الأبعاد السياسية في حياة الإمام السجاد (
)
أن الإمام زين العابدين عليه السلام قام بأعمال سياسية كبيرة في سبيل الأهداف الكبيرة التي من أجلها شرع الدين . وإذا لاحظنا صعوبة المهمة التي قام بها في الظروف الحرجة والخطيرة التي عايشها عرفنا عظمة تلك الجهود التي بذلها في خصوص هذا المجال وحده . وهو عليه السلام - وإن لم يمد يدا إلى السلاح الحديدي - إلا أنه التزم النضال بكل الأسلحة الأخرى التي لا تقل أهمية وخطورة عن السلاح الحديدي . فشهر سلاح اللسان بالخطب والمواعظ ، وسلاح العلم بالتثقيف والإرشاد ، وسلاح الأخلاق بالتربية والتوجيه ، وسلاح الاقتصاد بالإعانات والإنفاق ، وسلاح العدالة بالإعتاق ، وسلاح الحضارة بالعرفان . حتى وقف سدا منيعا في وجه أخطر عملية تحريف تهدف إبادة الإسلام من جذوره ، في الحكم الأموي الجاهلي . وبقيت الخطوط الأخرى لسياسة الإمام عليه السلام غير معلنة ولا واضحة ، أو غير مشروحة ، حتى عصرنا الحاضر ، فلذلك وقع كثير من كتاب العصر في وهم فظيع تجاه الموقف السياسي للإمام عليه السلام حتى نسبت إليه تهمة الانعزال عن السياسة ، بل ممالأة الظالمين ، مما لا يقبله أي شريف فضلا عمن يعتقد في زين العابدين عليه السلام أنه إمام منصوب من قبل الله تعالى ، ليلي أمور المؤمنين ! إن الإمام عليه السلام كان مسؤولا - ومن خلال منصبه الإلهي - عن كل ما يجري في العالم الإسلامي ، وقد أنجز الإمام عليه السلام بتدابير دقيقة ما يلزم من دور قيادي ، وبكل سرية وذكاء ، فشن على الطغاة الحاكمين ، وأمثالهم من الطامعين ، حربا شعواء ، لكنها باردة صامتة بيضاء في البداية ، أصبحت معلنة صبغتها دماء طاهرة من شيعته في النهاية . ولم ينقض القرن الأول ، إلا أخذت آثار سياسية الإمام زين العابدين عليه السلام تبدو على الساحة ، بشكل أشعة تنتشر من أفق مظلم طال مائة عام من الانحراف والظلم والتعدي على الإسلام . لكن الإمام السجاد بمواقفه العظيمة ضمن خطط حكيمة ، تمكن من الوقوف أمام كل هذه التحديات الرهيبة ، تلك المواقف التي قدم لها حياته الكريمة . ولم تنقض فترة على وفاة الإمام عليه السلام حتى بدأ العد التنازلي للحكم الجاهلي ، وبدأ الحكام الأمويون بالتراجع عن كثير من ملتزماتهم ، وتعنتهم ، ولم تطل دولتهم بعيدا ، إلا انمحت آثارها حتى من عاصمتهم دمشق الشام . وأما أهداف الإمام السجاد عليه السلام فقد تولاها بعده ابنه الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام ، ثم من بعده الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ، فاستفادا من وهن الأمويين في تلك الفترة ، وتمكنا من تثبيت دعائم الإسلام والفكر الإمامي بأفضل ما بإمكانهما . فكونا أكبر جامعة علمية إسلامية ، تربى فيها آلاف من العلماء المبلغين للإسلام بعد استيعاب معارفه ، على أيدي الإمامين العظيمين . وقد تمكن الإمامان من رفع الغشاوة عن كثير من الحقائق المطموسة تحت أكداس من غبار التهم والتشويه والتحريف في شؤون الإسلام ، عامة ، وفي ما يرتبط بحق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة والحكم ، خاصة . وعندما نرى تصدي الحكام - من أمويين وعباسيين - للإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ومن كان على خطهما ، نجد أن ما قاما به يعد فتحا عظيما في المعيار السياسي ، وإنجازا في قاموس الحركات الاجتماعية ، خاصة في تلك العصور المظلمة . فكان هذا العمل تحديا معلنا ضد الحكومات الفاسدة التي كانت تروج للتيارات العقائدية الملحدة ، والخارجة عن إطار العقائد الإسلامية ، وتدعو إلى حياة التفسخ ، والترف ، واللهو ، والفساد . كما استفاد ابنه العظيم زيد الشهيد عليه السلام من الأرضية التي مهدها الإمام زين العابدين عليه السلام للثورة ، فكان عمله دعما لموقف الإمامين عليهما السلام في تنفيذ خطط الإمام زين العابدين عليه السلام واستثمار جهوده ، والاستمرار بأهدافه . إن تلك التدابير ، التي اتبعها الإمام السجاد وابناه الإمام الباقر وزيد الشهيد ، وحفيده الإمام الصادق عليهم السلام ، وشيعتهم المجاهدون على خطهم ، وتلك المواقف الجريئة التي اتخذوها من الحكام الظالمين والحكومات الفاسدة ، من أجل العقيدة ، لا ولن تصدر ممن يركن إلى الدعة والراحة ، أو أذهلته المصائب والفجائع . بل ، إن ما قاموا به يعد في العرف السياسي ، أهم من حمل السلاح في مثل تلك المرحلة بالذات . وأما مجموع ما أنتجته تلك الجهود والتدابير ، فهو أكبر مما تؤثره البسالة والبطولة في ميادين الحروب . وهو عمل لا يقوم به إلا أصحاب الرسالات من العلماء بالله الذين يفوق مدادهم فضلا وأثرا من دماء الشهداء . وإن من يعرف أوليات النضال السياسي ، وبديهيات التحرك الاجتماعي ، وخصوصا عند المعارضة ، ليدرك أن سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام السياسية هي مشاعل تنير الدرب للسائرين على طريق الجهاد الشائك ، ممن يلتقي مع الإمام عليه السلام في تخليد الأهداف الإلهية السامية . وأي مناضل يعرض عن كل هذه الجهود ، ولا يعدها ( جهادا سياسيا ) ؟ ! والغريب ، أن أصحاب دعوى النضال والحركة ، في هذا العصر - وفيهم من اتهم الإمام بالانعزال السياسي - يتبجحون باسم النضال والمعارضة السياسية ، لمجرد إصدار بيان ، أو إعلان رفض ، ولو من بعد أميال عن مواقع الخطر ، ومواقف المواجهة ! ثم هم لا يعتبرون تلك التصريحات الخطيرة ، وتلك المواجهات والمواقف الحاسمة ، التي قام بها الإمام عليه السلام ، نضالا سياسيا ؟ ! وهم ، يقيمون الدنيا ، لو وقعت خدشة في إصبع لهم ، ويعتزون بقطرة دم تراق منهم ! بينما لا يحسبون لذلك الجرح الذي أثخن به الإمام عليه السلام في كربلاء ، وذلك النزيف من الدم والدمع الذي أريق منه على أثر وجوده في الساحة ، قيمة وأثرا ؟ ! مع أن الآلام التي تحملها الإمام عليه السلام في جهاده ، ومن خلال جهوده العظيمة ، والأخطار التي اقتحمها في سبيل إنجاح مخططه ، أكثر ألما ، وأعمق أثرا ، من جرح ظاهر يلتئم ، وقرح يندمل ! لكن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام ظهر على الساحة ببطولة وشجاعة تختص به كإمام للأمة ، فتحمل آلام الجهاد وجروحه ، وصبر على آلام الجهود المضنية التي بذلها . وانفرد في الساحة في تلك الفترة الحالكة ، كألمع قائد إلهي في مواجهة أحلك الظروف وأصعبها ، وأكثر الهجمات ضراوة ، وأكثر الحكومات حقدا وبعدا عن الإسلام ، وباسم الخلافة الإسلامية . وخرج من ساحة النضال بأعمق الخطط وأدقها ، وبأبهر النتائج وأخلدها . تشابه الأجواء السياسية بين عصرنا الحاضر وعصر الإمام السجاد عليه السلام إننا نواجه - اليوم - حملة شرسة من أعداء المذهب ، مدعومة بحملة ضارية من أعداء الإسلام . ويشبه وضع التشيع في هذا العصر - في كثير من الجهات - ما كان عليه في القرن الأول ، إذ يعايش أجواء سياسية ونفسية متماثلة . فاليأس والقنوط يعمان الجميع ، حتى العاملين في حقل الحركات الإسلامية ، والمنضوين تحت ألوية الأحزاب والمنظمات والمجالس والمكاتب . والارتداد ، المتمثل بابتعاد عامة الناس عن خط الإمامة والولاية ، وفي ظروف غيبة الإمام عليه السلام ، التي معها تزداد الحيرة وتتأكد الشبهة . وتعدد الاتجاهات والآراء والأهواء ، التي اقتطعت أشلاء الأمة ، وفرقتها أيدي سبأ . والحكومات الجائرة ، بما تمتلك من أجهزة القمع ، وأساليب الفتك والهتك ، والسجن والقتل ، وبأحدث أساليب التعذيب ، خصوصا تلك الحاملة لسيوف التكفير ومشانق الاتهام بالردة ، وبدعوى شعارات إسلامية مزيفة . والاختراق الثقافي الهدام ، لصفوف الأمة الإسلامية وعقولها ، وبوسائل الإعلام الحديثة ، المقروءة والمسموعة والمرئية ، وباستخدام المبايل والانترنت وغيرها من وسائل الاتصالات والغزو الفكري المخلخل للوجود الديني من الداخل ، بالأفكار والشبهات المضللة ، والحملات الكاذبة ، الطائشة ضد المقدسات الإسلامية ، التي تروجها الدول الاستعمارية الحاقدة ، ويزمر لها الحكام العملاء في البلدان الإسلامية . والتصرفات العشوائية المشبوهة التي يقوم بها الضالون من رجال الدين ، والبلاطيون من وعاظ السلاطين ، والمتزلفون إلى المناصب والأموال والفخفخة والعيش الرغيد في القصور ، والمتطفلون على الموائد وفي السهرات ، والمتكؤون على أرائك الحكم وأسرة الإدارة ، والراكنون إلى الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي ، وحكموا الناس بالجور . وأصحاب الدعاوى الزائفة بالاجتهاد والمرجعية ، مع فقدان أوليات المعارف اللازمة ، والفراغ من الالتزام الصحيح بأصول العقيدة ، والانتماء المذهبي ، وإنما بالركون إلى الحزبية الضيقة ، وبدعوى الانطلاق لمسايرة الجيل المتطلع وادعاء مصادمة الواقع بالفتاوى التي لا أساس لها في الفقه ومصادره ، وبالأفكار المخالفة لضرورات الدين والمذهب ، باسم التجديد ، والتوعية ، والتوحيد ، والتأليف ! وغير ذلك من العناوين العصرية الغارة لأفكار الشباب ! وبالأموال التي توزع بأرقام كبيرة ، من مصادر مجهولة ! أو معلومة ! ! إن كل هذه الحقائق الجارية في عصرنا ، تمثل - بالضبط - الفصول التي عاصرها الإمام زين العابدين عليه السلام لكن بشكلها العصري . لكن الحق الناصع وهو ( الإسلام ) المتأصل في قلوب المؤمنين ، يتجلى أكثر مما مضى بفضل الثقافة الواسعة حول المعارف الإسلامية ، وظهور حقائق القرآن والسنة ، وفضل أهل البيت عليهم السلام ، ذلك الذي لم يعد اليوم مكتوما ولا ممنوعا . وأساليب عمل الإمام السجاد عليه السلام وجهاده وتعاليمه السياسية والاجتماعية ماثلة أمام من يطلب الحق ! فعلى كل من يريد النضال والحركة في سبيل الله ، أن يقتدي بإمامه ، ويجعل عمله مشعلا يهتدي بنور إرشاده ، ويسير على منهجه في النضال والتحرك السياسي والاجتماعي ، فيكون على بصيرة من أمر دينه ، ويصل إلى أفضل النتائج المتوخاة في أمر دنياه .

أن الإمام زين العابدين عليه السلام قام بأعمال سياسية كبيرة في سبيل الأهداف الكبيرة التي من أجلها شرع الدين . وإذا لاحظنا صعوبة المهمة التي قام بها في الظروف الحرجة والخطيرة التي عايشها عرفنا عظمة تلك الجهود التي بذلها في خصوص هذا المجال وحده . وهو عليه السلام - وإن لم يمد يدا إلى السلاح الحديدي - إلا أنه التزم النضال بكل الأسلحة الأخرى التي لا تقل أهمية وخطورة عن السلاح الحديدي . فشهر سلاح اللسان بالخطب والمواعظ ، وسلاح العلم بالتثقيف والإرشاد ، وسلاح الأخلاق بالتربية والتوجيه ، وسلاح الاقتصاد بالإعانات والإنفاق ، وسلاح العدالة بالإعتاق ، وسلاح الحضارة بالعرفان . حتى وقف سدا منيعا في وجه أخطر عملية تحريف تهدف إبادة الإسلام من جذوره ، في الحكم الأموي الجاهلي . وبقيت الخطوط الأخرى لسياسة الإمام عليه السلام غير معلنة ولا واضحة ، أو غير مشروحة ، حتى عصرنا الحاضر ، فلذلك وقع كثير من كتاب العصر في وهم فظيع تجاه الموقف السياسي للإمام عليه السلام حتى نسبت إليه تهمة الانعزال عن السياسة ، بل ممالأة الظالمين ، مما لا يقبله أي شريف فضلا عمن يعتقد في زين العابدين عليه السلام أنه إمام منصوب من قبل الله تعالى ، ليلي أمور المؤمنين ! إن الإمام عليه السلام كان مسؤولا - ومن خلال منصبه الإلهي - عن كل ما يجري في العالم الإسلامي ، وقد أنجز الإمام عليه السلام بتدابير دقيقة ما يلزم من دور قيادي ، وبكل سرية وذكاء ، فشن على الطغاة الحاكمين ، وأمثالهم من الطامعين ، حربا شعواء ، لكنها باردة صامتة بيضاء في البداية ، أصبحت معلنة صبغتها دماء طاهرة من شيعته في النهاية . ولم ينقض القرن الأول ، إلا أخذت آثار سياسية الإمام زين العابدين عليه السلام تبدو على الساحة ، بشكل أشعة تنتشر من أفق مظلم طال مائة عام من الانحراف والظلم والتعدي على الإسلام . لكن الإمام السجاد بمواقفه العظيمة ضمن خطط حكيمة ، تمكن من الوقوف أمام كل هذه التحديات الرهيبة ، تلك المواقف التي قدم لها حياته الكريمة . ولم تنقض فترة على وفاة الإمام عليه السلام حتى بدأ العد التنازلي للحكم الجاهلي ، وبدأ الحكام الأمويون بالتراجع عن كثير من ملتزماتهم ، وتعنتهم ، ولم تطل دولتهم بعيدا ، إلا انمحت آثارها حتى من عاصمتهم دمشق الشام . وأما أهداف الإمام السجاد عليه السلام فقد تولاها بعده ابنه الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام ، ثم من بعده الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ، فاستفادا من وهن الأمويين في تلك الفترة ، وتمكنا من تثبيت دعائم الإسلام والفكر الإمامي بأفضل ما بإمكانهما . فكونا أكبر جامعة علمية إسلامية ، تربى فيها آلاف من العلماء المبلغين للإسلام بعد استيعاب معارفه ، على أيدي الإمامين العظيمين . وقد تمكن الإمامان من رفع الغشاوة عن كثير من الحقائق المطموسة تحت أكداس من غبار التهم والتشويه والتحريف في شؤون الإسلام ، عامة ، وفي ما يرتبط بحق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة والحكم ، خاصة . وعندما نرى تصدي الحكام - من أمويين وعباسيين - للإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ومن كان على خطهما ، نجد أن ما قاما به يعد فتحا عظيما في المعيار السياسي ، وإنجازا في قاموس الحركات الاجتماعية ، خاصة في تلك العصور المظلمة . فكان هذا العمل تحديا معلنا ضد الحكومات الفاسدة التي كانت تروج للتيارات العقائدية الملحدة ، والخارجة عن إطار العقائد الإسلامية ، وتدعو إلى حياة التفسخ ، والترف ، واللهو ، والفساد . كما استفاد ابنه العظيم زيد الشهيد عليه السلام من الأرضية التي مهدها الإمام زين العابدين عليه السلام للثورة ، فكان عمله دعما لموقف الإمامين عليهما السلام في تنفيذ خطط الإمام زين العابدين عليه السلام واستثمار جهوده ، والاستمرار بأهدافه . إن تلك التدابير ، التي اتبعها الإمام السجاد وابناه الإمام الباقر وزيد الشهيد ، وحفيده الإمام الصادق عليهم السلام ، وشيعتهم المجاهدون على خطهم ، وتلك المواقف الجريئة التي اتخذوها من الحكام الظالمين والحكومات الفاسدة ، من أجل العقيدة ، لا ولن تصدر ممن يركن إلى الدعة والراحة ، أو أذهلته المصائب والفجائع . بل ، إن ما قاموا به يعد في العرف السياسي ، أهم من حمل السلاح في مثل تلك المرحلة بالذات . وأما مجموع ما أنتجته تلك الجهود والتدابير ، فهو أكبر مما تؤثره البسالة والبطولة في ميادين الحروب . وهو عمل لا يقوم به إلا أصحاب الرسالات من العلماء بالله الذين يفوق مدادهم فضلا وأثرا من دماء الشهداء . وإن من يعرف أوليات النضال السياسي ، وبديهيات التحرك الاجتماعي ، وخصوصا عند المعارضة ، ليدرك أن سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام السياسية هي مشاعل تنير الدرب للسائرين على طريق الجهاد الشائك ، ممن يلتقي مع الإمام عليه السلام في تخليد الأهداف الإلهية السامية . وأي مناضل يعرض عن كل هذه الجهود ، ولا يعدها ( جهادا سياسيا ) ؟ ! والغريب ، أن أصحاب دعوى النضال والحركة ، في هذا العصر - وفيهم من اتهم الإمام بالانعزال السياسي - يتبجحون باسم النضال والمعارضة السياسية ، لمجرد إصدار بيان ، أو إعلان رفض ، ولو من بعد أميال عن مواقع الخطر ، ومواقف المواجهة ! ثم هم لا يعتبرون تلك التصريحات الخطيرة ، وتلك المواجهات والمواقف الحاسمة ، التي قام بها الإمام عليه السلام ، نضالا سياسيا ؟ ! وهم ، يقيمون الدنيا ، لو وقعت خدشة في إصبع لهم ، ويعتزون بقطرة دم تراق منهم ! بينما لا يحسبون لذلك الجرح الذي أثخن به الإمام عليه السلام في كربلاء ، وذلك النزيف من الدم والدمع الذي أريق منه على أثر وجوده في الساحة ، قيمة وأثرا ؟ ! مع أن الآلام التي تحملها الإمام عليه السلام في جهاده ، ومن خلال جهوده العظيمة ، والأخطار التي اقتحمها في سبيل إنجاح مخططه ، أكثر ألما ، وأعمق أثرا ، من جرح ظاهر يلتئم ، وقرح يندمل ! لكن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام ظهر على الساحة ببطولة وشجاعة تختص به كإمام للأمة ، فتحمل آلام الجهاد وجروحه ، وصبر على آلام الجهود المضنية التي بذلها . وانفرد في الساحة في تلك الفترة الحالكة ، كألمع قائد إلهي في مواجهة أحلك الظروف وأصعبها ، وأكثر الهجمات ضراوة ، وأكثر الحكومات حقدا وبعدا عن الإسلام ، وباسم الخلافة الإسلامية . وخرج من ساحة النضال بأعمق الخطط وأدقها ، وبأبهر النتائج وأخلدها . تشابه الأجواء السياسية بين عصرنا الحاضر وعصر الإمام السجاد عليه السلام إننا نواجه - اليوم - حملة شرسة من أعداء المذهب ، مدعومة بحملة ضارية من أعداء الإسلام . ويشبه وضع التشيع في هذا العصر - في كثير من الجهات - ما كان عليه في القرن الأول ، إذ يعايش أجواء سياسية ونفسية متماثلة . فاليأس والقنوط يعمان الجميع ، حتى العاملين في حقل الحركات الإسلامية ، والمنضوين تحت ألوية الأحزاب والمنظمات والمجالس والمكاتب . والارتداد ، المتمثل بابتعاد عامة الناس عن خط الإمامة والولاية ، وفي ظروف غيبة الإمام عليه السلام ، التي معها تزداد الحيرة وتتأكد الشبهة . وتعدد الاتجاهات والآراء والأهواء ، التي اقتطعت أشلاء الأمة ، وفرقتها أيدي سبأ . والحكومات الجائرة ، بما تمتلك من أجهزة القمع ، وأساليب الفتك والهتك ، والسجن والقتل ، وبأحدث أساليب التعذيب ، خصوصا تلك الحاملة لسيوف التكفير ومشانق الاتهام بالردة ، وبدعوى شعارات إسلامية مزيفة . والاختراق الثقافي الهدام ، لصفوف الأمة الإسلامية وعقولها ، وبوسائل الإعلام الحديثة ، المقروءة والمسموعة والمرئية ، وباستخدام المبايل والانترنت وغيرها من وسائل الاتصالات والغزو الفكري المخلخل للوجود الديني من الداخل ، بالأفكار والشبهات المضللة ، والحملات الكاذبة ، الطائشة ضد المقدسات الإسلامية ، التي تروجها الدول الاستعمارية الحاقدة ، ويزمر لها الحكام العملاء في البلدان الإسلامية . والتصرفات العشوائية المشبوهة التي يقوم بها الضالون من رجال الدين ، والبلاطيون من وعاظ السلاطين ، والمتزلفون إلى المناصب والأموال والفخفخة والعيش الرغيد في القصور ، والمتطفلون على الموائد وفي السهرات ، والمتكؤون على أرائك الحكم وأسرة الإدارة ، والراكنون إلى الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي ، وحكموا الناس بالجور . وأصحاب الدعاوى الزائفة بالاجتهاد والمرجعية ، مع فقدان أوليات المعارف اللازمة ، والفراغ من الالتزام الصحيح بأصول العقيدة ، والانتماء المذهبي ، وإنما بالركون إلى الحزبية الضيقة ، وبدعوى الانطلاق لمسايرة الجيل المتطلع وادعاء مصادمة الواقع بالفتاوى التي لا أساس لها في الفقه ومصادره ، وبالأفكار المخالفة لضرورات الدين والمذهب ، باسم التجديد ، والتوعية ، والتوحيد ، والتأليف ! وغير ذلك من العناوين العصرية الغارة لأفكار الشباب ! وبالأموال التي توزع بأرقام كبيرة ، من مصادر مجهولة ! أو معلومة ! ! إن كل هذه الحقائق الجارية في عصرنا ، تمثل - بالضبط - الفصول التي عاصرها الإمام زين العابدين عليه السلام لكن بشكلها العصري . لكن الحق الناصع وهو ( الإسلام ) المتأصل في قلوب المؤمنين ، يتجلى أكثر مما مضى بفضل الثقافة الواسعة حول المعارف الإسلامية ، وظهور حقائق القرآن والسنة ، وفضل أهل البيت عليهم السلام ، ذلك الذي لم يعد اليوم مكتوما ولا ممنوعا . وأساليب عمل الإمام السجاد عليه السلام وجهاده وتعاليمه السياسية والاجتماعية ماثلة أمام من يطلب الحق ! فعلى كل من يريد النضال والحركة في سبيل الله ، أن يقتدي بإمامه ، ويجعل عمله مشعلا يهتدي بنور إرشاده ، ويسير على منهجه في النضال والتحرك السياسي والاجتماعي ، فيكون على بصيرة من أمر دينه ، ويصل إلى أفضل النتائج المتوخاة في أمر دنياه .