إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

البيان النبوى يوم حجه الوداع

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البيان النبوى يوم حجه الوداع

    البيان النبوى يوم حجه الوداع
    ويتسلسل الفكر الشيعى فى الاحتجاج والاستدلال على ان الامامه عهدومسووليه نبويه، كان الرسول(ص) قد حدب على صياغتها وتعريفهاللامه، واعدادها فكريا ونفسيا لاستقبال هذا المبدا الخطير بعد حياته‏المباركه.
    فكانت حجه الوداع، وكان الخطاب والبيان النبوى فى اليوم الثامن عشرمن ذى الحجه حين جمع الحجيج قبل ان يفترقوا فى موقع يدعى غديرخم، فوقف خطيبا مبلغا آخر عهوده. اخرج الامام احمد بن حنبل ذلك المشهد التاريخى الخالد قائلاحدثنا عبد اللّه حدثنى ابى حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمه حدثناعلى بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول‏اللّه(ص) تحت شجرتين، فصلى الظهر، واخذ بيد على( رضى‏اللّه عنه )، فقال: الستم تعلمون انى اولى بالمومنين من انفسهم؟ قالوا: بلى، قال: الستم تعلمون‏انى اولى بكل مومن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فاخذ بيد على، فقال: من‏كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر بعدذلك، فقال: هنيئا ياابن ابى طالب، اصبحت وامسيت مولى كل مومن‏ومومنه. قال ابو عبدالرحمن: حدثنا هدبه بن خالد حدثنا حماد بن‏سلمه عن على بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب عن‏النبى(ص) نحوه).
    واخرج النسائى عن زيد بن ارقم قال: (لما رجع رسول اللّه عن حجه‏الوداع ونزل غدير خم، امر بدوحات فقممن، ثم قال: كانى دعيت فاجبت‏انى قد تركت فيكم الثقلين، احدهما اكبر من الاخر، كتاب اللّه، وعترتى اهل بيتى،فانظروا كيف‏تخلفونى فيهما، فانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. ثم قال: ان اللّه مولاى،وانا ولى كل مومن، ثم اخذ بيد على فقال: من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم وال‏من والاه وعاد من عاداه).
    وتاسيسا على ذلك كله آمن فريق من الصحابه ان عليا هوالاولى‏بالخلافه‏والامامه، منطلقين من‏تلك الاستفادات، ومن فهمهم‏لكلمه (الولايه) الوارده فى قوله تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله والذين‏امنوا الذين يقيمون الصلاه ويوتون الزكاه وهم راكعون).
    وفى قول النبى(ص): (من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من‏عاداه).
    فقد فهموا من كلمه الولايه هذه: انها تفيد ولايه الامر والخلافه والامامه،لاسيما وانها اقترنت بايضاح الرسول: (الستم تعلمون انى اولى بالمومنين من‏انفسهم).
    وبتعقيبه: (من كنت مولاه فعلى مولاه). فامنوا ان ذلك يعنى نقل‏صلاحيته(ص) -باعتباره ولى امر المسلمين لعلى من بعده. واستجابه لهذاالفهم والبيان تكتلوا حول على وكانوا شيعه له، فقد راوا فيه الامام‏والمرجع الفكرى للامه.
    كما استدل لامامه على(ع) برفضه لبيعه الخليفه ابى بكرفى السقيفه،والمطالبه بالخلافه والامامه كحق من حقوقه.
    وبنى الاستدلال على ان عليا هو من عرف المسلمون ايمانه وزهده فى‏الدنيا وجهاده فى المواقع كلها. فلو لم يكن يرى حقا خاصا له بالامامه‏لما احتج على بيعه السقيفه، ولما اعلن مطالبته بالخلافه، ولرضى بنتائج‏السقيفه عند سماعها.
    وكما كان هذا موقف على(ع) وفريق من الصحابه، كان‏راى فريق آخر: ان ماجاء فى بيانات الرسول والقرآن الكريم، لايستفادمنه ثبوت الولايه والامامه لعلى. وان‏كلمه الولايه -التى وردت فى كتاب اللّه وبيان الرسول فى حجه‏الوداع‏انما تعنى الحب والنصره والموده، وليس ولايه الامر وخلافه‏النبوه، ولذا راوا من حقهم ان يختارواشخصا آخر. ويقدم الشهيد الصدر تفسيرا لمواقف الصحابه الذين‏اختاروا غير على للخلافه، بنشوء اتجاهين مدرسيين وسط الصحابه‏على عهد رسول اللّه(ص) وهما:
    1 - اتجاه يتقيد بالنص فى كل مجال من مجالات الحياه، ولا يرى من‏حق احد بعد البيان النبوى ان يجتهد مقابل النص، سواء فى مجال‏العباده او السياسه او شوون الحرب...الخ.
    2 - اتجاه يومن بامكانيه الاجتهاد مقابل النص فى بعض المجالات.
    وهذان الاتجاهان قد تجسدا بشكل تيارين عندما واجها النص النبوى‏على اطروحه الامام على(ع). فاجتهد ذلك الفريق مقابل النص والتزم‏الفريق الاخر بالنص. وبذا ولد الكيان النصى من حول الامام على(ع).
    ثم يوضح ذلك بنص قوله: (وهذان الاتجاهان اللذان بدا الصراع بينهمافى حياه النبى(ص) قد انعكسا على موقف المسلمين من اطروحه زعامه‏الامام على(ع) للدعوه بعد النبى(ص).
    فالممثلون للاتجاه التعبدى وجدوافى النص النبوى على هذه الاطروحه سببا ملزما لقبولها دون توقف اوتعديل، واما الاتجاه الثانى فقد راى انه بامكانه ان يتحرر من الصيغه‏المطروحه من قبل النبى(ص) اذا ادى اجتهاده الى صيغه اخرى اكثرانسجاما فى تصوره مع‏الظروف. وهكذا نرى ان الشيعه ولدوا منذ وفاه‏الرسول(ص) مباشره، متمثلين فى‏المسلمين‏ الذين خضعوا عمليالاطروحه زعامه الامام على(ع) وقيادته التى فرض النبى(ص) الابتداءبتنفيذها من حين وفاته مباشره.
    وقد تجسد الاتجاه الشيعى منذ اللحظه الاولى فى انكار ما اتجهت اليه‏السقيفه من تجميد لاطروحه زعامه الامام على(ع) واسناد السلطه الى‏غيره).



  • #2
    وترى النظريه الاماميه ان صفتى الطهاره او (العصمه) و(كمال العلم)باحكام الشريعه ومعارفها، هما الملاك الاساس فى استحقاق الامامه-كما مر فى تعريف الشيخ المفيد موسسين ذلك على اصول قرآنيه‏وبيانات نبويه. نذكر ابرز هذه الاصول والاستدلالات كما جاءت فى‏محاورات الفكر الشيعى الامامى بايجاز:
    فابرز ما استدل به على وجوب توفر العصمه فى الامام هو ما استفيد من‏الحوار الالهى مع ابراهيم(ع) حول استحقاق الامامه.
    قال تعالى: (قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى‏الظالمين).
    فاستدل بهذا البيان القرآنى على ان الامامه عهد الهى يختص به من تنزه‏عن الظلم-اى المعصيه- ومن توفرت فيه طهاره النفس وعصمتها، كما مربيانه فى تعاريف العصمه والمعصوم.
    علما بان هذه العصمه لاتتحقق الابتوفر العلم باحكام الشريعه ومعارفها.
    ثم يوسس الفكر الشيعى على هذا الاساس ان اهل بيت النبى(ص) قدشهد القرآن لهم بالطهاره من الرجس بقولهانما يريد اللّه ليذهب عنكم‏الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).
    فقد تواتر نقل الرواه والمفسرين ان هذه الايه لما نزلت جمع رسول‏اللّه(ص) عليا وفاطمه والحسن والحسين وقال: (اللهم هولاء اهل بيتى‏فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
    وكما استشهد بنص القرآن وبيان الرسول هذا، احتج ايضا لطهاره‏ائمه‏اهل‏البيت‏وعصمتهم بشهاده الرسول(ص) يوم حجه الوداع، التى جاءفيها:
    (...انى قد تركت فيكم الثقلين، احدهما اكبر من الاخر، كتاب اللّه، وعترتى اهل‏بيتى، فانظروا كيف تخلفونى فيهما، فانهما لن
    يفترقا حتى يردا على الحوض).

    فقد احتج بهذا النص النبوى الشاهد بملازمه اهل البيت(ع) لكتاب اللّهوعدم مفارقته علما وعملا.
    وهذا الالتزام التام بكتاب اللّه، هو المعبر عنه بالعصمه، كما يشهدالرسول(ص) بقوله الشريف هذا.

    تعليق


    • #3
      سلسلة ائمة اهل البيت عليهم السلام

      الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله)
      الاسم: محمد (ص)
      اسم الأب: عبد الله.
      اسم الأم: آمنة
      تاريخالولادة: عام الفيل
      محل الولادة: مكة
      تاريخ الوفاة: السنة الثالثة عشرة للهجرة
      محل الوفاة: المدينة
      محل الدفن: المدينة.

      عام الفيل
      بسم الله الرحمن الرحيم
      قبل الهجرة باثنتين وخمسين سنةً، توجّه أبرهة الأشرم من اليمن بجيش كبير، عماده محاربون يركبون الفيلة، توجّه نحو مكّة لتدمير بيت الله. وقام في طريقه إلى مكة بالقضاء على كلّ من حاول الوقوف في وجهه.
      وصل جيش أبرهة إلى ضواحي مكة، وكان الوقت ليلاً، فأقام معسكره هناك في انتظار الصّباح ليشرع في هجومه، بينما سارع أهل مكّة إلى الجبال هرباً منه، وأسلموا الكعبة إلى الله، فهو سبحانه الكفيل بالدفاع عنها، فهي أول بيتٍ أقيم في الأرض لعبادته تعالى.
      وفي الصباح الباكر. شرع المقاتلون بهجومهم على الكعبة، يتقدّمهم ركّاب الفيلة، وفجأةً ظهرت في السماء أسراب هائلة من الطيور، تحمل في مناقيرها حجارةً صغيرةً، قامت بإلقائها فوق رؤوس أبرهة ورجاله، ارتفع صراخ العسكر وتعالى أنينهم وتوجّعهم، وبدأوا يتساقطون، الراكب منهم والراجل، الحصان وفارسه، الفيل وراكب الفيل، تساقطوا فوق بعضهم أكواماً من الجثث، وهكذا قضى الإله القدير على أعدائه المارقين. وكان هذا الحدث العجيب وراء تسمية تلك السنة بـ «عام الفيل»، العام الذي تمّ فيه القضاء - وبإرادة العلي القدير - على فيلة الحرب وركابها، بحجارةٍ صغيرةٍ اخترقت أجسادهم، وحفظ الله بيته من عدوان المعتدين.

      محمد الأمين
      في ذلك العام «عام الفيل» ولد الرسول الأكرم، لأمه آمنة بنت وهب. وكانت آمنة سليلة بيت الكرم والشرف، وقد اشتهرت بالسمعة الطيّبة والطهارة والعفاف، أمّا أبوه فكان يدعى عبد الله، الابن المحبوب من أبيه عبد المطلب (جد الرسول)، وسيد قومه، وموضع اعتزازهم واحترامهم. وقد فارق عبد الله الحياة قبل ولادة الرسول الأكرم (ص)، أمّا آمنة فقد انتقلت إلى رحمة ربّها بعد ولادته (ص) بستّ سنوات، فكفله جدّه عبد المطلب، وعهد به إلى امرأةٍ عفيفةٍ شريفةٍ، اسمها حليمة السعدية، لتقوم بإرضاعه ورعايته، وقد توفّي عبد المطلب بعد عامين، فأخذه عمه أبوطالبٍ إلى بيته، وتكفّل برعايته وتربيته.
      كان أبوطالب يتعاطى التجارة، وكان من عادة تجار مكة أن يخرجوا بتجارتهم إلى الشام مرّةً في السنة، وقد رافق محمد (ص) عمه أبا طالبٍ في إحدى رحلاته إلى الشام.
      عرف الجميع عن محمدٍ (ص) أمانته واستقامته، حتى اشتهر بينهم بـ «محمد الأمين». ولمّا علمت خديجة باستقامته وأمانته، وكانت من أشرف نساء مكّة وأكثرهنّ ثراءً، سلّمته أعمالها التجارية، فاكتسب خبرةً واسعةً بطرق وأصول التجارة، ثم ما لبثت أن أحبّت أخلاقه وعزّة نفسه، فتزوّجت منه، ووضعت بين يديه وفي تصرّفه، كامل ثروتها وأعمالها . .
      فقام (ص) مستعيناً بقوّة شبابه وإرادته، وما وفّرته له زوجته من إمكانيّاتٍ، قام بمساعدة المظلومين، ومد يد العون إلى الفقراء المستضعفين.
      رزق (ص) من خديجة بستة أبناء: ولدين أسماهما قاسماً وعبد الله، وقد توفّيا صغيرين قبل بعثته (ص)، وأربع بناتٍ هنّ رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة (ع). وكان (ص) كثير الصبر عظيم الجلد، فلم يبدر منه أيّ إحساس بالضعف لموت ولديه، بل تقبّل قضاء الله وحكمه بالرّضى والإقرار.
      كان (ص) يتمتّع باحترامٍ شديدٍ بين الناس، وكانوا يرجعون إليه ليسادعهم في حل مشاكلهم، وكانوا يثقون به ويعتمدون عليه، ويودعون لديه أماناتهم، ولم تعرف عنه كذبه واحدة، لأنّه كان رجلاً صادقاً مؤمناً. (وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ) (القلم - 4).
      كان الناس في تلك الأيام يعبدون الأصنام، بينما كان هو يعبد الله الواحد الأحد، ملّة جده إبراهيم الخليل (ع)، وكان يقضي معظم وقته يتعبّد في غار حراءٍ، وهو غار يقع على قمّة جبل في شمال مكّة. وكان يذهب خفيةً إلى هناك، فيقضي شهر رمضان بكامله، يصلي ويعبد ربّه ويناحيه.

      البعثة
      في السابع والعشرين من شهر رجب، وكان (ص) كعهده دائماً مشغولاً بعبادته في الغار، وإذا بجبرائيل - ملاك الرحمان - يظهر أمامه، وما إن تطلع إليه حتى بادره قائلاً: (اقرأ). لكنّ محمداً (ص)، والذي لم يكن قد تلقّى أيّ تعليمٍ، وهو لا يحسن القراءة أو الكتابة، أجاب متعجّباً: وماذا أقرأ؟ فأنا لا أحسن القراءة قال جبرائيل مكرّراً أمره: «اقرأ» لكنّه وللمرة الثانية سمع الرد نفسه، وحين كرر قوله للمرة الثالثة، أحسّ محمد (ص) أنّ باستطاعته أن يقرأ.(اقرأ باسم ربّك الذي خلق). وهكذا اختار الله سبحانه محمداً (ص) للنبوّة، وهو في سن الأربعين، وكلّفه بأن يقوم بهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات والشرك والجهل الذي هم فيه، إلى رحاب العلم ونور الإيمان، وأن يرشدهم إلى طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.

      تعليق


      • #4
        أول شهادة في الإسلام
        كان نصيب بعض المسلمين من الأذى قليلاً، لأنّهم ينتمون إلى قبائل كبيرةٍ ومشهورة، وكان المشركون يخافون من قبائلهم تلك، لكنّ أكثر أتباع الدين الإسلامي، كانوا من الفقراء المستضعفين، أو من العبيد الأرقّاء، فكان الأذى الذي ينزل بهم أقوى وأشدّ، كبلال الحبشيّ، وكان عبداً أسود البشرة، فقد طرحه سيّده فوق الأحجار الملتهبة تحت شمس مكة الحارقة، كما طرحت فوق صدره صخور كبيرة الحجم، وترك ساعات يعاني من العذاب والحرّ، والجوع والعطش، كانوا يطلبون منه الابتعاد عن محمد ودعوته. لكن جواب بلال لهم كان قوله . . أحد، أحد، الله واحد. فما كان من المشركين أخيراً إلاّ أن ربطوه بحبل. وصاروا يجرونه في أزقّة مكة، فوق الأحجار والرّمال، لكنّ بلالاً كان مسلماً حقّاً، ولم تكن شدّة العذاب إلا لتزيده قوّةً وإيماناً.
        كما كان ياسر وسميّة وابنهما عمّار، من المسلمين المستضعفين، المحرومين ممن يحميهم ويدفع الأذى عنهم. لذلك فقد رأوا من العذاب أشدّه، أمّا ياسر وسميّة فقد قضيا شهيدين تحت التعذيب. وأمّا عمار، فقد قاومهم حتى اقترب من الموت، بعد أن رأى مصرع أبويه أمام عينيه لكنّه لم يكن أبداً ليرتدّ عن شريعة الإسلام، وإن تفوّه بكلمة الكفر تقيّةً تحت تأثير العذاب. (إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان) (النحل - 106).
        كان الرسول (ص) يرى هذه الألوان من العذاب، تنزل بأصحابه وأحبابه، فيتفطّر لهم قلبه العطوف، ويألم لمصابهم، لكنّه لم يكن يملك من علاجٍ إلاّ الصبر الجميل.

        المقاطعة
        أحس مشركو قريش أن خططهم لم تصل إلى نتيجةٍ، ورأوا الخطر يزداد عليهم بازدياد انتشار الإسلام، فلجأوا إلى تدبير خسيس، بعيد عن الإنسانية، وقرّروا مقاطعة المسلمين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم، وأصدروا وثيقةً تتضمّن أربع نقاطٍ للمقاطعة:
        1- منع الشّراء والمبيع من المسلمين.
        2 - مناصرة خصوم محمدٍ، والالتزام بها، واجب في جميع النزاعات.
        3 - لا حقّ لأحد في الزواج من المسلمين أو تزويجهم.
        4 - يمنع أيّ شكل من أشكال التعامل أو العلاقة مع المسلمين.
        وعلّقوا صحيفة المقاطعة هذه على الكعبة.
        لما رأى أبوطالبٍ ما وصلت إليه الحال، وكيف غدت معيشة المسلمين مستحيلةً في مكة، تقدم من ابن أخيه، وعرض عليه أن يغادر بنو هاشم إلى بعض ضواحي مكة، ليقيموا في وادٍ يعرف بـ «شعب أبي طالب» وحين لمس قبولاً من الرسول (ص) باقتراحه، جمع أفراد بني هاشم وقال لهم: لقد عزم محمد على الانتقال إلى الشعب، لذا فكلّ منكم مكلف بمرافقته، وأن يكون له مساعداً وظهيراً حتى النفس الأخير.
        امتدت مقاطعة قريش لبني هاشم ثلاث سنوات، كانت من أشدّ الفترات قسوةً على المسلمين، وخاصةً من حيث قلّة المواد الغذائية التي وصلت إلى حد كان فيه الفرد منهم ينال حبّة تمر واحدةً في اليوم، بل كانت حبّة التّمر هذه تقسم أحياناً بين اثنين منهم، وكان علي (ع) يأتيهم بالطعام سرّاً من مكة. وفي الأشهر الحرم، حين كان الأمن يتوفّر بشكل أفضل، كان بعض فتيان بني هاشم يقصدون مكة لتأمين بعض ما يلزمهم من حاجياتٍ، فكانت قريش تحرّض الباعة على رفع أسعارهم، وكان أبولهب يصيح في أسواق مكّة قائلاً: أيّها الناس، ارفعوا من أسعاركم حتى لا يستطيع المسلمون شراء ما يلزمهم ما أشبه اليوم بالبارحة، فقوى الاستكبار اليوم تعمل جاهدةً على إدخال المسلمين في مسالك مماثلة، ولا يزال هناك أناس مثل أبي لهب، يغتنمون ظروف الحصار الاقتصادي، فيرفعون أسعار بضائعهم يوماً عن يوم، إنّهم من أمثال أبي لهب، ومن السائرين على دربه، وهم ليسوا جديرين بحالٍ من الأحوال أن يدعو بالمؤمنين.
        بعد مقاطعةٍ دامت ثلاث سنواتٍ دون طائلٍ، وحين ثبت لقريش أنّ الحصار الاقتصادي بدوره لم يأت بنتيجةٍ، ولم يفت من عزيمة المسلمين، بل زادهم إيماناً، ندم بعض القرشييّن على ما أقدم عليه ومهم، وبدأوا شيئاً فشيئاً يخفّفون الحصار، حتى انتهى الأمر بأن أصبح المسلمون أحراراً في المجيء إلى مكة. واستطاعوا أن يعودوا ثانية إلى بيوتهم، وكان ذلك بمعجزة من الله تعالى، إذ بعث الأرضة (وهي حشرة صغيرة تقرض الأخشاب وغيرها) إلى صحيفة المقاطعة، فأكلت كلّ ماكتب فيها من كلمات الظلم والمقاطعة، وأبقت على غيرها من الكلمات، فلمّا رأى الناس ذلك، عرفوا أنّ الله سبحانه لا يقبل بهذه المقاطعة، فمزّقوا الصحيفة وأسلم عدد كبير منهم.

        الهجرة
        بعد زمن قصير فارق أبوطالب عمّ الرسول (ص)، وخديجة زوجته الحياة، واحداً إثر الآخر، فكان لفقدهما أسوأ الوقع والأثر على الرسول (ص)، وهما ظهيراه وناصراه، واشتدّت بعد موتهما ضغوط قريش على المسلمين، وبخاصّة على رسول الله (ص). فأمر المسلمين أن يهاجر من يريد الهجرة منهم إلى الحبشة قائلاً: «إنّ بها (أي الحبشة) ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق». فهاجر فريق من المسلمين إلى الحبشة بإمرة ابن عمّ الرسول (ص) جعفر بن أبي طالب (ع).
        تآمرت قريش سرّاً على قتل النبي (ص)، وفي الليلة المحدّدة، أخبر الله تعالى نبيه

        تعليق


        • #5
          بمكرهم، فأمر (ص) علياّ (ع) بالمبيت على فراشه بعد أن أعلمه بمكر قريش، سرّ علي عليه السلام لأنّه سيفدي الرسول بنفسه، ونام في فراشه، وخرج الرسول (ص) من بين المتآمرين دون أن يروه، ولما اقتحموا الدار مشرعين سيوفهم، فوجئوا بأنّ شاغل الفراش هو عليّ، فأسقط في أيديهم، وملأهم الغيظ دون أن يستطيعوا مواجهة سيف الإمام (ع)، أمّا الرسول (ص) فقد أنجاه الله من بين أيديهم وأحبط مكرهم.(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال - 30).
          كانت هجرة الرسول (ص) إلى المدينة المنوّرة، ذات أثر كبيرٍ وأهميّة فائقة، حتى اعتبرت سنة الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي، وكان سكان المدينة ينتظرون قدوم الرسول إليهم بفارغ الصبر، وقد خرجوا لاستقباله بالأهازيج والتحيات والصلوات، وبين جماهير قد ملأها الحماس، دخل عليه الصلاة والسلام المدينة. وكان أوّل عمل قام به هو أنه أمر ببناء مسجد، ليكون قاعدةً تنطلق منه دعوة الإسلام، وليكون منطلقاً لوحدة المسلمين، وبالتعاون والتّكاتف بين الناس تمّت إقامة المسجد بمدةٍ قصيرة، وبدأ المسلمون يجتمعون فيه كلّ يومٍ، ليستمعوا إلى تعاليم نبيّهم وإرشاداته.
          وكان العمل الثاني للرسول (ص) أنّه آخى بين المسلمين، وغدا الناس الذين كانوا بالأمس القريب يشهرون السيوف على بعضهم، غدوا بفضل هذا النهج، وقد شبكوا الأيدي، ووقفوا كتلةً واحدة لا يشغلهم سوى اليقظة والتنبه إلى أعدائهم، أعداء الإسلام. وقد تمّ تشكيل مجموعات منهم لتعليم القرآن الكريم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ففريق يجلس إلى الناس يتحدّث إليهم، وفريق يتلقّى تعاليم الإسلام وأصوله، وآخرون يمضون مع معاهديهم من المسلمين.

          وقعه بدر الكبرى
          كان الإسلام بهذه الطريقة يحقّق انتشاراً واسعاً يوماً بعد يومً، ويحقّق المسلمون بالتالي مزيداً من القوّة والقدرة، وقد تجلّت هذه القدرة واتّضحت تحديداً في السنة الثانية للهجرة، حيث استطاع جيش المسلمين أن يلحق بمشركي قريش هزيمةً منكرةً، وذلك في وقعة بدر الكبرى وقد اكتسب المسلمون بعد هذه الوقعة المزيد من المؤيدين والمعاهدين، كما ازداد بالمقابل إحساس زعماء قريش بالخطر، وقد كانوا بين فترة وأخرى يجهّزون حملة نحو المدينة، كي يظهروا عجز الرسول وجماعته، بكلّ طريقة ممكنة. أمّا الآن، والله سبحانه نصير للمؤمنين، فلم تعد تنفع المشركين أعمالهم، وغدا الظّفر والغلبة حليفين للمسلمين في أكثر حروبهم مع المشركين، لما يقدّمه المؤمنون من تضحيةٍ وفداء، وشيئاً فشيئاً انعدمت الجرأة لدى قريش على مواجهة جنود الإسلام.
          صلح الحديبية
          في السنة السادسة للهجرة قرّر النبي (ص) أن يتوجّه بصحبة نفر من أصحابه لزيارة بيت الله الحرام في مكّة، ولما علمت قريش بالأمر أرسلت وفداً كي يطلب منه أن يؤجّل زيارته، وبعد محادثاتٍ مطوّلةٍ توصّل الرسول (ص) وممثلو قريش إلى اتّفاق تم توقيعه وكان مما جاء فيه: تتوقف الحروب والمنازعات بين المسلمين وقريش لمدة عشر سنوات، وللمسلمين الحقّ بالحج وزيارة مكّة والبقاء فيها ثلاثة أيّام، وذلك اعتباراً من العام القادم.

          انتشار الإسلام
          وضع هذا الاتفاق حدّاً لاعتداءات قريش على المسلمين، وهيّأ فرصة مناسبة للرسول الكريم كي يقوم بنشر الدعوة وتصدير الثورة الإسلامية إلى أقطارٍ أخرى. فأرسل برسائل إلى ملوك وحكّام الأقطار الكبيرة آنذاك، يدعوهم فيها إلى الإسلام. ومن أولئك الملوك خسروبرويز ملك إيران، وكان شخصاً متكبّراً يملؤه الغرور والصّلف، فلما تلقّى كتاب النبي (ص)، كبر عليه أن يتجرّأ محمد ويكتب إليه، قبل أن يبادره هو بالكتابة أوّلاً، وغضب غضباً شديداً فمزّق الكتاب حتى قبل أن يقرأه، وأمر بطرد مبعوث النبي (ص) من قصره، وقد أضمر في نفسه منذ ذلك اليوم أن يقتل الرسول، لكن الإله الكبير سبحانه، سرعان ما هيّأ لهذا المغرور المتعجرف جزاءه، فلم ينقض وقت طويل، حتى لقي حتفه بيد ابنه.
          وصلت رسائل النبي (ص) واحدةً بعد الأخرى إلى بلاد الرّوم ومصر وغيرهما من البلدان، فقام بعض حكّام تلك البلاد بالردّ على دعوة النبي (ص) ردّاً مؤدّباً لائقاً، فالنجاشي ملك الحبشةٍ، بعث بردّه إلى الرسول (ص) بكل احترامٍ وإعزازٍ، وأرفق ردّه بهدايا اختارها خصّيصاً، بعث بها مع ابن له إلى رسول الله (ص).
          ومع انتشار العقيدة الإسلامية في شتّى المناطق، استجاب الكثيرون لنداء الرسول (ص)، والتحقوا به أصحاباً وتابعين.
          بعد انقضاء عام كامل على الاتّفاق الذي أبرم بين المسلمين وقريش، أصدر النبي (ص) أوامره بأن تتوجّه قوافل المسلمين نحو مكّة. ولم يستطع زعماء قريش أن يقفوا في وجوههم أو يمنعونهم من دخول مكّة، طبقاً للاتّفاق المعقود بين الطرفين، لكنّهم أمروا سكّان مكة بمغادرتها والصعود إلى الجبال الواقعة حولها. ودخل الرسول (ص) مكة محرماً وملبّياً دعوة الله تعالى مع ألفين من أصحابه، وطافوا حول بيت الله، ثم اصطفّوا للصلاة والدعاء. وكان لهذه المناسك الإسلامية الجليلة أكبر الأثر في نفوس أهل مكة، حتى أنّ بعضهم أظهر علناً تعلّقه بالرسول (ص) وشريعته، الأمر الذي أغضب زعماء قريش وسبّب عدم ارتياحهم فأصرّوا على ألاّ يبقى المسلمون في مكة ساعةً واحدةً، زيادةً على الأيام الثلاثة المتّفق عليها. تضايق بعض المسلمين من تصرّف قريش، لكنّ الرسول (ص) والذي كان صادقا وحازما في تنفيذ ما اتفق عليه مع معاهديه، أعطى أوامره بالتّحرك. وبإحساس غامر بالظّفر والارتياح، تحرّك المسلمون نحو المدينة، فقد استطاعوا أن يجهروا بقول «الله أكبر». «لا إله إلا الله»، وأن يسمعوا الناس هذا النداء العظيم، بعد أن كانوا عاجزين طيلة سبع سنوات حتّى عن زيارة بيت الله.

          تعليق


          • #6
            فتح مكة
            في السنة الثامنة للهجرة، نشب قتال بين المسلمين وجيش الروم، فخسر المسلمون المعركة واضطرّوا للتراجع. وحين علمت قريش بانكسار جيش المسلمين، سوّلت لهم أحلامهم أنّ قوّة المسلمين قد ضعفت، وأنّ القضاء عليهم أصبح سهلاً، فنقضوا لذلك عهدهم، وهاجموا قبيلةً من القبائل الموالية للمسلمين، ووقع أفرادها في أيديهم بين قتيل وأسير، بينما استطاع البعض النجاة بالفرار، ونقلوا خبر الهجوم إلى رسول الله (ص) انزعج الرسول لنقض قريش عهدها. وتعهّد لهم بتأديب عبدة الأصنام المارقين. عمّ القلق قريشاً لقرار الرسول (ص) وفوّضت جماعةً، بالتوسط معه على تجديد العهد السابق، لكنّ رجاءهم هذا قد رفض، وعاد رسلهم من مسعاهم خائبين. وفي الوقت الذي رآه الرسول (ص) ملائماً لخططه، أعلن التّعبئة العامة في المدينة، وأمر بأن توضع كافّة مداخلها ومخارجها تحت المراقبة، وأن تضبط تحرّكات الناس بشدةٍ، كي يحول دون وصول أنباء التعبئة إلى قريشٍ. وكان (ص) يدرك أنّه إن وفّق المسلمون في فتح مكّة، وإرغام العدوّ على نزع سلاحه، فإنّ كثيراً من أعداء اليوم، يصبحون مسلمين غداً بتأثير تعاليم الإسلام السّمحة، ولتحقيق ذلك يجب إنجاز هذا العمل الكبير دون إراقة دماء.
            في العاشر من شهر رمضان المبارك. من السنة الثامنة للهجرة، أصدر الرسول (ص) أوامره بالتحرّك، ووصل جند الإسلام إلى مكانٍ قريبٍ من مكة ليلاً، فأقاموا معسكرهم هناك، وأمر الرسول بنيران كثيرةٍ فأضرمت، وكان أبوسفيان وعدد من مرافقيه خارج مكة، وإذا به يفاجأ بالنيران تشعّ قرب مكّة، فأخذه العجب والحيرة، وتسمّر في مكانه مندهشاً من كثرتها. تصادف في هذا الوقت مرور العباس عم الرسول (ص) من هذا المكان، فرأى أبا سفيان وناداه قائلاً: أي أبا سفيان أتدهشك هذه النيران؟ إنّها لجيش محمد (ص)، وقد أقاموا ينتظرون الصّباح ليدخلوا مكة، ولن يكون في طاقة أحدٍ صدّهم عمّا اعتزموا.
            ارتجف أبوسفيان لدى سماعه أقوال العباس، وراح يرجوه أن يأخذه معه إلى الرسول، ناسياً صلفه وكبرياءه.
            وبحضرة الرسول الأعظم (ص) تظاهر أبوسفيان بالإيمان، وأعلن إسلامه، متأثّراً ممّا رآه من قوّة واقتدار جيش المسلمين. في حين رأى الرسول الكريم (ص) في استسلام أبي سفيان دون إراقة الدماء، خير خاتمة تحمل من الفوائد الكثير. وأصدر قراره قائلاً: أعلن عن لساني لأهل مكة، أنّ كلّ من دخل المسجد الحرام، أو دخل بيته وأغلق بابه، أو لجأ إلى بيت أبي سفيان، فهو آمن.
            عاد أبوسفيان إلى مكة، ونقل إلى الناس فيها كل ما رأى وسمع وهو يرتجف، فتسارع الناس إلى الهرب دون تفكير، ولجأ كلّ منهم إلى ملجأٍ. وبنداء الله أكبر، دخل جيش المسلمين الظافر مكة، واتجهوا شطر البيت الحرام، وتقدّم الرسول (ص): على ناقته، تحفّ به جموع المسلمين من كلّ جانب، لأداء طوافه حول بيت الله. ولما لاحظ أهل مكّة أنّ الرسول (ص) لا يلتفت إليهم، شرعوا يخرجون من بيوتهم بحذرٍ، ويتجمعون قرب المسجد الحرام، وبعد أن انتهى (ص) من تحطيم الأصنام، وقف عند باب الكعبة المشرّفة، وبعد أن حمد الله وشكره على فضله تلا بعضاً من آيات القرآن الكريم، ثم التفت إلى عبدة الأصنام قائلاً: «ما تظنون أني فاعل بكم»؟ قالوا بصوت تخنقه العبرات ويغلب عليه الضعف «أخ كريم وابن أخٍ كريم»، لقد أسأنا إليك كثيراً يا محمد، ولم نر منك إلاّ الخير، فأنت أخ كريم عطوف، ونطلب منك العفو والغفران.
            قال النبي (ص): إنكم لم تعاملوني بالحسنى، كما يعامل المرء ابن بلده، لقد اتّهمتموني بالكذب والجنون، وأخرجتموني من داري وبلدي، ووقفتم منّي موقف الحرب والخصومة.

            اذهبوا فأنتم الطّلقاء
            بدأ عبدة الأصنام يرتجفون لمّا سمعوا هذا الكلام، وجفّت حلوقهم وانعقدت ألسنتهم من الخوف، وأيقنوا أنّ يوم الانتقام قد أزف، وأنّهم سيلقون جميعاً جزاءهم، ويشربون من نفس الكأس التي جرّعوها للرسول وأصحابه، أذىً وتعذيباً وإذلالاً امتدّ لسنواتٍ.
            أمّا الرسول الكريم، والذي لم يكن يفكّر بالانتقام من أحدٍ، بل كان وحده بين هذه الجموع، يتطلّع إلى مستقبل الإسلام وصلاح أمر المسلمين، فقد تابع يقول: أمّا ما يعود إليّ، فإنّي سأنسى الماضي وأصفح عنك، «اذهبوا فأنتم الطّلقاء».
            لم يكن أحد من عبدة الأصنام، ينتظر أن يسمع ما سمع، وأمام هذه العظمة والمحبّة والحلم، فقد غمرهم الإحساس بالخجل، إلى جانب الفرح والغبطة بعد أن أيقنوا بالنّجاة. وأعلن أكثرهم إسلامهم.
            بعد أن أقام النبي (ص) في مكّة أياماً، يرتّب أمورها وينظم شؤونها، وبعد أن عيّن لإرداتها رجلاً يمتاز بالعقل والحزم، قفل عائداً إلى المدينة.

            بين المسلمين والروم
            بعد فتح مكة، أصبح الإسلام قوّةً كبيرةً، وحان وقت غروب شمس الطغيان، ومع انتشار الإسلام في الجزيرة العربية، وانتصارات المسلمين المتوالية في اليمن وحنين وغيرهما، خيّم القلق على قوى الاستكبار، وكان الفرس والرّومان في تلك الأيام، أكبر دولتين على وجه الأرض، وتحت تصرّف كلّ منهما قوة نظاميّة كبيرة. كان الروم قد انتصروا حديثاً على الفرس، وغدوا أكثر إحساساً بقوّتهم وجبروتهم، وإذا بهم يفاجؤون بقوّة أخرى تقف في وجوههم و تتحّداهم، ألا وهي قوّة الإسلام.
            كانت قوى الطاغوت تخشى أكثر ما تخشاه، الحركات الثورية، وخاصةً ثورة الفكر، لذا فقد صمّم المستكبرون الرّومان على القضاء على قوة الإسلام الوليدة، وبأسرع ما يستطيعون.
            وصلت أخبار سير جيش للروم، قوامه أربعون ألف مقاتل، إلى المسلمين، وأنّه بلغ حدود الشام وانضمّت إليه بعض القبائل من سكّان الأطراف، وصلت هذه الأخبار إلى المدينة في وقت كان فيه الناس يعانون من نقصان الموادّ الغذائية، وهم لم ينجزوا بعد جمع محاصيلهم، لكنّ رجال الله يعرفون أنّ الذّود عن حياض الإسلام، لا يتقدّم عليه أمر آخر. فلم تمض أيّام على صدور أوامر الرسول (ص) بالاستعداد، حتى تحرّك (ص) ووراءه ثلاثون ألفاً لم يكونوا قد أكملوا استعدادهم بعد، في اتجاه الجبهة، بعد أن ترك عليّاً (ع) في المدينة ليقوم مقامه في حمايتها والدفاع عنها قائلاً له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي» وحين وصولهم إلى المواقع الأمامية، قرب تبوك، بعد أن تحمّلوا المصاعب والمشاق، لم يروا أثراً لجند الرومان، الذين كانوا قد تقهقروا داخل حدود بلادهم خوفاً من الهزيمة امام جيوش المسلمين الزّاحفة.
            توقّف الرسول ومقاتلوه هناك فترةً من الوقت، وبعد توقيعه عدداً من معاهدات الصداقة مع القبائل من سكّان الأطراف، عاد مع جيشه إلى المدينة، وكانت أخبار الفتح قد سبقتهم إلى هناك فتجمع أهلها لاستقبالهم. انتشرت أخبار فرار الرّوم أمام جيش المسلمين انتشاراً سريعاً واسعاً في كلّ مكانٍ، وأحسّت القبائل التي كان الخوف شاغلها من قوى المستكبرين من الفرس والروم، أنّ لها ظهيراً جديداً يعتمد على حمايته. فأبرموا مع المسلمين العهود والمواثيق. وغدت قوّة الإسلام أخطر عدوٍّ للمستكبرين، وأكبر ظهيرٍ للمستضعفين.

            تعليق


            • #7
              إنّ صرخات عمار بن ياسر تحت التعذيب، وأنين بلال الحبشيّ فوق صخور الصّحراء الملتهبة، ودم حمزة الزكي يسيل على أرض أحدٍ، ودماء المئات من الشهادء التي امتزجت مع بعضها، قد آتت كلّها ثمارها الآن، فأمثال عمار في هذا الكون فازوا بالنجاة، وأمثال بلال قد وهبوا الخلاص من ربقة الأسر، والدم الطاهر وثورة الشهداء المستمرّة عبر التاريخ، فجّرت الدّم يجري في شرايين أبطال الإسلام.

              يأيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك
              في السنة العاشرة للهجرة، أتى أمر الله تعالى إلى رسوله (ص) بأن يذهب للحجّ هذا العام، ويعلن ذلك لسائر المسلمين. واستجابةً لدعوته (ص) تحرّك الآلاف من كل فجٍّ، متّجهين نحو مكّة، ليؤدّوا مناسك الحجّ بصحبة رسول الله (ص). وكانت مناسك الحج لهذا العام قد بلغت الغاية في الجلال، ولما انتهت وعزم الناس على التوجّه إلى مواطنهم، وقبل أن يتفرّقوا كل إلى وجهته، أمر الرسول (ص) الناس بالتوقّف في مكان يدعى «غدير غم»، ثم اعتلى مكاناً عالياً هيّئ له. وشرع يتحدث إليهم بأعلى صوته بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه بقوله: أيّها الناس، لقد دعيت وسألبّي قريباً. ونزولاً عند أمر الله سبحانه أوصيكم فاستمعوا، أيّها الناس إني راحل من بينكم، وتارك لكم وديعتين ثمينتين، إحداهما القرآن كتاب الله، والثانية أهل بيتي، واعلموا أنّهما لن يفترقا حتى يوم الدين. ثم أخذ بيد عليٍّ بن أبي طالب (ع) ورفعها قائلاً: «من كنت موالاه فهذا عليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
              استمع كل من كان حاضراً إلى بلاغ الرسول ووصاياه، وبايعوا عليّاً كخليفةٍ لرسول الله (ص). لكنّ ضعاف الإيمان سرعان ما يتناسون، وسرعان ما يبتعدون عن سبيل الله سبحانه، ويلتحقون بركب الشيطان.

              الساعات الأخيرة
              مرض رسول الله (ص) بعد رجوعه إلى المدينة بقليل، وكانت شؤون أمّته شغله الشّاغل، حتى وهو على فراش المرض، كان لا يدع فرصةً تمر دون أن يزوّد الناس بموعظة، أو يقدّم لهم نصيحةً، كان عليه الصلاة والسلام يريد أن تكون تكاليف المسلمين بعد وفاته واضحةً جليةً. أما أولئك الذين كانت تشغلهم المناصب والمقامات الرفيعة، فكانوا يحولون دون تحقيق ذلك، أجل فإنّ رسولنا الكريم قد عانى الكثير من قسوة أصحاب الغايات وعبيد المناصب، حتى في آخر لحظات حياته الكريمة. وفي حين كان علي وفاطمة وغيرهم من التابعين الأوفياء، يجلسون قرب وسادة الرسول الكريم، يذرفون الدموع حزناً عليه، كان جماعة آخرون يضعون الخطط، ويتوسّلون شتّى أنواع المكر والخداع، وهم ينتظرون وفاة النبي (ص) حتى يطبقوا بأيديهم على الخبز والماء والمنصب. إنهم أنفسهم أولئك الذين سابقوا الآخرين يوم «غدير خم» كي يباركوا لعليّ بخلافة رسول الله، وقد رأينا كيف نجحوا في مسعاهم. واستطاعوا أن يخدعوا البسطاء من الناس بألسنتهم، ويغسلوا أدمغتهم، فينسوا كلّ ما قاله رسول الله (ص) في غدير خمّ، وما قدّمه من مواعظ ونصائح، إن في المسجد أو على فراش المرض، ينسون كلّ هذا، ويستمعون إلى نفر مالوا إلى الدنيا وباعوا أنفسهم للشيطان، حتى أنّهم لم يتورّعوا عن كسر ضلع فاطمة عليها السلام، بضعة الرسول (ص)، وجعلوا أميرالمؤمنين علياً (ع) يقيم في بيته سنواتٍ لا يبرحه، ومهّدوا لمملكة قريشٍ ومعاوية ويزيد واليزيديّين.
              مضت أيّام، والمدينة يلفّها القلق، ويعمّها الحزن والأسى. كان العديد من أهلها يتجمعون حول بيت النبي (ص) يذرفون الدّموع، ويدعون الله ليلاً ونهارا، يرجون لنبيّهم السلامة. كان كلّ شيءٍ يشير إلى أنّ حادثاً جللاً سيقع. وأخيراً، ففي يوم الإثنين الثامن والعشرين من صفر، أسلم النبي (ص) الروح إلى خالق الروح، حين كان مسنداً رأسه الكريم إلى صدر ابن عمه ووليّ عهده عليّ (ع)، وتم دفن جسده الطاهر في اليوم التّالي بيد عليّ (ع).

              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              x

              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

              صورة التسجيل تحديث الصورة

              اقرأ في منتديات يا حسين

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
              ردود 2
              17 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
              بواسطة ibrahim aly awaly
               
              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
              استجابة 1
              12 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
              بواسطة ibrahim aly awaly
               
              يعمل...
              X