

غريب العصر وامام الوطن والمقاومة المغيب القائد الامام موسى الصدر
بقلم بشارة شربل صحفي في صحيفة البلد :
كان ينقص سيف الاسلام القذافي الظهور على احدى الشاشات في لبنان متحدثاً عن قضية اختفاء الامام موسى الصدر ليكتمل المسلسل التلفزيوني المتنقل الذي يعزف فيه منفرداً في حملة علاقات عامة قبيل الذكرى الـ36 لانقلاب الفاتح من سبتمبر وعنوانها "نطوي الصفحة ونعوض بالأموال عن الدماء فأحبونا من جديد واقبلونا دعاة اصلاح وديمقراطية تحت مظلة المجتمع الدولي".
طبعاً، لن يمانع عاقل في توبة نظام ديكتاتوري. هذا لا فضل فيه للشاب الذي يجيد الانكليزية ويتحدث بلهجة رجال الأعمال. لكن شروط التطبيع مع الداخل الليبي والخارج على السواء تستلزم أكثر من توقيع عقود نفطية مع شركات أميركية، وأكثر من شيكات توزع على المتضررين من تصرفات النظام، وأكثر من انفتاح على "الاخوان المسلمين" الليبيين بهدف تجزئة المعارضة ودق الأسافين بين أطيافها.
لا أحد يعارض ما قاله نجل القذافي عن وجوب فتح ملف تغييب الامام الصدر. لكن مقاربته للموضوع ملتبسة ولا تزال تحاول رمي مسؤولية الاختفاء على مكان مجهول بين ليبيا وايطاليا، في حين أن قفل الملف يحتاج الى الحقيقة أولاً والى ادراك أن دفع ملايين الدولارات تعويضاً لأهالي ضحايا طائرة لوكربي الأميركية أو طائرة النيجر الفرنسية أو مقهى "لابل" البرليني كان خاتمة في سياق طويل أدى في نهاية الأمر الى محاكمة دولية والى سجن متهم ليبي في اسكتلندا، ولم يكن بديلاً من انكار المسؤولية على قاعدة "شراء السكوت بالمال". وهو يعلم حتماً أن عائلة الامام المغيب ليست من النوع الذي يتنازل عن الحق من أجل حفنة من الدولارات.
يقوم سيف الاسلام بهجومه الاعلامي الدبلوماسي مقدماً نفسه رائداً في الدفاع عن حقوق الانسان. وتحت خيمة "مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية" يحاول اصلاح سياسات الخيمة التي حكم منها والده ليبيا منذ العام 1969 فذاقت مرارة الفردية وفوضى "اللجان الثورية" ومشاهد الاعدامات في الطرق وعلى الشاشات وتحولت بفعل هذه السياسة الداعمة لكل "الحركات الثورية" في العالم دولة متهمة بانتهاك الحريات وحقوق الانسان في الداخل وبالتدخل غير المشروع في الخارج.
مستاء سيف الاسلام من "أشخاص وحركات" في لبنان يحملون على ليبيا ويطالبونها بكشف مصير الامام الصدر ذلك لأن الذين "يطعمونه" المعلومات والتحليلات لم يقولوا له ان قضية الامام ليست قضية حركة "أمل" ولا الطائفة الشيعية بل هي قضية وطنية في لبنان ستبقى حية ما دامت الحقيقة مجهولة، وهي بعد استشهاد الرئيس الحريري وتشكيل لجنة دولية للتحقيق، تثير لدى كثيرين المرارة لأن الظروف الدولية في ذلك الحين حالت دون مجرد التفكير بلجنة شبيهة يمثل أمامها المشتبه فيهم وتحاول حل اللغز وتحديد المسؤوليات، لأنها لو حصلت لأراحت أهل الامام وأراحت ليبيا من كثير من الارتكابات والتعويضات والتنازلات لتقديم أوراق الاعتماد لدى سيد العالم الجديد.
سيف الاسلام يبرم صفقة مع "الاخوان" في طرابلس ويعلن "تدخل القائد" للافراج عن ناشطين وسياسيين "محكومين ظلماً" بعدما كان شعار العقيد "من تحزّب خان" وكان لقب المعارضين "الكلاب الضالة". وسيف الاسلام في مبادراته الانسانية وتشبيهه العهد الليبي الجديد بـ"المصالحة التاريخية" التي جرت في جنوب افريقيا يأمل من واشنطن رفعاً قريباً لاسم بلاده عن قائمة الدول الداعمة للارهاب ورفعاً للتمثيل الدبلوماسي في آن. والولايات المتحدة لا تمانع ما دام النظام أفرغ ما في فمه من أسنان وسجل اسمه شريكاً في محاربة الارهاب.
على مختلف الجبهات يحاول سيف الاسلام اقفال الملفات الليبية التي تأتي منها الريح متشجعاً طبعاً بالعفو الملكي السعودي عن المتهمين بمحاولة اغتيال الأمير عبدالله ومستفيداً من تبدل الأحوال ومتسلحاً بطلاقة لغوية وبجعبة مليئة بالمال وبطموح وصل حد الرغبة في اقامة معرض لرسوماته في بلاد العم سام... من يدري؟ ربما اعتقد أن الموهبة أيضاً تشترى وتباع.
تعليق