان علماء الفيزياء اليوم صاروا مثل رجال الصوفية ، يعتمدون على التجربة "غير الحسّية" لتفسير الوجود ، و صاروا يخوضون مثلهم في ألغاز و أسرار هذه التجربة.
ثنائية الضوء 
تتضمن الفيزياء الكمية الكثير من الأضداد أو المتناقضات ، و التي تعود بالدرجة الأولى الى طبيعة الضوء الثنائية ، أو أكثر عموما الى طبيعة الأشعة الكهرومغناطيسية.
فالضوء بحكم تكوينه ، ينتج ظواهر تصادمية متشعبة ، تنساب في شكل طبيعي مع الموجات الضوئية ، و هو ما يمكن رؤيته بالتجربة ، عن طريق توظيف مصدرين للضوء ، ينتج أحدهما ضوءا يختلف عن الآخر ، كأن يكون احدهما ساطعا و الآخر أضعف منه .
من جهة اخرى ، ينتج عن الأشعة الكهرومغناطيسية ما يعرف بالتأثير الضوئي ، فعندما تضرب موجة ضوئية قصيره مثل الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة السينيه أو اشعة غاما سطحا معدنيا ما ، ينتج عن احتكاكها بذلك السطح تولّد ما يعرف " بالإلكترونات " ، و هي الحقيقة التي تبرهن على احتواء الضوء على جسيمات صغيرة متحركة.
على ان السؤال الذي حيّر علماء الفيزياء كثيرا، في المراحل الأولى للنظرية الكمية (الكوانتم) كان : "كيف يمكن للأشعة الكهرومغاطيسية ان تحتوي في الوقت نفسه على جسيمات صغيرة ، داخل حيّز محدود ، و موجات تنتشر على مساحات واسعة من الفضاء؟؟".
في واقع الأمر لا تملك اي لغة و لا اي تصوّر القدرة على تقديم تفسير ممكن لمثل هذه الحقائق.
الفيزياء الحديثه
بالنسبة الى الصوفية تؤسس التجربة الروحية مع الوجود ، لواقعة وجودية على درجة من الأهمية ، تقلب رأساً على عقب كافة التصورات السابقة التي كان يملكها المرء عن الكون. و يتدخل "مقام الشهود" ، الذي يمثل اعنف تجربة روحية في عالم الشعور الإنساني ، ليختصر كل أشكال التجارب القياسية السابقة . بعض الصوفية يصفها بأنها مثل "انشقاق قاع الدلو من الطرف الى الآخر" .
و عندما صار علماء الفيزياء في النصف الأول من القرن العشرين على وعي أمام نتائج التجارب الجديدة حول حقائق الذرات ، بأن "أسس" تصورهم للوجود صارت تهتّز ، كانوا غالبا ما يوظفون لوصف هذه التجربة تعابير تشبه الى درجة كبيرة اللغة التي كان يوظفها الصوفية ، حيث كتب هيسنبرغ يقول :" لا يمكن فهم التطورات الحديثة التي صارت تتم في ميدان الفيزياء ، إلا بعد الإعتراف بأن الأساسات الأولية للفيزياء صارت تهتز ، و ان هذا الإهتزاز ادّى الى الشعور بأن الأرض ستنفصل عن العلم".
فقد حدثت تغيرات جذرية في طبيعة معرفتنا بالمكان و الزمان و الماده ، أو الأشياء و الموجات و المسبب و المؤثر . و التي ادّت من دون شك إلى التأسيس لتصوّر جديد عن الوجود مختلف راديكالياً عمّا سبق ، و الذي لم ننته بعد من تحديده بشكل نهائي .
الزمان / مكان 
تفترض النسبية الفيزيائية انه اذا تمكن المرء من تصوّر مفهوم الزمان باعتباره رباعي الأبعاد ، فإن العديد من مظاهر التناقض التي كانت تبدو قائمة سرعان ما تنتهي . على أن التصوّف يتيح ذلك بالفعل ، حيث يمكن للمريد أن يصل إلى مقام من الاستغراق الروحي ، ينتج حالة من "الوعي الحدسي" فوق الطبيعي ، و التي يتحقق فيها الشعور اللدُنّي أو الحدسي بالزمان / المكان ، باعتباره وجوداً متعدد الأبعاد .
فالتجربة الصوفية عبارة عن تحقق لحال من الفناء ، يتوقف فيها التمييز بين الجسم و العقل ، أوبين الفاعل و المفعول ، و حيث لا يكون فيها وجود لزمان من دون فضاء و لا فضاء من دون زمان ، بل يكون وجودهما واحدا متداخلاً .
و تقدم النماذج النسبية و نظريات الفيزياء الحديثة اليوم البرهان على صدقية عنصرين أساسيين لتصور التصوّف عن الوجود و هما : وحدة الوجود ، و كون هذا الوجود "حياً" و ديناميكياً كصفة جوهرية له .
و على رغم أن حقيقة المكان أنه "هلالي" متحدّب بدرجات مختلفة ، و أن الزمان ينستب عبر الكون بنسب مختلفة ، إلا اننا لا زلنا نملك تصوراً أقليديا عن المكان باعتباره ثلاثي الأبعاد ، و الزمان باعتباره ينساب بثبات في خط أفقي . و مرد هذا التصور اقتصار نظرتنا على تجربتنا "العاديه" في التعامل مع العالم الطبيعي ، اذ يكفي أن يرتفع الإنسان بهذه التجربة لكي تتغير نظرته كلياً عن الوجود ، و ينتهي وفق ذلك تصوّره للزمان و المكان على هذا النحو .
و بالقياس إلى التجربة الصوفية "العرفانية" ، الذي يحدث هو أن وعي الصوفي بالزمان يأخذ أبعاداً فوق الوجود المادي ، و يقطع الصلة مع مفهوم الزمان الأفقي ، بل هو يدخل في عوالم الما لا نهاية و السرمدية ، و يصير بإطلاق في حاضر "خلّاق" . اذ تختفي في العالم الروحي كافة التقسيمات التي نجعلها للوقت مثل الماضي و الحاضر و المستقبل ، و يختصر الصوفي فيه كامل وجودهم عبر لحظة بذاتها من الحاضر ، ترتعش الحياة بأسرها في جوهر حقيقتها .
الكتلة و تكافؤ الطاقة
كان اينشتاين قد أوضح طبيعة العلاقة بين الكتلة و تكافؤ الطاقة من خلال معادلة رياضية بسيطة ، و قد صار في مقدور العلماء اليوم قياس كتلة الجسيمات الصغيرة بتوظيف وحدات الطاقة ، أي أن الكتلة لم تعد شيئا آخر غير كونها شكلا من أشكال الطاقة .
هذا الإكتشاف العلمي كان قد دفع العلماء إلى مراجعة تصوّرهم لـ"الجسم الدقيق" في شكل جذري ، و صاروا ينظرون للجسيمات باعتبارها جمع من " الكم / الحزم" من الطاقة ، و بالتالي توقف التعامل مع هذه الجسيمات باعتبارها مكونة من مادة أساسية ، حيث تأكدت كمجرد طاقة مرتبطة ومصاحبة للحركية وتحقق العمليات الفيزيائية . و هذا يعني ان طبيعة الجسيمات "ما دون الذرة" هي في الوقت نفسه "حيوية" (أي من دون وجود مستقر) ، و أنها بما هي كذلك ، موجودة (أو تملك وجوداً بذاته ) داخل الزمان / المكان الرباعي الأبعاد . و وفق هذا المعنى تملك الجسيمات "ما دون الذرة" في الوقت نفسه خاصية مكانية و خاصية زمانية . و هذه الخاصية المكانية هي التي تجعلها تبدو كأشياء لها كتلة بذاتها ، فيما خاصيتها الزمانية! تظهرها كحركية مصاحبة لعمليات الطاقة المتكافئة .
هكذا ، اذا ما حاولنا النظر للجسيمات "ما دون الذرة" تحت المجهر ، فإننا لن نتمكن من رؤيتها كما يمكن ان نشاهد مادة بعينها ، بل سنرى جملة من النماذج و الأشكال المتغيرة باستمرار و التي تنتقل من شكل الى آخر دزن توقف ، في اهتزاز مستمر للطاقة .
هذه "الحيوية" التي تتميز بها الجسيمات ليست ناتجة عن نقلتها المستمرة في المكان بسرعة خارقة ، بل هي بالقياس الى حيويتها الخلاقة بذاتها في ذاتها. الأمر الذي يعني أن "وجود" الماده و "حيويتها" ، ما لا يمكن فصله عن بعضه بعضاً ، و انهما يؤسسان وفق هذا المعنى لجوهر الحقيقة نفسها الموجودة في "الزمان / المكان" .
و الصوفية في مقام الشطح الصوفي ، يصلون إلى مرحلة يتخللون خلالها المكان و الزمان على مستوى لا تراه العين المجردة ، و تتحقق لهم تجربة وجودية خارقة يصبحون فيها قادرين على ادراك الكون على مستوى مماثل للمعرفة التي يصل اليها الفيزيائي في تأمله لعالم جسيمات " ما دون الذرّة " حيث تكون الأشياء هنا في وعي الصوفي فانية بأسرها ، و أن الوجود "الحق" هو جوهر كل الظواهر ، و مصدر كل الصور ، و متعال عن الوصف أو التفصيل . أي أن الظواهر بالنسبة للصوفية ، ليست قائمة بذاتها ، و أن وجودها مجرد صور أو تجليات لذات الحق ، ليس له أي حقيقة منفصلة ، أي أنه في الوقت الذي يستند فيه مبحث الفيزيائي حول الوجود إلى خبرة معرفية عميقة للعقل المنطقي ، نجد أن مبحث الصوفي يستند بالأحرى إلى خبرة مع! رفية شبيهة العمق ، و لكن للعقل الحدسي .
و كلا المبحثين في الواقع ضروري من اجل فهم أشمل للوجود ، إذ أن تجربة الصوفية ضرورية لفهم حقيقة "جوهر" الأشياء ، فيما يقدم العلم الأسس الضرورية للحياة العصرية .
ملاحظة : يقصد بكلمة التصوف التي يقوم عليها الموضوع هو مذهب الصوفيه الحقّة وليس الصوفية كما يقدمها بعض مدعيها الان
والتصوف الحق لا يكون الا بولاية سيد المتصوفين واولهم امير المؤمنين عليه السلام لان كلمة صوفيه تعني الزهد وليس الرهبنة
تعني طهارة القلب والبدن معا لا ما يفعله بعض المدعين من ارتداء الملابس الرثة والانفصال عن العالم المحيط
التصوف هو كما قدمه لنا الحلاج وابن عربي وغيرهم واول وابرز خطواته هو الاقرار بالولاية لامير المؤمنين عليه السلام دون غيره
والسلام علي شيعة الكرار [/frame]
[frame="3 80"]
يقترب التصور الذي يقدمه علم الفيزياء المعاصر للوجود استنادا الى "كوانتم" النظريه الكميه بكل اضدادها و اسرارها ، و الى النظريه النسبيه و فيزياء الفلك ، وفق اكثر من زاوية من التصور الذي كان يحمله رجال التصوف منذ 1400 عام. فعلى عكس التصور الآلي للوجود الذي اعتمده الفكر الغربي ابتداء من الفلاسفة الاغريق و مرورا بصيرورة من التطور قلربت الالف عام ، نجد ان رجال التصوف كانوا يعتقدون بأن الأشياء و الأحداث المدركة بالحواس وفق علاقتها الجدلية ، و ارتباطها ببعضها بعضا ، ليست إلا صوراً و تجليات عن الحقيقة المطلقة بذاتها .
على انه في الوقت الذي تستخدم فيه العلوم، بخاصة الفيزياء، لغة الرياضيات الحديثة البالغة الدقه للتعبير عن موضوعاتها، نجد ان التصوف كان يعتمد بالأحرى على العلم اللدني و الحدس الداخلي ، مع التأكيد على ان المعرفه الصوفيه ما لا يمكن التعبير عنها بالكلم ، و ان التجربه الصوفيه وفق هذا المعنى متعاليه عن الوصف، كما ان الصوفيه لا يعتبرون العقل مصدرا للمعرفة، بل هو ليس اكثر من آلية لتفسير و تحليل تجاربهم الصوفيه الذاتيه.
على ان المقاربه بين التجربه العلميه و التجربه الصوفية هنا، قد دعوا للدهشة، بالقياس الى ما يبدو من اختلاف بين طبيعة العلم و طبيعة التصوف.
فعلماء الفيزياء يوظفون في مبحثهم على الوجود التجارب العلمية، و التي يتعاون على انجازها فريق عمل دؤوب مؤهل بقدرات عالية، و بالاستعانه بآليات تقنيه على درجة من الدقه، فيما رجال التصوف، على العكس، يكتفون في معراجهم نحو هذه المعرفه ، بالتسامي الروحي و الحدس اللدنّي ، من دون توظيف اية آليه خارجيه ، بل في خلوه ضروريه لهذا التأملو هذا "الذكر" .
على رغم ذلك فإن التشابه بين العلمين جدّ كبير ، حيث تتطلب التجارب الفيزيائية الحديثة التي تبحث في مكونات أجزاء العناصر الدقيقه ، من الفيزيائي مراحل طويله و صعبه من التدريب ، قد تصل لسنوات عدّة ، الأمر الذي يشبه ما يتطلبه التصوف العميق من سنوات طويله من التتلمذ على يد "الشيخ" أو الامام اللاوحي الواصل .كما ان دقة و فعالية الأجهزة التقنيه ، تمكن الفيزيائي من الوصول الى الإحساس نفسه ، ان لم يكن اكبر ، الذي يصل اليه الصوفي عبر التأمل الحدسي الباطني .
فكلاهما ، الفيزيائي و الصوفي ، يستغرقان في حالة تأمل أو "ذكر" عميق ، يتولد عنها عند كليهما ، مقدرة لا تشبه المتعارف عليه ، تكون مطيتها للتفكير في الوجود ، و هي الحالة التي يستحيل على "العلماني" أو الشخص العادي ان يصل اليها ، و ذلك على رغم اختلاف اللغة أو التقنيه التي سيوظفها كلا الطرفين للتعبير عن كشوفاته أو استنتاجاته للآخرين .
ان غاية الذكر الأساسية هي "لجم" العقل عن التفكير، و الخوض في مقام يغيب فيه العقل كلياً ، و يحلّ محلّه "الحدس" كوسيلة للوعي . و الوصول إلى هذه الدرجة من "سكينة العقل" ، يتم عن طريق تركيز المرء لانتباهه على عنصر بذاته ، كأن يركز على تنفسه ، و الترتيل بذكر الله أو "لا إله إلا الله" .
وفق هذا المعنى تكون اصلاة بذاتها شكلا من اشكال الذكر، وفق ما يتحقق خلالها من توقف العقل عن التفكير (خارج الصلاة ذاتها). لذلك يتحقق في الصلاة ذلك الشعور بالأمن و السكينة والصفاء ، تماما كما يحدث خلال الحالة التي ترافق أعلى مراحل "الذكر" .
و اثناء الذكر يتخلص العقل من كل الافكار او المفاهيم ، و بالتالي يصبح مهيئاً للإبحار خلال ساعات طويلة في رحاب "مقام" حدسي مفارق ، على انه و بناء على هذا التوقف للعقل عن التفكير ، تقوم الحالة الحدسية ذاتها ، بتطوير حالة من "الوعي اللدنّي" الذي لا علاقة له بما هو موجود ، ليحل محل العقل . و هذا الوعي الأخير بالذات هو الذي يمكن الصوفي من ادراك الوجود من دون حجاب ، بذاته و من ذاته، من دون المرور بمصفاة قنوات العقل "المفاهيمي".
و تجربة التوحدّ مع الوجود ، تعد الخاصية الأساسية لهذا المقام الحدسي ، أو هذه الحالة الإستغراقية الشعور ، التي تنتفي خلالها أشكال الانفصال أو التعدد كافة ، و يتأكد خلالها بالأحرى معنى الوحدة الكلية ، او الولوج الى "عالم الأنوار" بلغة التصوف ، و الذي يؤسس لتجربة إنغماس الوعي في حالة توحد مطلق مع الوجود ، على النحو الذي يمكن الصوفيه من تجاوز وجودهم الخاص القائم بذاته ، و توحدهم مع الحقيقة المطلقة.
في مجال علم الفيزياء ، نجد عددا من النماذج و النظريات الفيزيائية التي حاولت ان تقدم تفسيرا يشرح حقيقة الوجود ، و هي المحاولات الت شكلت أساسات البحث العلمي الحديث .
مع ذلك نجد ان اينشتاين يؤكد بأنه : " بقدر استناد القوانين الرياضية الى الواقع ، تكون غير أكيده ، و بقدر ما تكون أكيده فانها لا تستند الى الواقع " . حيث بدا جلياً أمام التحليل العقلي ، ان الجوهر الأساسي للأشياء ، يتكشف و كأنه "مستحيل" أو "مضاد" . و على رغم ان هذا اللغز المحيّر ( أو السرّ الوجودي) كان قائما في قلب التفكير الصوفي منذ زمن طويل، نجد ان العالم لم يعترف به كذلك الا في الفترة القريبة الماضيه.
اذ لم تعدّ المعرفة المتعلقة بعالم الذرة ، و ما دون الذره ، مستندة الى التجربة الحسية، فقد تأكد أن هذه المعرفة ، اي القائمة على معطيات الحواس أو المنطق لم تعد بالضرورة صحيحة، و حيث اتاحت الفيزياء الكمية للعلماء اليوم امكانية الإكتفاء بمجرد نظرة مجردة عن حقائق الأشياء . أي ان علماء الفيزياء اليوم صاروا مثل رجال الصوفية ، يعتمدون على التجربة "غير الحسّية" لتفسير الوجود ، و صاروا يخوضون مثلهم في ألغاز و أسرار هذه التجربة.
تتضمن الفيزياء الكمية الكثير من الأضداد أو المتناقضات ، و التي تعود بالدرجة الأولى الى طبيعة الضوء الثنائية ، أو أكثر عموما الى طبيعة الأشعة الكهرومغناطيسية.
فالضوء بحكم تكوينه ، ينتج ظواهر تصادمية متشعبة ، تنساب في شكل طبيعي مع الموجات الضوئية ، و هو ما يمكن رؤيته بالتجربة ، عن طريق توظيف مصدرين للضوء ، ينتج أحدهما ضوءا يختلف عن الآخر ، كأن يكون احدهما ساطعا و الآخر أضعف منه .
من جهة اخرى ، ينتج عن الأشعة الكهرومغناطيسية ما يعرف بالتأثير الضوئي ، فعندما تضرب موجة ضوئية قصيره مثل الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة السينيه أو اشعة غاما سطحا معدنيا ما ، ينتج عن احتكاكها بذلك السطح تولّد ما يعرف " بالإلكترونات " ، و هي الحقيقة التي تبرهن على احتواء الضوء على جسيمات صغيرة متحركة.
على ان السؤال الذي حيّر علماء الفيزياء كثيرا، في المراحل الأولى للنظرية الكمية (الكوانتم) كان : "كيف يمكن للأشعة الكهرومغاطيسية ان تحتوي في الوقت نفسه على جسيمات صغيرة ، داخل حيّز محدود ، و موجات تنتشر على مساحات واسعة من الفضاء؟؟".
في واقع الأمر لا تملك اي لغة و لا اي تصوّر القدرة على تقديم تفسير ممكن لمثل هذه الحقائق.
بالنسبة الى الصوفية تؤسس التجربة الروحية مع الوجود ، لواقعة وجودية على درجة من الأهمية ، تقلب رأساً على عقب كافة التصورات السابقة التي كان يملكها المرء عن الكون. و يتدخل "مقام الشهود" ، الذي يمثل اعنف تجربة روحية في عالم الشعور الإنساني ، ليختصر كل أشكال التجارب القياسية السابقة . بعض الصوفية يصفها بأنها مثل "انشقاق قاع الدلو من الطرف الى الآخر" .
و عندما صار علماء الفيزياء في النصف الأول من القرن العشرين على وعي أمام نتائج التجارب الجديدة حول حقائق الذرات ، بأن "أسس" تصورهم للوجود صارت تهتّز ، كانوا غالبا ما يوظفون لوصف هذه التجربة تعابير تشبه الى درجة كبيرة اللغة التي كان يوظفها الصوفية ، حيث كتب هيسنبرغ يقول :" لا يمكن فهم التطورات الحديثة التي صارت تتم في ميدان الفيزياء ، إلا بعد الإعتراف بأن الأساسات الأولية للفيزياء صارت تهتز ، و ان هذا الإهتزاز ادّى الى الشعور بأن الأرض ستنفصل عن العلم".
فقد حدثت تغيرات جذرية في طبيعة معرفتنا بالمكان و الزمان و الماده ، أو الأشياء و الموجات و المسبب و المؤثر . و التي ادّت من دون شك إلى التأسيس لتصوّر جديد عن الوجود مختلف راديكالياً عمّا سبق ، و الذي لم ننته بعد من تحديده بشكل نهائي .
تفترض النسبية الفيزيائية انه اذا تمكن المرء من تصوّر مفهوم الزمان باعتباره رباعي الأبعاد ، فإن العديد من مظاهر التناقض التي كانت تبدو قائمة سرعان ما تنتهي . على أن التصوّف يتيح ذلك بالفعل ، حيث يمكن للمريد أن يصل إلى مقام من الاستغراق الروحي ، ينتج حالة من "الوعي الحدسي" فوق الطبيعي ، و التي يتحقق فيها الشعور اللدُنّي أو الحدسي بالزمان / المكان ، باعتباره وجوداً متعدد الأبعاد .
فالتجربة الصوفية عبارة عن تحقق لحال من الفناء ، يتوقف فيها التمييز بين الجسم و العقل ، أوبين الفاعل و المفعول ، و حيث لا يكون فيها وجود لزمان من دون فضاء و لا فضاء من دون زمان ، بل يكون وجودهما واحدا متداخلاً .
و تقدم النماذج النسبية و نظريات الفيزياء الحديثة اليوم البرهان على صدقية عنصرين أساسيين لتصور التصوّف عن الوجود و هما : وحدة الوجود ، و كون هذا الوجود "حياً" و ديناميكياً كصفة جوهرية له .
و على رغم أن حقيقة المكان أنه "هلالي" متحدّب بدرجات مختلفة ، و أن الزمان ينستب عبر الكون بنسب مختلفة ، إلا اننا لا زلنا نملك تصوراً أقليديا عن المكان باعتباره ثلاثي الأبعاد ، و الزمان باعتباره ينساب بثبات في خط أفقي . و مرد هذا التصور اقتصار نظرتنا على تجربتنا "العاديه" في التعامل مع العالم الطبيعي ، اذ يكفي أن يرتفع الإنسان بهذه التجربة لكي تتغير نظرته كلياً عن الوجود ، و ينتهي وفق ذلك تصوّره للزمان و المكان على هذا النحو .
و بالقياس إلى التجربة الصوفية "العرفانية" ، الذي يحدث هو أن وعي الصوفي بالزمان يأخذ أبعاداً فوق الوجود المادي ، و يقطع الصلة مع مفهوم الزمان الأفقي ، بل هو يدخل في عوالم الما لا نهاية و السرمدية ، و يصير بإطلاق في حاضر "خلّاق" . اذ تختفي في العالم الروحي كافة التقسيمات التي نجعلها للوقت مثل الماضي و الحاضر و المستقبل ، و يختصر الصوفي فيه كامل وجودهم عبر لحظة بذاتها من الحاضر ، ترتعش الحياة بأسرها في جوهر حقيقتها .
كان اينشتاين قد أوضح طبيعة العلاقة بين الكتلة و تكافؤ الطاقة من خلال معادلة رياضية بسيطة ، و قد صار في مقدور العلماء اليوم قياس كتلة الجسيمات الصغيرة بتوظيف وحدات الطاقة ، أي أن الكتلة لم تعد شيئا آخر غير كونها شكلا من أشكال الطاقة .
هذا الإكتشاف العلمي كان قد دفع العلماء إلى مراجعة تصوّرهم لـ"الجسم الدقيق" في شكل جذري ، و صاروا ينظرون للجسيمات باعتبارها جمع من " الكم / الحزم" من الطاقة ، و بالتالي توقف التعامل مع هذه الجسيمات باعتبارها مكونة من مادة أساسية ، حيث تأكدت كمجرد طاقة مرتبطة ومصاحبة للحركية وتحقق العمليات الفيزيائية . و هذا يعني ان طبيعة الجسيمات "ما دون الذرة" هي في الوقت نفسه "حيوية" (أي من دون وجود مستقر) ، و أنها بما هي كذلك ، موجودة (أو تملك وجوداً بذاته ) داخل الزمان / المكان الرباعي الأبعاد . و وفق هذا المعنى تملك الجسيمات "ما دون الذرة" في الوقت نفسه خاصية مكانية و خاصية زمانية . و هذه الخاصية المكانية هي التي تجعلها تبدو كأشياء لها كتلة بذاتها ، فيما خاصيتها الزمانية! تظهرها كحركية مصاحبة لعمليات الطاقة المتكافئة .
هكذا ، اذا ما حاولنا النظر للجسيمات "ما دون الذرة" تحت المجهر ، فإننا لن نتمكن من رؤيتها كما يمكن ان نشاهد مادة بعينها ، بل سنرى جملة من النماذج و الأشكال المتغيرة باستمرار و التي تنتقل من شكل الى آخر دزن توقف ، في اهتزاز مستمر للطاقة .
هذه "الحيوية" التي تتميز بها الجسيمات ليست ناتجة عن نقلتها المستمرة في المكان بسرعة خارقة ، بل هي بالقياس الى حيويتها الخلاقة بذاتها في ذاتها. الأمر الذي يعني أن "وجود" الماده و "حيويتها" ، ما لا يمكن فصله عن بعضه بعضاً ، و انهما يؤسسان وفق هذا المعنى لجوهر الحقيقة نفسها الموجودة في "الزمان / المكان" .
و الصوفية في مقام الشطح الصوفي ، يصلون إلى مرحلة يتخللون خلالها المكان و الزمان على مستوى لا تراه العين المجردة ، و تتحقق لهم تجربة وجودية خارقة يصبحون فيها قادرين على ادراك الكون على مستوى مماثل للمعرفة التي يصل اليها الفيزيائي في تأمله لعالم جسيمات " ما دون الذرّة " حيث تكون الأشياء هنا في وعي الصوفي فانية بأسرها ، و أن الوجود "الحق" هو جوهر كل الظواهر ، و مصدر كل الصور ، و متعال عن الوصف أو التفصيل . أي أن الظواهر بالنسبة للصوفية ، ليست قائمة بذاتها ، و أن وجودها مجرد صور أو تجليات لذات الحق ، ليس له أي حقيقة منفصلة ، أي أنه في الوقت الذي يستند فيه مبحث الفيزيائي حول الوجود إلى خبرة معرفية عميقة للعقل المنطقي ، نجد أن مبحث الصوفي يستند بالأحرى إلى خبرة مع! رفية شبيهة العمق ، و لكن للعقل الحدسي .
و كلا المبحثين في الواقع ضروري من اجل فهم أشمل للوجود ، إذ أن تجربة الصوفية ضرورية لفهم حقيقة "جوهر" الأشياء ، فيما يقدم العلم الأسس الضرورية للحياة العصرية .
ملاحظة : يقصد بكلمة التصوف التي يقوم عليها الموضوع هو مذهب الصوفيه الحقّة وليس الصوفية كما يقدمها بعض مدعيها الان
والتصوف الحق لا يكون الا بولاية سيد المتصوفين واولهم امير المؤمنين عليه السلام لان كلمة صوفيه تعني الزهد وليس الرهبنة
تعني طهارة القلب والبدن معا لا ما يفعله بعض المدعين من ارتداء الملابس الرثة والانفصال عن العالم المحيط
التصوف هو كما قدمه لنا الحلاج وابن عربي وغيرهم واول وابرز خطواته هو الاقرار بالولاية لامير المؤمنين عليه السلام دون غيره
والسلام علي شيعة الكرار [/frame]