من هي الزهراء عليها السلام إنها الحقيقة التي بنورها زهرت الوجود , فأخرجتنا من ظلمة البهيمية إلى حد الإنسانية بتطهرينا بولايتها .
الخضوع للزهراء يوم المحشر :
حينما نطالع الروايات نستلهم منها دروساً عدة نجمعها في حادثة جامعة من سيرة مسيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) ففي يوم المحشر موقف لها نستكشف من خلاله مدى عظمتها ومقامها عند الله عز وجل .
فقد وردت الأخبار المتضافرة والروايات المتواترة عن حال ذلك اليوم من تطأطأ الرؤوس والأعناق خضوعاً وخنوعاً لسيدة النساء (ع) ومن هنا كان جديراً بالذكر لأن نشير إلى نوعين من الخضوع والطأطأة لذاك الركب المقدس :
1_ فهو إما طاطأة إجلال وهذا يكون لذوي الطاعة لها والمعرفة بها (ع) وقد تكون هذه الحال شاملة للموالين لها بالكلية .
2_ وإما طأطأة إذلال وهذه دائما ما نراها تقترن بصفات مبغضيها ومعاديها .
فتمر (ع) على المحبين لتلتقطهم كما يلتقط الطير الحب الجيد من الرديء لتسير بهم في كوكب نوراني إلى جنان الخلد نعيماً غير مجذوذ لتهتف الملائكة مستبشرين : {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ} (46) سورة الحجر .
بيد أن من المهم جداً التطرق لسيرة الزهراء (ع) لقصد توضيح ملامح شخصيتها ولتبيان مقاماتها ولتحديد مواضع كنهها على وجه جدير بالكشف عن بعض مقاماتها العظيمة عند المولى عز وجل وذاك حينما نرجع القهقرى إلى بطون التأريخ لنتساءل عن هدف عروج رسول الله (ص) إلى السماء ... أيكمن سر ذلك في الأعجاز , أم لانصياعه لأمر الإله لتلقي الأحكام !!؟ أم ما هو الداعي يا ترى ؟ !!
الجواب ... نرى أن الهدف الأوضح من عروج النبي الأكرم (ص) إلى السماء ووصوله إلى مقام { قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (9) سورة النجم من الإله الأعلى ما هو إلا بقصد أن يكون نطفة مباركة من رياض الجنان متمثلة بثمرة طيبة يأكلها النبي الأقدس (ص) لتتكون عندها فاطمة الزهراء (ع) لنرى المصداق واضحاً متشخصاً لمعنى صفتها بـ ( الحوراء الإنسية ) .
غير إننا سنتناول سيرتها من جهات ثلاث مهمة لتتضح المعالم جلية بينة من شخصيتها المباركة ومن حياتها الزاخرة .
مقامات السيدة الزهراء (ع) :
أولاً ... المقام النوراني : فقد ورد في ضمن زيارة لها (ع) هكذا : ( السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الله قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة ) فعند الوقوف على معان هذه الزيارة نجد مدى صبر الصديقة الزهراء (ع) للأذى وتحملها للصعاب في زمن بعيد الأزل إذ أن الزائر المتمعن في كلامات الزيارة هذه تتضح لديه الرؤية جلية من وجود عالم آخر وراء عالم الإمكان هذا
وهو عالم الأرواح الذي خلق الله نور نبيه الأعظم (ص) فيه قبل آدم الذي وجدت فيه السيدة الطاهرة (ع) لتمتحن وذاك العالم هو الذي نطق فيه من نطق بولاية الأمير والأئمة من بنيه من بعده (ع) وكانوا على ذلك من الشاهدين فقد ورد على لسانهم (ع) : ( كنا أنواراً حول عرشه محدقين إن سبحنا سبحت الملائكة وإن كبرنا كبرت الملائكة وإن استغفرنا استغفرت الملائكة وأن تلكم الأسماء التي أعطيت لآدم فتاب الله عليه هي أسمائنا) .
ومن هنا يقر العقل معترفاً بوجود عالم آخر وراء هذا الوجود وأنواراً متمثلة قبل نشأة الأبدان كما صرح الفلاسفة إلى مثل هذا قائلين : ( إن أدنى مراتب الوجود هو الوجود الدنيوي مروراً إلى مرتبة أعلى وهو الوجود المثالي وهكذا إلى الوجود البرزخي إلى أن نصل لدرجة أكمل وأتم ليتجرد فيها الوجود اللطيف ليشابه وجودنا هذا لكنما بشكل أكثر رقة وشفافية لتخترق حجب المادة والحواجز الدنيوية).
المثال على تجرد الروح :
وسنورد في هذا المجال مثالاً يكون قالعاً لكل شك ومزيحاً لكل إبهام وغموض ففي عالم الأحلام والرؤى نرى أن النائم يتنقل من مكان إلى آخر ما بين شرق الأرض وأقصى غربها يأكل فيه ويتزوج ووو ... بينما نحن نراه جثة مسجاة على الفراش فإذا استيقظ أخذ يشرع بالحديث قائلاً : ( أنا رأيت ... أنا ذهبت وأكلت ... إلخ ) لنفهم بأن تنقله هذا لم يكن مرجعه من خصوصيات وطبائع عالم الدنيا فما هو إلا سفرة قصيرة لعالم المثال والشفافية ولنعلم أن للإنسان حالة وجودية أخرى غير وجود هذا الجسد الهامد فكلما تجلى وارتفع عن عالم المادة فإنه وبنتيجة حتمية سيكون وجوده نورانياً لطيفا ً.
حقيقة الزهراء النورانية :
ومن هنا نرى أن لوجود الزهراء (ع) النوراني في ذاك العالم نوراً قد عم الأرجاء بفيض عطاياها لينبثق نور السماوات والأرضيين بنورها الأقدس وما ذاك إلا لأن ذاتها الطاهرة ما هي إلا امتداد لوجود النبي الأعظم (ص) إذ قال : ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) ومن هنا نستلهم معان عدة من معين قوله (ص) في حق ابنته فاطمة (ع) : ( فاطمة بضعة مني وروحي التي بين جنبي ) إذ أنها منه نوره من قبل عالم التكوين والإيجاد , وكما أن نور الأمير (ع) ووجوده الخلقي والخُلقي تبعاً ما هو إلا امتداداً لنور الرسالة المحمدية الأصيلة لتتضح لنا وبصورة جلية تفسير عجز هذه الآية المباركة من كتاب المولى العزيز حينما قال : { وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (61) سورة آل عمران ولذا : ( لم يكن لفاطمة كفؤاً ) لولا ما اقترنت بعلي (ع) إذ أنهم جميعاً من نور واحد وامتداداً للطهر والنقاء الخالص , فالزهراء (ع) وبتكوينها الأزلي كانت ولا زالت نوراً مشعاً يخرق حجب الوجود جميعها لترتفع عندها سحب الغرابة والدهشة في الفطرة السوية .
كيفية حضور الزهراء (ع) في مجالس العزاء :
تطرح مسألة حضور الزهراء (ع) لمآتم ابنها الشهيد على المنابر وعلى ألسنة جمع معتد به من العلماء , ليقف الفكر حائرا ً طارحا ً بعض الأسئلة في مثل هذا المجال مقترنة عن كيفية حضور الزهراء (ع) لمآتم الإمام المتفرقة في آن واحد ؟!! , وعن كيفية حضورها بعد انقضاء شطر طويل من القرون السالفة ؟؟!! ,
وكما يتساءل البعض من المخالفين عن كيفية حضور الآل الأطهار والزهراء بصورة خاصة وهم أموات قد واراهم غطاء التراب ؟؟ !! .
لنقول حينها في الجواب من أن الزهراء (ع) تحضر جميع مآتم ابنها الشهيد (ع) لا بالوجود الجسماني بل بالوجود الروحاني الشفاف لتغمر جل تلك المجالس المباركة بوجودها الأعظم (ع) كما هي حال الشمس حينما تشرق فإن دفئها وضوئها يحوي أرجاء البسيطة خارقة بهذا سنن الطبيعة المادية البحتة لينال الحسينيون شرف شفاعتها الأوفى يوم الذلة والفاقة .
وقفة تأمل ....!!!
وبتجديد الإدراك والشعور مجدداً لبعض حقائق النشأة والتكوين , يقف الجواب حائرا ً عن سبب تخلف بعض المنتسبين لمدرسة الآل الكرام (ع) الخلقية عن جل من الأخلاق الفاضلة ومحاسنها على الرغم من كونهم من نفس الطينة ومواد التكوين , وإعمال المخالفين لهم قول الأطهار (ع) مطابقة لجوارح الأفعال وهم على تكوين مغاير لفاضل الطينة وموارد الخلقة .
سوى أن من المعلوم أن لهذا الكون المترامي الأطراف أساساً وجوهر يتمثل بوجود معادن الحلم وعيبة باب العلم (ع) وإن لنرى صداه جلياً في قوله تعالى : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الفتح فالمعرفة هنا هي المعرفة الفطرية المغروسة في أعماق إيمان الموالين مرتسمة بـ ( حب علي ) وهذا الحب يعبر عنه بحب الانتماء للجماعة وللأساس الأصيل إذ أن القلوب تهفو وتحن لأسها وأساسها وكما قد ورد في الخبر عنهم (ع) : ( شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا ) فالطينة السهلة الطيبة هي أجدر وأحق لأن تخرج نباتاً طيباً بإذن الله وأما الطينة النكدة السبخة فهي ومن باب البداهة والفاطنة لا تخرج إلا النبات النكد الغث , لقوله تعالى : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} (58) سورة الأعراف وأما ما يتصف به بعض الموالين من صفات ذميمة تتمثل بـ ( سوء الخلق ) وما يتصف به بعض المبغضين بأحسنها فقد ورد عن ابن كيسان خبراً فيه للقارئ الكريم مفادة قالعة للتساؤل والحيرة ( قال : قلت له ( يعني أبي عبد الله (ع) ) : جعلت فداك أنا مولاك عبد الله بن كيسان , قال : أما النسب فأعرفه , وأما أنت فلست أعرفك , قال : قلت له : إني ولدت بالجبل , ونشأت في أرض فارس , وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك , فأخالط الرجل , فأرى له حسن السمت وحسن الخلق وكثرة أمانة , ثم أفتشه فأتبينه عن عداوتكم وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلة أمانة وزعارة , ثم أفتشه فأتبينه عن ولايتكم , فكيف يكون ذلك ؟ فقال لي : أما علمت يا ابن كيسان , أن الله عز وجل : أخذ طينة من الجنة وطينة من النار , فخلطهما جميعاً , ثم نزع هذه من هذه , وهذه من هذه , فما رأيت من أولئك من الأمانة وحسن الخلق وحسن السمت فمما مستهم من طينة الجنة , وهم يعودون إلى ما خلقوا منه , وما رأيت من هؤلاء من قلة الأمانة وسوء الخلق والزعارة , فمما مستهم من طينة النار وهم يعودون إلى ما خلقوا منه ) ومن هنا وكنتيجة حتمية جامعة للقول الآنف الذكر أن القريب من ذلك المعدن هو موال بالأصالة وأما الذي يعد بعيداً نسبياً عن تلكم القيم والمبادئ السامية ما هو إلا ناهج منهج المبغضين من أعدائهم (ع) وذاك كما قيل من : ( أن المماثل قريب المماثِل ) ومن الجدير بالذكر أن نفهم مقدار تجلي الزهراء (ع) في عالم الأرواح والملكوت لينهج شيعتها ومحبيها منهجها العذب ولتسير في دربها ناهجة الخط الأصوب الذي رسمه الباري جلا وعلا وذاك يظهر جلياً من حركة النبي الأعظم (ص) التي قام بها إذ أن رسول الله (ص) عندما أراد أن يقصد نطفة فاطمة صلوات الله عليها اعتزل السيدة خديجة الكبرى أربعين يوماً , صائما ً نهارها , وقائما ً ليلها كل ذلك لم يكن من باب الاشتباه في مأكله (ص) ولم تكن حركته ذي مبالغة في الطهارة فحسب بل كان ذلك من أجل أن تتجلى السيدة الطاهرة (ع) في الوجود الدنيوي بواسطة النبي على جسده الطاهر (ص) بأفضل معنى ووجه ممكن للتجلي وليزهو نور الزهراء الزاهر ساطعاً في عالم الإمكان وما وراءه , وهنا يطرح سؤالاً مهماً كثير الترداد على الأذهان من قبل الألسن من يا ترى لما لم ينزل جبرائيل إلى مقام النبي الأعظم (ص) ويناوله الثمرة التي بها تعقد نطفة فاطمة ؟ لم اقتضت المشيئة والإرادة الإلهية أن يخرق النبي حجب السماوات ليتناول بنفسه تلك الثمرة الطيبة ؟
الجواب : أن النبي الأعظم (ص) كان قاصداً بحركته هذه أن يعلن للعالم أجمع من أن السيدة الزهراء (ع) لا بد أن يتكون وجودها في عالم الكمال وطهر القداسة خلف هذا العالم وأن تكوينها منزهه كل التنزيه عن المكونات الدنيوية الصرفة بل أن وجودها الطاهر لا بد أن يقترن بعالم نقي طاهر فيه تسمو الأرواح الشفافة النقية من كل دنس وشائبة ليصل أخيراً بجسده الطاهر إلى : { قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (9) سورة النجم وما هذا إلا وسام صبره وامتثاله لطاعة المولى عز وجل وهذه سنة جارية في تأريخ الأنبياء الكرام (ع) كما ينقل لنا هذه الحقيقة القرآن الكريم كما يقول تعالى : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة وهكذا هي الحال جارية في نبينا (ص) إذ قال له عز من قائل حينما وجد فيه الصبر والانصياع لأوامره : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (5) سورة الضحى إلى أن تحقق مصداق الوعد الإلهي بـ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) سورة الكوثرفالنبي المعظم (ص) حينما أرتقى الأسباب ليصل إلى رضا مسببها وهبه الإله الكريم فاطمة الزهراء (ع) جائزة لطاعته وانقياده واستتبع المولى الآية الكريمة بـ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) سورة الكوثر إذ أن العقل وببداهته الفطرية يقر ويذعن بلزوم شكر المنعم على نعمه وقد حدد جلا وعلا الطريقة المثلى لنبيه لتحقيق شكره بالصلاة تارة وبالنحر تارة أخرى وقد تكرر ذكر النحر في القرآن الكريم كمصداق جلي لشكره تعالى كما قد حصل هذا في قصة لنبي الله إبراهيم (ع) حينما أمره الله عز وجل بأن ينحر ابنه إسماعيل (ع) ابتلاءا وشكرا , فهبط النبي الأعظم (ص) بنور الإله الأعلى متجلياً في صلبه المادي بعدما عرج إلى أعلى مراتب القرب والكمال فغدت فاطمة الزهراء (ع) مصداقاً واضحاً للكمال من قبل ولادتها وذاك بعدما أن نقرن أعجوبة عيسى المسيح (ع) من تكلمه في المهد صبيا كدليل قطعي على إعجاز نبوته سوى أن سيدة النساء (ع) قد تعدت هذه الجوانب لتحطم تلكم الحواجز مخترقة بهذا سنن الطبيعة بجلها فقد وردت الأخبار المتضافرة من حديثها (ع) وهي في بطن أمها وخطابها لها فحين وضعت خديجة الزهراء (ع) زهى لملائكة السماء نورها من قبل أن يزهو لأهل الأرض وفاحت رائحة العطر الذاكي بنسيم المحبة والولاء وما هذا المقام السامي إلا أدنى مرتبة وجودية في عالم الدنيا فقد ورد الخبر في إحدى الروايات نقلاً عن الأئمة المعصومين (ع) : ( إن لنا مقامات لا يتحملها نبي , ولا ملك مقرب ) ولا اختلاف في البين من عدم تمكن عقولنا القاصرة العقيمة للوصول إلى معرفة كنه وحقيقة الزهراء والسلالة الطاهرة من ذريتها (ع) ولا سبيل للخوض في معمعة المعرفة إلا طريق الظاهر والدلالات المتجسدة في حياتهم الزاخرة وبالاعتراف بالعجز والقصور .
ثانياً ... مقام البنوة : من الأمور المتعارفة في فطرة الإنسان العليا التي تحكم بلزوم التجاء الصغير إلى حضن والديه الدافئة ما إذا لاقى الصعاب ليكسر صنم الخوف بزيادة الرجاء بمن يلوذ سوى إن السيدة الطاهرة (ع) كانت وبالرغم من حداثة سنها هي التي تحمي والدها من الأذى وتزيل عنه القاذورات والدرن حينما يتعدى مشركو قريش عليه بإلقاء الأوساخ وما سواها فكانت صلوات الله عليها تحنو على رسول الله كما تحنو الأم على طفلها الصغير حتى لقبها النبي الأعظم (ص) بـ : ( أم أبيها ) وقد بين بعض العلماء الأجلاء قولهم في مثل هذا الموضوع وهذا الأمر إذ قالوا : ( حينما نزلت آية تتويج المولى عز وجل لنساء النبي بكونهن أمهات للمؤمنين جميعاً تشريفاً لهن وتعظيما غدت فاطمة (ع) أما ًلأبيها لتبيان ماهية فضلها وشرفها فأشار (ص) قائلاً : ( فاطمة أم أبيها ) ومن هنا يعلم أن النبي المعظم (ص) ما كان ليجعل لنسائه مكرمة هي أعلى من مكرمة ابنته الصديقة (ع) ولو من باب التسمية إذ حباها بكونها أماً لأشرف الموجودات على وجه البسيطة بل الكون أجمع ) .
ثالثاً ... المقام القيادي : أن للسيدة الجليلة (ع) مقامات عليا تشير بطون التأريخ إليها حاكية سيرتها العطرة (ع) ولاسيما في مجال الإسهاب في المجال القيادي فالزهراء (ع) هي التي من حفظت نور الرسالة من أن يخفت ضياؤه بحفظها لأمير المؤمنين (ع) حينما هجموا عليه الأعداء في داره فلم تنزوي من نصرته والدفاع عن خليفة الله وحجته فبذلت نفسها النفسية رخصية أبان الدفاع عن إمام زمانها وبهذه الحركة حفظت الزهراء (ع) خط التشيع وقضت على الفكر المتشرذم بعقلها النير في مثل هذا المجال ونجد أن في إخفاء قبرها المبارك أثره الجلي من نصرة الحق ليبحث المتدبر عن أسباب هذا الأمر ليجد أن ابنة الرسالة قد فارقت الحياة وهي غاضبة على المعتدين لتعلن بصوتها الصداح في أعماق كل إنسان منصف من أن علي هو الخليفة المفترض الطاعة من بعد رسول الله (ص) من قبل الله عز وجل فهو الذي : ( يرضا لرضاها ويغضب لغضبها ) فقد بذلت (ع) نفسها الطاهرة وجنينها وإضلاعها حجة دامغة على صحة مذهب الإمامية لئلا تحرج الأمة من بعدها .
سلام الله عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية
http://www.attwfiq.org/modules.php?n...article&sid=41
الخضوع للزهراء يوم المحشر :
حينما نطالع الروايات نستلهم منها دروساً عدة نجمعها في حادثة جامعة من سيرة مسيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) ففي يوم المحشر موقف لها نستكشف من خلاله مدى عظمتها ومقامها عند الله عز وجل .
فقد وردت الأخبار المتضافرة والروايات المتواترة عن حال ذلك اليوم من تطأطأ الرؤوس والأعناق خضوعاً وخنوعاً لسيدة النساء (ع) ومن هنا كان جديراً بالذكر لأن نشير إلى نوعين من الخضوع والطأطأة لذاك الركب المقدس :
1_ فهو إما طاطأة إجلال وهذا يكون لذوي الطاعة لها والمعرفة بها (ع) وقد تكون هذه الحال شاملة للموالين لها بالكلية .
2_ وإما طأطأة إذلال وهذه دائما ما نراها تقترن بصفات مبغضيها ومعاديها .
فتمر (ع) على المحبين لتلتقطهم كما يلتقط الطير الحب الجيد من الرديء لتسير بهم في كوكب نوراني إلى جنان الخلد نعيماً غير مجذوذ لتهتف الملائكة مستبشرين : {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ} (46) سورة الحجر .
بيد أن من المهم جداً التطرق لسيرة الزهراء (ع) لقصد توضيح ملامح شخصيتها ولتبيان مقاماتها ولتحديد مواضع كنهها على وجه جدير بالكشف عن بعض مقاماتها العظيمة عند المولى عز وجل وذاك حينما نرجع القهقرى إلى بطون التأريخ لنتساءل عن هدف عروج رسول الله (ص) إلى السماء ... أيكمن سر ذلك في الأعجاز , أم لانصياعه لأمر الإله لتلقي الأحكام !!؟ أم ما هو الداعي يا ترى ؟ !!
الجواب ... نرى أن الهدف الأوضح من عروج النبي الأكرم (ص) إلى السماء ووصوله إلى مقام { قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (9) سورة النجم من الإله الأعلى ما هو إلا بقصد أن يكون نطفة مباركة من رياض الجنان متمثلة بثمرة طيبة يأكلها النبي الأقدس (ص) لتتكون عندها فاطمة الزهراء (ع) لنرى المصداق واضحاً متشخصاً لمعنى صفتها بـ ( الحوراء الإنسية ) .
غير إننا سنتناول سيرتها من جهات ثلاث مهمة لتتضح المعالم جلية بينة من شخصيتها المباركة ومن حياتها الزاخرة .
مقامات السيدة الزهراء (ع) :
أولاً ... المقام النوراني : فقد ورد في ضمن زيارة لها (ع) هكذا : ( السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الله قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة ) فعند الوقوف على معان هذه الزيارة نجد مدى صبر الصديقة الزهراء (ع) للأذى وتحملها للصعاب في زمن بعيد الأزل إذ أن الزائر المتمعن في كلامات الزيارة هذه تتضح لديه الرؤية جلية من وجود عالم آخر وراء عالم الإمكان هذا
وهو عالم الأرواح الذي خلق الله نور نبيه الأعظم (ص) فيه قبل آدم الذي وجدت فيه السيدة الطاهرة (ع) لتمتحن وذاك العالم هو الذي نطق فيه من نطق بولاية الأمير والأئمة من بنيه من بعده (ع) وكانوا على ذلك من الشاهدين فقد ورد على لسانهم (ع) : ( كنا أنواراً حول عرشه محدقين إن سبحنا سبحت الملائكة وإن كبرنا كبرت الملائكة وإن استغفرنا استغفرت الملائكة وأن تلكم الأسماء التي أعطيت لآدم فتاب الله عليه هي أسمائنا) .
ومن هنا يقر العقل معترفاً بوجود عالم آخر وراء هذا الوجود وأنواراً متمثلة قبل نشأة الأبدان كما صرح الفلاسفة إلى مثل هذا قائلين : ( إن أدنى مراتب الوجود هو الوجود الدنيوي مروراً إلى مرتبة أعلى وهو الوجود المثالي وهكذا إلى الوجود البرزخي إلى أن نصل لدرجة أكمل وأتم ليتجرد فيها الوجود اللطيف ليشابه وجودنا هذا لكنما بشكل أكثر رقة وشفافية لتخترق حجب المادة والحواجز الدنيوية).
المثال على تجرد الروح :
وسنورد في هذا المجال مثالاً يكون قالعاً لكل شك ومزيحاً لكل إبهام وغموض ففي عالم الأحلام والرؤى نرى أن النائم يتنقل من مكان إلى آخر ما بين شرق الأرض وأقصى غربها يأكل فيه ويتزوج ووو ... بينما نحن نراه جثة مسجاة على الفراش فإذا استيقظ أخذ يشرع بالحديث قائلاً : ( أنا رأيت ... أنا ذهبت وأكلت ... إلخ ) لنفهم بأن تنقله هذا لم يكن مرجعه من خصوصيات وطبائع عالم الدنيا فما هو إلا سفرة قصيرة لعالم المثال والشفافية ولنعلم أن للإنسان حالة وجودية أخرى غير وجود هذا الجسد الهامد فكلما تجلى وارتفع عن عالم المادة فإنه وبنتيجة حتمية سيكون وجوده نورانياً لطيفا ً.
حقيقة الزهراء النورانية :
ومن هنا نرى أن لوجود الزهراء (ع) النوراني في ذاك العالم نوراً قد عم الأرجاء بفيض عطاياها لينبثق نور السماوات والأرضيين بنورها الأقدس وما ذاك إلا لأن ذاتها الطاهرة ما هي إلا امتداد لوجود النبي الأعظم (ص) إذ قال : ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) ومن هنا نستلهم معان عدة من معين قوله (ص) في حق ابنته فاطمة (ع) : ( فاطمة بضعة مني وروحي التي بين جنبي ) إذ أنها منه نوره من قبل عالم التكوين والإيجاد , وكما أن نور الأمير (ع) ووجوده الخلقي والخُلقي تبعاً ما هو إلا امتداداً لنور الرسالة المحمدية الأصيلة لتتضح لنا وبصورة جلية تفسير عجز هذه الآية المباركة من كتاب المولى العزيز حينما قال : { وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (61) سورة آل عمران ولذا : ( لم يكن لفاطمة كفؤاً ) لولا ما اقترنت بعلي (ع) إذ أنهم جميعاً من نور واحد وامتداداً للطهر والنقاء الخالص , فالزهراء (ع) وبتكوينها الأزلي كانت ولا زالت نوراً مشعاً يخرق حجب الوجود جميعها لترتفع عندها سحب الغرابة والدهشة في الفطرة السوية .
كيفية حضور الزهراء (ع) في مجالس العزاء :
تطرح مسألة حضور الزهراء (ع) لمآتم ابنها الشهيد على المنابر وعلى ألسنة جمع معتد به من العلماء , ليقف الفكر حائرا ً طارحا ً بعض الأسئلة في مثل هذا المجال مقترنة عن كيفية حضور الزهراء (ع) لمآتم الإمام المتفرقة في آن واحد ؟!! , وعن كيفية حضورها بعد انقضاء شطر طويل من القرون السالفة ؟؟!! ,
وكما يتساءل البعض من المخالفين عن كيفية حضور الآل الأطهار والزهراء بصورة خاصة وهم أموات قد واراهم غطاء التراب ؟؟ !! .
لنقول حينها في الجواب من أن الزهراء (ع) تحضر جميع مآتم ابنها الشهيد (ع) لا بالوجود الجسماني بل بالوجود الروحاني الشفاف لتغمر جل تلك المجالس المباركة بوجودها الأعظم (ع) كما هي حال الشمس حينما تشرق فإن دفئها وضوئها يحوي أرجاء البسيطة خارقة بهذا سنن الطبيعة المادية البحتة لينال الحسينيون شرف شفاعتها الأوفى يوم الذلة والفاقة .
وقفة تأمل ....!!!
وبتجديد الإدراك والشعور مجدداً لبعض حقائق النشأة والتكوين , يقف الجواب حائرا ً عن سبب تخلف بعض المنتسبين لمدرسة الآل الكرام (ع) الخلقية عن جل من الأخلاق الفاضلة ومحاسنها على الرغم من كونهم من نفس الطينة ومواد التكوين , وإعمال المخالفين لهم قول الأطهار (ع) مطابقة لجوارح الأفعال وهم على تكوين مغاير لفاضل الطينة وموارد الخلقة .
سوى أن من المعلوم أن لهذا الكون المترامي الأطراف أساساً وجوهر يتمثل بوجود معادن الحلم وعيبة باب العلم (ع) وإن لنرى صداه جلياً في قوله تعالى : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الفتح فالمعرفة هنا هي المعرفة الفطرية المغروسة في أعماق إيمان الموالين مرتسمة بـ ( حب علي ) وهذا الحب يعبر عنه بحب الانتماء للجماعة وللأساس الأصيل إذ أن القلوب تهفو وتحن لأسها وأساسها وكما قد ورد في الخبر عنهم (ع) : ( شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا ) فالطينة السهلة الطيبة هي أجدر وأحق لأن تخرج نباتاً طيباً بإذن الله وأما الطينة النكدة السبخة فهي ومن باب البداهة والفاطنة لا تخرج إلا النبات النكد الغث , لقوله تعالى : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} (58) سورة الأعراف وأما ما يتصف به بعض الموالين من صفات ذميمة تتمثل بـ ( سوء الخلق ) وما يتصف به بعض المبغضين بأحسنها فقد ورد عن ابن كيسان خبراً فيه للقارئ الكريم مفادة قالعة للتساؤل والحيرة ( قال : قلت له ( يعني أبي عبد الله (ع) ) : جعلت فداك أنا مولاك عبد الله بن كيسان , قال : أما النسب فأعرفه , وأما أنت فلست أعرفك , قال : قلت له : إني ولدت بالجبل , ونشأت في أرض فارس , وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك , فأخالط الرجل , فأرى له حسن السمت وحسن الخلق وكثرة أمانة , ثم أفتشه فأتبينه عن عداوتكم وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلة أمانة وزعارة , ثم أفتشه فأتبينه عن ولايتكم , فكيف يكون ذلك ؟ فقال لي : أما علمت يا ابن كيسان , أن الله عز وجل : أخذ طينة من الجنة وطينة من النار , فخلطهما جميعاً , ثم نزع هذه من هذه , وهذه من هذه , فما رأيت من أولئك من الأمانة وحسن الخلق وحسن السمت فمما مستهم من طينة الجنة , وهم يعودون إلى ما خلقوا منه , وما رأيت من هؤلاء من قلة الأمانة وسوء الخلق والزعارة , فمما مستهم من طينة النار وهم يعودون إلى ما خلقوا منه ) ومن هنا وكنتيجة حتمية جامعة للقول الآنف الذكر أن القريب من ذلك المعدن هو موال بالأصالة وأما الذي يعد بعيداً نسبياً عن تلكم القيم والمبادئ السامية ما هو إلا ناهج منهج المبغضين من أعدائهم (ع) وذاك كما قيل من : ( أن المماثل قريب المماثِل ) ومن الجدير بالذكر أن نفهم مقدار تجلي الزهراء (ع) في عالم الأرواح والملكوت لينهج شيعتها ومحبيها منهجها العذب ولتسير في دربها ناهجة الخط الأصوب الذي رسمه الباري جلا وعلا وذاك يظهر جلياً من حركة النبي الأعظم (ص) التي قام بها إذ أن رسول الله (ص) عندما أراد أن يقصد نطفة فاطمة صلوات الله عليها اعتزل السيدة خديجة الكبرى أربعين يوماً , صائما ً نهارها , وقائما ً ليلها كل ذلك لم يكن من باب الاشتباه في مأكله (ص) ولم تكن حركته ذي مبالغة في الطهارة فحسب بل كان ذلك من أجل أن تتجلى السيدة الطاهرة (ع) في الوجود الدنيوي بواسطة النبي على جسده الطاهر (ص) بأفضل معنى ووجه ممكن للتجلي وليزهو نور الزهراء الزاهر ساطعاً في عالم الإمكان وما وراءه , وهنا يطرح سؤالاً مهماً كثير الترداد على الأذهان من قبل الألسن من يا ترى لما لم ينزل جبرائيل إلى مقام النبي الأعظم (ص) ويناوله الثمرة التي بها تعقد نطفة فاطمة ؟ لم اقتضت المشيئة والإرادة الإلهية أن يخرق النبي حجب السماوات ليتناول بنفسه تلك الثمرة الطيبة ؟
الجواب : أن النبي الأعظم (ص) كان قاصداً بحركته هذه أن يعلن للعالم أجمع من أن السيدة الزهراء (ع) لا بد أن يتكون وجودها في عالم الكمال وطهر القداسة خلف هذا العالم وأن تكوينها منزهه كل التنزيه عن المكونات الدنيوية الصرفة بل أن وجودها الطاهر لا بد أن يقترن بعالم نقي طاهر فيه تسمو الأرواح الشفافة النقية من كل دنس وشائبة ليصل أخيراً بجسده الطاهر إلى : { قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (9) سورة النجم وما هذا إلا وسام صبره وامتثاله لطاعة المولى عز وجل وهذه سنة جارية في تأريخ الأنبياء الكرام (ع) كما ينقل لنا هذه الحقيقة القرآن الكريم كما يقول تعالى : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة وهكذا هي الحال جارية في نبينا (ص) إذ قال له عز من قائل حينما وجد فيه الصبر والانصياع لأوامره : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (5) سورة الضحى إلى أن تحقق مصداق الوعد الإلهي بـ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) سورة الكوثرفالنبي المعظم (ص) حينما أرتقى الأسباب ليصل إلى رضا مسببها وهبه الإله الكريم فاطمة الزهراء (ع) جائزة لطاعته وانقياده واستتبع المولى الآية الكريمة بـ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) سورة الكوثر إذ أن العقل وببداهته الفطرية يقر ويذعن بلزوم شكر المنعم على نعمه وقد حدد جلا وعلا الطريقة المثلى لنبيه لتحقيق شكره بالصلاة تارة وبالنحر تارة أخرى وقد تكرر ذكر النحر في القرآن الكريم كمصداق جلي لشكره تعالى كما قد حصل هذا في قصة لنبي الله إبراهيم (ع) حينما أمره الله عز وجل بأن ينحر ابنه إسماعيل (ع) ابتلاءا وشكرا , فهبط النبي الأعظم (ص) بنور الإله الأعلى متجلياً في صلبه المادي بعدما عرج إلى أعلى مراتب القرب والكمال فغدت فاطمة الزهراء (ع) مصداقاً واضحاً للكمال من قبل ولادتها وذاك بعدما أن نقرن أعجوبة عيسى المسيح (ع) من تكلمه في المهد صبيا كدليل قطعي على إعجاز نبوته سوى أن سيدة النساء (ع) قد تعدت هذه الجوانب لتحطم تلكم الحواجز مخترقة بهذا سنن الطبيعة بجلها فقد وردت الأخبار المتضافرة من حديثها (ع) وهي في بطن أمها وخطابها لها فحين وضعت خديجة الزهراء (ع) زهى لملائكة السماء نورها من قبل أن يزهو لأهل الأرض وفاحت رائحة العطر الذاكي بنسيم المحبة والولاء وما هذا المقام السامي إلا أدنى مرتبة وجودية في عالم الدنيا فقد ورد الخبر في إحدى الروايات نقلاً عن الأئمة المعصومين (ع) : ( إن لنا مقامات لا يتحملها نبي , ولا ملك مقرب ) ولا اختلاف في البين من عدم تمكن عقولنا القاصرة العقيمة للوصول إلى معرفة كنه وحقيقة الزهراء والسلالة الطاهرة من ذريتها (ع) ولا سبيل للخوض في معمعة المعرفة إلا طريق الظاهر والدلالات المتجسدة في حياتهم الزاخرة وبالاعتراف بالعجز والقصور .
ثانياً ... مقام البنوة : من الأمور المتعارفة في فطرة الإنسان العليا التي تحكم بلزوم التجاء الصغير إلى حضن والديه الدافئة ما إذا لاقى الصعاب ليكسر صنم الخوف بزيادة الرجاء بمن يلوذ سوى إن السيدة الطاهرة (ع) كانت وبالرغم من حداثة سنها هي التي تحمي والدها من الأذى وتزيل عنه القاذورات والدرن حينما يتعدى مشركو قريش عليه بإلقاء الأوساخ وما سواها فكانت صلوات الله عليها تحنو على رسول الله كما تحنو الأم على طفلها الصغير حتى لقبها النبي الأعظم (ص) بـ : ( أم أبيها ) وقد بين بعض العلماء الأجلاء قولهم في مثل هذا الموضوع وهذا الأمر إذ قالوا : ( حينما نزلت آية تتويج المولى عز وجل لنساء النبي بكونهن أمهات للمؤمنين جميعاً تشريفاً لهن وتعظيما غدت فاطمة (ع) أما ًلأبيها لتبيان ماهية فضلها وشرفها فأشار (ص) قائلاً : ( فاطمة أم أبيها ) ومن هنا يعلم أن النبي المعظم (ص) ما كان ليجعل لنسائه مكرمة هي أعلى من مكرمة ابنته الصديقة (ع) ولو من باب التسمية إذ حباها بكونها أماً لأشرف الموجودات على وجه البسيطة بل الكون أجمع ) .
ثالثاً ... المقام القيادي : أن للسيدة الجليلة (ع) مقامات عليا تشير بطون التأريخ إليها حاكية سيرتها العطرة (ع) ولاسيما في مجال الإسهاب في المجال القيادي فالزهراء (ع) هي التي من حفظت نور الرسالة من أن يخفت ضياؤه بحفظها لأمير المؤمنين (ع) حينما هجموا عليه الأعداء في داره فلم تنزوي من نصرته والدفاع عن خليفة الله وحجته فبذلت نفسها النفسية رخصية أبان الدفاع عن إمام زمانها وبهذه الحركة حفظت الزهراء (ع) خط التشيع وقضت على الفكر المتشرذم بعقلها النير في مثل هذا المجال ونجد أن في إخفاء قبرها المبارك أثره الجلي من نصرة الحق ليبحث المتدبر عن أسباب هذا الأمر ليجد أن ابنة الرسالة قد فارقت الحياة وهي غاضبة على المعتدين لتعلن بصوتها الصداح في أعماق كل إنسان منصف من أن علي هو الخليفة المفترض الطاعة من بعد رسول الله (ص) من قبل الله عز وجل فهو الذي : ( يرضا لرضاها ويغضب لغضبها ) فقد بذلت (ع) نفسها الطاهرة وجنينها وإضلاعها حجة دامغة على صحة مذهب الإمامية لئلا تحرج الأمة من بعدها .
سلام الله عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية
http://www.attwfiq.org/modules.php?n...article&sid=41
تعليق