إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

زواج النور من النور

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زواج النور من النور

    الزواج
    يا محمد: زوّج النور من النور
    اجتمع بعض الأنصار فيهم سعد بن معاذ وسلمان الفارسي يتذاكران هذا الموضوع طويلاً ويتحدثون فيما جرى لكبار صحابة رسول الله من المهاجرين الأولين، وخاصة عبد الرحمن بن عوف، وكانت تفاصيل أخبار ذلك الحدث قد عمّت مدينة رسول الله وتناقله المسلمون فيما بينهم.
    ووقع في نفس سعد أن الله عزوجل ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنما يحبسان فاطمة على أخي رسول الله علي بن أبي طالب، فالتفت إلى صحبه كمن فتح عليه فتحٌ وقال:
    ـ ما أظن الله ورسوله يحبسان فاطمة إلاّ على عليّ فامضوا بنا إليه نذكر له الذي وقع في أنفسنا.
    ـ وكيف لم يفكر عليّ حتى الآن في خطبتها وهو ابن عمّ أبيها وهي ابنة عمّه وأخيه رسول الله ؟‍!
    ـ لعله لم ينتبه إليها.
    ـ ومن يدرينا أنه لم يفكر ؟ فلعلّه فعل ولكن ضيق ذات يده حبسه عن الإقدام !
    ـ امضوا بنا إليه نذكر له ذلك فإن كان الذي يمنعه من خطبتها ضيق ذات يده واسيناه وأسعفناه.
    وخرج ذلك الجمع من الأنصار يلتمسون عليّاً حتى وجدوه أخيراً في بستان رجل من الأنصار ينضح الماء ببعيره على نخل ذلك الرجل بأجر يأخذه منه يقيم به أوده ويسدّ به حاجته !
    وراع عليّاً انطلاقهم نحوه ومسيرهم إليه فأقبل عليهم يستجلبهم الأمر ويستنبئهم الخبر:
    ـ ما وراءكم أيها الصحب ؟ وما الذي جئتم له ؟
    وتكلم سعد:
    ـ يا ابن أبي طالب، إنه لم يبق خصلة من خصال الخير إلاّ ولك فيها سابقة وفضل.
    وأنت من رسول الله بالمكان الذي قد عرفت من القرابة والصحبة والسابقة.
    وقد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ابنته فاطمة فردّهم وقال: إن أمرها إلى ربّها إن شاء أن يزوجها زوّجها.
    فما يمنعك أن تذكرها لرسول الله وتخطبها منه فإنك لها كفؤ وبها لجدير. وإني أرجو أن يكون الله ورسوله إنما يحبسانها عليك، وإني والله لأراهما لا يريدان بها غيرك.
    ـ لقد هيّجت مني يا سعد ساكناً وأيقظتني لأمر كنت عنه ساكناً.
    والله إن فاطمة لموضع رغب، وما مثلي يقعد عن مثلها.
    ـ فما يمنعك عن خطبتها يا عليّ ؟
    أطرق عليّ برأسه إلى الأرض مهموماً محزوناً مفكراً … ويبادره سعد:
    ـ إن كنت لاتجد عندك شيئاً واسيناك وأسعفناك.
    هزّ عليّ رأسه علامة الإيجاب، ثم قام من فوره فانطلق إلى ابن عمه وأخيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .
    كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالساً عند زوجته أم سلمة وقد بدت على وجهه علائم الترقب والانتظار.
    ولم يغب عن أم سلمة ذات القلب الحسّاس والحسّ المرهف ما برسول الله من هذه العلائم لكنها بأدبها الجمّ وحرصها البالغ أشفقت أن تبادره بسؤال يعكّر صفو خاطره.
    وفيما أم سلمة تراقب وجه زوجها رسول الله التفت إليها صلّى الله عليه وآله وسلّم يبادرها الحديث:
    ـ أما علمت يا أمّ سلمة أَنَّ أخي جبرائيل قد أتاني فقال: يا محمد إنَّ الله يقرؤك السلام ويأمرك أن تزوّج النور من النور(1).
    ـ تزوّج مَنْ مِمَنْ يا رسول الله ؟ !
    ـ فاطمة من عليّ .
    ـ وهل آذنتهما بذلك ؟
    ـ وكيف أفعل يا أم سلمة وأنا ما زلت عندك في مقامي الذي تركني في جبرائيل ؟ !
    ما أتمّ رسول الله عبارته حتى سما طَرقاً خفيفاً على الباب فالتفت أمّ سلمة إلى رسول الله فابتسم لها النبيّ الكريم وقال:
    قومي فافتحي له الباب يا أمّ سلمة ومريه بالدخول فهذا رجل يحبّ الله ورسولَه ويحبّهُ الله ورسوله.
    ـ فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله، من هذا الذي تذكر فيه ذلك وأنت لم تره ؟ !
    ـ يا أم سلمة، هذا رجل ليس بالخَرِقِ ولا بالنَزِقِ هذا أخي وابن عمي وأحبّ الخلق الي عليّ بن أبي طالب(2).
    أصلحت أم سلمة من شأنها وأدنت عليها جلبابها وبادرت الباب تكاد تعثر في مِرْطها:
    ـ مَنْ الطارق ؟
    ـ أنا عليّ فهل تأذنون لي بالدخول ؟ !
    فتحت أم سلمة الباب مرحّبة بعليّ ودعته إلى الدخول فدلف عليّ إلى البيت حتى جلس بين يدي رسول الله مطرقاً برأسه ينظر إلى الأرض من شدّة الحياء والخجل.
    ـ أتيت لحاجة يا عليّ ؟ !
    ـ نعم يا رسول الله .
    ـ ما حاجتك يا عليّ ؟ !
    ـ قل حاجتك يا عليّ وأفصح عما في نفسك، فكل حاجة لك عندي مقضيّة كائنة ما كانت.
    ـ فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله، لقد أخذتني من عمّك أبي طالب ومن فاطمة بن أسد وأنا صبيّ فغذوتني بغذائك وأدبتني بأدبك، فكنت إِليَّ أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بن أسد في البر والشفقة، وإن الله تعالى هداني بك وعلى يديك ! وإنك والله ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة. وقد أحببت مع ما شَدَّ الله عضدي بك أن يكون لي بيت وأن تكون لي زوجة أسكن إليها. وقد أتيتك خاطباً راغباً، أخطب إليك ابنتك فاطمة فهل أنت مزوّجي يا رسول الله ؟.
    تهلل وجه رسول الله فرحاً وسروراً بما سمع من عليّ من طيب المقال وما هو فيه من حسن الحال عند ربّه العزيز المتعال، وابتسم في وجهه ابتسامة حبّ ورضى وقال:
    ـ مرحباً يا عليّ وأهلاً.
    ثم قال الرسول الأعظم فأتى ابنته فاطمة يسألها:
    ـ إني يا فاطمة قد سألت ربي عزَّ وجلَّ أن يزوجك خير خلقه وأحبّهم إليه، وقد عرفت عليّاً وقرابته وإسلامه وخبرت فضله وسابقته ومواقفه، وقد جاءني خاطباً فما ترين يا ابنتي ؟ ! .
    احمرّ وجه فاطمة خجلاً من أبيها ولم تستطع أن تخفي فرحها بخطبة عليّ لها، لكنها لاذت بالصمت فهو أفضل مقال في مثل هذه الحال.
    وعاد رسول الله إلى أخيه وابن عمه وأحبّ الخلق إليه يقول:
    ـ الله أكبر يا عليّ: سكوتها إقرار ورضى(3).
    يا عليّ إن الله عزَّ وجلَّ قد أمرني قبل مجيئك إليّ أن أزوّجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة إن رضيتّ بذلك.
    ـ فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله لقد رضيت ووالله لا يخفى عليك من أمري شيء، وإني أملك سيفي وناضحتي ودرعاً وهبتنيه من مغانم غزوة بدر.
    ـ يا عليّ أما سيفك فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل الله وتقاتل به أعداء الله.
    وناضحتك تنضح به على نخلك وأهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك.
    ولكن قد زوجتك بالدرع ورضيت بها منك صداقاً.
    يا عليّ أأبشّرك ؟!
    ـ نعم يا رسول الله بشّرني فإنك لا تزال ميمون النقيبة مبارك الطائر، رشيد الامر صلّى الله وسلّم عليك وعلى آلك الأطهار.
    ـ يا عليّ إن الله قد زوّجك فاطمة في السماء قبل أن أزوّجكها في الأرض، ولقد هبط عليَّ في موضعي هذا من قبل أن تأتيني جبرائيل من السماء فقال (( يا محمد إن الله عزَّ وجلَّ اطّلع إلى الأرض اطلاعة فاختارك من بين خلقه برسالته ثم اطّلع إلى الأرض ثانية فاختار لك علياّ(4) أخاً ووزيراً وصاحباً وختناً فزوّجه ابنتك فاطمة عليها السلام وقد احتفلت بذلك ملائكة السماء. يا محمد إن الله عزَّ وجلَّ يأمرك أن تزوّج عليّاً في الأرض فاطمة وتبشرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين خيّرين فاضلين في الدينا والآخرة ))(5) يا علي فوالله ما عرج الملك من عندي حتى دققت الباب. امضِ أمامي إلى المسجد فإني خارج إليه ومزوّجك ابنتي فاطمة على رؤوس الناس وذاكر لهم من فضلك ما تقرّ به عينك وأعين محبّيك في الدنيا والآخرة.
    خرج عليّ من عند رسول الله وقد ملأ البشر جوانحه وغمر الفرح والسرور جوارحه فإذا أولئك النفر من الأنصار لا يزالون بانتظاره:
    ـ ما وراءك يا عليّ ؟ .
    ـ لقد زوّجني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال لي:
    مرحباً يا عليّ وأهلاً وها هو على أثري إلى المسجد.
    ـ يكفيك من رسول الله إحداهما فكيف وقد أعطاك الرحب وأعطاك الأهل؟
    سار بهم علي إلى المسجد وسرعان من لحق بهم رسول الله وإن وجهه لمشرق كدائرة القمر، تتهلل أساريره فرحاً وتنطق عيونه بالبشر والسعادة، ونادى بلالاً فقال:
    ـ يا بلال اجمع إليَّ المهاجرين والأنصار(6).
    رقى النبيّ الكريم المنبر وقد اجتمع حوله المهاجرون والأنصار يستمعون لخطبته:
    ـ (( الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطوته، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه وأكرمهم بنبيّه محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
    إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً، أوشج به الأرحام وألزم الأنام، فقال عز من قائل: ] وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً [ الفرقان 54.
    فأمر الله يجري إلى قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
    معاشر المسلمين إن أخي جبرائيل أتاني آنفاً فأخبرني عن ربّي عزَّ وجلَّ أنه جمع الملائكة عند البيت المعمور، وأنه أشهدهم جميعاً أنه زوّج فاطمة بنت رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم من عبده عليّ بن أبي طالب، وأمرني أن أزوّجه في الأرض وإنني أشهدكم أنني قد زوجته ))(7).
    ثم جلس عليه وآله افضل الصلاة والسلام وقال لعليّ:
    ـ قم يا عليّ فاخطب أنت لنفسك.
    وقام عليّ فحمد الله سبحانه وأثنى عليه ثم صلّى على النبي وآله وقال:
    ـ النكاح مما أمر الله عزَّ وجلَّ به ورضيه، ومجلسنا هذا مما قضاه الله وأذن فيه.
    وقد زوّجني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ابنته فاطمة وجعل صداقها درعي هذا.
    وقد رضيت بذلك فاسألوه واشهدوا.
    فقال المسلمون:
    ـ زوّجته يا رسول الله ابنتك فاطمة ؟ ! .
    ـ نعم يا معشر المسلمين لقد زوّجت عليّاً فاطمة فنعم الأخ هو ونعم الختن هو ونعم الصاحب هو كفاه برضى الله رضىً.
    فخر علي ساجداً شكراً لله تعالى وهو يقول:
    ـ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي. فقال النبي آمين.
    فلما رفع علي رأسه أخذ النبي بيده وهو يقول: بارك الله لكما وعليكما وفيكما وأسعد جدكما وجمع على الحق والخير شملكما وأطاب نسلكما وأخرج منكما الكثير الطيب وجعله مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة(8). الله إنهما مني وأنا منهما، اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فاذهب عنهما الرجس وطهرهما وطهر نسلهما.
    عمّت الفرحة القلوب وظهر البشر على الوجوه وارتسمت البسمة على الشفاه.
    لكنّ ناساً من المهاجرين كانوا قد خطبوا فاطمة إلى رسول الله فردّهم ساءهم تزويجها من عليّ وتكلّموا في ذلك وأكثروا حتى قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
    والله ما أنا زوّجته، ولكن الله سبحانه وتعالى زوّجه. ووالله لولا علي لم يكن لفاطمة كفوء على وجه الأرض من آدم فما دونه !(9).
    فسكت أولئك القوم مكبتين وانصرفوا مغتاظين !.
    وهكذا أجرى النبيّ أمام المسلمين على المنبر صيغة العقد الذي أصبح به عليّ وفاطمة زوجين. وبذلك سنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الإشهار والإشهاد في عقد النكاح، وسنّ التخفيف في الصِداق وعدم المغالاة في المهور كيما يقتدي به المسلمون فلا يغالوا في مهور بناتهم مهما كانت المبررات والأسباب. فليس في المسلمين من يرقى لمكانة وعظمة وشرف النبي وليس في البنات من ترقى إلى شرف وفضل وطهارة سيّد نساء العالمين الزهراء البتول فاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهي أكمل النساء خلقاً وأحسنهن خُلُقاً، وليس في الرجال من يرقى إلى فضل وشرف عليّ بن أبي طالب، فهو أوسط العرب نسباً وأعظمهم شرفاً وشجاعة وعلماً وأوسعهم حلماً، أخو رسول الله ووزيره وخليفته من بعده وإمام المسلمين وبطل الإسلام وقُطْبُ رحى حروبه ومعاركه حتى جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X