بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج قائم آل محمد اخوتي و أخواتي
نكمل كتابة رسالة الحقوق كما وعدناكم على شكل حلقات
وهذه الحلة الرابعة منها
نص الرسالة
رسـالة الحـقوق
للإمام علي بن الحسين زين العابدين

وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد، لتكون لها، فانك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.
وأما حق أبيك فأن تعلم أنه أصلك، وأنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله.
وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عزوجل والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه.
وأما حق أخيك فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا عدة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوه، والنصيحة له فان أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله.
وأما حق مولاك المنعم عليك فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وانسها، فأطلقك من أسر الملكة، وفك عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرغك لعبادة ربك وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك وموتك، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك، وما احتاج إليه منك، ولا قوة إلا بالله.
وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه وحجابا لك من النار، وأن ثوابك في العاجل ميراثه، إذا لم يكن له رحم مكافأة بما أنفقت من مالك، وفى الأجل الجنة.
وأما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عز وجل فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوماً كافأته.
وحق المؤذن أن تعلم أنه مذكر لك ربك عز وجل، وداع لك إلى حظك وعونك على قضاء فرض الله عليك، فاشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.
وحق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك وبين ربك عز وجل وتكلم عنك ولم تتكلم عنه ودعا لك ولم تدع له وكفاك هول المقام بين يدي الله عز وجل، فإن كان نقص كان به دونك، وإن كان تماما كنت شريكه، ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكر له على قدر ذلك.
وأما حق جليسك فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنه، وتنسى زلاته وتحفظ خيراته، ولا تسمعه إلا خيرا.
وأما حق جارك فحفظه غائبا وإكرامه شاهدا ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، فإن علمت عليه سوءا سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف، وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، فان سبق كافأته، وتودّه كما يودك، وتزجره عما يهم به من معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الشريك فإن غاب كفيته، وإن حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عز أو هان من أمره فإن يد الله تبارك وتعالى على أيدي الشريكين ما لم يتخاونا ولا قوة إلا بالله.
وأما حق مالك فأن لا تأخذه إلا من حله، ولا تنفقه إلا في وجهه، ولا تؤثر به على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك ولا تبخل به فتبوء بالحسرة و الندامة مع التبعة ولا قوة إلا بالله.
وأما حق غريمك الذي يطالبك فإن كنت موسرا أعطيته وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول ورددته عن نفسك ردا لطيفا.
وحق الخليط أن لا تغره ولا تغشه ولا تخدعه وتتقي الله تبارك وتعالى في أمره.
وحق الخصم المدعي عليك، فإن كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك، ولم تظلمه وأوفيته حقه، وإن كان ما يدعي به باطلا رفقت به ولم تأت في أمره غير الرفق، ولم تسخط ربك في أمره ولا قوة إلا بالله.
وحق خصمك الذي تدعي عليه إن كنت محقا في دعواك أجملت مقاولته، و لم تجحد حقه وإن كنت مبطلا في دعواك اتقيت الله عزوجل وتبت إليه وتركت الدعوى.
وحق المستشير إن علمت أن له رأيا أشرت عليه وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم.
وحق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه وإن وافقك حمدت الله عز وجل.
وحق المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به.
وحق الناصح أن تلين له جناحك وتصغي إليه بسمعك، فان أتى بالصواب حمدت الله عز وجل وإن لم وافق رجمته ولم تتهمه وعلمت أنه أخطأ ولم تؤاخذه بذلك إلا أن يكون مستحقا للتهمة، فلا تعبأ بشيء من أمره على حال ولا قوة إلا بالله.
وحق الكبير توقيره لسنه، وإجلاله لتقدمه في الإسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تتقدمه، ولا تستجهله وإن جهل عليك احتملته وأكرمته لحق الإسلام وحرمته.
وحق الصغير رحمته في تعليمه والعفو عنه والتسر عليه والرفق به والمعونة له.
وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته.
وحق المسؤول إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضلة، وإن منع فاقبل عذره.
وحق من سرك الله تعالى به أن تحمد الله عزوجل أولا ثم تشكره.
وحق من ساءك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر انتصرت قال الله تبارك وتعالى "ولمن انتصر من بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل"(الشورى/40).
وحق أهل ملتك إضمار السلامة لهم والرحمة لهم، والرفق بمسيئهم وتألفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم وكف الأذى عنهم، وتحب لهم ما تحب لنفسك، و تكره لهم ما تكره لنفسك، وأن تكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبابهم بمنزلة اخوتك، وعجائزهم بمنزلة أمك، والصغار بالمنزلة أولادك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تنسونا من صالح دعائكم