إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

جنة الحوادث في شرح زيارة وارث

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    174

    كما يدلّ عليه أخبار كثيرة .
    قال الصادق(عليه السلام) : (إنّما أصحابي مَن اشتدَّ ورعه ، وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي)(1) .
    وقال(عليه السلام) : (ليس منّا ولا كرامة مَن كان في مِصر فيه مئة ألف أو يزيدون ، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه)(2) .
    وقال الباقر(عليه السلام) : (أيكفي مَن انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلاّ مَن اتّقى الله وأطاعه إلى أن قال : فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحبُّ العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته ، يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله إلاّ بالطاعة أمعنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجّة ، مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ ، ومَن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ ، وما تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع ، فلا تستمع إلى قوم سوّل الشيطان لهم أعمالهم فزعموا أنّ الدِّين هو مجرّد دعوى حبّ آل محمّد(صلى الله عليه وآله) فارتكبوا الكبائر ونبذوا أحكام الله وراء ظهورهم وهم لا يشعرون)(3) .
    ويُحتمل أن يكون بشرائع بدلاً من قوله : (بكم وبإيابكم) ففيه إشارة إلى أنّهم(عليهم السلام) شرائع الدِّين ، لكونهم الأئمّة الراشدين المظهرين لأمر الله ونهيه


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ أصول الكافي : ج2 ، ص62 ، باب الورع ، ح6 .
    2 ـ روى الشيخ الكليني(قدس سره) في الكافي ج2 ، ص64 ، باب الورع ، ح15 ، عن أبي الحسن الأوّل(عليه السلام) قال : (كثيراً ما كنتُ أسمع أبي يقول : ليس من شيعتنا مَن لا تتحدّث المخدّرات بورعه في خدورهنّ ، وليس من أوليائنا مَن هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله أورع منه) .
    3 ـ أخرجه الكليني في الكافي ج2 ، ص60 ، ح3 ، باب (الطاعة والتقوى) .


    --------------------------------------------------------------------------------

    175

    فتأمّل .
    والخواتيم : جمع الخاتمة ، وخاتمة العمل آخره وعاقبته ممّا يختم به من خير أو شرٍّ أو ما يترتّب عليه من ثواب وعقاب ، فإنّ ذلك نتائج الأعمال .
    قال(عليه السلام) : (مَن خُتِم له بقيام ليلة ثمّ ماتَ فله الجنّة)(1) .
    ويُحتمل أن يُراد بالعمل هنا خصوص الزيارة ، أو خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد بالعمل هنا خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد به في قوله : (اللّهم إنّي أستودعك خاتمة عملي)(2) .
    خصوص الإيمان والتوحيد المشار إليه بقوله : (مَن كان آخر كلامه لا إله إلاّ الله وجبت له الجنّة)(3) فإنّه لا معنى لاستيداع الله الشرّ من الأعمال .
    وكيف كان لو علّقنا الجار والمجرور بموقن فلا إشكال إذ المعنى أنّي على يقين بشرائع ديني وبنتائج عملي ، لأنّ الله ، ورسوله ، والأئمّة أخبروني بذلك ، ولم أشك في صدقهم ، وأمّا على غير ذلك فلابدّ من تقدير إذ المعنى متلبّساً بشرائع ديني وبالإذعان بخواتيم عملي .
    قوله : (وقلبي لقلبكم سلمٌ) أي صلح لا حرب . قال الطريحي : والسلم كهمل : المسالم يقال : أنا سلمٌ لمَن سالمني وحربٌ لمن حاربني)(4) .
    وفي حديث وصف الأئمّة : (يُطهّر الله قلب عبد حتّى يُسلّم لنا ويكون سلماً لنا أي يرضى بحكمنا ولا يكون حرباً علينا)(5) .


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الفقيه ج1 ص47; ووسائل الشيعة ج8 ص154.
    2 ـ الكافي ج4 ص283; والفقيه ج2 ص271.
    3 ـ راجع الكافي ج2 ، ص375 ، باب (مَن قال لا إله إلاّ الله) .
    4 ـ مجمع البحرين، ج2، ص 38.
    5 ـ الكافي ج1 ص694 باب أن الأئمة نور الله عز وجل.


    --------------------------------------------------------------------------------

    176

    (وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم متّبعٌ)(1) والمعنيان متقاربان إذ المراد أنّه لا اعتراض لقلبي على أفعالكم ولا عداوة فيه لكم(2) ، لأنّي أعلم أنّكم أولياء الله وعباده المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وفيه إشارة إلى ما أشرنا إليه من وجوب التسليم لهم (عليهم السلام) كما قال تعالى : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(3)وإلى أنّ التسليم لا يكون إلاّ بالقلب فلا يجدي مجرّد الدعوى باللسان .
    كيف وقد روي عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال : (بينا أمير المؤمنين(عليه السلام) في مسجد الكوفة إذ أتاه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين ; إنّي أحبّك ، قال : ما تفعل . قال : والله إنّي لأحبّك ، قال : ما تفعل . قال : بلى والذي لا إله إلاّ هو قال : والله الذي لا إله إلاّ هو ما تحبّني . فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أحلف بالله إنّي أحبّك وأنت تحلف بالله ما أحبّك والله كأنّك تخبرني إنّك أعلم بما في نفسي فغضب أمير المؤمنين فرفع يده إلى السماء وقال : كيف يكون ذلك وهو ربنا خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ من المبغض فوالله ما رأيتك فيمن أحبّنا فأين كنتَ(4) .
    وقريب منه أخبار أُخر مروية في بصائر الدرجات في باب أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)عرف ما رأى في الميثاق(5) .


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة .
    2 ـ روى الكليني في الكافي ج1 ، ح1 ، باب التسليم عن الإمام الباقر(عليه السلام) : (إنّما كُلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمّة ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه) .
    3 ـ النساء : 56 .
    4 ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج2 ، ص87 ، ح4 ، باب (15) .
    5 ـ بصائر الدرجات 2/ 86 باب 15 إذ ذكر عدّة روايات في هذا الخصوص فراجع.
    وأيضاً راجع مختصر بصائر الدرجات للحلي ص166 .


    --------------------------------------------------------------------------------

    177

    والمراد بالقلب هو اللمعة النورانية الملكوتية التي بها يدرك حقائق الأشياء ، ويعرف لطائف الأسرار لا نفس الجسم الصنوبري المودع فيه هذه القوّة الملكوتية كالبصر المودع فيه القوّة الباصرة ، وإن شئت قلت : إنّه العقل الذي يُعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ولذا قال : (لقلبكم) ، فإنّ قلوبهم(عليهم السلام) أوعية العلوم الإلهية وخزائن المعارف الربّانية فقلب الشيعة يسلّم كلّ ما يصدر من قلوبهم(عليهم السلام)لإذعانه بأنّه من الله واعتقاده بأنّه من منبع الحقّ فلا ينكره ولا يعترض عليه بلِمَ ولا كيف ، وقلوب الشيعة مخلوقة من قلوبهم كما أنّ أجسادهم مخلوقة من فاضل طينتهم .
    وفي بعض الأخبار : (إنّا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة ألحقت السفلى بالعليا ، وفيه يا مفضّل أتدري لِمَ سمّيت الشيعة شيعة ؟ يا مفضّل شيعتنا منّا ، ونحن من شيعتنا ، أما ترى هذه الشمس أين تبدو ؟ قلت : من مشرق ، قال : وإلى أين تعود ؟ قلت : إلى مغرب ، قال(عليه السلام) : هكذا شيعتنا ، منّا بدؤوا وإلينا يعودون)(1) ، وإنّما أفرد القلب مع إضافته إليهم(عليهم السلام)للإشارة إلى اتّحادهم في الحقيقة النورية القدسية .
    قوله : (وأمري لأمركم) يُريد أنّه تابع لهم في جميع أحواله وأموره ، فإنّ المفرد المضاف مفيد للعموم على ما صرّح به جماعة ، فالمراد أنّه شيعة لهم يفتخر بمتابعته لهم في الأوامر والنواهي ، ويحذو حذوهم ويُطابق فعله فعلهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة كما هو شرط صدق هذا الاسم على ما يقتضيه كثير من الأخبار .


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ بحار الأنوار ج25 ص21.


    --------------------------------------------------------------------------------

    178


    *صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَرْوَاحِكُمْ وَعَلى أَجْسَادِكُمْ وَعَلى
    ]أَجْسَامِكُمْ[** وَ عَلى شَاهِدِكُمْ وَعَلى غَائِبِكُمْ وَعَلى ظَاهِرِكُمْ
    وَعَلى بَاطِنِكُمْ .
    أشار إلى أنّهم(عليهم السلام) في جميع أحوالهم وأطوارهم ومراتبهم ومقاماتهم وشؤونهم وكيفيّاتهم وظهوراتهم وتجلّياتهم وتنقّلاتهم مستحقّون للصلوات والتحيّات مِن خالقهم وبارئهم فإنّهم في جميع هذه الحالات لا يزالون عارجين معارج القرب ، سالكين مسالك الجذب ، متقرِّبين إلى بساط الديموميّة ، بوسائل العبودية الكاملة كما قال(عليه السلام) في دعائه يوم عرفة : «وأنا أشهدُ يا إلهي بحقيقيّة إيماني وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري . . .»(1) .
    فأشار بقوله : (عليكم) إلى مقام حقيقتهم المقدّسة ومرتبة نورانيّتهم العالية التي لم تلد ولم تولد ، ولم يعرفها غير الله أحد ، لكونها أوّل ما خلق الله في عالم الإبداع كما قال : (نحن صنائع الله)(2) ، وهذا هو المقام المشار إليه بقوله : (لولاك


    --------------------------------------------------------------------------------

    * ـ في المصباح (فصلوات الله...) .
    ** ـ في المصباح بين المعقوفتين غير موجودة.
    1 ـ راجع مفاتيح الجنان للقمّي ص245 (دعاء الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عرفة) .
    2 ـ أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين ص77 فصل (42) قم ، الشريف الرضي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال : «أوّل ما خلق الله تعالى نوري ، ثمّ فتق منه نور عليّ ، فلم نزل نتردّد في النور حتى وصلنا إلى حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثمّ خلق الخلائق من نورنا فنحن صنايع الله والخلق من بعد صنايعٌ لنا» .


    --------------------------------------------------------------------------------

    179

    لما خلقتُ الأفلاك)(1) ، وقد كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يعنيه في صلاته بقوله : (أشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله) وبقوله : (السلامُ عليك أيّها النبيّ) وإلى هذا المقام أشار أمير المؤمنين(عليه السلام)بقوله : (أنا ذات الذوات)(2) وبقوله : (أنا المعنى الذي لا يقع عليه اسمٌ ولا شبه)(3) .
    قوله : (وعلى أرواحكم) يُمكن أن يُراد بها نفوسهم القدسية ، وأن يُراد بها عقولهم الشريفة وهم وإن اتّحدوا في هذا المقام أيضاً ولكن الجمع باعتبار تعدّد الهياكل البشرية واختلاف المظاهر الجسمانية ، وذلك لا يوجب التعدّد في أصل الروح كالصورة المرئية في مرايا متعدِّدة .
    وما الوجه إلاّ واحدٌ غير أنّه إذا أنتَ عدّدتَ المرايا تعدّدا
    ويُحتمل أن يُراد بالأرواح الأرواح الخمسة المشار إليها في جملة من الأخبار(4) ، مثل ما رواه جابر عن الباقر(عليه السلام) قال : «إنّ الله خلق الأنبياء والأئمّة على خمسة أرواح : روح القوّة ، وروح الإيمان ، وروح الحياة ، وروح الشهوة ، وروح القدس ، فروح القدس(5) لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب ، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلى ما تحت الثرى»(6) .


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تقدّم هذا الحديث فراجع .
    2 ـ راجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص64 فصل (28) .
    3 ـ أخرجه البرسي في المشارق ص318 ، فصل (150) وهي خطبة طويلة يُعرّف الإمام(عليه السلام)نفسه .
    4 ـ راجع بصائر الدرجات للصفّار ج9 ، ص445 حيث ذكر روايات كثيرة تدلّ على هذا المطلب وبعضها قد تقدّم .
    5 ـ في المصدر (وروح القدس من الله وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان . . .) .
    6 ـ بصائر الدرجات ج9 ، ص454 ، ح12 .


    --------------------------------------------------------------------------------

    180

    وسُئل الصادق(عليه السلام) عن قول الله : (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)(1)فقال : (ذلك فينا منذ أهبطه الله إلى الأرض وما يخرج إلى السماء)(2) .
    وفي جملة من الأخبار أنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع محمّد(صلى الله عليه وآله) يوفّقه ويسدّده وهو مع الأئمّة من بعده وهو من الملكوت(3) .
    وفي بعضها : أنّه لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد وهو مع الأئمّة(4) .
    وفي بعضها : إنّه خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين(5) .
    وفي بعضها : (مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم تتعب به ، قال : إنّ الأرواح لا تُمازج البدن ولا تداخله


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الشورى: 52.
    2 ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج9 ، ص458 ، ح14 ، الباب السادس عشر .
    3 ـ روى الصفّار في بصائر الدرجات ص456 ج9 ، ح4 عن سماعة بن مهران قال : سمعتُ أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : (إنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يسدّده ويرشده وهو مع الأئمّة والأوصياء من بعده) .
    وهناك روايات أُخر فراجع .
    4 ـ روى الصفّار في بصائر الدرجات ص460 ، ج9 ، ح1 ، الباب الثامن عشر عن هشام بن سالم قال : (سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال : خلقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد(صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمّة يوفّقهم ويسدّدهم وليس كلّما طلب وجد) .
    5 ـ روى الصفّار في البصائر ج9 ، ص462 ، ح12 عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قوله عزّوجلّ : (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال : إنّ الله تبارك وتعالى أحدٌ صمد ، والصمد الشيء الذي ليس له جوف وإنّما الروح خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرُّسل والمؤمنين) .


    --------------------------------------------------------------------------------

    181

    إنّما هو كالكلل للبدن محيط به)(1) .
    وفي بعضها : عن أبي بصير عن الباقر(عليه السلام) قال : سألته عن قول الله : (يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)(2) فقال: جبرئيل الذي نزل على الأنبياء، والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم تفقّههم(3) وتسدّدهم من عندالله وأنّه لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبهما عُبدَ الله واستعبد الخلق)(4).
    وجسم الإنسان وجسده وجثمانه هو مجموع أعضائه المؤلّفة من العناصر ، وربما يُفرّق بين الجسم والجسد باختصاص الأوّل بما فيه روح أو تعميمه لذي الروح وغيره ، واختصاص الثاني بما خلا عن الروح ، ويُحتمل أن يُراد بأجسامهم أشباحهم النورانيّة ، لأنّ من مراتبهم ومنازلهم مقام الأشباح ، كما يدلُّ عليه جملة من الأخبار ، ففي بعضها :
    (إنّ آدم رأى على العرش أشباحاً يلمع نورها)(5) وفي بعضها : (ثمّ بعثهم في الظلال ، قال : قلت : أي شيء الظلال ؟ قال : تلم تر إلى ظلّكَ في الشمس شيء وليس بشيء)(6) .


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج9 ، ص463 ، ح13 ، عن المفضل بن عمر عن أبي عبدالله(عليه السلام) .
    2 ـ النحل : 2 .
    3 ـ في بعض النسخ (توفّقهم) بدل (تفقّههم) .
    4 ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج9 ، ص463 ، ح1 ، الباب التاسع عشر ، وإليك تكملة الرواية: (... وعلى هذا الجنّ والإنس والملائكة ولم يعبد الله ملكٌ ولا نبيّ ولا إنسان ولا جانّ إلاّ بشهادة ألاّ إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وما خلق اللهُ خلقاً إلاّ للعبادة) .
    5 ـ البحار ج26 ، ص327 .
    6 ـ روى الصفّار في بصائر الدرجات ج2 ، ص80 ، ح1 ، الباب الثاني عشر ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : (إنّ الله خلق الخلق فخلق مَن أحبّ ممّا أحبّ وكان أحبّ أن يخلقه من طينة الجنّة وخلق مَن أبغض ممّا أبغض أن يخلقه من طينة النار ثمّ بعثهم في الظلال قال : قلتُ : أي شيء الظلال ؟ قال : ألم تر إذا ظلّل في الشمس شيء وليس بشيء ثمّ بعث فيهم النبيّين يدعونهم إلى الإقرار بالله وهو قوله : ولئن سألتهم مَن خلقهم ليقولنّ الله ، ثمّ دعاهم إلى الإقرار بالنبيِّين فأقرّ بعضهم وأنكر بعضهم ثمّ دعاهم إلى ولايتنا فأقرَّ والله بها مَن أحبب وأنكرها مَن أبغض وهو قوله : (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) ثمّ قال أبو جعفر(عليه السلام) : كان التكذيب ثمّة) .


    --------------------------------------------------------------------------------

    182

    قال الطريحي : (ثمّ بعثهم في الظلال أي في عالم الذرّ والتعبير بعالم الذر والمجرّدات واحد ، وإنّما عبّر عنه بذلك ، لأنّه شيء لا كالأشياء)(1) .
    وفي بعضها : (كيف كنتم حيثُ كنتم في الأظلّة ، قال : يا مفضل كنّا عند ربنا في ظلّة خضراء)(2) .
    ويُحتمل أنْ يُراد بالأجسام الأجساد الأصلية اللطيفة التي لا تتغيّر بمضيّ الدهور ، وورود الآفات ، وبالأجساد الأجساد العنصرية الزمانية التي تنقص وتزيد ، ويُحتمل أن يُراد بأحدهما الأجساد المثالية البرزخية وبالآخر هذا الهيكل المحسوس في هذا العالم ، وربما يفرّق بين الجسد والبدن ، بأنّ الأوّل لا يُقال إلاّ على الحيوان العاقل بخلاف الثاني ، وقد يُقال البدن هو الجسد ما سوى الرأس .
    قوله : (وعلى شاهدكم . . .) فيه أيضاً إقرار بشاهدهم وغائبهم كما في الزيارة الجامعة : (مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم وشاهدكم وغائبكم ، أوّلكم وآخركم)(3)


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ مجمع البحرين ج5، ص417.
    2 ـ الكافي، ج1 ص441; بحار الأنوار، ج15 ص24.
    3 ـ قال السيّد عبد الله شبّر(قدس سره) في شرحه على هذه الفقرة في الأنوار اللامعة: ص164: «(وشاهدكم) من الأئمّة الأحد عشر، (وغائبكم) المهدي، (وأوّلكم) عليّ بن أبي طالب) (وآخركم) القائم لا كما تقول العامّة بإمامة أوّلكم دون الأخير أو الواقفة الذين وقفوا دون آخركم».


    --------------------------------------------------------------------------------

    183

    والمراد بشاهدهم يُحتمل أن يكون الأئمّة الأحد عشر الذين ظهروا على الناس في أزمنتهم وعرفوهم ولو في الجملة ، فالمراد بالغائب هو الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) وقد اختلف الناس في وجوده وعدمه على أقوال متشتّتة ومذهب الإمامية إنّه حيٌّ موجود غاب عن أنظارنا لمصالح كثيرة .
    ويُحتمل أن يكون المراد بالشاهد هو الإمام الحيّ في كلّ زمان فينعكس الفرض في هذا الزمان فإنّ القائم مشاهد ، وهم الغيب ، لأنّهم مضوا وقضوا نحبهم فالقائم(عليه السلام) قطب هذا الزمان ، ونقطة دائرة الإمكان ، وهو المدبّر في أمر الخلق المتصرّف في العالم بإذن الله تعالى ، وقد يقال : إنّ المراد حال حضورهم مع الخلق حال غيبتهم عمّا سوى الله ، ويُسمّى بحال الفناء والمراقبة ، فإنّ لهم مع الله حالات كما في الحديث المعروف .
    قوله : (وعلى ظاهركم . . .) أي وعلى سرّكم وعلانيّتكم ، فالمراد بظاهرهم أعمالهم الظاهرة وبباطنهم عقائدهم ونيّاتهم الباطنية على ما يظهر من بعضهم في تفسير قوله : (مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم)(1) ، والظاهر أنّ المراد بالظاهر مقام بشريتهم المشار إليه بقوله : (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)(2) ، وبالباطن هو مقام قربهم إلى الحقّ واختصاصهم بمزايا الإمامة التي لا يدركها إلاّ الخصيصون والعارفون ،


    --------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ قال السيّد عبدالله شبّر في أنواره اللامعة ص164 : «أي بما استتر عن أكثر الخلق من غرائب أحوالكم وبما عُلن منها أو مؤمن باعتقاداتكم السرانية وبأعمالكم وأقوالكم العلانية» .
    2 ـ فصّلت : 6 .

    تعليق


    • #17
      184

      ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم ظهورهم في زمن محمّد(صلى الله عليه وآله) في هذه الهياكل الشريفة ، وبباطنهم كونهم في الأعصار السالفة مع الأنبياء السالفين(1) كما يدلُّ عليه حكاية أمير المؤمنين(عليه السلام) مع الجنّي الذي كان في زمن نوح(2) ، والجنّي الذي كان في زمن سُليمان(3) ، وما ورد من أنّه(عليه السلام) كان مع الأنبياء باطناً ومع محمّد(صلى الله عليه وآله) ظاهراً وباطناً ويرشد إليه أيضاً قوله : «أنا حملتُ نوحاً في السفينة ، أنا صاحب يونس في بطن الحوت ، أنا الذي جاوزتُ موسى البحر ، وأهلكت القرون الأولى ، أعطيتُ علم الأنبياء والأوصياء وفصل الخطاب ، وبي تمّت نبوّة محمّد(صلى الله عليه وآله)»(4) .
      وقوله(عليه السلام) : «أنا الذي جحد ولايتي ألف أمّة فمسخوا ، أنا المذكور في


      --------------------------------------------------------------------------------

      1 ـ قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبة طويلة ذكرها البرسي في المشارق ص320 قال فيها : (أنا المذكور في سالف الأزمان ، والخارج في آخر الزمان ، أنا قاصم الجبّارين في الغابرين . . .) .
      2 ـ ذكر السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار ج1 ، ص223 ، الباب الثاني ط بيروت الأعلمي : (إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان جالساً وعنده جنّي يسأله عن قضايا مشكلة فأقبل أمير المؤمنين(عليه السلام)فتصاغر الجنّي حتى صار كالعصفور ثمّ قال : أجرني يارسول الله ، فقال : ممّن ؟ فقال : من هذا الشاب المقبل . فقال : وما ذاك ؟ فقال الجنّي : أتيتُ سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان فلمّا تناولتها ضربني هذا فقطع يدي ، ثمّ أخرج يده مقطوعة فقال له النبيّ(صلى الله عليه وآله) : هو ذاك .
      3 ـ وفي المصدر نفسه: (إنّ جنّياً كان جالساً عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام)فاستغاث الجنّي وقال : أجرني يارسول الله(صلى الله عليه وآله) من هذا الشاب المقبل قال : وما فعل بكَ ؟ قال : تمرّدتُ على سليمان فأرسل إليَّ نفراً من الجنّ وطلت عليهم فجاءني هذا الفارس فأسرني وجرحني وهذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل .
      4 ـ هذا مقطع من خطبته(عليه السلام) النورانية وقد تقدّم ذكرها .


      --------------------------------------------------------------------------------

      185

      سالف الزمان والخارج في آخر الزمان»(1) .
      ويدلّ عليه أيضاً حكايته مع أمّه فاطمة بنت أسد ومع سلمان الفارسي حيث نجّاهما من الأسد(2) . وظهوره على فروعون لمّا همَّ بقتل موسى بصورة شاب لابس لباس الذهب(3) وغير ذلك من الغرائب المعروفة وكيف يُنكر أمثال ذلك وهم أوّليون أزليون كما قال : (كنّا في تكوينه بكينونته قبل خلق التكوين أوليين أزليين)(4) ، وقال : (أنا والهداة من أهل بيتي سرّ الله المكنون ، وأولياؤه


      --------------------------------------------------------------------------------

      1 ـ أخرجه البرسي في مشارق الأنوار ص320 ، فصل (150) ، ط : الشريف الرضي .
      2 ـ روى السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز ج1 ، ص260، ح234 عن البرسي قال : (رويتُ حكاية سلمان وأنّه لمّا خرج عليه الأسد قال : يافارس الحجاز أدركني فظهر إليه فارس وخلّصه منه وقال للأسد: أنت دابته من الآن فعاد يحمل له الحطب إلى باب المدينة امتثالاً لأمر عليّ(عليه السلام) .
      3 ـ روى السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار ج1 ، ص224 : (إنّ فرعون لعنه الله لمّا ألحق هارون بأخيه موسى(عليه السلام) دخلا عليه يوماً وأوجسا خيفةً منه فإذا فارس يقدمهما ، ولباسه من ذهب وبيده سيف من ذهب وكان فرعون يحبّ الذهب فقال لفرعون : أجب هذين الرجلين وإلاّ قتلتك فانزعج فرعون لذلك وقال : عد عليَّ غداً .
      فلمّا خرجا دعا البوّابين وعاقبهم وقال : كيف دخل عليَّ هذا الفارس بغير إذن فحلفوا بعزّة فرعون أنّه ما دخل إلاّ هذان الرجلان وكان الفارس عليّ(عليه السلام) هذا الذي أيّد الله تعالى به النبيّين سرّاً وأيّد به محمّداً(صلى الله عليه وآله) جهراً إلاّ أنّه كلمة الله الكبرى التي أظهرها لأوليائه فيما شاء من الصور فينصرهم بها وبتلك الكلمة يدعون فيجيبهم الله وينجيهم وإليه الإشارة بقوله : (وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا) ، قال ابن عبّاس : كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس) .
      4 ـ لم نعثر عليه فى المصادر التي عندنا. و لمعارضة ظاهرة المقطوع من الأدلة يلزم تأويله بأنهم (عليهم السلام) كانوا الأوليين يعنى قبل بقية الخلق، الأزليين يعنى السابقين في خلق اللّه تعالى لهم قبل سائر المخلوقات .


      --------------------------------------------------------------------------------

      186

      المقرّبون كلّنا واحد ، وأمرنا واحد ، وسرّنا واحد فلا تفرّقوا بيننا فتهلكوا ، فإنّا نظهر في كلّ زمان بما شاء الله فالويل كلّ الويل لمَن أنكر ما قلتُ ، ولا ينكره إلاّ أهل الغباوة ومَن خُتِمَ على قلبه وسمعه وجعل على قلبه غشاوة)(1) .
      ويُحتمل أن يراد بظاهرهم علومهم الظاهرة من علوم الشريعة المتعلّقة بالحلال والحرام والحدود والأحكام ، وبباطنهم الأسرار المكنونة التي لا يطّلع على بعضها سوى أهل سرّهم كسلمان وكميل وغيرهما ، وفي هذا المقام قال : (لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لكفّره أو لقتله)(2) .
      وقال(عليه السلام) :
      (إنّي لأكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحقّ ذو جهل فيفتننا)(3)
      إلى آخر الأبيات .


      --------------------------------------------------------------------------------

      1 ـ أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين ص306 ، وتقدّمت هذه الخطبة .
      2 ـ ذكره السيّد المرحوم عبدالله شبّر في مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ج1 ، ص348 ، الحديث الثالث والخمسون نقلاً عن الكافي ، واحتمل فيه ستّة احتمالات منها وهو الخامس : (أن يكون المعنى لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان من العلم لقتله ، لأنّ أبا ذرّ يعلم أنّ في قلب سلمان علماً ويعلم أنّه لا يجوز له إظهاره تقيّةً فمع ذلك إذا أظهر سلمان ما في قلبه لأبي ذر ولم يتّق منه لقتله لعدم جواز إظهاره لذلك العلم ولا يخفى بعده) .
      3 ـ هذه الأبيات منسوبة للإمام زين العابدين(عليه السلام) ، وإليك البقيّة :
      وقد تقدّم في هذا أبو حسن إلى الحسين ووصّى قبله الحسنا
      ياربّ جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممّن يعبد الوثنا
      ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا
      راجع مصابيح الأنوار ج1 ص352 ط بيروت مؤسسة (النور) .


      --------------------------------------------------------------------------------

      187

      وقال(عليه السلام) : (إنّ هاهنا لعلماً جمّاً لو أصبت حملة)(1) .
      وقال(عليه السلام) : (إنّ أمرنا صعبٌ مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ملكٌ مقرّب ، أو نبيٌّ مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان)(2) .
      وقال : (أمرنا سرُّ مستتر ، وسرٌّ لا يفيده إلاّ سرّ ، وسرّ على سرّ ، وسرٌّ مقنّع بالسرّ)(3) .
      وأمثال هذه الكلمات منهم كثيرة لا تُحصى ، ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم الإمامة والخلافة ، وبباطنهم حقيقتهم النورانية المجرّدة التي لا ينال إلى إدراكها أيدي العقول كما قال : (ظاهري إمامة وباطني غيبٌ لا يُدرك)(4) ، وقال : (نحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغيّر)(5) ، ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم الناطق منهم وبباطنهم الصامت ، فإنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) كانا صامتين في زمن عليّ(عليه السلام) ، كما أنّ الحسين كان صامتاً في زمن الحسن(عليه السلام) ، وهكذا سائر الأئمّة وهذا لا يُنافي إمامة الصامت كما لا يخفى ، وإليه الإشارة بقوله : (إمامان قاما أو قعدا)(6) . وسأل يعقوب السرّاج أبا عبدالله(عليه السلام) فقال : «متى يمضي الإمام حتّى يؤدّي علمه إلى مَن يقوم مقامه من بعده ؟ قال : لا يمضي الإمام حتّى يفضي علمه إلى مَن انتجبه الله ، ولكن يكون صامتاً معه فإذا مضى ولي العلم


      --------------------------------------------------------------------------------

      1 ـ أخرجه السيّد عبدالله شبّر في مصابيح الأنوار ج1 ، ص352 عن الإمام عليّ(عليه السلام) قال لكميل بن زياد(رحمه الله): (إنّ لههنا لعلماً جمّاً وأشار إلى صدره الشريف لو وجدتُ له حَمَلَة).
      2 ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج1 ، ص26 ، باب 12 ، ح2 .
      3 ـ المصدر نفسه ص28 ، ح1 .
      4 ـ راجع البحار ج25 ص171 ح38 الباب الرابع.
      5 ـ مشارق أنوار اليقين ص306 ط قم الشريف الرضي .
      6 ـ تقدّم ذكره . بحار الأنوار ج16 ص306.


      --------------------------------------------------------------------------------

      188

      نطق به من بعده»(1) . وفسّر في الأخبار (البئر المعطّلة والقصر المشيد) في قوله : (وَبِئْر مُعَطَّلَة وَقَصْر مَشِيد)(2) بالإمام الصامت والناطق(3) .
      قال الشاعر :
      بئرٌ معطّلة وقصرٌ مشرف مثل لآل محمّد مستطرف(4)
      ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم شاهدهم وبباطنهم غائبهم فيكون العطف للتفسير والتأكيد فيجري فيهما ما تقدّم فيهما ، وكيف كان فلا ريب في أنّ لهم(عليهم السلام)وراء عالم شهادتهم وحسّهم عالماً آخر وهو غُيّب عن أبصارنا يندرج تحته عوالم كثيرة لا يحصيها غيرهم ، فالمؤمن المخلص مذعن بذلك كلّه ومعتقد بأنّهم الأسرار الإلهية المودوعة في الهياكل البشرية ، والأنوار اللاهوتية الزاهرة في المظاهر الناسوتية ، وهم نور لا يوصف ، وبحرٌ لا يُنزف فحضورهم وغيبتهم إنّما هو بالنسبة إلينا ، وأمّا بالنسبة إلى نفس الأمر فهم شهداء حاضرون دائماً لإحاطة علمهم بجميع العوالم الإمكانية ، لا يغيب عنهم منها شيء لا في الأرض ولا في السماء ، فلو رفع الحجب عنّا لرأيناهم على ما هم عليه ، ولذا


      --------------------------------------------------------------------------------

      1 ـ بحار الأنوار ج26 ص95.
      2 ـ الحج : 45 .
      3 ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج10 ص505 باب 18 ح4، والكليني في الكافي ج1 ص 427، والصدوق في المعاني ص111 ط بيروت، والاسترآبادي في تأويل الآيات ص339 (عن علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) في قوله عزّوجلّ : (وَبِئْر مُعَطَّلَة وَقَصْر مَشِيد) قال : البئر المعطّلة الإمام الصامت ، والقصر المشيد الإمام الناطق) .
      4 ـ معاني الأخبار للصدوق ص112 ، ط بيروت ، وذكر بيتاً آخر :
      فالناطق القصرُ المشيدُ منهم والصامت البئر التي لا تنزف
      وهذان البيتان لمحمد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري الملقّب بشُنْبُوْلة .


      --------------------------------------------------------------------------------

      189

      قال : (إنّ غائبنا إذا غاب لم يغب)(1) . ومن هنا ينكشف سرُّ حديث (الضيافة ، وغزوة الأحزاب(2) والبصرة) .
      وما روي من أنّه (أتى قومٌ من الشيعة الحسن بن علي(عليه السلام) بعد قتل أمير المؤمنين فسألوه قال : تعرفون أمير المؤمنين(عليه السلام) إذا رأيتموه ؟ قالوا : نعم . قال : فارفعوا الستر فرفعوه فإذا هم بأمير المؤمنين(عليه السلام) لا ينكرونه)(3) .
      (وقد أرى أمير المؤمنين أبا بكر رسول الله بعد وفاته في مسجد قبا)(4) ،


      --------------------------------------------------------------------------------

      1 ـ مرَّ ذكره في الخطبة المعروفة بالنورانية .
      2 ـ روى السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز ج2 ، ص12 ، ح400 ، ط : بيروت مؤسسة النعمان ، عن ابن شهرآشوب : (إنّ القوم لما انهزموا يوم الأحزاب انقسموا سبعين فرقة في كلِّ فرقة ترى وراءها معها علي بن أبي طالب) .
      3 ـ بصائر الدرجات ج6 ، ص275 ، ح4 ، باب (5) ، وعوالم الإمام الحسن للبحراني باب معاجزه ص85 ، ح16 تحقيق مدرسة الإمام المهدي قم . ولكن بتفاوت وهذا نصّه : (عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال : جاء الناس إلى الحسن بن علي فقالوا : أرنا عجائب أبيك التي كان يريناها ؟ فقال : أتؤمنون بذلك ؟ قالوا : نعم نؤمن بذلك .
      قال : أليس تعرفون أبي ؟ قالوا جميعاً : بلى نعرفه ، فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين(عليه السلام)قاعد . فقال : تعرفونه ؟ قالوا بأجمعهم : هذا أمير المؤمنين(عليه السلام)ونشهد أنّك وليّ الله حقّاً ، والإمام من بعده ، ولقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته ، كما أرى أبوك أبا بكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) جدّك في مسجد قبا بعد موته .
      فقال(عليه السلام) : ما تقولون فينا ؟ قالوا : آمنّا وصدّقنا يا ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
      4 ـ روى الصفّار في البصائر ج6 ، ص274 ، ح2 الباب الخامس ، عن أبان بن تغلب عن أبي عبدالله(عليه السلام) : (إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) لقي أبا بكر فاحتجَّ عليه ثمّ قال له : أما ترضى برسول الله(صلى الله عليه وآله) بيني وبينك ؟ قال : فكيف لي به ؟ فأخذ بيده وأتى مسجد قبا فإذا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيه فقضى على أبي بكر فرجع أبو بكر مذعوراً فلقيَ عمر فأخبره فقال : مالكَ أما علمتَ سحر بني هاشم) .


      --------------------------------------------------------------------------------

      190

      (والصادق سماعةَ الباقر(عليهما السلام) بعد وفاته)(1) ، (والكاظم إياه أيضاً الصادق (عليه السلام))(2)كذلك ، وقد روي ذلك كلّه في كتاب بصائر الدرجات وغيره . وروي في هذا الكتاب عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال : «يموت مَن مات منّا وليس بميّت ويبقى مَن بقى منّا حجّة عليكم»(3) .
      ويصدقه قول الله : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(4) .
      والحمدُ لله أوّلاً وآخراً ، ظاهراً وباطناً في شهر ربيع المولود(5) سنة 1300هـ .
      قد تمّ الفراغ من تحقيق هذا الشرح الشريف في الحادي عشر من شعبان المعظّم من سنة (1423) من الهجرة النبويّة .
      قم المقدّسة ـ نزار نعمة الحسن.


      --------------------------------------------------------------------------------

      1 ـ المصدر نفسه ح4 ، ص275 ، عن سماعة قال : (دخلتُ على أبي عبدالله(عليه السلام)وأنا أحدّث نفسي فرعاني فقال : ما لك تحدّث نفسك تشتهي أن ترى أبا جعفر(عليه السلام)قلت : نعم ، قال : قم فادخل البيت فدخلتُ فإذا هو أبو جعفر(عليه السلام)) .
      2 ـ المصدر نفسه ح8 ، ص276 ، عن سماعة بن مهران قال : (كنتُ عند أبي الحسن(عليه السلام)فأطلتُ الجلوس عنده فقال : أتحبّ أن ترى أبا عبدالله(عليه السلام) فقال : وددتُ والله . فقال : قم وادخل ذلك البيت فدخلتُ البيت ، فإذا هو أبو عبدالله صلوات الله عليه قاعد) .
      3 ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج6 ، ص275 ، ح4 الباب الخامس .
      4 ـ آل عمران : 169 .
      5 ـ المراد بـ (ربيع المولود) أي ربيع الأوّل لأنّ فيه ولادة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) .


      --------------------------------------------------------------------------------

      191


      مصادر التحقيق
      بعد كتاب الله المجيد
      1 ـ اصول الكافي وفروعه للكليني
      2 ـ مجمع البيان للطبرسي
      3 ـ بصائر الدرجات لابن الصفّار القمّي
      4 ـ مشارق أنوار اليقين رجب البرسي
      5 ـ تفسير القمّي علي بن إبراهيم القمي
      6 ـ أمالي المفيد
      7 ـ تفسير العيّاشي
      8 ـ تفسير البرهان ، السيّد هاشم البحراني
      9 ـ مجمع البحرين ، فخر الدين الطريحي
      10 ـ بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي
      11 ـ الاحتجاج ، للطبرسي
      12 ـ خصائص أمير المؤمنين ، للنسائي
      13 ـ المستدرك ، للحاكم
      14 ـ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل
      15 ـ إرشاد القلوب ، للديلمي
      16 ـ روضة الواعظين ، لابن فتّال النيشابوري
      17 ـ حلية الأبرار ، السيّد هاشم البحراني
      18 ـ دفع المناواة ، للسيّد حسين الكركي
      19 ـ مدينة المعاجز ، ا لسيّد هاشم البحراني
      20 ـ علل الشرائع ، للشيخ الصدوق
      21 ـ عيون أخبار الرضا ، للشيخ الصدوق
      22 ـ تأويل الآيات الظاهرة ، للاسترآبادي
      23 ـ فضائل الشيعة ، للصدوق


      --------------------------------------------------------------------------------

      192

      24 ـ قصص الأنبياء ، السيّد نعمة الله الجزائري
      25 ـ شرح الصحيفة السجّادية ، السيّد نعمة الله الجزائري .
      26 ـ الباب الحادي عشر ، للعلاّمة الحلّي
      27 ـ نهج الحقّ وكشف الصدق ، للعلاّمة الحلّي
      28 ـ الأنوار النعمانية ، السيّد نعمة الله الجزائري
      29 ـ تاريخ اليعقوبي ، لأحمد بن واضح اليعقوبي
      30 ـ إعلام الورى ، للطبرسي
      31 ـ مَن لا يحضره الفقيه ، للصدوق
      32 ـ اعتقادات الصدوق
      33 ـ قصص الأنبياء ، لأبي الفداء الدمشقي
      34 ـ شرح التجريد ، للقوشجي
      35 ـ التوحيد ، للشيخ الصدوق
      36 ـ كشف المراد ، لنصير الدِّين الطوسي
      37 ـ حقّ اليقين ، السيّد عبدالله شبّر
      38 ـ مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ، السيّد عبدالله شبّر
      39 ـ الأنوار اللامعة ، السيّد عبدالله شبّر
      40 ـ العمدة ، لابن البطريق
      41 ـ عوالم العلوم قسم الإمام الحسن(عليه السلام) ، للشيخ عبدالله البحراني
      42 ـ إحياء العلوم ، لأبي حامد الغزالي .
      43 ـ مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق(عليه السلام)
      44 ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، للطبري
      45 ـ الروضة في فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) ، لابن شاذان القمّي
      المناقب ، للخوارزمي
      46 ـ مقتل الحسين(عليه السلام) ، للخوارزمي
      47 ـ فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) ، لابن عقدة الكوفي
      48 ـ السيرة النبويّة ، لابن هشام
      49 ـ السيرة النبويّة ، لزيني دحلان
      50 ـ مطالب السؤول ، لابن طلحة الشافعي


      --------------------------------------------------------------------------------

      193

      51 ـ جواهر المطالب ، للباعوني الشافعي
      52 ـ أمالي الصدوق
      53 ـ ينابيع المودّة ، للقندوزي
      54 ـ أُسد الغابة ، لابن الأثير
      55 ـ مصابيح السنّة ، للبغوي
      56 ـ حلية الأولياء ، لأبي نعيم الاصفهاني
      57 ـ الدرّ المنثور ، للسيوطي
      58 ـ تفسير القرطبي
      59 ـ تفسير الطبري
      60 ـ التفسير الكبير ، للرازي
      61 ـ شواهد التنزيل ، للحسكاني
      62 ـ شرائع الإسلام ، للمحقّق الحلّي
      63 ـ اللمعة الدمشقية ، للشهيد الأوّل
      64 ـ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك
      65 ـ مصباح المتهجّد ، للشيخ الطوسي
      66 ـ الجواهر السنية ، للحرّ العاملي
      67 ـ وسائل الشيعة ، للحرّ العاملي
      68 ـ الإيقاظ من الهجعة ، للحرّ العاملي
      69 ـ تنقيح المقال ، للشيخ عبدالله المامقاني
      70 ـ مرآة العقول ، للعلاّمة المجلسي
      71 ـ مروج الذهب ، للمسعودي
      72 ـ مقاتل الطالبيين ، لأبي الفرج الاصفهاني
      73 ـ الخصال ، للشيخ الصدوق
      74 ـ تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي
      75 ـ تاريخ دمشق ، لابن عساكر
      76 ـ نفحات اللاهوت ، للمحقّق الكركي
      77 ـ تفسير روح المعاني ، للآلوسي
      78 ـ مسائل الجاحظ


      --------------------------------------------------------------------------------

      194

      79 ـ مقدّمة ابن خلدون
      80 ـ تفسير الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)
      81 ـ مستدرك الوسائل ، للنوري
      82 ـ عين العبرة في غبن العترة ، للسيّد أحمد بن طاووس
      83 ـ أنساب الأشراف ، للبلاذري
      84 ـ مواليد الأئمّة ، للراوندي
      85 ـ الغيبة ، للشيخ المفيد
      86 ـ مناقب ابن شهرآشوب
      87 ـ مثير الأحزان ، لابن نما الحلّي
      88 ـ عدّة الداعي ، لابن فهد الحلّي
      89 ـ معاني الأخبار ، للشيخ الصدوق
      90 ـ مختصر بصائر الدرجات ، لابن سليمان الحلّي
      91 ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي
      92 ـ الرجعة ، لمحمّد مؤمن الاسترآبادي
      93 ـ تفسير الكشّاف ، للزمخشري
      94 ـ لسان العرب ، لابن منظور
      95 ـ مصباح المنير ، للفيومي
      96 ـ المنجد في اللغة
      97 ـ مفاتيح الجنان ، للمحدّث القمّي
      98 ـ النصّ والاجتهاد ، للسيّد عبد الحسين شرف الدِّين العاملي
      99 ـ قصص الأنبياء ، لعبد الوهاب النجّار
      100 ـ الزهراء بهجة قلب المصطفى ، عبد الرحمان الهمداني
      101 ـ مقتل الحسين ، للسيّد عبد الرزّاق المقرم
      102 ـ المنطق ، للشيخ محمّد رضا المظفر
      103 ـ الزهراء ، محمّد كاظم الكفائي
      104 ـ الإمامة والقيادة ، للسيّد كاظم الحائري
      105 ـ أخبار الدول وآثار الأول ، للقرماني

      تعليق


      • #18
        http://www.althaghafa.com/almaktaba/wareth/index.html

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
        ردود 2
        12 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
        بواسطة ibrahim aly awaly
         
        يعمل...
        X