" يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم 58 : 12 " .
إن هذه الآية المباركة لما نزلت لم يعمل بها غير علي عليه السلام فكان له دينار فباعه بعشرة دراهم ، فكان كلما ناجى الرسول صلى الله عليه واله وسلم قدم درهما حتى ناجاه عشر مرات .وقدكانت بمثابة امتحان سريع وحاسم .
فقد جاء في تفسير الثعلبي بإسناده عن علقمة الانماوي يرفعه إلى علي عليه السلام أنه قال :
" بي خفف الله عن هذه الامة لان الله امتحن الصحابة ، فتقاعسوا عن مناجاة الرسول ، وكان قد احتجب في منزله من مناجاة كل أحد إلا من تصدق بصدقة ، وكان معي دينار ، فتصدقت به ، فكنت أنا سبب التوبة من الله على المسلمين حين عملت بالاية ، ولو لم يعمل بها أحد لنزل العذاب ، لامتناع الكل من العمل بها "
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية الكريمة تم نسخها بقوله تعالى :
" ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون 58 : 13 " .
إن الآية المباركة دلت على أن تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم خير ، وتطهير للنفوس والامر به أمر بما فيه مصلحة العباد .
ودلت على أن هذا الحكم إنما يتوجه على من يجد ما يتصدق به ، أما من لا يجد شيئا فإن الله غفور رحيم .
ولا ريب في أن ذلك مما يستقل العقل بحسنه ويحكم الوجدان بصحته فإن في الحكم المذكور نفعا للفقراء ، لانهم المستحقون للصدقات ، وفيه تخفيف عن النبيصلى الله عليه واله وسلم فإنه يوجب قلة مناجاته من الناس ، وأنه لا يقدم على مناجاته - بعد هذا الحكم - إلا من كان حبه لمناجاة الرسول أكثر من حبه للمال . ولا ريب أيضا في أن حسن ذلك لا يختص بوقت دون وقت .
ودلت الآية الثانية على أن عامة المسلمين - غير علي بن أبي طالب عليه السلام - أعرضوا عن مناجاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم إشفاقا من الصدقة ، وحرصا على المال .
وبما أن إعراضهم عن المناجاة يفوت عليهم كثيرا من المنافع والمصالح العامة . ومن أجل حفظ تلك المنافع رفع الله عنهم وجوب الصدقة بين يدي المناجاة تقديما للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، وعلى النفع الخاص بالفقراء وأمرهم بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ولذلك فإن الحكم المجعول بالاية الاولى قد نسخ وارتفع بالاية الثانية .
وكان حرص الامة على المال ، وإشفاقها من تقديم الصدقة بين يدي المناجاة كان مانعا من استمرار الحكم المذكور ودوامه ، فنسخ الوجوب وابدل الحكم بالترخيص .
تعليق