المسلم الممتلئ ثقة بدينه و أنه دين الله الحق ، والطريق الوحيد للهدى والصواب ، و أن ما عداه باطل و ضلال و إنحراف ، كيف يتّسع فكره و صدره للتعايش مع الديانات الزائفة حسب عقيدته و مع الشعائر الخرافية الفاسدة لتلك الديانات ، كعبادة النار والخضوع للأوثان ، و كنكاح المحارم و تقديس البقر ... ؟
إن تربية الإسلام و تعاليمه في الوقت الذي تبني فيه فكر الإنسان المسلم و مشاعره على أساس عبادة الله و توحيده والالتزام بدينه الحق فانها تركّز في نفس الوقت على احترام الإنسان كإنسان مهما كان دينه ما لم يكن معتديا ظالما أو محاربا للحق . فالناس " صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق " كما يقول الامام علي بن أبي طالب. (ع)
واحترام الإنسان يعني حرمة حقوقه المادية كجسده و ماله و حقوقه المعنوية كحريته و كرامته واختياره لدينه . من هنا يرفض الإسلام اضطهاد الناس على أساس دينهم أو اعتقاداتهم ، بل و يوصي الإسلام أبناءه بأن يكونوا المثل الأعلى في الأخلاق و حسن التعامل مع الآخرين ، حتى لا تحسب تصرفاتهم غير اللائقة على الإسلام فتشوّه سمعته و تنفّر الآخرين منه .
إن القرآن الحكيم يشجّع المسلمين على البرّ والإحسان للكفار غير المعادين المحاربين يقول تعالى : ( لاَ يَنهَاكُم اللَّهُ عَن الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَ لَم يُخرِجُوكُم مِن دِيَارِكُم أَن تَبَرُّوهُم وَ تُقسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ . (
و إذا كان مطلوباً من المسلم أن يدعو إلى دينه و أن يوضّح بطلان و فساد الأديان الإخرى إلا ان ذلك يجب أن يكون بأسلوب لائق لا يجرح مشاعر الآخرين و لا ينفّرهم ، يقول تعالى : ( وَ لاَ تُجَادِلُوا أَهلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُم . (
و ما أروع تأديب الإسلام لأبنائه و تربيته لهم على احترام الآخرين حينما ينهي القرآن الحكيم المسلمين عن سبّ أصنام الكفّار و أوثانهم !! لماذا ؟ لأن الكفار يعتبرون الأصنام مقدسات لهم ، و كل إنسان يدافع عن مقدساته وان كانت زائفة باطلة ، فإذا اعتدى المسلمون و أهانوا مقدسات الكفار فستكون ردة الفعل الطبيعية للكافرين إهانة و سبّ مقدسات المسلمين ، و لا يرضى الإسلام تبادل الإهانة والسبّ كلغة حوار و تعامل بين أصحاب الأديان فلنتأمل الآية الكريمة التالية و لتندبّر في أبعادها العظيمة ، يقول تعالى : ( وَ لاَ تَسُبُّواء الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرجِعُهُم فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ . (
فالآية الكريمة تلفت أنظار المؤمنين إلى عدة حقائق يجب أن يأخذوها بعين الاعتبار في تعاملهم مع الآخرين :
1 ـ إن كل أمة أو جماعة لها مبدأ فإنها تعتقد بقداسته و إن كان باطلا في نظر الآخرين ) كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ) .
2 ـ الإنسان مسؤول أمام ربه يوم القيامة ، و لا يحق لأحد في الدنيا أن يفتش عقائد الناس و يحاكمهم على أديانهم ، فذلك الأمر موكول لرب الخلق يوم الحساب .
3 ـ إن أي فعل تجاه الآخرين يسبب ردّ فعل من نوعه و جنسه ، فإذا كان المسلمون حريصين على احترام دينهم و مقدساتهم ، فعليهم أن يحترموا أديان الآخرين و مقدساتهم في ظاهر التعامل معهم و إلا فليتوقعوا الإهانة لمعتقداتهم حينما يسبّون معتقدات الآخرين .
و قد وردت أحاديث و نصوص كثيرة تؤكد على المسلمين حسن التعامل مع الآخرين . حيث ورد عن رسول الله : " ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " .
إن من حق كل من يعيش في ظل الإسلام أن يتنعم بالعدالة و يشمله التضامن والتكافل الإجتماعي و ان لم يكن مسلماً ، ففي عهد الإمام علي بن أبي طالب مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل ، أي يستجدي الصدقة من الناس ، فانزعج الإمام من هذا المشهد و قال : ما هذا ؟ و لم يقل : من هذا ؟ ذلك لان هذه الحالة غير مقبولة و لا مرضية بغض النظر عن دين صاحبها . و حينما أجابه أصحابه : هذا نصراني ! ردهم الإمام غاضبا بقوله : استعملتموه حتى إذا كبر و عجز منعتموه ! أنفقوا عليه من بيت المال .
و لم يكتف الإسلام باحترام الأحياء من إتباع سائر الأديان بل ترى النبي (ص) يحترم بنفسه أمواتهم و يأمرنا بذلك أيضا . ففي صحيح البخارى بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " مرّ بنا جنازة فقام لها النبي و قمنا به ، فقلنا يا رسول الله ، انها جنازة يهودي ! قال : " إذا رأيتم الجنازة فقوموا . "
و فيه أيضا " : كان سهل بن حنيف و قيس بن سعد قاعدين بالقادسية ، فمرّوا عليهما بجنازة ، فقاما ، فقيل لهما : انها من أهل الأرض ، أي من أهل الذمة ، فقالا : إن النبي مرّت به جنازة فقام فقيل له : انها جنازة يهودي ، فقال " : أليست نفساً . "
فهذا منطق الإسلام يرى للإنسان و حتى لجنازته بأي ملّة و دين كان حرمة و شأناً ما لم يتجاوز على حقوق غيره .
و عن رسول الله انه قال : "من آذى ذمياً فقد آذاني. "
بهذا الأسلوب و هذه التربية نجح الإسلام في تحقيق التوازن والتعادل في نفس الإنسان المسلم بين ثقته المطلقة بأحقية دينه و صوابيته و بين احترام سائر الأديان و أصحابها ، و قد تحدث (غوستاف لوبون) عن هذه الميزة الفريدة للإسلام بقوله " : إن الإسلام هو الذي علم الإنسانية كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين و قد كان يظنّ أنهما لا يجتمعان . "
كما أشار (هاملتون) إلى ذلك عند تعرضه لدراسات مقارنات الأديان فقال : العرب هم أول من ألفوا في الملل والنحل ، لأنهم كانوا واسعي الصدر تجاه العقائد الإخرى ، و حاولوا أن يفهموها و يدحضوها بالبرهان والحجة ، ثم انهم اعترفوا بما أتى قبل الإسلام من ديانات توحيدية .
وقد كتب أبو الريحان البيروني في أديان الهند في القرن الخامس من الهجرة ، فلم يمس عاطفة أحد من أهلها ، و كان إذا كتب عن نحلة يوهمك أنه هو أحد أبناء تلك النحلة لتلطّفه في وصف شعائرها .
و كان كتّاب العرب يذكرون جميع المخالفين بكل حرمة ، و في كتاب طبقات الأطباء لابن أبي اصيبعة ، و طبقات الحكماء لابن القفطي ، و طبقات الأدباء لياقوت ، والوافي بالوفيات للصفدي ، و في تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي أمثلة لهذا التسامح . فقد ترجم المؤلفون للنصارى واليهود والسامريين والمجوس كأنهم أبناء ملة واحدة .
* الشيخ حسن الصفار
إن تربية الإسلام و تعاليمه في الوقت الذي تبني فيه فكر الإنسان المسلم و مشاعره على أساس عبادة الله و توحيده والالتزام بدينه الحق فانها تركّز في نفس الوقت على احترام الإنسان كإنسان مهما كان دينه ما لم يكن معتديا ظالما أو محاربا للحق . فالناس " صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق " كما يقول الامام علي بن أبي طالب. (ع)
واحترام الإنسان يعني حرمة حقوقه المادية كجسده و ماله و حقوقه المعنوية كحريته و كرامته واختياره لدينه . من هنا يرفض الإسلام اضطهاد الناس على أساس دينهم أو اعتقاداتهم ، بل و يوصي الإسلام أبناءه بأن يكونوا المثل الأعلى في الأخلاق و حسن التعامل مع الآخرين ، حتى لا تحسب تصرفاتهم غير اللائقة على الإسلام فتشوّه سمعته و تنفّر الآخرين منه .
إن القرآن الحكيم يشجّع المسلمين على البرّ والإحسان للكفار غير المعادين المحاربين يقول تعالى : ( لاَ يَنهَاكُم اللَّهُ عَن الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَ لَم يُخرِجُوكُم مِن دِيَارِكُم أَن تَبَرُّوهُم وَ تُقسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ . (
و إذا كان مطلوباً من المسلم أن يدعو إلى دينه و أن يوضّح بطلان و فساد الأديان الإخرى إلا ان ذلك يجب أن يكون بأسلوب لائق لا يجرح مشاعر الآخرين و لا ينفّرهم ، يقول تعالى : ( وَ لاَ تُجَادِلُوا أَهلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُم . (
و ما أروع تأديب الإسلام لأبنائه و تربيته لهم على احترام الآخرين حينما ينهي القرآن الحكيم المسلمين عن سبّ أصنام الكفّار و أوثانهم !! لماذا ؟ لأن الكفار يعتبرون الأصنام مقدسات لهم ، و كل إنسان يدافع عن مقدساته وان كانت زائفة باطلة ، فإذا اعتدى المسلمون و أهانوا مقدسات الكفار فستكون ردة الفعل الطبيعية للكافرين إهانة و سبّ مقدسات المسلمين ، و لا يرضى الإسلام تبادل الإهانة والسبّ كلغة حوار و تعامل بين أصحاب الأديان فلنتأمل الآية الكريمة التالية و لتندبّر في أبعادها العظيمة ، يقول تعالى : ( وَ لاَ تَسُبُّواء الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرجِعُهُم فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ . (
فالآية الكريمة تلفت أنظار المؤمنين إلى عدة حقائق يجب أن يأخذوها بعين الاعتبار في تعاملهم مع الآخرين :
1 ـ إن كل أمة أو جماعة لها مبدأ فإنها تعتقد بقداسته و إن كان باطلا في نظر الآخرين ) كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ) .
2 ـ الإنسان مسؤول أمام ربه يوم القيامة ، و لا يحق لأحد في الدنيا أن يفتش عقائد الناس و يحاكمهم على أديانهم ، فذلك الأمر موكول لرب الخلق يوم الحساب .
3 ـ إن أي فعل تجاه الآخرين يسبب ردّ فعل من نوعه و جنسه ، فإذا كان المسلمون حريصين على احترام دينهم و مقدساتهم ، فعليهم أن يحترموا أديان الآخرين و مقدساتهم في ظاهر التعامل معهم و إلا فليتوقعوا الإهانة لمعتقداتهم حينما يسبّون معتقدات الآخرين .
و قد وردت أحاديث و نصوص كثيرة تؤكد على المسلمين حسن التعامل مع الآخرين . حيث ورد عن رسول الله : " ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " .
إن من حق كل من يعيش في ظل الإسلام أن يتنعم بالعدالة و يشمله التضامن والتكافل الإجتماعي و ان لم يكن مسلماً ، ففي عهد الإمام علي بن أبي طالب مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل ، أي يستجدي الصدقة من الناس ، فانزعج الإمام من هذا المشهد و قال : ما هذا ؟ و لم يقل : من هذا ؟ ذلك لان هذه الحالة غير مقبولة و لا مرضية بغض النظر عن دين صاحبها . و حينما أجابه أصحابه : هذا نصراني ! ردهم الإمام غاضبا بقوله : استعملتموه حتى إذا كبر و عجز منعتموه ! أنفقوا عليه من بيت المال .
و لم يكتف الإسلام باحترام الأحياء من إتباع سائر الأديان بل ترى النبي (ص) يحترم بنفسه أمواتهم و يأمرنا بذلك أيضا . ففي صحيح البخارى بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " مرّ بنا جنازة فقام لها النبي و قمنا به ، فقلنا يا رسول الله ، انها جنازة يهودي ! قال : " إذا رأيتم الجنازة فقوموا . "
و فيه أيضا " : كان سهل بن حنيف و قيس بن سعد قاعدين بالقادسية ، فمرّوا عليهما بجنازة ، فقاما ، فقيل لهما : انها من أهل الأرض ، أي من أهل الذمة ، فقالا : إن النبي مرّت به جنازة فقام فقيل له : انها جنازة يهودي ، فقال " : أليست نفساً . "
فهذا منطق الإسلام يرى للإنسان و حتى لجنازته بأي ملّة و دين كان حرمة و شأناً ما لم يتجاوز على حقوق غيره .
و عن رسول الله انه قال : "من آذى ذمياً فقد آذاني. "
بهذا الأسلوب و هذه التربية نجح الإسلام في تحقيق التوازن والتعادل في نفس الإنسان المسلم بين ثقته المطلقة بأحقية دينه و صوابيته و بين احترام سائر الأديان و أصحابها ، و قد تحدث (غوستاف لوبون) عن هذه الميزة الفريدة للإسلام بقوله " : إن الإسلام هو الذي علم الإنسانية كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين و قد كان يظنّ أنهما لا يجتمعان . "
كما أشار (هاملتون) إلى ذلك عند تعرضه لدراسات مقارنات الأديان فقال : العرب هم أول من ألفوا في الملل والنحل ، لأنهم كانوا واسعي الصدر تجاه العقائد الإخرى ، و حاولوا أن يفهموها و يدحضوها بالبرهان والحجة ، ثم انهم اعترفوا بما أتى قبل الإسلام من ديانات توحيدية .
وقد كتب أبو الريحان البيروني في أديان الهند في القرن الخامس من الهجرة ، فلم يمس عاطفة أحد من أهلها ، و كان إذا كتب عن نحلة يوهمك أنه هو أحد أبناء تلك النحلة لتلطّفه في وصف شعائرها .
و كان كتّاب العرب يذكرون جميع المخالفين بكل حرمة ، و في كتاب طبقات الأطباء لابن أبي اصيبعة ، و طبقات الحكماء لابن القفطي ، و طبقات الأدباء لياقوت ، والوافي بالوفيات للصفدي ، و في تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي أمثلة لهذا التسامح . فقد ترجم المؤلفون للنصارى واليهود والسامريين والمجوس كأنهم أبناء ملة واحدة .
* الشيخ حسن الصفار
تعليق