تتمة1
وخامسها :
تحريف كتابكم لعلمائكم واقوالهم في أستحباب زيارة رسول الله (ص) .... وأكبر مثل على هذا ما جاء في كتاب الحج من الأذكار ( ص 306 طبع دار الفكر دمشق ) وكذا في المخطوط وباقي الطبعات وفي شرح الأذكار لابن علان ما نصه : ( فصل في زيارة قبر رسول الله ( صلى الله عليهوآله ) وأذكارها ) : اعلم أنه ينبغي لكل من حج أن يتوجه إلى زيارة رسول الله ( ص) سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن فان زيارته ( ص) من أهم القربات وأربح المساعي وأفضل الطلبات فإذا توجه للزيارة أكثر من الصلاة والسلام عليه ( ص) في طريقه .
فإذا وقع بصره على أشجار المدينة . . . اه كلام الإمام النووي الأصلي ..... أما كلامه الذي حرفوه من بعد :
كلام الإمام النووي المحرف الذى حرفه ( عبد القادر الأرناؤوط ) المتمسلف بأمر من سادته طمعا في المادة : في كتاب الأذكار للإمام النووي ( طبع دار الهدى الرياض 1409 د باشراف وموافقة مراقبة المطبوعات برئاسة ادارة البحوث العلمية والإفتاء ص 295 ) ما نصه : فصل في زيارة مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : اعلم أنه يستحب من أراد زيارة مسجد رسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكثر من الصلاة عليه ( صلى الله عليه وسلم ) في طريقه فإذا وقع بصره على أشجار المدينة . . . . فتأمل هذا التحريف ولا أدري كيف حصل هذا تحت انظار رئاسة ادارة البحوث العلمية والافتاء والدعوة ( ! ) علما بأن الكتاب إذا كان فيه كلمة توسل بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو بيت من الشعر فيه مدح له ( صلى الله عليه وسلم ) فإن عين رئاسة البحوث تضبطه وتصادر الكتاب وتمنع دخوله . فهل أصاب عين رئاسة البحوث العمى فلم تر هذا التحريف لأنه يوافق مشربها ؟ ! ! ثم تمادى المحقق المتمسلف المذكور فاسقط بعد صحيفة من كتاب الأذكار قصة العتبي التي ذكرها الإمام النووي لأنها تخالف ذاك المشرب العكر ، فهل هذه هي الأمانة العلمية ؟ ! وكان بإمكانه ان يعلق عليها بالانكار كما فعل بعض اخوانه في طبعات اخرى دون ان يقترف هذا التحريف والتلاعب المشين الذي يؤدي إلى تشكيك المسلمين بما يطبع ويطرح بين أيدي عامة الناس من أمهات المراجع وكتب التراث .
سبب هذا التحريف فيما نرى : أقول : والذي دعى المحقق والمشرف إلى ان يحرف عبارة الإمام النووي ويحذف منها هو التعصب لرأي ابن تيمية الحراني والذي أنكره عليه فحول علماء أهل السنة ، وإليك بيان ذلك : قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 3 / 66 ) : والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنكرنا صورة ذلك . . . . وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية اه ......
وسادسها :
الأستغاثة كما جاءت في صحاحهم وعلى ألسن وكتب علمائهم :
*/
ثبت في صحيح البخاري في كتاب الزكاة باب رقم ( 52 ) أنظر فتح الباري ( 3 / 338 ) الطبعة السلفية ما نصه : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : . ( إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ، ثم بموسى ، ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق . . . ) .
أقول : وهذا تصريح بالاستغاثة بغير الله تعالى في أمر لا يملك تفريجه يومئذ إلا الله تعالى وحده ، وكلنا يعتقد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عبد من عبيد الله ليس له الملك يومئذ لأن ( الملك اليوم لله الواحد القهار ) ، واستغاثة الناس بعد اتضاح الشرك من الإيمان يومئذ وخصوصا بسيدنا آدم الذي يعترف بأنه لا يستطيع ذلك ثم بمن بعده من أكابر الأدلة وأنصعها وأصحها على أن الاستغاثة بغير الله تعالى ولو لم يكن المستغيث يملك النفع ليس شركا ولا كفرا كما يظن البعض بل هو حق في موقف يشهده الخلق جميعا بين يدي رب العالمين النافع الضار سبحانه ، وذكر لفظة الاستغاثة في هذا الحديث نص صريح على حقية ذلك ، فليس لأي انسان أن يقول : هذا حديث الشفاعة ونحن نعرفه ، لأن قوله هذا لا ينفي الاستغاثة ، بل يثبت هذا عليه أن التوسل والاستغاثة والاستعانة والشفاعة كلها بمعنى واحد وهو توسيط النبي أو غيره بين صاحب الحاجة وبين الله تعالى وهو يعتقد أن الأمر بيد الله .
ولذلك قال الحافظ ابن حجر معلقا على نحو هذا الحديث في الفتح ( 11 / 441 ) وفية أن الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله في حوائجهم بأنبيائهم اه . قلت : وهؤلاء الناس منهم من أدرك الأنبياء في حياتهم الدنيوية قبل وفاتهم ومنهم من أدركهم بعد الوفاة ، والجميع مستغيثون بالأنبياء .
*/
وروى البخاري في صحيحه في كتاب الاستسقاء باب ( 6 ) الفتح ( 2 / 501 ) : عن أنس بن مالك : ( أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يخطب ، فاستقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائما فقال : يارسول الله هلكت المواشي ، وانقطعت السبل ، فادع الله يغيثنا - أي يمطرنا - قال : فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يديه فقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا . قال أنس : ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار . قال : فطلعت من وراءه سحابة مثل الترس ثم انتشرت ، ثم امطرت . . . . ) .
قلت : هذا الرجل أصيب ماله بالهلاك وجاء مستغيثا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو الله في أن يمطرهم ، وهو يخطب على المنبر ، فلم يقل له صلى الله عليه وآله وسلم : عليك أن تدعو الله أنت لأن الله يقول : ( إذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )
وكذا لم يقل له ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم )
لأن هاتين الآيتين لا تنفيان سؤال الغير والاستغاثة بالأنبياء ، وذكر الشئ لا ينفي ما عداه كما هو مقرر في الأصول ، ومن هذا الباب جاء في الحديث الصحيح : أن الأعمى استغاث برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو الله له في رد بصره ، فلم يدع به وإنما علمه التوسل والاستغاثة بجاهه ( ص) في الدعاء المسنون المشهور الذي فيه ( اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة - وهذا توسل - يا محمد إني أتوجه بك الله في حاجتي لتقضى - وهذه استغاثة صريحة - ) وخصوصا أن النبي لم يخص هذا الدعاء بحياته فقط مع أنه حي في قبره كما أخبر وجاءنا في الحديث الصحيح ، وعلماء الأمة ذكروا هذا الحديث في أبواب صلاة الحاجة من مصنفاتهم ولم يقل أحد منهم بل حثوا الأمة على الدعاء به طبيقا لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والمستغيث منا الآن برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعرف أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حي في قبره يسمع سلام المسلمين عليه ويرد عليهم وتعرض عليه أعمال أمته ، فإذا وقف الإنسان منا على قبره صلى الله عليه واله وسلم فقال : يا رسول الله جئتك مستغغرا من ذني مستغيثا بك إلى ربي فآعف عني وأدع الله أن يغفر لي ذنوبي وإسرافي في أمري . لم يكن ذلك شركا ولا كفرا بآتفاق غير المتعصبين ،
وخصوصا إن علمت أن الإمام النووي حض على مثل هذه الصيغة كما في المجموع ( 8 / 274 ) ونقله عن علماء الشافعية ،
وأن ابن حجر العسقلاني يقول كما في ديوانه بخط القلم : نبي الله يا خير البرايا بجاهك أتقي فصل القضاء وأرجو يا كريم العفو عما جنته يداي يا رب الحباء فكعب الجود لا يرضى فداء لنعلك وهو رأس في السخاء وسن بمدحك ابن زهير كعب لمثلي منك جائزة الثناء فقل يا أحمد بن علي اذهب إلى دار النعيم بلا شقاء فإن أحزن فمدحك لي سروري وإن اقنط فحمدك لي رجائي ( 6 ) وديوان الحافظ مطبوع قديما في الهند وهناك نسخة منه في مكتبة الجامعة الأردنية فلتنظر وليبحث عن مخطوطه أيضا بخطه للتأكد .
فان قال قائل في هذين الدليلين هذه الاستغاثة جائزة في حياته فقط ، قلنا : أنت لا تجيز الاستغاثة بغير الله مطلقا ، وتصف المستغيث بالشرك في أمر أقل ما يقال فيه : أمر مختلف فيه ، وتدعي أن هذا من صلب العقيدة ، وعلى أولئك الذين ينتقدون أبيات البردة للإمام البوصيري رحمه الله تعالى أن ينتقدوا بعد اليوم أبيات الحافظ ابن حجر وغيره من الحفاظ الذين يقولون مثل ما يقول البوصيري ..
*/
روى الطبراني وأبو يعلى في مسنده وابن السني في عمل اليوم والليلة عن عبد الله ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا أنفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله احبسوا علي ، يا عباد الله احبسوا علي ، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم ) .
وفي رواية أخرى لهذا الحديث :
( إذا ضل أحدكم شيئا ، أو أراد أحدكم غوثا ، وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل : يا عباد الله أغيثوني ، يا عباد الله أغيثوني ، فان لله عبادا لا نراهم ) .
رواها الطبراني في الكبير وقال بعد ذلك : وقد جرب ذلك .
ورواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ : ( إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر ، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله أعينوني ) .
وحديث البزار هذا حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في أمالي الأذكار كما في شرح ابن علان على الاذكار ( 5 / 151 ) .
وقال الحافظ الهيثمي عنه في المجمع ( 10 / 32 ) رجاله ثقات .
وزاد الحافظ الهيثمي مؤكدا على رواية الطبراني مقرا قوله : وقد جرب ذلك . ولو فرضنا جدلا أن هذا الحديث الحسن موضوع فكيف يجوز علماء الأمة وأهل الحديث هذا الأمر ويقولون : وجد جرب ذلك.
*/
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ( 8 / 578 - 579 ) : أخرج قصة عاد الثانية أحمد باسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري قال : ( خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله ( صى الله عليه وسلم ) الحديث - وفيه - فقلت : أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد ، قال : وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه . . . . . ) اه من فتح الباري . قلت : وهذه استغاثة صريحة . ...
*/
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 2 / 495 ) : روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار - وكان خازن عمر - قال : ( أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ؟ يا رسول الله استسق لامتك فانهم قد هلكوا . . . . ) .
، قلت : ومالك الدار ثقة بالإجماع عدله ووثقه سيدنا عمر وسيدنا عثمان فولياه بيت المال والقسم ولا يوليان إلا ثقة ضابطا عدلا كما نص الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته ،
ونقل ذلك عن إمام المحدثين علي بن المديني ،
وكذا وثقه جميع الصحابة الذين كانوا في زمن عمر وعثمان رضي الله عن الجميع ، بل نص الحافظ أن لمالك إدراك ، فهو صحابي صغير وهذا يجعله ثقة اتفاقا ، ثم روى عنه أربعة من الثقات ،
ونصق على أنه معروف البخاري في تاريخه وساق هذه القصة ،
وابن سعد في طبقاقه ( 5 / 12 ) وقد فصلت ذلك تفصيلا في ( الباهر ) وبينت ان تضعيف المعاصرين لمالك وقوله : ( غير معروف العدالة ) خطأ بل جهل وتدليس بالغ .
فهذا الحديث يثبت بلا شك ولا ريب إجماع من حضر من الصحابة في زمن عمر مع عمر على جواز الاستغاثة بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد موته .
وخامسها :
تحريف كتابكم لعلمائكم واقوالهم في أستحباب زيارة رسول الله (ص) .... وأكبر مثل على هذا ما جاء في كتاب الحج من الأذكار ( ص 306 طبع دار الفكر دمشق ) وكذا في المخطوط وباقي الطبعات وفي شرح الأذكار لابن علان ما نصه : ( فصل في زيارة قبر رسول الله ( صلى الله عليهوآله ) وأذكارها ) : اعلم أنه ينبغي لكل من حج أن يتوجه إلى زيارة رسول الله ( ص) سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن فان زيارته ( ص) من أهم القربات وأربح المساعي وأفضل الطلبات فإذا توجه للزيارة أكثر من الصلاة والسلام عليه ( ص) في طريقه .
فإذا وقع بصره على أشجار المدينة . . . اه كلام الإمام النووي الأصلي ..... أما كلامه الذي حرفوه من بعد :
كلام الإمام النووي المحرف الذى حرفه ( عبد القادر الأرناؤوط ) المتمسلف بأمر من سادته طمعا في المادة : في كتاب الأذكار للإمام النووي ( طبع دار الهدى الرياض 1409 د باشراف وموافقة مراقبة المطبوعات برئاسة ادارة البحوث العلمية والإفتاء ص 295 ) ما نصه : فصل في زيارة مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : اعلم أنه يستحب من أراد زيارة مسجد رسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكثر من الصلاة عليه ( صلى الله عليه وسلم ) في طريقه فإذا وقع بصره على أشجار المدينة . . . . فتأمل هذا التحريف ولا أدري كيف حصل هذا تحت انظار رئاسة ادارة البحوث العلمية والافتاء والدعوة ( ! ) علما بأن الكتاب إذا كان فيه كلمة توسل بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو بيت من الشعر فيه مدح له ( صلى الله عليه وسلم ) فإن عين رئاسة البحوث تضبطه وتصادر الكتاب وتمنع دخوله . فهل أصاب عين رئاسة البحوث العمى فلم تر هذا التحريف لأنه يوافق مشربها ؟ ! ! ثم تمادى المحقق المتمسلف المذكور فاسقط بعد صحيفة من كتاب الأذكار قصة العتبي التي ذكرها الإمام النووي لأنها تخالف ذاك المشرب العكر ، فهل هذه هي الأمانة العلمية ؟ ! وكان بإمكانه ان يعلق عليها بالانكار كما فعل بعض اخوانه في طبعات اخرى دون ان يقترف هذا التحريف والتلاعب المشين الذي يؤدي إلى تشكيك المسلمين بما يطبع ويطرح بين أيدي عامة الناس من أمهات المراجع وكتب التراث .
سبب هذا التحريف فيما نرى : أقول : والذي دعى المحقق والمشرف إلى ان يحرف عبارة الإمام النووي ويحذف منها هو التعصب لرأي ابن تيمية الحراني والذي أنكره عليه فحول علماء أهل السنة ، وإليك بيان ذلك : قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 3 / 66 ) : والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنكرنا صورة ذلك . . . . وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية اه ......
وسادسها :
الأستغاثة كما جاءت في صحاحهم وعلى ألسن وكتب علمائهم :
*/
ثبت في صحيح البخاري في كتاب الزكاة باب رقم ( 52 ) أنظر فتح الباري ( 3 / 338 ) الطبعة السلفية ما نصه : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : . ( إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ، ثم بموسى ، ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق . . . ) .
أقول : وهذا تصريح بالاستغاثة بغير الله تعالى في أمر لا يملك تفريجه يومئذ إلا الله تعالى وحده ، وكلنا يعتقد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عبد من عبيد الله ليس له الملك يومئذ لأن ( الملك اليوم لله الواحد القهار ) ، واستغاثة الناس بعد اتضاح الشرك من الإيمان يومئذ وخصوصا بسيدنا آدم الذي يعترف بأنه لا يستطيع ذلك ثم بمن بعده من أكابر الأدلة وأنصعها وأصحها على أن الاستغاثة بغير الله تعالى ولو لم يكن المستغيث يملك النفع ليس شركا ولا كفرا كما يظن البعض بل هو حق في موقف يشهده الخلق جميعا بين يدي رب العالمين النافع الضار سبحانه ، وذكر لفظة الاستغاثة في هذا الحديث نص صريح على حقية ذلك ، فليس لأي انسان أن يقول : هذا حديث الشفاعة ونحن نعرفه ، لأن قوله هذا لا ينفي الاستغاثة ، بل يثبت هذا عليه أن التوسل والاستغاثة والاستعانة والشفاعة كلها بمعنى واحد وهو توسيط النبي أو غيره بين صاحب الحاجة وبين الله تعالى وهو يعتقد أن الأمر بيد الله .
ولذلك قال الحافظ ابن حجر معلقا على نحو هذا الحديث في الفتح ( 11 / 441 ) وفية أن الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله في حوائجهم بأنبيائهم اه . قلت : وهؤلاء الناس منهم من أدرك الأنبياء في حياتهم الدنيوية قبل وفاتهم ومنهم من أدركهم بعد الوفاة ، والجميع مستغيثون بالأنبياء .
*/
وروى البخاري في صحيحه في كتاب الاستسقاء باب ( 6 ) الفتح ( 2 / 501 ) : عن أنس بن مالك : ( أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يخطب ، فاستقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائما فقال : يارسول الله هلكت المواشي ، وانقطعت السبل ، فادع الله يغيثنا - أي يمطرنا - قال : فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يديه فقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا . قال أنس : ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار . قال : فطلعت من وراءه سحابة مثل الترس ثم انتشرت ، ثم امطرت . . . . ) .
قلت : هذا الرجل أصيب ماله بالهلاك وجاء مستغيثا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو الله في أن يمطرهم ، وهو يخطب على المنبر ، فلم يقل له صلى الله عليه وآله وسلم : عليك أن تدعو الله أنت لأن الله يقول : ( إذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )
وكذا لم يقل له ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم )
لأن هاتين الآيتين لا تنفيان سؤال الغير والاستغاثة بالأنبياء ، وذكر الشئ لا ينفي ما عداه كما هو مقرر في الأصول ، ومن هذا الباب جاء في الحديث الصحيح : أن الأعمى استغاث برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو الله له في رد بصره ، فلم يدع به وإنما علمه التوسل والاستغاثة بجاهه ( ص) في الدعاء المسنون المشهور الذي فيه ( اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة - وهذا توسل - يا محمد إني أتوجه بك الله في حاجتي لتقضى - وهذه استغاثة صريحة - ) وخصوصا أن النبي لم يخص هذا الدعاء بحياته فقط مع أنه حي في قبره كما أخبر وجاءنا في الحديث الصحيح ، وعلماء الأمة ذكروا هذا الحديث في أبواب صلاة الحاجة من مصنفاتهم ولم يقل أحد منهم بل حثوا الأمة على الدعاء به طبيقا لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والمستغيث منا الآن برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعرف أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حي في قبره يسمع سلام المسلمين عليه ويرد عليهم وتعرض عليه أعمال أمته ، فإذا وقف الإنسان منا على قبره صلى الله عليه واله وسلم فقال : يا رسول الله جئتك مستغغرا من ذني مستغيثا بك إلى ربي فآعف عني وأدع الله أن يغفر لي ذنوبي وإسرافي في أمري . لم يكن ذلك شركا ولا كفرا بآتفاق غير المتعصبين ،
وخصوصا إن علمت أن الإمام النووي حض على مثل هذه الصيغة كما في المجموع ( 8 / 274 ) ونقله عن علماء الشافعية ،
وأن ابن حجر العسقلاني يقول كما في ديوانه بخط القلم : نبي الله يا خير البرايا بجاهك أتقي فصل القضاء وأرجو يا كريم العفو عما جنته يداي يا رب الحباء فكعب الجود لا يرضى فداء لنعلك وهو رأس في السخاء وسن بمدحك ابن زهير كعب لمثلي منك جائزة الثناء فقل يا أحمد بن علي اذهب إلى دار النعيم بلا شقاء فإن أحزن فمدحك لي سروري وإن اقنط فحمدك لي رجائي ( 6 ) وديوان الحافظ مطبوع قديما في الهند وهناك نسخة منه في مكتبة الجامعة الأردنية فلتنظر وليبحث عن مخطوطه أيضا بخطه للتأكد .
فان قال قائل في هذين الدليلين هذه الاستغاثة جائزة في حياته فقط ، قلنا : أنت لا تجيز الاستغاثة بغير الله مطلقا ، وتصف المستغيث بالشرك في أمر أقل ما يقال فيه : أمر مختلف فيه ، وتدعي أن هذا من صلب العقيدة ، وعلى أولئك الذين ينتقدون أبيات البردة للإمام البوصيري رحمه الله تعالى أن ينتقدوا بعد اليوم أبيات الحافظ ابن حجر وغيره من الحفاظ الذين يقولون مثل ما يقول البوصيري ..
*/
روى الطبراني وأبو يعلى في مسنده وابن السني في عمل اليوم والليلة عن عبد الله ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا أنفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله احبسوا علي ، يا عباد الله احبسوا علي ، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم ) .
وفي رواية أخرى لهذا الحديث :
( إذا ضل أحدكم شيئا ، أو أراد أحدكم غوثا ، وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل : يا عباد الله أغيثوني ، يا عباد الله أغيثوني ، فان لله عبادا لا نراهم ) .
رواها الطبراني في الكبير وقال بعد ذلك : وقد جرب ذلك .
ورواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ : ( إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر ، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله أعينوني ) .
وحديث البزار هذا حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في أمالي الأذكار كما في شرح ابن علان على الاذكار ( 5 / 151 ) .
وقال الحافظ الهيثمي عنه في المجمع ( 10 / 32 ) رجاله ثقات .
وزاد الحافظ الهيثمي مؤكدا على رواية الطبراني مقرا قوله : وقد جرب ذلك . ولو فرضنا جدلا أن هذا الحديث الحسن موضوع فكيف يجوز علماء الأمة وأهل الحديث هذا الأمر ويقولون : وجد جرب ذلك.
*/
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ( 8 / 578 - 579 ) : أخرج قصة عاد الثانية أحمد باسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري قال : ( خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله ( صى الله عليه وسلم ) الحديث - وفيه - فقلت : أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد ، قال : وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه . . . . . ) اه من فتح الباري . قلت : وهذه استغاثة صريحة . ...
*/
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 2 / 495 ) : روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار - وكان خازن عمر - قال : ( أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ؟ يا رسول الله استسق لامتك فانهم قد هلكوا . . . . ) .
، قلت : ومالك الدار ثقة بالإجماع عدله ووثقه سيدنا عمر وسيدنا عثمان فولياه بيت المال والقسم ولا يوليان إلا ثقة ضابطا عدلا كما نص الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته ،
ونقل ذلك عن إمام المحدثين علي بن المديني ،
وكذا وثقه جميع الصحابة الذين كانوا في زمن عمر وعثمان رضي الله عن الجميع ، بل نص الحافظ أن لمالك إدراك ، فهو صحابي صغير وهذا يجعله ثقة اتفاقا ، ثم روى عنه أربعة من الثقات ،
ونصق على أنه معروف البخاري في تاريخه وساق هذه القصة ،
وابن سعد في طبقاقه ( 5 / 12 ) وقد فصلت ذلك تفصيلا في ( الباهر ) وبينت ان تضعيف المعاصرين لمالك وقوله : ( غير معروف العدالة ) خطأ بل جهل وتدليس بالغ .
فهذا الحديث يثبت بلا شك ولا ريب إجماع من حضر من الصحابة في زمن عمر مع عمر على جواز الاستغاثة بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد موته .
تعليق