ملغوم يخشى منه الحاكم والمحكوم
التجنيس السياسي في البحرين
لا توجد هناك أعراف نهائية فيما يتعلق ببناء الدول وحضارات الشعوب، فالتشكّل الحضاري ينشأ نتيجة عوامل متشابكة تُسهم بمجموعها في خلق الهوية الثقافية والوطنية للدولة. إلا أنّ ذلك لا يمكنه أن يتم بشكل طبيعي إلا من خلال التوافق السلمي بين شركاء الأرض. وغياب ذلك يعني الصراع والمؤامرات المضادة.
فكيف يتأسّس التوافق بين شركاء الوطن؟
لا يتحقق ذلك إلا من خلال ثقة متبادلة، وأرضية من الحوار الوطني الصريح. ولعلّ مشكلة السلطة في البحرين تكمن في تعدّيها على هذه الركيزة، وتورّطها في سياساتٍ تكشف عن تشكيكها في الولاء الوطني لمواطنيها وارتباطهم بالأرض. وسيبدو مخيفاً أكثر حينما نجد أن السلطة عمِدت إلى اتباع سياساتٍ تتناقض مع الحرص على وطنية البحرين، وعلى مستقبلها الثقافي والسياسي، وهو ما يبعث على الدهشة والاستغراب، خاصة بعد أنْ أعلنت السلطة قبولها بالتحاور مع طموحات الشعب واستجابة للخيار السلمي وشعار الإصلاح السياسي!
ويتندر الكثير من المعارضين البحرينيين اليوم بان الفرق بين مملكة والت ديزني ومملكة البحرينيين يكمن في ان الاولى حقيقية وتستند الى نظام متقن وواقعي ومشروع حضاري والثانية مجرد وهم وخيال واطغاث
احلام من قبل من يسيرونها.
ويقال في البحرين الان انه قد يتوقّف البعض عند انقلاب السلطة على دستور 73، ومخالفة التعهّدات المكتوبة والشفهية وما تضمنته >ورقة الميثاق< باعتباره العلامة الأبرز على التعدّي الرسمي المُشار إليه. إلا أنّ هذا الانقلاب يُشكّل مؤشراً على واقع التعدّي السلطوي وليس علامة نهائية! فهناك أطراف قوية في السلطة لم تكن راغبة في تسريع عجلة الإصلاح السياسي، وتعاطتْ مع الموضوع من منظور مصلحيٍ واضطراري.
ولهذا خلتْ كلّ مبادرات السلطة من الجدية والرغبة الحقيقية في الإصلاح الكامل، وظلتْ متمسكة بالخطوات التجزيئية التي لا تعالج لبّ الأزمات التي عانى منها الناس خلال الفترات السابقة. وقد كانتْ إرادة الإصلاح الحقيقي لدى قِوى المعارضة سبباً في تساهلها مع التلكؤ الرسمي، واعتمادها لغة مهذّبة جداً في وصف سياسات السلطة التراجعية والتخريبية. ولكن ذلك لم يكن بمقدوره أنْ يحجب حقيقة الأمور في الواقع، فالسلطة كانت تُعبّر عن استخفاف واضح بشعارات الإصلاح، ولم توفّر يوماً ما
المقدمات الجادة التي يتطلبها نقل هذه الشعارات إلى حيز التطبيق. وكان الانقلاب الدستوري في شباط (فبراير) 2002 مؤشراً على ذلك، وأشار الجميع إلى ضرورة تمحيص خطاب السلطة وسياساتها جيداً، للوقوف عند بقية المؤشرات الأخطر. وفي مقدمتها مشروع >التجنيس السياسي<.
وفي نظر الناشطين البحرينيين في مجال حقوق الانسان والتشبث بالعدالة الاجتماعية فان مفهوم >التجنيس السياسي< قد ينعكس سلبا وخطرا على المجتمع في أكثر من مجال. فخلال المراحل السابقة، كانت علاقة التجاذب بين السلطة والمعارضة تعبر عن شعور متبادل بعدم التوافق والانسجام. فالسلطة كانت ترفض الاعتراف بأخطائها، وتترفّع عن الجلوس إلى جانب المعارضة والتحاور معها بل تعتبر ذلك عيباً ونيلاً من سيادتها وهيبتها. بينما كانت المعارضة، بكلِّ تقاسيمها، تصرُّ على تغيير الواقع السياسي في البلاد، والرجوع إلى مكتسبات دستور 73 كحد أدنى. ومن ذلك كان يتضح أنّ محور التجاذب بين الطرفين؛ هو الإصلاحُ السياسي.
كان الواقع الشعبي يمثّل القاعدة الأساسية للمعارضة وهي تُحرِّك شعارها في ضرورة إصلاح السلطة السياسية في البحرين. وبفضل العطاءات الشعبية تمكّنت قِوى المعارضة من تحقيق مصداقيتها الكاملة، وأصبحتْ السلطة تواجه مأزقاً سيكولوجيا وسياسياً نتيجة السند الشعبي القوي لمطالبات الإصلاح السياسي. وفي حين كانت جدية الدخول في مرحلة >الإصلاح< تفترض الإذعان لهذا الواقع، والتراضي عليه، نجد أنّ السلطة ـ فيما يؤكد تهافت شعاراتها الإصلاحية ـ ناورتْ على تلك الحقيقة، وأعدت عدتها للالتفاف على المحور العددي الشعبي، وذلك من خلال إدخال مجموعات سكانية مستجلبة من الخارج، يكون
ولاؤها للسلطة أساساً وحيداً لمنحها الجنسية البحرينية، وبالتالي إشراكها في إدارة المجتمع السياسي
والاجتماعي والثقافي البحريني.
عناوين
ويتفق المعارضون البحرينيون الشيعة والسنة على ان الأجهزة الرسمية استعملت سلطتها لمنح الجنسية
لأقوام لا يهمهم أن يُستعملوا لتنفيذ مخطط التغيير في الديموغرافيا السياسية في البلاد. ومن الواضح
أنّ هذا المخطّط تتداخل فيه العناوين التالية:
ـ تغيير التركيبة السكانية (الاتجاهات والثقافات) ـ إحداث الخلل في التوزيع العددي للسكان.
ـ تنويع مداخل الطائفية السياسية.
ـ خنق القنوات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تكوِّن الهوية الوطنية للبحرين. ولكي تتحقّق أهداف هذا المخطط، فإنّ الوقود البشري المجنس المستخدم للتنفيذ يُراعى أن يكون مستورداً من مناطق ودول معينة، تكون السلطة قد خبُرت إخضاعه لمشاريعها التخريبية، أمنياً وسياسياً، وكوّنت معه تاريخاً طويلاً من التطويع للأوامر وسياسات القمع. وبحكم التكوين البدوي لهؤلاء المستجلبين للاستيطان ومحدودية خلفياتهم الثقافية والإبداعية؛ فإنّ تجييرهم من قِبل السلطة يكون أسرع وأكثر يُسراً . كما
جرى التركيز على توطين هذه المجموعات البشرية المستجلبة في مستوطنات ثابتة ومتنقلة لتؤدي الغرض التخريبي المستقبلي بنحو كامل. وكذلك فإنّ هناك انتباهاً إلى توزيع مواقع التواجد الوظيفي للمستوطنين الجُدد، فإلى جانب تركّزهم في وزارات الدفاع والداخلية والمؤسسات الحكومية الحسّاسة، فإنّ تواجدهم المهني والوظيفي بدأ يتسع ليشمل المهن العامة والخاصة، وهو ما يُشير إلى طابع التغلغل السريع داخل البناء الاجتماعي والاقتصادي في البحرين، مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات ثقافية
واقتصادية في غير صالح المواطنين.
وفي الإجمال فإنّ هذه الاستهدافات المنظّمة في التخريب السكاني، تجتمع لتأدية الغرض السياسي الاستراتيجي، وبالتلاعب بالمسار السياسي القادم بما يتلاقى مع طموح السلطة في الاستفراد بالحكم واحتكار القرار السياسي، وتقليل الأثر الشعبي في توجيه معادلات القِوى المُعارضة في الداخل.
إيهام
ولا يستبعد البحرينيون في دراستهم لاسباب هذا التوجه الحكومي، البُعد الانتخابي في جريمة التجنيس السياسي. وفي هذا يقولون ان السلطة حاولت باستمرار إيهام المراقب والمهتم بشؤون المنطقة أنّ عدد الشيعة ليس أكثر من عدد السنة. وهي التي تدار بعقلية رئيس الوزراء الذي كان يضيف عدداً من السنة في الحصة المعينة للمجلس السابق الذي حل في سنة 1975 ليبدو أنّ الطائفتين متساويتان تماماً في العدد، ولم يغب عن رأسه المخاوف بأنّ التركيبة الديموغرافية في بلد دكتاتوري وطائفي قد تغير موازين القوى.
هذه المخاوف التي غذتها الدوائر الأجنبية والعناصر الخارجية التي أرادت التمسك بمواقعها، وخاصة في أجهزة الأمن، انعكست سلباً على حقوق المواطنين، وانعكست سلباً على مسألة التجنيس من أجل تحقيق تساوٍ ظاهريٍ للطائفتين اللتين يتشكل منهما شعب البحرين في حالة إجراء أية انتخابات، وتم على ضوء هذا التخوف تجنيس عشرات الآلاف من أبناء السنة عرباً وغيرَ عربٍ لاستخدامهم وقوداً في العملية الانتخابية واستغلال أصواتهم في بيان التركيبة السكانية غير الحقيقية التي يتألف منها شعب البحرين وشل المجلس تماماً من أي معارضة شعبية إضافة إلى تفريغه من أي عمق ديمقراطي.
وفي منتصف السنة (الماضية) ومخافة ألا تتمكن السلطة من الاستمرار بالتجنيس، بنفس الوتيرة السابقة، بعد تشكيل المجلس المعين نصفه تمّ تجنيس أعداد كبيرة جماعات وفرادى. واعترف موظف في دائرة الهجرة والجوازات في لقاء نظمته جمعية الصحفيين البحرينية في شهر تموز (يوليو) 2002 بتجنيس ستة آلاف شخص فقط من 24 دولة مختلفة ولعله يشير إلى من تم تجنيسهم في الشهر الأخير.
وسابقا، منعت السلطة أعضاء لجنة تفعيل الميثاق الذين عينتهم من الخوض في موضوع التجنيس واستمرت في مشروعها دون هوادة، ثم غيرت قانون الجنسية ليتمكن المجنسون الخليجيون من التصويت وهم في بلدانهم، ورفعت السلطة القانون الذي يمنع المجنسين من التصويت حيث ينص على عدم أحقيتهم في المشاركة السياسية بالترشيح والتصويت قبل انقضاء عشر سنوات على منحهم الجنسية، بموجب قانون الجنسية البحريني لعام 1963، وسمح للعسكريين بالمشاركة في الدورة الثانية للانتخابات البلدية وهو ما كان مخالفاً للقانون سابقاً ثم أجبروا على التصويت وألزموا بالضغط على ذويهم كذلك في الانتخابات شبه البرلمانية في تشرين الاول (أكتوبر) 2002 ووضعت مواد دستورية تعطي شرعية للتجنيس وعدم قدرة على سحب جنسياتهم غير القانونية (مادة 17 وثيقة 2002)، ووزعت الدوائر الانتخابية في الانتخابات البلدية وشبه البرلمانية بشكل طائفي وعنصري بحت.
وقد أدت هذه الإجراءات إلى تقليص عدد ممثلي المجالس البلدية من الشيعة وازدياد عدد السنة وهو لا يمثل النسبة الحقيقية لأعداد الطائفتين بل يشير إلى مقدار التلاعب والتآمر الذي قام به النظام، وهو ما اعتبرته السلطة أحد الأهداف الرئيسية التي تحققت من مشروعها في تحجيم الطائفة الشيعية وتقليل عدد نوابها في المجلس فحصل أبناء الشيعة فقط على 23 مقعدا من أصل 40 وهم الذين يمثلون أكثر من 70% من عدد السكان قبل عمليات التجنيس حسب مصادر مختلفة.
نوايا
وعند الرصد التاريخي لظاهرة التجنيس السياسي، يتضح انه و في بداية تسعينيات القرن الماضي سرتْ شائعاتٌ تتحدث عن وجود مخطط لتجنيس 10 آلاف من بدو السعودية، وهم المتواجدون في أطراف المنطقة الشرقية منها وبين الرياض، وهم ينتمون إلى قبيلة الدواسر. وبحسب الرواية فإنّ السلطة لم توفّق لإغراء هؤلاء وإقناعهم بالقدوم إلى البحرين. كان ذلك بين عامي 1990 ـ 1991 وبين عامي 93 ـ 94 برزت المؤشرات القوية على استقدام وتجنيس مواطنين من سورية، وإشراكهم في الخدمات التي يتمتع بها المواطنون. وظهرت في هذه الفترة تبرمات في مناطق مختلفة من البحرين (مدينة حمد، وقرى جو وعسكر)، تشكو من الإزعاج الخدمي والاجتماعي الذي مثله استقدام هؤلاء، ووصلت بعض التبرمات إلى حدّ رفع شكاوى
احتجاجية إلى السلطة.
وفي سنة 96 ـ 97 بدأت تتبلور المسألة إلى حدود الظاهرة العامة، وأخذت عملية التجنيس المنظم تتوسّع لا سيما من صحارى سورية والأردن. وفي هذا التاريخ وصلت رسالة من وزارة الخارجية البريطانية إلى >اللورد إيفبري<، نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس اللوردات البريطاني، تُقدِّر أعداد المجنَسين بـ 8 آلاف وبأنهم يعملون أساساً في وزارة الدفاع وبنسبة أقل في وزارة الداخلية.
وبعد الدخول في المرحلة الجديدة وطرح وثيقة >ميثاق العمل الوطني< استمرت الأخبار والتسريبات حول هذا الموضوع بلا توقف. ففي هذه الفترة بدأت أكبر عملية تجنيس للمستقدمين في الفترة بين 94 ـ 98، والذين تمّ استيرادهم للعمل في الدفاع والداخلية. إلا أنّ عملية الاستقدام في هذه المرحلة لم تتوقف نهائياً، فهناك مؤشرات متعددة تشير إلى استجلاب عددٍ من البلوش والعرب للعمل في قوّة الدفاع، وبأن دائرة الهجرة والجوازات سلّمتهم جنسية البلد ومنحتهم الجوازات البحرينية.
وقد تركزَ الأمرُ على الجنسيات الأردنية واليمنية وبعدها البلوشية الباكستانية. كذلك فإن هناك حركة ناشطة لتجنيس أعداد كبيرة من المدرسين المصريين والأردنيين وغيرهم.
وما يُثير القلق أكثر في هذه الحالات، هو أنّ أعداداً كبيرة من الذين يتم الإتيان بهم للعمل في وزارة الدفاع والداخلية، يجري التعاطي معهم على أنهم أتوا إلى البحرين للتواجد فيها والحصول على الجنسية، فتُخلق الأرضية المناسبة لذلك ويحصلون عليها.
ويُضاف إلى ذلك ما يُطرح عن وجود مكاتب في الخارج تُسهِّل إجراءات الحصول على الجنسية، كما هو الحال مع عوائل معينة في المنطقة الشرقية، حيث تُيسرُ لهم أمور التجنُس متى أرادوا ذلك. وفي هذا السياق نفسه تتوجّه الأخبار إلى قبيلة الدواسر والتي تُمنح خصوصيات معينة من قِبل السلطة في موضوع التجنيس بدعوى أنها عاشت فترة من الزمن في البحرين. وهو منطق لو صحَ فلا بد من القياس عليه بالنسبة إلى العائلات والقبائل التي تعيش في البصرة والمحمّرة والإحساء والتي كان لها يوماً ما تواجدٌ في البحرين. ولا يخفى على أحد أن فتح الباب على مصراعيه، وفق هذا المنطق، سوف يجعل البحرين فائضة بالمجموعات السكانية بشكل لا يُتصور. وفي كل الأحوال فإنّ تساؤلاً لا بد من أن يُطرح بخصوص واقع التجنيس في منطقة الدواسر، حيث استخدمت وسائل مختلفة لإدارة عملية التجنيس السياسي، وبأرقام مخيفة جداً، تتراوح بين 10 آلاف إلى 100 ألف.
نقطة ضوء هامة
ويؤكد البحرينيون ان مشروع السلطة القائم حالياً على هز المجتمع السياسي البحريني وتفكيكه على المدى المستقبلي، ينبني على استقدام كتل بشرية تحمي احتكارية السلطة وتُشتّت اتجاهات الفعل الشعبي المعارض. ولتأدية هذا الدور فإن المهمة منوطةٌ تحديداً بالمجموعات المستقدمة من سورية والأردن واليمن وبعض القبائل العربية. وبالتالي فإنّ التنديد الشعبي بمُخطط التجنيس المنظّم لا علاقة له بالحقوق الطبيعية لما يُعرف بـ>البدون< الذين وُلِدوا في البحرين ومثّلوا قيمةً تاريخيةً وثقافيةً لا تنفصل عن تاريخ البحرين الثقافي.
إنّ التجنيس الممنهج للتخريب السياسي القادم، إضافة إلى تعديه على الاعتبارات القانونية وتجاوزه للأخلاقية الوطنية، يفتح المجال واسعاً للتداعيات الخطيرة للكانتونات الاستيطانية، بما فيها الأضرار الثقافية والاجتماعية.
الإبادة الثقافية
وتهدف جريمة إبادة الجنس البشري Genocide إلى قتل الجماعات أو المجموعة البشرية بوسائل مختلفة، وتعتبر من الأعمال الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع لأنها تؤدي إلى إبادة أو اضطهاد كائنات إنسانية كلياً أو جزئياً بسبب طبيعتهم الوطنية أو العرقية أو السلالية أو الدينية. وهي ترتكب بصورة عمدية ولا تنحصر آثارها على الوضع الداخلي للدولة التي تقع في نطاق حدودها الإقليمية وإنما تمتد حتى إلى الأسرة الدولية بسبب أثارها الشاملة. وهي ليست من الجرائم السياسية و إنما تعد من الجرائم العمدية العادية حتى وان ارتكبت بباعث سياسي.
ومما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وجريمة إبادة الجنس البشري سياسة الاضطهاد الطائفي، والتمييز والتحقير لأسباب ثقافية واجتماعية.
تحديد مفهوم جريمة إبادة الجنس البشري:
نصت اتفاقية منع إبادة الأجناس البشرية والمعاقبة عليها لعام 1946 على أحكام الجريمة المذكورة، فالإبادة يقصد بها التدمير المتعمد للجماعات القومية أو العرقية أو الدينية أو الإثنية، ويراد بكلمة أو مصطلح genocide في اللغة اللاتينية (قتل الجماعة)، فقد اقترن اسم وشيوع مصطلح جريمة الإبادة مع النازية أولاً حيث جرى قتل ملايين البشر بسبب دينهم أو أصلهم العرقي واعتبرت الجريمة من نمط الجرائم ضد الإنسانية حتى ولو لم تكن الجريمة إخلالاً بالقانون الداخلي للأنظمة المنفذة لها.
ولاشك في أن ارتكاب الأفعال بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعات قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، يقع من خلال صور متعددة وسواء أكانت الجريمة بصورة مباشرة أم التحريض عليها أم بالتآمر على ارتكابها، وسواء كان ذلك أثناء السلم أم الحرب. فقد جاء في المادة الثانية من الاتفاقية ما يلي :
>في هذه الاتفاقية تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية : المرتكبة عن قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: 1ـ قتل أعضاء من الجماعة 2 ـإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة 3ـ إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا 4 ـ فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة 5 ـ نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى<.
وهذه الأفعال الإجرامية يعاقب عليها القانون سواء من خلال الإبادة الفعلية أو بالتآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية أو التحريض المباشر والعلني على ارتكابها أو في محاولة ارتكابها أو الاشتراك فيها ويتعرض للمسؤولية القانونية أيُ شخص كان حتى ولو كان مسؤولاً دستورياً أو موظفين عامين أو أفراداً. كما أن هذه الجريمة لا تسقط بمرور الزمان.
ويتضح من ذلك أن قتل الجماعات يحصل بطرق أو وسائل مختلفة منها: ـ النوع الأول :الإبادة الجسدية وهو يتمثل في قتل الجماعات بالغازات السامة أو الإعدام أو الدفن وهم أحياء أو القصف بالطائرات أو الصواريخ أو بأي وسيلة أخرى تزهق الأرواح.
بايولوجية
ـ النوع الثاني: الابادة البايولوجية وتتمثل بطرق تعقيم الرجال أو إجهاض النساء وبوسائل مختلفة بهدف القضاء على العنصر البشري. (الفقرة د ـ من المادة الثانية ) من اتفاقية منع إبادة الأجناس والمعاقبة عليها.
ـ النوع الثالث:الإبادة الثقافية وتتمثل في تحريم التحدث باللغة الوطنية والاعتداء على الثقافة القومية والوطنية.( الفقرة ج من المادة الثانية من الاتفاقية ).
غير أن الأسرة الدولية لم تتجه بعد إلى اعتبار هذا النوع من الإبادة جدياً وخطيراً ويؤدي إلى الفناء على الرغم من أن هذا النوع من الإبادة هو إبادة معنوية تدمر البشر وهي يؤدي إلى الصهر والإذابة والتدمير وهو عمل غير مشروع.
كما ان الإبادة الثقافية تشمل التجنيس السياسي والاستثنائي نموذجاً. وفي التجربة المحلية في البحرين، يمكن اعتبار التجنيس الاستثنائي، وخاصة في شكله السياسي، نموذجاً واضحاً على مفهوم الإبادة الثقافية. فإدخال أعداد كبيرة من المجموعات السكانية الغريبة، وبشكل عمدٍ مقصود، ومن غير مراعاة للتوازنات الثقافية والاجتماعية والسياسية القائمة؛ هو تهديد جديّ بالتشكيل الثقافي للبحرين، ولهوية الشعب الوطنية.
ومن الواضح أنّ الاعتبار السياسي الذي يدفع السلطة إلى القيام بهذا الخطوة، لا يُغفل العنصر الإبادي والتدميري. فالمخطط السياسي في عملية التجنيس لا يكتمل إلا مع إحداث تغييرات مقصودة في البناء الثقافي والاجتماعي للواقع البحريني، والسبب في ذلك أن هذا البناء هو المعني بالدرجة الأولى في إنتاج اتجاهات الرأي العام، وفي تشكيل الرؤى السياسية، وبالتالي فإنّ التجنيس السياسي ناظر في طريقه العملي إلى التركيب الثقافي والاجتماعي القائم، ويستهدف في المقدمة والمؤخرة خلخلة هذا التركيب وتمييعه إلى درجة الذوبان. ومن هنا نلحظ الوجه الإبادي الثقافي لانعكاسات التجنيس المنظم لأهداف سياسية.
ملف مغلق
وفي قراءتهم لما يمكن ان يعرف بالتجنيس السياسي وتهديد الإصلاح السياسي، ينظر البحرينيون الى الامر من زاوية ان التوجّه إلى اعتبار >التجنيس السياسي< ملفاً ملغوماً يستدعي المعالجة الحاسمة، لا يستبطن خروجاً على أسس المشروع الإصلاحي الذي تؤمن به قِوى المعارضة، بل إنه يتضمنُ دعوة حثيثة لحمايته وتحصينه من الساعين إلى إفشاله وإيصاله إلى طريق مسدود. فهذا المشروع سيكون معرضاًً للانحلال التدريجي، نظراًً للتسيب الذي سيتعرّض له المجتمع السياسي، وما سينشأ من مصادر تهديد مستقبلية لبُنى المجتمع الطبيعية ولتكويناته الثقافية، وهو ما من شأنه أنْ يؤثر على الثقافة السياسية واتجاهات الفعل الاجتماعي والوطني بما يتعارض مع مفاهيم الإصلاح وقواعده الأساسية.
ولا تستند هذه الرؤية على مخاوف مصطنعة أو >فوبيا المؤامرة<، كما أنها بالتأكيد خالية من أي اشتغال طائفي بغيض. فالشواهد اليومية التي تدور فصولها على أرض الواقع، وبعض التجارب الشبيهة في دول أخرى (لبنان مثلاً).. تؤكّد حقيقة الخطر السياسي والثقافي المُقبل إنْ لم تُرسم خطة معالجة جادة لحالات التجنيس السياسي، والتي ثبُتَ أنها لعِبت دوراً واضحاً في التوازنات السياسية والانتخابية.
ولذلك فإنّ على الأصوات التي بدأت ترتفع مؤخراً، أن تُدرك جيداً أنّ الخطابات التأليبية والنفخ في الكلمات والشعارات الجميلة، لن تُخفي من واقع الأمور. والأخوة المجنسون الذين كانوا مواداً أوليةً للتجنيس السياسي والأمني، عليهم أيضاً أن يعوا ذلك جيداً، فالإنشائية المصكوكة بالجمل المتزلفة والتبريرية لن تُجدي في إقناعنا بأن منْ استُقدِم عمداً للوطن ومُنح جنسيته لأداء أدوار تتنافى مع القانون والأخلاقيات، يمكن أن يتحوّل إلى مواطن صالح يدافع عن متطلبات المواطنة الحقة. وإذا كان ولا
بد، فإنّ على هؤلاء المتباكين والمنتفعين من خرق القوانين، أن يتذكروا >الممارسة الوطنية والأخلاقية!!< التي اضطلع بها >المجنسون أمنياً< خلال الحقبة السوداء السابقة بحقّ أبناء الشعب في غياهب المعتقلات وغرف التحقيق، وكيف كانوا يُمعنون في التعذيب والإنتهاكات أثناء مداهمة بيوت المواطنين وقمع المسيرات السلمية. فهل أصبح هؤلاء >مواطنين صالحين< فجأة وبقرار فوقي؟ وهل المواطنة الصالحة تنشأ بين ليلةٍ وضحاها وتبعاً لتبدلات الولاء السياسي وتغيّر المراحل؟! إنّ إلحاحنا على
إيقاف أنماط التجنيس السياسي والأمني، وكل أنواع التجنيس المنظم خارج إطار القانون، يستهدف الحفاظ على حقيقة المواطنة البحرينية والانتماء الخالص لهذا الوطن. ورؤيتنا في هذا المجال تشددُ على ضرورة أن تضع الحكومة خطة معالجة لكلّ الحالات التي ينطبق عليها هذه اللون غير القانوني من منح الجنسية.
والجعجعة التي تُحاول جاهدة تلبيس هذا الإلحاح طوابع سياسية واستهدافات متخيلة، إما أنها تجد نفسها معنية بالأمر وتشعرُ بأن الدائرة تحيق بها، أو أنها لا تملك أفقاً بعيداً يُتيح لها استشراف ما خلف الأستار.
وفي كلِّ الأحوال، فإنّ التبعات العكسية التي ستنكشف عبر النوافذ الاجتماعية والثقافية، ستُبرهن جدية المزلق الوطني الذي ينجرُ إليه الجميع، فـ >الكانتونات< الاستيطانية التي جُنّست لتخريب البناء السياسي في البلد، مهيأةٌ أيضاً لزعزعة الأمن الثقافي والاجتماعي، وحينها سُيصبح عسيراً الإمساكُ بالآثار الجانبية والحدّ منها، وستتطلب المشكلة >خطة طوارئ< عاجلة تستدرك الخطر قبل أنْ نشهد يوماً ما >هولوكست< آخر للهوية الوطنية.
رؤية المعالجة..
كما لا يقف البحرينيون عند هذا الحد وانما يتعدونه الى فهم حقيقة كونه إرجاعا إنسانيا إلى البلدان الاصيلة التجنيس المنظّم ينطوي على مخالفات قانونية صريحة، وتجاوز لكلِ الاعتبارات الأخلاقية. فهو قد تم دفعة واحدة في بعض الحالات الحرجة، وهو ما يُظهر البُعد الجماعي لعملية التجنيس السياسي، وهو ما يعني أنّ التجنيس المقصود هنا حصل حتى دون إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة، فيما يُشير إلى وهمية الكثير من الحالات وعدم توثّقها الرسمي والقانوني. وإذا كان المدخل الطائفي منظوراً إليه ضمناً في هذه العملية، وذلك من خلال الاكتفاء والتشديد على انتقاء المجنسين المستجلبين من طائفة
معينة، فهذا يعني أنّ الإخلال السياسي الذي يستهدفه هذا التجنيس المنظم، يمر عبر الدهليز الطائفي وضرب أشد الأوتار حساسية.
ثمة فارقٌ كبير بين التزايد غير المتوازن في عدد السكان بين الطوائف لأسباب طبيعية وإحداث تغيير ديموغرافي مُفتعل. التلاعب في التركيبة الديموغرافية ـ الطائفية في بلد تحكمه توازنات بالغة الدقة والحساسية المذهبية، وليس فقط الطائفية، هو مسألة بالغة الخطورة، خصوصاً في ظل الخلل القائم على غير صعيد. وتمّ توزيع المجنسين في بعض المناطق بشكل عشوائي هدفه في بعض الأحيان التأثير على التوازنات الديموغرافية، وتمّ تجيير أصواتهم في العمل الانتخابي لصالح اتجاهات سياسية قريبة من السلطة. إن الإخلال بالموازين الديموغرافية بشكل مفتعل، في مجتمع شبه إثني عانى من اضطرابات سياسية عديدة، لا يشكّل انتكاسة للعيش المشترك فحسب بل قد يؤدي إلى نسف مقومات وجوده.
ولذلك فإن حجم الأزمة التي سيسببها التجنيس السياسي وآثاره الثقافية، تستوجب معالجة حاسمة ونهائية. ويمكن تلخيص الرؤية في هذا الموضوع في العناوين التالية: مرتكز الرؤية في موضوع التجنيس السياسي في ظلِّ التداول السياسي المحلي للملفات الساخنة وارتفاع حدة التجاذبات المختلفة التي تُحيط بحركة الإصلاح؛ ويبرز ملف (التجنيس السياسي والطائفي) بوصفه واحداً من أبرز الملفات العالقة، والذي لا يزال يتطلب التحرك الجاد والمعالجات الجذرية.
التغييب
وبالنظر إلى الآثار والانعكاسات الخطيرة المترتبة على هذا الملف، ولأنه يخضع الآن للتغييب والتعمية المتعمّدة من قِبل الحكومة تحاول الجهات الرسمية إخضاعه للمساومة غير العادلة مع قِوى المعارضة، فإنّ هناك حاجة ماسة لإعادة فتح هذا الملف بطريقةٍ حكيمة وشاملة، وذلك بهدف إبراز التداعيات السلبية التي يمكن حصولها ـ وبدأت تنكشف العديد من مؤشراتها ـ في حال استمرار تغييب الحقائق والوثائق الخاصة بهذا الملف، ولم يجر العمل على اتخاذ إجراءات حاسمة لإيقاف مسلسل التجنيس الممنهج المبني على أهداف سياسية وطائفية مضادة، وهو المسلسل الذي كشف عمق أزمة الثقة المضمرة بين الحكومة والشعب.
وفي إطار المعالجة النهائية لهذا الملف، تتأكّد أهمية وضوح الرؤية بشأن كل إفرازات مخطط التجنيس الأمني والسياسي، والعمل على بلورة برامج المعالجة حيالها والتي ينبغي أن تتصف بالحسم الكامل والمطالبة بإلغاء كل قرارات التجنيس (بما فيها الصادرة بمراسيم ملكية) الصادرة بموجب الهاجس السياسي والتخريب السكاني، وإبطال ما ترتب عليها، مما يعني ضرورة تسوية أوضاع المجنسين سياسياً وترتيب خطة مقننة لترحيلهم مع مراعاة كافة المتطلبات الإنسانية والحقوقية في ذلك.
إنّ فتح هذا الملف ليس مرتبطاً بضرورة مؤقتة ليُحركَ في إطار زمني معين ثم يُترك لحاله ويُنسى، كما أنه من غير الصحيح استراتيجياً وأخلاقياً استثمار هذا الملف باعتباره أداة ضاغطة (تكتيكية) لتحقيق أغراض سياسية معينة. إنّ حقيقة المخاطر المترتبة على هذا الملف، وكونه مُعبِّراً عن طبيعة الأداء الحكومي غير الشفاف والمبطّن بالعُقد والعدائية وسياسة الالتفاف.. هو ما يفرض على القِوى الأهلية الحية الإمساك بهذا الملف بكلِّ عناية، والعمل على دراسة محتوياته ونتائجه العاجلة والآجلة بإتقان وشمولية. وسوف يكون منوطاً بهذه القِوى التصدي لكلِّ متعلقات هذا الملف واحتياجاته، والتهيؤ الكامل لتحمّل تبعاته السياسية والإعلامية، وهو أمر يشير إلى ضرورة مراجعة هذه القِوى لأدائها المطلبي السابق، وأن تعمل على هندسة أداءٍ يتناسب مع خطورة هذا الملف وآليات تحريكه المقترحة.
الأهداف الكبرى
وبناء على ذلك، يؤكد البحرينيون دون خلاف على أن خطاب الرؤية الذي ينبغي أن يكون مؤسِّساً لبرنامج تحريك ملف التجنيس السياسي، يرتكز على أساس العناوين التالية: الأهداف الكبرى (المطالب):
ـ المطالبة بـإعداد لجنة تقصي حقائق لكلّ حالات التجنيس المشكوك فيها، والسماح لها بالاطلاع على كلّ الوثائق المغيبة والتنقيب عنها لدى الجهات المختصة.
ـ المطالبة بـإيقاف كلّ إجراءات التجنيس التي تجري تلبية لأهداف سياسية وأمنية وطائفية، بغضِّ النظر عن وقت حصول هذه الإجراءات.
ـ المطالبة بـمحاسبة كلّ منْ يقف وراء استمرار سياسة التجنيس الممنهج، ويمارس أي شكل من أشكال التخريب في التركيبة السكانية للبحرين، وخلخلة التوزيع الثقافي والإثني بشكل غير قانوني وبناءً على أهداف طائفية بغيضة.
ـ المطالبة بـإبطال آثار قرارات التجنيس السياسي والأمني غير القانونية، وإعداد خطة إنسانية شاملة لترحيل المستفيدين من هذه القرارات.
ـ المطالبة بـمعالجة الآثار السلبية والأضرار التي نجمتْ عن تطبيق هذه السياسة الفاسدة في التجنيس، وتعويض المواطنين الذين يثبُت تضرّرهم المباشر بسببها.
ـ وبهذه الطريقة يمكن ترسيخ مبدأ الشفافية في التعاطي مع الملفات العالقة، ووضع اليد على الفواعل الأساسية المتسببة في استمرار هذه الملفات وتأزمها، وهو كفيل بتعزيز سلوك المكاشفة مع السلطة وتجاوز التقاليد الخاطئة التي تقوم على خطاب المجاملة والدبلوماسية المبطنة والتورية السياسية خاصة مع مثل هذه الملفات الكبيرة.
د. سعيد الشهابي : التجنيس لم يكن ظاهرة بارزة في سياسة العائلة الخليفية الحاكمة
ويقول د. سعيد الشهابي أقدم وأشهر الناشطين السياسيين البحرينيين في الخارج والذي يقيم في لندن منذ أوائل السبعينيات أن ظاهرة التجنيس لم تكن في الماضي بارزة في سياسة العائلة الخليفية الحاكمة، لعدد من الأسباب: أولها أن القرار السياسي الاستراتيجي قبل الانسحاب البريطاني في عام 1971 لم يكن بأيدي الحاكمين من أفرادها، بل كان خاضعا لما يقرره الإنجليز عبر المعتمدين أو المقيمين السياسيين في المنطقة، وثانيا أن الإنجليز ضمنوا أمن العائلة واستمرار حكمها رغم أنها كانت تمثل حكم الأقلية بالنسبة إلى شعب البحرين، وثالثا أن البلاد كانت عموما بلدا صغيرا لا يستهوي الكثيرين، ولم تكن لديها إمكانات مادية كبيرة تجذب الأجانب. هذا بالإضافة إلى أن الحاكمين لم يكونوا بدرجة من الصلافة أو القوة التي تدفعهم إلى اتخاذ مثل هذا القرار الخطير. فهو قرار ليس معتادا في سياسات الدول ولا يقدم عليه إلا من يقرر أن يدخل في مواجهة خطيرة مع أبناء البلد الذي يحكمه. يضاف إلى ذلك أن الإنجليز تدخلوا في حكم البلاد بشكل مباشر يومي منذ إحلال ما سمي وقتها الإصلاحات الإدارية في عام 1923 على يدي المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، الميجور ديلي، الذي خدم في العراق خلال ثورة
العشرين التي خاضها الشعب العراقي ضد البريطانيين وعرف بعض خصوصيات الشعبين العراقي والبحريني، ولم يشأ أن يثير أغلبية السكان.
يكمن أن بدايات التفكير في المشكلة السكانية بدأت بعد الانسحاب البريطاني، وذلك لعدد من الأسباب:
أولها سيطرة الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة على مقاليد الأمور وإدارته دفة الحكم كأقوى رمز في العائلة، ولديه مشاعر اكتسبها من السنوات القليلة التي مارس فيها السياسة من خلال جهاز الشرطة منذ نهاية الخمسينيات.
وثانيها الإضرابات العمالية والسياسية التي حدثت في عهده ابتداء بالإضراب الشعبي الشامل في تشرين الاول (أكتوبر) 1954 مرورا ببقية إضرابات الهيئة وإضرابات عمال شركة النفط والطلاب في 1965 وانتهاء بإضراب عمال ألبا في 1972، أي قبيل انتخابات المجلس التأسيسي ببضعة شهور.
وثالثها أن البلاد دخلت المرحلة النفطية الحقيقية بارتفاع أسعار النفط بعد حرب 73 الأمر الذي أدى إلى تطورين: الأول بروز الحاجة إلى أيدي عمالية إضافية لتلبية احتياجات سوق العمل التي كانت آخذة في التوسع، والثاني توفر قدرة مالية كبيرة أدت إلى زيادة جشع الشيخ خليفة بن سلمان الذي اصبح رئيسا للوزراء بعد الانسحاب البريطاني، وقدرة اقتصاد البلاد على استيعاب أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية.
بالإضافة إلى هذه العوامل، كان أفق الشيخ خليفة في البداية مقتصرا على محاولة احتواء مخاطر الإضرابات العمالية التي كانت تسبب حرجا كبيرا للعائلة الحاكمة وتحمل إمكانات خلخلة الوضعين السياسي والأمني، الأمر الذي قد يعرض أمن العائلة الحاكمة للخطر. في تلك الفترة كانت الأوضاع الداخلية للعائلة الخليفية عاملا يحول دون المجازفة بإجراءات اكبر ضد المواطنين، خصوصا التوتر في العلاقات بين الشقيقين الشيخ خليفة والشيخ محمد، وعجز الشيخ عيسى عن احتواء الموقف.
لقد كان في استقدام عشرات الآلاف من العمال الأجانب وسيلة للسيطرة على سوق العمل، من وجهة نظر الشيخ خليفة الذي أراد لحكمه أن يعتمد على خلق توازنات مهما كانت هشة لمنع تصاعد الاضطرابات أو حدوث تصدعات سياسية تزلزل حكمه، كما حدث في العشرينيات للشيخ عيسى بن علي. ولا شك في أن استقدام العمالة الأجنبية نجح في تحجيم القدرة السياسية للحركة العمالية في البحرين التي أبعد عدد من رموزها بسبب نشاطهم في تحريك الاضطرابات العمالية في السنوات العشر السابقة أي منذ اضطرابات 1965. اقتصرت سياسة الشيخ خليفة في تلك الفترة على استقدام العمال الأجانب وتسهيل فرص عملهم، مستغلا قانون أمن الدولة الذي هيأ الأوضاع الأمنية لمنع أي احتجاج ضد هذه السياسة، بالإضافة إلى توسع سوق العمل وظهور أوضاع اقتصادية جديدة خلقت أجواء ضاغطة تستدعي استقدام عمالة أجنبية رخيصة.
وأوغل الشيخ خليفة في هذه السياسة فسيطر على عدد من الوكالات لاستقدام الأجانب وشرع سياسة ما يسمى بـ >الفري فيزا< Free Visa التي يستقدم المتنفذون من العائلة الخليفية بموجبها العمال الأجانب إلى البحرين بتأشيرة عمل ولكن دون عمل محدد، ويزج بهم في سوق العمل مقابل عمولة كبيرة على مدخولاتهم.
ونجم عن إغراق سوق العمل بهذه الصورة تحجيم العمل السياسي المعارض الذي لم يعد قادرا على تحريك القضايا العمالية بشكل فاعل كما كان ممكنا في العقود السابقة.
في تلك الفترة كان التجنيس مقتصرا على أعداد محدودة من ذوي العلاقات الخاصة مع العائلة الخليفية، ولم تكن هناك سياسة لتجنيس الأجانب بشكل منهجي. ولكن تكرست سياسة الفرز الطائفي في مجال التوظيف، فمنع قطاع كبير من المواطنين من العمل في وزارتي الداخلية والدفاع وهي سياسة لا تزال سارية المفعول حتى اليوم. وحتى في إطار الفرز الطائفي، كانت هناك بعض المواقع الحساسة التي رفضت العائلة الخليفية إسنادها إلى المواطنين وانحصرت بأيدي الأجانب.
فقد أسندت المناصب العليا في جهاز الأمن إلى البريطانيين منذ عهد الحماية البريطانية. ففي عام 1966 أسند القسم الخاص بجهاز الأمن إلى الضابط البريطاني الاستعماري ايان هندرسون الذي بقي في هذا المنصب حتى 1999، ومعه ثلة من البريطانيين الذين لا يزالون في مواقعهم حتى اليوم.
مستقرة
سياسة التجنيس كانت مستقرة إلى حد ما. فمنذ أن بدأ الإحصاء الرسمي في البلاد في عام 1941 كان هناك توازن سكاني ثابت تقريبا، يعكس نسبة مستقرة للطائفتين الأساسيتين، الشيعة والسنة، بأغلبية للأولى بحدود خمسة وسبعين بالمائة. وقد استمر الإحصاء الرسمي طوال السبعين عاما الماضية حيث يجري بشكل عقدي أي مرة في كل عشرة أعوام. وعلى الرغم من أن الحكومة لم تكشف النسب المذهبية في البلاد فقد كان هناك شعور عام باستقرارها استنادا إلى التقديرات التي تعتمد على معدلات الإنجاب والنمو الطبيعي، وغياب التجنيس السياسي. ولكن استمر شعور الموطنين الشيعة بالغبن بسبب سياسة الفرز الطائفي الذي مارسته الحكومة تجاههم، وهي سياسة نجم عنها غياب الشيعة من المناصب العليا في الدولة، فلم يكن هناك منهم
سوى واحد من عشرين في منصب وكيل وزارة، وتكرست تلك السياسة حتى اليوم. ومورست بحقهم سياسة الفصل العنصري تماما كان معمولا بها في الدول التي تمارس تلك السياسة مثل جنوب إفريقيا وروديسيا. والزائر إلى البحرين يلاحظ بوضوح غياب الاهتمام الرسمي بالبنية التحتية في المناطق التي يقطنونها، فليس هناك شوارع مرصوفة ولا أرصفة ولا حدائق عامة ولا خدمات صحية، واستمر منعهم من العمل في المواقع الحساسة للدولة، فكان التعامل معهم يعكس خلفية شك متواصلة من قبل العائلة الخليفية الحاكمة التي شعرت باستمرار بانعدام الثقة مع أغلبية المواطنين. وبالتالي تشكل الحكومات بعقلية خطيرة قائمة على حسابات سياسية غير مشروعة في إدارة البلاد.
وفي الحالات التي شهدت توترا سياسيا في البلاد قامت العائلة الخليفية بإقالة المئات من الشيعة من وظائفهم خصوصا في المجالات التي تحمل طابعا أمنيا. هذا الشعور تكرس لدى العائلة الحاكمة، وأدى في النهاية إلى تغير خطير في عقلية رموزها.
لقد كان دور المواطنين الشيعة حاسما في تحديد الهوية العربية الإسلامية للبحرين طوال القرون الماضية. وكانوا في طليعة المتصدين للاستعمار البريطاني، وتلاحموا مع المناضلين من المواطنين السنة في تلك المهمة النبيلة، ووقعوا العرائض الوطنية منذ اكثر من ستين عاما، في 1938 وفي الأربعينات وفي الهيئة التنفيذية العليا في 1954 وفي 1965 وخلال الفترة الوجيزة من الممارسة البرلمانية في النصف الأول من السبعينيات وفي العرائض التي وقعت في التسعينيات. هذا التلاحم اغضب العائلة الخليفية بشكل كبير، وأدى إلى ما حدث في السنوات العشر الأخيرة من اضطرابات وسجون وإبعاد وتمييز اكثر من السابق.
ومع استلام الشيخ حمد مقاليد الحكم بعد وفاة والده في آذار (مارس) 1999، كانت تجربة العائلة الخليفية مع الانتفاضة، الحركة المطلبية في التسعينيات، شبحا يطاردها ويحول دون شعورها بالاستقرار.
فكانت أمام خيارين: إما الانصياع للمطالب الشعبية وإعادة العمل بدستور البلاد لعام 1973م الذي كان الوثيقة التعاقدية الوحيدة بين شعب البحرين والعائلة الحاكمة أو إجراء تغيير جوهري في التركيبة السكانية يحول دون قدرة الأغلبية من المواطنين على إحراج العائلة الحاكمة بالاحتجاج السياسي.
فجاء مشروع التجنيس السياسي الخطير. ولكونه خطيرا جدا كان لا بد من تغليفه بأساليب مضللة والتقديم له بما يثير مخاوف المواطنين وشكوكهم. وبالإضافة الى تجربة التوتر السياسي كان الشيخ حمد يعلم أن العراق على وشك التغيير بعد أن قررت الولايات المتحدة تغييره، وان الوضع في العراق في طريقه إلى تغيير في عقلية الحكم وهيكليته.
سقوط
سقطت الأنظمة التي تمثل الأقلية والتي دعمتها بريطانيا منذ مائتي عام. فقد سقط حكم الأقلية في روديسيا الذي تزعمه ايان سميث، وذلك بعد مفاوضات طويلة انتهت بتوقيع اتفاقية لانكستر هاوس في لندن.
وفي 1975 قام حكم ديمقراطي أدى إلى استلام الأغلبية مقاليد الحكم. وفي جنوب إفريقيا لم تستطع بريطانيا الاستمرار في دعم الأقلية البيضاء واضطرت إلى التخلي عن نظام الفصل العنصري، وأدى إطلاق سراح نيلسون مانديلا في 1991 إلى سقوط نظام الفصل العنصري. وبقيت العراق والبحرين آخر بلدين دعمت بريطانيا فيهما نظامين يمثلان الأقلية. وكان واضحا أن نظام صدام حسين لن يستمر طويلا بعد مغامراته الجنونية التي أزعجت داعميه في واشنطن ولندن، وان سقوط صدام حسين سوف ينهي عهد الاستبداد والقمع الذي سعى الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة إلى تقليده في كل شيء تقريبا: فالاستبداد الحزبي يقابله
استبداد العائلة الحاكمة، والتمييز في التوظيف والمناصب على أسس حزبية أو طائفية أمر مشترك، وتداعي الخدمات للمناطق التي تقطنها الأغلبية سمة مشتركة بين العراق والبحرين، والقمع كان واحدا من الممارسات التي قلد الشيخ خليفة فيها صدام حسين، وشمل ذلك اعتقال المعارضين وتعذيبهم وقتلهم ومنع عودتهم. ومشروع التجنيس هو الآخر كان مشروعا عراقيا لم يكتب له النجاح. ففي الثمانينيات استقدم صدام حسين قرابة خمسة ملايين من المصريين في محاولة لتغيير التركيبة السكانية، ولكن تداعيات الحرب العراقية الإيرانية ومقتل الكثير من هؤلاء اضطرهم إلى الهرب بحياتهم والعودة إلى مصر ففشل ذلك
المشروع. وقد استفادت العائلة الخليفية من ذلك فقررت القيام بذلك الإجراء.
استلم الشيخ حمد الحكم وسمعة عائلته في الحضيض بسبب ممارساتها القمعية ضد شعب البحرين. ورأى الفرصة مناسبة لوضع ذلك المشروع موضع التنفيذ. ولكي ينجح المشروع كان عليه أن يمارسه سرا ودون أن يشعر أحد بوجوده، وان يخلق ظروفا مؤاتية لتنفيذه، فجاءت قراراته بإطلاق سراح السجناء السياسيين والسماح بعودة المبعدين وتخفيف الأوضاع الأمنية الخانقة ولكن دون تقديم أي تنازل سياسي. في الوقت نفسه استغل ظروف الهدوء الأمني والسياسي لتنفيذ مشروع التغيير الديموغرافي، فمنح الجنسية البحرينية لعشرات الآلاف من الأجانب، بمن فيهم أعداد كبيرة من القبائل في الجزيرة العربية وسورية والأردن واليمن وباكستان. وكان لقبيلة الدواسر في المملكة العربية السعودية نصيبهم الأكبر من التجنيس. وتدعي العائلة الخليفية أن تجنيس الدواسر انما هو بسبب انهم بحرينيون. وهذا افتراء محض. فالدواسر ينتمون تاريخيا إلى وادي الدواسر في الجزيرة العربية، وجاء بعضهم إلى البحرين في القرن التاسع عشر، واستقروا بمنطقة البديع.
وعندما أدخلت الإصلاحات الإدارية على يدي الميجور ديلي في 1923 عارضوا تلك الإصلاحات التي ابعد بموجبها الشيخ عيسى بن علي عن الحكم وعين مكانه نجله الشيخ حمد. وبموجب تلك الإصلاحات أيضا المساواة بين المواطنين أمام القانون وتشكيل جهاز شرطة مركزي وإلغاء توزيع البلاد الى مناطق يسيطر على كل منها أحد أفراد العائلة الخليفية (هو الوضع الآن باسم المحافظات). اعترض الدواسر على ذلك وهددوا بالانسحاب من البحرين.
جريمة
ولما لم يستجب الميجور ديلي لطلبهم المتمثل أساسا بإعادة الشيخ علي إلى الحكم والتخلي عن الإجراءات الأخرى التي تساوي بينهم وبين أغلبية المواطنين، انسحب اغلبهم إلى الجزيرة العربية في 1924. ولكنهم عادوا بعد ثلاث سنوات وأعيدت لهم منازلهم وسفنهم التي صودرت منهم بقرار من الميجور ديلي. وبالتالي فليس هناك مواطنون بحرينيون سحبت منهم جنسياتهم بعد ذلك. ولو كان الأمر كذلك لبادرت العائلة الخليفية إلى إعادة تلك الجنسيات في العقود اللاحقة.
التجنيس الذي يتم اليوم جريمة إبادة عرقية وثقافية، تتم في أجواء مصطنعة طرحها الشيخ حمد لتمرير المشروع الخطير الذي تتبناه عائلته. وليس له مبررات تاريخية ولا أسس قانونية وفق المواثيق الدولية أو المحلية، وهو انتهاك صارخ للتعاقد بين شعب البحرين والعائلة الخليفية الذي تم في 1970 عندما كانت الأمم المتحدة تسعى إلى تحديد مستقبل البلاد وفق متطلبات أبنائها. وقد اختار شعب البحرين الاستقلال والعيش في ظل نظام مستقل يحافظ على هوية البلاد ويمنح أهلها حرية وديمقراطية وفق دستور مكتوب. هذه التعهدات لم تعد اليوم ملزمة للشيخ حمد وعائلته، الذين قرروا القيام بما لم يجرؤ أحد من قبلهم على
القيام به سابقا. من هنا اصبح الواجب الوطني والإنساني يحتم على الجميع التصدي لهذه الجريمة التي لا تستند إلى قانون أو دستور، بل هي قرار من عائلة حكمت البلاد بالنار والحديد منذ أن احتلت هذه الجزر، وأصبحت تشعر أن بقاءها ضمن الأطر القديمة غير ممكن إلا بتغيير ديموغرافي يوفر لها شعبا غير الشعب الذي عايشته بمرارة طوال المائتي عاما الماضية. فهل يسمح للعائلة الخليفية بتحقيق ذلك؟
من السعودية إلى البحرين:
تجنيس بالجملة.. طلبات بدائية واستجابات سريعة
في ندوة التجنيس السياسي التي عقدت في البحرين في السادس عشر من تموز (يوليو ) الماضي من قبل ست جمعيات (أحزاب) سياسية هي: الوفاق الوطني الإسلامية، العمل الوطني الديمقراطي، التجمع القومي الديمقراطي، العمل الإسلامي، المنبر التقدمي الديمقراطي والوسط العربي الإسلامي الديمقراطي، جرى عرض مقتطفات من حوار حقيقي دار مع مجموعة متفرقة من المجنسين السعوديين القاطنين في مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية. الحوار تم في شهر تموز (يوليو) العام الماضي وهو موثق في فيلم متاح:
وفي سؤال وجه لعدد من المتجنسين:
< كيف حصلت على الجنسية البحرينية ؟ جاءت إجاباتهم على النحو التالي:
> فهد:عن طريق العمدة بالدمام.. تقدم وتروح الاجراءات في البحرين ويجيك الجواز هنا.
علي: سمعنا عن تقديم على جواز بحريني وقالوا التقديم عن طريق عمدة الدواسر . أخذت أوراقي واثباتاتي السعودية ورحت قدمت عنده.. خلال ستة شهور طلع الجواز البحريني.
جمعة: الجواز ما في كلافة (أي لا يوجد مشكلة).. الجواز تروح حق )أي تذهب الى) علي بن عيسى (عمدة الدواسر).. يعطيك أوراق وتعبيها (تملأها) وتييب (تجلب) صورة من بطاقة العائلة والبطاقة الشخصية..
أنا يمكن أول جوازات أنا أستلمها.. حوالي 13 جواز بحريني وبطاقة سكنية وبطاقة شخصية وكل حاجة.
جاسم: حصلت على الجنسية من عمدة الدواسر علي بن عيسى .. قدمت طلبات وأوراقاً وصوراً من الجواز...حصلت على تقريبا سبعة جوازات أنا مع عيالي الستة.
عبدالله: قدمت جوازي عن طريق مكتب علي بن عيسى . عطوني طلب الأوراق وأنا عبيتها وقدمت على المكتب وتم حوالي ستة شهور.. اتصلوا علي وجابوا لي الجواز.
ابراهيم: قدمنا الطلب على العمدة وعطيناه أوراق و صورة الجواز السعودي .. عطوني الجواز ما قصروا.
هذه الاجراءات راحت الاوراق وجاب لنا الجواز هو بنفسه.
عبد الرحمن: حصلت على الجواز البحريني عن طريق العمدة عيسى بن علي.. وأخذت حوالي ثلاثة شهور.
< أين تتم إجراءات الحصول على الجنسية البحرينية ؟ عبدالله : المكتب في عمارة المليحي.
> جمعة : مكتب في عمارة المليحي الدور الثالث.
هل هناك طريقة أخرى للحصول على الجنسية البحرينية ؟ علي : وأنا أقول لهم إلي يبي (يريد) الجواز يروح من نفسه (يذهب بنفسه) أحسن من طريق العمدة، لأن العمدة يجمع (الطلبات) واذا صارت خمسة الى ستة آلاف معاملة راح يوديها. وفي ناس راحوا ما لهم الا اسبوعين وحصلوا على الجوازات. يعني راحوا هناك البحرين سووهم ورجعوا.
< متى حصلت على الجنسية البحرينية ؟ فهد : قبل سنتين.
> علي: وحصلت على الجنسية البحرينية من مدة سنة ونصف. جمعة : للحين ثلاث سنوات من أخذت الجواز البحريني..
عبدالله: والله حوالي سنتين.
ابراهيم: حوالي من ثلاث سنين تقريبا.
عبد الرحمن : مقدم انا حق الجواز يمكن خمسة شهور وحصلت الجنسية البحرينية.
< هل تحمل الجنسية البحرينية فقط؟
> جمعة : عندي جواز سعودي، وكلهم عندهم جواز سعودي وبحريني... أنا مع.. عبد الرحمن رحت ودشيت (ذهبت ودخلت) عند علي بن عيسى.. قلت له: هذا الجواز السعودي وهذا البحريني، بس (لكن) انت المسؤول اذا سحبوا الجواز السعودي من عندي .. قال لي (أي علي بن عيسى): لا يحركون السعودي ولا يحركون حاجة. عندك جنسية بحرينية ما يسحبون لا هاذي ولا هاذي..
< هل تعرف كم عدد الذين حصلوا على الجنسية البحرينية؟
> فهد: أغلبية العوائل هنا في حي الدواسر استفادوا من الجواز البحريني.
علي: والله واجد أزيد (أكثر) من 15 الف.. أنا رحت (ذهبت) الى مكتب العمدة و(رأيت) أوراق واجد يعني
حوالي ستة سبعة ثمانية آلاف معاملة.
جمعة: 20 ـ 22 ألف تقريبا..
ابراهيم: كم واحد ؟! .. والله ما عندي حسابهم أنا.. واجد عطو.
< ما هي القبائل السعودية التي حصلت على الجنسية البحرينية؟
> ابراهيم : أول ما صارت كانت مقتصرة على دواسر الدمام وبعدين (بعد ذلك) صار فيها على ما قالوا وعطوا ناس موب (ليسوا) دواسر، عطوا قحاطين و زويريين )منتمين إلى قبائل في المملكة العربية السعودية).
< هل استفدت من الخدمات الإسكانية بالبحرين؟
> جمعة : رحت حق السكن قالوا انت كبير ما نعطيك. ما نعطي الا عيالك قلت آنا ابوهم مسؤول وياهم قالوا لا ما نعطي اللي يطوف الستين سنة.
اذا حصلت لي بيت زين (أفضل) بدل ما أروح اسكن في الفندق أو أأجر )أستاجر) لي شقة، أحصل لي بيت حكومة.
جاسم : أتمنى يكون لي سكن هناك في البحرين طلبت السكن آنا مع اخواني ولا جت (لم تأتي) الموافقة.
< هل شاركت في التصويت على الميثاق والانتخابات؟
> فهد : أنا شاركت في الانتخابات اللي راحت. جمعة: نعم في الجسر وجوازي البحريني ختموا لي أنا مع شباب دواسر.
ابراهيم: الميثاق.. رحنا وقعنا على الميثاق.
< من رشحت في الانتخابات؟
> فهد : هم اتصلوا علي عمدة من البحرين ورشحت ولا أدري ويش (ما هي) السالفة (القصة).
جمعة: إحنا (نحن) جو (أتوا) إلينا ناس في الديوانية وقالوا لنا كذا وكذا. قال لنا علي بن عيسى ما عليكم منهم. من عندي أنا أقولكم المحل الفلاني. ويعني ضعنا ما نعرف وين نروح ووين نجي (أين نذهب أو نأتي)، محلات في البحرين ما ندلها.
< هل تحمل معك البطاقة السكانية أو الجواز البحريني؟
وقد تم خلال الفيلم الوثائقي عرض الجواز البحريني لعلي حيث كان تاريخ الإصدار: 22/01/0002 تم عرض البطاقة السكانية لعلي: تاريخ الإصدار: 14/11/2001، تاريخ الميلاد : 22/1/1958، المهنة : لحام، رقم واسم صاحب العمل : وحدة خارج البحرين.
كما تم عرض الجواز البحريني لجمعة حيث كان تاريخ الاصدار: 12/01/9991 وبطاقته السكانية وكان العنوان المكتوب على البطاقة : بيت 1631 طريق 1632، مدينة المحرق 216 وعند ما تم انتقال الى مجمع 216 في مدينة المحرق، طريق 1632 وبالتحديد لبيت 1631 وتم طرق الباب، خرج أحد العمال الهنود وقال ان هذا البيت يخص وليد... والساكنين في هذا البيت يعملون في شركة انشاءات!!
عسكر.. المستوطنة
ويشير اهل البحرين الى قضية عسكر وهي قرية بحرينية صغيرة كانت هادئة طول الوقت.. ببساطة لأنها كانت قرية متجانسة. يأمن الناس على سفنهم وعلى أماكن تواجدهم وبيوتهم. وكانوا يعيشون بأمان حتى أتى المجنسون. استناداً للقوائم الانتخابية النيابية، يشكل هؤلاء ما نسبته 24 في المائة من مجموع الناخبين. هذه النسبة في نمط اجتماعي نسبة النمو السكاني فيه عالية جدا تتجاوز 5 في المائة مقارنة بالمعدلات العالمية 1 ـ 2 في المائة . وإذا ما تم اعتبار ما دون السن القانونية للانتخاب، فإن هذه النسبة تتجاوز 35 في المائة. بهذه الطريقة، تتحول هذه القرية في غضون سنوات قليلة من أغلبية أصلية إلى أغلبية مجنسة ليس لها علاقة بالبلد.
في ظل هذه النسبة، لم يعد أهل هذه القرية الذين يعمل كثير منهم في البحر، يأمنون على سفنهم، فهي تسرق باستمرار. والساحل الذي يستعملونه، وهو لا يتجاوز 2 كيلومتر، لم يكونوا يحتاجون لأي نوع من الرقابة عليه. ولكن، منذ مجيء المجنسين، ولأن السفـن ومكائنها تسرق باستمرار، أوجدوا حرساً خاصاً على الساحل الذي لم يستطع منع استمرار السرقات.
أهل عسكر لم يكن لهم مركز شرطة، لأنهم كانوا متجانسين. ولما دخلها هؤلاء المجنسون، نشبت المشاكل ووصلت يوما من الأيام إلى التشابك بالأيدي بين أهل عسكر والمجنسين، نتج عنه بعض الجرحى والإصابات.
في عسكر يوجد شارع رئيسي. ولأن عادات أخوتنا من المجنسين، أن يتسكعوا في الشوارع. بينما يستخدم أغلب أهل المنطقة الديوانيات والمجالس للقاءات الاجتماعية، أصبح هذا الشارع بعد السابعة او الثامنة ليلاً محرماً على النساء والصغار ويمكن لأي إنسان يتحرك فيه أن يتعرض للمشاكل.
عسكر نموذج لقرية بحرينية هادئة عمل التجنيس على تدميرها اجتماعيا وعلى فقد الأمن لسكانها الأصليين.
هذه هي آثار التجنيس في مناطق عديدة وهي مثال للتدمير الاجتماعي بسبب المجنسين.
التجنيس السياسي في البحرين
لا توجد هناك أعراف نهائية فيما يتعلق ببناء الدول وحضارات الشعوب، فالتشكّل الحضاري ينشأ نتيجة عوامل متشابكة تُسهم بمجموعها في خلق الهوية الثقافية والوطنية للدولة. إلا أنّ ذلك لا يمكنه أن يتم بشكل طبيعي إلا من خلال التوافق السلمي بين شركاء الأرض. وغياب ذلك يعني الصراع والمؤامرات المضادة.
فكيف يتأسّس التوافق بين شركاء الوطن؟
لا يتحقق ذلك إلا من خلال ثقة متبادلة، وأرضية من الحوار الوطني الصريح. ولعلّ مشكلة السلطة في البحرين تكمن في تعدّيها على هذه الركيزة، وتورّطها في سياساتٍ تكشف عن تشكيكها في الولاء الوطني لمواطنيها وارتباطهم بالأرض. وسيبدو مخيفاً أكثر حينما نجد أن السلطة عمِدت إلى اتباع سياساتٍ تتناقض مع الحرص على وطنية البحرين، وعلى مستقبلها الثقافي والسياسي، وهو ما يبعث على الدهشة والاستغراب، خاصة بعد أنْ أعلنت السلطة قبولها بالتحاور مع طموحات الشعب واستجابة للخيار السلمي وشعار الإصلاح السياسي!
ويتندر الكثير من المعارضين البحرينيين اليوم بان الفرق بين مملكة والت ديزني ومملكة البحرينيين يكمن في ان الاولى حقيقية وتستند الى نظام متقن وواقعي ومشروع حضاري والثانية مجرد وهم وخيال واطغاث
احلام من قبل من يسيرونها.
ويقال في البحرين الان انه قد يتوقّف البعض عند انقلاب السلطة على دستور 73، ومخالفة التعهّدات المكتوبة والشفهية وما تضمنته >ورقة الميثاق< باعتباره العلامة الأبرز على التعدّي الرسمي المُشار إليه. إلا أنّ هذا الانقلاب يُشكّل مؤشراً على واقع التعدّي السلطوي وليس علامة نهائية! فهناك أطراف قوية في السلطة لم تكن راغبة في تسريع عجلة الإصلاح السياسي، وتعاطتْ مع الموضوع من منظور مصلحيٍ واضطراري.
ولهذا خلتْ كلّ مبادرات السلطة من الجدية والرغبة الحقيقية في الإصلاح الكامل، وظلتْ متمسكة بالخطوات التجزيئية التي لا تعالج لبّ الأزمات التي عانى منها الناس خلال الفترات السابقة. وقد كانتْ إرادة الإصلاح الحقيقي لدى قِوى المعارضة سبباً في تساهلها مع التلكؤ الرسمي، واعتمادها لغة مهذّبة جداً في وصف سياسات السلطة التراجعية والتخريبية. ولكن ذلك لم يكن بمقدوره أنْ يحجب حقيقة الأمور في الواقع، فالسلطة كانت تُعبّر عن استخفاف واضح بشعارات الإصلاح، ولم توفّر يوماً ما
المقدمات الجادة التي يتطلبها نقل هذه الشعارات إلى حيز التطبيق. وكان الانقلاب الدستوري في شباط (فبراير) 2002 مؤشراً على ذلك، وأشار الجميع إلى ضرورة تمحيص خطاب السلطة وسياساتها جيداً، للوقوف عند بقية المؤشرات الأخطر. وفي مقدمتها مشروع >التجنيس السياسي<.
وفي نظر الناشطين البحرينيين في مجال حقوق الانسان والتشبث بالعدالة الاجتماعية فان مفهوم >التجنيس السياسي< قد ينعكس سلبا وخطرا على المجتمع في أكثر من مجال. فخلال المراحل السابقة، كانت علاقة التجاذب بين السلطة والمعارضة تعبر عن شعور متبادل بعدم التوافق والانسجام. فالسلطة كانت ترفض الاعتراف بأخطائها، وتترفّع عن الجلوس إلى جانب المعارضة والتحاور معها بل تعتبر ذلك عيباً ونيلاً من سيادتها وهيبتها. بينما كانت المعارضة، بكلِّ تقاسيمها، تصرُّ على تغيير الواقع السياسي في البلاد، والرجوع إلى مكتسبات دستور 73 كحد أدنى. ومن ذلك كان يتضح أنّ محور التجاذب بين الطرفين؛ هو الإصلاحُ السياسي.
كان الواقع الشعبي يمثّل القاعدة الأساسية للمعارضة وهي تُحرِّك شعارها في ضرورة إصلاح السلطة السياسية في البحرين. وبفضل العطاءات الشعبية تمكّنت قِوى المعارضة من تحقيق مصداقيتها الكاملة، وأصبحتْ السلطة تواجه مأزقاً سيكولوجيا وسياسياً نتيجة السند الشعبي القوي لمطالبات الإصلاح السياسي. وفي حين كانت جدية الدخول في مرحلة >الإصلاح< تفترض الإذعان لهذا الواقع، والتراضي عليه، نجد أنّ السلطة ـ فيما يؤكد تهافت شعاراتها الإصلاحية ـ ناورتْ على تلك الحقيقة، وأعدت عدتها للالتفاف على المحور العددي الشعبي، وذلك من خلال إدخال مجموعات سكانية مستجلبة من الخارج، يكون
ولاؤها للسلطة أساساً وحيداً لمنحها الجنسية البحرينية، وبالتالي إشراكها في إدارة المجتمع السياسي
والاجتماعي والثقافي البحريني.
عناوين
ويتفق المعارضون البحرينيون الشيعة والسنة على ان الأجهزة الرسمية استعملت سلطتها لمنح الجنسية
لأقوام لا يهمهم أن يُستعملوا لتنفيذ مخطط التغيير في الديموغرافيا السياسية في البلاد. ومن الواضح
أنّ هذا المخطّط تتداخل فيه العناوين التالية:
ـ تغيير التركيبة السكانية (الاتجاهات والثقافات) ـ إحداث الخلل في التوزيع العددي للسكان.
ـ تنويع مداخل الطائفية السياسية.
ـ خنق القنوات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تكوِّن الهوية الوطنية للبحرين. ولكي تتحقّق أهداف هذا المخطط، فإنّ الوقود البشري المجنس المستخدم للتنفيذ يُراعى أن يكون مستورداً من مناطق ودول معينة، تكون السلطة قد خبُرت إخضاعه لمشاريعها التخريبية، أمنياً وسياسياً، وكوّنت معه تاريخاً طويلاً من التطويع للأوامر وسياسات القمع. وبحكم التكوين البدوي لهؤلاء المستجلبين للاستيطان ومحدودية خلفياتهم الثقافية والإبداعية؛ فإنّ تجييرهم من قِبل السلطة يكون أسرع وأكثر يُسراً . كما
جرى التركيز على توطين هذه المجموعات البشرية المستجلبة في مستوطنات ثابتة ومتنقلة لتؤدي الغرض التخريبي المستقبلي بنحو كامل. وكذلك فإنّ هناك انتباهاً إلى توزيع مواقع التواجد الوظيفي للمستوطنين الجُدد، فإلى جانب تركّزهم في وزارات الدفاع والداخلية والمؤسسات الحكومية الحسّاسة، فإنّ تواجدهم المهني والوظيفي بدأ يتسع ليشمل المهن العامة والخاصة، وهو ما يُشير إلى طابع التغلغل السريع داخل البناء الاجتماعي والاقتصادي في البحرين، مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات ثقافية
واقتصادية في غير صالح المواطنين.
وفي الإجمال فإنّ هذه الاستهدافات المنظّمة في التخريب السكاني، تجتمع لتأدية الغرض السياسي الاستراتيجي، وبالتلاعب بالمسار السياسي القادم بما يتلاقى مع طموح السلطة في الاستفراد بالحكم واحتكار القرار السياسي، وتقليل الأثر الشعبي في توجيه معادلات القِوى المُعارضة في الداخل.
إيهام
ولا يستبعد البحرينيون في دراستهم لاسباب هذا التوجه الحكومي، البُعد الانتخابي في جريمة التجنيس السياسي. وفي هذا يقولون ان السلطة حاولت باستمرار إيهام المراقب والمهتم بشؤون المنطقة أنّ عدد الشيعة ليس أكثر من عدد السنة. وهي التي تدار بعقلية رئيس الوزراء الذي كان يضيف عدداً من السنة في الحصة المعينة للمجلس السابق الذي حل في سنة 1975 ليبدو أنّ الطائفتين متساويتان تماماً في العدد، ولم يغب عن رأسه المخاوف بأنّ التركيبة الديموغرافية في بلد دكتاتوري وطائفي قد تغير موازين القوى.
هذه المخاوف التي غذتها الدوائر الأجنبية والعناصر الخارجية التي أرادت التمسك بمواقعها، وخاصة في أجهزة الأمن، انعكست سلباً على حقوق المواطنين، وانعكست سلباً على مسألة التجنيس من أجل تحقيق تساوٍ ظاهريٍ للطائفتين اللتين يتشكل منهما شعب البحرين في حالة إجراء أية انتخابات، وتم على ضوء هذا التخوف تجنيس عشرات الآلاف من أبناء السنة عرباً وغيرَ عربٍ لاستخدامهم وقوداً في العملية الانتخابية واستغلال أصواتهم في بيان التركيبة السكانية غير الحقيقية التي يتألف منها شعب البحرين وشل المجلس تماماً من أي معارضة شعبية إضافة إلى تفريغه من أي عمق ديمقراطي.
وفي منتصف السنة (الماضية) ومخافة ألا تتمكن السلطة من الاستمرار بالتجنيس، بنفس الوتيرة السابقة، بعد تشكيل المجلس المعين نصفه تمّ تجنيس أعداد كبيرة جماعات وفرادى. واعترف موظف في دائرة الهجرة والجوازات في لقاء نظمته جمعية الصحفيين البحرينية في شهر تموز (يوليو) 2002 بتجنيس ستة آلاف شخص فقط من 24 دولة مختلفة ولعله يشير إلى من تم تجنيسهم في الشهر الأخير.
وسابقا، منعت السلطة أعضاء لجنة تفعيل الميثاق الذين عينتهم من الخوض في موضوع التجنيس واستمرت في مشروعها دون هوادة، ثم غيرت قانون الجنسية ليتمكن المجنسون الخليجيون من التصويت وهم في بلدانهم، ورفعت السلطة القانون الذي يمنع المجنسين من التصويت حيث ينص على عدم أحقيتهم في المشاركة السياسية بالترشيح والتصويت قبل انقضاء عشر سنوات على منحهم الجنسية، بموجب قانون الجنسية البحريني لعام 1963، وسمح للعسكريين بالمشاركة في الدورة الثانية للانتخابات البلدية وهو ما كان مخالفاً للقانون سابقاً ثم أجبروا على التصويت وألزموا بالضغط على ذويهم كذلك في الانتخابات شبه البرلمانية في تشرين الاول (أكتوبر) 2002 ووضعت مواد دستورية تعطي شرعية للتجنيس وعدم قدرة على سحب جنسياتهم غير القانونية (مادة 17 وثيقة 2002)، ووزعت الدوائر الانتخابية في الانتخابات البلدية وشبه البرلمانية بشكل طائفي وعنصري بحت.
وقد أدت هذه الإجراءات إلى تقليص عدد ممثلي المجالس البلدية من الشيعة وازدياد عدد السنة وهو لا يمثل النسبة الحقيقية لأعداد الطائفتين بل يشير إلى مقدار التلاعب والتآمر الذي قام به النظام، وهو ما اعتبرته السلطة أحد الأهداف الرئيسية التي تحققت من مشروعها في تحجيم الطائفة الشيعية وتقليل عدد نوابها في المجلس فحصل أبناء الشيعة فقط على 23 مقعدا من أصل 40 وهم الذين يمثلون أكثر من 70% من عدد السكان قبل عمليات التجنيس حسب مصادر مختلفة.
نوايا
وعند الرصد التاريخي لظاهرة التجنيس السياسي، يتضح انه و في بداية تسعينيات القرن الماضي سرتْ شائعاتٌ تتحدث عن وجود مخطط لتجنيس 10 آلاف من بدو السعودية، وهم المتواجدون في أطراف المنطقة الشرقية منها وبين الرياض، وهم ينتمون إلى قبيلة الدواسر. وبحسب الرواية فإنّ السلطة لم توفّق لإغراء هؤلاء وإقناعهم بالقدوم إلى البحرين. كان ذلك بين عامي 1990 ـ 1991 وبين عامي 93 ـ 94 برزت المؤشرات القوية على استقدام وتجنيس مواطنين من سورية، وإشراكهم في الخدمات التي يتمتع بها المواطنون. وظهرت في هذه الفترة تبرمات في مناطق مختلفة من البحرين (مدينة حمد، وقرى جو وعسكر)، تشكو من الإزعاج الخدمي والاجتماعي الذي مثله استقدام هؤلاء، ووصلت بعض التبرمات إلى حدّ رفع شكاوى
احتجاجية إلى السلطة.
وفي سنة 96 ـ 97 بدأت تتبلور المسألة إلى حدود الظاهرة العامة، وأخذت عملية التجنيس المنظم تتوسّع لا سيما من صحارى سورية والأردن. وفي هذا التاريخ وصلت رسالة من وزارة الخارجية البريطانية إلى >اللورد إيفبري<، نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس اللوردات البريطاني، تُقدِّر أعداد المجنَسين بـ 8 آلاف وبأنهم يعملون أساساً في وزارة الدفاع وبنسبة أقل في وزارة الداخلية.
وبعد الدخول في المرحلة الجديدة وطرح وثيقة >ميثاق العمل الوطني< استمرت الأخبار والتسريبات حول هذا الموضوع بلا توقف. ففي هذه الفترة بدأت أكبر عملية تجنيس للمستقدمين في الفترة بين 94 ـ 98، والذين تمّ استيرادهم للعمل في الدفاع والداخلية. إلا أنّ عملية الاستقدام في هذه المرحلة لم تتوقف نهائياً، فهناك مؤشرات متعددة تشير إلى استجلاب عددٍ من البلوش والعرب للعمل في قوّة الدفاع، وبأن دائرة الهجرة والجوازات سلّمتهم جنسية البلد ومنحتهم الجوازات البحرينية.
وقد تركزَ الأمرُ على الجنسيات الأردنية واليمنية وبعدها البلوشية الباكستانية. كذلك فإن هناك حركة ناشطة لتجنيس أعداد كبيرة من المدرسين المصريين والأردنيين وغيرهم.
وما يُثير القلق أكثر في هذه الحالات، هو أنّ أعداداً كبيرة من الذين يتم الإتيان بهم للعمل في وزارة الدفاع والداخلية، يجري التعاطي معهم على أنهم أتوا إلى البحرين للتواجد فيها والحصول على الجنسية، فتُخلق الأرضية المناسبة لذلك ويحصلون عليها.
ويُضاف إلى ذلك ما يُطرح عن وجود مكاتب في الخارج تُسهِّل إجراءات الحصول على الجنسية، كما هو الحال مع عوائل معينة في المنطقة الشرقية، حيث تُيسرُ لهم أمور التجنُس متى أرادوا ذلك. وفي هذا السياق نفسه تتوجّه الأخبار إلى قبيلة الدواسر والتي تُمنح خصوصيات معينة من قِبل السلطة في موضوع التجنيس بدعوى أنها عاشت فترة من الزمن في البحرين. وهو منطق لو صحَ فلا بد من القياس عليه بالنسبة إلى العائلات والقبائل التي تعيش في البصرة والمحمّرة والإحساء والتي كان لها يوماً ما تواجدٌ في البحرين. ولا يخفى على أحد أن فتح الباب على مصراعيه، وفق هذا المنطق، سوف يجعل البحرين فائضة بالمجموعات السكانية بشكل لا يُتصور. وفي كل الأحوال فإنّ تساؤلاً لا بد من أن يُطرح بخصوص واقع التجنيس في منطقة الدواسر، حيث استخدمت وسائل مختلفة لإدارة عملية التجنيس السياسي، وبأرقام مخيفة جداً، تتراوح بين 10 آلاف إلى 100 ألف.
نقطة ضوء هامة
ويؤكد البحرينيون ان مشروع السلطة القائم حالياً على هز المجتمع السياسي البحريني وتفكيكه على المدى المستقبلي، ينبني على استقدام كتل بشرية تحمي احتكارية السلطة وتُشتّت اتجاهات الفعل الشعبي المعارض. ولتأدية هذا الدور فإن المهمة منوطةٌ تحديداً بالمجموعات المستقدمة من سورية والأردن واليمن وبعض القبائل العربية. وبالتالي فإنّ التنديد الشعبي بمُخطط التجنيس المنظّم لا علاقة له بالحقوق الطبيعية لما يُعرف بـ>البدون< الذين وُلِدوا في البحرين ومثّلوا قيمةً تاريخيةً وثقافيةً لا تنفصل عن تاريخ البحرين الثقافي.
إنّ التجنيس الممنهج للتخريب السياسي القادم، إضافة إلى تعديه على الاعتبارات القانونية وتجاوزه للأخلاقية الوطنية، يفتح المجال واسعاً للتداعيات الخطيرة للكانتونات الاستيطانية، بما فيها الأضرار الثقافية والاجتماعية.
الإبادة الثقافية
وتهدف جريمة إبادة الجنس البشري Genocide إلى قتل الجماعات أو المجموعة البشرية بوسائل مختلفة، وتعتبر من الأعمال الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع لأنها تؤدي إلى إبادة أو اضطهاد كائنات إنسانية كلياً أو جزئياً بسبب طبيعتهم الوطنية أو العرقية أو السلالية أو الدينية. وهي ترتكب بصورة عمدية ولا تنحصر آثارها على الوضع الداخلي للدولة التي تقع في نطاق حدودها الإقليمية وإنما تمتد حتى إلى الأسرة الدولية بسبب أثارها الشاملة. وهي ليست من الجرائم السياسية و إنما تعد من الجرائم العمدية العادية حتى وان ارتكبت بباعث سياسي.
ومما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وجريمة إبادة الجنس البشري سياسة الاضطهاد الطائفي، والتمييز والتحقير لأسباب ثقافية واجتماعية.
تحديد مفهوم جريمة إبادة الجنس البشري:
نصت اتفاقية منع إبادة الأجناس البشرية والمعاقبة عليها لعام 1946 على أحكام الجريمة المذكورة، فالإبادة يقصد بها التدمير المتعمد للجماعات القومية أو العرقية أو الدينية أو الإثنية، ويراد بكلمة أو مصطلح genocide في اللغة اللاتينية (قتل الجماعة)، فقد اقترن اسم وشيوع مصطلح جريمة الإبادة مع النازية أولاً حيث جرى قتل ملايين البشر بسبب دينهم أو أصلهم العرقي واعتبرت الجريمة من نمط الجرائم ضد الإنسانية حتى ولو لم تكن الجريمة إخلالاً بالقانون الداخلي للأنظمة المنفذة لها.
ولاشك في أن ارتكاب الأفعال بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعات قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، يقع من خلال صور متعددة وسواء أكانت الجريمة بصورة مباشرة أم التحريض عليها أم بالتآمر على ارتكابها، وسواء كان ذلك أثناء السلم أم الحرب. فقد جاء في المادة الثانية من الاتفاقية ما يلي :
>في هذه الاتفاقية تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية : المرتكبة عن قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: 1ـ قتل أعضاء من الجماعة 2 ـإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة 3ـ إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا 4 ـ فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة 5 ـ نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى<.
وهذه الأفعال الإجرامية يعاقب عليها القانون سواء من خلال الإبادة الفعلية أو بالتآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية أو التحريض المباشر والعلني على ارتكابها أو في محاولة ارتكابها أو الاشتراك فيها ويتعرض للمسؤولية القانونية أيُ شخص كان حتى ولو كان مسؤولاً دستورياً أو موظفين عامين أو أفراداً. كما أن هذه الجريمة لا تسقط بمرور الزمان.
ويتضح من ذلك أن قتل الجماعات يحصل بطرق أو وسائل مختلفة منها: ـ النوع الأول :الإبادة الجسدية وهو يتمثل في قتل الجماعات بالغازات السامة أو الإعدام أو الدفن وهم أحياء أو القصف بالطائرات أو الصواريخ أو بأي وسيلة أخرى تزهق الأرواح.
بايولوجية
ـ النوع الثاني: الابادة البايولوجية وتتمثل بطرق تعقيم الرجال أو إجهاض النساء وبوسائل مختلفة بهدف القضاء على العنصر البشري. (الفقرة د ـ من المادة الثانية ) من اتفاقية منع إبادة الأجناس والمعاقبة عليها.
ـ النوع الثالث:الإبادة الثقافية وتتمثل في تحريم التحدث باللغة الوطنية والاعتداء على الثقافة القومية والوطنية.( الفقرة ج من المادة الثانية من الاتفاقية ).
غير أن الأسرة الدولية لم تتجه بعد إلى اعتبار هذا النوع من الإبادة جدياً وخطيراً ويؤدي إلى الفناء على الرغم من أن هذا النوع من الإبادة هو إبادة معنوية تدمر البشر وهي يؤدي إلى الصهر والإذابة والتدمير وهو عمل غير مشروع.
كما ان الإبادة الثقافية تشمل التجنيس السياسي والاستثنائي نموذجاً. وفي التجربة المحلية في البحرين، يمكن اعتبار التجنيس الاستثنائي، وخاصة في شكله السياسي، نموذجاً واضحاً على مفهوم الإبادة الثقافية. فإدخال أعداد كبيرة من المجموعات السكانية الغريبة، وبشكل عمدٍ مقصود، ومن غير مراعاة للتوازنات الثقافية والاجتماعية والسياسية القائمة؛ هو تهديد جديّ بالتشكيل الثقافي للبحرين، ولهوية الشعب الوطنية.
ومن الواضح أنّ الاعتبار السياسي الذي يدفع السلطة إلى القيام بهذا الخطوة، لا يُغفل العنصر الإبادي والتدميري. فالمخطط السياسي في عملية التجنيس لا يكتمل إلا مع إحداث تغييرات مقصودة في البناء الثقافي والاجتماعي للواقع البحريني، والسبب في ذلك أن هذا البناء هو المعني بالدرجة الأولى في إنتاج اتجاهات الرأي العام، وفي تشكيل الرؤى السياسية، وبالتالي فإنّ التجنيس السياسي ناظر في طريقه العملي إلى التركيب الثقافي والاجتماعي القائم، ويستهدف في المقدمة والمؤخرة خلخلة هذا التركيب وتمييعه إلى درجة الذوبان. ومن هنا نلحظ الوجه الإبادي الثقافي لانعكاسات التجنيس المنظم لأهداف سياسية.
ملف مغلق
وفي قراءتهم لما يمكن ان يعرف بالتجنيس السياسي وتهديد الإصلاح السياسي، ينظر البحرينيون الى الامر من زاوية ان التوجّه إلى اعتبار >التجنيس السياسي< ملفاً ملغوماً يستدعي المعالجة الحاسمة، لا يستبطن خروجاً على أسس المشروع الإصلاحي الذي تؤمن به قِوى المعارضة، بل إنه يتضمنُ دعوة حثيثة لحمايته وتحصينه من الساعين إلى إفشاله وإيصاله إلى طريق مسدود. فهذا المشروع سيكون معرضاًً للانحلال التدريجي، نظراًً للتسيب الذي سيتعرّض له المجتمع السياسي، وما سينشأ من مصادر تهديد مستقبلية لبُنى المجتمع الطبيعية ولتكويناته الثقافية، وهو ما من شأنه أنْ يؤثر على الثقافة السياسية واتجاهات الفعل الاجتماعي والوطني بما يتعارض مع مفاهيم الإصلاح وقواعده الأساسية.
ولا تستند هذه الرؤية على مخاوف مصطنعة أو >فوبيا المؤامرة<، كما أنها بالتأكيد خالية من أي اشتغال طائفي بغيض. فالشواهد اليومية التي تدور فصولها على أرض الواقع، وبعض التجارب الشبيهة في دول أخرى (لبنان مثلاً).. تؤكّد حقيقة الخطر السياسي والثقافي المُقبل إنْ لم تُرسم خطة معالجة جادة لحالات التجنيس السياسي، والتي ثبُتَ أنها لعِبت دوراً واضحاً في التوازنات السياسية والانتخابية.
ولذلك فإنّ على الأصوات التي بدأت ترتفع مؤخراً، أن تُدرك جيداً أنّ الخطابات التأليبية والنفخ في الكلمات والشعارات الجميلة، لن تُخفي من واقع الأمور. والأخوة المجنسون الذين كانوا مواداً أوليةً للتجنيس السياسي والأمني، عليهم أيضاً أن يعوا ذلك جيداً، فالإنشائية المصكوكة بالجمل المتزلفة والتبريرية لن تُجدي في إقناعنا بأن منْ استُقدِم عمداً للوطن ومُنح جنسيته لأداء أدوار تتنافى مع القانون والأخلاقيات، يمكن أن يتحوّل إلى مواطن صالح يدافع عن متطلبات المواطنة الحقة. وإذا كان ولا
بد، فإنّ على هؤلاء المتباكين والمنتفعين من خرق القوانين، أن يتذكروا >الممارسة الوطنية والأخلاقية!!< التي اضطلع بها >المجنسون أمنياً< خلال الحقبة السوداء السابقة بحقّ أبناء الشعب في غياهب المعتقلات وغرف التحقيق، وكيف كانوا يُمعنون في التعذيب والإنتهاكات أثناء مداهمة بيوت المواطنين وقمع المسيرات السلمية. فهل أصبح هؤلاء >مواطنين صالحين< فجأة وبقرار فوقي؟ وهل المواطنة الصالحة تنشأ بين ليلةٍ وضحاها وتبعاً لتبدلات الولاء السياسي وتغيّر المراحل؟! إنّ إلحاحنا على
إيقاف أنماط التجنيس السياسي والأمني، وكل أنواع التجنيس المنظم خارج إطار القانون، يستهدف الحفاظ على حقيقة المواطنة البحرينية والانتماء الخالص لهذا الوطن. ورؤيتنا في هذا المجال تشددُ على ضرورة أن تضع الحكومة خطة معالجة لكلّ الحالات التي ينطبق عليها هذه اللون غير القانوني من منح الجنسية.
والجعجعة التي تُحاول جاهدة تلبيس هذا الإلحاح طوابع سياسية واستهدافات متخيلة، إما أنها تجد نفسها معنية بالأمر وتشعرُ بأن الدائرة تحيق بها، أو أنها لا تملك أفقاً بعيداً يُتيح لها استشراف ما خلف الأستار.
وفي كلِّ الأحوال، فإنّ التبعات العكسية التي ستنكشف عبر النوافذ الاجتماعية والثقافية، ستُبرهن جدية المزلق الوطني الذي ينجرُ إليه الجميع، فـ >الكانتونات< الاستيطانية التي جُنّست لتخريب البناء السياسي في البلد، مهيأةٌ أيضاً لزعزعة الأمن الثقافي والاجتماعي، وحينها سُيصبح عسيراً الإمساكُ بالآثار الجانبية والحدّ منها، وستتطلب المشكلة >خطة طوارئ< عاجلة تستدرك الخطر قبل أنْ نشهد يوماً ما >هولوكست< آخر للهوية الوطنية.
رؤية المعالجة..
كما لا يقف البحرينيون عند هذا الحد وانما يتعدونه الى فهم حقيقة كونه إرجاعا إنسانيا إلى البلدان الاصيلة التجنيس المنظّم ينطوي على مخالفات قانونية صريحة، وتجاوز لكلِ الاعتبارات الأخلاقية. فهو قد تم دفعة واحدة في بعض الحالات الحرجة، وهو ما يُظهر البُعد الجماعي لعملية التجنيس السياسي، وهو ما يعني أنّ التجنيس المقصود هنا حصل حتى دون إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة، فيما يُشير إلى وهمية الكثير من الحالات وعدم توثّقها الرسمي والقانوني. وإذا كان المدخل الطائفي منظوراً إليه ضمناً في هذه العملية، وذلك من خلال الاكتفاء والتشديد على انتقاء المجنسين المستجلبين من طائفة
معينة، فهذا يعني أنّ الإخلال السياسي الذي يستهدفه هذا التجنيس المنظم، يمر عبر الدهليز الطائفي وضرب أشد الأوتار حساسية.
ثمة فارقٌ كبير بين التزايد غير المتوازن في عدد السكان بين الطوائف لأسباب طبيعية وإحداث تغيير ديموغرافي مُفتعل. التلاعب في التركيبة الديموغرافية ـ الطائفية في بلد تحكمه توازنات بالغة الدقة والحساسية المذهبية، وليس فقط الطائفية، هو مسألة بالغة الخطورة، خصوصاً في ظل الخلل القائم على غير صعيد. وتمّ توزيع المجنسين في بعض المناطق بشكل عشوائي هدفه في بعض الأحيان التأثير على التوازنات الديموغرافية، وتمّ تجيير أصواتهم في العمل الانتخابي لصالح اتجاهات سياسية قريبة من السلطة. إن الإخلال بالموازين الديموغرافية بشكل مفتعل، في مجتمع شبه إثني عانى من اضطرابات سياسية عديدة، لا يشكّل انتكاسة للعيش المشترك فحسب بل قد يؤدي إلى نسف مقومات وجوده.
ولذلك فإن حجم الأزمة التي سيسببها التجنيس السياسي وآثاره الثقافية، تستوجب معالجة حاسمة ونهائية. ويمكن تلخيص الرؤية في هذا الموضوع في العناوين التالية: مرتكز الرؤية في موضوع التجنيس السياسي في ظلِّ التداول السياسي المحلي للملفات الساخنة وارتفاع حدة التجاذبات المختلفة التي تُحيط بحركة الإصلاح؛ ويبرز ملف (التجنيس السياسي والطائفي) بوصفه واحداً من أبرز الملفات العالقة، والذي لا يزال يتطلب التحرك الجاد والمعالجات الجذرية.
التغييب
وبالنظر إلى الآثار والانعكاسات الخطيرة المترتبة على هذا الملف، ولأنه يخضع الآن للتغييب والتعمية المتعمّدة من قِبل الحكومة تحاول الجهات الرسمية إخضاعه للمساومة غير العادلة مع قِوى المعارضة، فإنّ هناك حاجة ماسة لإعادة فتح هذا الملف بطريقةٍ حكيمة وشاملة، وذلك بهدف إبراز التداعيات السلبية التي يمكن حصولها ـ وبدأت تنكشف العديد من مؤشراتها ـ في حال استمرار تغييب الحقائق والوثائق الخاصة بهذا الملف، ولم يجر العمل على اتخاذ إجراءات حاسمة لإيقاف مسلسل التجنيس الممنهج المبني على أهداف سياسية وطائفية مضادة، وهو المسلسل الذي كشف عمق أزمة الثقة المضمرة بين الحكومة والشعب.
وفي إطار المعالجة النهائية لهذا الملف، تتأكّد أهمية وضوح الرؤية بشأن كل إفرازات مخطط التجنيس الأمني والسياسي، والعمل على بلورة برامج المعالجة حيالها والتي ينبغي أن تتصف بالحسم الكامل والمطالبة بإلغاء كل قرارات التجنيس (بما فيها الصادرة بمراسيم ملكية) الصادرة بموجب الهاجس السياسي والتخريب السكاني، وإبطال ما ترتب عليها، مما يعني ضرورة تسوية أوضاع المجنسين سياسياً وترتيب خطة مقننة لترحيلهم مع مراعاة كافة المتطلبات الإنسانية والحقوقية في ذلك.
إنّ فتح هذا الملف ليس مرتبطاً بضرورة مؤقتة ليُحركَ في إطار زمني معين ثم يُترك لحاله ويُنسى، كما أنه من غير الصحيح استراتيجياً وأخلاقياً استثمار هذا الملف باعتباره أداة ضاغطة (تكتيكية) لتحقيق أغراض سياسية معينة. إنّ حقيقة المخاطر المترتبة على هذا الملف، وكونه مُعبِّراً عن طبيعة الأداء الحكومي غير الشفاف والمبطّن بالعُقد والعدائية وسياسة الالتفاف.. هو ما يفرض على القِوى الأهلية الحية الإمساك بهذا الملف بكلِّ عناية، والعمل على دراسة محتوياته ونتائجه العاجلة والآجلة بإتقان وشمولية. وسوف يكون منوطاً بهذه القِوى التصدي لكلِّ متعلقات هذا الملف واحتياجاته، والتهيؤ الكامل لتحمّل تبعاته السياسية والإعلامية، وهو أمر يشير إلى ضرورة مراجعة هذه القِوى لأدائها المطلبي السابق، وأن تعمل على هندسة أداءٍ يتناسب مع خطورة هذا الملف وآليات تحريكه المقترحة.
الأهداف الكبرى
وبناء على ذلك، يؤكد البحرينيون دون خلاف على أن خطاب الرؤية الذي ينبغي أن يكون مؤسِّساً لبرنامج تحريك ملف التجنيس السياسي، يرتكز على أساس العناوين التالية: الأهداف الكبرى (المطالب):
ـ المطالبة بـإعداد لجنة تقصي حقائق لكلّ حالات التجنيس المشكوك فيها، والسماح لها بالاطلاع على كلّ الوثائق المغيبة والتنقيب عنها لدى الجهات المختصة.
ـ المطالبة بـإيقاف كلّ إجراءات التجنيس التي تجري تلبية لأهداف سياسية وأمنية وطائفية، بغضِّ النظر عن وقت حصول هذه الإجراءات.
ـ المطالبة بـمحاسبة كلّ منْ يقف وراء استمرار سياسة التجنيس الممنهج، ويمارس أي شكل من أشكال التخريب في التركيبة السكانية للبحرين، وخلخلة التوزيع الثقافي والإثني بشكل غير قانوني وبناءً على أهداف طائفية بغيضة.
ـ المطالبة بـإبطال آثار قرارات التجنيس السياسي والأمني غير القانونية، وإعداد خطة إنسانية شاملة لترحيل المستفيدين من هذه القرارات.
ـ المطالبة بـمعالجة الآثار السلبية والأضرار التي نجمتْ عن تطبيق هذه السياسة الفاسدة في التجنيس، وتعويض المواطنين الذين يثبُت تضرّرهم المباشر بسببها.
ـ وبهذه الطريقة يمكن ترسيخ مبدأ الشفافية في التعاطي مع الملفات العالقة، ووضع اليد على الفواعل الأساسية المتسببة في استمرار هذه الملفات وتأزمها، وهو كفيل بتعزيز سلوك المكاشفة مع السلطة وتجاوز التقاليد الخاطئة التي تقوم على خطاب المجاملة والدبلوماسية المبطنة والتورية السياسية خاصة مع مثل هذه الملفات الكبيرة.
د. سعيد الشهابي : التجنيس لم يكن ظاهرة بارزة في سياسة العائلة الخليفية الحاكمة
ويقول د. سعيد الشهابي أقدم وأشهر الناشطين السياسيين البحرينيين في الخارج والذي يقيم في لندن منذ أوائل السبعينيات أن ظاهرة التجنيس لم تكن في الماضي بارزة في سياسة العائلة الخليفية الحاكمة، لعدد من الأسباب: أولها أن القرار السياسي الاستراتيجي قبل الانسحاب البريطاني في عام 1971 لم يكن بأيدي الحاكمين من أفرادها، بل كان خاضعا لما يقرره الإنجليز عبر المعتمدين أو المقيمين السياسيين في المنطقة، وثانيا أن الإنجليز ضمنوا أمن العائلة واستمرار حكمها رغم أنها كانت تمثل حكم الأقلية بالنسبة إلى شعب البحرين، وثالثا أن البلاد كانت عموما بلدا صغيرا لا يستهوي الكثيرين، ولم تكن لديها إمكانات مادية كبيرة تجذب الأجانب. هذا بالإضافة إلى أن الحاكمين لم يكونوا بدرجة من الصلافة أو القوة التي تدفعهم إلى اتخاذ مثل هذا القرار الخطير. فهو قرار ليس معتادا في سياسات الدول ولا يقدم عليه إلا من يقرر أن يدخل في مواجهة خطيرة مع أبناء البلد الذي يحكمه. يضاف إلى ذلك أن الإنجليز تدخلوا في حكم البلاد بشكل مباشر يومي منذ إحلال ما سمي وقتها الإصلاحات الإدارية في عام 1923 على يدي المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، الميجور ديلي، الذي خدم في العراق خلال ثورة
العشرين التي خاضها الشعب العراقي ضد البريطانيين وعرف بعض خصوصيات الشعبين العراقي والبحريني، ولم يشأ أن يثير أغلبية السكان.
يكمن أن بدايات التفكير في المشكلة السكانية بدأت بعد الانسحاب البريطاني، وذلك لعدد من الأسباب:
أولها سيطرة الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة على مقاليد الأمور وإدارته دفة الحكم كأقوى رمز في العائلة، ولديه مشاعر اكتسبها من السنوات القليلة التي مارس فيها السياسة من خلال جهاز الشرطة منذ نهاية الخمسينيات.
وثانيها الإضرابات العمالية والسياسية التي حدثت في عهده ابتداء بالإضراب الشعبي الشامل في تشرين الاول (أكتوبر) 1954 مرورا ببقية إضرابات الهيئة وإضرابات عمال شركة النفط والطلاب في 1965 وانتهاء بإضراب عمال ألبا في 1972، أي قبيل انتخابات المجلس التأسيسي ببضعة شهور.
وثالثها أن البلاد دخلت المرحلة النفطية الحقيقية بارتفاع أسعار النفط بعد حرب 73 الأمر الذي أدى إلى تطورين: الأول بروز الحاجة إلى أيدي عمالية إضافية لتلبية احتياجات سوق العمل التي كانت آخذة في التوسع، والثاني توفر قدرة مالية كبيرة أدت إلى زيادة جشع الشيخ خليفة بن سلمان الذي اصبح رئيسا للوزراء بعد الانسحاب البريطاني، وقدرة اقتصاد البلاد على استيعاب أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية.
بالإضافة إلى هذه العوامل، كان أفق الشيخ خليفة في البداية مقتصرا على محاولة احتواء مخاطر الإضرابات العمالية التي كانت تسبب حرجا كبيرا للعائلة الحاكمة وتحمل إمكانات خلخلة الوضعين السياسي والأمني، الأمر الذي قد يعرض أمن العائلة الحاكمة للخطر. في تلك الفترة كانت الأوضاع الداخلية للعائلة الخليفية عاملا يحول دون المجازفة بإجراءات اكبر ضد المواطنين، خصوصا التوتر في العلاقات بين الشقيقين الشيخ خليفة والشيخ محمد، وعجز الشيخ عيسى عن احتواء الموقف.
لقد كان في استقدام عشرات الآلاف من العمال الأجانب وسيلة للسيطرة على سوق العمل، من وجهة نظر الشيخ خليفة الذي أراد لحكمه أن يعتمد على خلق توازنات مهما كانت هشة لمنع تصاعد الاضطرابات أو حدوث تصدعات سياسية تزلزل حكمه، كما حدث في العشرينيات للشيخ عيسى بن علي. ولا شك في أن استقدام العمالة الأجنبية نجح في تحجيم القدرة السياسية للحركة العمالية في البحرين التي أبعد عدد من رموزها بسبب نشاطهم في تحريك الاضطرابات العمالية في السنوات العشر السابقة أي منذ اضطرابات 1965. اقتصرت سياسة الشيخ خليفة في تلك الفترة على استقدام العمال الأجانب وتسهيل فرص عملهم، مستغلا قانون أمن الدولة الذي هيأ الأوضاع الأمنية لمنع أي احتجاج ضد هذه السياسة، بالإضافة إلى توسع سوق العمل وظهور أوضاع اقتصادية جديدة خلقت أجواء ضاغطة تستدعي استقدام عمالة أجنبية رخيصة.
وأوغل الشيخ خليفة في هذه السياسة فسيطر على عدد من الوكالات لاستقدام الأجانب وشرع سياسة ما يسمى بـ >الفري فيزا< Free Visa التي يستقدم المتنفذون من العائلة الخليفية بموجبها العمال الأجانب إلى البحرين بتأشيرة عمل ولكن دون عمل محدد، ويزج بهم في سوق العمل مقابل عمولة كبيرة على مدخولاتهم.
ونجم عن إغراق سوق العمل بهذه الصورة تحجيم العمل السياسي المعارض الذي لم يعد قادرا على تحريك القضايا العمالية بشكل فاعل كما كان ممكنا في العقود السابقة.
في تلك الفترة كان التجنيس مقتصرا على أعداد محدودة من ذوي العلاقات الخاصة مع العائلة الخليفية، ولم تكن هناك سياسة لتجنيس الأجانب بشكل منهجي. ولكن تكرست سياسة الفرز الطائفي في مجال التوظيف، فمنع قطاع كبير من المواطنين من العمل في وزارتي الداخلية والدفاع وهي سياسة لا تزال سارية المفعول حتى اليوم. وحتى في إطار الفرز الطائفي، كانت هناك بعض المواقع الحساسة التي رفضت العائلة الخليفية إسنادها إلى المواطنين وانحصرت بأيدي الأجانب.
فقد أسندت المناصب العليا في جهاز الأمن إلى البريطانيين منذ عهد الحماية البريطانية. ففي عام 1966 أسند القسم الخاص بجهاز الأمن إلى الضابط البريطاني الاستعماري ايان هندرسون الذي بقي في هذا المنصب حتى 1999، ومعه ثلة من البريطانيين الذين لا يزالون في مواقعهم حتى اليوم.
مستقرة
سياسة التجنيس كانت مستقرة إلى حد ما. فمنذ أن بدأ الإحصاء الرسمي في البلاد في عام 1941 كان هناك توازن سكاني ثابت تقريبا، يعكس نسبة مستقرة للطائفتين الأساسيتين، الشيعة والسنة، بأغلبية للأولى بحدود خمسة وسبعين بالمائة. وقد استمر الإحصاء الرسمي طوال السبعين عاما الماضية حيث يجري بشكل عقدي أي مرة في كل عشرة أعوام. وعلى الرغم من أن الحكومة لم تكشف النسب المذهبية في البلاد فقد كان هناك شعور عام باستقرارها استنادا إلى التقديرات التي تعتمد على معدلات الإنجاب والنمو الطبيعي، وغياب التجنيس السياسي. ولكن استمر شعور الموطنين الشيعة بالغبن بسبب سياسة الفرز الطائفي الذي مارسته الحكومة تجاههم، وهي سياسة نجم عنها غياب الشيعة من المناصب العليا في الدولة، فلم يكن هناك منهم
سوى واحد من عشرين في منصب وكيل وزارة، وتكرست تلك السياسة حتى اليوم. ومورست بحقهم سياسة الفصل العنصري تماما كان معمولا بها في الدول التي تمارس تلك السياسة مثل جنوب إفريقيا وروديسيا. والزائر إلى البحرين يلاحظ بوضوح غياب الاهتمام الرسمي بالبنية التحتية في المناطق التي يقطنونها، فليس هناك شوارع مرصوفة ولا أرصفة ولا حدائق عامة ولا خدمات صحية، واستمر منعهم من العمل في المواقع الحساسة للدولة، فكان التعامل معهم يعكس خلفية شك متواصلة من قبل العائلة الخليفية الحاكمة التي شعرت باستمرار بانعدام الثقة مع أغلبية المواطنين. وبالتالي تشكل الحكومات بعقلية خطيرة قائمة على حسابات سياسية غير مشروعة في إدارة البلاد.
وفي الحالات التي شهدت توترا سياسيا في البلاد قامت العائلة الخليفية بإقالة المئات من الشيعة من وظائفهم خصوصا في المجالات التي تحمل طابعا أمنيا. هذا الشعور تكرس لدى العائلة الحاكمة، وأدى في النهاية إلى تغير خطير في عقلية رموزها.
لقد كان دور المواطنين الشيعة حاسما في تحديد الهوية العربية الإسلامية للبحرين طوال القرون الماضية. وكانوا في طليعة المتصدين للاستعمار البريطاني، وتلاحموا مع المناضلين من المواطنين السنة في تلك المهمة النبيلة، ووقعوا العرائض الوطنية منذ اكثر من ستين عاما، في 1938 وفي الأربعينات وفي الهيئة التنفيذية العليا في 1954 وفي 1965 وخلال الفترة الوجيزة من الممارسة البرلمانية في النصف الأول من السبعينيات وفي العرائض التي وقعت في التسعينيات. هذا التلاحم اغضب العائلة الخليفية بشكل كبير، وأدى إلى ما حدث في السنوات العشر الأخيرة من اضطرابات وسجون وإبعاد وتمييز اكثر من السابق.
ومع استلام الشيخ حمد مقاليد الحكم بعد وفاة والده في آذار (مارس) 1999، كانت تجربة العائلة الخليفية مع الانتفاضة، الحركة المطلبية في التسعينيات، شبحا يطاردها ويحول دون شعورها بالاستقرار.
فكانت أمام خيارين: إما الانصياع للمطالب الشعبية وإعادة العمل بدستور البلاد لعام 1973م الذي كان الوثيقة التعاقدية الوحيدة بين شعب البحرين والعائلة الحاكمة أو إجراء تغيير جوهري في التركيبة السكانية يحول دون قدرة الأغلبية من المواطنين على إحراج العائلة الحاكمة بالاحتجاج السياسي.
فجاء مشروع التجنيس السياسي الخطير. ولكونه خطيرا جدا كان لا بد من تغليفه بأساليب مضللة والتقديم له بما يثير مخاوف المواطنين وشكوكهم. وبالإضافة الى تجربة التوتر السياسي كان الشيخ حمد يعلم أن العراق على وشك التغيير بعد أن قررت الولايات المتحدة تغييره، وان الوضع في العراق في طريقه إلى تغيير في عقلية الحكم وهيكليته.
سقوط
سقطت الأنظمة التي تمثل الأقلية والتي دعمتها بريطانيا منذ مائتي عام. فقد سقط حكم الأقلية في روديسيا الذي تزعمه ايان سميث، وذلك بعد مفاوضات طويلة انتهت بتوقيع اتفاقية لانكستر هاوس في لندن.
وفي 1975 قام حكم ديمقراطي أدى إلى استلام الأغلبية مقاليد الحكم. وفي جنوب إفريقيا لم تستطع بريطانيا الاستمرار في دعم الأقلية البيضاء واضطرت إلى التخلي عن نظام الفصل العنصري، وأدى إطلاق سراح نيلسون مانديلا في 1991 إلى سقوط نظام الفصل العنصري. وبقيت العراق والبحرين آخر بلدين دعمت بريطانيا فيهما نظامين يمثلان الأقلية. وكان واضحا أن نظام صدام حسين لن يستمر طويلا بعد مغامراته الجنونية التي أزعجت داعميه في واشنطن ولندن، وان سقوط صدام حسين سوف ينهي عهد الاستبداد والقمع الذي سعى الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة إلى تقليده في كل شيء تقريبا: فالاستبداد الحزبي يقابله
استبداد العائلة الحاكمة، والتمييز في التوظيف والمناصب على أسس حزبية أو طائفية أمر مشترك، وتداعي الخدمات للمناطق التي تقطنها الأغلبية سمة مشتركة بين العراق والبحرين، والقمع كان واحدا من الممارسات التي قلد الشيخ خليفة فيها صدام حسين، وشمل ذلك اعتقال المعارضين وتعذيبهم وقتلهم ومنع عودتهم. ومشروع التجنيس هو الآخر كان مشروعا عراقيا لم يكتب له النجاح. ففي الثمانينيات استقدم صدام حسين قرابة خمسة ملايين من المصريين في محاولة لتغيير التركيبة السكانية، ولكن تداعيات الحرب العراقية الإيرانية ومقتل الكثير من هؤلاء اضطرهم إلى الهرب بحياتهم والعودة إلى مصر ففشل ذلك
المشروع. وقد استفادت العائلة الخليفية من ذلك فقررت القيام بذلك الإجراء.
استلم الشيخ حمد الحكم وسمعة عائلته في الحضيض بسبب ممارساتها القمعية ضد شعب البحرين. ورأى الفرصة مناسبة لوضع ذلك المشروع موضع التنفيذ. ولكي ينجح المشروع كان عليه أن يمارسه سرا ودون أن يشعر أحد بوجوده، وان يخلق ظروفا مؤاتية لتنفيذه، فجاءت قراراته بإطلاق سراح السجناء السياسيين والسماح بعودة المبعدين وتخفيف الأوضاع الأمنية الخانقة ولكن دون تقديم أي تنازل سياسي. في الوقت نفسه استغل ظروف الهدوء الأمني والسياسي لتنفيذ مشروع التغيير الديموغرافي، فمنح الجنسية البحرينية لعشرات الآلاف من الأجانب، بمن فيهم أعداد كبيرة من القبائل في الجزيرة العربية وسورية والأردن واليمن وباكستان. وكان لقبيلة الدواسر في المملكة العربية السعودية نصيبهم الأكبر من التجنيس. وتدعي العائلة الخليفية أن تجنيس الدواسر انما هو بسبب انهم بحرينيون. وهذا افتراء محض. فالدواسر ينتمون تاريخيا إلى وادي الدواسر في الجزيرة العربية، وجاء بعضهم إلى البحرين في القرن التاسع عشر، واستقروا بمنطقة البديع.
وعندما أدخلت الإصلاحات الإدارية على يدي الميجور ديلي في 1923 عارضوا تلك الإصلاحات التي ابعد بموجبها الشيخ عيسى بن علي عن الحكم وعين مكانه نجله الشيخ حمد. وبموجب تلك الإصلاحات أيضا المساواة بين المواطنين أمام القانون وتشكيل جهاز شرطة مركزي وإلغاء توزيع البلاد الى مناطق يسيطر على كل منها أحد أفراد العائلة الخليفية (هو الوضع الآن باسم المحافظات). اعترض الدواسر على ذلك وهددوا بالانسحاب من البحرين.
جريمة
ولما لم يستجب الميجور ديلي لطلبهم المتمثل أساسا بإعادة الشيخ علي إلى الحكم والتخلي عن الإجراءات الأخرى التي تساوي بينهم وبين أغلبية المواطنين، انسحب اغلبهم إلى الجزيرة العربية في 1924. ولكنهم عادوا بعد ثلاث سنوات وأعيدت لهم منازلهم وسفنهم التي صودرت منهم بقرار من الميجور ديلي. وبالتالي فليس هناك مواطنون بحرينيون سحبت منهم جنسياتهم بعد ذلك. ولو كان الأمر كذلك لبادرت العائلة الخليفية إلى إعادة تلك الجنسيات في العقود اللاحقة.
التجنيس الذي يتم اليوم جريمة إبادة عرقية وثقافية، تتم في أجواء مصطنعة طرحها الشيخ حمد لتمرير المشروع الخطير الذي تتبناه عائلته. وليس له مبررات تاريخية ولا أسس قانونية وفق المواثيق الدولية أو المحلية، وهو انتهاك صارخ للتعاقد بين شعب البحرين والعائلة الخليفية الذي تم في 1970 عندما كانت الأمم المتحدة تسعى إلى تحديد مستقبل البلاد وفق متطلبات أبنائها. وقد اختار شعب البحرين الاستقلال والعيش في ظل نظام مستقل يحافظ على هوية البلاد ويمنح أهلها حرية وديمقراطية وفق دستور مكتوب. هذه التعهدات لم تعد اليوم ملزمة للشيخ حمد وعائلته، الذين قرروا القيام بما لم يجرؤ أحد من قبلهم على
القيام به سابقا. من هنا اصبح الواجب الوطني والإنساني يحتم على الجميع التصدي لهذه الجريمة التي لا تستند إلى قانون أو دستور، بل هي قرار من عائلة حكمت البلاد بالنار والحديد منذ أن احتلت هذه الجزر، وأصبحت تشعر أن بقاءها ضمن الأطر القديمة غير ممكن إلا بتغيير ديموغرافي يوفر لها شعبا غير الشعب الذي عايشته بمرارة طوال المائتي عاما الماضية. فهل يسمح للعائلة الخليفية بتحقيق ذلك؟
من السعودية إلى البحرين:
تجنيس بالجملة.. طلبات بدائية واستجابات سريعة
في ندوة التجنيس السياسي التي عقدت في البحرين في السادس عشر من تموز (يوليو ) الماضي من قبل ست جمعيات (أحزاب) سياسية هي: الوفاق الوطني الإسلامية، العمل الوطني الديمقراطي، التجمع القومي الديمقراطي، العمل الإسلامي، المنبر التقدمي الديمقراطي والوسط العربي الإسلامي الديمقراطي، جرى عرض مقتطفات من حوار حقيقي دار مع مجموعة متفرقة من المجنسين السعوديين القاطنين في مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية. الحوار تم في شهر تموز (يوليو) العام الماضي وهو موثق في فيلم متاح:
وفي سؤال وجه لعدد من المتجنسين:
< كيف حصلت على الجنسية البحرينية ؟ جاءت إجاباتهم على النحو التالي:
> فهد:عن طريق العمدة بالدمام.. تقدم وتروح الاجراءات في البحرين ويجيك الجواز هنا.
علي: سمعنا عن تقديم على جواز بحريني وقالوا التقديم عن طريق عمدة الدواسر . أخذت أوراقي واثباتاتي السعودية ورحت قدمت عنده.. خلال ستة شهور طلع الجواز البحريني.
جمعة: الجواز ما في كلافة (أي لا يوجد مشكلة).. الجواز تروح حق )أي تذهب الى) علي بن عيسى (عمدة الدواسر).. يعطيك أوراق وتعبيها (تملأها) وتييب (تجلب) صورة من بطاقة العائلة والبطاقة الشخصية..
أنا يمكن أول جوازات أنا أستلمها.. حوالي 13 جواز بحريني وبطاقة سكنية وبطاقة شخصية وكل حاجة.
جاسم: حصلت على الجنسية من عمدة الدواسر علي بن عيسى .. قدمت طلبات وأوراقاً وصوراً من الجواز...حصلت على تقريبا سبعة جوازات أنا مع عيالي الستة.
عبدالله: قدمت جوازي عن طريق مكتب علي بن عيسى . عطوني طلب الأوراق وأنا عبيتها وقدمت على المكتب وتم حوالي ستة شهور.. اتصلوا علي وجابوا لي الجواز.
ابراهيم: قدمنا الطلب على العمدة وعطيناه أوراق و صورة الجواز السعودي .. عطوني الجواز ما قصروا.
هذه الاجراءات راحت الاوراق وجاب لنا الجواز هو بنفسه.
عبد الرحمن: حصلت على الجواز البحريني عن طريق العمدة عيسى بن علي.. وأخذت حوالي ثلاثة شهور.
< أين تتم إجراءات الحصول على الجنسية البحرينية ؟ عبدالله : المكتب في عمارة المليحي.
> جمعة : مكتب في عمارة المليحي الدور الثالث.
هل هناك طريقة أخرى للحصول على الجنسية البحرينية ؟ علي : وأنا أقول لهم إلي يبي (يريد) الجواز يروح من نفسه (يذهب بنفسه) أحسن من طريق العمدة، لأن العمدة يجمع (الطلبات) واذا صارت خمسة الى ستة آلاف معاملة راح يوديها. وفي ناس راحوا ما لهم الا اسبوعين وحصلوا على الجوازات. يعني راحوا هناك البحرين سووهم ورجعوا.
< متى حصلت على الجنسية البحرينية ؟ فهد : قبل سنتين.
> علي: وحصلت على الجنسية البحرينية من مدة سنة ونصف. جمعة : للحين ثلاث سنوات من أخذت الجواز البحريني..
عبدالله: والله حوالي سنتين.
ابراهيم: حوالي من ثلاث سنين تقريبا.
عبد الرحمن : مقدم انا حق الجواز يمكن خمسة شهور وحصلت الجنسية البحرينية.
< هل تحمل الجنسية البحرينية فقط؟
> جمعة : عندي جواز سعودي، وكلهم عندهم جواز سعودي وبحريني... أنا مع.. عبد الرحمن رحت ودشيت (ذهبت ودخلت) عند علي بن عيسى.. قلت له: هذا الجواز السعودي وهذا البحريني، بس (لكن) انت المسؤول اذا سحبوا الجواز السعودي من عندي .. قال لي (أي علي بن عيسى): لا يحركون السعودي ولا يحركون حاجة. عندك جنسية بحرينية ما يسحبون لا هاذي ولا هاذي..
< هل تعرف كم عدد الذين حصلوا على الجنسية البحرينية؟
> فهد: أغلبية العوائل هنا في حي الدواسر استفادوا من الجواز البحريني.
علي: والله واجد أزيد (أكثر) من 15 الف.. أنا رحت (ذهبت) الى مكتب العمدة و(رأيت) أوراق واجد يعني
حوالي ستة سبعة ثمانية آلاف معاملة.
جمعة: 20 ـ 22 ألف تقريبا..
ابراهيم: كم واحد ؟! .. والله ما عندي حسابهم أنا.. واجد عطو.
< ما هي القبائل السعودية التي حصلت على الجنسية البحرينية؟
> ابراهيم : أول ما صارت كانت مقتصرة على دواسر الدمام وبعدين (بعد ذلك) صار فيها على ما قالوا وعطوا ناس موب (ليسوا) دواسر، عطوا قحاطين و زويريين )منتمين إلى قبائل في المملكة العربية السعودية).
< هل استفدت من الخدمات الإسكانية بالبحرين؟
> جمعة : رحت حق السكن قالوا انت كبير ما نعطيك. ما نعطي الا عيالك قلت آنا ابوهم مسؤول وياهم قالوا لا ما نعطي اللي يطوف الستين سنة.
اذا حصلت لي بيت زين (أفضل) بدل ما أروح اسكن في الفندق أو أأجر )أستاجر) لي شقة، أحصل لي بيت حكومة.
جاسم : أتمنى يكون لي سكن هناك في البحرين طلبت السكن آنا مع اخواني ولا جت (لم تأتي) الموافقة.
< هل شاركت في التصويت على الميثاق والانتخابات؟
> فهد : أنا شاركت في الانتخابات اللي راحت. جمعة: نعم في الجسر وجوازي البحريني ختموا لي أنا مع شباب دواسر.
ابراهيم: الميثاق.. رحنا وقعنا على الميثاق.
< من رشحت في الانتخابات؟
> فهد : هم اتصلوا علي عمدة من البحرين ورشحت ولا أدري ويش (ما هي) السالفة (القصة).
جمعة: إحنا (نحن) جو (أتوا) إلينا ناس في الديوانية وقالوا لنا كذا وكذا. قال لنا علي بن عيسى ما عليكم منهم. من عندي أنا أقولكم المحل الفلاني. ويعني ضعنا ما نعرف وين نروح ووين نجي (أين نذهب أو نأتي)، محلات في البحرين ما ندلها.
< هل تحمل معك البطاقة السكانية أو الجواز البحريني؟
وقد تم خلال الفيلم الوثائقي عرض الجواز البحريني لعلي حيث كان تاريخ الإصدار: 22/01/0002 تم عرض البطاقة السكانية لعلي: تاريخ الإصدار: 14/11/2001، تاريخ الميلاد : 22/1/1958، المهنة : لحام، رقم واسم صاحب العمل : وحدة خارج البحرين.
كما تم عرض الجواز البحريني لجمعة حيث كان تاريخ الاصدار: 12/01/9991 وبطاقته السكانية وكان العنوان المكتوب على البطاقة : بيت 1631 طريق 1632، مدينة المحرق 216 وعند ما تم انتقال الى مجمع 216 في مدينة المحرق، طريق 1632 وبالتحديد لبيت 1631 وتم طرق الباب، خرج أحد العمال الهنود وقال ان هذا البيت يخص وليد... والساكنين في هذا البيت يعملون في شركة انشاءات!!
عسكر.. المستوطنة
ويشير اهل البحرين الى قضية عسكر وهي قرية بحرينية صغيرة كانت هادئة طول الوقت.. ببساطة لأنها كانت قرية متجانسة. يأمن الناس على سفنهم وعلى أماكن تواجدهم وبيوتهم. وكانوا يعيشون بأمان حتى أتى المجنسون. استناداً للقوائم الانتخابية النيابية، يشكل هؤلاء ما نسبته 24 في المائة من مجموع الناخبين. هذه النسبة في نمط اجتماعي نسبة النمو السكاني فيه عالية جدا تتجاوز 5 في المائة مقارنة بالمعدلات العالمية 1 ـ 2 في المائة . وإذا ما تم اعتبار ما دون السن القانونية للانتخاب، فإن هذه النسبة تتجاوز 35 في المائة. بهذه الطريقة، تتحول هذه القرية في غضون سنوات قليلة من أغلبية أصلية إلى أغلبية مجنسة ليس لها علاقة بالبلد.
في ظل هذه النسبة، لم يعد أهل هذه القرية الذين يعمل كثير منهم في البحر، يأمنون على سفنهم، فهي تسرق باستمرار. والساحل الذي يستعملونه، وهو لا يتجاوز 2 كيلومتر، لم يكونوا يحتاجون لأي نوع من الرقابة عليه. ولكن، منذ مجيء المجنسين، ولأن السفـن ومكائنها تسرق باستمرار، أوجدوا حرساً خاصاً على الساحل الذي لم يستطع منع استمرار السرقات.
أهل عسكر لم يكن لهم مركز شرطة، لأنهم كانوا متجانسين. ولما دخلها هؤلاء المجنسون، نشبت المشاكل ووصلت يوما من الأيام إلى التشابك بالأيدي بين أهل عسكر والمجنسين، نتج عنه بعض الجرحى والإصابات.
في عسكر يوجد شارع رئيسي. ولأن عادات أخوتنا من المجنسين، أن يتسكعوا في الشوارع. بينما يستخدم أغلب أهل المنطقة الديوانيات والمجالس للقاءات الاجتماعية، أصبح هذا الشارع بعد السابعة او الثامنة ليلاً محرماً على النساء والصغار ويمكن لأي إنسان يتحرك فيه أن يتعرض للمشاكل.
عسكر نموذج لقرية بحرينية هادئة عمل التجنيس على تدميرها اجتماعيا وعلى فقد الأمن لسكانها الأصليين.
هذه هي آثار التجنيس في مناطق عديدة وهي مثال للتدمير الاجتماعي بسبب المجنسين.
تعليق