صدر حديثا عن دار العلوم:
{فقه السِّحر}
لسماحة العلامة السيّد محمّد علي ّ الحسينيّ
-اللبنانيّ-
فيه:
المبحث الأول: تعريفات
المبحث الثاني: أدلة وجود السِّحر
المبحث الثالث: فقه السحر
المبحث الرابع: التحصُّن والتحرُّز من السِّــحر
المبحث الخامس:كشف السِّــحر ومعرفة المسحور
المبحث السادس: حلّ وعلاج السِّحر
فِقهُ السِّحر
تأليف
السيّد محمّد عليّ الحسينيّ
(اللبنانيّ)
والحمد لله الذي أبطل سحر الشياطين، وعطّل عمل سحرة فرعون أجمعين، ونصر نبيه موسى {ع} عليهم حتى عرفوا أنه الحق من ربِّهم وربِّ العالمين، فخرّوا له ساجدين.
ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين خاتم الأنبياء والمرسلين محمد {ص} وعلى آله الأئمة الهداة المعصومين من عليّ بن أبي طالب{ع} إلى الحسن {ع} والحسين {ع} والتسعة المعصومين من بنيه صلوات الله عليهم أجمعين ولعنته على أعدائهم من الإنس والجنّ والشياطين.
وبعد:
فإنَّ السِّحر - والمراد به هنا تسخير الجنِّ وتسليطهم على إنسان ما أو مستلزماته أو متعلقاته - لأمر وجوديٍّ حقيقيٍّ قديمٍ لا مجال لإنكاره أو الاستخفاف أو الاستهانة به.
فالسحر موجود له تأثيره وأضراره بإذن الله وعلمه، كما دلَّت على ذلك جملة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وروايات المعصومين.
ومن هنا كثرت علينا الاتصالات الخارجية والداخلية بغية السؤال والاستفسار عن السِّحر، وحقيقة وجوده ومضارَّه، وكيف السبيل للخلاص والعلاج منه، هذا فضلاً عن أن عدداً من الاتصالات كانت لشرح ما يحصل لها وشكاية حالها.
فوجدنا أنه من المهمِّ والمناسب جدًّا كتابة شيء عن السِّحر نفقِّه من خلاله الفرد والمجتمع، ونعرِّفه حقيقة السِّحر وحرمة تعلُّمه وتعليمه وعمله، وخطورة فعله وسوء عاقبته، وبنفس الوقت التنبيه والإرشاد والتحذير منه ومن صنّاعه وفاعليه ومن أصحاب الخدع والمدّعين، ومن عدم جواز الذهاب إليهم لكي لا يقع أحد بحبائلهم.
فكانت تسمية الكتاب بـ «فقه السحر» انطلاقاً من الفقه الجعفري ورأيه بالسِّحر، وعلى أن بحثنا ورأينا نابع من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الواردة عن أهل البيت {ع}، وكذلك فإن السِّحر موجود في الكتب الفقهية باب المكاسب المحرَّمة.
ومن هنا نقول:
إننا نؤمن بوجود السِّحر أو الأعمال أو الكتيبة وأنَّ لها تأثيراتٍ محدودة على الإنسان بإذن الله ، وهي بمثابة الداء، وعلاجه الصحيح ودواؤه لا يكون بسحر آخر، بل يكون باللجوء إلى الله والاستعانة به، وبتقوية الإيمان والالتزام بالعقيدة، ومن ثم الاستشفاء بالقرآن الكريم الذي فيه الشفاء من كلّ آفة وداء بالإضافة إلى التحرُّز بالأدعية والأذكار والتعويذات الواردة عن أئمة أهل البيت {ع} بهذا الخصوص.
نسأل الله القويَّ العزيز أن يقيَ شيعة عليٍّ أمير المؤمنين N من السِّحر والساحرين، ويجعل كتابنا هذا فيه المنفعة والفائدة المرجوَّة إن شاء الله ربُّ العالمين. واللهُ من وراء القصد عليم.
محمد علي الحسيني
لبنان، بيروت، الضاحية الجنوبية، الرويس، مقابل البنك الفرنسي، بناية كاتب العدل، الطابق الثاني.
لبنان/بيروت المحتاج إلى رحمة الله محمد بن علي الحسيني
WWW.banihashem. org
Tel: 009613961846
Tel fax: 009611547249
J_b_hashem@hotmail. com
تعريفات:
خصصنا هذا المبحث لذكر بعض المصطلحات الخاصَّة بعالم السِّحر وتعريفها بشكل واضح ويسير ليفهمه القارىء إن شاء الله. بالإضافة إلى لمحة تعريفيَّة عن أقسام السحر وأنواعه.
السِّحر:
للسِّحر عدة تعاريف لكن أهمها وموضع بحثنا هو:
«استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه» .
وبعبارة أخرى:
«السِّحر عزائم وعقد وأقسام يمارسها ويفعلها الساحر مع الجنّ بغية التأثير على قلب أو بدن أو متعلقات المسحور» .
الجنّ:
الجنّ من مخلوقات الله ومن المكلفين بالطاعة والعبادة .
وكذلك فإن الجنَّ من المحاسبين يوم القيامة.
بمعنى أنه سوف يكون لكما حساب أيها الإنس والجان. وللجنِّ سورة خاصة مستقلَّة في القرآنِ الكريم.
فالنتيجة أن الجنَّ مخلوقاتٌ موجودة حالهم حال الإنس لهم حياتهم الخاصَّة لكنهم يعيشون معنا وفي عالمنا ومنهم ذكور وإناث ويتوالدون ويموتون، بيد أننا في أغلب الحالات لا نراهم. وهم على أصناف عدة نذكر منها:
الشيطان:
وهو من أصناف الجنّ لكنه أخبث وأعصى من غيره من الجن. لذا يقال: لكل خبيث أو فتان أو مضلل بأنه شيطان سواء من الإنس أو الجنّ.
المارد:
وهو أزيد من الشيطان خبثاً وعصياناً. ومن بعده العفريت فهو من الشياطين المردة القوية.
الأعمال أو الكتيبة:
قد يطلق أو يصطلح على السِّحر في منطقة معينة باسم «الأعمال»، وقد يسمّى بـ «الكتيبة» إلا أنه وإن تعددت الأسماء فإن المقصود واحد وهو السِّحر. أعاذنا الله منه.
علاقة الجنّ والإنس بالسِّـــحر
عرفت معنى السِّحر وكذا الجنّ ويبقى الرابط والعلاقة بينهما وبين الإنسان فنقول: إن علاقة السِّحر بالجنِّ علاقة أصلية أساسيّة فعليّة لا تنفكّ بل لا يكون سحرٌ بدون جنّ كما لا يكون سحر بدون ساحر. والعلاقة تبدأ من الإنسان الذي يعمل السحر أو الأعمال أو الكتيبة ثم يستعين بالجنّ .
فالجنّ إذاً أصليٌّ ومؤثر في حدوث السِّحر بل هو الموكل إليه مهمة الأعمال السِّحرية والتسلط والإضرار بالمسحور. ومن دونه يكون العمل أو السِّحر من دون ضرر وتأثير.
أقسام السِّــــحر:
كما علمت إنَّ للسِّحر آثاراً وأضراراً ومفاسد عديدة ومتنوعة حسب ما يكون هدف ومراد السَّاحر، ويمكن أن نقسم ذلك حسب الاستقراء:
1 - سحر الخيال: وهو يختصّ في التأثير على خيال الإنسان من حيث تشويش الأفكار وجعل المسحور بحالة ضياع وعدم تركيز بل يُخَيَّلُ له أشياء غير واقعية وليس لها وجود..
2 - سحر التفرقة: وهو ما يعبَّر عنه تارة بسحر الكراهة وآخر بسحر الصَّرْف والمراد من ذلك التفرقة وإيجاد الكراهة بين شخصين، وبالأعمِّ الأغلب بين زوجين ومتحابَّيْن أو خطيبين.
فبعد عمل السِّحر يصبح المسحور لا يتصور الشخص الآخر المراد كراهته وإبعاده عنه حتى ينفر الزوج من زوجته أو العكس، وينفر الشابُّ من أهله وينصرف الصَّديقُ عن صديقه بسبب هذا السِّحر.
وهذا النوع من السِّحر كثير الاستخدام عند أصحاب الضمائر الميتة والقلوب العفنة والنفوس الخبيثة لذا إياكم ثم إياكم من الاستعانة بغير الله واللجوء إلى الجنّ وأذيَّة الناس، فمن آذى إنساناً كأنما آذى الناس جميعاً، عليه لعنة الله وأنبيائه ورسله والملائكة والناس أجمعين.
3 - سحر المحبَّة: وهذا السحر عكس سحر التفرقة فإنّ سحر المحبَّة غالباً ما تقوم به النساء كالأم تعمل لأولادها، والزوجة تعمل لزوجها بغية استعطافه واستمالته وجذبه، أو يعمل شابٌّ أو شابَّةٌ من أجل الجذب أو الزواج أو ما شابه.
وهذا السِّحر كأمثاله من أقسام السِّحر محرَّم فلا ينخدع أحد أنَّ هناك سحراً حلالاً وسحراً حراماً أو أنَّ هناك سحراً فيه مصلحة وآخر مفسدة أبداً وسحر أبيض وأسود، فالسِّحر شرٌّ مطلق ومحرَّم، وهذا ما دلَّت عليه بوضوح هذه الرواية عن رسول الله {ص} : «إن امرأة أقبلت إليه وقالت: يا رسول الله! إنَّ لي زوجاً وله عليّ غلظة، وإني صنعت به شيئاً لأعطفه عليّ؟ فقال : أفّ لكِ: كدرت دينك! لعنتك الملائكة الأخيار، لعنتك ملائكة السماء، لعنتك ملائكة الأرض» .
أمِّي أختي المؤمنة اتَّقي الله ولا تستعيني إلا به، واعلمي أنَّ السِّحر رجس من عمل الشيطان فلا تقربيه. فلا سحر أبيض ولا أسود، وكلُّه حرام وكفر مطلق.
4 - سحر الربط: وهو سحر يؤثر في عضو الرجل والمرأة بحيث يربط ويعقد الرجل أو المرأة فيعجز الرجل عن إتيان المرأة، وكذلك تربط المرأة وتعقد بحيث تارة لا يمكن للرجل مقاربتها وإتيانها وما شابه ذلك، وأشارت الآية الكريمة إلى سحر الربط بقوله تعالى .
5 - سحر وقف الحال: وتأثير هذا السِّحر ليس على جسد الإنسان أو عقله، بل تتعلق آثاره بوقف عمل معين أو وقف تجارة ما أو إصابة السيارة أو المحلّ بالكساد ومنع الزبائن، وكذلك فإن هذا السحر يؤثر في عدم تزويج المرأة أو الرجل فيعطل الخطبة والزواج أو الإعجاب وما شابه.
6 - سحر التبلُّد: وهذا النوع من السِّحر له تأثير على عقل الإنسان وذهنه، وخصوصاً للطلاب المتميزين بالذكاء والفطنة في دراستهم فبعد السِّحر يصبح المسحور على درجة من الغباء أو عدم الفهم والاستيعاب، وتتغير أحواله. وعلى العموم هناك أنواع أخرى من السِّحر نذكرها بالاسم: سحر النزيف للمرأة، سحر ربط اللِّسان، سحر العقم، سحر سرعة القذف، سحر الوسواس، سحر الضلالة، سحر المعادن، سحر النشفان، سحر الجنون، سحر النسيان، سحر الهواتف والأحلام.
أنواع السِّـــحر:
كما عرفت إن للسِّحر أقساماً، وكذلك فإنه أنواع أيضاً من حيث التأثير وهو على الشكل التالي:
1- السِّحر البدني: وهو ما يكون تأثيره مقتصراً على بدن المسحور كسحر الربط وسحر النزيف وسحر العقم وسحر المرض وسحر النشفان.
2- السِّحر النفسي: وهو ما يكون تأثيره مقتصراً على عقل وقلب وروح المسحور، كسحر التخيُّل والتفرقة والمحبة، وسحر التبلُّد، وسحر الضلالة والوسواس، وسحر الجنون وسحر الهواتف.
3- السِّحر المشترك: وهو ما يكون تأثيره على جسم ونفس المسحور أي أنه سحر مركب من سحر بدني ونفسي.
4- السِّحر الخارجي: وهو ما يكون تأثيره على تجارة أو عمل الإنسان أو مستلزماته ومتعلقاته كسحر وقف الحال.
إلى هنا عزيزي القارىء ننهي المبحث الأول بعدما عرفت شيئاً عن السِّحر وأقسامه وأنواعه لنشرع في إثبات وجود السِّحر وحكم الشريعة فيه.
أدلة وجود السِّــــحر:
الحق يقال: إن السِّحر لأمر وجودي بل أصبح بديهيًّا فلا يحتاج لإقامة الدليل عليه ولا إعطاء البرهان، لكن من باب التأكيد بالنسبة للمؤمنين وإقامة الدليل والبرهان بالنسبة للمنكرين عبر القرآن الكريم والسنة.
القرآن الكريم المنزّل من عند رب العالمين يوجد فيه آيات كثيرة تتحدث بل تؤكد وجود السِّحر وتأثيره وأضراره، وهذا إن دلّ على شيء فإنَّما يدلّ على وجود السِّحر بلا شك ولا ريب، وإليكم بعض الآيات الصريحة بذلك:
1 - قال تعالى: { 9 : ؛ چ = عع ؟ ژ ء آ أ ؤ إ ئ ا ب ة ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ [ گ ] ء _ . ف ق ك ل م ن ه و ى ي ً ٌ ٍ َ ُ ِ ّ ْ ُ لله ـ پ ؟ » « { (ص) } ~ ! " £ $ } .
وفي قوله تعالى: { ژ ء آ } هذا يدلُّ على أن السِّحر موجود وهو بمنزلة الكفر. وموضع الشاهد الآخر هو قوله تعالى: { ئ ا ب } وهذا يدل على وجود السِّحر وأنه علم من العلوم الوجودية.
وقوله: { ] ء _ . ف ق } وهذا يدلُّ على آثار وأضرار السِّحر وعلى أنَّ له واقعاً ووجوداً.
2 - قوله تعالى: { د ذ ر ز س } .
والمراد بالنفَّاثات السَّواحر اللواتي يمارسن السحر بعقد الخيط وهذا دليل على وجود السحر من جهة، ومن أخرى يعرفنا أسلوباً وطريقة من أساليب وطرق السِّحر وهي النفث في العقد. ومن هذا يتضح أن السِّحر حقيقة وليس خيالاً وأنَّ له وجوداً وضرراً على الإنسان.
3 - قوله تعالى: { أ ؤ إ ئ ا ب ة ت ث ج ح خ د ذ ر ز س } .
الآية صريحة بأن السِّحر موجود، وله أثر وضرر وهو آفة وداء، وهو من عمل المفسدين، وكذلك توضح لنا الآية أن لهذا السحر علاجاً مشروطاً يبطله بإذن الله L فإن الله لا يصلح عمل المفسدين.
على العموم تبين لنا من خلال الدليل الصحيح وهو القرآن الكريم أن السِّحر موجود وله واقع وحقيقة، وبالتالي له أضراره وآثاره على الإنسان بيد أن لكل مشكلة حلًّا ولكل داء دواءً وسوف نتحدث عن دواء وعلاج السِّحر، وإبطاله لاحقاً إن شاء الله تعالى.
السنّة:
الدليل والبرهان الثاني على وجود السحر السنّة الشريفة ونقصد بها أحاديث وروايات رسول الله C : { ُ ِ ّ ْ 3 ُ لله ـ پ 4 } . وكذلك أهل بيته S فهم الأئمة المعصومون من كلّ ذنب، المطهرون من كلّ رجس، وهم شركاء القرآن، فمن خلال الأحاديث الواردة في السنّة الشريفة يتضح لنا أن السِّحر حقيقة وجودية لا خيالية وهمية وأنَّ للسِّحر واقعاً وآثاراً لها علاجها عبر الأدعية والأذكار، وإليكم بعضاً من هذه الأحاديث:
1- عن أمير المؤمنين عليّ N : « .. السِّحر حقّ » .
دلالة هذا الحديث أن السحر موجود وهو حقيقي وليس بخيال أو وهم.
2- وعنه N : «أقبلت امرأة إلى رسول الله C فقالت: يا رسول الله! إنّ لي زوجاً وله عليّ غلظة، وإنّي صنعت به شيئاً لأعطفه عليّ؟ فقال رسول الله C : أفٍّ لكِ، كدرت دينكِ! لعنتك الملائكة الأخيار، - قالها ثلاث مرات - لعنتكِ ملائكة السماء، لعنتك ملائكة الأرض» .
لهذا الحديث دلالات عدّة وهي أن السِّحر موجود أولاً.
وثانياً: للسِّحر أثر وتأثير على الإنسان.
ثالثاً: أن عمل السِّحر محرَّم، وفاعله مرتكب للذنب العظيم، وهو بالتالي ملعون ومُبْعَدٌ عن رحمة الله تعالى أعاذنا الله من السِّحر وفاعليه.
3- عن أمير المؤمنين عليّ N : « من تعلم شيئاً من السِّحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربّه، وحدّه أن يقتل إلا أن يتوب » .
معنى هذا الحديث أن السحر موجود وأنه محرَّم وأن تعلمه وكذا فعله كفر، وعقوبة فاعله القتل إلا أن يتوب منه.
قد بينّا من خلال هذه الأحاديث أن السِّحر موجود وله آثار وأضرار كذلك يتضح وينكشف لنا ذلك عبر الأدعية والأذكار والمعوذات الواردة عن أئمة أهل البيت S من أجل التحرز من السِّحر وإبطال مفعوله وإيقاف أذاه وضرره، ولولا أن السِّحر له حقيقة لما جاء الأمر بالاستعاذة منه، ونجدها في كتاب مفاتيح الجنان ومصباح الكفعمي وسوف ننقلها لكم في هذا الكتاب في بحث العلاج من السِّحر إن شاء الله L .
أقوال العلماء:
بعدما انتهينا من الاستدلال على وجود السحر وأضراره عبر الآيات الكريمة والروايات نختم البحث بأقوال علماء الشيعة الإمامية الجعفرية الإثني عشرية حول حقيقة وجود السِّحر:
1- جاء عن الطوسي شيخ الطائفة - أعزها الله - «السحر له حقيقة، ويصح منه أن يعقد، ويرقي، ويسحر فيقتل، ويمرض، ويكوع - أي يعوج - الأيدي ويفرق بين الرجل وزوجته» . وقال كذلك: «في روايتنا أن السِّحر له حقيقة» .
2- وعن المحقق الأردبيلي: «الظاهر أن للسِّحر حقيقة» .
وقال بحقيقة وجود السِّحر عدد كبير من علمائنا .
بل الكل أجمعوا على حرمة تعلمه ، وتعليمه وعمله، وأن فعله كفر وفاعله يستحق الموت إلا أن يتوب، ولذا أقول: لولا أن للسِّحر حقيقة ووجوداً لما كان هناك أحكام تحرِّم تعليمه وتعلُّمه وفعله، لذا ثبت أن للسِّحر حقيقة ووجوداً.
نختم بحثنا هذا بعدما أكدنا على وجود السِّحر وآثاره من خلال الآيات والروايات وأقوال العلماء.
فقه السحر:
بعدما استدلينا في المبحث السابق على وجود السِّحر نأتي هنا إلى الشريعة الإسلامية وانطلاقاً من فقه المذهب الشيعي الجعفري الإثني عشري لنفهم ونفقه رأي شريعتنا بالسِّحر.
1 - السِّحر كفر: قال تعالى: { ژ ء آ أ ؤ إ ئ ا ب ة ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ [ گ ] ء _ . ف ق ك ل م ن ه و ى ي ً ٌ ٍ َ ُ ِ ّ ْ ُ لله ـ پ ؟ » « { (ص) } ~ ! " £ $ } .
ومعنى الكفر هنا السِّحر، وعلى أن نبيَّ الله سليمان لم يكن ساحراً أي كافراً. فنفقه عندئذٍ أن الله تعالى حرَّم السِّحر ونزَّله منزلة الكفر لما فيه من المفاسد والأضرار وإيجاد الشر والباطل في المجتمع. وعن أمير المؤمنين N : « السَّاحر كالكافر في النار » .
وكذلك عنه N : « من تعلم شيئاً من السِّحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر ».
2 - السِّحر فساد: قال تعالى: { أ ؤ إ ئ ا ب ة ت ث ج ح خ د ذ ر ز س } .
وضَّحت الآية أن السِّحر فساد وليس صلاحاً والساحر فاسد وعمله كذلك، واللهُ، L حرَّم الفساد والمفسدة، وبالتالي حرم السحر.
3 - السِّحر من كبائر الذنوب: عن الإمام الصادق N عدّ السِّحر من كبائر الذنوب حيث قال N : « والسِّحر - أي من كبائر الذنوب - لأن الله تعالى يقول: { ّ ْ ُ لله ـ پ ؟ » « } ». فعد السِّحر من كبائر الذنوب إنما هو دلالة على عظيم خطره ومفسدته للإنسان والمجتمع.
4 - السِّحر مانع من الجنة: عن رسول الله C : « ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم » .
فالحديث يدلّ على أن السِّحر محرم كالخمر تماماً وعلى أن فاعله لا يدخل الجنة، ومفهوم ذلك أن الساحر ليس له نصيب بالجنة بل مكانه النار بسبب عمله للسحر، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: { ّ ْ ُ لله ـ پ ؟ » « { (ص) } ~ ! " £ $ } أي ليس له مكان في الجنة.
5 - جزاء السَّاحر القتل: من الأدلة التي تدل على حرمة السِّحر وتكشف لنا قذارة هذا العمل وأنّ جزاء وحكم ساحر المسلمين القتل بعبارة أن السِّحر كالسيف وفاعله كمن ضرب بالسيف يقتل، لذا نقول: إن السِّحر أداة للقتل والأذية فلا يتهاون أو يستخفّ أحد به، انتبهوا لذلك كثيراً فلا يقدم أحد على فعل السحر فيكون حكمه القتل لكن بشروط موجودة في محلِّها. كما أشارت إلى ذلك الأحاديث عن رسول الله C : « ساحر المسلمين يقتل » .
وعنه C : « إذا أخذتم الساحر فاقتلوه » .
وعن أمير المؤمنين N : « فإذا شهد رجلان عدلان على رجل من المسلمين أنه سحر قُتل » .
فالساحر يقتل لقتله الناس ولإفساده في الأرض.
نصيحتنا:
لكلّ من أقدم على فعل السحر أن يتوجه إلى الله L ويدقَّ بابه لطلب التوبة النصوح فإن باب التوبة مفتوح والله غفور رحيم ثم يستغفر الله ويندم على عمله ويبطل العمل ويستغفر للمسحور ولا يعود إلى مثل هذه الأعمال الفاسدة أبداً.
6 - الساحر محطّ لعن الملائكة: الملائكة تسبح الله L وتستغفر للمؤمنين المطيعين وتلعن الكافرين والمنافقين العاصين فميز أن الاستغفار واللعن عند الملائكة هو الطاعة والمعصية.
والساحر قطعاً ويقيناً هو من العاصين الملعونين - أعاذنا الله منهم - وفيه المعصية. لذا يكون الساحر ملعوناً من قبل الملائكة ومبعداً عن رحمة الله L ، والمبعد عن رحمة الله يكون في سخط الله تعالى، ونؤكد على لعنة الساحر بهذا الحديث المروي عن رسول الله C : «أقبلت امرأة إلى رسول الله C فقالت: يا رسول الله! إنَّ لي زوجاً وله عليّ غلظة، وإني صنعت به شيئاً لأعطفه عليّ؟ فقال C : أفٍّ لكِ: كدرت دينك! لعنتك الملائكة الأخيار، لعنتك ملائكة السماء، لعنتك ملائكة الأرض» .
يرجى الانتباه أن حرمة السِّحر تشمله مطلقاً ولكلِّ أقسامه وأنواعه سواء أكان سحراً من أجل التفرقة أو سحراً من أجل المحبة والعطف، فكل أنواع السحر محرَّم، وكذلك فإن فاعله ملعون ومبعد عن رحمة الله تعالى.
7 - السحر شرك بالله تعالى: نحن نقرأ كل يوم في صلاتنا سورة الفاتحة ونتلو الآية الكريمة: { . / 0 1 } فالمؤمن حقاً هو الذي تنحصر طاعته وعبادته بالله وحده وكذلك لا يطلب العون ولا الاستعانة إلا منه.
أما الساحر فهو من يلتجىء إلى الشيطان ويطيعه ويعصي ربه الذي نهاه عن التوجه إلى الشيطان وعبادته، قال تعالى: { ب ة ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش } .
وكذلك فإن المؤمن لا يطلب الاستعانة إلا من ربه لكن الساحر يطلب العون والمساعدة من الشيطان. فيكون الساحر مشركاً بربه كما قال رسول الله C : «السِّحر والشرك مقرونان» .
فالنتيجة أن السِّحر كالشرك، والشرك ذنب عظيم، ومكان المشرك الطبيعي مع مشروكه وهو في نار جهنم أعاذنا الله وشيعة فاطمة بنت محمد X منه.
8 - المشي إلى السّاحر كفر: من شدة فساد وضرر السِّحر نبهت الشريعة وجعلت التوجه إلى السّاحر محرَّماً من باب مقدمة الحرام، ونزَّلت الماشي إلى السّاحر منزلة الكافر العابد لغير الله والمشرك به والمستعين بغيره كما في الحديث عن رسول الله C : « من مشى إلى ساحرٍ أو كاهنٍ أو كذابٍ يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب » .
تنبيه:
«إيَّاكم والذهاب إلى السَّحرة والمشعوذين والعرّافين والمنجمين، واحذروا منهم ومن خدعهم بل أنكروا عليهم وقاطعوهم».
إلى هنا نكون قد نقلنا بعضاً من الآيات والروايات التي تدلّ على حرمة السِّحر وجزاء فاعله ولو شئنا لجئنا من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك الكثير، ولكن المجال لا يسع، وهدفنا هو النوعية لتفقيه الناس وتحذيرهم من عمل السحر لا الكمية، لذا نعتقد أن المراد حصل إن شاء الله.
9 - أقوال العلماء: مادام عنوان المبحث هو فقه السحر فلابد لفقهاء الإمامية من قول ورأي، وخصوصاً أنه لا يكاد مبحث السّحر يفارق كتبهم - أعزهم الله - ولا رسائلهم العملية ضمن باب المكاسب المحرَّمة ومن هنا سوف نبدأ بعرض أقوال الفقهاء:
1 - الشيخ الطوسي T : «تعلُّم السِّحر وتعليمه والتكسُّب به وأخذ الأجرة عليه حرام محظور» .
2 - المحقق الحلي T : «محرم في نفسه... تعلم السِّحر» .
3 - العلامة الحلي T : «تعلُّم السِّحر وتعليمه حرام» .
4 - المحقق الكركي T : «... يحرم تعلُّم السِّحر وتعليمه» .
5 - السيد محمد العاملي T : «يحرم تعلُّم السِّحر وتعليمه» .
6 - الشيخ الجواهري T : «من المحرَّمات لنفسها تعلُّم شيء من السِّحر للعمل وتعليمه كذلك وعمله» .
7 - الشيخ مرتضى الأنصاري T : «السِّحر حرام في الجملة بلا خلاف، بل هو ضروري والأخبار به مستفيضة» .
8 - السيد صادق الشيرازي (دام ظله): «السِّحر حرام، وكذا مراجعة السَّحرة» .
9 - السيد الخوئي T والسيد محمد الروحاني T : «عمل السِّحر حرام، وكذا تعليمه وتعلُّمه والتكسُّب به» .
10- السيد السيستاني (دام ظله): «السِّحر بجميع أشكاله وأنواعه حرام» .
11 - السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظله): «من المحرمات السِّحر» .
إلى هنا نكون قد سردنا بعضاً من أقوال فقهائنا ومراجعنا العظام من القدماء والمتأخرين مع القول والتأكيد بأن إجماع الفقهاء عندنا قائم على حرمة السِّحر فمن كان يؤمن بالله وأنبيائه ورسله والأئمة S ويقلد الفقهاء يجب أن يعلم أن السِّحر حرام تعلُّمه وتعليمه وفعله والتكسُّب منه، ومن يفعل ذلك فقد كفر وفسد دينه، وقصاصه وحدُّه القتل مع كامل شروطه. التحصُّن والتحرُّز من السِّــحر:
قد عرفت أن للسِّحر حقيقة ووجوداً وأضراراً وآثاراً مفسدة ومؤذية تصيب الشخص المسحور ويأتي السؤال كيف السبيل للتحصُّن والتحرُّز من أعمال السِّحر. جوابه هو التالي:
الإيمان العميق والاعتقاد القويُّ بالله L ، ومن ثم ذكر بعض الأدعية التي تقي من السِّحر وتحمي الإنسان من الجنِّ وأعماله ولا ننسى أن للدعاء أهمية في ذلك فالدعاء سلاح المؤمن.
على العموم سوف نذكر لكم بعضاً من الأدعية والأذكار والأعمال الواردة والصادرة عن أهل البيت S والتي فيها ومن خلالها إن شاء الله يكون الإنسان المؤمن محصَّناً ومحميًّا من السحر والشيطان.
وصايا عامَّة:
هذه وصايا ينبغي العمل بها على أيِّ حال:
إلى هنا نكون قد نقلا لكم بعض ما جاء في كتاب :
سماحة السيد محمد علي الحسيني{فقه السحر}.
تعليق