أبو بكر لم يكن مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار!
تاريخ الزيف.. وزيف التاريخ!
حقائق حُرِّفت لتصبحِ غرائب، وأكاذيب زُيُنت لتكون ثوابت، وأحاديث محيِت وحُرقت، ونصوص غُيِّبت ودُفنِت،وعقائد استُبدلت، وأحكام ابتُدعت!
ذلك ما جرى طوال ألف وأربعمائة عام، على يدأجهزة التحريف والتوزير التابعة للسلاطين والحكام! فكل ما يمكن أن يساعد على تثبيتالمُلك؛ لم تتردد تلك الأجهزة في نسجه وصنعه وتدوينه، وكل ما يمكن أن يهدد استقرارالنظام؛ لم تتردد تلك الأجهزة في محوه وإلغائه وتحريفه!
منذ يوم السقيفةالمشؤوم، بدأت مرحلة الكذب والخداع والتدليس، لإقصاء آل محمد (صلوات الله عليهم) عن مكانتهم الدينية بعدما تم إقصاؤهم عن وظيفتهم الشرعية في قيادة الأمة.
إنهم لم يكتفوا بإبعاد أهل الوحي عن طريق سلطانهم، بل حاكوا المؤامرات لقتلهم والتخلص منهم! ثم لم يكتفوا بذلك أيضاً فعمدوا إلى الإنقاص من شأنهم والرفع من شأن أعدائهم!
وهكذا صنعوا تاريخ الزيف المكتظ بالأباطيل والأكاذيب والملفقات، وهكذااكتشفنا زيف التاريخ المجمل بالأساطير والأوهام والخرافات!
وانطلى هذا التاريخ على الشعوب والأجيال، وغدت الأكاذيب مسلمات لا محيص عنها! فيما صارت الحقائق بدعامن القول لا صحة فيها!
في ذلك التاريخ الزائف؛ رُمِيَ ولي الله الأعظم أميرالمؤمنين (صلوات الله عليه) بطعون شتى، فهو شارب الخمر الذي لم ينتهِ عنه حتى نزلت آية: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)! وهو الذي أغضب الزهراء (سلام الله عليها) حيث أراد الزواج عليها من ابنة أبي جهل فخرج النبي (صلى اللهعليه وآله) مغضباً وهو يقول: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني)!
ولكنالزيف مآله إلى زوال، ففي تاريخ الحقيقة؛ أن الذي شرب الخمر وكان مولعاً به ليس إلاعمر بن الخطاب، والآية قد نزلت فيه! وأما الذي أغضب فاطمة (عليها السلام) فمعلوم من يكون؛ إنه أبو بكر بن أبي قحافة.. ومن غيره!
هذه هي سمات تاريخ الزيف، التبديل والتحريف. تُلصِق مثالب القوم بأهل الطهر، وتُسلب فضائل أهل الطهر لتُلصق بالقوم!
لذا فلا عجب - في ذلك التاريخ - إن أصبح لمدينة العلم أرض وحيطان وسقف ومفتاح، بعدما كانت تقتصر على باب واحد! وقف النبي (صلى الله عليه وآله) ليقول: (أنا مدينة العلم وعلي بابها). فجاء أبو هريرة ليروي: (أنا مدينة العلم وأبو بكرأرضها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها ومعاوية مفتاحها)!!
ولا عجب إن أصبح للمسجد أكثر من باب مفتوح، بعدما كانت الأبواب تقتصر على باب واحد! أمر النبي (صلىالله عليه وآله) أن تُسد جميع أبواب البيوت الملاصقة للمسجد والمطلة عليه، إذ لايجوز أن يدخل المسجد جُنُب على غير طهارة، باستثناء علي وأهل بيته (عليهم الصلاةوالسلام) لأنهم طاهرون مطهرون.. فيأتينا أمثال أبي هريرة ليروي أن النبي سد الأبواب إلا باب أبي بكر أو (خوخة) أبي بكر!
وهكذا استُبدلت (كتاب الله وعترتي) بـ (كتاب الله وسنتي)! وهكذا استبدلت (أهل بيتي كالنجوم) بـ (صحابتي كالنجوم)! وهكذااستبدلت: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) بـ (أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة)! وهكذا استبدلت (عما عُرج بي إلى السماء رأيت مكتوباً على العرش لا إله إلاالله محمد رسول الله عليه ولي الله) بـ (.. رأيت مكتوباً على العرش لا إله إلا اللهمحمد رسول الله أبو بكر الصديق)!!
دجل وخداع وكذب وتزوير!
هذا ما أتانا من تاريخ السلاطين والحكام وخلفاء الجور الذين انقضوا على رسول الله وأهل بيته وأرادواليطفئوا نورهم.. ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون!
مهما طالالزمان.. ستظهر الحقيقة يوماً، وسيكتشف المسلمون كيف خدعوا بالأساطير والخرافات،وكيف غُيِّبوا عن معرفة الحقائق بفعل الأنظمة والحكومات!
لقد كان التاريخ بيد تلك الأنظمة، فمعاوية - لعنه لله - كان قد أمر جميع قصاصي ورواة نظامه بأن يروجوابين الناس فضائل مختلقة مكذوبة لرفع شأن ابن عمه عثمان بن عفان! ولما وجد أن هذه (الفضائل) زادت عن حدها؛ أمر بأن يروجوا فضائل أبي بكر وعمر في مقابل أن ينتقصوا منقدر أبي تراب.. علي (عليه السلام)!
وحصل القصاصون على الدرهم والدينار، وحصلنانحن المسلمون على تاريخهم الذي كتبوه لنا بيد من طمع ودجل! والله وحده العالم مقدارما خسرناه من تراث الإسلام العظيم الذي لم يصلنا ولم نعرف عنه شيئاً، منذ أن بدأتحملة إحراقِ أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في العهد العُمَري، حتى زمانناهذا.
لكن الذين حاولوا طمس الحقائق لن يهنئوا أبداً، فمهما طال الزمان فلابدللحقيقة أن تظهر يوماً ما، ولابد لها أن تتجلى أمام الناس كالشمس في رابعة النهار،حتى ولو استمر الزيف لقرون وعقود طوال وانطلى على عقول الأجيال.
لقد كان قدراًمقداراً أن تقع عينا عالم محقق على عدد من النصوص التي أثارت علامات الاستفهام لديه، وقد كان توفيقاً إلهياً ذلك الذي جعله يندفع إلى دراستها والتمحيص حولها بماقاده إلى نتائج باهرة. وأخيراً فلقد كان إمداداً غيبياً ذلك الذي جعل هذا السرينكشف بعد 1422 عاماً من التمويه المتواصل. ذلك على يدي العلامة الشيخ نجاح الطائي،أشهر المعاصرين المتخصصين في قراءة واستنطاق السير والتواريخ.
(أبو بكر لم يكن مع الرسول في الغار)!
هذه هي النتيجة التي توصل إليها الشيخ الطائي بعد بحث مضن جهيد في جميع مصادر أهل العامة، فطوى بذلك 1422 سنة من الكذب والاختلاق اللذان لفاتلك القضية وأخرجاها عن واقعها الحقيقي.
(إنه أعظم توفيق إلهي حصل لي في حياتي إلى هذا اليوم).. هكذا وصف العلامة الطائي رحلته في سبر أغوار هذه القضية الشائكةوالمعقدة في بحثه المتكامل، الذي خص (المنبر) به للنشر - حصراً - قبل طبعه في كتاب مستقل ستتبناه (هيئة خدام المهدي) عليه الصلاة والسلام بالتعاون مع (دارالهدى).
بهدوء واضح وبرصانة علمية ناقش الطائي أكذوبة أن أبا بكر بن أبي قحافةهو من صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هجرته المباركة من مكة إلى المدينة،والكلام الذي يقال من أنه قد لجأ مع النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) في غار جبل ثور للاختباء من الكفرة الذين يلاحقونهما فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها).
ورد الشيخ في بحثه المعمّق على جميعالاستدلالات التي يوردها أهل السنة في شأن حضور أبي بكر في الغار، معتمداً على كتبهم ومصادرهم الحديثية والسيرية، وعليه فقد كسر الشيخ جميع القواعد التي بُنيتعلى هذه الفرضية، والتي يحاول منها القوم إثبات أفضلية لأبي بكر تؤهله للخلافةوقيادة الأمة.
ورغم أن القواعد التي بُنيت على تلك الفرضية لم تكن سليمة، إذيظهر - عند التدقيق في اللفظ والسياق - أن الآية الكريمة هي في مقام الذم لا المدحلأن الرجل الذي كان مع النبي (صلى الله عليه وآله) تلقى نهيا عن (حزنه) وهو ما ينبئعن كونه ارتكب معصية، كما أن هذا الرجل حُرم من السكينة إذ اقتصر نزولها علىالنبي.. رغم ذلك إلا أن فقهاء العامة استماتوا في إثبات أن الآية تمدح أبا بكروتجعل له مرتبة رفيعة رغم مخالفة هذه النتيجة لظاهر النص القرآني.
ويأتي الإنجازالعلمي الباهر الذي حققه سماحة الشيخ الطائي في بحث هذه القضية ليبدد كل الأوهام التي ارتبطت بها وكل التفسيرات غير المنطقية التي التصقت بالآية الشريفة، التي ثبت أنها لم تنزل في أبي بكر لأنه - في الأصل - لم يهاجر مع النبي ولم يكن في الغار بلكان قد هاجر مع البقية إلى المدينة قبل مجيء الرسول (صلى الله عليه وآله) إليها. وما دام قد ثبت ذلك فإن كل الامتيازات العقائدية التي منحها أهل العامة لأبي بكر - بناء على فرضية النزول - ستنتفي وسيتجرد هو منها تلقائياً.
ويمثل هذا الإنجازأيضاً تحولا جذرياً في رؤية التاريخ الإسلامي، تلك الرؤية التي كانت طوال 1400 عام بعين واحدة، واليوم بات بالإمكان أن تكتمل الرؤية بعينين.
والأهم أنه - أيالإنجاز العلمي هذا - سيكون بحول الله وقوته موضع رضى مولانا رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله)، الذي تجرأ عليه أرباب السير والحديث وأهل التدوين، فنسبوا إلىسيرته ما ليس منها في شيء، أملا في إضفاء هالة القداسة على الحكام.
ومن المتوقع أن يكون لهذا الإنجاز شأن عظيم في إثارة الجو العلمي والحماسة العقائدية، خاصة فيحال نشره مفصلاً في الكتاب المرتقب، فالبحث الذي تنشره (المنبر) في هذا العدد إنمايمثل خلاصة الكتاب بما يورث الاطمئنان إلى الحقيقة التاريخية. وفي الكتاب استدلالات وتفصيلات وتشعبات أكثر، فهو يقع في حوالي 300 صفحة من القطع الكبير. والمؤمل منجميع المؤمنين والمهتمين المساهمة في طباعة هذا السفر العظيم وتكثيره ليكون لهالدور الأكبر في تصحيح الخطأ التاريخي الفادح وتوعية الجماهير الإسلاميةبالحقيقة.
وقبل أن نأتي بالقارئ إلى موضوع البحث؛ ننتهز هذه الفرصة لتقديم أسمى آيات الشكر والعرفان باسم رئاسة التحرير إلى سماحة العلامة الشيخ نجاح الطائي الذي خص (المنبر) بهذا البحث القديم رغم سعي عددمن المجلات ودور النشر اللبنانية الزميلة للحصول عليه، وإذ تعتز (المنبر) بالثقةالتي منحها إياها سماحة الشيخ، فإنها تتوجه إلى الله تعالى سائلة أن يوفقها لأداءهذه المسؤولية العظيمة والدفاع عن الشريعة والآل الميامين الطاهرين (صلوات اللهوسلامه عليهم أجمعين).
ونترك السطور والصفحات التالية لقلم سماحة الشيخالطائي:
قبل البدء فإنني أهدي رحلتي هذه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى كل طلاب الحقيقة الساعين للوصول إلى الوقائع كما هي.
فليفرح المخلصون بشتى أصنافهم في وصولنا جميعاً إلى قصة الغار الحقيقية دون زيادة ولانقصان.
لنطوي سوية 1422 هـ سنة من الكذب والاختلاق الذي لف تلك القضيةوأخرجها عن صحتها وسيرتها الأصلية.
والشكر لله تعالى على ما أسداه لنا وهداناإليه في هذا الموضوع. فقد مضت 1420 سنة هجرية والمسلمون يقرؤون ما لفقه لهم الحكاموما كتبه لهم وعاظ السلاطين وأعوانهم. فاعتادت الأجيال الإسلامية على قراءةالأكاذيب المكتوبة عن الغار والهجرة فأصبح الخطأ فادحاً والأمر مريباً.
ولقد نجح الحكام المستبدون في فرض الظلام على الشعوب فكانت السجون مكتظة بالأحرار والمقابرملئى بالشهداء. وفي عالم الفكر أفلحوا في فرض تعتيم ثقافي على المسلمين في أغلب الحقبات التاريخية التي مرت على الشعوب. فكتبوا التاريخ كتابة ذاتية في مصلحتهم بعيداً عن الواقع والحقيقة.
وهذا البحث يفنّد قضية حضور أبي بكر في الغار بشكل علمي استناداً لرواية صحيحة ومتواترة وشواهد وقرائن كثيرة.
ويذكر بأن الأكاذيبكثيرة في موضوع ما يحوّل الحق إلى باطل ويحول الباطل إلى حق؛ فلقد كذب الأحبار على عيسى (عليه السلام) فصدق اليهود كلامهم فحاربوا عيسى (عليه السلام) وتآمروا علىقتله، وإلى يومنا هذا هم يعتقدون بكذبه ودجله!
وكذب نمرود على إبراهيم (عليهالسلام) فحمل معظم الناس الحطب لإحراقه!
وكذب قارون على بني إسرائيل فأصبحوا في جانبه معارضين لموسى (عليه السلام) ووصيه يوشع، وبلغ الأمر درجة أن حاربت صفيراءبنت شعيب زوجة موسى (عليه السلام) وصي زوجها يوشع بن نون (عليه السلام)!.
ورجالالحزب القرشي حاولوا جهدهم حشر أبي بكر في قضية الغار والهجرة متشبثين بكل الوسائل الممكنة في هذا المجال. فانتشرت عشرات الأحاديث المختلقة بين الناس ووضعت الدولةعيداً كبيراً لهذه المناسبة.
ولأن حبل الكذب قصير فقد تبين أن هذه الأكذوبة وضعت لمعارضة حادثة الغدير الواقعة في 18 ذي الحجة. فقد جعل رجال السياسة حادثة الغار في 26 ذي الحجة! في حين كانت واقعة الغار في شهر صفر!
ويتعب المرء من كثرة أكاذيب قريش وأذنابها وقدرتهم الفنية العالية في هذا المجال. ويكفي أن تعلم أن دهاء قريشلا يلحقه دهاء في ذلك الوقت.
واشتد هذا المكر بتلاحهم قريش واليهود فأصبح كعبالأحبار وهو شيطان اليهود واعظ المسجد النبوي في زمن عمر بن الخطاب واستمر في منصبهفي زمن عثمان بن عفان.
وإذا كان كعب اليهود معلماً للمسلمين يعلمهم دينهم فتصورما يمكن أن يدخله في الدين من افتراءات وإسرائيليات لا حصر لها!
وبلغ ذلك الدهاءقمته في تكفير السلطة للمسلم غير المعتقد بحضور أبي بكر في الغار! بينما قال الله تعالى في كتابه الشريف: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً).
هذا في الوقت الذي لم يكفر فيه وعاظ السلاطين هؤلاء قتلة فاطمة بنت محمد (عليهما الصلاةوالسلام)، ولم يكفروا قتلة الحسين (عليه السلام) ولم يكفروا المعتقدين بنقص القرآن!
ولا يعلم إلا الله تعالى كم هي أعداد المسلمين الذين قتلوا لعدم إيمانهمبحضور أبي بكر في الغار. لأن الحكومات كانت تقتل المسلمين بأعذار شتى وتكتم الأسباب الحقيقية لسفكها الدماء. فلقد قتل الحجاج بن يوسف الثقفي مئة وعشرين ألفاً بحجج غيرمعروفة، وسجن ثلاثة وثلاثين ألفاً، وكان من جملة المقتولين على يديه الفقيه الزاهد سعيد بن جبير وتلميذ الإمام علي (عليه السلام) كميل بن زياد وعبد الرحمن بن أبي ليلى الذي أخذ القرآن من أمير المؤمنين (عليه السلام). فهل قُتِل هؤلاء لعدمإيمانهم بحضور أبي بكر في الغار والهجرة؟
ومؤمن الطاق وكذلك هشام بن الحكم أعظمتلاميذ الإمام الصادق (عليه السلام) أطلقوا عليهما اسم الشيطان واتهموهما بأنهمايعتقدان بنقص القرآن، ذلك لأنهما ما كانا يعتقدان بصحبة أبي بكر للنبي محمد (صلىالله عليه وآله) في الغار!
لهذا يجب أن لا نستغرب إذا اكتشفنا الآن أن كل قضيةهجرة وحضور أبي بكر في الغار ليس لها أساس من الصحة، وأنها قضية مختلقة ملفقة، بلأكذوبة، ذلك لأنها تصطدم بالحقائق الموضوعية والروايات التاريخية، ونحن سنناقشهاونعرضها نقدياً كي تتضح الصورة للجميع.
إن ما هو منتشر بشكل خاطئ بين المسلمين في شأن هذا الموضوع، أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج من بيته ليلة الهجرة وقدأنام علياً (عليه السلام) في مكانه، وقد كان خروجه إعجازياً لأن مشركي قريش الذينكانوا يحوطون داره لم يروه بعدما قرأ الآيات: (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون...) فعموا عن مشاهدته. ثم توجه (صلى الله عليه وآله) إلى بيت أبي بكر بن أبي قحافة، وهناك انتظر إلى الصباح ثم خرج هو وأبو بكر للهجرةبصحبه أحد أدلاء الطرق ويدعى عبد الله بن أريقط بن بكر، وبدلاً من أن يسلك ابن بكربهما طريق الشمال حيث يثرب (المدينة المنورة) فإنه سلك بهما طريق الجنوب، أي جنوبمكة، تمويهاً للكفار الذين كانوا يريدون القضاء على خاتم الأنبياء (صلى الله عليهوآله) ورسالته السماوية. إلا أن الكفار فطنوا إلى ذلك من خلال دليل آخر هو كرز بنعلقمة الخزاعي، الذي تتبع آثار أقدام النبي (صلى الله عليه وآله) وقارنها بقدم جدهإبراهيم (عليه السلام)، فوصلوا أخيراً إلى جبل (ثور) حيث كان النبي (صلى الله عليهوآله) وأبو بكر في غاره مختبئين، وعندما وصلوا هناك بدأ أبو بكر يرتجف وكان حزيناًوخائفاً، فنهاه النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك بقوله له: (لا تحزن إن اللهمعنا). وقد جاءت في تلك اللحظات حمامة وباضت بيضة أمام الغار، ثم جاء عنكبوت منالعناكب فنسج خيوطه على الغار أيضاً، الأمر الذي جعل كفار قريش ينصرفون لاعتقادهمأنه مادامت الخيوط العنكبوتية موجودة وكذلك البيضة فإن أحداً لم يدخل في هذا الغار. وكذبوا بذلك دليلهم كرز بن علقمة رغم تأكيده مراراً على أن النبي موجود في هذاالغار. وبقي النبي (صلى الله عليه وآله) مع أبي بكر في هذا الغار ثلاثة أيامانتظاراً لهدوء حملات الملاحقة ضده، وطوال تلك الفترة كانت أسماء بنت أبي بكر هيالتي تأتي بالطعام من مكة إلى الغار لتقديمه إلى رسول الله وإلى أبيها. بعد ذلك تحرك النبي (صلى الله عليه وآله) نحو المدينة بصحبة دليله عبد الله بن أريقط بن بكر، ووصل إليها واستقبله المسلمون مبتهجين
تعليق