مشهد "إعدام صدّام" وتداعياته الإقليمية
على الرغم من ردها الباهت! فإنّ الحكومات العربية (بالتحديد ما يسمى معسكر الاعتدال) هي المستفيد الأول من حالة الغضب الشعبي العارم على الصورة الهمجية التي تمت فيها عملية إعدام صدّام حسين، وما صاحبها من شعارات ورموز وهتافات طائفية. فهذه الدقائق القليلة لصورة الإعدام لها تداعيات نفسية كبيرة لملايين العرب الذين شاهدوها.
في الشهور الأخيرة، كان أداء حزب الله (في الحرب مع إسرائيل) مع تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وخطاباته وتحديه للإدارة الأميركية وإصراره على استكمال عملية تخصيب اليورانيوم يمثلان رافعة كبيرة لتحسين صورة إيران في المنطقة العربية، مما ساهم في تقليص الانطباعات الشعبية العربية السلبية من دور إيران في احتلال العراق وقبلها أفغانستان وكذلك من حالة الاستياء من موقف القوى الشيعية العراقية المهادن للاحتلال. إلاّ أنّ مشهد إعدام صدام قلب الطاولة رأساً على عقب على شيعة العراق المحسوبين على إيران، وعلى إيران نفسها، وعلى حزب الله وقناته المنار، التي كانت تحظى بشعبية واسعة في الشارع العربي، في فترة الحرب مع إسرائيل، إذ يرصد الزميل بسّام بدّارين - في صحيفة القدس العربي- التداعيات الأولية الساخطة في الشارع الأردني، ما أعاد الصورة السلبية عن إيران، مضافاً لها هذه المرّة حزب الله، وأتى على سنوات عديدة تمكّن الحزب فيها من بناء حالة شعبية مساندة له ولخطابه "المقاوم" ضد إسرائيل والإدارة الأميركية.
التساؤل الرئيس يكمن فيما إذا كانت الغضبة الشعبية العربية على مشهد إعدام صدام عابرة، وسرعان ما تعود المياه إلى مجاريها، وتشحن القوى المؤيدة لإيران الشارع العربي خلف الحلف الإيراني - في سياق التصعيد المتوقع مع الإدارة الأميركية وإسرائيل على خلفية البرنامج النووي- أم أنّ هذه الحادثة تمثل لحظة "فارقة" في صعود الانقسام الطائفي، وتجّذره ليصبغ الحياة السياسية والثقافية العربية على المدى القريب؟
مهما تعددت الإجابات، فإنّ ما هو واضح أنّ صورة إعدام صدّام ستكلّف إيران الكثير في المرحلة القادمة، وستجعل من مصداقيتها ضعيفة للغاية، وستضر أيضاً بصورة القوى الموالية لها في مختلف الدول، فضلاً أنّها كشفت عن الروح "الفارسية- القومية" التي تصبغ سياسة إيران الخارجية ومواقفها المختلفة بعيداً عن دعاوى العداء لأميركا وإسرائيل. ما هو أبعد من ذلك أنّ صورة إعدام صدّام وما ولّدته من تداعيات أولية تشكل إحراجاً كبيراً لحلفاء إيران في المنطقة كحماس والجهاد وسورية والعديد من الفصائل الإسلامية وكذلك القوى السياسية والشعبية – في الدول العربية- التي وقفت مع حزب الله وكانت تدعو حكوماتها إلى "تبديل" تحالفاتها للوقوف مع إيران بدلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل، فهذه القوى تمر بحالة حرج شديد، شبيه بحرج النظم العربية الصديقة للولايات المتحدة من سياساتها في المنطقة.
أصبحت مهمة حلفاء إيران في تسويقها - في الشارع العربي- في غاية الصعوبة، ولعلّ الانعكاس الأولي الواضح على هذه التداعيات في فلسطين إذ استثمرت فتح إعدام صدّام لإعادة بناء شعبيتها وحضورها في الشارع الفلسطيني مقابل ردّ ضعيف من حماس، التي تقاربت مع إيران كثيراً في الفترة الأخيرة. ولم تجد محاولة حلفاء إيران توجيه تداعيات الغضب والاستياء ضد الإدارة الأميركية، إذ طغت نزعة الغضب من إيران على ملامح العامة والمفصّلة لمشهد للإعدام.
على الجهة المقابلة، فإنّ صورة إعدام صدّام تمثل "فرصة سانحة" للنظم العربية التي شعرت بقلق شديد - في الآونة الأخيرة- من النفوذ الإيراني ومن التأييد المتزايد لحزب الله في الشارع العربي، وسيكون المناخ مناسباً للحكومات العربية في تعزيز موقفها السلبي من صعود إيران الجديد، وكذلك في تشكيكها بأهداف إيران ودورها الإقليمي وأدواتها المختلفة في المنطقة. وعلى الرغم أنّ الحكومات العربية ابتعدت عن ردود الفعل الحاسمة فإنّها تركت الباب مفتوحاً للشعوب والقوى المختلفة لتعبر عن غضبها وسخطها، وهو ما يمكن التقاطه من ردود فعل شعبية مشحونة بالنزعة "الطائفية" الخطيرة، بفعل حالة التعبئة النفسية المكثّفة تحت وطأة صور الإعدام على الفضائيات وعلى شبكة الانترنت.
من جهتها نأت الإدارة الأميركية بنفسها عن الحدث وتوقيته وملابساته وحمّلت الحكومة العراقية الجمل بما حمل، بل صرّح خليلزاد أنه حاول إقناع المالكي بتأجيل تنفيذ الحكم عن فجر يوم العيد، فرمت الإدارة الأميركية، بذلك، الكرة الملتهبة في الملعب العراقي وعززت حالة الانقسام السني- الشيعي الذي ستكون له تداعيات إقليمية أكيدة، ما يسهل على الإدارة الأميركية إعادة تشكيل تحالفاتها في إدارة الصراع الداخلي في العراق، في المقابل سيكون من السهولة بمكان على الحكومات العربية التحضير لدعم القوى السنبة العراقية، وتهيئة الحالة الشعبية لأية سياسات أو مواقف رسمية عربية ضد النفوذ الإيراني سواء في العراق أو في المنطقة.
بعيداً عن السياسة؛ فإنّ أخطر ما في مشهد إعدام صدّام - بما فيه من ملامح خطيرة تجلّت مع الهتافات والروايات المتعددة حول دور التيار الصدري- هو تكريس للطائفية وتجذيرها في المجتمعات العربية، وهي حالة خطيرة على المستويات كافة، وتنذر بأزمات أهلية واجتماعية، وتهدد قيم التسامح والتعددية والعفو، وهي قيم يجب أن تكون راسخة ومستقرة، لا تخضع للعبة السياسية والمصالح المتضاربة، وإلاّ فإنّ المجتمعات العربية معرّضة لأمراض ثقافية خطيرة ستزيد من أزماتها ومشكلاتها وتعيدها إلى العصور السابقة في حالة نكوص ثقافي وسياسي مرعب!
تعليق