بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجهل المركب:
هو جهل يشبه العلم في الصورة وشؤمه على الإنسان أشد من الجهل البسيط، لأنه مؤلف من جهلين والجهل رذيلة كبرى إذا كان مفرداً فكيف إذا كان مكرراً والجاهل المركب عالم في اعتقاده وعمله صحيح في رأيه ولذلك فهو يرتكب الأخطاء ويعمل القبائح ولا يسمع نصح ناصح ولا يصده عذل عاذل.
و هذه الرذيلة إذا استحكمت في القلب وجاء صاحبها بهذه الصفة إلى صفوف الحشر، سيواجه الله بالمجادلة، يعني أن جهله المركب يعود هناك أيضاً فعندما يعطى صحيفته السوداء يقسم أمام الله انه كان إنساناً مطيعاً وانه من أهل الجنة وان جعله من أهل النار بلا مبرر يقول القرآن حول مثل هؤلاء الناس:
(يوم يبعثون الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون انهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون)
يقول يوم القيامة يأتي أناس ويقسمون أمام الله انهم من أهل الجنة فكما كانوا يعتقدون ذلك في الحياة الدنيا وكما كانوا يقسمون على ذلك كذباً أمام الناس. فكذلك سيقسمون أمام الله أنهم مطيعون، والقرآن يتعجب من كذب هؤلاء، وكيف وصل بهم الحال إنهم يوم القيامة يتكلمون خلاف الواقع أيضاً.
والقرآن يبين ان خطر هذه الرذيلة كبير جداً، خطرها كبير إلى درجة تصل بالإنسان أن يجادل الله يوم القيامة وهو العالم بكل شيء، ويدعي أمامه انه قد أخطأ بحقه وأن الملائكة الموكلين بالصحيفة كذلك قد أخطأوا وأعدوا له تقريراً خاطئاً عن أعماله وان مجازاته بالنار اشتباه لأنه إنسان صالح. ويقسم أيضاً، يقسم بالله ان هناك اشتباهاً وانه إنسان صالح إذا لم يكن للجهل المركب سوى الآية السابقة لكانت كافية لنا لنجتنب عن هذه الرذيلة.
والقرآن الكريم يعتبر أولئك الناس أنهم الأسوأ والأكثر انحطاطاً والأخسرين أعمالاً يوم القيامة فيقول:
(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)
فالقرآن يقول إذا أردتم أن نجدكم بالأخسرين والأسوأ حظاً والأشقى من الناس فذلك الذي يعمل السوء ويظن انه يعمل الصالح، فهو جاهل لكنه يتصور انه عالم.
لا يذهب إلى المسجد، ولا يحضر الموعظة، وإذا قيل له لم لا تتردد إلى المنبر والمحراب، يقول أنا أعلم من هؤلاء الخطباء ورجال الدين.
علاج الجهل المركب:
أما الجهل المركب، فكيف يتم علاجه؟ طريقة العلاج هي أن يعرض اعتقاداته على العلماء، وتلك سنة أصحاب الأئمة الطاهرين (ع) سنة شائعة بين أصحاب الإمام الصادق والإمام الرضا والإمام الهادي (ع)، حيث كان يقوم أفراد من أصحاب الأئمة بزيارتهم وعرض أفكارهم واعتقاداتهم على إمام زمانهم.
ومنهم حضرة عبد العظيم الحسني صاحب المرقد الشريف في مدينة ري جنوب طهران، والذي يعد من العلماء الكبار، حيث ورد في الروايات أن من يزور مرقده الطاهر كمن زار الإمام الحسين (ع).
جاء إلى عند الإمام الهادي (ع) وقال له: يا بن رسول الله أريد أن أعرض عقائدي أمامك، ثم قال: أؤمن بالله وصفاته كذا وكذا، وأؤمن بالنبوة والقرآن والإمامة و.. حتى آخرها، فأيد الإمام الهادي (ع) اعتقاداته وقال (هذا ديني ودين آبائي)، دينك صحيح.
عندما ترغب في شراء دار فانك تصطحب هذا المعمار وذاك المعمار، وتستشير هذا الصديق وذاك الصديق لكي لا تتعرض لحالة غش أو خديعة.
فإذا أردت أن تعتقد بشيء، أفلا ينبغي أن تراجع أهل الخبرة؟
فانك عاجز عن تشخيص البناية الصالحة، وإذا أقدمت على الشراء بدون استشارة، فإذا كنت مغشوشاً فيها، فسوف تعرض لملامة الناس. وكذلك سوف تلومك الناس إذا اعتقدت بشيء ما وكانت النتيجة سيئة، بل سوف تلام أيضاً حتى لو كانت النتيجة حسنة، طبقاً لقاعدة التجري.
لا يصح أن يختار الإنسان شيئاً وهو ليس من أهل الخبرة فيه، فإذا كان الموضوع المنتخب سياسياً فعليه مراجعة المختصين بالسياسة، وإذا كان الموضوع إجتماعياً فعليه مراجعة علماء الاجتماع، وان كان الموضوع دينياً فعليه مراجعة علماء الدين، فيسألهم أنه هكذا اعتقد، فهل اعتقادي صحيح أم غير صحيح؟ فإن أجابوه بأن اعتقادك غير صحيح فيجب عليه ان يتخلى عنه فوراً، وإن أجابوه بصحة اعتقاده فبوسعه التبني والإستمرار.
فيجب ان يتوسع المرء بدراسة اعتقاده ويدقق فيه وهذا يتطلب استعداداً خاصاً، ان استبداد الرجل والمرأة في القناعة والاعتقاد شيء خاطئ.
أحياناً يقع المرء في مشاكل خطرة بسبب التعصب للرأي واللجاجة بعض النساء مثلاً غير مدركات ولكن لا يمكن إخبارهن أو التحدث معهن، وبعض الرجال غير مدركين ولكن لا يمكن التأثير بموقفهم، فلا يتقبلون الحقيقة عندما تطرح أمامهم، خاصة إذا كانت زوجته هي التي تقول ذلك أيها السيد تقبل الحقيقة من أي كان، من زوجتك أو من غيرها استخدم عقلك أولاً عند أقوالك وأفعالك، وامضِ على أساسه ان كان أمراً واضحاً وضرورياً.
فان ترددت في أمر فاستعن بالمشورة، ولأهميتها فقد أوصى القرآن الكريم بالتشاور في موضعين الأول قوله تعالى:
(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله)
فالآية تخاطب النبي (ص) بأن اتخاذ القرار بيده ولكن الآية تدعوه إلى احترام رأي الآخرين وضرورة التشاور معهم.
والثاني إذ يقول عند المؤمنين:
(وأمرهم شورى بينهم)
فالآية تحث المسلمين على التشاور، وتصفهم بأنهم يتشاورن في أعمالهم لا فرق بين الرجل والمرأة.
كما أن أحد علماء النفس ينصح الرجل أن يجمع حوله زوجته وأبناءه ويشاورهم لأن ذلك مفيد لبناء شخصية الأبناء.
يجب أن يتشاور المرء مع صديقه مع زوجته، مع أبنائه، وان يكون مهيئاً لتقبل الرأي الآخر، وان لا يكون متعصباً ومستبداً ولجوجاً.
تعصب الإنسان يدمر دنياه وآخرته، خاصة في مجال الدين.
فإاذ احتملت أن هناك نوعاً من الجهل المركب، فابحث عن عالم متمرس عاقل متدين، وأعرض عليه دينك حتى تنجلي لك الحقيقة. وكلما حصل الشك في موضع والشبهة بصحة رأي أو خطئه، فاذهب فوراً واسأله لئلا يسبب لك الجهل المركب البلاءات والدمار في يوم ما.
___________________________________
المصادر:
الأخلاق عند الإمام الصادق للشيخ محمد أمين زين الدين
الفضائل والرذائل للاستاذ المظاهري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجهل المركب:
هو جهل يشبه العلم في الصورة وشؤمه على الإنسان أشد من الجهل البسيط، لأنه مؤلف من جهلين والجهل رذيلة كبرى إذا كان مفرداً فكيف إذا كان مكرراً والجاهل المركب عالم في اعتقاده وعمله صحيح في رأيه ولذلك فهو يرتكب الأخطاء ويعمل القبائح ولا يسمع نصح ناصح ولا يصده عذل عاذل.
و هذه الرذيلة إذا استحكمت في القلب وجاء صاحبها بهذه الصفة إلى صفوف الحشر، سيواجه الله بالمجادلة، يعني أن جهله المركب يعود هناك أيضاً فعندما يعطى صحيفته السوداء يقسم أمام الله انه كان إنساناً مطيعاً وانه من أهل الجنة وان جعله من أهل النار بلا مبرر يقول القرآن حول مثل هؤلاء الناس:
(يوم يبعثون الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون انهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون)
يقول يوم القيامة يأتي أناس ويقسمون أمام الله انهم من أهل الجنة فكما كانوا يعتقدون ذلك في الحياة الدنيا وكما كانوا يقسمون على ذلك كذباً أمام الناس. فكذلك سيقسمون أمام الله أنهم مطيعون، والقرآن يتعجب من كذب هؤلاء، وكيف وصل بهم الحال إنهم يوم القيامة يتكلمون خلاف الواقع أيضاً.
والقرآن يبين ان خطر هذه الرذيلة كبير جداً، خطرها كبير إلى درجة تصل بالإنسان أن يجادل الله يوم القيامة وهو العالم بكل شيء، ويدعي أمامه انه قد أخطأ بحقه وأن الملائكة الموكلين بالصحيفة كذلك قد أخطأوا وأعدوا له تقريراً خاطئاً عن أعماله وان مجازاته بالنار اشتباه لأنه إنسان صالح. ويقسم أيضاً، يقسم بالله ان هناك اشتباهاً وانه إنسان صالح إذا لم يكن للجهل المركب سوى الآية السابقة لكانت كافية لنا لنجتنب عن هذه الرذيلة.
والقرآن الكريم يعتبر أولئك الناس أنهم الأسوأ والأكثر انحطاطاً والأخسرين أعمالاً يوم القيامة فيقول:
(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)
فالقرآن يقول إذا أردتم أن نجدكم بالأخسرين والأسوأ حظاً والأشقى من الناس فذلك الذي يعمل السوء ويظن انه يعمل الصالح، فهو جاهل لكنه يتصور انه عالم.
لا يذهب إلى المسجد، ولا يحضر الموعظة، وإذا قيل له لم لا تتردد إلى المنبر والمحراب، يقول أنا أعلم من هؤلاء الخطباء ورجال الدين.
علاج الجهل المركب:
أما الجهل المركب، فكيف يتم علاجه؟ طريقة العلاج هي أن يعرض اعتقاداته على العلماء، وتلك سنة أصحاب الأئمة الطاهرين (ع) سنة شائعة بين أصحاب الإمام الصادق والإمام الرضا والإمام الهادي (ع)، حيث كان يقوم أفراد من أصحاب الأئمة بزيارتهم وعرض أفكارهم واعتقاداتهم على إمام زمانهم.
ومنهم حضرة عبد العظيم الحسني صاحب المرقد الشريف في مدينة ري جنوب طهران، والذي يعد من العلماء الكبار، حيث ورد في الروايات أن من يزور مرقده الطاهر كمن زار الإمام الحسين (ع).
جاء إلى عند الإمام الهادي (ع) وقال له: يا بن رسول الله أريد أن أعرض عقائدي أمامك، ثم قال: أؤمن بالله وصفاته كذا وكذا، وأؤمن بالنبوة والقرآن والإمامة و.. حتى آخرها، فأيد الإمام الهادي (ع) اعتقاداته وقال (هذا ديني ودين آبائي)، دينك صحيح.
عندما ترغب في شراء دار فانك تصطحب هذا المعمار وذاك المعمار، وتستشير هذا الصديق وذاك الصديق لكي لا تتعرض لحالة غش أو خديعة.
فإذا أردت أن تعتقد بشيء، أفلا ينبغي أن تراجع أهل الخبرة؟
فانك عاجز عن تشخيص البناية الصالحة، وإذا أقدمت على الشراء بدون استشارة، فإذا كنت مغشوشاً فيها، فسوف تعرض لملامة الناس. وكذلك سوف تلومك الناس إذا اعتقدت بشيء ما وكانت النتيجة سيئة، بل سوف تلام أيضاً حتى لو كانت النتيجة حسنة، طبقاً لقاعدة التجري.
لا يصح أن يختار الإنسان شيئاً وهو ليس من أهل الخبرة فيه، فإذا كان الموضوع المنتخب سياسياً فعليه مراجعة المختصين بالسياسة، وإذا كان الموضوع إجتماعياً فعليه مراجعة علماء الاجتماع، وان كان الموضوع دينياً فعليه مراجعة علماء الدين، فيسألهم أنه هكذا اعتقد، فهل اعتقادي صحيح أم غير صحيح؟ فإن أجابوه بأن اعتقادك غير صحيح فيجب عليه ان يتخلى عنه فوراً، وإن أجابوه بصحة اعتقاده فبوسعه التبني والإستمرار.
فيجب ان يتوسع المرء بدراسة اعتقاده ويدقق فيه وهذا يتطلب استعداداً خاصاً، ان استبداد الرجل والمرأة في القناعة والاعتقاد شيء خاطئ.
أحياناً يقع المرء في مشاكل خطرة بسبب التعصب للرأي واللجاجة بعض النساء مثلاً غير مدركات ولكن لا يمكن إخبارهن أو التحدث معهن، وبعض الرجال غير مدركين ولكن لا يمكن التأثير بموقفهم، فلا يتقبلون الحقيقة عندما تطرح أمامهم، خاصة إذا كانت زوجته هي التي تقول ذلك أيها السيد تقبل الحقيقة من أي كان، من زوجتك أو من غيرها استخدم عقلك أولاً عند أقوالك وأفعالك، وامضِ على أساسه ان كان أمراً واضحاً وضرورياً.
فان ترددت في أمر فاستعن بالمشورة، ولأهميتها فقد أوصى القرآن الكريم بالتشاور في موضعين الأول قوله تعالى:
(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله)
فالآية تخاطب النبي (ص) بأن اتخاذ القرار بيده ولكن الآية تدعوه إلى احترام رأي الآخرين وضرورة التشاور معهم.
والثاني إذ يقول عند المؤمنين:
(وأمرهم شورى بينهم)
فالآية تحث المسلمين على التشاور، وتصفهم بأنهم يتشاورن في أعمالهم لا فرق بين الرجل والمرأة.
كما أن أحد علماء النفس ينصح الرجل أن يجمع حوله زوجته وأبناءه ويشاورهم لأن ذلك مفيد لبناء شخصية الأبناء.
يجب أن يتشاور المرء مع صديقه مع زوجته، مع أبنائه، وان يكون مهيئاً لتقبل الرأي الآخر، وان لا يكون متعصباً ومستبداً ولجوجاً.
تعصب الإنسان يدمر دنياه وآخرته، خاصة في مجال الدين.
فإاذ احتملت أن هناك نوعاً من الجهل المركب، فابحث عن عالم متمرس عاقل متدين، وأعرض عليه دينك حتى تنجلي لك الحقيقة. وكلما حصل الشك في موضع والشبهة بصحة رأي أو خطئه، فاذهب فوراً واسأله لئلا يسبب لك الجهل المركب البلاءات والدمار في يوم ما.
___________________________________
المصادر:
الأخلاق عند الإمام الصادق للشيخ محمد أمين زين الدين
الفضائل والرذائل للاستاذ المظاهري