بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على نبينا محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم ياكريم
[ الافتتاح بالتسمية عند كل فعل ] 7 -
وقال الصادق عليه السلام: ولربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا
" بسم الله الرحمن الرحيم " فيمتحنه الله بمكروه،
لينبهه على شكر الله تعالى والثناء عليه،
ويمحو (4) عنه وصمة تقصيره عند تركه قول " بسم الله [ الرحمن الرحيم ].
لقد دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين عليه السلام وبين يديه كرسي
فأمره بالجلوس، فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه،
فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم
[ 23 ] فأمر أمير المؤمينن عليه السلام بماء، فغسل عنه ذلك الدم. ثم قال:
أدن مني فدنا منه، فوضع يده على موضحته - وقد كان يجد من ألمها ما لا صبر [ له ] معه -
ومسح يده عليها، وتفل فيها [ فما هو إلا أن فعل ذلك ]
حتى اندمل وصار كأنه لم يصبه شئ قط. ثم قال أمير المؤمينن عليه السلام:
يا عبد الله، الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم
(1) لتسلم [ لهم ] (2) طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها. فقال عبد الله بن يحيى:
يا أمير المؤمنين ! [ و ] إنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا ؟ قال:
نعم أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر ؟
يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم [ به ] من المحن، وبما يغفره لهم،
فان الله إن الله تعالى يقول:
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) (3)
حتى إذا وردوا القيامة،
تو فرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم. (4) وان أعداء محمد وأعداءنا (5)
يجازيهم على طاعة تكون منهم في الدنيا - وإن كان لا وزن لها لانه لا إخلاص معها -
حتى إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه وآله وخيار أصحابه،
فقذفوا لذلك في النار. ولقد سمعت محمدا صلى الله عليه وآله يقول:
إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع [ لله مؤمن ]
والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه،
ولكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الارض، فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها،
لان ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج حيث لا يقد رعليه،
فآيسته الاطباء من نفسه وقالوا [ له ]: استخلف على ملكك من يقوم به، فلست (6)
بأخلد من أصحاب (7)[ 24 ]القبور، فان شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها، ولا سبيل إليها.
فبعث الله ملكا وأمره أن يزعج [ البحر ب ] تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فاخذت له
[ تلك السمكة ] (1) فأكلها، فبرء من مرضه، وبقي في ملكه (2) سنين بعدها.
ثم ان ذلك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي
يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر، واشتهى تلك السمكة، ووصفها له الاطباء.
فقالوا: طب نفسا، فهذا أوانها تؤخذ لك فتأكل منها، وتبرأ. فبعث الله ذلك الملك
وأمره أن يزعج جنس تلك السمكة [ كله ] من الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه فيؤخذ (3)
حتى مات المؤمن من شهوته، لعدم دوائه.
فعجب من ذلك ملائكة السماء وأهل ذلك البلد [ في الارض ] حتى كادوا يفتنون
لان الله تعالى سهل على الكافر ما لا سبيل إليه، وعسر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا.
فأوحى الله عزوجل إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان في الارض:
إني أنا الله الكريم المتفضل القادر، لا يضرني ما أعطي، ولا ينفعني ما أمنع،
ولا أظلم أحدا مثقال ذرة، فأما الكافر فانما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها،
ليكون جزاء على حسنة كان عملها، إذ كان حقا علي أن لا أبطل لاحد (4)
حسنة حتى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته، ويدخل النار بكفره.
ومنعت العابد تلك السمكة بعينها، لخطيئة كانت منه أردت تمحيصها عنه
بمنع تلك الشهوة، إعدام ذلك الدواء، ليأتين ولا ذنب عليه، فيدخل الجنة.
فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين قد أفدتني وعلمتني، فان رأيت (5) أن
[ 25 ]
تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا الملجس، حتى لا أعود إلى مثله.
قال: تركك حين جلست أن تقول: " بسم الله الرحمن الرحيم " فجعل (1) الله ذلك لسهوك
عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك. أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله
حدثني عن الله عزوجل أنه قال: كل أمر ذي بال لم يذكر " بسم الله " (2) فيه
فهو أبتر. فقلت: بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها. قال: إذا تحصن (3) بذلك
وتسعد. ثم قال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين ما تفسير " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟
قال: إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملا [ و ] يقول:
[ بسم الله أي: بهذا الاسم أعمل هذا العمل. فكل أمر (4) يعمله يبدأ فيه ب ] (5)
" بسم الله الرحمن الرحيم " فانه يبارك له فيه. (6) 8 -
قال الامام محمد بن على الباقر عليه السلام:
دخل محمد بن [ على بن ] (7) مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين زين العابدين
عليهما السلام وهو كئيب حزين فقال له زين العابدين عليه السلام: ما بالك مهموما مغموما ؟
قال: يا بن رسول الله هموم وغموم تتوالى علي لما امتحنت [ به ]
من جهة حساد (نعمتي، والطامعين) (8) في، وممن أرجوه وممن قد أحسنت إليه فيخلف ظني.
[ 26 ]
فقال له على بن الحسين [ زين العابدين ] عليهما السلام:
إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
قال الزهري: يا بن رسول الله إني احسن إليهم بما يبدر من كلامي.
قال على بن الحسين عليهما السلام: هيهات هيهات إياك وأن تعجب من نفسك
بذلك وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره،
فليس كل من تسمعه (1) نكرأ أمكنك أن توسعه عذرا. ثم قال: يا زهري من لم يكن
عقله من أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه. ثم قال: يا زهري وما عليك أن (2)
تجعل المسلمين [ منك ] بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك،
وتجعل صغيرهم [ منك ] بمنزلة ولدك، وتجعل تربك (3) منهم بمنزلة أخيك،
فأي هؤلاء تحب أن تظلم ؟ وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه ؟ وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره
. وإن عرض لك إبليس - لعنه الله - بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة
فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالايمان والعمل الصالح،
فهو خير مني وإن كان أصغر منك، فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني
وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي، وفي شك من أمره، فمالي أدع يقيني
لشكي (4) وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل أحدثوه (5)
وإن رأيت منهم (جفاء وانقباضا عنك قل: هذا الذي) (6) أحدثته فانك إذا فعلت ذلك،
سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم،
ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
[ 27 ]
واعلم: أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا،
وكان عنهم مستغنيا متعففا، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعففا،
وإن كان إليهم محتاجا، فانما أهل الدنيا (يعشقون الاموال) (1)، فمن لم يزاحمهم
فيما يعشقونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم منها
أو من بعضها كان أعز [ عليهم ] وأكرم. (2) 9 - قال عليه السلام:
ثم قال إليه رجل فقال: يا ابن رسول الله أخبرني ما معنى " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟
فقال علي بن الحسين عليه السلام: حدثني أبي، عن أخيه،
عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رجلا قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني
عن بسم " الله الرحمن الرحيم " ما معناه ؟ فقال عليه السلام: إن قولك: " الله "
أعظم الاسماء (3) - من أسماء الله تعالى - وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يتسمى به غير الله،
ولم يتسم به مخلوق. فقال الرجل: فما تفسير قوله تعالى: " الله " ؟ فقال عليه السلام:
هو الذى يتأله إليه عند الحوائج (4) والشدائد كل مخلوق،
عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه، وتقطع الاسباب من كل من سواه
وذلك أن كل مترئس (5) في هذه الدنيا أو متعظم فيها، وإن عظم غناؤه وطغيانه و (6)
كثرت حوائج من دونه إليه، فانهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم.
وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته
وفاقته، حتى إذا كفى همه، عاد إلى شركه. أما تسمع الله عزوجل يقول:
" قل أرأيتكم أن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم
[ 28 ]
صادقين بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وتنسون ما تشركون
" (1) فقال الله تعالى لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي إنى قد ألزمتكم الحاجة
إلى في كل حال، وذلة العبودية في كل وقت، فالي فافزعوا في كل أمر تأخذون به
وترجون تمامه، وبلوغ غايته، فاني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم
وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم [ فأنا أحق من سئل،
وأولى من تضرع إليه ] فقولوا عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير:
" بسم الله الرحمن الرحيم " أي أستعين على هذا الامر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره،
المغيث إذا استغيث، [ و ] المجيب إذا دعي " الرحمن " الذي يرحم ببسط (2)
الرزق علينا " الرحيم " بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا: خفف الله علينا الدين،
وجعله سهلا خفيفا، وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه. ثم قال رسول الله عليه السلام:
من أحزنه أمر تعاطاه فقال: " بسم الله الرحمن الرحيم " وهو مخلص لله عزوجل
ويقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته الدنياوية (3)
وإما ما يعد له عنده، ويدخر (4) لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين. (5)
المصادر :
* هامش * 1) من المعاني والتوحيد،
وفي " ب، ط " الامام عليه السلام. 2) " ولا ساجة نعينك " أ.
والساج: خشب يجلب من الهند،
واحدته ساجة. (لسان العرب: 2 / 303). 3) عنه البحار: 92 / 240 ح 48،
وعنه الوسائل: 4 / 1193 صدر ح 2، والبحار: 3 / 41 ح 16 وعن التوحيد:
230 صدر ح 5 (باسناده عن محمد بن القاسم،
عن يوسف بن محمد، وعلى بن محمد بن سيار،
عن أبويهما، عن الحسن بن علي عليهما السلام).
ورواه أيضا في معاني الاخبار:
4 ح 2. وأخرجه في البحار: 4 / 182 ح 7 والبرهان: 1 / 44 صدر ح 8
عن التوحيد والمعاني. 4) " يمحق " التوحيد. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
* د هامش * 1) " بمحنتهم " ب، ط. 2) " بهم " البحار: 67. 3) الشورى:
30. 4) " طاعتهم وعبادتهم " أ. 5) " أعداء آل محمد " البحار. 6)
" فما أنت " أ. 7) " أهل " أ. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) من البحار. 2) " مملكته " ب، ط. 3) " ولم يقدر عليه ولم يؤخذ " أ،
" فلم توجد " البحار. 4) " لعبد " أ. 5) " أردت " البحار. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) " فعجل " أ. 2) " لم يسم الله " خ ل. 3) (" تحظى " ب، ط. 4) " عمل " خ ل.
5) ليس في البحار. 6) عنه البحار: 92 / 240 ضمن ح 48، والجواهر السنية: 170،
والبرهان: 1 / 45 ح 11 وفى الوسائل: 4 / 1194 ح 4،
والبحار: 67 / 232 ح 48، وج 76 / 305 ح 1 (قطعة) وعنه (قطعة)
في الوسائل المذكور ضمن ح 2 وعن التوحيد: 231 ضمن ح 5 باسناده
عن محمد بن القاسم، عن يوسف بن محمد، عن على بن محمد بن سيار،
عن أبويهما، عن الحسن بن على عليهما السلام. وأخرجه في نور الثقلين:
1 / 6 ح 20 (قطعة) عن التوحيد. 7) من البحار. 8) " نعمى، والطاغين " أ. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) " أسمعته " ظ. 2) " الا أن " ب، ط. 3) ترب الرجل: الذى ولد معه. 4)
" بشكى
" ب، ط. 5) " أخذوا به " ب، ط، والبحار. 6) " لذنب " خ ل والبحار. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) " يعيشون أموال الدنيا " أ. 2) عنه البحار: 71 / 229 ح 6،
وج 92 / 242 ضمن ح 48، وفي ج 1 / 94 ح 26 قطعة. 3) " اسم " البرهان. 4)
" الاحتياج " خ ل. 5) " رئيس " أ، " مترائس " خ ل. 6) " إذا " أ. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الانعام: 40 - 2 41) " ويبسط " أ. 3) " في الدنيا " التوحيد والبرهان. 4)
" ويدخره " أ. 5) عنه البحار: 92 / 244 ضمن ح 48، ورواه الصدوق في التوحيد:
231 ضمن ح 5 باسناده عن محمد بن القاسم..، عنه البرهان: 1 / 45 ضمن ح 8،
والوسائل: 4 / 1193 ضمن ح 1 (قطعة) (*)
اللهم صل على نبينا محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم ياكريم
[ الافتتاح بالتسمية عند كل فعل ] 7 -
وقال الصادق عليه السلام: ولربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا
" بسم الله الرحمن الرحيم " فيمتحنه الله بمكروه،
لينبهه على شكر الله تعالى والثناء عليه،
ويمحو (4) عنه وصمة تقصيره عند تركه قول " بسم الله [ الرحمن الرحيم ].
لقد دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين عليه السلام وبين يديه كرسي
فأمره بالجلوس، فجلس عليه، فمال به حتى سقط على رأسه،
فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم
[ 23 ] فأمر أمير المؤمينن عليه السلام بماء، فغسل عنه ذلك الدم. ثم قال:
أدن مني فدنا منه، فوضع يده على موضحته - وقد كان يجد من ألمها ما لا صبر [ له ] معه -
ومسح يده عليها، وتفل فيها [ فما هو إلا أن فعل ذلك ]
حتى اندمل وصار كأنه لم يصبه شئ قط. ثم قال أمير المؤمينن عليه السلام:
يا عبد الله، الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنهم
(1) لتسلم [ لهم ] (2) طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها. فقال عبد الله بن يحيى:
يا أمير المؤمنين ! [ و ] إنا لا نجازى بذنوبنا إلا في الدنيا ؟ قال:
نعم أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر ؟
يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم [ به ] من المحن، وبما يغفره لهم،
فان الله إن الله تعالى يقول:
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) (3)
حتى إذا وردوا القيامة،
تو فرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم. (4) وان أعداء محمد وأعداءنا (5)
يجازيهم على طاعة تكون منهم في الدنيا - وإن كان لا وزن لها لانه لا إخلاص معها -
حتى إذا وافوا القيامة، حملت عليهم ذنوبهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه وآله وخيار أصحابه،
فقذفوا لذلك في النار. ولقد سمعت محمدا صلى الله عليه وآله يقول:
إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع [ لله مؤمن ]
والآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه،
ولكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الارض، فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها،
لان ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج حيث لا يقد رعليه،
فآيسته الاطباء من نفسه وقالوا [ له ]: استخلف على ملكك من يقوم به، فلست (6)
بأخلد من أصحاب (7)[ 24 ]القبور، فان شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها، ولا سبيل إليها.
فبعث الله ملكا وأمره أن يزعج [ البحر ب ] تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فاخذت له
[ تلك السمكة ] (1) فأكلها، فبرء من مرضه، وبقي في ملكه (2) سنين بعدها.
ثم ان ذلك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي
يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر، واشتهى تلك السمكة، ووصفها له الاطباء.
فقالوا: طب نفسا، فهذا أوانها تؤخذ لك فتأكل منها، وتبرأ. فبعث الله ذلك الملك
وأمره أن يزعج جنس تلك السمكة [ كله ] من الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه فيؤخذ (3)
حتى مات المؤمن من شهوته، لعدم دوائه.
فعجب من ذلك ملائكة السماء وأهل ذلك البلد [ في الارض ] حتى كادوا يفتنون
لان الله تعالى سهل على الكافر ما لا سبيل إليه، وعسر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا.
فأوحى الله عزوجل إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان في الارض:
إني أنا الله الكريم المتفضل القادر، لا يضرني ما أعطي، ولا ينفعني ما أمنع،
ولا أظلم أحدا مثقال ذرة، فأما الكافر فانما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها،
ليكون جزاء على حسنة كان عملها، إذ كان حقا علي أن لا أبطل لاحد (4)
حسنة حتى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته، ويدخل النار بكفره.
ومنعت العابد تلك السمكة بعينها، لخطيئة كانت منه أردت تمحيصها عنه
بمنع تلك الشهوة، إعدام ذلك الدواء، ليأتين ولا ذنب عليه، فيدخل الجنة.
فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين قد أفدتني وعلمتني، فان رأيت (5) أن
[ 25 ]
تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا الملجس، حتى لا أعود إلى مثله.
قال: تركك حين جلست أن تقول: " بسم الله الرحمن الرحيم " فجعل (1) الله ذلك لسهوك
عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك. أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله
حدثني عن الله عزوجل أنه قال: كل أمر ذي بال لم يذكر " بسم الله " (2) فيه
فهو أبتر. فقلت: بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها. قال: إذا تحصن (3) بذلك
وتسعد. ثم قال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين ما تفسير " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟
قال: إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملا [ و ] يقول:
[ بسم الله أي: بهذا الاسم أعمل هذا العمل. فكل أمر (4) يعمله يبدأ فيه ب ] (5)
" بسم الله الرحمن الرحيم " فانه يبارك له فيه. (6) 8 -
قال الامام محمد بن على الباقر عليه السلام:
دخل محمد بن [ على بن ] (7) مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين زين العابدين
عليهما السلام وهو كئيب حزين فقال له زين العابدين عليه السلام: ما بالك مهموما مغموما ؟
قال: يا بن رسول الله هموم وغموم تتوالى علي لما امتحنت [ به ]
من جهة حساد (نعمتي، والطامعين) (8) في، وممن أرجوه وممن قد أحسنت إليه فيخلف ظني.
[ 26 ]
فقال له على بن الحسين [ زين العابدين ] عليهما السلام:
إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
قال الزهري: يا بن رسول الله إني احسن إليهم بما يبدر من كلامي.
قال على بن الحسين عليهما السلام: هيهات هيهات إياك وأن تعجب من نفسك
بذلك وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره،
فليس كل من تسمعه (1) نكرأ أمكنك أن توسعه عذرا. ثم قال: يا زهري من لم يكن
عقله من أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه. ثم قال: يا زهري وما عليك أن (2)
تجعل المسلمين [ منك ] بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك،
وتجعل صغيرهم [ منك ] بمنزلة ولدك، وتجعل تربك (3) منهم بمنزلة أخيك،
فأي هؤلاء تحب أن تظلم ؟ وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه ؟ وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره
. وإن عرض لك إبليس - لعنه الله - بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة
فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالايمان والعمل الصالح،
فهو خير مني وإن كان أصغر منك، فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني
وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي، وفي شك من أمره، فمالي أدع يقيني
لشكي (4) وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل أحدثوه (5)
وإن رأيت منهم (جفاء وانقباضا عنك قل: هذا الذي) (6) أحدثته فانك إذا فعلت ذلك،
سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم،
ولم تأسف على ما يكون من جفائهم.
[ 27 ]
واعلم: أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا،
وكان عنهم مستغنيا متعففا، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعففا،
وإن كان إليهم محتاجا، فانما أهل الدنيا (يعشقون الاموال) (1)، فمن لم يزاحمهم
فيما يعشقونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم منها
أو من بعضها كان أعز [ عليهم ] وأكرم. (2) 9 - قال عليه السلام:
ثم قال إليه رجل فقال: يا ابن رسول الله أخبرني ما معنى " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟
فقال علي بن الحسين عليه السلام: حدثني أبي، عن أخيه،
عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رجلا قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني
عن بسم " الله الرحمن الرحيم " ما معناه ؟ فقال عليه السلام: إن قولك: " الله "
أعظم الاسماء (3) - من أسماء الله تعالى - وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يتسمى به غير الله،
ولم يتسم به مخلوق. فقال الرجل: فما تفسير قوله تعالى: " الله " ؟ فقال عليه السلام:
هو الذى يتأله إليه عند الحوائج (4) والشدائد كل مخلوق،
عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه، وتقطع الاسباب من كل من سواه
وذلك أن كل مترئس (5) في هذه الدنيا أو متعظم فيها، وإن عظم غناؤه وطغيانه و (6)
كثرت حوائج من دونه إليه، فانهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم.
وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته
وفاقته، حتى إذا كفى همه، عاد إلى شركه. أما تسمع الله عزوجل يقول:
" قل أرأيتكم أن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم
[ 28 ]
صادقين بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وتنسون ما تشركون
" (1) فقال الله تعالى لعباده: أيها الفقراء إلى رحمتي إنى قد ألزمتكم الحاجة
إلى في كل حال، وذلة العبودية في كل وقت، فالي فافزعوا في كل أمر تأخذون به
وترجون تمامه، وبلوغ غايته، فاني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم
وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم [ فأنا أحق من سئل،
وأولى من تضرع إليه ] فقولوا عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير:
" بسم الله الرحمن الرحيم " أي أستعين على هذا الامر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره،
المغيث إذا استغيث، [ و ] المجيب إذا دعي " الرحمن " الذي يرحم ببسط (2)
الرزق علينا " الرحيم " بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا: خفف الله علينا الدين،
وجعله سهلا خفيفا، وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه. ثم قال رسول الله عليه السلام:
من أحزنه أمر تعاطاه فقال: " بسم الله الرحمن الرحيم " وهو مخلص لله عزوجل
ويقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين: إما بلوغ حاجته الدنياوية (3)
وإما ما يعد له عنده، ويدخر (4) لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين. (5)
المصادر :
* هامش * 1) من المعاني والتوحيد،
وفي " ب، ط " الامام عليه السلام. 2) " ولا ساجة نعينك " أ.
والساج: خشب يجلب من الهند،
واحدته ساجة. (لسان العرب: 2 / 303). 3) عنه البحار: 92 / 240 ح 48،
وعنه الوسائل: 4 / 1193 صدر ح 2، والبحار: 3 / 41 ح 16 وعن التوحيد:
230 صدر ح 5 (باسناده عن محمد بن القاسم،
عن يوسف بن محمد، وعلى بن محمد بن سيار،
عن أبويهما، عن الحسن بن علي عليهما السلام).
ورواه أيضا في معاني الاخبار:
4 ح 2. وأخرجه في البحار: 4 / 182 ح 7 والبرهان: 1 / 44 صدر ح 8
عن التوحيد والمعاني. 4) " يمحق " التوحيد. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
* د هامش * 1) " بمحنتهم " ب، ط. 2) " بهم " البحار: 67. 3) الشورى:
30. 4) " طاعتهم وعبادتهم " أ. 5) " أعداء آل محمد " البحار. 6)
" فما أنت " أ. 7) " أهل " أ. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) من البحار. 2) " مملكته " ب، ط. 3) " ولم يقدر عليه ولم يؤخذ " أ،
" فلم توجد " البحار. 4) " لعبد " أ. 5) " أردت " البحار. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) " فعجل " أ. 2) " لم يسم الله " خ ل. 3) (" تحظى " ب، ط. 4) " عمل " خ ل.
5) ليس في البحار. 6) عنه البحار: 92 / 240 ضمن ح 48، والجواهر السنية: 170،
والبرهان: 1 / 45 ح 11 وفى الوسائل: 4 / 1194 ح 4،
والبحار: 67 / 232 ح 48، وج 76 / 305 ح 1 (قطعة) وعنه (قطعة)
في الوسائل المذكور ضمن ح 2 وعن التوحيد: 231 ضمن ح 5 باسناده
عن محمد بن القاسم، عن يوسف بن محمد، عن على بن محمد بن سيار،
عن أبويهما، عن الحسن بن على عليهما السلام. وأخرجه في نور الثقلين:
1 / 6 ح 20 (قطعة) عن التوحيد. 7) من البحار. 8) " نعمى، والطاغين " أ. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) " أسمعته " ظ. 2) " الا أن " ب، ط. 3) ترب الرجل: الذى ولد معه. 4)
" بشكى
" ب، ط. 5) " أخذوا به " ب، ط، والبحار. 6) " لذنب " خ ل والبحار. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) " يعيشون أموال الدنيا " أ. 2) عنه البحار: 71 / 229 ح 6،
وج 92 / 242 ضمن ح 48، وفي ج 1 / 94 ح 26 قطعة. 3) " اسم " البرهان. 4)
" الاحتياج " خ ل. 5) " رئيس " أ، " مترائس " خ ل. 6) " إذا " أ. (*)
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الانعام: 40 - 2 41) " ويبسط " أ. 3) " في الدنيا " التوحيد والبرهان. 4)
" ويدخره " أ. 5) عنه البحار: 92 / 244 ضمن ح 48، ورواه الصدوق في التوحيد:
231 ضمن ح 5 باسناده عن محمد بن القاسم..، عنه البرهان: 1 / 45 ضمن ح 8،
والوسائل: 4 / 1193 ضمن ح 1 (قطعة) (*)
تعليق