
أمين محمد آل براهيم
فالكثير من الطاقات الإيجابية التي تتحول على مر الزمن إلى طاقات سلبية بسبب المنزلقات التي يمر بها أصحاب هذه الطاقات - أفراداً كانوا أو مجتمعات- وكثيرة هي الأمثلة والنماذج التي تحولت على مر الزمن والدهور وتغير مشوارها بل حتى أهدافها بسبب الإبتعاد عن القرآن والمنهج القرآني السليم فأصبحت تتيه وتتخبط في الحياة..
ومن ضمن هذه الأمثلة وبالإبتعاد عن إلصاقها بشخصيات أو مجتمعات معاصرة أو ماضية نذكر بعض العلاقات التي لو عاد أصحابها لكتاب الله لعاشوا السعادة والاستقرار النفسي والاجتماعي، ومن ضمن تلك الأمثلة علاقة الإبن بوالديه والوالدين بأولادهم، والزوج بالزوجة والزوجة بالزوج، وعلاقة الأرحام والأصدقاء وعلاقة الفرد بالمجتمع، أما من ناحية أخرى علاقة المجتمع بأفراده ورموزه وطاقاته، وعلاقة المجتمع بالمجتمعات الأخرى وكذلك الحضارة بالحضارات المختلفة..
الأسرة:
وهي نواة المجتمع وهي التي تبنيه، فالمجتمع ليس إلا أُسَرٌ وعوائل، وهؤلاء يتكونوا من الأفراد الذين هم أبناء المجتمع وطاقاته، فصلاح المجتمع مترتب على صلاح وتماسك الأسرة والفشل في التماسك يؤدي إلى عدم تماسك المجتمع، ولهذا علينا أن نعود للقرآن لمعرفة الطريقة السليمة لبناء الأسرة المنتجة، فقد التبس عند البعض الكثير من المفاهيم في طريقة التربية فقد وصل حالنا إلى أن بعض العوائل لايهمها صلاح أبناءها بل يعولون ذلك على المجتمع ورجالاته، وأنا معهم بأن على رجال الدين وغيرهم ممن يمثلون مؤسسات المجتمع تحمل مسوؤلياتهم بالشكل المطلوب، كما على الأسرة تحمل دورها بالشكل المطلوب أيضاً وعدم تحميل المجتمع ومؤسساته الحمل كاملاً فالبيت هو المسؤول عن التربية، والبيئة تعتمد على تفاعل المجتمع مع مؤسساته فلا بيئة صالحة من دون تكاتف أبناء المجتمع لتنظيفها من كل مايشيبها من شوائب..
ومن جهة أخرى هناك بعض الأسر والعوائل التي لايهمها إذا تحملت مؤسسات المجتمع مسؤولياتها أو لم تتحمل، كمل لايهمها صلاح أبنائها، فتركيزهم وهدفهم هو حصول ذلك الولد أو البنت على شهادة أكاديمية يستطيعوا من خلالها أن يفتخروا على أقرانهم، أنا مع التعليم وضرورة التحصيل العلمي الأكاديمي ولكن لا تكون الشهادة هي المطمح الوحيد الذي يكون ثمنها انحراف الأبناء أو عدم مبالاة الأسرة إلا بتلك الورقة التي يُغفر من خلالها لكل سيئات وجرائم ذلك الولد أو تلك البنت، ولكي لا يفسر الكلام بمعنى آخر فهناك الكثير من الأكاديميين الناجحين في المجتمع كما يتمتعوا بدين وأخلاق عاليين ولهم كامل التقدير والاحترام، حديثنا فقط حول بعض الشرذمة التي تعتقد بأن الشهادة الأكاديمية هي فقط وفقط طريق النجاح وهي بذاتها الهدف الذي يطمحوا إليه متناسين بذلك جميع السلوكيات والخروقات التي لاتتناسب لا مع عادات وتقاليد المجتمع ولا مع الدين..
إذاً.. علينا أن نعود للقرآن في جميع تعاملاتنا وإعتقاداتنا وتحركاتنا في الحياة إذا أردنا السعادة ببناء حضارة عريقة ومجتمع صالح فالقرآن هو الحصن الذي يحمينا من تقلبات الحياة، فالحياة متقلبة والأفكار كذلك بل حتى التفكير فكثير من الناس من ينظرون إلى نتائج الأعمال وينبهرون بها ويتناسوا ويتغافلوا الوسائل التي أُستخدمت لجلب هذه النتائج وإن كانت النتائج حسنة، فلو تم بناء مسجد على سبيل المثال من مال مسروق علينا أن نحزن ونخجل لا أن نزغرد ونفرح ببناء المسجد وذلك بسبب أن أساس الشئ كان خاطئ وكذلك جميع النتائج المادية والمعنوية التي يُستخدم لها أساليب ملتوية لتحقيقها ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً • الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾[1] .
ولهذا على كل من يحمل في داخله النية السليمة والصادقة لبناء نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه وحضارته أن يستلهم رؤاه ونظرياته وتحركاته وعمله من القرآن، فلا منهج يعلو على كتاب الله فلنعود جميعاً لكتاب الله لنصحح مسيرنا وننظر من خلاله لأهدافنا فهو حبل الله الممدود بين الأرض والسماء وهو الكتاب الذي أمرنا رسول الله بالتمسك به بالاضافة للعترة، فهو الطريق للنجاة من النار في الآخرة وذلك بتنقية الأفكار والاعتقادات والعمل بها في الدنيا..
الأفكار والمعتقدات:
في هذا الزمن حيث يلتبس فيه الحق بالباطل والنافع بالضار والعلم بالجهل يحتاج الجميع وخاصة من يدعي العلم والمعرفة أن يلجأوا للقرآن لتصحيح الأفكار والمعتقدات الخاطئة التي لم تبنى على أساس سليم..
وهناك الكثير من الأفكار والرؤى تخالف القرآن ومازال البعض يتمسك بها ويظن -من يحمل هذه الأفكار- أنها هي التي توفر الحياة السليمة والرفاه الاقتصادي والماكسب السياسية وغيرها..
فالسياسة والاقتصاد وكل العلوم أو كما يعتبرها البعض فنون هي بدورها يستيطع الإنسان أن يمارسها تحت إطار الدين -حيث تكون النتائج والمكتسبات للدين- ويستطيع أيضاً أن يمارسها تحت إطار الأهواء والشهوات، فلا أعلم إذا فصل الانسان دينه عن السياسة فلمَ يسع لتحقيق تلك المكاسب؟!!
وكيف سيأمن سلامة الطريق الذي يسلكه؟!!
خصوصاً بأن السياسة «نصفها الأول نفاق والنصف الآخر منها نفاق» كما يقول أحد العلماء فهل سيأمن على نفسه من الغرق في وحلها، وهل ستكون الأهداف التي خاض الحروب والمعارك السياسية والاقتصادية من أجلها نبيلة وشريفة.. أتمنى ذلك.
إذاً.. «الاسلام ينطلق من القرآن والقرآن فية من التعاليم والأفكار التي لا يستطيع أي فكر أو نظريه أن يصل اليها أو يطرح بديلا مناسبا عنها»[2] والكثير من النظريات التي كان يعتقد بها الكثير من الناس تهاوت على مر الزمن ولم يبقى إلا القرآن شامخاً منذ عهد رسول الله وحتى يومنا هذا، بل مازال العلماء يكتشفون الإعجازات الموجودة في كتاب الله، حيث يقفوا حائرين أمام عظمة هذا الكتاب.
لهذا علينا أن نتخذ من القرآن دستوراً نعمل به ونتخذ قراراتنا وأفكارنا منه فهو الحق الذي من تمسك به أمن من الضلالة ومن عاد إليه بعد هجره كما الأعمى الذي رد إليه بصره فلنعود للقرآن..
ختاماً:
القرآن هو وسيلتنا لتصحيح مسار حياة الفرد والمجتمع فالأساليب المستخدمة في التعامل وكذلك الأسس والمصادر التي تكون مصدر بناء الأفكار لابد أن تكون مستوحاة من القرآن الذي هو لاريب فيه ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾[3] .
أسأل الله أن يوفقنا جميعاً للسير على هداه وفي الطريق المستقيم، وأن يوضح لنا ذلك الطريق السليم، وأن لانكون من المكابرين الذين يخسرون الدنيا والآخرة.
«سبحانك ما أضيق الطرق على من لم تكن دليله، وماأوضح الحق عند من هديته سبيله، إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك، وسيرنا في أقرب الطرق للوفود عليك»[4] . والله من وراء القصد،،
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الكهف.
[2] السيد الشيرازي.
[3] سورة البقرة.
[4] مفاتيح الجنان.