طاقات الشباب تهدر كل يوم والثمن مدن وأفواه تضيع..
مظاهر الحياة في العراق اختلفت كلياً بعد زوال النظام السابق.. وأختلف الناس أيضاً في طرائق عيشهم بعد أن انقلبت الحياة السياسية في العراق رأساً على عقب، مظاهر المدن وبضائعها وتنظيمها لم تشذّ هي الأخرى عن الانقلاب حتى بات من العسير على أحد أن يعرّف المدينة في العراق طبقاً لما تعنيه في مفهومها الحضاري، فحتى مناطق بغداد التي كان الناس ينظرون إليها على أنها مناطق راقية أصبحت قفراً من المارة ولم تعد تزهو بأسواقها وحدائقها (كعبة) مقصودة لعشاق ليالي بغداد ولم تبق أرصفة حرة يمكن السير عليها والتنزه بها بعد أن احتلتها أكداس بضائع تجار الجملة أوالمولدات الكبيرة أو بسطات البضائع الشعبية التي لم تكتف بالأرصفة ومبيت أطنان من القمامة تملأ هواء فجر اليوم التالي فتفقده نقاوته. أسواق الرصيف نزلت الى أنهر الشوارع، حتى بات الممنوع لدينا هو مرور السيارات فيها أو السماح لها بـ (سايد) واحد فقط... كما في أسواق باب المعظم وبغداد الجديدة وسوق مريدي. بغداد الأمسيات الجميلة ما زالت تعاني من القلق.. تعاني من الفوضى في كل شيء ابتداء من الغلق غير المقنع لكثير من طرقاتها الرئيسة الى حجز جوانب منها بالكتل الكونكريتية من قبل الوزارات والأحزاب والقوات الأجنبية مروراً بالأعداد الهائلة من السيارات التي فاقت قدرة الشوارع على استيعابها وليس انتهاء بالطوابير الطويلة الواقفة كالأفاعي عند محطات التعبئة. حين صدحت الحناجر بالمقولة الشعبية “على درب اليمرون.. أريد أكَعد وانادي” لم يكن يمتلك (لاود سبيكر ثرثاراً) يكرر عبارته من دون إنقطاع وهو يعاني من فراق حبيبته، لكن باعة الأرصفة - وهم عاطلون عن العمل على وفق المعايير الإقتصادية - إستثمروا هذه الأغنية ليستقطبوا الزبائن في صراخ لا ينقطع : (حاجة بربع، كيلوين بتلترباع، تازة يولد تازة) وسط ضجيج المولدات والصوتيات والأغاني السمجة. أسواق الأرصفة تجمع المظلومين ممن لم يطالوا (عنب التعيين) العالي... فكان أن كوّنوا أسواقاً تملؤها الفوضى حين غُضّ الطرف منذ أكثر من عقدين من الزمن عن أحوال الناس وحيواتهم في أغنى بلد يعاني أهله من الفقر المدقع مقارنة بثرواته. أسواق الرصيف هي رد فعل لابدّ منه أو بديل غير موضوعي عن أسواق كان يفترض أن تنشأها الدولة آنذاك أو الجمعيات والإتحادات التجارية.... أو حتى ما استحدث من منظمات المجتمع المدني التي لا تكل عن الندوات والخطط البائرة. العاطلون عن العمل هنا (على أي رصيف) هم جيش من الطاقات لايمكن أن يٌقهر لو تم توظيفه بشكل علمي ومخطط، فأغلبهم بعد اللقاء بهم لم يجدوا لهم وظائف في الدولة أو فقدوا وظائفهم (وفيهم نسبة كبيرة من الخريجين الشباب) فلجأوا الى الأرصفة، بعضهم إعتاد العمل في أماكن مجانية تحقق أرباحاً يومية لا يمكن مقارنتها مع أي راتب تمنحه الدولة وما دام الحبل متروكاً على الغارب فمن يستطيع إقناع أحد بأن أسواقنا الآن هي نسخة تشبه الى حد ما أسواق القبائل على مفترقات طرق القوافل أيام الجاهلية سوى أنها تتعامل مع مقتنيات عصر الإتصالات جنباً الى جنب مع بضائع العصر الحجري.
مظاهر الحياة في العراق اختلفت كلياً بعد زوال النظام السابق.. وأختلف الناس أيضاً في طرائق عيشهم بعد أن انقلبت الحياة السياسية في العراق رأساً على عقب، مظاهر المدن وبضائعها وتنظيمها لم تشذّ هي الأخرى عن الانقلاب حتى بات من العسير على أحد أن يعرّف المدينة في العراق طبقاً لما تعنيه في مفهومها الحضاري، فحتى مناطق بغداد التي كان الناس ينظرون إليها على أنها مناطق راقية أصبحت قفراً من المارة ولم تعد تزهو بأسواقها وحدائقها (كعبة) مقصودة لعشاق ليالي بغداد ولم تبق أرصفة حرة يمكن السير عليها والتنزه بها بعد أن احتلتها أكداس بضائع تجار الجملة أوالمولدات الكبيرة أو بسطات البضائع الشعبية التي لم تكتف بالأرصفة ومبيت أطنان من القمامة تملأ هواء فجر اليوم التالي فتفقده نقاوته. أسواق الرصيف نزلت الى أنهر الشوارع، حتى بات الممنوع لدينا هو مرور السيارات فيها أو السماح لها بـ (سايد) واحد فقط... كما في أسواق باب المعظم وبغداد الجديدة وسوق مريدي. بغداد الأمسيات الجميلة ما زالت تعاني من القلق.. تعاني من الفوضى في كل شيء ابتداء من الغلق غير المقنع لكثير من طرقاتها الرئيسة الى حجز جوانب منها بالكتل الكونكريتية من قبل الوزارات والأحزاب والقوات الأجنبية مروراً بالأعداد الهائلة من السيارات التي فاقت قدرة الشوارع على استيعابها وليس انتهاء بالطوابير الطويلة الواقفة كالأفاعي عند محطات التعبئة. حين صدحت الحناجر بالمقولة الشعبية “على درب اليمرون.. أريد أكَعد وانادي” لم يكن يمتلك (لاود سبيكر ثرثاراً) يكرر عبارته من دون إنقطاع وهو يعاني من فراق حبيبته، لكن باعة الأرصفة - وهم عاطلون عن العمل على وفق المعايير الإقتصادية - إستثمروا هذه الأغنية ليستقطبوا الزبائن في صراخ لا ينقطع : (حاجة بربع، كيلوين بتلترباع، تازة يولد تازة) وسط ضجيج المولدات والصوتيات والأغاني السمجة. أسواق الأرصفة تجمع المظلومين ممن لم يطالوا (عنب التعيين) العالي... فكان أن كوّنوا أسواقاً تملؤها الفوضى حين غُضّ الطرف منذ أكثر من عقدين من الزمن عن أحوال الناس وحيواتهم في أغنى بلد يعاني أهله من الفقر المدقع مقارنة بثرواته. أسواق الرصيف هي رد فعل لابدّ منه أو بديل غير موضوعي عن أسواق كان يفترض أن تنشأها الدولة آنذاك أو الجمعيات والإتحادات التجارية.... أو حتى ما استحدث من منظمات المجتمع المدني التي لا تكل عن الندوات والخطط البائرة. العاطلون عن العمل هنا (على أي رصيف) هم جيش من الطاقات لايمكن أن يٌقهر لو تم توظيفه بشكل علمي ومخطط، فأغلبهم بعد اللقاء بهم لم يجدوا لهم وظائف في الدولة أو فقدوا وظائفهم (وفيهم نسبة كبيرة من الخريجين الشباب) فلجأوا الى الأرصفة، بعضهم إعتاد العمل في أماكن مجانية تحقق أرباحاً يومية لا يمكن مقارنتها مع أي راتب تمنحه الدولة وما دام الحبل متروكاً على الغارب فمن يستطيع إقناع أحد بأن أسواقنا الآن هي نسخة تشبه الى حد ما أسواق القبائل على مفترقات طرق القوافل أيام الجاهلية سوى أنها تتعامل مع مقتنيات عصر الإتصالات جنباً الى جنب مع بضائع العصر الحجري.
تعليق