بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انهيار جسد اللغة مسؤلية من ؟!
كان الاحتلال يخرج مهزوما في كل مرة من أوطاننا حزيناً؛ أنه فشل في طمس هوية تلك البلاد، أو تلوينها بلغته وثقافته.. كان الانتصار الأروع في تاريخنا الحافل بحركات الاستعمار، التي كنا فيها دائما الحلقة الأضعف، بيد أن لغتنا العربية بقوتها وإرثها التاريخي والحضاري والروحي، سجلت انتصارها الخاص، وخرجت جيوش الاحتلال بعد عقود طوال قضتها كالطفيليات تتقوى على دماء بلادنا، دون أن تحقق شيئا مما كانت تهدف إليه، وعلى رأس تلك الأهداف طمس معالم تلك اللغة (الهوية)، واستنساخ أجيال جديدة من العرب، تتحدث الفرنسية، والإيطالية، والإنجليزية، والإسبانية.. كان هذا أيسر الطرق لتظل بلادنا مستعمرات تابعة لهم إلى الأبد، تتحدث أجيالها الجديدة لغتهم، وتنتمي إلى تاريخهم وحضارتهم، وإن ابتعدت - جغرافياً– عنهم، وتتسع الهوة بينها وبين أرضها وتاريخها وهويتها الأم، بعدما تختفي شواهد ذلك كله من حولها، وأول تلك الشواهد اللسان (اللغة)، الدليل الشاهد على أننا عرب، مسلمون، حرث تلك الأرض، وأن هؤلاء الذين يرقدون تحت ترابها آباؤنا وأجدادنا.. خرج الاحتلال صاغرا راغما دون أن يتحقق له شيء من مؤامرته التاريخية الفاشلة، التي نجحت في معظم بلدان العالم التي اجتاحتها حملات الاستعمار، وما مجموعة الدول الفرانكفونية (المتحدثة بالفرنسية) إلا شاهد صارخ على مآرب الاحتلال، التي فشل في تحقيقها – في بلادنا- بالأمس، ثم تأتي أجيالنا الجديدة فتهديها إليه على أطباق من ذهب، ضاربة بتاريخ نضالنا كله عرض الحائط.. كيف يحدث هذا؟ ومن المتسبب فيه؟ هل هي (عكا جديدة) تسلم بوابات حصونها بأيدي خائنين جدد؟ أم أنها حالة جهل وتخلف عامة، جعلتنا لم نعد نميز بين ما يضرنا وما ينفعنا؟!
رطانات..!
يقول القاص أحمد طوسون: إن المرارة لتصيبك بغصة الحلق، وأنت تشاهد برامج التلفاز والفضائيات، ويتسلل إليك شعور أن تلك (الرطانات) التي تخرج من أفواه مقدمي ومقدمات البرامج، أصبحت اللغة الرسمية، لجهاز يجلس ملايين العرب فاغري الأفواه أمامه، يتلقون ثقافتهم الجديدة. ما الذي يفعله هؤلاء بنا؟!! إن كل مفردة أجنبية تتفنن إحدى المذيعات في استبدالها بمفردة عربية بمهارة فائقة، وهي تتلوى وتتثنى في ميوعة وابتذال، إنما هي طعنة تهوي بها تلك الجاهلة الحمقاء في جسد لغتنا المُحْتضَر، وكأنها تتحاشى المفردة العربية؛ حتى تستعرض مدى إلمامها بالإنجليزية، والفرنسية، وفي الوقت ذاته تسن السنة السيئة لمراهقاتنا في المنازل اللاتي – بكل أسف – يتعاطين – راغمات – جرعة الرطانة والرقص والتهتك اليومية، في كأس واحدة، كانت كفيلة بتغييب تلك الأجيال (الممسوخة)، فلا هم أوروبيون، ولا أفعالهم أو ألسنتهم، أفعال أو ألسنة أبناء عرب خلص، حتى الوجوه وقصات الشَّعر، أصبح يُفتقد فيها كل ما هو عربي. والعجيب أن أحد هؤلاء أو إحداهن، عندما يهم بقراءة نشرة أو تعليق مكتوب بالعربية الفصحى، فإنك تخرج منه بحفنة من الأخطاء، تصل إلى حد الجرائم اللغوية، وتخرج من فيه لغته الأم مشوهة رديئة مزيجا من العامية والفصحى، لا ينطلق فيه حرف من مخرجه، ولا يستقيم له إعراب، في حين تخرج الإنجليزية والفرنسة وغيرها طليقة على لسانه، ينطقها من مخارجها، وكأنها لغته التي تعب على إتقانها ليقدمها لأبناء وطنه.
لغة رسمية..!
ويرى الشاعر والروائي أحمد محمد قرني أن الغريب والأجنبي من الألفاظ أصبح سرطانا دب في جسد لغتنا وحياتنا؛ (فماركات الثياب التي تنتجها المصانع العربية أجنبية، وكذلك المطبوعات التي تطل منها تمر أمامنا على صدور وبطون ورؤوس وأفخاذ و(.........) فتياننا وفتياتنا العابرين أما منا في الطرقات، كلها أمريكية وفرنسية وإنجليزية وإيطالية، تحمل أسماء أبطالهم ومناسباتهم ومعتقداتهم، وقد يكون منها – وقد حدث هذا – ما يحمل سباً للعرب والمسلمين والإسلام، ونحن نرتديها، وندور بها في الطرقات كالحمير تحمل أسفاراً.. قائمة الطعام في المطاعم – الآدمية – أجنبية.. أسماء المحلات الراقية – وغير الراقية أحياناً – أجنبية.. أسماء الشركات والمجموعات الاستثمارية والشركات القابضة أجنبية، أو أحرف تمثل اختصارا لأسماء أجنبية، مفردات أحاديث الشباب أجنبية، موديلات الأزياء وقصات الشعر أجنبية، والذي يدهشك ويحزنك في آن، ذلك التسابق الأحمق بين العرب لاختيار الأسماء الأجنبية لأبنائهم، دون أن يدركوا أثر ذلك وخطورته على انتماء الأجيال القادمة، عندما يصبح (شيكو) و(روبي) اسمين بديلين لـ (علي)، و(فاطمة).. لنا الله يا عرب).
حتى المثقفون..!
تقول الكاتبة زينب أحمد: لقد وصل التهاون والاستخفاف في مسلسل تفريطنا في حق لغتنا إلى حد انخراط الكتاب –خاصة نقاد الأدب – إلى استخدام الاصطلاحات الأجنبية بتوسع مفرط فيه، بداعٍ وبغير داع، في مقالاتهم ودراساتهم، وكأنهم يكتبونها لأجانب، أو لصفوة مثلهم، وكأنهم مجموعة من الأطباء تنشر بحوثا طبية متخصصة، غافلين دورهم التوضيحي التفسيري التعليمي لجمهور المتلقين، الذين أصبح عليهم إما تعلم تلك المصطلحات التي لا تنتهي، فقد أصبحت لغة جديدة يتحدثها النقاد، دون إشارة في الهوامش أو الأقواس إلى مقاصدها – ولن نقول معانيها – حتى يفهمها القارئ البسيط، إنها جريمة جديدة يرتكبها النقاد -سدنة اللغة – في حق لغتهم، ومواطنيهم، في مسلسل استعراضهم المستفز لحصيلة مصطلحاتهم النقدية، و لتذهب اللغة، وليذهب المتلقي، وليذهب الأدب برمته إلى الجحيم.
أبناء النخبة..!
وحول أسباب الظاهرة يرى القاص أحمد طوسون أن بعضا من بني جلدتنا اختاروا لأبنائهم خط التعليم الأجنبي – (وهذا لا غبار عليه -، لكن أن يتحول أبناء هؤلاء إلى أجانب، فتلك هي الكارثة، فلم يفطن الآباء إلى دورهم في إقامة موازنة بين ما يتلقاه أبناؤهم من لغة وعلوم وقيم أجنبية، وما ينبغي لهم أن يتسلحوا به أيضا من لغة وقيم عربية، حتى يصبحوا عربا مسلمين ملمين بثقافات ولغات الآخرين، يعرفون طبيعة المهام التي تحتاجها أوطانهم.. ولا لوم –إذن- على الأبناء الذين أصبحت العربية لغتهم الثانية، والأجنبية بضاعتهم التي لا يروجون لها على شاشات التلفاز، ويفاخرون بانتمائهم إليها، فضلا عن أنهم بهذا يتميزون (طبقيا) – من وجهة نظرهم -. وأبناء النخبة هؤلاء هم المحظيون لدى أصحاب المحطات الفضائية، بل والحكومية، ليس على اعتبار إتقانهم الإنجليزية التي تحتاجها تلك المحطات – كما يدعي أصحابها – بل على اعتبار هذا التميز لأبناء النخبة، المكمل لديكور البرامج، حتى يصبح كل شيء أجنبيا ومتميزا، ومثيرا لدهشة العوام، ممن لم يسعدهم الحظ من أبناء العرب الذين فات آباءَهم قطارُ النخب، وفي الوقت ذاته فإن ظهور تلك الوجوه العربية المتأمركة المتفرنسة المتبرطنة المتطلينة، يرضي غرور (ينافق) أبناء النخب من جمهور المشاهدين، فالفوائد - من وجهة نظر هؤلاء – كثيرة، فيصطادون أكثر من حَمَل بسهم واحد، وأول تلك الحملان.. اللغة).
هزيمة.. ومسؤولية!
ويعزي الشاعر والروائي أحمد قرني، هذا التقهقر المخيف للعربية – في موطنها – أمام اللغات الأخرى، إلى شعور عام بالهزيمة يجتاح أجيال العرب الجديدة.. (هزيمة ارتبطت بكل ما هو عربي، فكان ترنح اللغة على هذا النحو، إحدى حلقات مسلسل السقوط، الذي يرتفع رصيد حلقاته في حياة الإنسان العربي).
وترى الكاتبة زينب أحمد أن (دور الجهات الرقابية الغائب طوال سنوات مضت، شجع على استمرار هذا الحريق، الذي سرى تحت العشب لسنوات، ثم بدأ يظهر دخانه الآن، وبدأنا نرى ألسنة نيرانه، تلتهم خصوصيتنا، وشعورنا بالانتماء للغتنا، وعروبتنا، بل وإسلامنا – عند كثير من الشباب – إذ الدين مرتبط باللغة أصلاً، ولا فرق بين شيوع الرطانات، وتفشي الأخطاء اللغوية على ألسنة الجميع بمن فيهم أئمة المساجد.. إنه كارثة حقيقية، وتحتاج إلى انعقاد لجان كتلك التي تنعقد للحفاظ على البيئة، ومكافحة الغش، والمخدرات، ولكن أرجو ألا يكون مآلها إلى ما آلت إليه تلك اللجان من فشل وجمود).
إنذار.. ليس الأخير!
استطاع اليهود في سنوات قلائل، أن يجعلوا العبرية لغة (دولتهم) الرسمية، رغم اختلاف أعراق ولغات ومهاجر مواطني إسرائيل.. والإنجليز لا يرتضون حديثا سوى الإنجليزية في بلادهم، والأمريكان، والفرنسيون، والإيطاليون، والألمان، كذلك.. ولن تجد شعبا بين تلك الشعوب (الواعية) على أدنى استعداد لمجاملة أحد في هذا الأمر.. فلماذا نحن من دون أهل الأرض لا نقدر للغتنا حق قدرها، أم ترانا لا نجد لها قدراً أصلاً.. حتى وإن كانت هذه هي حقيقة مشاعرنا تجاه لغتنا، فلا خيار آخر أمامنا، فلن نصبح إنجليزاً، أو أمريكيين، أو فرنسيين، أو إيطاليين، ربما يمنحنا هؤلاء جنسياتهم، ولكنهم لن يمنحونا أعراقهم، أو تاريخهم، أو أسماء جدودهم.. وإن نجح بعض الكارهين من العرب للعروبة والإسلام في الهجرة والتجنس لدى الغرب، وبدء تاريخ جديد لنسله على تلك الأرض ووافقوا هم على أن يصبح أحدهم، على اعتبار أنه لم يعد منا، فلا خيار أمام من يعيشون بيننا، سوى أن يتمسكوا بلغتهم؛ فالإنجليز ورفاقهم، لن يمنحوا أعراقهم وجنسياتهم لـ ( الغرباء)، حتى وإن أحببناهم أكثر من حبنا لآبائنا وأمهاتنا، وصارت لغتهم أعز – بيننا - من لغتنا..
إنها صرخة ربما يقع شيء منها في أذن هذا الجسد الميت، ربما يسمعها صاحب عزم من مسؤولينا فيشمر لنجدة لغته ساعداً، والدعوات كلها بدأت بفرد، وربما أيضا تحرك أقلامكم، التي ننتظر غبار خيولها أن يتحرك في اتجاه موقعنا، للمشاركة في حملتنا لنصرة العربية..
وا لُغتاه.. وا لغتاه.. وا لغتاه..!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انهيار جسد اللغة مسؤلية من ؟!
كان الاحتلال يخرج مهزوما في كل مرة من أوطاننا حزيناً؛ أنه فشل في طمس هوية تلك البلاد، أو تلوينها بلغته وثقافته.. كان الانتصار الأروع في تاريخنا الحافل بحركات الاستعمار، التي كنا فيها دائما الحلقة الأضعف، بيد أن لغتنا العربية بقوتها وإرثها التاريخي والحضاري والروحي، سجلت انتصارها الخاص، وخرجت جيوش الاحتلال بعد عقود طوال قضتها كالطفيليات تتقوى على دماء بلادنا، دون أن تحقق شيئا مما كانت تهدف إليه، وعلى رأس تلك الأهداف طمس معالم تلك اللغة (الهوية)، واستنساخ أجيال جديدة من العرب، تتحدث الفرنسية، والإيطالية، والإنجليزية، والإسبانية.. كان هذا أيسر الطرق لتظل بلادنا مستعمرات تابعة لهم إلى الأبد، تتحدث أجيالها الجديدة لغتهم، وتنتمي إلى تاريخهم وحضارتهم، وإن ابتعدت - جغرافياً– عنهم، وتتسع الهوة بينها وبين أرضها وتاريخها وهويتها الأم، بعدما تختفي شواهد ذلك كله من حولها، وأول تلك الشواهد اللسان (اللغة)، الدليل الشاهد على أننا عرب، مسلمون، حرث تلك الأرض، وأن هؤلاء الذين يرقدون تحت ترابها آباؤنا وأجدادنا.. خرج الاحتلال صاغرا راغما دون أن يتحقق له شيء من مؤامرته التاريخية الفاشلة، التي نجحت في معظم بلدان العالم التي اجتاحتها حملات الاستعمار، وما مجموعة الدول الفرانكفونية (المتحدثة بالفرنسية) إلا شاهد صارخ على مآرب الاحتلال، التي فشل في تحقيقها – في بلادنا- بالأمس، ثم تأتي أجيالنا الجديدة فتهديها إليه على أطباق من ذهب، ضاربة بتاريخ نضالنا كله عرض الحائط.. كيف يحدث هذا؟ ومن المتسبب فيه؟ هل هي (عكا جديدة) تسلم بوابات حصونها بأيدي خائنين جدد؟ أم أنها حالة جهل وتخلف عامة، جعلتنا لم نعد نميز بين ما يضرنا وما ينفعنا؟!
رطانات..!
يقول القاص أحمد طوسون: إن المرارة لتصيبك بغصة الحلق، وأنت تشاهد برامج التلفاز والفضائيات، ويتسلل إليك شعور أن تلك (الرطانات) التي تخرج من أفواه مقدمي ومقدمات البرامج، أصبحت اللغة الرسمية، لجهاز يجلس ملايين العرب فاغري الأفواه أمامه، يتلقون ثقافتهم الجديدة. ما الذي يفعله هؤلاء بنا؟!! إن كل مفردة أجنبية تتفنن إحدى المذيعات في استبدالها بمفردة عربية بمهارة فائقة، وهي تتلوى وتتثنى في ميوعة وابتذال، إنما هي طعنة تهوي بها تلك الجاهلة الحمقاء في جسد لغتنا المُحْتضَر، وكأنها تتحاشى المفردة العربية؛ حتى تستعرض مدى إلمامها بالإنجليزية، والفرنسية، وفي الوقت ذاته تسن السنة السيئة لمراهقاتنا في المنازل اللاتي – بكل أسف – يتعاطين – راغمات – جرعة الرطانة والرقص والتهتك اليومية، في كأس واحدة، كانت كفيلة بتغييب تلك الأجيال (الممسوخة)، فلا هم أوروبيون، ولا أفعالهم أو ألسنتهم، أفعال أو ألسنة أبناء عرب خلص، حتى الوجوه وقصات الشَّعر، أصبح يُفتقد فيها كل ما هو عربي. والعجيب أن أحد هؤلاء أو إحداهن، عندما يهم بقراءة نشرة أو تعليق مكتوب بالعربية الفصحى، فإنك تخرج منه بحفنة من الأخطاء، تصل إلى حد الجرائم اللغوية، وتخرج من فيه لغته الأم مشوهة رديئة مزيجا من العامية والفصحى، لا ينطلق فيه حرف من مخرجه، ولا يستقيم له إعراب، في حين تخرج الإنجليزية والفرنسة وغيرها طليقة على لسانه، ينطقها من مخارجها، وكأنها لغته التي تعب على إتقانها ليقدمها لأبناء وطنه.
لغة رسمية..!
ويرى الشاعر والروائي أحمد محمد قرني أن الغريب والأجنبي من الألفاظ أصبح سرطانا دب في جسد لغتنا وحياتنا؛ (فماركات الثياب التي تنتجها المصانع العربية أجنبية، وكذلك المطبوعات التي تطل منها تمر أمامنا على صدور وبطون ورؤوس وأفخاذ و(.........) فتياننا وفتياتنا العابرين أما منا في الطرقات، كلها أمريكية وفرنسية وإنجليزية وإيطالية، تحمل أسماء أبطالهم ومناسباتهم ومعتقداتهم، وقد يكون منها – وقد حدث هذا – ما يحمل سباً للعرب والمسلمين والإسلام، ونحن نرتديها، وندور بها في الطرقات كالحمير تحمل أسفاراً.. قائمة الطعام في المطاعم – الآدمية – أجنبية.. أسماء المحلات الراقية – وغير الراقية أحياناً – أجنبية.. أسماء الشركات والمجموعات الاستثمارية والشركات القابضة أجنبية، أو أحرف تمثل اختصارا لأسماء أجنبية، مفردات أحاديث الشباب أجنبية، موديلات الأزياء وقصات الشعر أجنبية، والذي يدهشك ويحزنك في آن، ذلك التسابق الأحمق بين العرب لاختيار الأسماء الأجنبية لأبنائهم، دون أن يدركوا أثر ذلك وخطورته على انتماء الأجيال القادمة، عندما يصبح (شيكو) و(روبي) اسمين بديلين لـ (علي)، و(فاطمة).. لنا الله يا عرب).
حتى المثقفون..!
تقول الكاتبة زينب أحمد: لقد وصل التهاون والاستخفاف في مسلسل تفريطنا في حق لغتنا إلى حد انخراط الكتاب –خاصة نقاد الأدب – إلى استخدام الاصطلاحات الأجنبية بتوسع مفرط فيه، بداعٍ وبغير داع، في مقالاتهم ودراساتهم، وكأنهم يكتبونها لأجانب، أو لصفوة مثلهم، وكأنهم مجموعة من الأطباء تنشر بحوثا طبية متخصصة، غافلين دورهم التوضيحي التفسيري التعليمي لجمهور المتلقين، الذين أصبح عليهم إما تعلم تلك المصطلحات التي لا تنتهي، فقد أصبحت لغة جديدة يتحدثها النقاد، دون إشارة في الهوامش أو الأقواس إلى مقاصدها – ولن نقول معانيها – حتى يفهمها القارئ البسيط، إنها جريمة جديدة يرتكبها النقاد -سدنة اللغة – في حق لغتهم، ومواطنيهم، في مسلسل استعراضهم المستفز لحصيلة مصطلحاتهم النقدية، و لتذهب اللغة، وليذهب المتلقي، وليذهب الأدب برمته إلى الجحيم.
أبناء النخبة..!
وحول أسباب الظاهرة يرى القاص أحمد طوسون أن بعضا من بني جلدتنا اختاروا لأبنائهم خط التعليم الأجنبي – (وهذا لا غبار عليه -، لكن أن يتحول أبناء هؤلاء إلى أجانب، فتلك هي الكارثة، فلم يفطن الآباء إلى دورهم في إقامة موازنة بين ما يتلقاه أبناؤهم من لغة وعلوم وقيم أجنبية، وما ينبغي لهم أن يتسلحوا به أيضا من لغة وقيم عربية، حتى يصبحوا عربا مسلمين ملمين بثقافات ولغات الآخرين، يعرفون طبيعة المهام التي تحتاجها أوطانهم.. ولا لوم –إذن- على الأبناء الذين أصبحت العربية لغتهم الثانية، والأجنبية بضاعتهم التي لا يروجون لها على شاشات التلفاز، ويفاخرون بانتمائهم إليها، فضلا عن أنهم بهذا يتميزون (طبقيا) – من وجهة نظرهم -. وأبناء النخبة هؤلاء هم المحظيون لدى أصحاب المحطات الفضائية، بل والحكومية، ليس على اعتبار إتقانهم الإنجليزية التي تحتاجها تلك المحطات – كما يدعي أصحابها – بل على اعتبار هذا التميز لأبناء النخبة، المكمل لديكور البرامج، حتى يصبح كل شيء أجنبيا ومتميزا، ومثيرا لدهشة العوام، ممن لم يسعدهم الحظ من أبناء العرب الذين فات آباءَهم قطارُ النخب، وفي الوقت ذاته فإن ظهور تلك الوجوه العربية المتأمركة المتفرنسة المتبرطنة المتطلينة، يرضي غرور (ينافق) أبناء النخب من جمهور المشاهدين، فالفوائد - من وجهة نظر هؤلاء – كثيرة، فيصطادون أكثر من حَمَل بسهم واحد، وأول تلك الحملان.. اللغة).
هزيمة.. ومسؤولية!
ويعزي الشاعر والروائي أحمد قرني، هذا التقهقر المخيف للعربية – في موطنها – أمام اللغات الأخرى، إلى شعور عام بالهزيمة يجتاح أجيال العرب الجديدة.. (هزيمة ارتبطت بكل ما هو عربي، فكان ترنح اللغة على هذا النحو، إحدى حلقات مسلسل السقوط، الذي يرتفع رصيد حلقاته في حياة الإنسان العربي).
وترى الكاتبة زينب أحمد أن (دور الجهات الرقابية الغائب طوال سنوات مضت، شجع على استمرار هذا الحريق، الذي سرى تحت العشب لسنوات، ثم بدأ يظهر دخانه الآن، وبدأنا نرى ألسنة نيرانه، تلتهم خصوصيتنا، وشعورنا بالانتماء للغتنا، وعروبتنا، بل وإسلامنا – عند كثير من الشباب – إذ الدين مرتبط باللغة أصلاً، ولا فرق بين شيوع الرطانات، وتفشي الأخطاء اللغوية على ألسنة الجميع بمن فيهم أئمة المساجد.. إنه كارثة حقيقية، وتحتاج إلى انعقاد لجان كتلك التي تنعقد للحفاظ على البيئة، ومكافحة الغش، والمخدرات، ولكن أرجو ألا يكون مآلها إلى ما آلت إليه تلك اللجان من فشل وجمود).
إنذار.. ليس الأخير!
استطاع اليهود في سنوات قلائل، أن يجعلوا العبرية لغة (دولتهم) الرسمية، رغم اختلاف أعراق ولغات ومهاجر مواطني إسرائيل.. والإنجليز لا يرتضون حديثا سوى الإنجليزية في بلادهم، والأمريكان، والفرنسيون، والإيطاليون، والألمان، كذلك.. ولن تجد شعبا بين تلك الشعوب (الواعية) على أدنى استعداد لمجاملة أحد في هذا الأمر.. فلماذا نحن من دون أهل الأرض لا نقدر للغتنا حق قدرها، أم ترانا لا نجد لها قدراً أصلاً.. حتى وإن كانت هذه هي حقيقة مشاعرنا تجاه لغتنا، فلا خيار آخر أمامنا، فلن نصبح إنجليزاً، أو أمريكيين، أو فرنسيين، أو إيطاليين، ربما يمنحنا هؤلاء جنسياتهم، ولكنهم لن يمنحونا أعراقهم، أو تاريخهم، أو أسماء جدودهم.. وإن نجح بعض الكارهين من العرب للعروبة والإسلام في الهجرة والتجنس لدى الغرب، وبدء تاريخ جديد لنسله على تلك الأرض ووافقوا هم على أن يصبح أحدهم، على اعتبار أنه لم يعد منا، فلا خيار أمام من يعيشون بيننا، سوى أن يتمسكوا بلغتهم؛ فالإنجليز ورفاقهم، لن يمنحوا أعراقهم وجنسياتهم لـ ( الغرباء)، حتى وإن أحببناهم أكثر من حبنا لآبائنا وأمهاتنا، وصارت لغتهم أعز – بيننا - من لغتنا..
إنها صرخة ربما يقع شيء منها في أذن هذا الجسد الميت، ربما يسمعها صاحب عزم من مسؤولينا فيشمر لنجدة لغته ساعداً، والدعوات كلها بدأت بفرد، وربما أيضا تحرك أقلامكم، التي ننتظر غبار خيولها أن يتحرك في اتجاه موقعنا، للمشاركة في حملتنا لنصرة العربية..
وا لُغتاه.. وا لغتاه.. وا لغتاه..!