أكد رئيس المحكمة الجنائية العراقية (الهيئة الأولى) القاضي رؤوف عبد الرحمن رشيد أنه لم يفعل أكثر من أداء واجبه بإصداره حكم الإعدام في حق الرئيس العراقي السابق صدام حسين، منتقداً في الوقت نفسه طريقة تنفيذ الحكم في اليوم الأول من ايام عيد الأضحى المبارك.
وأضاف القاضي عبدالرحمن في أول مقابلة يجريها مع وسيلة إعلامية وخص بها «الحياة» أن صدام لم يتوقع إنزال حكم الإعدام به. ونفى وجود «تدخلات أميركية أو حكومية في سير المحاكمة»، مضيفاً أن الادعاءات الخاصة بوجود تدخلات هي من صنع أفكار وكلاء الدفاع عن المتهمين.
وكشف عبدالرحمن أنه التقى صدام مرتين خارج جلسات المحاكمة، مشيراً الى أنه لاحظ خلال تلك اللقاءات أن «صدام امتلك شخصية ذات مظهرين»، وأنه «كان مهووساً برؤية نفسه قوياً ومتماسكاً على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون»، لكنه كان ودوداً خارج المحكمة.
الى ذلك، كشف القاضي العراقي أن برزان ابراهيم التكريتي مصاب بالفعل بالسرطان وأن صدام أكد له أن مشاكساته داخل قاعة المحاكمة نتجت من حالته المرضية وعن طبيعته الحادة والعنيفة.
> الآن وقد تم تنفيذ الإعدام بالرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد الحكم الذي أصدرته المحكمة التي ترأستموها. هل تعتقد بأنك أصدرت القرار السليم أو الصائب؟
- أنا أعمل قاضياً. والقاضي ملزم بتطبيق نصوص القانون بأمانة وجدية ونزاهة ووفق موضوع الدعوة القضائية التي يحال على أساسها المتهمون على المحاكمة. إذا لم يلتزم القاضي بهذه المبادئ القانونية والقضائية، أي إذا لم يصدر الحكم العادل بحق المتهم الذي تثبت إدانته فإنه يُعد ممتنعاً عن إحقاق الحق. في موضوع إدانة الرئيس العراقي السابق صدام حسين والحكم عليه بالإعدام لم أفعل أكثر من أداء واجبي وتطبيق النص القانوني الواجب تطبيقه والمحال بموجبه المدان على المحكمة.
> هل تعتقد بأن صدام حسين كان يتوقع إنزال عقوبة الإعدام به؟
- في تقديري لم يكن المدان يتوقع إنزال حكم الإعدام به. فهو، من ناحية ، كان يعتقد بأنه سيظل باقياً أو خالداً في الحياة. ومن ناحية ثانية، كان محباً للحياة في شكل مطلق. ويصح وصفه بأنه كان نرجسياً متشبثاً بذاته. معروف أن الإنسان النرجسي يتعلق بالحياة ولا يتصور أن الموت مصير محتوم. ومن ناحية ثالثة، تصور المدان أن من غير الممكن إدانته في حادثة الدجيل أو الحكم عليه بالإعدام على أساسها. فالحادثة في تقديره، والدماء التي سالت فيها والجرائم التي ارتكبت خلالها لم تكن في مستوى الواقعة التي تجيز إصدار حكم الإعدام عليه باعتباره رئيس الجمهورية في فترة وقوع الجريمة. الى هذا، كان المدان يعتقد بأن السماء خولته أو أوحت له، في فترة وجوده في قمة السلطة، بحقه في ممارسة جريمة القتل ضد كل من يطلق الرصاص على موكبه في الدجيل أو غيرها. لكل هذه الاسباب لم يكن صدام حسين يتوقع صدور حكم الإعدام بحقه في قضية الدجيل.
> هناك من يرى أن الحكم الذي اصدرتموه بحق الرئيس السابق كان معداً سابقاً، أو منذ اليوم الأول لاعتقاله. أما المحاكمة وجلساتها ووقائعها فلم تكن سوى مسرحية. ماذا تقول في هذا الصدد؟
- هذه ليست سوى دعاية سياسية أطلقها أناس متعلقون بحكم صدام حسين وبتربيته في الحكم. بالنسبة اليّ كقاض، أنا تحت القسم. لهذا لا يمكن لأي شخص أو جهة أن يجبرني على اتخاذ قرار أو إصدار حكم لست مقتنعاً به. أنا والسادة القضاة أعضاء المحكمة الذين اسهموا معي في إدارة المحاكمة طيلة الجلسات الإحدى والأربعين الطويلة والمتعبة، لم يكن أمامنا شيء سوى هدف واحد هو إحقاق الحق والعدل بذهنية وعقلية القاضي العادل.
> لكن هناك من يتهمك باستخدام مشاعرك الكردية في المحاكمة ومحاولتك الانتقام من صدام حسين على كل ما مارسه من سياسات بحق الأكراد.
- يعرف الله العزيز القدير ما في الصدور وما في النيات. أنا لست في حاجة الى إعادة التأكيد على حقيقة أساسية مفادها أن حلبجة والأنفال لم تكونا في ذهني حينما ترأست محاكمة صدام حسين والآخرين من جماعته. كان شعاري خلال سير المحكمة أن أطبق القانون وأحقق العدل في شكل يرتاح له ضميري. مهنة القضاء في العراق معروفة بنزاهتها وحياديتها وحسن تطبيقها القانون. أنا بدوري ساهمت من طريق المحكمة في تطبيق حكم القانون على هذا الرجل من دون أي مؤثرات أو انفعالات أو انتقام.
> لكنك قد تكون تعرضت، أنت أو أحد أفراد عائلتك، الى عقوبة من النظام السابق، ربما ألقت بظلالها على الحكم الذي اصدرتموه.
- أريد أن أوضح أن صدام حسين نفسه أثار في إحدى جلسات المحاكمة هذا الموضوع وسألني في شكل كأنه هو الذي أصدر قراراً بإعفائي من عقوبة الحبس التي كانت صادرة بحقي. تأكيداً للواقع أوضحت له في تلك الجلسة أنني لم أتعرض للسجن والعفو في ظل حكم البعث، أي منذ عام 1968 ولغاية سقوطه في 2003 . في هذه الفترة كنت أمارس مهنة المحاماة في بغداد ضمن غرفة المحامين في الرصافة بكل حرية وشفافية ومن دون أن أواجه اي عرقلة في خصوص عملي. الحكم الصادر بحقي كان في زمن حكم عبدالسلام عارف عام 1964. كما أن قرار إعفائي من العقوبة صدر في زمن رئيس الوزراء الأسبق طاهر يحيى ونشر في الجريدة الرسمية آنذاك, وما زلت أحتفظ بنسخة من هذه الجريدة التي تتضمن قرار إعفائي من عقوبة السجن.
> هناك من يرى أن الانفعالية التي طبعت أسلوب عمل المحكمة دلت على أن حكم الإعدام كان متخذاً قبل المحاكمة.
- الانفعالية كانت مرفوضة من ناحيتي ومن ناحية بقية القضاة الأعضاء في هيئة المحكمة. أما الانفعالية التي تشير إليها فإنها جاءت بسبب عدم تقيد المتهمين بالضوابط القانونية وعدم احترامهم هيئة المحكمة والإخلال بهيبتها. لا أريد أن أظلم أحداً. لكن في سياق الوقائع ظهرت الانفعالية منذ بداية المحاكمة. كما تعرفون، لقد ترأست المحاكمة اعتباراً من الجلسة الثامنة. وبعد تسلمي رئاسة المحاكمة زادت حدة الاستفزازات والتهجمات والكلام العنيف والحملات الكلامية ضد المحكمة وهيئتها وأشخاصها. كان الواجب علي أن أضبط الجلسات. فضبط الجلسة وإدارتها منوط بالقاضي. وكانت تلك الاستفزازات على وشك أن تتسبب بمشكلات كبيرة أمام القضاء العراقي. لهذا كنت ملزماً بالمحافظة على القانون وضبط الجلسات وتنبيه المتهمين الى تركيز جهودهم وأقوالهم صوب الدفاع عن أنفسهم وفهم مجريات المحاكمة واحترام هيبتها.
> ماذا عن التدخلات الأميركية في سير المحاكمة؟
- لم تكن هناك تدخلات، لا أميركية ولا غير أميركية. لقد تسلمت رئاسة المحكمة الجنائية (الهيئة الأولى) بأمر صادر من رئيس القضاء العراقي ينص على استكمال مسيرة الدعوى بعيداً من أي تدخل. طيلة ايام المحاكمة وحتى إصدار القرار لم يتدخل أحد، أياً كان، في موضوع الدعوى القضائية أو في طريقة سير المحاكمة.
إن الادعاءات الخاصة بوجود تدخلات من قبل جهات، سواء عراقية أو أجنبية، هي من صنع أفكار وكلاء الدفاع الذين تجنبوا التركيز على الأساسيات للدفاع عن المتهمين، وركزوا جل جهودهم على ترديد أقاويل وشعارات غير صحيحة، مثل التدخل والتدخل وثم التدخل.
> ألم يكن هناك مستشارون أميركيون؟
- دعني أوضح. لم يكن دور الأميركيين دوراً استشارياً للمحاكمة. نحن كقضاة عراقيين متمرسين في المهنة لسنا في حاجة الى مستشارين أجانب أو أميركيين. فالسياق القضائي في العراق معروف. بالنسبة الى الأميركيين كان صدام حسين موقوفاً لديهم. لهذا كان يعمل، ضمن هيئة الارتباط بين إدارة السجن وهيئة المحكمة، مستشارون قانونيون أميركيون. وكان هؤلاء يقومون بتهيئة قاعة المحاكمة وجلب الموقوفين وإبقائهم في الصالات ومن ثم إحضارهم أمام المحكمة. بمجرد إحضار المتهمين الى داخل المحكمة كان دور الأميركيين ينتهي ليبدأ دور الحراس العراقيين.
> ألم يتواجدوا داخل القاعة كمراقبين؟
- بعد إدخال المتهمين الى قاعة المحكمة كان يتم تسليم المتهمين لحراس عراقيين مدربين يرتدون ملابس الشرطة العراقية. عدا عن هذا، وعدا عن (وزير الدفاع الأميركي السابق رمزي) كلارك ومحام أميركي آخر في هيئة الدفاع، لم أر أي أميركي آخر داخل قاعة المحاكمة.
> ماذا عن السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد؟ هل التقيتم به خارج قاعات المحكمة؟ هل تداولتم معه في أمور قد تكون لها علاقة بسير المحاكمة أو أوضاع المتهمين؟
- طيلة جلسات المحاكمة التي استمرت أكثر من عشرة أشهر لم ألتق السفير الأميركي في بغداد ولم أتعرف عليه. لكن بعد إصدار قرار الحكم وتسليم ملف الدعوى الى الرئاسة العليا للمحكمة، كنتُ في إحدى الأمسيات في منزل أحد الأصدقاء في بغداد حينما حضر خليل زاد والتقيته. قبل هذا اللقاء لم ألتق به ولم أتحدث إليه حتى من طريق الهاتف.
> لكن مصادر قريبة من المحكمة أشارت الى أن الأميركيين في العراق استمروا في تحقيقاتهم خارج أروقة المحكمة مع بعض المتهمين، خصوصاً مع برزان ابراهيم التكريتي، حول أموال تقول واشنطن إنها مودعة في مصارف أوروبية بأسماء شركات وهمية وبإشراف برزان. ألم تتعارض تلك التحقيقات مع سير المحاكمة؟
- في أحد الأيام، طلب برزان التكريتي مقابلتي شخصياً بعد انتهاء جلسات المحكمة . حينما جلبوه الى غرفتي، بحضور أحد القضاة وحارس عراقي، تحدث وقال إن الأميركيين يطالبونه بكشف معلومات عن أموال النظام السابق في الخارج. من ناحيتي لم أدعه يسترسل في الحديث وقلت له إن هذا الأمر خارج عن إطار الدعوى المقامة ضده. لهذا لا أستطيع الاستماع إليه في هذا الموضوع. أما إذا كان لديه شكوى حول أي قضية إجرائية فأنا مستعد للاستماع إليه. لهذا توقف عن سرد الحكاية وطلب مني، وهو بالمناسبة كثير الكلام، إحالته على هيئة طبية باعتبار أنه مصاب بمرض السرطان.
> هل وافقتم على طلبه؟
- نعم، وتشكلت لجنة لمعاينته.
> وهل توضحت نتيجة المعاينة؟
- في حدود علمي نعم، كان بالفعل مصاباً بالسرطان وكان المرض في بداياته.
> هل التقيت برزان على انفراد؟
- لم ألتقه سوى مرة واحدة. لكنه وجّه لي مذكرات بخط يده. كذلك فعل صدام حسين. في هذه المذكرات تحدثا عن أوضاعهما في السجن وطريقة تعامل الحراس معهما. في الواقع لدى هيئة المحكمة مذكرات وملاحظات مدونة بخط يد صدام وبرزان.
> ماذا عن تدخلات السلطة التنفيذية أو الحكومة العراقية في سير المحاكمة؟ قيل كلام كثير في هذا الخصوص؟
- في الحقيقة كنت أقرأ وجهات نظر مسؤولي السلطة التنفيذية في الصحف. بحسب ما فهمته من تصريحاتهم أنهم كانوا غير راضين عن الأسلوب الذي اتبعه القاضي رزكار محمد أمين الذي سبقني في رئاسة جلسات المحكمة. في ما بعد، أبدوا أيضاً عدم رضاهم عن أسلوبي في إدارة المحاكمة، خصوصاً لجهة طول الجلسات. لكن مباشرة لم يتحدثوا إليّ شخصياً لأنني لم أكن مستعداً لقبول مثل هذه التدخلات.
> مصادر قريبة من المحكمة أكدت أن القاضي رزكار قدم استقالته من الهيئة الأولى للمحكمة الجنائية بسبب تعرضه لضغوط مارستها عليه الحكومة العراقية التي كان يرأسها آنذاك ابراهيم الجعفري.
- بقدر ما يتعلق الأمر بحالي، لم أشعر بأي ضغط من مسؤولي الحكومة العراقية طيلة جلسات المحاكمة.
> لكن الحكومة العراقية نفسها ألمحت في شكل مبطن في تصريحات لبعض مسؤوليها الى أنها هي التي تتولى تعيين القضاة أو تنحيتهم. والمثال على ذلك القاضي السابق عبدالله العامري.
- أنا شخصياً لم ألتق بأي مسؤول عراقي ولم أتعرض لأي ضغط عراقي طيلة جلسات المحاكمة. بطبعي لا أرضخ للضغوط. هذا الكلام عن ضغوط من الحكومة العراقية سمعته بعد انتهاء الجلسات.
> لنتوقف هنا للحظة. كيف تقومون الأسلوب الذي تم بموجبه تنفيذ حكم الإعدام الذي أصدرتموه بحق صدام حسين؟
- عملية التنفيذ من مسؤوليات السلطة التنفيذية. أنا كقاض جزء من السلطة القضائية وليست لدي أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بمسألة تنفيذ الأحكام التي تصدر عن المحكمة. لكن في تقديري أن تنفيذ الحكم لم يتم في الوقت المناسب. فيوم الأول من عيد الأضحى المبارك ليس بالوقت المناسب لتنفيذ أحكام الإعدام.
> لننزل قليلاً الى العالم الخفي للمحاكمة. هل كنت تلتقي صدام حسين خارج جلسات المحكمة؟
- نعم، التقيته مرتين بناءً على طلبه. ففي إحدى الجلسات طلب المدان مقابلتي، في المرة الأولى طلب أن يلتقيني خمس دقائق، فطلبت منه أن يوضح سبب اللقاء. قال إنه بخصوص أخيه برزان. وافقت على طلبه والتقيته بحضور أحد أعضاء المحكمة وحراس عراقيين. تحدث صدام في هذه المقابلة عن برزان وأكد أن المشاكسات التي يبديها الأخير داخل قاعة المحاكمة لا تأتي عن سوء إنما نتيجة كونه مصاباً بمرض السرطان، مضيفاً أن برزان تميز حتى قبل إصابته بالمرض بطبع سيئ أساسه معاملة المقابل بالعنف والحدة.
في الواقع، لم يطلب صدام شيئاً لنفسه، إنما أكد أن غرضه الوحيد من المقابلة هو تقديم هذه الإيضاحات للمحكمة حتى تكون على بينه منها. كان ردي على صدام أن المحكمة تأخذ مرض برزان في الاعتبار وأنها أحالته على لجنة طبية مؤلفة من خمسة أطباء.
> هل لاحظت خلال الجلسات أو في اللقاءات الخاصة أن صدام حسين مشغول بهموم أخرى غير هم محاكمته؟
- في إحدى الجلسات، لاحظت وجود ملف من الأوراق في يد صدام حسين الى جانب القرآن الكريم الذي كان يحمله معه طوال الوقت. سألته عن الملف وما يحتويه من أوراق، فقال إنه أوراق تخص خاطرات يكتبها في السجن. طلبت منه إعطائي الملف، قال إنه يعطيني لكنه يريدني أن أعيده إليه. قلت له المفروض أن يعطيني أولاً هو الملف ومن ثم تنظر المحكمة في إعادته إليه أو الاحتفاظ بها. سلمني الملف الذي وجدت فيه أوراقاً وخاطرات. ليست أشعاراً وقصائد، بل نوع من المناجاة مع النفس والخاطرات الأدبية عن فترة حكمه وتجربته السياسية والحياتية، إضافة الى بعض الأفكار تجاه الأميركيين. في المقابلة الثانية أراد أن يتسلم أوراقه.
> هل كان صدام يبدو محبطاً أم قوياً بين سطور تلك الأوراق والخاطرات؟
- في الواقع، كان الرجل محبطاً. لكن صدام حسين امتلك خلال جلسات المحاكمة شخصية ذات مظهرين: الأول حينما تكون عدسات التلفزيون مسلطة عليه، والثاني بعيداً من عدسات التلفزيون. لا اقول إنه كان يعاني مرضاً نفسياً. لكنه بالتأكيد كان مهووساً بنفسه ومصراً على أن يرى نفسه ويراه الآخرون قوياً متماسكاً على صفحات الجرائد أو على شاشات التلفزيون. أما خلف الكاميرات فكانت لديه شخصية أخرى.
> شخصية من أي نوع؟
- شخصية هادئة يختلط فيها الإحباط بحالة نفسية معقدة يصعب سبر أغوارها.
> التقيت صدام مرتين. فهل تميز اللقاءان بالتشنج الذي لاحظناه في جلسات المحكمة؟
- بالعكس، كان يحاول في هذين اللقاءين خلق جو من اللطافة والليونة والمودة. كان يبتسم ونتبادل اللطائف. في إحدى المرات رويت له لطيفة كردية عن شخص من عشيرة الجاف الكردية شبيه في الطباع بشقيقه برزان. ارتاح الى اللطيفة وضحك.
> ألم يتحدث في هذه اللقاءات عن مشكلاته الشخصية أو عن أفراد عائلته أو عن نجليه المقتولين عدي وقصي؟
- لم يتطرق الى المواضيع الشخصية.
> ماذا عن مشكلاته مع الأميركيين؟ هل تطرق الى ذلك؟
- في الواقع كان صدام يشكو على الدوام من الأميركيين. وعن سوء معاملتهم له في السجن. كما أنه كان ملحاً في القول إن الأميركيين مسؤولون عن انهيار الأوضاع في العراق.
> لنعد الى جلسات المحاكمة. القاضي الوحيد الذي رأيناه على شاشات التلفزيون في جلسات قضية الدجيل هو أنت. هل كنت الوحيد على منصة هيئة المحكمة أم كان هناك قضاة آخرون معك على المنصة لم تظهر وجوههم لأسباب أمنية؟
- في الحقيقة تكونت الهيئة القضائية الخاصة بمحكمة الدجيل من خمسة قضاة: رئيس الهيئة وأربعة أعضاء. كنت الوحيد الذي يظهر في التلفزيون لأنني كنت رئيس الهيئة. أعتقد بأن ظهوري منفرداً على الشاشة كان نقصاً حتى من وجهة نظر قضائية. لكن الظرف الأمني السائد في العراق تطلب عدم ظهور الآخرين، خصوصاً بعد مقتل العديد من العاملين في هيئة الإدعاء العام وهيئة محامي الدفاع.
> ماذا عن المراقبين في قاعة المحاكمة؟ هل سمحت المحكمة بحضور مراقبين عراقيين أو غير عراقيين: أفراد أو منظمات؟
- قبل هذا دعني أوضح طبيعة القاعة التي كانت تعقد فيها جلسات المحاكمة.
تكونت قاعة المحكمة من جزء أمامي معزول عن بقية القاعة من طريق جدار زجاجي عازل للصوت والرؤية. هذا الجزء تضمن أماكن خاصة لجلوس رئيس وأعضاء هيئة المحاكمة وأعضاء هيئة الادعاء العام وهيئة الدفاع ووكلاء الحق الشخصي والمتهمين. أما الجزء الآخر من القاعة فكان يتكون من طبقتين تطلان على الجزء الأول: طبقة سفلية مخصصة للصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء. وطبقة علوية مخصصة للزوار والشخصيات الرسمية وغير الرسمية. لم يكن في إمكان المتهمين رؤية الأشخاص الجالسين في الجزء المعزول من القاعة. لكن رئيس وأعضاء هيئة المحكمة على المنصة كانوا قادرين على رؤية الجالسين في الطبقتين.
في الواقع، حضر العديد من الشخصيات والزوار وممثلي المنظمات غير الحكومية الى القاعة المخصصة للزوار. وكان هؤلاء بمثابة مراقبين مدنيين لكيفية سير المحاكمة. لكن لم يكن من حقهم التأثير في سير المحاكمة أو التدخل في شؤونها.
> ماذا عن إغلاق عدسات الكاميرات واللاقطات؟ هل كان القاضي يتحكم بزر الإغلاق أو كان هناك آخرون يتولون هذا الأمر؟
- ضبط جلسات المحاكمة منوط بالقاضي. في هذا الإطار القاضي مسؤول عن ضبط الكلمات والعبارات التي يتم تداولها في المحاكمة. وله الحق الكامل في منع الكلمات النابية والعبارات الإيحائية أو حتى منع الحملات الكلامية ضد أي كان. وهذا أمر جار حتى في المحاكم الاعتيادية ومحاكم الجنح والجنايات. فالسلطة التي يتمتع بها القاضي داخل قاعة المحكمة تمنحه صلاحية منع تداول مثل هذه الكلمات والجمل أو حتى الطلب بإخراج هذا أو ذاك من قاعة المحاكمة.
كما ذكرت في السابق، قاعة المحاكمة مهيأة في شكل يسمح للقاضي بالتحكم بأزرار خاصة بإغلاق اللاقطات ووقف البث التلفزيوني أو حجب الرؤية أمام عدسات الكاميرات وأمام الحاضرين داخل القاعة.
في الحقيقة، المتهمون كانوا أشخاصاً غير اعتياديين، بل كانوا هجوميين واستفزازيين طوال جلسات المحاكمة. لهذا كثيراً ما استغلوا بعض العبارات والكلمات الصادرة من الشهود أو من أعضاء هيئة الادعاء العام لجهة التعبير عن أقوال معينة هدفها المسّ بأمن الدولة أو تهييج الرأي العام أو المس بمشاعر الناس. هذه الأمور كانت متروكة لتقديرات القاضي الذي له الحق في قطع البث أو قطع الكلام موقتاً. أما التسجيل المرئي والمسموع لكل جلسات المحكمة فإنه موجود ومن الممكن الإطلاع عليه. عدا عن هذا لم تكن هناك رقابة على مسار المحاكمة. طبعاً هذا لا يعني عدم وجود رقابة من نوع آخر، رقابة تفرضها الضرورات الأمنية حينما كان يصار الى تأخير البث المباشر فترة تقرب من نصف ساعة. وكان الهدف إتاحة فرصة زمنية لحذف بعض الأسماء والكلمات لأسباب أمنية.
> في فترات إغلاق اللاقطات والعدسات، أو حتى في الجلسات المغلقة، إن كانت هناك جلسات مغلقة، هل كانت الأمور تسير على المنوال نفسه من التشنج والحدة؟
- عندما كان المتهمون، بمن فيهم صدام حسين وبرزان التكريتي، يرون أن القاعة مغلقة والعدسات متوقفة عن النقل المباشر أو نقل الصوت كانوا يتحولون الى أناس وديعين. في بعض الحالات كنت أطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم ليسمعهم الجميع. بمجرد أن يسدل الستار أو يقطع البث كانوا يتحولون الى عالم آخر والى شخصيات مختلفة كلياً. يتحولون من حالة الهجوم والاستفزاز الى متهمين عاديين مطأطئي الرؤوس.
> لنتحول قليلاً الى محور الدفاع. كما هو معلوم ضمت هيئة الدفاع عن المتهمين محامين من جنسيات مختلفة: من مصر والأردن والإمارات ولبنان، بل حتى من الولايات المتحدة. هل تعتقد بأن هيئة الدفاع أدت واجبها القانوني في شكل صحيح؟
- بالنسبة الى تصرفات هيئة الدفاع، أحيلك وأحيل المعنيين بهذا الموضوع الى نص قانون المحاماة النافذ لعام 1965، أظن الفقرة الثالثة. هذه الفقرة تسمح للمحامي الأجنبي بحضور جلسات أي محاكمة عراقية بمعية محام عراقي وتحت إشرافه. لكن ما حدث في محكمة الدجيل كان العكس تماماً. طبعاً هناك بند آخر ينص على شرط المعاملة بالمثل. أي يحق لمحامي دولة معينة أن يحضروا جلسات محاكمة تعقد في بلد آخر، لكن شرط أن تكون هناك اتفاقية قانونية موقعة بين البلدين تلزمهما بالسماح لمحاميهم بحضور المحاكمات في البلدين. أنا شخصياً لم أسمع أن الولايات المتحدة سمحت لمحام عراقي بحضور محاكمة أميركية تعقد داخل الأراضي الأميركية. لم أطلع على وجود اتفاقية بين نقابة المحامين في العراق ونقابة المحامين في أميركا تنسق عملية حضور المحامين من البلدين في المحاكمات. لكننا مع هذا سمحنا للمدعي العام الأميركي السابق رامزي كلارك ولمحام أميركي آخر بحضور جلسات المحاكمة.
أما بالنسبة الى المحامين من الدول العربية، كان المفروض أن يقدم هؤلاء دفاعاتهم بمعية محام عراقي وتحت إشرافه. لكن ما حدث داخل القاعة كان العكس تماماً. مع هذا تحملت المحكمة هذه التجاوزات.
> شهدت جلسات المحاكمة حوادث طرد أو انسحاب أو مقاطعة لأعضاء في هيئة الدفاع عن المتهمين من القاعة، خصوصاً قراركم طرد رامزي كلارك الأميركي من قاعة المحاكمة. ألم يزعج هذا القرار الأميركيين؟
- بداية، أريد أن أشير الى أن حضور كلارك والمحامي الأميركي الآخر كان مخالفاً للقانون وتجاوزاً لسلطة القضاء في العراق. ثم أن كلارك لم يحضر كمحام، إنما حضر بدافع سياسي. فهو لم يمارس منذ سنوات مهنة المحاماة في بلده، ما يمنعه من ممارسة المحاماة في بلد آخر.
ثم لم يكن قراري بإخراج كلارك من القاعة في الجلسة الأخيرة هو القرار الأول من نوعه، بل كنت في جلسة سابقة قد أخرجته مع محام أميركي آخر من القاعة. لم ألحظ ولم أسمع من الأميركيين في هيئة الارتباط، وهي هيئة مؤلفة من مجموعة محامين وقضاة ومستشارين قانونيين من نيويورك وولاية أميركية أخرى ومن بريطانيا وأستراليا، ان قرار طرد كلارك أزعجهم.
> قبل أن نصل الى نهاية المقابلة، لنرجع قليلاً الى المحور الأول: ألم تربط، على الأقل في داخلك، بين ما حدث في الدجيل عام 1982 وما حل بعد ذلك بست سنوات بمدينتك حلبجة على يد النظام العراقي السابق؟ أنت من حلبجة كما نعرف.
- الحقيقة، أنني، طوال جلسات المحاكمة، حرصت على أن أكون مجرداً من كل النوازع الذاتية والذكريات الأليمة والدوافع الشخصية. لقد وهبت نفسي كلياً لإقرار الحق بعيداً من كل العواطف. والله شاهد على ما أقول. لقد مارست وظيفتي بكل شفافية ولم أربط بين الحالين.
> أين كنت عندما وقعت حادثة الدجيل عام 1982؟
- في عام 1982 كنت أمارس مهنة المحاماة في شارع السعدون في بغداد، وكنت أسكن مع عائلتي في مدينة الضباط. قبل أن أقرأ خبر الدجيل في الصحف، سمعته من جاري في المدينة وكان ضابطاً في الجيش العراقي. أما التفاصيل فلم أسمع بها إلا بعد شروع المحاكمة، خصوصاً بعد أن بدأت بدراسة ملفات كاملة عن القضية (22 ملفاً كبيراً من الوثائق والأوراق".
وأضاف القاضي عبدالرحمن في أول مقابلة يجريها مع وسيلة إعلامية وخص بها «الحياة» أن صدام لم يتوقع إنزال حكم الإعدام به. ونفى وجود «تدخلات أميركية أو حكومية في سير المحاكمة»، مضيفاً أن الادعاءات الخاصة بوجود تدخلات هي من صنع أفكار وكلاء الدفاع عن المتهمين.
وكشف عبدالرحمن أنه التقى صدام مرتين خارج جلسات المحاكمة، مشيراً الى أنه لاحظ خلال تلك اللقاءات أن «صدام امتلك شخصية ذات مظهرين»، وأنه «كان مهووساً برؤية نفسه قوياً ومتماسكاً على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون»، لكنه كان ودوداً خارج المحكمة.
الى ذلك، كشف القاضي العراقي أن برزان ابراهيم التكريتي مصاب بالفعل بالسرطان وأن صدام أكد له أن مشاكساته داخل قاعة المحاكمة نتجت من حالته المرضية وعن طبيعته الحادة والعنيفة.
> الآن وقد تم تنفيذ الإعدام بالرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد الحكم الذي أصدرته المحكمة التي ترأستموها. هل تعتقد بأنك أصدرت القرار السليم أو الصائب؟
- أنا أعمل قاضياً. والقاضي ملزم بتطبيق نصوص القانون بأمانة وجدية ونزاهة ووفق موضوع الدعوة القضائية التي يحال على أساسها المتهمون على المحاكمة. إذا لم يلتزم القاضي بهذه المبادئ القانونية والقضائية، أي إذا لم يصدر الحكم العادل بحق المتهم الذي تثبت إدانته فإنه يُعد ممتنعاً عن إحقاق الحق. في موضوع إدانة الرئيس العراقي السابق صدام حسين والحكم عليه بالإعدام لم أفعل أكثر من أداء واجبي وتطبيق النص القانوني الواجب تطبيقه والمحال بموجبه المدان على المحكمة.
> هل تعتقد بأن صدام حسين كان يتوقع إنزال عقوبة الإعدام به؟
- في تقديري لم يكن المدان يتوقع إنزال حكم الإعدام به. فهو، من ناحية ، كان يعتقد بأنه سيظل باقياً أو خالداً في الحياة. ومن ناحية ثانية، كان محباً للحياة في شكل مطلق. ويصح وصفه بأنه كان نرجسياً متشبثاً بذاته. معروف أن الإنسان النرجسي يتعلق بالحياة ولا يتصور أن الموت مصير محتوم. ومن ناحية ثالثة، تصور المدان أن من غير الممكن إدانته في حادثة الدجيل أو الحكم عليه بالإعدام على أساسها. فالحادثة في تقديره، والدماء التي سالت فيها والجرائم التي ارتكبت خلالها لم تكن في مستوى الواقعة التي تجيز إصدار حكم الإعدام عليه باعتباره رئيس الجمهورية في فترة وقوع الجريمة. الى هذا، كان المدان يعتقد بأن السماء خولته أو أوحت له، في فترة وجوده في قمة السلطة، بحقه في ممارسة جريمة القتل ضد كل من يطلق الرصاص على موكبه في الدجيل أو غيرها. لكل هذه الاسباب لم يكن صدام حسين يتوقع صدور حكم الإعدام بحقه في قضية الدجيل.
> هناك من يرى أن الحكم الذي اصدرتموه بحق الرئيس السابق كان معداً سابقاً، أو منذ اليوم الأول لاعتقاله. أما المحاكمة وجلساتها ووقائعها فلم تكن سوى مسرحية. ماذا تقول في هذا الصدد؟
- هذه ليست سوى دعاية سياسية أطلقها أناس متعلقون بحكم صدام حسين وبتربيته في الحكم. بالنسبة اليّ كقاض، أنا تحت القسم. لهذا لا يمكن لأي شخص أو جهة أن يجبرني على اتخاذ قرار أو إصدار حكم لست مقتنعاً به. أنا والسادة القضاة أعضاء المحكمة الذين اسهموا معي في إدارة المحاكمة طيلة الجلسات الإحدى والأربعين الطويلة والمتعبة، لم يكن أمامنا شيء سوى هدف واحد هو إحقاق الحق والعدل بذهنية وعقلية القاضي العادل.
> لكن هناك من يتهمك باستخدام مشاعرك الكردية في المحاكمة ومحاولتك الانتقام من صدام حسين على كل ما مارسه من سياسات بحق الأكراد.
- يعرف الله العزيز القدير ما في الصدور وما في النيات. أنا لست في حاجة الى إعادة التأكيد على حقيقة أساسية مفادها أن حلبجة والأنفال لم تكونا في ذهني حينما ترأست محاكمة صدام حسين والآخرين من جماعته. كان شعاري خلال سير المحكمة أن أطبق القانون وأحقق العدل في شكل يرتاح له ضميري. مهنة القضاء في العراق معروفة بنزاهتها وحياديتها وحسن تطبيقها القانون. أنا بدوري ساهمت من طريق المحكمة في تطبيق حكم القانون على هذا الرجل من دون أي مؤثرات أو انفعالات أو انتقام.
> لكنك قد تكون تعرضت، أنت أو أحد أفراد عائلتك، الى عقوبة من النظام السابق، ربما ألقت بظلالها على الحكم الذي اصدرتموه.
- أريد أن أوضح أن صدام حسين نفسه أثار في إحدى جلسات المحاكمة هذا الموضوع وسألني في شكل كأنه هو الذي أصدر قراراً بإعفائي من عقوبة الحبس التي كانت صادرة بحقي. تأكيداً للواقع أوضحت له في تلك الجلسة أنني لم أتعرض للسجن والعفو في ظل حكم البعث، أي منذ عام 1968 ولغاية سقوطه في 2003 . في هذه الفترة كنت أمارس مهنة المحاماة في بغداد ضمن غرفة المحامين في الرصافة بكل حرية وشفافية ومن دون أن أواجه اي عرقلة في خصوص عملي. الحكم الصادر بحقي كان في زمن حكم عبدالسلام عارف عام 1964. كما أن قرار إعفائي من العقوبة صدر في زمن رئيس الوزراء الأسبق طاهر يحيى ونشر في الجريدة الرسمية آنذاك, وما زلت أحتفظ بنسخة من هذه الجريدة التي تتضمن قرار إعفائي من عقوبة السجن.
> هناك من يرى أن الانفعالية التي طبعت أسلوب عمل المحكمة دلت على أن حكم الإعدام كان متخذاً قبل المحاكمة.
- الانفعالية كانت مرفوضة من ناحيتي ومن ناحية بقية القضاة الأعضاء في هيئة المحكمة. أما الانفعالية التي تشير إليها فإنها جاءت بسبب عدم تقيد المتهمين بالضوابط القانونية وعدم احترامهم هيئة المحكمة والإخلال بهيبتها. لا أريد أن أظلم أحداً. لكن في سياق الوقائع ظهرت الانفعالية منذ بداية المحاكمة. كما تعرفون، لقد ترأست المحاكمة اعتباراً من الجلسة الثامنة. وبعد تسلمي رئاسة المحاكمة زادت حدة الاستفزازات والتهجمات والكلام العنيف والحملات الكلامية ضد المحكمة وهيئتها وأشخاصها. كان الواجب علي أن أضبط الجلسات. فضبط الجلسة وإدارتها منوط بالقاضي. وكانت تلك الاستفزازات على وشك أن تتسبب بمشكلات كبيرة أمام القضاء العراقي. لهذا كنت ملزماً بالمحافظة على القانون وضبط الجلسات وتنبيه المتهمين الى تركيز جهودهم وأقوالهم صوب الدفاع عن أنفسهم وفهم مجريات المحاكمة واحترام هيبتها.
> ماذا عن التدخلات الأميركية في سير المحاكمة؟
- لم تكن هناك تدخلات، لا أميركية ولا غير أميركية. لقد تسلمت رئاسة المحكمة الجنائية (الهيئة الأولى) بأمر صادر من رئيس القضاء العراقي ينص على استكمال مسيرة الدعوى بعيداً من أي تدخل. طيلة ايام المحاكمة وحتى إصدار القرار لم يتدخل أحد، أياً كان، في موضوع الدعوى القضائية أو في طريقة سير المحاكمة.
إن الادعاءات الخاصة بوجود تدخلات من قبل جهات، سواء عراقية أو أجنبية، هي من صنع أفكار وكلاء الدفاع الذين تجنبوا التركيز على الأساسيات للدفاع عن المتهمين، وركزوا جل جهودهم على ترديد أقاويل وشعارات غير صحيحة، مثل التدخل والتدخل وثم التدخل.
> ألم يكن هناك مستشارون أميركيون؟
- دعني أوضح. لم يكن دور الأميركيين دوراً استشارياً للمحاكمة. نحن كقضاة عراقيين متمرسين في المهنة لسنا في حاجة الى مستشارين أجانب أو أميركيين. فالسياق القضائي في العراق معروف. بالنسبة الى الأميركيين كان صدام حسين موقوفاً لديهم. لهذا كان يعمل، ضمن هيئة الارتباط بين إدارة السجن وهيئة المحكمة، مستشارون قانونيون أميركيون. وكان هؤلاء يقومون بتهيئة قاعة المحاكمة وجلب الموقوفين وإبقائهم في الصالات ومن ثم إحضارهم أمام المحكمة. بمجرد إحضار المتهمين الى داخل المحكمة كان دور الأميركيين ينتهي ليبدأ دور الحراس العراقيين.
> ألم يتواجدوا داخل القاعة كمراقبين؟
- بعد إدخال المتهمين الى قاعة المحكمة كان يتم تسليم المتهمين لحراس عراقيين مدربين يرتدون ملابس الشرطة العراقية. عدا عن هذا، وعدا عن (وزير الدفاع الأميركي السابق رمزي) كلارك ومحام أميركي آخر في هيئة الدفاع، لم أر أي أميركي آخر داخل قاعة المحاكمة.
> ماذا عن السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد؟ هل التقيتم به خارج قاعات المحكمة؟ هل تداولتم معه في أمور قد تكون لها علاقة بسير المحاكمة أو أوضاع المتهمين؟
- طيلة جلسات المحاكمة التي استمرت أكثر من عشرة أشهر لم ألتق السفير الأميركي في بغداد ولم أتعرف عليه. لكن بعد إصدار قرار الحكم وتسليم ملف الدعوى الى الرئاسة العليا للمحكمة، كنتُ في إحدى الأمسيات في منزل أحد الأصدقاء في بغداد حينما حضر خليل زاد والتقيته. قبل هذا اللقاء لم ألتق به ولم أتحدث إليه حتى من طريق الهاتف.
> لكن مصادر قريبة من المحكمة أشارت الى أن الأميركيين في العراق استمروا في تحقيقاتهم خارج أروقة المحكمة مع بعض المتهمين، خصوصاً مع برزان ابراهيم التكريتي، حول أموال تقول واشنطن إنها مودعة في مصارف أوروبية بأسماء شركات وهمية وبإشراف برزان. ألم تتعارض تلك التحقيقات مع سير المحاكمة؟
- في أحد الأيام، طلب برزان التكريتي مقابلتي شخصياً بعد انتهاء جلسات المحكمة . حينما جلبوه الى غرفتي، بحضور أحد القضاة وحارس عراقي، تحدث وقال إن الأميركيين يطالبونه بكشف معلومات عن أموال النظام السابق في الخارج. من ناحيتي لم أدعه يسترسل في الحديث وقلت له إن هذا الأمر خارج عن إطار الدعوى المقامة ضده. لهذا لا أستطيع الاستماع إليه في هذا الموضوع. أما إذا كان لديه شكوى حول أي قضية إجرائية فأنا مستعد للاستماع إليه. لهذا توقف عن سرد الحكاية وطلب مني، وهو بالمناسبة كثير الكلام، إحالته على هيئة طبية باعتبار أنه مصاب بمرض السرطان.
> هل وافقتم على طلبه؟
- نعم، وتشكلت لجنة لمعاينته.
> وهل توضحت نتيجة المعاينة؟
- في حدود علمي نعم، كان بالفعل مصاباً بالسرطان وكان المرض في بداياته.
> هل التقيت برزان على انفراد؟
- لم ألتقه سوى مرة واحدة. لكنه وجّه لي مذكرات بخط يده. كذلك فعل صدام حسين. في هذه المذكرات تحدثا عن أوضاعهما في السجن وطريقة تعامل الحراس معهما. في الواقع لدى هيئة المحكمة مذكرات وملاحظات مدونة بخط يد صدام وبرزان.
> ماذا عن تدخلات السلطة التنفيذية أو الحكومة العراقية في سير المحاكمة؟ قيل كلام كثير في هذا الخصوص؟
- في الحقيقة كنت أقرأ وجهات نظر مسؤولي السلطة التنفيذية في الصحف. بحسب ما فهمته من تصريحاتهم أنهم كانوا غير راضين عن الأسلوب الذي اتبعه القاضي رزكار محمد أمين الذي سبقني في رئاسة جلسات المحكمة. في ما بعد، أبدوا أيضاً عدم رضاهم عن أسلوبي في إدارة المحاكمة، خصوصاً لجهة طول الجلسات. لكن مباشرة لم يتحدثوا إليّ شخصياً لأنني لم أكن مستعداً لقبول مثل هذه التدخلات.
> مصادر قريبة من المحكمة أكدت أن القاضي رزكار قدم استقالته من الهيئة الأولى للمحكمة الجنائية بسبب تعرضه لضغوط مارستها عليه الحكومة العراقية التي كان يرأسها آنذاك ابراهيم الجعفري.
- بقدر ما يتعلق الأمر بحالي، لم أشعر بأي ضغط من مسؤولي الحكومة العراقية طيلة جلسات المحاكمة.
> لكن الحكومة العراقية نفسها ألمحت في شكل مبطن في تصريحات لبعض مسؤوليها الى أنها هي التي تتولى تعيين القضاة أو تنحيتهم. والمثال على ذلك القاضي السابق عبدالله العامري.
- أنا شخصياً لم ألتق بأي مسؤول عراقي ولم أتعرض لأي ضغط عراقي طيلة جلسات المحاكمة. بطبعي لا أرضخ للضغوط. هذا الكلام عن ضغوط من الحكومة العراقية سمعته بعد انتهاء الجلسات.
> لنتوقف هنا للحظة. كيف تقومون الأسلوب الذي تم بموجبه تنفيذ حكم الإعدام الذي أصدرتموه بحق صدام حسين؟
- عملية التنفيذ من مسؤوليات السلطة التنفيذية. أنا كقاض جزء من السلطة القضائية وليست لدي أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بمسألة تنفيذ الأحكام التي تصدر عن المحكمة. لكن في تقديري أن تنفيذ الحكم لم يتم في الوقت المناسب. فيوم الأول من عيد الأضحى المبارك ليس بالوقت المناسب لتنفيذ أحكام الإعدام.
> لننزل قليلاً الى العالم الخفي للمحاكمة. هل كنت تلتقي صدام حسين خارج جلسات المحكمة؟
- نعم، التقيته مرتين بناءً على طلبه. ففي إحدى الجلسات طلب المدان مقابلتي، في المرة الأولى طلب أن يلتقيني خمس دقائق، فطلبت منه أن يوضح سبب اللقاء. قال إنه بخصوص أخيه برزان. وافقت على طلبه والتقيته بحضور أحد أعضاء المحكمة وحراس عراقيين. تحدث صدام في هذه المقابلة عن برزان وأكد أن المشاكسات التي يبديها الأخير داخل قاعة المحاكمة لا تأتي عن سوء إنما نتيجة كونه مصاباً بمرض السرطان، مضيفاً أن برزان تميز حتى قبل إصابته بالمرض بطبع سيئ أساسه معاملة المقابل بالعنف والحدة.
في الواقع، لم يطلب صدام شيئاً لنفسه، إنما أكد أن غرضه الوحيد من المقابلة هو تقديم هذه الإيضاحات للمحكمة حتى تكون على بينه منها. كان ردي على صدام أن المحكمة تأخذ مرض برزان في الاعتبار وأنها أحالته على لجنة طبية مؤلفة من خمسة أطباء.
> هل لاحظت خلال الجلسات أو في اللقاءات الخاصة أن صدام حسين مشغول بهموم أخرى غير هم محاكمته؟
- في إحدى الجلسات، لاحظت وجود ملف من الأوراق في يد صدام حسين الى جانب القرآن الكريم الذي كان يحمله معه طوال الوقت. سألته عن الملف وما يحتويه من أوراق، فقال إنه أوراق تخص خاطرات يكتبها في السجن. طلبت منه إعطائي الملف، قال إنه يعطيني لكنه يريدني أن أعيده إليه. قلت له المفروض أن يعطيني أولاً هو الملف ومن ثم تنظر المحكمة في إعادته إليه أو الاحتفاظ بها. سلمني الملف الذي وجدت فيه أوراقاً وخاطرات. ليست أشعاراً وقصائد، بل نوع من المناجاة مع النفس والخاطرات الأدبية عن فترة حكمه وتجربته السياسية والحياتية، إضافة الى بعض الأفكار تجاه الأميركيين. في المقابلة الثانية أراد أن يتسلم أوراقه.
> هل كان صدام يبدو محبطاً أم قوياً بين سطور تلك الأوراق والخاطرات؟
- في الواقع، كان الرجل محبطاً. لكن صدام حسين امتلك خلال جلسات المحاكمة شخصية ذات مظهرين: الأول حينما تكون عدسات التلفزيون مسلطة عليه، والثاني بعيداً من عدسات التلفزيون. لا اقول إنه كان يعاني مرضاً نفسياً. لكنه بالتأكيد كان مهووساً بنفسه ومصراً على أن يرى نفسه ويراه الآخرون قوياً متماسكاً على صفحات الجرائد أو على شاشات التلفزيون. أما خلف الكاميرات فكانت لديه شخصية أخرى.
> شخصية من أي نوع؟
- شخصية هادئة يختلط فيها الإحباط بحالة نفسية معقدة يصعب سبر أغوارها.
> التقيت صدام مرتين. فهل تميز اللقاءان بالتشنج الذي لاحظناه في جلسات المحكمة؟
- بالعكس، كان يحاول في هذين اللقاءين خلق جو من اللطافة والليونة والمودة. كان يبتسم ونتبادل اللطائف. في إحدى المرات رويت له لطيفة كردية عن شخص من عشيرة الجاف الكردية شبيه في الطباع بشقيقه برزان. ارتاح الى اللطيفة وضحك.
> ألم يتحدث في هذه اللقاءات عن مشكلاته الشخصية أو عن أفراد عائلته أو عن نجليه المقتولين عدي وقصي؟
- لم يتطرق الى المواضيع الشخصية.
> ماذا عن مشكلاته مع الأميركيين؟ هل تطرق الى ذلك؟
- في الواقع كان صدام يشكو على الدوام من الأميركيين. وعن سوء معاملتهم له في السجن. كما أنه كان ملحاً في القول إن الأميركيين مسؤولون عن انهيار الأوضاع في العراق.
> لنعد الى جلسات المحاكمة. القاضي الوحيد الذي رأيناه على شاشات التلفزيون في جلسات قضية الدجيل هو أنت. هل كنت الوحيد على منصة هيئة المحكمة أم كان هناك قضاة آخرون معك على المنصة لم تظهر وجوههم لأسباب أمنية؟
- في الحقيقة تكونت الهيئة القضائية الخاصة بمحكمة الدجيل من خمسة قضاة: رئيس الهيئة وأربعة أعضاء. كنت الوحيد الذي يظهر في التلفزيون لأنني كنت رئيس الهيئة. أعتقد بأن ظهوري منفرداً على الشاشة كان نقصاً حتى من وجهة نظر قضائية. لكن الظرف الأمني السائد في العراق تطلب عدم ظهور الآخرين، خصوصاً بعد مقتل العديد من العاملين في هيئة الإدعاء العام وهيئة محامي الدفاع.
> ماذا عن المراقبين في قاعة المحاكمة؟ هل سمحت المحكمة بحضور مراقبين عراقيين أو غير عراقيين: أفراد أو منظمات؟
- قبل هذا دعني أوضح طبيعة القاعة التي كانت تعقد فيها جلسات المحاكمة.
تكونت قاعة المحكمة من جزء أمامي معزول عن بقية القاعة من طريق جدار زجاجي عازل للصوت والرؤية. هذا الجزء تضمن أماكن خاصة لجلوس رئيس وأعضاء هيئة المحاكمة وأعضاء هيئة الادعاء العام وهيئة الدفاع ووكلاء الحق الشخصي والمتهمين. أما الجزء الآخر من القاعة فكان يتكون من طبقتين تطلان على الجزء الأول: طبقة سفلية مخصصة للصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء. وطبقة علوية مخصصة للزوار والشخصيات الرسمية وغير الرسمية. لم يكن في إمكان المتهمين رؤية الأشخاص الجالسين في الجزء المعزول من القاعة. لكن رئيس وأعضاء هيئة المحكمة على المنصة كانوا قادرين على رؤية الجالسين في الطبقتين.
في الواقع، حضر العديد من الشخصيات والزوار وممثلي المنظمات غير الحكومية الى القاعة المخصصة للزوار. وكان هؤلاء بمثابة مراقبين مدنيين لكيفية سير المحاكمة. لكن لم يكن من حقهم التأثير في سير المحاكمة أو التدخل في شؤونها.
> ماذا عن إغلاق عدسات الكاميرات واللاقطات؟ هل كان القاضي يتحكم بزر الإغلاق أو كان هناك آخرون يتولون هذا الأمر؟
- ضبط جلسات المحاكمة منوط بالقاضي. في هذا الإطار القاضي مسؤول عن ضبط الكلمات والعبارات التي يتم تداولها في المحاكمة. وله الحق الكامل في منع الكلمات النابية والعبارات الإيحائية أو حتى منع الحملات الكلامية ضد أي كان. وهذا أمر جار حتى في المحاكم الاعتيادية ومحاكم الجنح والجنايات. فالسلطة التي يتمتع بها القاضي داخل قاعة المحكمة تمنحه صلاحية منع تداول مثل هذه الكلمات والجمل أو حتى الطلب بإخراج هذا أو ذاك من قاعة المحاكمة.
كما ذكرت في السابق، قاعة المحاكمة مهيأة في شكل يسمح للقاضي بالتحكم بأزرار خاصة بإغلاق اللاقطات ووقف البث التلفزيوني أو حجب الرؤية أمام عدسات الكاميرات وأمام الحاضرين داخل القاعة.
في الحقيقة، المتهمون كانوا أشخاصاً غير اعتياديين، بل كانوا هجوميين واستفزازيين طوال جلسات المحاكمة. لهذا كثيراً ما استغلوا بعض العبارات والكلمات الصادرة من الشهود أو من أعضاء هيئة الادعاء العام لجهة التعبير عن أقوال معينة هدفها المسّ بأمن الدولة أو تهييج الرأي العام أو المس بمشاعر الناس. هذه الأمور كانت متروكة لتقديرات القاضي الذي له الحق في قطع البث أو قطع الكلام موقتاً. أما التسجيل المرئي والمسموع لكل جلسات المحكمة فإنه موجود ومن الممكن الإطلاع عليه. عدا عن هذا لم تكن هناك رقابة على مسار المحاكمة. طبعاً هذا لا يعني عدم وجود رقابة من نوع آخر، رقابة تفرضها الضرورات الأمنية حينما كان يصار الى تأخير البث المباشر فترة تقرب من نصف ساعة. وكان الهدف إتاحة فرصة زمنية لحذف بعض الأسماء والكلمات لأسباب أمنية.
> في فترات إغلاق اللاقطات والعدسات، أو حتى في الجلسات المغلقة، إن كانت هناك جلسات مغلقة، هل كانت الأمور تسير على المنوال نفسه من التشنج والحدة؟
- عندما كان المتهمون، بمن فيهم صدام حسين وبرزان التكريتي، يرون أن القاعة مغلقة والعدسات متوقفة عن النقل المباشر أو نقل الصوت كانوا يتحولون الى أناس وديعين. في بعض الحالات كنت أطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم ليسمعهم الجميع. بمجرد أن يسدل الستار أو يقطع البث كانوا يتحولون الى عالم آخر والى شخصيات مختلفة كلياً. يتحولون من حالة الهجوم والاستفزاز الى متهمين عاديين مطأطئي الرؤوس.
> لنتحول قليلاً الى محور الدفاع. كما هو معلوم ضمت هيئة الدفاع عن المتهمين محامين من جنسيات مختلفة: من مصر والأردن والإمارات ولبنان، بل حتى من الولايات المتحدة. هل تعتقد بأن هيئة الدفاع أدت واجبها القانوني في شكل صحيح؟
- بالنسبة الى تصرفات هيئة الدفاع، أحيلك وأحيل المعنيين بهذا الموضوع الى نص قانون المحاماة النافذ لعام 1965، أظن الفقرة الثالثة. هذه الفقرة تسمح للمحامي الأجنبي بحضور جلسات أي محاكمة عراقية بمعية محام عراقي وتحت إشرافه. لكن ما حدث في محكمة الدجيل كان العكس تماماً. طبعاً هناك بند آخر ينص على شرط المعاملة بالمثل. أي يحق لمحامي دولة معينة أن يحضروا جلسات محاكمة تعقد في بلد آخر، لكن شرط أن تكون هناك اتفاقية قانونية موقعة بين البلدين تلزمهما بالسماح لمحاميهم بحضور المحاكمات في البلدين. أنا شخصياً لم أسمع أن الولايات المتحدة سمحت لمحام عراقي بحضور محاكمة أميركية تعقد داخل الأراضي الأميركية. لم أطلع على وجود اتفاقية بين نقابة المحامين في العراق ونقابة المحامين في أميركا تنسق عملية حضور المحامين من البلدين في المحاكمات. لكننا مع هذا سمحنا للمدعي العام الأميركي السابق رامزي كلارك ولمحام أميركي آخر بحضور جلسات المحاكمة.
أما بالنسبة الى المحامين من الدول العربية، كان المفروض أن يقدم هؤلاء دفاعاتهم بمعية محام عراقي وتحت إشرافه. لكن ما حدث داخل القاعة كان العكس تماماً. مع هذا تحملت المحكمة هذه التجاوزات.
> شهدت جلسات المحاكمة حوادث طرد أو انسحاب أو مقاطعة لأعضاء في هيئة الدفاع عن المتهمين من القاعة، خصوصاً قراركم طرد رامزي كلارك الأميركي من قاعة المحاكمة. ألم يزعج هذا القرار الأميركيين؟
- بداية، أريد أن أشير الى أن حضور كلارك والمحامي الأميركي الآخر كان مخالفاً للقانون وتجاوزاً لسلطة القضاء في العراق. ثم أن كلارك لم يحضر كمحام، إنما حضر بدافع سياسي. فهو لم يمارس منذ سنوات مهنة المحاماة في بلده، ما يمنعه من ممارسة المحاماة في بلد آخر.
ثم لم يكن قراري بإخراج كلارك من القاعة في الجلسة الأخيرة هو القرار الأول من نوعه، بل كنت في جلسة سابقة قد أخرجته مع محام أميركي آخر من القاعة. لم ألحظ ولم أسمع من الأميركيين في هيئة الارتباط، وهي هيئة مؤلفة من مجموعة محامين وقضاة ومستشارين قانونيين من نيويورك وولاية أميركية أخرى ومن بريطانيا وأستراليا، ان قرار طرد كلارك أزعجهم.
> قبل أن نصل الى نهاية المقابلة، لنرجع قليلاً الى المحور الأول: ألم تربط، على الأقل في داخلك، بين ما حدث في الدجيل عام 1982 وما حل بعد ذلك بست سنوات بمدينتك حلبجة على يد النظام العراقي السابق؟ أنت من حلبجة كما نعرف.
- الحقيقة، أنني، طوال جلسات المحاكمة، حرصت على أن أكون مجرداً من كل النوازع الذاتية والذكريات الأليمة والدوافع الشخصية. لقد وهبت نفسي كلياً لإقرار الحق بعيداً من كل العواطف. والله شاهد على ما أقول. لقد مارست وظيفتي بكل شفافية ولم أربط بين الحالين.
> أين كنت عندما وقعت حادثة الدجيل عام 1982؟
- في عام 1982 كنت أمارس مهنة المحاماة في شارع السعدون في بغداد، وكنت أسكن مع عائلتي في مدينة الضباط. قبل أن أقرأ خبر الدجيل في الصحف، سمعته من جاري في المدينة وكان ضابطاً في الجيش العراقي. أما التفاصيل فلم أسمع بها إلا بعد شروع المحاكمة، خصوصاً بعد أن بدأت بدراسة ملفات كاملة عن القضية (22 ملفاً كبيراً من الوثائق والأوراق".
تعليق