السجود علىالتربة الحسينية ودلالاتها
سماحة السيد عبدالله الغريفي
بسمالله الرحمن الرحيم
نحاول أن نحدد رؤيتنا حول السجود على التربة الحسينيةمن خلال النقاط التالية:
النقطة الأولى :
السجود على التربةالحسينية يمثل حالة من حالات السجود على الأرض، فإن كان إجماع المسلمين قائم علىصحة السجود على الأرض وترابها، فلا نجد أيّ مبرر لاستثناء هذه التربة، وما يطرح منتصورات لتبرير هذا الاستثناء لا يحمل صيغة علمية مقبولة.
النقطة الثانية :
الإشكالية التي تثار حول السجود على التربة الحسينية باعتباره لونا منألوان السجود لغير الله تعالى إشكالية واهية، لأنّ السجود له صيغتان :
1- السجود للشئ.
2- السجود على الشئ.
والفارق كبير بين الحالتين إذتمثل الحالة الأولى لونا من ألوان الشرك إذا كان المسجود له غير الله تعالى.
والشيعة حينما يضعون جباههم في الصلاة على هذه التربة لا يعبرون عن الحالةالأولى، وإنّما يعبرون عن الحالة الثانية وسجودهم خالص لله وحده لا شريك له.
وفتاوى فقهاء الشيعة صريحة في حرمة السجود لغير الله تعالى.
قالالسيد اليزدي في (العروة الوثقى) :
"يحرم السجود لغير الله تعالى فإنه غايةالخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء والعظمة"(العروة الوثقى ج1/534 مسألة24).
وقال السيد الخوئي في (منهاج الصالحين) :
"يحرم السجود لغير اللهتعالى من دون فرق بين المعصومين وغيرهم" (منهاج الصالحين ج1/179 مسألة659).
فالشيعة يجسّدون في حالات السجود قمة العبودية والخشوع والتذلل لله تعالى،تبرهن على ذلك تلك الألوان من الأدعية التي يرددونها في سجداتهم الذائبة مع اللهتعالى كما أدبهم أئمتهم الطاهرون من أهل البيت عليهم السلام.
فمن أدعيةالسجود وأذكاره التي تعلمها الشيعة من أئمة أهل البيت عليهم السلام :
1- "سبحان ربي الأعلى وبحمده".
2- "لا إله إلاّ الله حقا حقا، لا إله إلاّالله إيمانا وتصديقا، لا إله إلاّ الله عبودية ورقة، سجدت لك يارب تعبدا ورقة لامستنكفا ولا مستكبرا، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير".
3- "اللهم لك سجدت،وبك آمنت، ولك أسلمت وعليك توكلت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره،والحمدلله رب العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين".
النقطة الثالثة :
ربما يقال أنّ الشيعة يمارسون بعض حالات التقديس للتربة الحسينية كالتقبيلوالعناية والاحترام، وهذا يثير الشك والريبة في طبيعة هذا التعامل.
ونجيب :
أولا: هذه الحالات لا تمثل ممارسات غير مشروعة، وإلاّ فالمسلمون قاطبةيمارسون الاحترام والعناية والتقبيل للقرآن والكعبة والحجر الأسود، فهل يقال بأنهميعبدون القرآن والكعبة والحجر الأسود؟
ثانيا: الشيعة حينما يقبلون التربةإنّما يجسدون العشق والحب لسبط الرسول صلى الله عليه وآله الإمام الحسين عليهالسلام.
ثالثا: الشيعة يقتدون بسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله فهو أول منقبّل هذه التربة الطاهرة كما أكدت ذلك عدة من الأخبار:
1- روى الحاكمالنيسابوري في (المستدرك على الصحيحين ج4/398 ) عن أم سلمة رضي الله عنها أنّ رسولالله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائردون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها، فقلت ماهذه التربة يارسول الله؟
قال: أخبرني جبريل (ع) أنّ هذا يقتل بأرض العراقللحسين، فقلت لجبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها. .. .
(ثمقال الحاكم): "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (البخاري ومسلم) ولم يخرجاه".
2- وروى أحمد بن حنبل في (مسنده ج6/294) عن أم سلمة أو عائشة أنّ النبي (ص) قال: "لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها فقال لي أنّ ابنك هذا حسينا مقتول،وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء".
3- وروى الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد ج9/190) عن علي (ع) قال: دخلت على النبي (ص) ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان، قال: بل قام من عندي جبريل (ع) فحدثني أنّ الحسين يقتل بشط الفرات قال فقال: هل لك أنأشمك من تربته؟ قلت: نعم، قال فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيأن فاضتا.
(قال الحافظ الهيثمي): رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبرانيورجاله ثقات.
4- وروى الطبراني في (الكبير) عن أم سلمة قالت: اضطجع رسولالله (ص) ذات يوم فاستيقظ وهو حائر النفس وفي يده تربة حمراء يقبلها، فقالت: ما هذهالتربة يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبرئيل أنّ هذا يقتل بأرض العراق (للحسين) فقلتلجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها(الخوئي: البيان ص524).
5-وروى السيوطي في (الخصائص الكبرى) في باب أخبار النبي (ص) بقتل الحسين (ع) ما يناهز العشرين حديثا عن أكبر الثقات من رواة علماء السنة ومشاهيرهم كالحاكموالبيهقي وأبي نعيم وإضرابهم عن أم سلمة وأم الفضل وعائشة وابن عباس وأنس صاحب رسولالله (ص) وخادمه الخاص كلها تؤكد خبر التربة التي نزل بها جبرئيل على رسول الله (ص) (محمد الحسين كاشف الغطاء: الأرض والتربة الحسينية ص94).
النقطة الرابعة :
الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانوا يؤكدون مسألة السجود على التربةالحسينية:
1- كان الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أول منسجد على التربة الحسينية(روح التشيع ص455).
2- وكان للإمام الصادق عليهالسلام خريطة من ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله الحسين عليه السلام، فكان إذاحضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليها(روح التشيع ص455).
3- وروى الحرالعاملي في (الوسائل ج3/608) عن الديلمي قال: كان الصادق عليه السلام لا يسجد إلاّعلى تربة الحسين عليه السلام تذللا لله واستكانة اليه.
4- وعن أبي عبداللهالصادق عليه السلام قال: "السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينور الى الأرضينالسبعة ومن كانت معه سبحته من طين قبر الحسين عليه السلام كتب مسبحا وإن لميسبح"(وسائل الشيعة ج3/607،608).
5- وعنه عليه السلام قال: "إنّ السجود علىتربة أبي عبدالله عليه السلام يخرق الحجب السبع"(وسائل الشيعة ج3/607،608).
6- وكتب محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري إلى الإمام الثاني عشر عليهالسلام يسأله عن السجدة على لوح من طين قبر الحسين عليه السلام هل فيه الفضل؟فأجابه عليه السلام: يجوز ذلك وفيه الفضل(وسائل الشيعة ج3/607،608).
النقطةالخامسة :
الدلالات الكبيرة للسجود على التربة الحسينية :
(1) الدلالة العقائدية :
فعلى هذه التربة أريقت أزكى الدماء الطاهرة دفاعا عنالعقيدة والمبدأ والرسالة، فالسجود عليها يمثل حالة التعاطي والتفاعل مع العمقالعقائدي الذي تختزنه هذه التربة في داخلها، وتحتضنه بين ذراتها وتحمله مع أريجهاالعابق بالطهر والقداسة، فمن خلال هذا السجود يتجذر الانتماء الايماني وتتأصل حالةالخشوع والتذلل لله تعالى.
(2) الدلالة الروحية :
إنّ هذه التربةشهدت أقدس ثورة مناقبية، احتضنت قيم الرسالة وأخلاقية الإسلام وروحية المبدأ، وشهدتأنقى حالات الحب والانقطاع إلى الله تعالى وأصدق معاني الفناء في ذات الله، فالسجودعلى هذه التربة يجسد حالات الانفتاح على آفاق القيم والمثل التي صاغتها تلكالتضحيات الكبيرة في طريق الحب الإلهي العظيم. فالذرات التي ترقد بين حنايا تربةالحسين تمثل نبضا حيا تتحرك من خلاله كل المثل الرسالية، وتتماوج على أصدائه كلالمعاني الايمانية، وتنسكب مع عبقاته كل القيم الروحية.
فليس غريبا أن يجدالانسان المؤمن نشوة روحية تشده إلى أجواء الطهر والقداسة والايمان حينما يتعاطى معهذه التربة التي تحمل بين حناياها روح الحسين الشهيد .
ولا تنفتح هذهالآفاق الايمانية والروحية إلاّ لأولئك الذين عاشوا الانفتاح على حب الحسين عليهالسلام، وذابت أرواحهم ومشاعرهم في مأساة الحسين، وتأصلت في نفوسهم أهداف الحسين.
(3) الدلالة التاريخية :
التربة الحسينية هي الوثيقة التاريخيةالحية التي تحمل شواهد الجريمة التي نفذها نظام الحكم الأموي في يوم عاشوراء، وإذاكانت الأجهزة الظالمة عبر التاريخ قد مارست أساليب المصادرة لقضية كربلاء، فإنّالأئمة من أهل البيت عليهم السلام رسّخوا في وعي الأمة وفي وجدان الأجيال حالةالتعاطي والارتباط بقضية الحسين عليه السلام من خلال الإحياء والرثاء والبكاءوالزيارة. . وفي هذا المسار تأتي مسألة التأكيد على التربة الحسينية لإبقاء القضيةحية نابضة في ضمير الأمة، وتبقى الذكرى متجذرة في عمق المسيرة التاريخية لحركةالجماهير وفي حاضرها وفي كل طموحاتها المستقبلية.
(4) الدلالة الجهاديةوالثورية :
بمقدار ما تعيش قضية الحسين عليه السلام في وجدان الأمة تتحددقوة الدفع الجهادي والثوري في حركتها وفي مسيرتها، فقضية كربلاء أعادت للأمةأصالتها الجهادية وأيقظت في داخلها حسّها الثوري.
وقد حافظ الأئمة من أهلالبيت عليهم السلام على الوهج الجهادي والثوري لقضية الحسين عليه السلام، وصاغواحالة التفاعل الدائم مع الثورة الحسينية في منطلقاتها وأهدافها ومعطياتها.
والتربة الحسينية إحدى صيغ التجذير للوهج الثوري والجهادي في حس الجماهيرالمسلمة، فالتعامل مع هذه التربة ليس تعاملا مع كتلة ترابية جامدة، وإنّما هو تعاملمع مزيج متحرك من مفاهيم الثورة وقيم الجهاد، ومضامين الشهادة، فمع كل ذرة من ذراتهذه التربة صرخة جهادية ونداء ثوري، ومفهوم استشهادي، لا يقوى الزمن بكل امتداده،ولا تقوى الأجهزة المتسلطة بكل امكاناتها أن تجمد تلك الدلالات، فالتربة الحسينيةثورة وجهاد وحركة واستشهاد.
اللهم صل على محمد والمحمد
فضيلة التربة الحسينية :
1- " خلق الله هذه الأرض قبل أن يخلق الكعبة بأربعةوعشرين ألف عام وقدسها وبارك عليها".
2- " جعل الله هذه التربة مترعا من ترعالجنة".
3- " إن الحور العين تستهدي التربة من الملائكة النازلة إلى الأرضللتبرك بها".
4- " إن هذه التربة مقبوضة بيد كل ملك زار النبي ، وكل نبي".
خواص وفوائد التربة الحسينية :
1- إن التسبيح والاستغفار بحبات صنعت منالتربة الحسينية ، موجبة لتضاعف ثواب التسبيح سبعين ضعف.
2- إن إدارة السبحةمنها بلا تسبيح توجب ثواب التسبيح.
3- إن السجود على ترابها تخرق الحجب السبع (يعني القبول).
4- أكل طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء إلا الموت. (بمقدار الحمصة)
5- إن جعل طينه في المتاع للتجارة، موجب للبركة فيها.
6- انه أمان للأطفال ذا حنكوا بتربة القبر.
7- أمان إذا جعلت في القبر مع الميت.
8- تورث الأمن من كل خوف.
9- للأمن من السلطان.
10- للأمن في الأسفار ،من كل مخوف.
الآداب مع التربة الحسينية :
أ) للانتفاع بالتربة من جهةالشفاء، يعمل التالي ، وإلا لا ينتفع بها:
1- يأخذ مقدار الحمصة ويقبلها ويضعهاعلى عينيه ويمرها على جلده.
2- يقول : اللهم بحق هذه التربة وبحق من حل بهاوثوى فيها، وبحق جده وأبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده، وبحق الملائكة الحافين به،إلا جعلتها شفاء من كل داء، وبرءا من كل مرض، ونجاة من كل آفة ، وحرزا مما أخافأحذر.
3-ثم شدها في شيء نظيف ، وقل : اللهم أنى أسألك بحق هذه الطينة، وبحقالملك الذي قبضها له، وأسألك بحق النبي الذي خزنها، وأسألك بحق الوصي الذي حل فبها،أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعلها شفاء من كل داء وأمانا من كل خوف وحفظا منكل سوء.
4- اقرأ عليها سورة القدر، فإن الدعاء الذي تقدم هو الاستئذان عليها،وقراءة القدر هو حقها.
5- إذا أردت الأكل منها، فقل " اللهم رب هذه التربةالمباركة الطاهرة، ورب النور الذي انزل فيه، ورب الجسد الذي سكن فيه، ورب الملائكةالموكلين به، صلي على محمد وآل محمد، واجعل هذا الطين لي أمانا من كل خوف، وشفاء منكل داء، انك على كل شيء قدير".
6- ثم أجرع من الماء جرعة خلفه، وقل " بسم اللهوبالله ، اللهم اجعله رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء وسقم ، انك على كلشيء قدير. اللهم رب هذه التربة المباركة ورب الوصي الذي وارته، صلي على محمد وآلمحمد ، واجعل هذا الطين لي شفاء من كل داء ، وأمانا من كل خوف، وعزا من كل ذل،وعافية من كل سوء، وغنى من كل فقر".
ب) للأمن من السلطان وغيره، فلا تخرجمن منزلك إلا ومعك من طين قبر الحسين عليه السلام، وتقول : اللهم أنى أخذتها من قبروليك، وابن وليك، فاجعلها أمنا وحرزا لما أخاف ومما أخاف.
ج) ذكر الله تعالىبها : كالاستغفار والتسبيح خاصة التسبيحات الأربع، وتسبيحة الزهراء عليها السلامفإنها مضاعفة الثواب.
د) دعاء الاعتصام صباحا ومساء ثلاث مرات للأمن منالمخاوف. بأن تضع التربة على عينك، تاليا ذلك الدعاء.
هـ) احترامها وعدم كسرها
سماحة السيد عبدالله الغريفي
بسمالله الرحمن الرحيم
نحاول أن نحدد رؤيتنا حول السجود على التربة الحسينيةمن خلال النقاط التالية:
النقطة الأولى :
السجود على التربةالحسينية يمثل حالة من حالات السجود على الأرض، فإن كان إجماع المسلمين قائم علىصحة السجود على الأرض وترابها، فلا نجد أيّ مبرر لاستثناء هذه التربة، وما يطرح منتصورات لتبرير هذا الاستثناء لا يحمل صيغة علمية مقبولة.
النقطة الثانية :
الإشكالية التي تثار حول السجود على التربة الحسينية باعتباره لونا منألوان السجود لغير الله تعالى إشكالية واهية، لأنّ السجود له صيغتان :
1- السجود للشئ.
2- السجود على الشئ.
والفارق كبير بين الحالتين إذتمثل الحالة الأولى لونا من ألوان الشرك إذا كان المسجود له غير الله تعالى.
والشيعة حينما يضعون جباههم في الصلاة على هذه التربة لا يعبرون عن الحالةالأولى، وإنّما يعبرون عن الحالة الثانية وسجودهم خالص لله وحده لا شريك له.
وفتاوى فقهاء الشيعة صريحة في حرمة السجود لغير الله تعالى.
قالالسيد اليزدي في (العروة الوثقى) :
"يحرم السجود لغير الله تعالى فإنه غايةالخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء والعظمة"(العروة الوثقى ج1/534 مسألة24).
وقال السيد الخوئي في (منهاج الصالحين) :
"يحرم السجود لغير اللهتعالى من دون فرق بين المعصومين وغيرهم" (منهاج الصالحين ج1/179 مسألة659).
فالشيعة يجسّدون في حالات السجود قمة العبودية والخشوع والتذلل لله تعالى،تبرهن على ذلك تلك الألوان من الأدعية التي يرددونها في سجداتهم الذائبة مع اللهتعالى كما أدبهم أئمتهم الطاهرون من أهل البيت عليهم السلام.
فمن أدعيةالسجود وأذكاره التي تعلمها الشيعة من أئمة أهل البيت عليهم السلام :
1- "سبحان ربي الأعلى وبحمده".
2- "لا إله إلاّ الله حقا حقا، لا إله إلاّالله إيمانا وتصديقا، لا إله إلاّ الله عبودية ورقة، سجدت لك يارب تعبدا ورقة لامستنكفا ولا مستكبرا، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير".
3- "اللهم لك سجدت،وبك آمنت، ولك أسلمت وعليك توكلت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره،والحمدلله رب العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين".
النقطة الثالثة :
ربما يقال أنّ الشيعة يمارسون بعض حالات التقديس للتربة الحسينية كالتقبيلوالعناية والاحترام، وهذا يثير الشك والريبة في طبيعة هذا التعامل.
ونجيب :
أولا: هذه الحالات لا تمثل ممارسات غير مشروعة، وإلاّ فالمسلمون قاطبةيمارسون الاحترام والعناية والتقبيل للقرآن والكعبة والحجر الأسود، فهل يقال بأنهميعبدون القرآن والكعبة والحجر الأسود؟
ثانيا: الشيعة حينما يقبلون التربةإنّما يجسدون العشق والحب لسبط الرسول صلى الله عليه وآله الإمام الحسين عليهالسلام.
ثالثا: الشيعة يقتدون بسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله فهو أول منقبّل هذه التربة الطاهرة كما أكدت ذلك عدة من الأخبار:
1- روى الحاكمالنيسابوري في (المستدرك على الصحيحين ج4/398 ) عن أم سلمة رضي الله عنها أنّ رسولالله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائردون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها، فقلت ماهذه التربة يارسول الله؟
قال: أخبرني جبريل (ع) أنّ هذا يقتل بأرض العراقللحسين، فقلت لجبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها. .. .
(ثمقال الحاكم): "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (البخاري ومسلم) ولم يخرجاه".
2- وروى أحمد بن حنبل في (مسنده ج6/294) عن أم سلمة أو عائشة أنّ النبي (ص) قال: "لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها فقال لي أنّ ابنك هذا حسينا مقتول،وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء".
3- وروى الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد ج9/190) عن علي (ع) قال: دخلت على النبي (ص) ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان، قال: بل قام من عندي جبريل (ع) فحدثني أنّ الحسين يقتل بشط الفرات قال فقال: هل لك أنأشمك من تربته؟ قلت: نعم، قال فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيأن فاضتا.
(قال الحافظ الهيثمي): رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبرانيورجاله ثقات.
4- وروى الطبراني في (الكبير) عن أم سلمة قالت: اضطجع رسولالله (ص) ذات يوم فاستيقظ وهو حائر النفس وفي يده تربة حمراء يقبلها، فقالت: ما هذهالتربة يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبرئيل أنّ هذا يقتل بأرض العراق (للحسين) فقلتلجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها(الخوئي: البيان ص524).
5-وروى السيوطي في (الخصائص الكبرى) في باب أخبار النبي (ص) بقتل الحسين (ع) ما يناهز العشرين حديثا عن أكبر الثقات من رواة علماء السنة ومشاهيرهم كالحاكموالبيهقي وأبي نعيم وإضرابهم عن أم سلمة وأم الفضل وعائشة وابن عباس وأنس صاحب رسولالله (ص) وخادمه الخاص كلها تؤكد خبر التربة التي نزل بها جبرئيل على رسول الله (ص) (محمد الحسين كاشف الغطاء: الأرض والتربة الحسينية ص94).
النقطة الرابعة :
الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانوا يؤكدون مسألة السجود على التربةالحسينية:
1- كان الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أول منسجد على التربة الحسينية(روح التشيع ص455).
2- وكان للإمام الصادق عليهالسلام خريطة من ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله الحسين عليه السلام، فكان إذاحضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليها(روح التشيع ص455).
3- وروى الحرالعاملي في (الوسائل ج3/608) عن الديلمي قال: كان الصادق عليه السلام لا يسجد إلاّعلى تربة الحسين عليه السلام تذللا لله واستكانة اليه.
4- وعن أبي عبداللهالصادق عليه السلام قال: "السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينور الى الأرضينالسبعة ومن كانت معه سبحته من طين قبر الحسين عليه السلام كتب مسبحا وإن لميسبح"(وسائل الشيعة ج3/607،608).
5- وعنه عليه السلام قال: "إنّ السجود علىتربة أبي عبدالله عليه السلام يخرق الحجب السبع"(وسائل الشيعة ج3/607،608).
6- وكتب محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري إلى الإمام الثاني عشر عليهالسلام يسأله عن السجدة على لوح من طين قبر الحسين عليه السلام هل فيه الفضل؟فأجابه عليه السلام: يجوز ذلك وفيه الفضل(وسائل الشيعة ج3/607،608).
النقطةالخامسة :
الدلالات الكبيرة للسجود على التربة الحسينية :
(1) الدلالة العقائدية :
فعلى هذه التربة أريقت أزكى الدماء الطاهرة دفاعا عنالعقيدة والمبدأ والرسالة، فالسجود عليها يمثل حالة التعاطي والتفاعل مع العمقالعقائدي الذي تختزنه هذه التربة في داخلها، وتحتضنه بين ذراتها وتحمله مع أريجهاالعابق بالطهر والقداسة، فمن خلال هذا السجود يتجذر الانتماء الايماني وتتأصل حالةالخشوع والتذلل لله تعالى.
(2) الدلالة الروحية :
إنّ هذه التربةشهدت أقدس ثورة مناقبية، احتضنت قيم الرسالة وأخلاقية الإسلام وروحية المبدأ، وشهدتأنقى حالات الحب والانقطاع إلى الله تعالى وأصدق معاني الفناء في ذات الله، فالسجودعلى هذه التربة يجسد حالات الانفتاح على آفاق القيم والمثل التي صاغتها تلكالتضحيات الكبيرة في طريق الحب الإلهي العظيم. فالذرات التي ترقد بين حنايا تربةالحسين تمثل نبضا حيا تتحرك من خلاله كل المثل الرسالية، وتتماوج على أصدائه كلالمعاني الايمانية، وتنسكب مع عبقاته كل القيم الروحية.
فليس غريبا أن يجدالانسان المؤمن نشوة روحية تشده إلى أجواء الطهر والقداسة والايمان حينما يتعاطى معهذه التربة التي تحمل بين حناياها روح الحسين الشهيد .
ولا تنفتح هذهالآفاق الايمانية والروحية إلاّ لأولئك الذين عاشوا الانفتاح على حب الحسين عليهالسلام، وذابت أرواحهم ومشاعرهم في مأساة الحسين، وتأصلت في نفوسهم أهداف الحسين.
(3) الدلالة التاريخية :
التربة الحسينية هي الوثيقة التاريخيةالحية التي تحمل شواهد الجريمة التي نفذها نظام الحكم الأموي في يوم عاشوراء، وإذاكانت الأجهزة الظالمة عبر التاريخ قد مارست أساليب المصادرة لقضية كربلاء، فإنّالأئمة من أهل البيت عليهم السلام رسّخوا في وعي الأمة وفي وجدان الأجيال حالةالتعاطي والارتباط بقضية الحسين عليه السلام من خلال الإحياء والرثاء والبكاءوالزيارة. . وفي هذا المسار تأتي مسألة التأكيد على التربة الحسينية لإبقاء القضيةحية نابضة في ضمير الأمة، وتبقى الذكرى متجذرة في عمق المسيرة التاريخية لحركةالجماهير وفي حاضرها وفي كل طموحاتها المستقبلية.
(4) الدلالة الجهاديةوالثورية :
بمقدار ما تعيش قضية الحسين عليه السلام في وجدان الأمة تتحددقوة الدفع الجهادي والثوري في حركتها وفي مسيرتها، فقضية كربلاء أعادت للأمةأصالتها الجهادية وأيقظت في داخلها حسّها الثوري.
وقد حافظ الأئمة من أهلالبيت عليهم السلام على الوهج الجهادي والثوري لقضية الحسين عليه السلام، وصاغواحالة التفاعل الدائم مع الثورة الحسينية في منطلقاتها وأهدافها ومعطياتها.
والتربة الحسينية إحدى صيغ التجذير للوهج الثوري والجهادي في حس الجماهيرالمسلمة، فالتعامل مع هذه التربة ليس تعاملا مع كتلة ترابية جامدة، وإنّما هو تعاملمع مزيج متحرك من مفاهيم الثورة وقيم الجهاد، ومضامين الشهادة، فمع كل ذرة من ذراتهذه التربة صرخة جهادية ونداء ثوري، ومفهوم استشهادي، لا يقوى الزمن بكل امتداده،ولا تقوى الأجهزة المتسلطة بكل امكاناتها أن تجمد تلك الدلالات، فالتربة الحسينيةثورة وجهاد وحركة واستشهاد.
اللهم صل على محمد والمحمد
فضيلة التربة الحسينية :
1- " خلق الله هذه الأرض قبل أن يخلق الكعبة بأربعةوعشرين ألف عام وقدسها وبارك عليها".
2- " جعل الله هذه التربة مترعا من ترعالجنة".
3- " إن الحور العين تستهدي التربة من الملائكة النازلة إلى الأرضللتبرك بها".
4- " إن هذه التربة مقبوضة بيد كل ملك زار النبي ، وكل نبي".
خواص وفوائد التربة الحسينية :
1- إن التسبيح والاستغفار بحبات صنعت منالتربة الحسينية ، موجبة لتضاعف ثواب التسبيح سبعين ضعف.
2- إن إدارة السبحةمنها بلا تسبيح توجب ثواب التسبيح.
3- إن السجود على ترابها تخرق الحجب السبع (يعني القبول).
4- أكل طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء إلا الموت. (بمقدار الحمصة)
5- إن جعل طينه في المتاع للتجارة، موجب للبركة فيها.
6- انه أمان للأطفال ذا حنكوا بتربة القبر.
7- أمان إذا جعلت في القبر مع الميت.
8- تورث الأمن من كل خوف.
9- للأمن من السلطان.
10- للأمن في الأسفار ،من كل مخوف.
الآداب مع التربة الحسينية :
أ) للانتفاع بالتربة من جهةالشفاء، يعمل التالي ، وإلا لا ينتفع بها:
1- يأخذ مقدار الحمصة ويقبلها ويضعهاعلى عينيه ويمرها على جلده.
2- يقول : اللهم بحق هذه التربة وبحق من حل بهاوثوى فيها، وبحق جده وأبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده، وبحق الملائكة الحافين به،إلا جعلتها شفاء من كل داء، وبرءا من كل مرض، ونجاة من كل آفة ، وحرزا مما أخافأحذر.
3-ثم شدها في شيء نظيف ، وقل : اللهم أنى أسألك بحق هذه الطينة، وبحقالملك الذي قبضها له، وأسألك بحق النبي الذي خزنها، وأسألك بحق الوصي الذي حل فبها،أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعلها شفاء من كل داء وأمانا من كل خوف وحفظا منكل سوء.
4- اقرأ عليها سورة القدر، فإن الدعاء الذي تقدم هو الاستئذان عليها،وقراءة القدر هو حقها.
5- إذا أردت الأكل منها، فقل " اللهم رب هذه التربةالمباركة الطاهرة، ورب النور الذي انزل فيه، ورب الجسد الذي سكن فيه، ورب الملائكةالموكلين به، صلي على محمد وآل محمد، واجعل هذا الطين لي أمانا من كل خوف، وشفاء منكل داء، انك على كل شيء قدير".
6- ثم أجرع من الماء جرعة خلفه، وقل " بسم اللهوبالله ، اللهم اجعله رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء وسقم ، انك على كلشيء قدير. اللهم رب هذه التربة المباركة ورب الوصي الذي وارته، صلي على محمد وآلمحمد ، واجعل هذا الطين لي شفاء من كل داء ، وأمانا من كل خوف، وعزا من كل ذل،وعافية من كل سوء، وغنى من كل فقر".
ب) للأمن من السلطان وغيره، فلا تخرجمن منزلك إلا ومعك من طين قبر الحسين عليه السلام، وتقول : اللهم أنى أخذتها من قبروليك، وابن وليك، فاجعلها أمنا وحرزا لما أخاف ومما أخاف.
ج) ذكر الله تعالىبها : كالاستغفار والتسبيح خاصة التسبيحات الأربع، وتسبيحة الزهراء عليها السلامفإنها مضاعفة الثواب.
د) دعاء الاعتصام صباحا ومساء ثلاث مرات للأمن منالمخاوف. بأن تضع التربة على عينك، تاليا ذلك الدعاء.
هـ) احترامها وعدم كسرها
تعليق