إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

فصاحة وبلاغة السيدة زينب عليها السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فصاحة وبلاغة السيدة زينب عليها السلام

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ( الحمد الله رب العالميين وافضل الصلاة والسلام على اشرف المرسلين محمد وعلى اهل بيته المعصومين الطاهرين )



    فصاحة وبلاغة السيده زينب عليها السلام


    - قال أبو هلال العسكري: إنما يحسن الكلام بسلاسته وسهولته، وتخير لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه، وتشبه إعجازه بهواديه، وموافقة مآخره لمباديه، فتجد المنظوم مثل المنثور، في سهولة مطلعه، وجودة مقطعه، وحسن رصفه وتأليفه، وكمال صوغه وتركيبه، ومتى جمع الكلام بين العذوبة والجزالة، والسهولة والرصانة، والرونق والطلاوة، وسلم من حيف التأليف.وبعد من سماجة التركيب، وردّ على الفهم الثاقب فقبله ولم يرده، وعلى السمع المصيب فاستوعبه ولم يمجّه، والنفس تقبل اللطيف، وتنبو عن الغليظ، والفهم يأنس بالمعروف.

    ويسكن إلى المألوف، ويصغي إلى الصواب، ويهرب من المحال، وليس الشأن في إيراد المعاني، فالمعاني يعرفها العربي والعجمي، والقروي والبدوي، وإنما هو جودة اللفظ وصفاؤه، وحسنه وبهاؤه، ونزاهته ونقاؤه، وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صواباً مستقيماً، أمّا اللفظ فلا يقنع به قانع حتى يكون على ما وصفناه.

    وهذا الذي ذكره لا ينطبق كل الانطباق إلا على كلام سيد الفصحاء. وإمام البلغاء، أمير المؤمنين عليه السلام، الذي قيل فيه: كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، والشاهد على هذا القول هو كتاب نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي رضي الله عنه من كلامه عليه السلام، وننقل هنا كلمة العلامة الشيخ محمد عبده فيه، فإنها كلمة ثمينة لا يمكن الإعراض عنها.

    قال: أوفى لي حكم القدر بالإطلاع على كتاب نهج البلاغة صدفة بلا تعمل، أصبته على تغير حال، وتبلبل بال، وتزاحم أشغال، وعطلة من أعمال، فحسبته تسلية، وحيلة للتخلية، فتصفحت بعض صفحاته، وتأملت جملاً من عباراته، من مواضع مختلفات، وكان يخيل لي في كل مقام أن حروباً شبت، وغارات شنت، وأن للبلاغة دولة، وللفصاحة صولة، وأن للأوهام عرامة، وللريب دعارة، وأن جحافل الخطابة وكتائب الذراية في عقود النظام، وصفوف الانتظام، تنافح بالصفبح الأبلج، والقويم الأملج، وتملج المهج بروائع الحجج، وتفل ذعارة الوسواس، وتصيب مقاتل الخوانس، فما أنا إلا والحق منتصر، والباطل منكسر، ومرج الشك في خمود، وهرج الريب في ركود، وإن مدير تلك الدولة، وباسل تلك الصولة، هو حامل لوائها الغائب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بل كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضع، أحس بتغير المشاهد، وتحول المعاهد، فتارة كنت أجدني في عالم يغمره من المعاني أرواح عالية، في حلل من العبارات الزاهية، تطوف على النفوس الزاكية، وتدنو من القلوب الصافية، توحي إليها رشدها، وتقوم منها منادها، وتنفر بها عن مداحض المزال، إلى جواد الفضل والكمال، وطوراً كانت تنكشف لي الجمل عن وجوه باسرة، وأنياب كاشرة، وأرواح في أشباح النحور، ومخالب النسور، وقد تحفزت للوثاب، ثم انقضت للإختلاب، فخلبت القلوب عن هواها، وأخذت الخواطر دون مرماها، واغتالت فاسد الأهواء وباطل الآراء، وأحياناً كنت أشهد أن عقلاً نورانياًلا يشبه خلقاً جسدانياً، فصل عن الموكب الإلهي واتصل بالروح الإنساني، فخلعه من غاشيات الطبيعة، وسمابه إلى الملكوت الأعلى ونما به إلى مشهد النور الأجلى، وسكن به إلى عمار جانب التقديس، بعد استخلاصه من شوائب التلبيس، وآنات كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة، وأولياء أمر الأمة، يعرفهم مواقع الصواب، ويبصرهم مواضع الارتياب، ويحذرهم مزالق الاضطراب، ويرشدهم إلى دقائق السياسة، ويهديهم طريق الكياسة، ويرتفع بهم إلى منصات الرياسة، ويصعدهم شرف التدبير، ويشرف بهم على حسن المصير، انتهى.

    إن هذه الفصاحة العلوية والبلاغة المرتضوية، قد ورثتها هذه المخدرة الكريمة، بشهادة العرب أهل البلاغة والفصاحة أنفسهم.

    فقد تواترت الروايات عن العلماء وأرباب الحديث بأسانيدهم عن حذلم بن كثير قال:

    قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين عند منصرف علي بن الحسين عليهما السلام من كربلاء، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء، وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن، فسمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول بصوت ضئيل: -وقد نهكته العلة، وفي عنقه الجامعة، ويده مغلولة إلى عنقه – إن هؤلاء النسوة يبكين، فمن قتلنا؟.

    قال: ورأيت زينب بنت علي عليه السلام ولم أر خفرة أنطق منها، كأّنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليــه السلام، قال: وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّت الأنفاس وسكنت الأصوات، قالت: الحمد للّه، والصلاة على محمدٍ وآله الطيبين الأخيار، أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلفوالنطف، والكذب والشنف، وملق الإماء، وغمر الأعداء؟ أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدين، أتبكون وتنتحبون؟.

    إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم ومدره سنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وبتت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة. ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم ؟.ولقد جئتم بها صلعاء عنفاء سوداء فقماء، خرقاء شوهاء، كطلاع الأرض، أو ملاء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً! ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم لبا المرصاد.

    قال الراوي: فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواهم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته بالدموع، وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير النسل، لا يخزى ولا يبزى.

    أقول: وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها، وأخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية، حتى أنه لم يتمكن أن يشبهها إلا بأبيها سيد البلغاء والفصحاء، فقال: كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين.

    وهذه الخطبة رواها كل من كتب في وقعة الطف أو في أحوال الحسين (عليه السلام)

    ورواها الجاحظ في كتابه البيان والتبيين عن خزيمة الأسدي قال: ورأيت نساء الكوفة يومئذ قياماً يندبن متهتكات الجيوب.

    ورواها أيضاً أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور في بلاغات النساء، وأبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه مقتل الحسين عليه السلام، والطوسي وشيخ الطائفة في أماليه، وغيرهم من أكابر العلماء.

    ومن بلاغتها وشجاعتها الأدبية: ما ظهر منها عليها السلام في مجلس بن زياد.

    قال السيد ابن طاووس وغيره ممن كتب في مقتل الحسين عليه السلام: إنّ ابن زياد جلس في القصر وأذن إذناً عاماً، وجيء برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه وأدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه، وجاءت زينب ابنة علي عليه السلام وجلست متنكرة، فسأل ابن زياد من هذه المتنكرة؟ فقيل له: هذه زينب ابنة علي، فاقبل عليها فقال: الحمد لله الذي فضحكم واكذب أحدوثتكم.

    فقالت عليها السلام: إنما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق، وهو غيرنا.

    فقال: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟

    فقالت: ما رأيت إلا خيراً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا بن مرجانة.

    فغضب اللعين وهم أن يضربها، فقال له عمرو بن حريث:

    إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.

    فقال لها ابن زياد لعنه الله: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك.

    فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت.

    فقال لعنه الله: هذه سجاعة، ولعمري لقد كان أبوها سجّاعاً شاعراً.

    فقالت: يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة، وإن لي عن السجاعة لشغلاً.

    ومن ذلك: خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية في الشام، رواها جماعة من العلماء في مصنفاتهم، وهي من أبلغ الخطب وأفصحها، عليها أنوار الخطب العلوية وأسرار الخطبة الفاطمية، ونحن ننقلها هنا من الاحتجاج للطبرسي.

    قال: روى شيخ صدوق من مشائخ بني هاشم وغيره من الناس: أنه لما دخل علي بن الحسين عليهما السلام وحرمه على يزيد وجيء برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طشت، وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يقول:

    ليت أشياخي ببدر شهدوا ***** جـزع الخزرج من وقع الأسل


    فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالت: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوء أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن).

    أظننت يا يزيد – حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فاصبحنا نساق كما تساق الأُسراء- أنّ بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة. وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بانفك ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، وتنفض مذوريك مرحاً، جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين) أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول الله سبايا، وقد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهنّ من رجالهنّ ولي، ولا من حماتهن حمي، وكيف يرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأذكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء؟!

    وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن، والأحن والأضغان؟!

    ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم.


    لا هلوا واستهلوا فرحاً ****** ثم قـالوا يا يزيد لا تشل

    تكمله



المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X