إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مقتل الحسين بن علي عليهما السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    ولمّا رجع كعب بن جابر إلى أهله عتبت عليه امرأته النوار ، وقالت:
    أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القرّاء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر ،
    واللّه لا أكلمكَ من رأسي كلمة أبداً ، فقال :
    سَلي تُخبَري عنِّي وأَنتِ ذميمةٌ غَداةَ حُسينٍ والرِّماح شوارعُ
    ونادى حنظلة بن سعد الشبامي :
    َيا قَومِ إنّي أخافُ عَلَيكُم مَّثلَ يَومِ الأحزَابِ ، مِثْل دَأبِ قَومِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلماً لِلعِبَادِ * وَيَا قومِ إنّي أخَافُ عَلَيكُم يَومَ التَّنادِ * يَومَ تُوَلُّونَ مُدبِرِينَ مَالَكُم مَّن اللّهِ مِن عَاصِمٍ وَمَن يُضلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مَن هَادٍ . يا قوم لا تقتلوا حسيناً ، فيسحتكم اللّه بعذاب وقد خاب من افترى ، فجزّاه الحسين خيراً ، وقال : رحمك اللّه ، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانكم الصالحين ؟ قال : صدقت يا ابن رسول اللّه ، أفلا نروم إلى الجنّة ؟ فقال الحسين(ع ) نعم .
    فأستأذن الحسين(ع ) فأذن له ، فسلّم على الحسين ، وبرز يقاتلهم قتالاً شديداً حتى قَتَل عدداً منهم ، وقُتِل رضوان اللّه عليه .
    وأقبل عابس بن أبي شبيب ألشاكري على شوذب مولى شاكر ، وكان شوذب
    من الرجال المخلصين ... وداره مأ لفاً للشيعة ، يتحدثون فيها في فضل أهل البيت(ع): فقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : أُقاتل معك حتى أُقتل ، فجزّاه خيراً ، وقال له : تقدّم بين يدي أبي عبد اللّه حتى يحتسبك كما أحتسب غيرك ، وحتى أحتسبك ، فإنّ هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فسلّم شوذب على الحسين(ع) وقاتل قتال الأبطال وقَتل جماعة ، حتى قُتِل رضوان اللّه عليه . ووقف عابس أمام أبي عبد اللّه(ع)
    وقال : ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز عليَّ منك سيدي ،
    ولو قدرت أن أدفع الضيم عنك بشي‏ء أعز عليَّ من نفسي لفعلت .
    السلام عليك ، أشهد أني على هداك وهدى أبيك ! ومشى نحو القوم مصلتاً سيفه ، وبه ضربة على جبينه ، فنادى : ألا رجل يبارزني ؟ فلم يبرز له أحد من الرجال ، وأحجموا عنه ، لأنّهم عرفوه أشجع الناس .
    فقاتلهم قتال الأبطال ، وهم ينهزمون من بين يديه ، حتى قَتَلَ منهم جماعة
    فصاح عمر بن سعد : أرضغوه بالحجارة ، فرُميَ بها ، فلمّا رأى ذلك ، ألقى درعه ومغفره ، وشدّ على الناس ، وإنّه ليطرد أكثر من مائتين ، ثم تعطفوا عليه من كل جانب ، فقتلوه رضوان اللّه عليه .
    ووقف جون مولى أبي ذر الغفاري أمام الحسين يستأذنه
    فقال(ع) : يا جون ، إنّما تبعتنا طلباً للعافية ، فأنت في إذن مني ،
    فوقع على قدميه يقبلهما ويقول : سيدي أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ،
    وفي الشدّة أخذلكم ، لا واللّه ، سيدي إنّ ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفس عليَّ بالجنة ، ليطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيض لوني ،
    لا واللّه لا أُفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم فاذن له الحسين(ع ) فبرز يقاتلهم قتالاً شديداً ، حتى قتَلَ منهم خمسة وعشرين رجلاً
    ثم قُتِلَ رضوان اللّه عليه .

    تعليق


    • #17
      فوقف عليه الحسين صلوات اللّه عليه وقال : اللّهم بيض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع محمد(ص ) وعرّف بينه وبين آل محمد عليهم السلام ،
      وروي عن ألأمام الباقر عن علي بن الحسين عليهم السلام إنّ بني أسد
      الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد أيّام تفوح منه رائحة المسك.
      وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاً كبيراً ، وصحابياً
      جليلاً ، رأى النبي(ص ) وسمع حديثه ، وَشَهِد معه بدراً وحنيناً ، وبرز شادّاً وسطه بالعمامة ، رافعاً حاجبيه بالعصابة . ولمّا نظر اليه الحسين(ع ) بهذه الهيئة بكى وقال : شكر اللّه لك يا شيخ ... وشدّ على الأعداء ، فَقَتَل على كِبَر سنه ثمانية عشر رجلاً ، ثم قُتِلَ رضوان اللّه عليه .
      وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قُتِل أبوه ، وهو ابن إحدى عشرة سنة ، يستأذن الحسين صلوات اللّه عليه ، وقد أمرته أُمه من قبل ذلك ، وقالت له : ولدي قم وأنصر ريحانة رسول اللّه ، بعدما ألبسته لامة حربه ، فخرج ووقف أمام ريحانة رسول اللّه ، فلمّا نظر اليه الحسين(ع ) قال لأصحابه : هذا غلام قُتِلَ أبوه في الحملة الأُولى ، ولعلّ أُمه تكره خروجه ، ردّوه إلى الخيمة ، فأقبل الغلام يسعى نحو الحسين عجلاً ، خائفاً من أن يصده أصحاب أبي عبداللّه عن مراده وقصده ، فصاح : سيدي أبا عبد اللّه ، إنّ اُمي هي التي ألبستني لامة حربي ، فأذنْ لي يا ابن رسول اللّه حتى أُرزق الشهادة بين يديك ، فجزّاه الإمام خيراً ، فبرز وهو يقول :

      أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤادي البشير النذير
      علي وفاطمة والداه فهل تعلمـون لـه مـن نظيـر
      له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منيـر


      فقاتل قتال الأبطال ، فأحاط الأعداء به من كل جانب ، وأردوه إلى الأرض صريعاً رضوان اللّه عليه . فاحتزوا رأسه ورموا به نحو الخيام ، فسعت إلى رأسه أمه ، فأخذته ومسحت الدم عنه ، وضربت به رجلاً قريباً منها فمات في مكانه ، وعادت الى المخيم فأخذت عموداً وقيل سيفاً ، وأنشأت تقول :

      أنا عجوز في النِّسا ضعيفهْ خاويةٌ بالية نحيفـهْ
      أضربكم بضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفه

      فردها الحسين(ع) الى الخيمة ، بعد أن أصابت بالعمود رجلين .
      وقاتل الحجاج بن مسروق الجعفي قتالاً شديداً ... حتى خُضِّبَ بالدِّماء ، بعد أن قَتَل منهم عدداً .. فرجع إلى الحسين(ع ) يقول :

      اليوم ألقى جدك النبيـا
      ثم أباك ذا الندى عليـا
      ذاك الذي نعرفه الوصيا

      فقال الحسين(ع) : وأنا ألقاهما على أثرك ، فرجع يقاتل حتى قُتِلَ رضوان اللّه عليه
      وتقدّم سويد بن عمر بن أبي المطاع وكان شريفاً كثير الصلاة ،
      فبرز يقاتل الأعداء قتالاً شديداً ، حتى قَتَل جماعة واُثخن بالجراح ، فسقط لوجهه ، وظُنّ أنّه قُتِلَ ، فلمّا انتهت المعركة سمِعهم يقولون : قُتِلَ الحسين ، فأخرج سكينة كانت معه ، فقاتل بها وتعطفوا عليه وقتلوه رضوان اللّه عليه وكان آخر من قُتِلَ من الأصحاب بعد الحسين(ع ).

      قوم إذا نودوا لدفع ملّمة والخيـل بيـن مدعـس ومكـردس
      لبسوا القلوب على الدورع وأقبلوا يتهافتون الى ذهاب الأنفس

      تعليق


      • #18
        ولمّا لم يبق مع ريحانة رسول اللّه إلّا أهل بيته ، عزموا على ملاقاة الحتوف ، ببأس شديد ، ونفوس أبية ، وأقبل بعضهم يودع بعضاً ، وأول من تقدّم هو شبيه الحبيب المصطفى(ص) علي الأكبر
        فأحطْنّ به النسوة ، وقلنّ : أرحم غربتنا ، فليس لنا طاقة على فراقك ،
        فلم يعبأ بكلامهنّ ، وأستأذن أباه الحسين(ع) فبرز وهو يقول :




        أنَا عليُّ بنُ الحُسينِ بنِ عَليَّ نَحْنُ وَبَيْتُ اللّهِ أولى بالنَّبـيِّ
        أطعَنُكُمْ بالرُّمْحِ حتّى يَنثَني أَضرِبُكمْ بالسَّيفِ أحميِ عنْ أبي
        ضرْبَ غلام هاشِمِيِّ عرَبي واللّهِ لا يَحْكُمُ فِينا ابنُ الدِّعيِّ




        ولم يتمالك الحسين دون أن رفع شيبته المقدّسة نحو السماء ، وأرخى عينيه بالدموع ، وقال : اللّهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز اليهم أشبه الناس برسولك محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم ، خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا اليه ، اللّهم أمنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ، واجعلهم طرائق قدداً ، (2) ولا ترضى الولاة عنهم أبداً ، فانّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا .
        وصاح يابن سعد : قطع الله رحمك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه ، ثم تلا قوله تعالى : (إنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهِيمَ وَالَ عِمرانَ عَلَى العالَمِينَ)
        ولم يزل يُقاتل على الميمنة ويعيدها على الميسرة قتال الأبطال ،
        حتى قتَلَ مائة وعشرين فارساً .
        وقد اشتد به العطش ، فرجع إلى أبيه الحسين ، يستريح ، ويذكر ما أجهده من العطش ، فبكى الحسين صلوات اللّه عليه .. وقال : واغوثاه ، ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً ، وأخذ لسانه فمصّه ليريه ظمأه فكان كشقّة مبرد من شدّة العطش ، ودفع اليه خاتمه ليضعه فيه .




        الحرب قد بانت لها حقائق وظهرت من بعدها مصادق
        واللّه رب العرش لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق



        ورجع علي إلى قتال الأعداء يناجزهم بسيفه قتالاً شديداً ، وأكثر القتل في أعداء الله ... حتى قتل تمام المائتين . وقد ضجّ العسكر من كثرة الخسائر الفادحة التي مني بها
        فقال مرّة بن منقذ العبدي ، عليَّ آثام العرب إن لم أثكل أباه به . وأسرع إلى شبيه رسول اللّه (ص) فطعنه بالرمح في ظهره ، وضربه بالسيف على رأسه ، ففلق هامته ... فاعنتق عليُّ فرسه .. فاحتمله الفرس إلى معسكر الأعداء ، وأحاطوا به أعداء اللّه وأعداء دينه ، حتى قطعوه إرباً إرباً ،




        يامَن بُعِثت َ إلى البَرايا رَحمةً لِبَنِيكَ ‘ أُقسِمُ فيكَ ‘ جُنَّ جُنونِي
        مالوا على مَن كُنتَ قَدْ أوصَيتَهُمْ فِيهِمْ ‘ بسيفِ ضَغينةٍ ومُجونِ
        مَنْ كانَ في خَلْقٍ وأخلاقٍ إذا وَصَفوهُ ‘ كانَ لِـدُرِّكَ المَكْنـونِ
        عاثَتْ بِحُسْنٍ مِنهُ جَمْعُ خُيولِهِمْ ونُصو لِهِم يـا ليَتَهُـم قَتَلونـيِ
        إرَباً تَقَطَّعَ وهو يَهتِفُ يا أَبي مِنّي السّلام عَليكَ حـانَ مَنونِـي
        فأتى إليهِ السِّبط قالوا مُسرِعاً وبكى وقالَ لقدْ حُبِطْـنَ ظُنونـي
        ولدي على الدُّنيا إذا مُّتَّ العَفا في عالَمٍ بـالأ قربيـن خَـؤونِ
        أنت استَرَحْتَ مِن الحياةِ وهَمِّها وبَقي أبوكَ لِغَمِّهـا المَلعـون
        اذهب إلى دارِ النَّعيم لتَستَقي مِنْ كَفِّ جدِّكَ ‘ وانْطُرَنَّ ظُعونِي
        وحدي بَقيتُ قِبالَ جيشِ أُمَيَّةٍ ولدي وصَحبي كُلُّهُـمْ تَرَكُونِـي
        فأتَتهُ زينبُ تشتكي بتوجُّعٍ قالتْ أخي قَدْ هَدَّ نَوحُكَ مَضْجَعِـي
        فأجابها يا أُختُ لِلخِدرِ ارجعي قولي لِليلى في أسىً : لاتَهْجَعي
        قـــد قَـطَّـعـوا كَــبِــداً لــنــا بِـضُـعـونـي




        ونادى رافعاً صوته : عليك مني السلام أبا عبد اللّه هذا جدي قد سقاني بكأسه الأوفى ثم قضى سلام اللّه عليه
        فأسرع إليه الحسين(ع) وانكبَّ على ولده ، واضعاً خده على خده وهو يقول : قَتل اللّه قوماً قتلوك ، على الدنيا بعدك العفا
        ما أجرأهم على الرحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، يعزّ على جدك وأبيك أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك... :
        ثم أمر فتيانه أن يحملوه إلى الخيمة فجاءوا به إلى الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه وحرائر بيت الوحي ينظرن إليه محمولاً قد جللته الدماء .
        وقد وزع جثمانه الضرب والطعن، فاستقبلنه بعولة عظمى، وأمامَهُنَّ العقيلة
        زينب الكبرى ابنة فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها صارخة نادبة،
        فألقت بنفسها عليه

        تعليق


        • #19
          وخرج من بعده عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهو يقول :




          اليوم ألقى مسلماً وهو أبي وعصبة بادوا على دين النبي
          ليسوا بقوم ٍ عُرفوا بالكُذَّبِ لكن خيارٌ وكـرامُ النسَـبِ
          مــن هـاشِـمِ الـسـادات ِ أهـــلِ الـحـسَـبِ





          فقاتل قتال الأبطال ، حتى قَتل جماعة بثلاث حملات ،
          فرماه يزيد ابن الرقاد الجهني بسهم ، فاتقاه بيده فسمّرها إلى جبهته ، فما استطاع أن يزيلها عن جبهته ،
          فقال : اللّهم إنّهم استقلونا واستذلونا، فاقتلهم كما قتلونا..
          وبينا هو على هذا، إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه، سقط صريعاً رضوان اللّه عليه.
          ولمّا قُتِل عبد اللّه بن مسلم ،
          حمل آل أبي طالب حملة واحدة ، فقاتلوا قتالاً شديداً حتى أكثروا القَتل في صفوف العدو ، فصُرع منهم عون بن عبد اللّه بن جعفر الطيار
          وأُمه العقيلة زينب وأخوه محمد ، وأُمه الخوصاء ، وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وأخوه جعفر بن عقيل ، ومحمد بن مسلم بن عقيل ، رضوان اللّه عليهم
          وأصابت الحسن المثنى ابن الإمام الحسن بن علي (ع) ثمانية عشر جراحة ، وقُطعت يده اليمنى ولم يُستشهد .
          وخرج أبو بكر بن أميرا لمؤمنين واسمه محمد ، وأُمه النهشلية
          وقاتل الأعداء قتالاً شديداً ، حتى قتل جماعة ، وقُتِل رضوان اللّه عليه ،
          قَتَله زجر بن بدر ألنخعي
          ثم خرج عبد اللّه بن عقيل ،وقاتلهم قتالاً شديداً، وقَتل جمعاً من الأعداء ،
          فما زال يضرب فيهم حتى اُثخن بالجراح وسقط إلى الأرض فجاءوا إليه وقتلوه(ض)
          فقال الحسين (ع): » أللّهم أقتل قتلة آل عقيل . صبراً آل عقيل إن موعدكم الجنة
          وخرج عبد اللّه الأكبر ، ابن الإمام السبط الحسن بن علي(ع) وأُمه رملة ، فقاتل قتالاً شديداً ، حتى قَتل جمعاً من الأعداء ، وقُتل رضوان اللّه عليه
          وخرج من بعده أخوه لاُمه وأبيه القاسم ابن الإمام الحسن المجتبى( ع)
          وهو غلام لم يبلغ الحُلُم ، فلمّا نظر إليه الحسين(ع) اعتنقه وبكى ، ثم أذن له
          فبرز كأن وجهه شقة قمر ، وبيده السيف ، وعليه قميص وإزار ، وفي رجليه نعلان ، فمشى يضرب بسيفه الأعداء وهو يقول :




          إن تنكروني فأنا نجلُ الحَسَن سِبطُ النَبِّي المصطفى والمؤتَمَنْ
          هذا حُسَينُ كالأسيرِ المُرتَهَنْ بَينَ أُناسٍ لا سُقوا صَوبَ المُزُنْ



          وكان القاسم يقول : لا يقتل عمي وأنا حي ، فقاتل قتالاً شديداً ،
          حتى قَتَل جمعاً من الأعداء ، وبينما هو كذلك يصول في الميدان
          انقطع شسع نعله اليسرى ، وأنف ابن النبي الأعظم أن يحتفي في الميدان ، فوقف يشد شسع نعله ، وهو لا يزن الحرب إلّا بمثله ، غير مكترث بالجمع ،
          ولا مبال بالاُلوف ، وبينا هو على هذا إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته ، فصاح الغلام : يا عماه ادركني ،
          فأسرع اليه الحسين(ع) كالليث الغضبان ، فضرب عمرواً بالسيف ، فاتقاها بالساعد ، فأطنها من المرفق ، وصاح صيحة عظيمة سمعهاالعسكر ، فحملت
          خيل ابن سعد لتستنقذه ، فاستقبلته بصدورها ووطأته فمات، وانجلت الغبرة وإذا بالحسين(ع) قائم على الغلام وهو يفحص برجليه ،
          والحسين يقول : »بعداً لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك وأبوك ، عز واللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت واللّه كثر واتره ، وقل ناصره
          وحمل الإمام (ع) ابن أخيه بين ذراعيه ، وهو يفحص بيديه ورجليه
          حتى فاضت نفسه الزكية بين يديه سلام اللّه عليه .
          ثم حمله الحسين وقد وضع صدره على صدره ورجلاه يخطان في الأرض ،
          فالقاه مع علي الأكبر وقتلى أهل بيته
          ثم رفع الحسين صلوات اللّه عليه ... طرفه إلى السماء ... وقال :
          اللّهم أحصهم عدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً ، صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً

          تعليق


          • #20
            ولمّا رأى العباس بن علي صاحب لواء الحسين(ع) كثرة القتلى في أهله ،
            قال لإخوته من أُمه وأبيه عبد اللّه وعثمان وجعفر أولاد أمير المؤمنين( ع)
            (تقدّموا يا بني أُمي ، حتى أراكم نصحتم للّه ولرسوله)، والتفت إلى عبد اللّه ، وكان أكبرهم وقال : تقدّم يا أخي حتى أراك قتيلاً وأحتسبك ، فقاتلوا بين يدي أبي الفضل قتال الأبطال الأشاوس ، يصولون في الميدان ، فَقَتلوا جمعاً كثيراً من الأعداء ، حتى قُتِلوا بأجمعِهم ... رضوان اللّه عليهم .
            ولم يستطع صاحب لواء الحسين... قمر بني هاشم ... صبراً بعد أن قُتِلَ صحبه وأُخوته وأولاد عمه ... ويرى أخاه الحسين(ع) مكثوراً.. قد انقطع عنه المدد ، وملأ مسامعه عويل النساء وصراخ الأطفال من العطش ، وكان آخر من بقي مع أخيه الحسين صلوات اللّه عليه ، فاستأذنه .
            فقال ريحانة رسول اللّه : يا أخي أنت صاحب لوائي ..فاذا قتلتَ تفرَّق عسكري
            قال أبو الفضل العباس سيدي : قد ضاق صدري ، وأريد أن آخذ ثاري من هؤلاء المنافقين ... فقال له الحسين(ع) : إذن فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء ،
            فذهب العباس(ع) إلى القوم ووعظهم وحذّرهم غضب الجبار ، فلم ينفع فيهم ، فصاح شمر يا ابن أبي تراب ، لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة ... إلّا أن تدخلوا في بيعة يزيد فرجع العباس (ع) إلى أخيه الحسين يخبره ، فسمع الأطفال ينادون العطش العطش ،
            فركب جواده وأخذ القربة ، وقصد الفرات ، فأحاط به أربعة آلاف فارس ...
            ورموه بالنبال ، فلم يعبأ بجمعهم ، ولا راعته كثرتهم.. فكرَّ عليهم
            يضربهم بسيفه ،ويقول :




            أنا الَّذي أعرَفُ عِندَ الزَّمْجَرهْ بِابْنِ عَلِيِّ المُسَمَّى حَيدَرَهْ
            فَاثبُتُوا اليَوم َ لَنا يا كَفَرهَْ لِعِتْـرَة الحَمـدِ وَآل البَقَـرَه





            حتى ضج العسكر من كثرة القتلى ،ولم يعرفوا أهو العباس يجنّدل الأبطال أم أنَّ الوصيَّ الكرار يزأر في الميدان ، فلم تثبت له الرجال




            بطلُ تورّث مـن أبيـه شجاعـةً فيهـا أنـوف بنـي الظلالـة تُرغـم
            قلب اليمين على الشمال وغاص في الأوساط يحصدُ في الرؤوس ويَحطِم
            وثنى أبو الفضل الفـوارس نكّصـا فـرأوا أشـدّ ثباتهـم أن يهزمـوا
            مـا كـرَّ ذو بـأسٍ لــه متقـدّمـاً إلّا وفــرَّ ورأســهُ المتـقـدّم
            صبغ الخيـول برمحـه حتـى غـدا سيّـان أشقـر لونهـا والأدهـم
            مـا شـدَّ غضبانـاً علـى ملمومـة إلّا وحـلّ بهـا البـلاءُ المُـبـرم
            لولا القضاء لمحا الوجود بسيفـه واللّـه يقضـي مـا يشـاءُ ويَحكـم

            تعليق


            • #21
              وكيف لا يكون كذلك .. وهو ابن أمير المؤمنين ، صاحب لواء رسول‏اللّه (ص) والأسد الغالب علي بن أبي طالب (ع) فكشفهم عن المشرعة ، ودخل الماء واغترف من الماء ليشرب، فتذّكر عطش أخيه الحسين،فرمى الماءعلى الماء وقال :




              يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أو تكوني
              هذا الحسين وارد المنون وتشربيـن بـارد المعيـن
              تاللّه ما هذا فعال دينـي ولا فعـال صـادق اليقيـن





              ثم ملأ القربة وتوجه نحو المخيم ، فقُطِع عليه الطريق ، وجعل يضرب فيهم ،
              حتى أكثر القتل فيهم ، وهو يقول :




              لا أرهب الموت إذا الموت زقا حتى أوارى في المصاليت لقى
              إنّي أنا العباس أغدوا بالسقا ولا أهاب المـوت يـوم الملتقـى




              .
              فكَمنَ له زيد بن الرّقاد من رواء نخلة ، فضربه على يمينه فبراها ، فأخذ
              السيف بشماله ... وحمل عليهم وهو يقول :




              واللّه إن قطعتمُ يميني إنّي أُحامي أبداًَ عن دينـي
              وعن إمام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين




              .
              فَكَمنَ له حكيم بن الطفيل من وراء نخلة ، فلمّا مرّ به ضربه على شماله فقطعها فضم اللواء الى صدره ، وهو يقول :




              يا نفس لا تخشي من الكفّار وابشري برحمة الجبّار
              مع النبي السيّد المختار قد قطعوا ببغيهـم يسـاري
              فاصـلـهـم يـــارب حــــرّ الــنــار





              فوقف بطل العلقمي متحيراً همه إيصال الماء إلى الأطفال ، وهو قطيع الكفين ، فتكاثروا عليه ، وأتته السهام كالمطر ، فأصاب القربة سهم وأُريق ماؤها ، وسهم أصاب صدره ، وسهم أصاب عينه ، وضربه لعين بالعمود على رأسه ففلق هامته
              وهوى قمر العشيرة إلى الأرض مناديا : عليك مني السلام أخي أبا عبد اللّه .
              فأسرع اليه الحسين صلوات اللّه عليه ، ورآه مقطوع اليمين واليسار ..
              والسهم نابت في نحره ... انحنى عليه وبكى بكاءً عالياً
              فبينا إمامنا عند أبي الفضل، وإذا بأبي الفضل انتبه وقال : سيدي ما تريد أن تصنع قال الحسين(ع) أريد حملك إلى المخيم
              وبعد هنيئة فاضت روح أبي الفضل سلام عليه ، ورأسه في حجر أبي عبد اللّه الحسين(ع) فتركه في محله تلبيةً لرغبته وقام من عنده حزيناً ...
              نادى أخي عباس : الآن انكسر ظهري ، وقلّت حيلتي ، وشمت بي عدوي ،
              ثم حمل على الأعداء يضرب فيهم ، وهم يفرون من بين يديه منادياً :
              أين تفرون ، وقد فتتم عضدي ، فقتل منهم جمعاً كثيراً ...
              ثم رجع الحسين(ع) إلى المخيم منكسراً حزيناً ، يكفكف دموعه بكمه ،
              وقد تدافعت الرجال على مخيمه فصاح :
              (أما من مغيث يغيثنا ، أما من مجير يجيرنا) ؟ أما من طالب حق ينصرنا ؟
              أما من خائف من النار فيذب عنّا ؟ فأتته ابنته سكينة وسألته عن عمّها ؟
              فأخبرها بقتله ! وسمعته زينب فصاحت وااخاه ! واعبّاساه ! واضيعتنا بعدك أبا الفضل ! فنادى(ع) وا ضيعتنا بعدك أخي ، وبكين النسوة وبكى الحسين معهن
              ولمّا قتل العباس(ع) التفت ريحانة رسول اللّه ، وسيد شباب أهل الجنّة ،
              وخامس أهل الكساء... فلم ير أحداً ينصره !! ونظر إلى أهله وصحبه مجزرين كالأضاحي، وهو يسمع عويل الأيامى ، وصراخ الأطفال ، صاح بأعلى صوته :
              هل من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه ؟ هل من موحّد يخاف اللّه فينا ؟
              هل من مغيث يرجو اللّه في إغاثتنا ؟ !! فارتفعت أصوات النساء بالبكاء،
              فنهض الأمام علي بن الحسين زين‏العابدين يتوكأ على عصاه ، ويجر سيفه
              لأنّه مريض لا يستطيع النهوض ، فسأله الحسين (ع) ماذا تريد أن تصنع ؟
              فقال زين العابدين : أريد أن أجاهد بين يديك ، هؤلاء الكفرة الفجرة..
              فصاح الحسين سلام اللّه عليه بأُم كلثوم : احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد فأرجعته إلى الخيمة ودموعه جاريه

              تعليق


              • #22
                إنه عليه السلام دعا بولده الرضيع يودعه
                فأتته زينب بابنه عبد اللّه وأُمه الرباب ، فأجلسه في حجره يقبله ويقول : بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى خصمهم ،
                ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء،نادى بأعلى صوته يا قوم قتلتم إخوتي وأهل بيتي وأولادي ولم يبقى عندي سوى هذا الطفل يا قوم اسقوه جرعة من الماء
                فاختلف العسكر وخاف ابن سعد من وقوع الفتنة ... التفت إلى حرملة قال له : ويحك اقطع نزاع القوم ... فرماه حرملة بسهم ، فذبحه من الوريد الى الوريد . فتلقى الحسين الدم بكفه، ورمى به نحو السماء ، فلم يسقط منه قطرة !
                وقال عليه السلام : هَونَ عليَّ ما نَزل بي أنّهُ بعين اللّه . إلهي إن كنت حبست عنّا النصر ، فاجعله لما هو خير منه ، وأنتقم لنا من الظالمين ، واجعل ما حل بنا في العاجل ، ذخيرة لنا في الآجل ، اللّهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد(ص) وسمع عليه السلام قائلاً يقول : دعه يا حسين ، فإنّ له مرضعاً في الجنة ، فجاء به يحمله
                الى خيمة العقيلة زينب : وما رجع به إلى أُمه ، لأنّ الاُم لا تتمكن أن ترى ولدها مقتولاً أمامها ، فخرجت إليه العقيلة ، فلمّا نظرت الى الطفل واذا به مذبوحاً من الوريد الى الوريد ، والسهم نابت في نحره ، ودمه مسفوح على صدره
                فأتت به العقيلة إلى أُمه :
                فحفر له الحسين سلام اللّه عليه بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه ،
                وقيل وضعه مع قتلاه من أهل بيته ،
                وتقدّم الحسين سلام اللّه عليه نحو القوم مصلتاً سيفه ، آيساً من الحياة ، ودعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يَقتل كل من برز إليه ، حتى قَتل جمعاً كثيراً ، ثم حمل على الميمنة وهو يقول : الموت أولى من ركوب العارِ والعار أولى من دخول النارِ
                وحمل على الميسرة وهو يقول :




                أنا الحسين بن علي آليـت أن لا أنثنـي
                أحمي عيالات أبي أمضي على دين النبي





                واللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد.
                فهو عليه السلام لا يتفق معهم ولا يخضع لهم بيد أو يقرّ لهم بلسان .
                قال عبد اللّه بن عمّار ، ما رأيت مكثوراً قط قد قُتِل ولده وأهل بيته وصحبه
                أربط جأشاً منه ، ولا أمضى جناناً ، ولا أجرأ مُقدماً ، ولقد كانت الرجال تنكشف
                من بين يديه إذا شدّ فيها ، ولم يثبت له أحد فصاح عمر بن سعد بالجمع :
                هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، فأتته النبال ، وحال الأعداء
                بينه وبين رحله ، فصاح بهم :
                ياشيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، وأرجعوا إلى أحسابكم أن كنتم عُرباً كما تزعمون.
                فناداه شمر : ما تقول يا ابن فاطمة ؟
                قال : أنا الذي أُقاتلكم ، وأنتم تقاتلونني ، والنساء ليس عليهن جناح
                فامنعوا عتاتكم وجهّالكم عن التعرض لحرمي ما دمت حياً .

                قال: اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي
                قــــــــد حــــــان حيني وقـــد لاحتـــ لوائحـــــــه


                فقال الشمر : لك ذلك وقصده القوم ، واشتد القتال ، وهو يصول صولة علي الكرار حتى قَتَل من القوم جمعاً كثيراً ، وقد اشتد به العطش ، فحمل من نحو الفرات ،
                على عمرو بن الحجاج ، وكان في أربعة آلاف فارس ، فكشفهم عن الماء ؛
                وأقحم الفرس الماء فلمّا ولغ الفرس ليشرب قال الحسين : (ع)
                أنت عطشان وأنا عطشان فلا أشرب حتى تشرب !!
                فرفع الفرس رأسه كأنّه فهم الكلام !!
                ولمّا مدّ الحسين يده ليشرب ناداه رجل : أتلتذ بالماء وقد هُتِكت حرمك !!
                فرمى الماء ولم يشرب ، وقصد الخيمة

                تعليق


                • #23
                  ثم إنّه عليه السلام أمر عياله بالصبر والتوكل على اللّه في تحمل المصائب والرزايا ، وأوصى أخته العقيلة زينب : »يا أختاه ، اتقّي اللّه وتعزيّ بعزاء اللّه ، وارضي بقضاء اللّه ... ياأختاه لا يذهبنّ حلمك الشيطان ... وأعلمي أنّ أهل الأرض يموتون ، وأن أهل السماء لا يبقون ، وأن كل شي‏ء هالك إلّا وجه اللّه.
                  وطلب في ذلك الحال ثوباً لا يرغب فيه أحد يضعه تحت ثيابه ، لئلا يجردّ منه ،
                  فإنّه مقتول مسلوب ، فأتي إليه بذلك والتحف ببردة رسول اللّه(ص)
                  وتقلد بسيفه ... ثم قال : استعدوا للبلاء ، وأعلموا إنّ اللّه حاميكم وحافظكم ، وسينجيكم من شرّ الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذّب عدوكم
                  بأنواع العذاب ، ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة ...
                  ثم ركب جواده ، فأحطن النساء به كالحلقة ، هذه تقبّل يده ، وأُخرى تقبّل رجله فجعل يودعهنّ وهو يقول: اللّه خليفتي عليكن...فرأى أبنته سكينة باكية حزينة ، وهي تنظر إليه والدموع هوامع ... فوقف عندها يصبّرها ويمسح على رأسها ، ويقول :




                  سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منكِ البكاء إذا الحِمام دهاني
                  لا تحرقي قلبي بدمعكِ حسرة ما دام مني الروح في جثماني
                  فإذا قُتلت فأنت أولى بالـذي تأتينـه يـا خيـرة النسـوان





                  ثم توجه نحو الميدان ، وإذا بالنداء من خلفه : أخي حسين قف لي هنيئة ،
                  فالتفت إلى ورائه ، وإذا هي أخته زينب ، أُخيه ما تريدين ؟
                  قالت : أخي أنزل من على ظهر جوادك ، فنزل الحسين(ع)فدنت منه وقالت :
                  أخي اكشف لي عن نحرك وصدرك ، فكشف الحسين لها عن نحره وصدره ، فقبّلته في صدره ، وشمّته في نحره ، ثم حولّت وجهها إلى جهة المدينة ،
                  وصاحت : السلام عليكِ ياأُماه ، يازهراء ، لقد استرجعت الوديعة ، وأديت الأمانة ... فقال الحسين (ع) : أُخيه أية وديعة .. وأمانة ؟
                  قالت : أخي لمّا دنت الوفاة من أُمنّا الزهراء ، دعتني إليها
                  فقبّلتني في صدري ، وشمّتني في نحري ، ثم قالت : بُنية زينب هذه وديعتي عندكِ إذا رأيت أخاك الحسين بأرض كربلاء ، وحيداً ، فريداً ، فشميه في نحره فإنّه موضع السيوف ، وقبّليه في صدره ، فإنّه موضع حوافر الخيول... فلمّا سمع بذكر أُمه الزهراء هاج حنينه إليها . فقال : السلام عليكِ ياأُماه يافاطمة ..
                  فقال عمر بن سعد : ويحكم أهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه ... ،
                  واللّه إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم !!
                  فحملوا عليه يرمونه بالسهام ، حتى تخالفت السهام بين أطناب المخيم ، فدهشنّ النساء وأرعبنّ وصحنّ ... ودخلنّ الخيمة ينظرن الى الحسين كيف يصنع
                  فحمل عليهم كالليث الغضبان ، فلا يلحق أحداً إلّا بعجه بسيفه فيقتله ، والسهام تأخذه من كل ناحية ، وهو يتقيها بصدره ونحره ... ويرجع الى مركزه ، وهو يكثر قول : لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم
                  وقد اشتد به العطش ، فطلب في هذا الحال ماءاً
                  فقال الشمر : لا تذوقه حتى ترد النار !
                  وناداه رجل من الأعداء يا حسين ألا ترى الفرات يجري كأنّه بطون الحيّات ؟
                  فلا تشرب منه حتى تموت عطشاً ...
                  فقال الحسين(ع) : اللّهم أمته عطشاً ... فكان ذلك الرجل يطلب الماء فيُؤتى به فيشرب ، حتى يخرج مِن فيه ، وما زال كذلك عطشاناً إلى أن مات ... وهو يطلب الماء . فبينا هو(ع) بتلك الحالة رماه أبوالحتوف الجعفي بسهم وقع في جبهته ، فنزعه وسالت الدماء على وجهه الكريم .. فقال(ع) : اللّهم إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة ... أللّهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ولا تغفر لهم أبداً وصاح بصوت عال :
                  يا أُمة السوء ، بئسما خلّفتم محمداً في عترته ، أما أنّكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله ، بل يهون عليكم ذلك أياي ، وأيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني اللّه بالشهادة ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون .
                  قال الحصين : وبماذا ينتقم لك منّا يا ابن فاطمة ؟
                  قال عليه السلام : يلقي بأسكم بينكم ، ثم يصب عليكم العذاب صباً...
                  ولمّا ضَعُف(ع) عن القتال ، وقف يستريح ، فرماه لعين بحجر على جبهته ، فسال الدم على وجهه ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه ، رماه لعين آخر بسهم محدد له ثلاث شعب وقع في صدره وقِيل على قلبِه ...
                  فقال عليه السلام : بسم اللّه وباللّه ، وعلى ملّة رسول اللّه ... ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنّك تعلم إنّهم يقتلون رجل ليس على وجه الأرض ابن نبي غيري ...
                  ثم أخرج السهم من قفاه ، وانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده ، فلمّا امتلأت
                  رمى به نحو السماء ... وقال : هون عليَّ ما نزل بي إنّه بعين الله ،
                  إنّ هذا فيك قليل . فلم يسقط من ذلك الدم قطرة الى الأرض ! ثم وضعها ثانياً فلمّا امتلأت لطّخ به رأسه ووجهه ولحيته ، وقال) : هكذا أكون حتى ألقى اللّه وجدي رسول اللّه وأنا مخضّب بدمي« ، وأعياه نزف الدم ، فجلس على الأرض ينوء برقبته ... فانتهى إليه في هذا الحال مالك بن اليسر فشتمه ، ثم ضربه بالسيف على رأسه ، وكان عليه بُرنُس فأمتلأ البرنس دماً .
                  فقال الحسين(ع) لا أكلت بيمينك ولا شربت ... وحشرك اللّه مع الظالمين .
                  ثم ألقى البرنس ، وأعتم على القلنسوة .
                  قال هاني بن ثبيت الحضرمي : إنّي لواقف عاشر عشرة لمّا صُرِع الحسين ، إذ نظرت إلى غلام من آل الحسين ، هو محمد بن أبي سعيد ابن عقيل بن أبي طالب وعليه إزار وقميص ، وفي أذنيه درتان ، وبيده عمود ، وهو مذعور يتلفت يميناً وشمالاً ، فأقبل إلى الحسين(ع) ليدفع عنه السوء ، فأقبل أحد الأعداء حتى إذا دنا مال عن فرسه
                  وعلاه بالسيف فصُرِع رضوان اللّه عليه ، وكانت أُمه تنظر إليه وهي مدهوشة ،
                  فنظر عبد اللّه بن الحسن السبط وله إحدى عشر سنة إلى عمه الحسين(ع)
                  وقد أحدق به القوم ، فأقبل يشتد نحو عمه وأرادت زينب حبسه ، فأفلت منها ،
                  وجاء إلى عمه ، وأهوى أبجر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين به ، فصاح الغلام : ويلك يابن الخبيثة أتضرب عمي الحسين ؟ فغضب اللعين من كلامه فضربه
                  أبجر بسيفه فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة ، فنادى الغلام يا عماه لقد قطعوا يدي ووقع في حجر الحسين(ع) فضمه الحسين(ع) إليه
                  وقال له : يا ابن أخي أصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فإنّ اللّه تعالى يلحقك بآبائك الصالحين ، ورفع يديه قائلاً : اللّهم إن متعتهم إلى حين ، ففرقهم تفريقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً ، فإنّهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا، ورمى الغلام حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه ، رضوان اللّه عليه

                  تعليق


                  • #24
                    وبقي الحسين(ع) مطروحاً على الأرض ملياً ، وأقبل فرسه يدور حوله ويلطخ ناصيته بدمه ! فصاح ابن سعد : دونكم الفرس ، فإنّه من جياد خيل رسول اللّه فأحاطت به الخيل ، فجعل يرفس برجليه ، حتى قَتَل جماعة !
                    فقال ابن سعد : دعوه لننظر ما يصنع ، فلمّا أمن الجواد الطلب ، أقبل نحو الحسين(ع) يمرغ ناصيته بدمه ويشمه ويصهل صهيلاً عالياً .
                    قال أبو جعفر الباقر(ع) كان يقول : »الظليمة الظليمة من أُمة
                    قتلت ابن بنت نبيها
                    وتوجه نحو المخيم بذلك الصهيل ،وأسرع فرسك شارداً إلى خيامك قاصداً ، مهمهماً باكياً ،
                    فلمّا رأين النساء جوادك مخزياً ، ونظرنّ سرجك عليه ملويّاً برزن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطِمات ، وعن الوحوه سافرات ، وبالعويل داعيات وبعد العز مذلّلات ، والى مصرعك مبادرات
                    ونادت العقيلة زينب وا محمداه ! وا علياه ، هذا حُسينك بالعراء،
                    صريع بكربلاء ‘ ليت السماء أطبقت على الأرض،وليت الجبال تدك دكت على السهل !
                    وانتهت نحو أخيها الحسين سلام اللّه عليه ، والحسين يجود بنفسه ، ولو شاؤوا أن يقتلوه لفعلوا ، إلّا أن كل قبيلة تتكل على غيرها وتكره الإقدام ،
                    وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه .
                    فصاحت العقيلة زينب : أي عمر أيَقُتل أبو عبد اللّه وأنت تنظر إليه ؟!
                    فصرف بوجهه عنها ، فصاحت : ويحكم أما فيكم مسلم ؟
                    فصاح الشمر : ما وقوفكم ، وما تنتظرون بالرجل ، وقد أثخنته السهام والرماح ، أحملوا عليه ... فحملوا عليه وأحاطوا به ، فضربه اللعين زرعة بن شريك على كتفه الأيسر ! ورماه الحصين في حلقه ! وضربه لعين آخر على عاتقه !
                    وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ، ! !
                    ورماه بسهم في نحره ،ثم في بواني صدره ! !
                    ثم طعنه صالح بن وهب في جنبه !!
                    ثم صاح عمر بن سعد بالناس، أنزلوا إليه وأريحوه !! فبدر إليه شمر اللعين
                    وهو يقول :

                    أقتُلُك َ اليومَ ونفسي تعلَمُ عِلْماً يَقيناً ليسَ فيهِ مَزْعَـمُ
                    ولا مَجالَ لا ولا تَكَتُّمُ إنَّ أبـاكَ خيـرُ مَـنْ يُكَلِّـم
                    بعدَ النَبِيِّ المصطفى المُعَظَّمُ أقتُلُكَ اليومَ و سوفَ أَندَمُ
                    وإنَّ مَثوايَ غَداً جَهَنَّمُ أفيضُ دَمْـكَ بالتُّـرابِ بِقَّـمُ
                    ولا لأولاد الــنــبـــي أَرحَــــــــمُ

                    فرفسه برجله !! وجلس على صدره !! وقبض على شيبته المقدّسة !! وضربه بالسيف !! اثني عشر ضربة واحتز رأسه المقدّس !! أي واحسيناه ! واسيداه ، أي وا إماماه

                    طأطؤا الرؤوس إنّ رأسَ حسينٍ رفعوه فوق القَنا الخطّـارِ
                    لا تذوقوا المعين واقضوا ضمايا بعد ضامٍ قضى بحدِّ الغرارِ
                    لا تمُدوا لكم عن الشمس ظِلاً إنَّ في الشمسِ مُهجة المختارِ
                    حقَّ ألا تكفّنوا هاشمِيّاً بعـد مـا كفّـنَ الحُسيـنُ الـذاري


                    رأت الرمح زينب حين مالا وعليه رأس الحسين تـلالا
                    خاطبته مذ راح يزهو هلالاً يا هلالاً لمّا استتـم كمـالا
                    ما توهمت يا شقيق فؤادي كان هـذا مقـدّراً مكتوبـا
                    جاؤا برأسك يابن بنت محمدٍ مترمـلاً بدمائـه ترميـلا
                    وكأنمّا بك يا ابن بنت محمدٍ قتلوا جهاراً عامدين رسولا
                    قتلوك عطشاناً ولمّا يرقبوا في قتلك التنزيل والتأويـلا
                    ويكبرون بأنك قُتِلت وإنمّا قتلوا بك التكبيـر والتهليـلا

                    عظم الله اجورنا واجوركم اخوتي الكرام بهذا المصاب الجلل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ونسأل الله سيحانه وتعالى أن يعجل فرج صاحب الزمان روحي لتراب نعليه الفداء لنثأر معه لجده وابيه الحسين عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ولتهتف كلنا تحت لؤاءه انشاء الله تعالى قريباً
                    يالا ثارات الحسين .
                    نسألكم الدعاء

                    تعليق


                    • #25
                      عظم الله لكم الأجر

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      x

                      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                      صورة التسجيل تحديث الصورة

                      اقرأ في منتديات يا حسين

                      تقليص

                      لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                      يعمل...
                      X