صِفـــاد
"قصة قصيرة"
في سيارته الدافئة ..يداعب الطريق الشجي برقة ..يزدرد الرجوات..
تحتضنه هواجس اليوم والأمس..يظهر النور من بين ركام الجرح المتغضن..ثم تمتد براثن العتمة لتطوق رقبته..وهاتف يرن لترفع البراثن الراية البيضاء..
يجيب:
-أهلا أنوار..
صوتها الحنون يشحذ النور همة ..
-هل وصلت عزيزي أم لا..
-ليس بعد..
- وهل ابتعت باقة الياسمين؟
-أجل..
تتنهد وتردف:
-لم يكن من اللائق أن أحضر معك..فليكن اللقاء مزملا بالخصوصية..
-....
-كل شيء معد..حساء الدجاج..والخبز المحمص..
- طيب..
-أراك سريعا..كن حذرا ..
-إلى اللقاء..
يقفل الهاتف..تسري قشعريرة باردة تغزو دفء سيارته..يتذكر حوارهما.."خصوصية" يبسم رغما عنه..
تقف السيارة..أمام المبنى المكتئب الذي التهمها بضخامته..يمتعض ..يركن سيارته بعصبية..
" بربك أنوار..إلى أي شيء تدفعيني..؟"
تطوف مقلتاه حول النوافذ المشرعة ..وترصد لداتها المصفدة..الستائر الغبناء تتأرجح مع الريح مولولة..بينما تعلن المغلقة حردا و إضرابا..
يسير بتؤدة..والوحشة تقضم قلبه..يدلف إلى المبنى..يتبادل بضع كلمات مع موظفة الاستقبال التي لم تجد عسرا في إرشاده ..فالنزيلة جديدة ..لم تكتنفها الدار إلا ليلتين..يشكرها ويسير في دهليز الترقب..
حينما رآها أخر مرة وبالتحديد قبل خمس سنوات..كانت لا تزال تحتضن القسوة في تريبتها..ترى كيف سيراها الآن ..أبتلك الأنفة ..؟!
وكيف ستلقاه.. أبصدها المعهود..وإنكارها الذي لطاما جلده ..وقذفه في خضمات الاغتراب الشاسعة..
أم تراه سيجد الانكسار قد زحف على أهدابها بعد أن تخلى عنها من قربتهم ولفظته..
لا..لن يروقه أن يراها ذليلة..بل لا يروقه أصلا أن يراها بعد ما كان..بيد أنه إلحاح أنوار ومحاصرتها..
يبتلعه المصعد الكهربائي مصفدا بأصفاد قديمة..قِدَم حياته برمتها..ضيق وحنق..وربما رغبة جامحة في التنصل..يترجل من المصعد
"الجناح الخامس غرفة 11"
"خصوصية يا أنوار..خصوصية"
على أعتاب بابها اليوم يزهد بتلك الخصوصية التي كانت شأو الأمل في ما مضى..بل يزدريها ..لمَ ترجوه أنوار أن يبعثها من لحدها لتنفض الأوجاع..وهو قد غسلها بدمع الوجل وحنطها بقيح الأنواء..الآن الآن !!
خصوصية توخاها توخي الماء في ليالي الصدى الوليدة..وهي ترشق أباه بسهام المقت والتحقير..وتمناها وهو يرقص ألما على أنغام أهازيج زفافها من التاجر الثري..وترجاها وهو يتنقل بين بيوت العمات والأعمام مسحوبا من جيده بأشواك لفظِها وحبال نبذ زوجة أبيه..
ثم بغضها وهو يركن إلى دفء خالته العائدة من غربتها ظافرة بوليدتها التي ورثت منها الصفاء والتسامي..لتشتر أشطان وحدته..وتشاطره الحياة..
نقر على الباب..فتحه..تلاقت العيون..كسيرة....وتلاقت الأكف.. وضمتهما السيارة الباردة..
"قصة قصيرة"
في سيارته الدافئة ..يداعب الطريق الشجي برقة ..يزدرد الرجوات..
تحتضنه هواجس اليوم والأمس..يظهر النور من بين ركام الجرح المتغضن..ثم تمتد براثن العتمة لتطوق رقبته..وهاتف يرن لترفع البراثن الراية البيضاء..
يجيب:
-أهلا أنوار..
صوتها الحنون يشحذ النور همة ..
-هل وصلت عزيزي أم لا..
-ليس بعد..
- وهل ابتعت باقة الياسمين؟
-أجل..
تتنهد وتردف:
-لم يكن من اللائق أن أحضر معك..فليكن اللقاء مزملا بالخصوصية..
-....
-كل شيء معد..حساء الدجاج..والخبز المحمص..
- طيب..
-أراك سريعا..كن حذرا ..
-إلى اللقاء..
يقفل الهاتف..تسري قشعريرة باردة تغزو دفء سيارته..يتذكر حوارهما.."خصوصية" يبسم رغما عنه..
تقف السيارة..أمام المبنى المكتئب الذي التهمها بضخامته..يمتعض ..يركن سيارته بعصبية..
" بربك أنوار..إلى أي شيء تدفعيني..؟"
تطوف مقلتاه حول النوافذ المشرعة ..وترصد لداتها المصفدة..الستائر الغبناء تتأرجح مع الريح مولولة..بينما تعلن المغلقة حردا و إضرابا..
يسير بتؤدة..والوحشة تقضم قلبه..يدلف إلى المبنى..يتبادل بضع كلمات مع موظفة الاستقبال التي لم تجد عسرا في إرشاده ..فالنزيلة جديدة ..لم تكتنفها الدار إلا ليلتين..يشكرها ويسير في دهليز الترقب..
حينما رآها أخر مرة وبالتحديد قبل خمس سنوات..كانت لا تزال تحتضن القسوة في تريبتها..ترى كيف سيراها الآن ..أبتلك الأنفة ..؟!
وكيف ستلقاه.. أبصدها المعهود..وإنكارها الذي لطاما جلده ..وقذفه في خضمات الاغتراب الشاسعة..
أم تراه سيجد الانكسار قد زحف على أهدابها بعد أن تخلى عنها من قربتهم ولفظته..
لا..لن يروقه أن يراها ذليلة..بل لا يروقه أصلا أن يراها بعد ما كان..بيد أنه إلحاح أنوار ومحاصرتها..
يبتلعه المصعد الكهربائي مصفدا بأصفاد قديمة..قِدَم حياته برمتها..ضيق وحنق..وربما رغبة جامحة في التنصل..يترجل من المصعد
"الجناح الخامس غرفة 11"
"خصوصية يا أنوار..خصوصية"
على أعتاب بابها اليوم يزهد بتلك الخصوصية التي كانت شأو الأمل في ما مضى..بل يزدريها ..لمَ ترجوه أنوار أن يبعثها من لحدها لتنفض الأوجاع..وهو قد غسلها بدمع الوجل وحنطها بقيح الأنواء..الآن الآن !!
خصوصية توخاها توخي الماء في ليالي الصدى الوليدة..وهي ترشق أباه بسهام المقت والتحقير..وتمناها وهو يرقص ألما على أنغام أهازيج زفافها من التاجر الثري..وترجاها وهو يتنقل بين بيوت العمات والأعمام مسحوبا من جيده بأشواك لفظِها وحبال نبذ زوجة أبيه..
ثم بغضها وهو يركن إلى دفء خالته العائدة من غربتها ظافرة بوليدتها التي ورثت منها الصفاء والتسامي..لتشتر أشطان وحدته..وتشاطره الحياة..
نقر على الباب..فتحه..تلاقت العيون..كسيرة....وتلاقت الأكف.. وضمتهما السيارة الباردة..
تعليق