بسم الله الرحمن الرحيم
العالم الاسلامي علي مشارف القرن الحادي و العشرين
الاباحيه و الانبهار و الجرائم الالكترونيه: اخطار في الانترنيت كيف نواجهها؟
تتدفق عبر الشبكه ملايين المعلومات عن مختلف المجالات العلميه و الاقتصاديه و السياسيه و الاعلاميه و الدعائيه بحيث يغدو ضرباً من المستحيل ملاحقه هذا الكم الهائل من المعلومات و التعاطي معه حتي من قبل الهيئات المتخصصه، و مثلما يؤدي هذا التدفق الي وفره في المعلومات الا انه بالمقابل يعكس ثقافه الغرب و اسلوب تعامله مع العلومه و صياغتها و تقديمها للاخر الذي يتمايز عن الغرب اجتماعياً و ثقافياً و سياسياً و حضارياً
تطرقنا في القسم الاول من هذا المقال الي اهميه مشاركه العالم الاسلامي في الشبكه المعلومات الدوليه (الانترنيت) و كيفيه الاستفاده منها في اوجه التنميه المختلفه؛ العلميه و التعليميه و الاداريه و الاقتصاديه و غيرها، و ما يستلزمه ذلك من اعداد البني اللازمه لتحقيق اقصي قدر من الفائده في تلك المجالات، كما تطرق المقال لي اهميه الاستفاده من (الانترنيت) في التعريف بالاسلام و مبادئه و اسسه الفكريه و الثقافية و قيمه الاخلاقيه و الحضاريه من اجل نشره اولاً و التصدي لمحاولات تشويهه و تحريفه من قبل الاعداء ثانياً و سد النقص المعلوماتي عن تأريخ المسلمين و انجازاتهم الحضاريه و دورهم في تقدم ورقي البشريه ثالثاً و التعريف بقضايا الشعوب الاسلاميه و مساعيها للتخلص من ربقه التبعيه و الاستبداد و التخلف رابعاً.
مجال واسع للاباحيه
و اذا كانت تلك هي الملامح العريضه للجوانب الايجابيه في المشاركه بالانترنيت فمما لاشك فيه ان هناك تحديات و مشاكل و اضرار تنجم عن هذه المشاركه لاسيما و ان شبكه الانترنيت حالها حال اي وسيله تقنيه معاصره فيها الخير و الشر اذا اخذنا بعين الاعتبار انها مفتوحه للجميع فمقابل مبلغ اشتراك زهيد يمكن لاي مؤسسه او جماعه او فرد استئجار موقع لبث ما يريد من افكار و معلومات بدون رقابه او قيد علي صحه المعلومه او الضرر الناجم عنها.. و مع ان هذه المشكله لا تقلل من حقيقه ان غالبيه مصادر المعلومات في الشبكه هي مصادر رصينه و اكاديميه الا ان ذلك لا ينفي ان هناك كما هائلاً من المعلومات غير الموثقه و غير الصحيحه، كما ان هناك العديد من المواقع علي الشبكه تدعو للاباحيه و التحلل الاخلاقي؛ و يكفي ان نقول ان شبكه الانترنيت تبث اكثر من (20) الف صوره و مجله اباحيه بحيث اصبحت تشكل تحديا للمجتمع الانساني برمته خاصه و ان كثيراً من هذه المواقع قد انزلق اكثر في مهاوي الجريمه و صرنا نسمع عن اكتشاف المزيد من العاصابات التي تسعي لاستغلال الاطفال جنسياً و غيرها من الجرائم التي يندي لها جبين الانسانيه.. و رغم ان هذه الجرائم تقع تحت طائله القانون و الملاحقه القضائيه في العديد من بلدان العالم الا انها مازالت تشكل خطراً كبيراً علي الاخلاق و القيم الاجتماعيه خصوصاً و ان العديد من الدول الغربيه تغض النظر عن المواقع الاباحيه علي الشبكه لانها تشكل احد اسلحتها في هدم الحصون الاخلاقيه للشعوب التي تسعي للسيطره علي مقدراتها.
و مع تعاظم اخطار الاباحيه و الجرائم الجنسيه التفت العديد من الدول الي هذا الخطر فانشأت اجهزه بوليسيه متخصصه لملاحقه هذه الجرائم و تقديم المجرمين للقضاء بالتعاون مع الاجهزه البوليسيه في الدول الاخري حيث من المعروف ان افراد مثل هذه العصابات يتوزعون علي اكثر من بلد.
و في المجال التقني ابتكرت الشركات المتخصصه (الحيطان الناريه) لحجب المواقع التي تدعو للاباحيه و الرذيله و بامكان المحطات الفرعيه توفير هذه الخدمه للمشتركين.. و علي الرغم من هذه الاجراءات القانونيه و الحلول التقنيه الا ان العامل الاساس في التصدي لتاثير مثل هذه المواقع هو تحصين المشاركين اخلاقياً و تعزيز الرقابه المؤسساتيه و العائليه و توجيه اهتمام الشباب الي ما يرضي غرورهم العلمي و الاكاديمي و التعامل مع المواقع الاباحيه كمواقع غازيه ينبغي سد جميع المنافذ بوجهها.
و في هذا السياق تلعب المواقع التي تدعو للفضيله و القيم و الاخلاق الرفيعه المستمده من روح الاسلام العظيمه دوراً لا يستهان به في تقويه و تحصين المشاعر انجرارهم الي الرذيله كما تقوي ارادتهم و تعزز ثقتهم بانفسهم و هم يشاهدون اخوه لهم لم يتخلفوا في مضمار التقدم للدفاع عن القيم و الاخلاق الساميه.
الكم الهائل من المعلومات. و خطر الانبهار
تتدفق عبر الشبكه ملايين المعلومات عن مختلف المجالات العلميه و الاقتصاديه و السياسيه و الاعلاميه و الدعائيه بحيث يغدو ضرباً من المستحيل ملاحقه هذا الكم الهائل من المعلومات و التعاطي معه حتي من قبل الهيئات المتخصصه، و مثلما يؤدي هذا التدفق الي وفره في المعلومات الا انه بالمقابل يعكس ثقافه الغرب و اسلوب تعامله مع المعلومه و صياغتها و تقديمها للآخر الذي يتمايز عن الغرب اجتماعياً و ثقافياً و سياسياً و حضارياً.. و مع الاخذ بعين الاعتبار ان النسبه الكبيره من المشتركين هي في الولايات المتحده الاميركيه و اوربا يمكن القول ان المعلومه لا يمكن الا ان تنحاز لذلك الواقع حتي و ان كانت تبدو محايده.. و بالتاكيد فان هذا اللون من الانحياز يؤدي الي قهر الثقافات الاخري لانها لم تمثل علي الشبكات بالقدر الذي يتيح لها التعريف بانجازاتها و مكاسبها.. خاصه اذا عرفنا ان اللغه التي تعتمدها الشبكه هي اللغه الانجليزيه و هذا يتطلب جهداً مضاعفاً من قبل الناطقين باللغات الاخري سواء كان هذا الجهد ترجمه العطاء العلمي و الفكري لشعوبهم الي اللغه الانجليزيه او ترجمه المعلومات الوارده عبر الشبكه الي اللغه التي ينطقون بها.. لقد ادي هذا التحدي الي تفكير عدد من المجموعات الاقليميه الخاصه للمعلومات مثل دول جنوب شرق آسيا كما دفع العديد من الدول الي تطوير شبكاتها الوطنيه للمعلومات و تنسيق الجهود بين مؤسساتها الاكاديميه لتقديم انجازاتها و تراثها الحضاري عبر الشبكه و بعده لغات.
و بالمقابل فان هناك الكثير من المشتركين في الانترنيت من المنبهرين بهذه الوسيله العصريه بحيث كان هذا الانبهار مساوياً لقناعه هؤلاء بان طريقه الاسلاف في التعليم و الحصول علي المعلومات انما هي طرق قديمه و غير صالحه و بالتاكيد فان هذا الطراز من التأثير يؤدي الي التغرب و الشعور بالدونيه و الانهزاميه امام هذا النمط الثقافي «العالمي شكلاً و الاميركي مضموناً».
ان مثل هذا الشعور لا يتولد الا لدي الذين يدخلون علي مواقع الشبكه كتابعين و متفرجين لا كمشاركين؛ اولئك الذين تسحرهم كثره المعلومات لاجدواها و بالتالي فانهم يفقدون قدرتهم علي التمييز بين علم ينفع و علم لا ينفع.
ان صحه معلومه ما لا يعني بالضروره انها مفيده فكثير من المعلومات و الاخبار تهم المجتمعات الغربيه المياله لما هو مدهش و مثير و غريب و لا تشكل اي قيمه تذكر بالنسبه لمجتمعاتنا.. و لكن ينبغي الاشاره هنا الي الاضرار التي يلحقها هذا الطراز من الاخبار و المعلومات لمجتمعاتنا لاسيما و ان كثره تدفقها سواء عن طريقه الفضائيات او عن طريق شبكه الانترنيت يؤدي الي تطبيع افكار المجتمع علي تقبلها رغم انها تتنافي مع قيم مجتمعاتنا و كمثال علي ذلك اخبار الفضائح و اخبار المجموعات الشاذه.
و ان تنميه روح التخصص لدي المتعاملين مع شبكه الانترنيت سيزيد من قدرتهم علي اختيار المعلومات المناسبه و الربط فيما بينها و بالتالي تحويل هذا الكم المتناسق و المتكامل الي معرفه و بالتاكيد فان هناك فرقاً بين ان يكون الانسان مجرد جامع معلومات و بين توظيف هذه المعلومات في تنميه المعرفه.
الجرائم الالكترونيه!
لم تعد شبكه المعلومات الدوليه (الانترنيت) حكراً علي طلاب العلم و المؤسسات التجاريه و الاقتصاديه و الاعلاميه و انما انضم اليها اللصوص و الغشاشون و المزورون!
عدد لا يحصي من الجرائم كجرائم التزوير و الاختلاسات و الاستغلال الجنسي للاطفال. قراصنه و لصوص يبحثون عن فرائسهم بين السذج؛ مواقع وهميه لشركات استشاريه تعمل علي سرقه ارصده الزبائن بعد اقناعهم بتزويدها ببياناتهم المصرفيه، القراصنه ابتكروا جهازاً حجمه اصغر من علبه السجائر يقرأ البطاقات الائتمانيه و يخزن المعلومات الموجوده عليها في ثانيه واحده و النتيجه ان الزبون الذي يثق مثلاً بعامل مطعم و يسلمه بطاقته الائتمانيه للدفع فيستسخها هذا العامل ثم يبدأ بسحب المال من رصيد الزبون دون ان يشعر؛ صحيح ان هذه الجريمه ستكتشف لاحقاً لكن بعد ان يكون الضحيه قد خسر جزءاً من ثروته.. و لم تقتصر السرقات علي الافراد بل ان مصارف كبيره اصبحت ضحيه للاختلاس فقد تعرض احد البنوك الاميركيه- ستي بنك- الي اختلاس قيمته عشره ملايين دولار و نفذ هذه العلميه احد قراصنه المعلومات في بريطانيا لحساب لصوص روس حيث اعتقل بعد ذلك و سلم الي الولايات المتحده الاميركيه، و هناك كثير من الحوادث المماثله الا ان المصارف التي وقعت ضحيه لهذه الاختلاسات لا تفضل الحديث عنها لئلا تتعرض سمعتها للانهيار.
و اتسع نطاق القرصنه الالكترونيه في مجال المعلوماتيه خاصه في الولايات المتحده الاميركيه حيث اخذ يهدد حتي الواقع التي تعتبر استراتيجيه مثل اجهزه الطواريء و الدفاع و محطات الكهرباء و الماء رغم وجود مركز للحمايه متصل بجهاز الشرطه الفيدراليه (اف.بي.اي).
و يعتقد خبراء في الانترنيت ان ما يعقد ملاحقه الجرائم الالكترونيه انها ترتكب في عالم بلا حدود و من قبل اختصاصين انزلقوا الي عالم الجريمه طمعاً بالمال ضاربين عرض الحائط بابسط القيم الانسانيه، و يري هؤلاء الخبراء انه رغم استنفار الجهود لمكافحه الجرائم الالكترونيه الا ان السياقات المتبعه و الاجراءات الرقابيه لم تزل دون الحد المطلوب و هي بحاجه الي تعاون دولي اوثق في تلك المجالات.
ان الجرائم الالكترونيه هي في وجهها الآخر امتداد لعوالم الجريمه التي تعاني مها المجتمعات الغربيه و بالتالي فان الحد منها يصب في نفس السياقات المتبعه لمكافحه الجرائم العاديه و هي سياقات يجب ان تمنح الاولويه لمعالجه جذور هذه الجرائم اكثر من اهتمامها باتخاذ الاحتياطات و تشريع القوانين رغم اهميتها التي لا تنكر.
و في عالمنا الاسلامي فان علي كافه المشتركين في شبكه المعلومات الدوليه (الانترنيت) توخي اقصي درجات الحذر و اليقظه لكي لا يصبحوا فرائس سهله ليس للصوص و القراصنه و المزورين فحسب و انما يجب ان يحذروا من الاعداء الذين يدسوا السم في العسل و ان لا يتوانوا في فضح مخططاتهم التخريبيه و لعل اكثر الامور جدوي في هذا المجال هو تعزيز التواصل و التكامل بين المواقع الاسلاميه للعمل بشكل منسق في مواجهه التحديات و مخططات الاعداء؛ و بالتاكيد فان هذا التكامل سيتحقق بشكل افضل لو تم علي الصعيدين الشعبي و الرسمي في دول العالم الاسلامي و من خلال مؤسسات رائده في هذا المجال يكون شعارها التعاون لا التنافس و هو ما نحن بامس الحاجه اليه.
الوحده العدد 228
صفاء يونس
تعليق