المراهنات السياسية ، المراهنات العسكرية تسقط بشكل واضح أمام حقيقة النتائج ، وليس بوسع السياسي الحصيف أن يتغافل عن تأثير القاعدة الشعبية في حسم النزاعات السياسية أو العسكرية ، وليس بوسعه أن يتجاهل تأثير الرأي الآخر ، وخصوصاً حين يعبر الرأي الآخر عن اتجاه ( معارضاتي ) قد يربك خطوات برنامج الآخرين .
تصدر بين الفينة والفينة عبارات هابطة يطلقها ( مراهقو السياسة ) وأغبيائها ليعبروا عن أنفسهم ، دون أن يلتفتوا الى ما يقولون ولو بالحد الأدنى من الفهم والوعي ، ومن هذه العبارات ما يردده – بحقد – بعض المراهنين على احتراق ورقة ( مقتدى الصدر ) وتلاشي وجوده على الصعيدين المحلي والإقليمي ، ولسنا هنا لنناقش أفكار وتصريحات الحقد الذي يدفع بصاحبه الى أمراض تصيب القدرة على الرؤية الواضحة ، ولسنا بصدد أن نناقش هؤلاء دام إنهم لا يمتلكون القدرة على قراءة الواقع ، ولا يريدون أن يمتلكوا هذه القدرة .
المراهنون على ضعف القدرة ( التأثيرية ) لأبناء المنهج الصدري ، يصابون بين الحين والحين بانكسارات يحاولون أن يتناسوها ويخففوا من وطأتها خصوصاً في مجالسهم التي تجمع ( النخبة من الحاقدين ) والذين تتطابق وجهات نظرهم وتوجهاتهم ، فيبدأ بعضهم بدعم البعض ، ويبدأ أولهم بتأييد آخرهم على طاولة التنكيل بمقتدى الصدر وأتباعه ، بعيداً عن معطيات الشارع العراقي ، وبعيداً عن قراءة الخارطة السياسية ، وبمنأى عن الواقع المعاش .
هرب مقتدى الصدر ، حدث انشقاق في القيادات الصدرية ، فقد مقتدى الصدر سيطرته على جيش المهدي ، مقتدى يفقد فاعليته بين أتباعه ، الصدريون يبحثون عن قيادات بديلة ، وغيرها من العبارات النارية والتصريحات التي نسمعها هنا وهناك كأنها أضواء شجرة ( الكريسماس ) ، وبشكل غير متناغم مع حركة الواقع ، ولكن تبقى هذه التصريحات محض تهافت ، وتبقى محاطة بالتساؤلات ، والأهم من ذلك إنها تبقى رهن الإنطفاء السريع ، وخصوصاً حين يصدر من السيد القائد مقتدى الصدر بيان أو تصريح أو دعوة لتظاهرة ، فتلقف ما يؤفكون ، وكأنها عصا موسى ، تبتلع أفاعي السحرة .
الغريب إن قوات الإحتلال ، والمجتمع الدولي ، ومراكز البحوث والدراسات العالمية والستراتيجية ، تعترف علناً بأن مقتدى الصدر هو ( رجل العراق الأقوى ) وتعترف بأنه يمتلك الخيارات المفتوحة ، وبأنه وبأنه وبأنه ، بينما يحاول رجال ممن يدعون الوطنية والحرص على الوطن أن يتناسوا هذه الحقائق ، ويحاولون أن يطمسوا الكثير من المفردات التي من شأنها أن تفسر حقيقة حركة التأريخ ، ربما لكي يقنعوا أنفسهم بأن مقتدى الصدر لم يعد رقماً في المعادلة السياسية العراقية والإقليمية .
ولو إننا تتبعنا ما يصدر من بيانات للسيد مقتدى الصدر ، ولو إننا تجردنا عن ( مصالحنا ودوافعنا النفسية والشخصية ) وقمنا بتفكيك وإعادة قراءة ما يصدر عن هذا الشاب الذي أربك شيوخ السياسة ، لوجدناها تنم عن قدرة عالية على فهم الواقع والتعامل مع معطياته بشكل ملفت للنظر ، ولو تجردنا من اندفاعاتنا قليلاً وبدأنا بفرز الأوراق في عملية قراءة ما يصدر عن مقتدى الصدر من قرارات ، لوجدناها لا تخرج عن مصداقية الشعارات التي رفعها مقتدى الصدر وتنصل عنها من يسمون أنفسهم ( شيوخ السياسة ) .
قرار الإنسحاب من الحكومة ، الدعوة الى تظاهرة مليونية في النجف الأشرف ، ظاهرتان تكشفان عن وجود سر غامض لنوع من أنواع القوة لا يمتلكها الآخرون ، وتفضح عن شكل من أشكال التأثير في القاعدة الشعبية لا يتمتع بها الذين يتهمون مقتدى الصدر بالنزق والمراهقة السياسية ، ولو إن حزباً أو إئتلافاً معيناً أمر وزراءه بالإنسحاب من الحكومة لأنقلبت الطاولات في دهاليز الإجتماعات ، ولأشيعت الخلافات بشكل مخز ، ولكن هذا لم يحدث حين أمر مقتدى الصدر بانسحاب وزراءه من الحكومة ، ولو إن إحدى الأحزاب أمرت أتباعها بتظاهرة ، لقرأنا الإخفاقات الواضحة ، رغم الصرف المترف والرعاية في الدفوعات والإنماء ، ولكن التظاهرة التي دعى لها مقتدى الصدر لم تكن تظاهرة عادية ، بل كانت ( لطمة ) على خد المتخرصين والمتقولين ، رغم تكتم وسائل الإعلام ، ورغم قلة انبساط اليد على الصعيدين المادي والأمني .
ما لا يعرفه الساسة والمسؤولون ، ولا يريدون معرفته ، إن مقتدى الصدر يمتلك التأثير الروحي في أتباعه ، بينما يمتلك غيره القدرة على التأثير ضمن المجالات المادية ، فمقتدى الصدر لا يضمن لأتباعه بيتاً فارهاً ولا راتباً ضخماً ولا حياة رغيدة ، بل كل ما يمكن لمقتدى أن يضمنه لأتباعه هو ( الخوف ، المطاردة ، الإعتقال ، القتل ، التغييب ، المصادرة ، الإرهاق ) وغيرها من الضمانات التي لا تصب في بودقة تحقيق المنافع ، ورغم ذلك ، فأتباعه يتكاثرون ، وينتشرون ، ويعبرون الضفاف ، ويشكلون تجمعاتهم عبر الفضاءات في آسيا ، أفريقيا ، أوربا ، أستراليا ، وغيرها ، ذلك لأنهم يؤمنون بأن من واجبهم أن يهيئوا في كل مكان عاصمة لإمامهم وقائدهم الأوحد ( الحجة ابن الحسن ) عجل الله ظهوره المبارك .
أتباع مقتدى الصدر يسخرون من فكرة ( المعاوضة ) ويؤمنون بأن لله يوماً وأياماً سيفتضح فيها المتاجرون بدماء العراقيين ، وسينكشف فيها زيف المتنصلين عن الشعارات المرحلية ، ويعرفون بأن الحقيقة لا يمكن طمسها إلى الأبد ، وسيأتي اليوم الذي يستحي فيه تجار الوطن والوطنية ، لو كانوا يستحون .
تعليق