ماهي الصورة التي يرسمها مخيال أعداء ( محمد ) والمناوئين له ولدعوته ؟.
وما هي الاهداف المبتغاة من وراء هذا الرسم لملامح شخصية الرسول ؟.
ألم يأتي ( محمد ) بكل ماهو شرير ؟.
*******************************
يذكر لنا التأريخ وكذا الوثيقة المقدسة للمسلمين ( القرءان الكريم ) ان (محمدا ) تعرض لضغوط نفسية واخرى مادية كبيرة ابّان الصدوع بدعوته الاسلامية ، كما وانّه أخضع لمنظومة كبيرة من الحرب الدعائية ضد شخصه المحترم وضد مضامين دعوته الرسالية الخطيرة ، وكل ذالك كان يندرج تحت بند الحرب وبكل ماتعني هذه الحرب من ادوات ترتقي مرة الى حد القسوة المفرطة في استعمال العنف كالتعذيب لاتباع ( محمد ) وانصاره والقتل والتشريد بهم ، وكالتشويه لمشروعهم والنيل من كراماتهم مرة أخرى ،؟.
ونحن - حقا - عندما نحاول البحث في ادوات هذه الحرب والياتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والنفسية ....الخ التي شنّت على ( محمد ) ودعوته ، فنحن وبمعنى آخر نبحث عن عمق الصراع الذي اثارته دعوة (محمد) والاطلاع على هذه الاساليب السياسية المتبعة آنذاك يطلعنا من جانب آخر على مدى قوة المعركة المصيرية التي كانت موجودة ولم تزل بين دعوة ( محمد ) ورسالته وبين المناهضين لهذه الدعوة والرسالة ، فياترى مالون هذه المعركة ؟. وماهي ادواتها الفكرية المستخدمة ؟. ولماذا هي وبالملاحظة نجد انها ركزت على الجانب الاهم في اركان الرسالة الاسلامية الا وهو ركن شخصية ( محمد ) ولم تستهدف مضامين رسالته القرءانية ؟.
ان هناك اربع لافتات دعائية كان يرفعها أعداء ( محمد ) ورسالته للنيل من الشخصية المحمدية الكبيرة ، ولعل في هذه اللافتات السياسية ماهو مهم الاطلاع على مضامينه الفكرية والسياسية والاهداف التي اريد لها ان تتحقق واقعيا وتلك اللافتات الاعلامية تتلخص في :
اولا : - الكهانة ( ولابقول كاهن قليلا ماتذكّرون / الحاقة / 42 )
ثانيا : - الشعر ( بل قالوا أضغاث أحلام بل آفتراه بل هو شاعر فليأتنا بأية كما أرسل الأولون / الانبياء / 5 )
ثالثا : - السحر ( كذالك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون / الذاريات / 52 )
رابعا : - الجنون ( وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصرهم لما سمعوا الذكر ويقولون انه لمجنون / القلم / 51)
____________________________
التعريف :
آ : - الكهانة (الكاهن بخلاف العرّاف في منظومة الفكر العربية وهو من يخبر عن الماضي الغير معروف للآخرين بضرب من الضن وهو هنا كالمؤرخ المطلع على اخبار الماضين من الامم )
ب : - الشعر ( نوع من النظم في الكلام له موسيقى وقافية ، والشاعر سمي شاعرا لفطنته ودقة معرفته فالشعر في الاصل أسم للعلم الدقيق في قولهم ليت شعري )
ج : - السحر ( السحر المدرك في المخيال العربي هو عبارة عن قوة خفية يتوصل بها الساحر الى مايأتي به ويدعيه ، وهذا مختلف عن السحر في المخيال العبراني اليهودي والذي يراد به الخداع وخلق حالة من الايهام للناظر نحو مايفعله المشعبذ بصرف الابصار عما يفعله لخفة يد او حركة ولعلّ هناك فهم آخر لمفهوم السحر وهو عبارة عن سحر الشخصية - هذا الفهم مني - فكلما كانت الشخصية قوية ومؤثرة اتهمت بسحرها القوي - اي - بجاذبيتها الكبيرة للاخرين ؟. )
د : - الجنون ( وهو عبارة عن حالة نفسية او مرضية تصيب الانسان لتفصل بين نفسه وعقله ) او لعلّ المراد من الجنون - هذا الفهم مني - في المنظومة المعرفية العربية والتي اريد لها ان تستخدم كشعار في الحرب الاعلامية ضد ( محمد ) ورسالته هو عبارة عن " جنون العظمة " والذي يصور للانسان قدرته على الوصول للاهداف التي هي اكبر من امكانياته الفعلية ، او بعبارة اخرى كل انسان يحمل مخيالا كبيرا ويدعو الى هذا الخيال الواسع من الاهداف ويدعو لتحقيقها على الارض يتهم بحالة الجنون او بجنون العظمة ( ثم تولوا عنه وقالوا معلّم مجنون / 14 / الدخان ) فالعلم والتعليم لايستقيم مع مراد الفصل بين الانسان وعقله في المنظومة المعرفية العربية وانما الاقرب القول ان المراد من الجنون هو الجنون الواعي للمعرفة ؟.
____________________________
يتبين من خلال التعريفات الانفة للاليات الفكرية التي استخدمت لمناهضة المشروع المحمدي الاسلامي ان هذه الاليات الفكرية استهدفت النيل من ذات ( محمد ) النفسية والفكرية والشخصية فحسب ، اي هي ارادت ان تسقط المشروع الاسلامي الرسالي من خلال اسقاط شخصية ( محمد ) نفسها اعلاميا وسياسيا ونفسيا ، وذالك باعتبار ان اسقاط شخصية ( محمد ) او هز صورته الرسالية او النبوية في الاجتماع العربي والانساني هو الكفيل بالقضاء على دعوته الاسلامية والى الابد ؟.
ولكن يلاحظ ايضا ومن خلال تأمل هذه المنظومة الفكرية المستخدمة في حرب ( محمد ) انها تتسع للكثير من النظر لاسيما ان استطعنا فهم هذه الرموز التي استخدمت لحرب ( محمد ) من قبل أعدائه ، ويبدو ان الاعتناء او لنقل العناية الكبيرة في اختيار هذه الرمزيات لتجسد شخصية الرسول الجديد كان له نوع من بعد النظر في المنظومة المعرفية العربية ، ففارقة مثل ( الكاهن والكهانة ) كوصف يرمى على شخصية ( محمد ) وما بشر به ، مثل هذه الرمزية كان لها ابعادها التصورية في منظومة المعرفة العربية فياترى ماهي هذه الرمزية لتلك الصور الاجتماعية العربية ؟.
ان رمزيات ك ( الكاهن والشاعر والساحر والمجنون ) كل تلك الرمزيات الاجتماعية العربية لم تكن من النوع السيئ على طول الخط في المنظومة المعرفية العربية ، فبغض النظر عن كون ( الكهانة ) كانت وظيفة اجتماعية مرموقة في الاجتماع العربي فهي وظيفة معرفية وعلمية ، وكذا ( الشعر ) وكما هو معروف فانها من الوظائف الاجتماعية العربية المحترمة جدا في الاجتماع العربي ، فللشاعر منزلة عالية جدا في سلّم الاجتماع العربي بحيث تحتفل القبائل العربية بولادة شاعر لها احتفالا كبيرا بولادة مدافع قوي ، وكذالك ( الساحر ) فقد كان ينظر الى الساحر في العرف العربي على اساس انه انسان صاحب كفاءة خاصة من خلالها يستطيع الاتيان باشياء منفردة وغريبة ، وكثيرا ما كان يلجأ الكثير من الناس ومنهم على مستويات اجتماعية راقية الى كفاءة الساحر السحرية ليضع بعض الحلول الاجتماعية المستعصية على الفهم العامي الاجتماعي ، اما كون ( الجنون ) شيئا آخر فلا أقل من القول ان الجنون يراد به ( جنون الخيال ) وخاصة منه الخيال الشعري في منظومة المعرفة العربية فهو الاخر يمثل ولو بشكل رمزي على قيمة اجتماعية فنية تنال الاعجاب العربي في بعض الاحيان ؟.
اذا تلك كانت وظائف اجتماعية في اساسها تشكل وظائف فكرية لها نوع من الرقي الاجتماعي العربي ، ولكنها وكما هو المطروح اسلاميا ومحمديا هي ليست النبوة والرسالة ، أو هي ليست في مستوى النبوة والرسالة الالهية ، ولذالك ليس من المستغرب ان يلجأ العقل العربي المناهض لرسالة ( محمد ) الاسلامية الى قواميسه الفكرية ليصف هذه الحالة النبوية المحمدية الجديدة ، وباعتبار انها ليست من الدعوات او الاطروحات العامية الساذجة فكان البحث عنها في الصور المألوفة للمنظومة المعرفية العربية والتي تنال درجة الطرح الفكري الغير عادي والذي ينبغي ان يأتي بها صاحب الوظيفة الراقية في السلّم الاجتماعي المعرفي فهو ( محمد ) اما شاعر أو كاهن لحديثة عن تواريخ الامم ، واما ساحر واما مجنون ؟.
يحدثنا التأريخ ان شخصية مفكرة عربية مرموقة قد تناولت دعوة ( محمد ) وطرحه الرسالي بالتقييم المعرفي العربي ، وكان لتلك الشخصية الفكرية العربية سجالية مع الطرح القرءاني الاسلامي المحمدي ، الا وهو ( الوليد بن المغيرة ) وهذه الشخصية العربية هي الشخصية التي شكلت الاكثر خطرا فكريا على دعوة ( محمد ) ورسالته ، لذالك كان النص القرءاني الاسلامي حازما وواضحا مع هذه الشخصية العربية بالقول

وعلى اي حال كانت للوليد بن المغيرة ميزة الفكر الثاقب الذي هيئته ليكون اعدى اعداء الدعوة الجديدة ل (محمد ) ولكن بشيئ من الذكاء الحاد ؟.
يروي ابن هشام في سيرته النبوية ان الوليد بن المغيرة ارتأى على اقرانه ان يقوم ويكلم ( محمد ) في أمره وامر دعوته الجديدة ، وبعد عرض الوليد كل الاحتمالات الممكنة للالتقاء بين ( محمد ) ومناهضي دعوته ، تحدث ( محمد ) ببعض اي من القرءان الكريم - من سورة الدخان - والوليد بن المغيرة منصت بتأمل شديد ، وبعدما انتهت المحاورة رجع الى قادة مكة ليسألوه عما وراءه فاجاب

ان الوليد هنا ومن خلال ذكائه الحادّ ادرك ان اطروحة ( محمد ) القرءانية الاسلامية هذه اطروحة خطرة على الوضع القائم فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا ، لذالك هو ارتأى ان تكون هناك خطوة استباقية لمشروع ( محمد ) من خلال تبنيه كمشروع عربي قومي يستطيع الاجتماع العربي والقرشي خاصة ان يمتطي هذا المشروع الديني الجديد ومن ثم ترويضه ليتوافق مع مصالح الوضع القائم ، ولكن وباعتبار ان العقليات القيادية العربية مختلفة آنذاك كان الرأي الآخر هو السائد لتصفية دعوة (محمد ) ورسالته ، وعليه كان الوليد بن المغيرة نفسه ومرة أخرى صاحب اخطر مشروع استرتيجي في ضرب رسالة ( محمد ) ودعوته الجديدة فكانت الخطوة الاخرى لأعداء ( محمد ) تتلخص بالاتي كما تذكره كتب التأريخ العربي بهذه الصورة :
(( ثم ان الوليد بن المغيرة أجتمع اليه نفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم : يامعشر قريش انه قد حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ( يعني محمدا ) فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولاتختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويرد قولكم بعضه بعضا .
قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقول به !
قال : بل انتم فقولوا أسمع ،.
قالوا : نقول كاهن ؟.
قال : لاوالله ماهو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فماهو بزمزمة - كلام خفي لايسمع جيدا - الكاهن ولاسجعه ؟.
قالوا : فنقول مجنون !
قال : ماهو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فماهو بخنقه - صرعه - ولاتخالجه ولاوسوسته ؟.
قالوا : فنقول شاعر !
قال: ماهو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فماهو بالشعر ؟.
قالوا : فنقول ساحر !
قال : ماهو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم فماهو بنفثهم ولاعقدهم ؟.
قالوا : فمانقول يا أبا عبد شمس ؟.
قال : والله ان لقوله لحلاوة ، وان اصله لعذق وان فرعه لجناة وما انتم بقائلين من هذا شيئا الا عرف أنه باطل ، وان اقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا - اتحدوا - عنه بذالك .)
ان هذا الرأي الذي اختاره الوليد بن المغيرة بوصف ( محمد ) ورسالته باعتباره ( ساحر ) يمتلك قوة سحرية يستطيع من خلالها التفريق بين المرء وابيه ، هذا الرأي ينمّ عن ذكاء اجتماعي قلّ نظيره في العالم العربي آنذاك ، فالوليد لم يشأ ان يدخل في سجال لنقاش المضامين الكبيرة لأطروحة ( محمد ) القرءانية ، باعتبار انه مدرك ان هذا الطرح الاسلامي القرءاني هو طرح فطري وعقلي لايمكن نقضه او الانتصار عليه ، ولكن اذا كان ولابد فلا أقل من قطع الطريق على المجتمع العربي من ان يستمعوا لهذه الكلمات القرءانية بسبب كون هذه الكلمات هي كلمات ( سحرية ) وخاصة من فم ( محمد ) الساحر الكبير ، فهي كلمات تحمل جاذبية سحرية تتمكن ومن خلال السماع لها فقط ان تفرق بين المرء وابيه ؟.
هنا تتجلى عبقرية هذا الرجل الاجتماعية - اعني المفكر الكافر الوليد بن المغيرة - فهو يذهب الى اقدس مقدسات الانسان العربي واعظم روابطه الاجتماعية الا وهي رابطة الدمّ - الاب الاخ العشيرة الزوج - ، ليحرك الخطر الاسلامي الجديد ضدّ نسيجها المتماسك ، وليصور دعوة ( محمد ) ورسالته على اساس انها شرّ يتهدد النسيج الاجتماعي العربي المقدس ، انها كلمات - قرءانية - بأمكانها ان تحطم رابطة القوة والعزة للانسان العربي الا وهي رابطة القبيلة رابطة الابوة المقدسة عربيا رابطة الاخ الذي هو الاقرب للانسان عندما يشعر بالخطر ويحتاج الى الدفاع .....الخ ؟.
وعلى هذا الاساس بنى الوليد بن المغيرة استراتيجية الحركة الاعلامية لأعداء ( محمد ) ورسالته ، وليضع المخطط الكفيل بأعراض الانسان العربي عن (محمد ) بل والخوف منه ومن خطره الكبير ، فهنا نحن أما استراتيجية اعلامية بأمكانها ان تقنع الانسان العربي ذاتيا بأن لايستمع لهذه الكلمات المحمدية الاسلامية خوفا وطلبا لسلامة اسرته وقبيلته من شرّ دعوة ( محمد ) السحرية المخيفة والشريرة ؟.
الحقيقة ان هذا النموذج التأريخي المرصود قرءانيا ، يطلعنا على شراسة المعركة الفكرية التي دخلت فيها الاطروحة الاسلامية وصاحبها الكبير ( محمد ) فهي معركة من ابرز مميزاتها انها ( فكرية ، أعلامية ) الهدف الاول والاخير هو الاعتراف بكل شيئ ل(محمد ) الا كونه كان رسولا ونبيا يوحى اليه من قبل الله سبحانه وتعالى ، فليس هناك من بأس ان يكون ( محمدا ) عبقريا او قائدا تأريخيا او منقذا او ساحرا او شاعرا او كاهنا او مجنونا او باني امجاد أمة .......الخ ، ولكن البأس كل البأس ان يكون رسولا نبيا فلماذا ؟.
************************************************** ***
لم يختلف أعداء ( محمد ) الجدد في العصر الحديث عن أعدائه فيما سبق فهم كسابقيهم في التوجهات الفكرية والسياسية ، كما ان الشبه واضح بين القدماء من اعداء (محمد ) والمعاصرين في انتخاب الاليات الاعلامية المستخدمة في المعركة ضد اطروحة الاسلام المحمدية ، فليس هناك نقاش لمضامين وأسس الفكرة الاسلامية القرءانية ( كالتوحيد والنبوة والمعاد والامامة والعدل ، ) او نقاش للفروع الاسلامية ك(العبادات الروحية والمالية والتكافل الانساني والدفاع عن النفس ..الخ ) وانما هناك تركيز محموم على شخصية ( محمد ) النفسية والفكرية والانسانية ، وارادة او استهداف الهز لصورته الرسالية الالهية ، وقد تلخصت دعاوى أعداء ( محمد) المعاصرين على الصور التالية :
اولا : ان ( محمدا ) مدعي نبوة
ثانيا : ان ( محمدا ) مريض صحيا وكانت له نوبات من الصرع تسبب له الاغماء والغيبوبة !
ثالثا : ان اسفار (محمد) مع عمه ابي طالب هي الفسحة التي وفرت له الاطلاع على مافي الاديان السابقة كما انها هي رصيده الفكري الذي من خلالها اطلق دعوته الاسلامية ليعلن اتصاله بالوحي السماوي .!
الحقيقة انه وبقليل من التأمل في التأريخ العربي لأعداء ( محمد ) القدماء سنجد ان كل تلك الدعاوى هي قديمة في الاصل ، بل وهي مرصودة قرأنيا ومناقشة اسلاميا ايضا ، فدعوى من قبيل ( الافتراء والكذب ودعوة النبوة ) كانت ولم تزل مناقشة قرءانيا واسلاميا ، فليس هناك من جديد في هذه الفرية التأريخية المعاصرة والمكررة ضد ( محمد ) الرسول ، فالقرءان كتاب المسلمين المقدس قد ناقش هذه الاشكالية وكعادته في الجدل بصورة علمية ليقول


فالنص القرءاني هنا يناقش ان كان ( محمد ) قد افترى شيئا على الله ام هو رسول موحى اليه وبدون اي خشية من هذه الكلمة ، بل ويعتبر النص القرءاني ان هذا القرءان اثار زوبعة من الاشكاليات للعقلية الطاغوتية بسبب كونه غير مفترى ولا مختلق - اي - بسبب كونه يقول الصدق والحق قد سببت له هذه المصداقية الكثير من الاعداء له ول( محمد ) حامل رسالته ، أما لو كان موافقا لمصالح النظم والاديان الخرافية القائمة لكان مرحبا به وبقدومه

اما ان لم نجد من يتقدم بالحجة على دعوى أفتراء ( محمد ) على الله سبحانه ، ولم يستطع الاتيان بمثل هذا القرءان العجيب والغريب ، فللمسلمين الحق برد دعوى من يفتري على (محمد) ومقاضاته في محكمة العقل البشرية ؟.
ان المعادلة وحسب الطرح الاسلامي بسيطة حقا ومفادها : ان كانت هذه الرسالة المسماة ( اسلاما ) هي دعوة ليست الاهية سماوية مقدسة ، فعليكم الاتيان بمثلها وكفى ، اما ان كان العجز حليفكم فعليكم الانتظار حتى بروز ادلة اخرى على دعوى افتراء ( محمد ) على رب الناس جميعا ؟.
وكذا يقال بالنسبة للدعوى الساذجة الاخرى لأعداء ( محمد ) من ان ماكان يسمى بضغوطات الوحي الالهي لدى انصار ( محمد ) ماهي في الحقيقة سوى نوبات من الصرع الصحي كانت تنتاب ( محمد ) ومن ثم ليغمى عليه في حالة غيبوبة فجائية ؟.
والحقيقة ان هذه الدعوى للنيل من عملية الوحي الاسلامية بأعتبارها هي الأسّ الحاضن لمظاهر الوحي السماوية ل( محمد ) ومع انها لاتمت بصله الى عملية الوحي والنبوة في الفكر الاسلامي ، وباعتبار ان العامل الصحي للانسان ليس له علاقة جدلية بالعلاقة اللاهوانسانية - علاقة الانسان بخالقه سبحانه - ، ولكن مع ذالك هي دعوة ( سخيفة ) ليس لها من غرض فكري او علمي حتى تناقش فكريا ، الا ان كانت تستهدف النقص من حياة ( محمد ) الصحية والفكرية او الهز من صورته النفسية ، فهي كذالك صورة تندرج تحت اطار مقولة ( الجنون ) التي اطلقتها مخيلة الانسان العربي على دعوة ( محمد ) في الفصل بين الانسان وعقله ، ولكن حتى مثل هذه الدعوة لاتستقيم علميا ولا فكريا ولا واقعيا ، كما انها خارجة عن اطار البحث في النبوة والرسالة ، فماهي العلاقة بين انسان تنتابه حالة صحية معينة وبين رساله الاهية تناقش العقل والفكر والحياة والعقيدة والاقتصاد والاجتماع والروح بشكل لم يستطعه العقل الجمعي الانساني ان يأتي بمثله حتى هذه اللحظة ؟.
ان ( ديورانت ) صاحب قصة الحضارة يعقب على هذه الموضوعة بالقول

يتبقى ان نذكر دعوى ان ( محمدا ) اكتسب كل تلك الخبرة العلمية والتي جسدها قرءانيا ليزعم انها وحي من السماء ، من خلال اسفاره مع عمه ابي طالب وهو في السن المبكرة من صباه ، فقد استمع الى رهبان يتحدثون عن الدين وتصوراته ، ورأى في خلال سنيه المبكرة خطباء يبشرون بالجنة والنار واليوم الاخر والله الواحد وقد لعبت هذه المراحل من حياته الاساس للتفكير بأنشاء دعوة دينية اطلق عليها فيما بعد اسم ( الاسلام ) ليصوغها وحسب نبوغه الفطري بقالب من المشاريع المكتوبة والمقروءة من ثم ؟.
وفي هذه الصورة حاول اعداء ( محمد ) ان يصوروا رسالته على شكل آخر ، شكل الانسان المتعلّم والواعي وصاحب المشروع المنقذ لأمته ومواطنيه ؟.
وهذه - حقيقة - هي الاخرى صورة تقليدية تأريخية ايضا ، صورة الفتى المتعلّم ، والذي حاز على افكاره من خلال قوة الملاحظة والالتقاط الفكري ، كما انها صورة قرءانية ايضا - اي - ناقشها النص القرءاني بأعتبارها احد مصادر الفكر الاعلامي المناهض لدعوة ( محمد ) ورسالته

ويبدو في هذه الصورة جليا ، ان المناهضين لمشروع (محمد ) الاسلامي قد لفت نظرهم كمية المعلومة القرءانية ودقتها عقائديا وتأريخيا ، فلاريب عندئذ من التساؤل عن مصدر هذه المعلوماتية التي يطرحها (محمد) بأسم الوحي الالهي ، فكان لابد من التقاط حادثة ساذجة تاريخيا بين محمد وانسان اعجمي منتمي الى دين من الاديان السماوية الكتابية ليضعوا عليها او ليعلقوا عليها معضلة المعلومة لدى (محمد) وليقرروا ان علم ( محمد ) وقرءانه ، ماهو الا تعلّم من قبل هذا الاعجمي المجهول والمغمور علما وذاتا ، والغريب ان القرءان الكريم سرعان ما التقط هذه المقولة ليصيغها فورا بقالب جدل فكري يقول بما معناه : قلتم ان ( محمدا ) يعلمه بشر ، لابأس ولكن هذا البشر لايكاد يفقه من لغتكم شيئ ذا قيمة وصياغة هذا القرءان عربية اصيلة ، اي ان صياغة القرءان العربية هي معجزة غير قابلة للعمل اللساني البشري ، فقولوا لنا كيف ان هذا الاعجمي استطاع ان يعلّم ( محمد) هذه اللغة الفصيحة والتي ترتقي فصاحتها الى مستوى الاعجاز البشري ؟.
كذالك من يقول ان مشروع ( محمد ) ورسالته ماهي الا ملاحظات من هنا وهناك وتعلم اختمر وتأكد في معامل الادراك الانسانية التي يمتلكها ( محمد ) العبقري ، ومن ثم لتولد على شكل اطروحة دينية متكاملة سميت بالاسلام ، فأن مثل هذا الطرح ايضا لا يرتقي الى مستوى الجدل الذي يراد له ان يكون فكريا وعقليا انسانيا ، فمامعنى ان نقول ان ظاهرة ( محمد ) انسانية بشرية ممكنة ولكنها بنفس الوقت غير مكررة بشريا - اي - على الرغم من اننا متأكدون من ان (محمدا ) لم يمارس الدراسة على يد معلّم قطّ ، وبالرغم من اننا مدركون تماما ان ( محمدا ) لم تظهر عليه امارات التفلسف او الخطابة او الدعوة لاي فكرة ابّان مراحل حياته قبل الرسالة الموحاة اليه ، وبالرغم من ادراكنا ان لقاءات من هنا او هناك لايمكن لها ان تخلق منقذا اسطوريا نبويا رساليا ....الخ ، بالرغم من كل ذالك نحن نؤمن او نعتقد ان لقاءات ( محمد ) الغير ملحوظة قد خلقت منه اسطورة فكرية عملاقة يحتار الفكر الانساني حتى اللحظة في كل صياغتها الفكرية والعقائدية والسياسية والاجتماعية والروحية واللغوية والفنية ......الخ ؟.
هل بالامكان القبول او احترام مثل هذا الطرح الاسطوري العملاق ؟.
ان رائحة الوحي السماوي مختلفة تماما عما يطرح هؤلاء من افكار وتصورات لا ترتقي الى مستوى الجدال والبحث العلمي ، كما انه مختلف ذالك الطرح الذي يقبل بمبادئ الوحي والنبوة لكل الانسانية الا ل(محمد ) ودعوته الاسلامية النبيلة والخطيرة بنفس اللحظة ، ولكن ومن الجانب الاخر نقرّ بانه من حق الاخر ان يخشى الايمان بنبوة (محمد ) ورسالته ، فهي الرسالة التي آمنت بكل الكلمات بدون خشية وطرحت كلمتها لآخر القصة ؟.
_________________________________
al_shaker@maktoob.com