من بطولات ملحمة «الضياء الخالد

المجاهدة الشهيدة البطلة طاهرة طلوع (الآمرة سارا)
المجاهدة الشهيدة البطلة طاهرة طلوع (الآمرة سارا) استشهدت في عملية «الضياء الخالد» الجبارة عام 1988بعد معركة بطولية فغرز جلادو النظام خنجراً في قلبها ثم علقوا جثتها بالمقلوب في قارعة الطريق
وللحرية الحمراءِ بابٌ
بيدٍ مضرّجة بالدماء يُدَقُّ
(أحمد شوقي)
في جناح من متحف شهداء المقاومة يتسمر كل امرأ عند نصب ملحمة امرأة مجاهدة بطلة وهي «طاهرة طلوع بيدختي» (الآمرة سارا). ففي هذا النصب والصورة الفوتوغرافية المروعة نشاهد جثة «طاهرة» البطلة المضرجة بالدماء وهي معلقة بالمقلوب ورجلها مربوطة بشجرة على صخرة وخنجر مغروز في قلبها. نعم جلادو خميني أظهروا قسوتهم بحق هذه الآمرة في عملية «الضياء الخالد» في صيف عام 1988 إذ إنها كانت قد تصدت لهم بوحدها وأوقفت زحف وحدة من قوات حرس خميني لساعات عدة وألحقت بهم خسائر فادحة. وكان أفراد خميني القساة قد تركوا جثة البطلة «طاهرة» لساعات بهذه الحالة على المرأى العام وذلك بهدف ترهيب الناس غير أن المواطنين تلقوا منها درس المقاومة والتضحية وسردوا قصصاً عن ملحمة «طاهرة» هذه المرأة الشجاعة والآمرة البطلة المجاهدة التي لا تزال قصتها تتردد على ألسن أهالي منطقة العملية المذكورة. ووصلت هذه الصورة المعبرة عن قسوة النظام إلينا عن طريق أحد من سكان المنطقة يدعى ”علي صفري“ الذي تأثر بشكل عميق من الملاحم البطولية التي خلقها المجاهدون في «الضياء الخالد» فالتحق بصفوف جيش التحرير حاملاً معه الصورة المذكورة إلا أنه هو الآخر استشهد في معركة أخرى من معارك جيش التحرير فانضم إلى ركب الشهداء خالقي الملاحم.
في موقع مطل على طريق كرمنشاه تبدو الجثة المضمخة بالدم للبطلة المجاهدة «طاهرة طلوع بيدختي»
إني قابعة هنا على منعرج هذا العرقوب منتظرة منذ ما يقارب عشر سنوات. عند ما يبدو شخص من الأفق الشاسع أحدق إلى الطريق ربما يكون القادم «هو»، لأني أنتظره. لقد قالت «سارا» إنه سيجيء. قد تسألون من هي «سارا»؟كانت سارا وسام شرف تم تقليدي به يومًا ما. دعوني أسرد عليكم قصة سارا لتعرفونها أنتم أيضًا.
في ذلك اليوم الذي صارت فيه السهل بركانًا للحديد والنار كانت سارا قد جاءت هنا بالضبط وامتدت بجانب جذعي. لم أكن أعرفها في البداية. مازال بارود سلاحها باق على أغصاني تذكارًا منها. ذلك اليوم ناداها أحد من أسفل الصخرة صارخًا: «الأخت سارا! الأخت سارا! جميع الأولاد يرحلون. ألا تأتين لنرحل؟».
هنا عرفت أن اسمها «سارا». أحنت رأسها من دون رفع يدها عن قبضة بندقيتها الرشاشة، قائلة: «لا! أنتم ارحلوا! فإني سوف أجيء في وقت لاحق».
الشخص الذي لم أكن أشاهده، سأل من الطريق صارخًا: متى؟
أحنيت على جذعي ونظرت إلى العرقوب فرأيت مجموعة من الحرس واقفين خلف مدخل العرقوب.
ففتحت سارا النار عليهم من رشاشتها وأسقطت عددًا منهم على الأرض والباقون انسحبوا واحتموا خلف الصخور.
فعادت سارا صارخة: «اذهب يا حسين، آمرك بأن اذهب!».
صرخ حسين مرة أخرى قائلاً: «الشباب ينتظرونك! تعالي لنرحل!».
كنت بجانبها آنذاك وأرى بوضوح بريق نظرتها في تلك اللحظات. وهذه المرة قالت غاضبة: «قل للشباب إن سارا أمرت بأن ارحلوا!».
فحاليًا كنت أكشف تدريجيًا بعض الأمور. فكشفت أن سارا قائدة. كان أعداؤها يزحفون إليها وهي تريد سد الطريق أمام العدو بفتح النار عليه من على الصخرة.
نظرت إلى أسفل الصخرة حيث كانت جثث سقطت في العرى على قارعة الطريق. كان رتل من العجلات يسير ويبتعد. وكان حسين قد وقف على الطريق وهو يصيح واضعًا يديه على جانبي فمه ولكن الريح كانت تمنع من وصول صوته إلينا.
فأومأت له سارا بيدها ملمحة بأن يرحلوا!
وبعد ذلك ربتت بيدها على عقب بندقيتها وبدلت مخزن البندقية ثم اعتمدت على جذعي برأسها ونظرت إلى الشمس من خلال أغصاني وأوراقي. ليتني أعرف في تلك اللحظات بما ذا كانت تفكر؟. كنت أشعر احترامًا لها في قلبي برغم كوني قد عرفتها منذ مدة قصيرة. كانت إرادتها الصلبة تثير إعجابي. لم أتمكن من تمالك نفسي فقلت لها بهدوء: إنهم سيقتلونك!
قالت: لا بأس! ولكن مادام «مسعود» حيًا فجميعنا أحياء!
سألتها: من هو «مسعود»؟
قالت: آه. فأدارت نظرتها إلى جانبيها وعادت تعتمد على صدري برأسها قائلة: سترينه يومًا ما.
سألتها: متي؟
قالت: لا أعرف... ولكني واثقة بأنه سيزور يومًا من الأيام هذه الصحراء وهذا العرقوب وذلك الممر. ولعله يزورك أيضًا.
ثم مضت قائلة بسرور: إذا حضر هنا وزارك، بلغي سلامي له! أزيحي الغبار من صورته بأوراقك وقولي للريح أن تربت على وجهه. ابسطي فيئك عليه لتخففي عنه وقع التعب.
ففي هذه اللحظة بدت طليعة رتل العدو من مدخل العرقوب. قلت: لقد جاءوا!
فانقضت سارا فورًا على بندقيتها وفتح النار عليهم. فاصطدمت السيارات بالصخور المتراصة على جانبي الطريق فتوقفوا عن السير. فقفز من خلفها عدد منهم مذعورين واحتموا بالمنعرج الذي في مدخل العرقوب.
عاد سلاح سارا ليهدر. فاستلقى أفراد العدو على الأرض. كان عددهم كبيرًا جدًا. وبعد لحظة تدفق قطيع آخر منهم من مدخل العرقوب. فعاد سلاح سارا ليهدر مجددًا. فسقطت مجموعة من أفراد العدو وانسحب آخرون. فكانت سارا قد أغلقت المدخل عليهم بنار سلاحها. وبعد مدة نزلت فصيلة من العدو إلى الأسفل من جانب اليسار. ثم سمع فجأة صوت وابل من الرصاص وصرخات هائلة من هذا الجانب من التل. وكانت سارا تفتح النار على الجانبين، تارة على وجاهها وتارة على خلف رأسها. في هذه اللحظات شعرت بحرارة على جذعي. كان دم سارا ينهمر عليه. نظرت إليها. كانت سارا قد سقطت على الأرض وجرح كبير قد تفجرت على كتفها.
لقد صعد العدو من الجهات الأربع. كانت سارا قد سقطت على الأرض صامتة هامدة. صاح آمر قوة العدو قائلاً: لقد قتلت، اذهبوا أطلقوا عليها رصاص الرحمة.
توجه إليها عدد من أفراد العدو بكل هدوء وخطوة بخطوة. قال أحدهم: كان شخص واحد فقط؟ أوقفنا في كل هذه المدة خلف العرقوب حتى رحل جميع أفراد كتيبتها.
وقال الآخر متحيرًا: إنها امرأة! كنت أعتقد أن ما لا يقل عن فصيلة تخندقت هنا!
ثم اقترب منها ورفع كتف سارا بمقدمة خفه. وفي هذه اللحظة عاد سلاح سارا يهدر ويدوي من جديد وأسقط أربعة أشخاص آخرين من العدو على الأرض. والباقون ألقوا أنفسهم على الأرض.
وهذه المرة ألقى آمر قوة العدو قنبلة يدوية على سارا. ثم أمر جميع أفراده بالهجوم. فراحوا يطلقون النار جماعيًا على جثة سارا، ثم غرز أحدهم حربة في قلبها.
ثم جلبوا حبلاً وربطوها برجليها. ألقوا الحبل على جذعي ثم ألقوا جثة سارا من على الصخرة متجهة نحو الأسفل أي رأسًا على عقب.
فمنذ ذلك اليوم أصبحت سارا بمثابة وسام شرف وعز تقلدته من جذعي إلى صدر الصخرة.
ففي الأيام اللاحقة كان كل من يمر بالطريق يقف أمام الصخرة التي كنت أنا قد تقلدت وسام الشرف هذا على صدرها، وكان ينظر في البداية بكل دقة إلى ما يراه معلقًا على الصخرة يبدو لو كان يقرأ كتابة أثرية على صدر الصخرة ثم تساوره الدهشة ويقف وقفة احترام وتحية لها ويمر. حاليًا فأنا مازلت منتظرة. أنتظر هنا وعلى هذا العرقوب منذ ما يقارب أحد عشر عامًا. متى ما يطلع علي أحد من البعيد. فأحدق على منعطف الطريق. لأني أنتظره «هو». قالت سارا إنه «هو» سيجيء. وخلال هذه السنوات أعددت عبارات لأقرأ عليه عند ما جاء «هو» إلى هنا ونظر إلى صدر الصخرة حيث تعلقت جثة سارا الهامدة. لقد همست هذه العبارات مرات عديدة في أذن الصخرة:
أنا كتابة
كتابة خالدة عن صمود جيل
بخنجر في صدري
معلقة على القلب الحجري للزمن
اسمي كتابة «سارا»
لقد حُكِكتُ بخط الدم
وهو خط الزمن
على القلب الحجري للأرض
هل ترون مازال الدمُ
يقطر من كل كلمتي
على الأرض؟
فشاهِدوا بأم أعينكم
في جثتي الهامدة
إرادة عزومًا مدهشة
تحلت بها امرأة
اسمها
نهاية الأغلال وتحطم السلاسل
أقرؤوا في جثتي
مدى الإجرامية الرهيبة للعصر
اسمي «طلوع»
يبشر بطلوع «شخص»
يذيب دفء اسمه الحنون
القلبَ الحجري للزمن

المجاهدة الشهيدة البطلة طاهرة طلوع (الآمرة سارا)
المجاهدة الشهيدة البطلة طاهرة طلوع (الآمرة سارا) استشهدت في عملية «الضياء الخالد» الجبارة عام 1988بعد معركة بطولية فغرز جلادو النظام خنجراً في قلبها ثم علقوا جثتها بالمقلوب في قارعة الطريق
وللحرية الحمراءِ بابٌ
بيدٍ مضرّجة بالدماء يُدَقُّ
(أحمد شوقي)
في جناح من متحف شهداء المقاومة يتسمر كل امرأ عند نصب ملحمة امرأة مجاهدة بطلة وهي «طاهرة طلوع بيدختي» (الآمرة سارا). ففي هذا النصب والصورة الفوتوغرافية المروعة نشاهد جثة «طاهرة» البطلة المضرجة بالدماء وهي معلقة بالمقلوب ورجلها مربوطة بشجرة على صخرة وخنجر مغروز في قلبها. نعم جلادو خميني أظهروا قسوتهم بحق هذه الآمرة في عملية «الضياء الخالد» في صيف عام 1988 إذ إنها كانت قد تصدت لهم بوحدها وأوقفت زحف وحدة من قوات حرس خميني لساعات عدة وألحقت بهم خسائر فادحة. وكان أفراد خميني القساة قد تركوا جثة البطلة «طاهرة» لساعات بهذه الحالة على المرأى العام وذلك بهدف ترهيب الناس غير أن المواطنين تلقوا منها درس المقاومة والتضحية وسردوا قصصاً عن ملحمة «طاهرة» هذه المرأة الشجاعة والآمرة البطلة المجاهدة التي لا تزال قصتها تتردد على ألسن أهالي منطقة العملية المذكورة. ووصلت هذه الصورة المعبرة عن قسوة النظام إلينا عن طريق أحد من سكان المنطقة يدعى ”علي صفري“ الذي تأثر بشكل عميق من الملاحم البطولية التي خلقها المجاهدون في «الضياء الخالد» فالتحق بصفوف جيش التحرير حاملاً معه الصورة المذكورة إلا أنه هو الآخر استشهد في معركة أخرى من معارك جيش التحرير فانضم إلى ركب الشهداء خالقي الملاحم.

في موقع مطل على طريق كرمنشاه تبدو الجثة المضمخة بالدم للبطلة المجاهدة «طاهرة طلوع بيدختي»
وسام شرف
إني قابعة هنا على منعرج هذا العرقوب منتظرة منذ ما يقارب عشر سنوات. عند ما يبدو شخص من الأفق الشاسع أحدق إلى الطريق ربما يكون القادم «هو»، لأني أنتظره. لقد قالت «سارا» إنه سيجيء. قد تسألون من هي «سارا»؟كانت سارا وسام شرف تم تقليدي به يومًا ما. دعوني أسرد عليكم قصة سارا لتعرفونها أنتم أيضًا.
في ذلك اليوم الذي صارت فيه السهل بركانًا للحديد والنار كانت سارا قد جاءت هنا بالضبط وامتدت بجانب جذعي. لم أكن أعرفها في البداية. مازال بارود سلاحها باق على أغصاني تذكارًا منها. ذلك اليوم ناداها أحد من أسفل الصخرة صارخًا: «الأخت سارا! الأخت سارا! جميع الأولاد يرحلون. ألا تأتين لنرحل؟».
هنا عرفت أن اسمها «سارا». أحنت رأسها من دون رفع يدها عن قبضة بندقيتها الرشاشة، قائلة: «لا! أنتم ارحلوا! فإني سوف أجيء في وقت لاحق».
الشخص الذي لم أكن أشاهده، سأل من الطريق صارخًا: متى؟
أحنيت على جذعي ونظرت إلى العرقوب فرأيت مجموعة من الحرس واقفين خلف مدخل العرقوب.
ففتحت سارا النار عليهم من رشاشتها وأسقطت عددًا منهم على الأرض والباقون انسحبوا واحتموا خلف الصخور.
فعادت سارا صارخة: «اذهب يا حسين، آمرك بأن اذهب!».
صرخ حسين مرة أخرى قائلاً: «الشباب ينتظرونك! تعالي لنرحل!».
كنت بجانبها آنذاك وأرى بوضوح بريق نظرتها في تلك اللحظات. وهذه المرة قالت غاضبة: «قل للشباب إن سارا أمرت بأن ارحلوا!».
فحاليًا كنت أكشف تدريجيًا بعض الأمور. فكشفت أن سارا قائدة. كان أعداؤها يزحفون إليها وهي تريد سد الطريق أمام العدو بفتح النار عليه من على الصخرة.
نظرت إلى أسفل الصخرة حيث كانت جثث سقطت في العرى على قارعة الطريق. كان رتل من العجلات يسير ويبتعد. وكان حسين قد وقف على الطريق وهو يصيح واضعًا يديه على جانبي فمه ولكن الريح كانت تمنع من وصول صوته إلينا.
فأومأت له سارا بيدها ملمحة بأن يرحلوا!
وبعد ذلك ربتت بيدها على عقب بندقيتها وبدلت مخزن البندقية ثم اعتمدت على جذعي برأسها ونظرت إلى الشمس من خلال أغصاني وأوراقي. ليتني أعرف في تلك اللحظات بما ذا كانت تفكر؟. كنت أشعر احترامًا لها في قلبي برغم كوني قد عرفتها منذ مدة قصيرة. كانت إرادتها الصلبة تثير إعجابي. لم أتمكن من تمالك نفسي فقلت لها بهدوء: إنهم سيقتلونك!
قالت: لا بأس! ولكن مادام «مسعود» حيًا فجميعنا أحياء!
سألتها: من هو «مسعود»؟
قالت: آه. فأدارت نظرتها إلى جانبيها وعادت تعتمد على صدري برأسها قائلة: سترينه يومًا ما.
سألتها: متي؟
قالت: لا أعرف... ولكني واثقة بأنه سيزور يومًا من الأيام هذه الصحراء وهذا العرقوب وذلك الممر. ولعله يزورك أيضًا.
ثم مضت قائلة بسرور: إذا حضر هنا وزارك، بلغي سلامي له! أزيحي الغبار من صورته بأوراقك وقولي للريح أن تربت على وجهه. ابسطي فيئك عليه لتخففي عنه وقع التعب.
ففي هذه اللحظة بدت طليعة رتل العدو من مدخل العرقوب. قلت: لقد جاءوا!
فانقضت سارا فورًا على بندقيتها وفتح النار عليهم. فاصطدمت السيارات بالصخور المتراصة على جانبي الطريق فتوقفوا عن السير. فقفز من خلفها عدد منهم مذعورين واحتموا بالمنعرج الذي في مدخل العرقوب.
عاد سلاح سارا ليهدر. فاستلقى أفراد العدو على الأرض. كان عددهم كبيرًا جدًا. وبعد لحظة تدفق قطيع آخر منهم من مدخل العرقوب. فعاد سلاح سارا ليهدر مجددًا. فسقطت مجموعة من أفراد العدو وانسحب آخرون. فكانت سارا قد أغلقت المدخل عليهم بنار سلاحها. وبعد مدة نزلت فصيلة من العدو إلى الأسفل من جانب اليسار. ثم سمع فجأة صوت وابل من الرصاص وصرخات هائلة من هذا الجانب من التل. وكانت سارا تفتح النار على الجانبين، تارة على وجاهها وتارة على خلف رأسها. في هذه اللحظات شعرت بحرارة على جذعي. كان دم سارا ينهمر عليه. نظرت إليها. كانت سارا قد سقطت على الأرض وجرح كبير قد تفجرت على كتفها.
لقد صعد العدو من الجهات الأربع. كانت سارا قد سقطت على الأرض صامتة هامدة. صاح آمر قوة العدو قائلاً: لقد قتلت، اذهبوا أطلقوا عليها رصاص الرحمة.
توجه إليها عدد من أفراد العدو بكل هدوء وخطوة بخطوة. قال أحدهم: كان شخص واحد فقط؟ أوقفنا في كل هذه المدة خلف العرقوب حتى رحل جميع أفراد كتيبتها.
وقال الآخر متحيرًا: إنها امرأة! كنت أعتقد أن ما لا يقل عن فصيلة تخندقت هنا!
ثم اقترب منها ورفع كتف سارا بمقدمة خفه. وفي هذه اللحظة عاد سلاح سارا يهدر ويدوي من جديد وأسقط أربعة أشخاص آخرين من العدو على الأرض. والباقون ألقوا أنفسهم على الأرض.
وهذه المرة ألقى آمر قوة العدو قنبلة يدوية على سارا. ثم أمر جميع أفراده بالهجوم. فراحوا يطلقون النار جماعيًا على جثة سارا، ثم غرز أحدهم حربة في قلبها.
ثم جلبوا حبلاً وربطوها برجليها. ألقوا الحبل على جذعي ثم ألقوا جثة سارا من على الصخرة متجهة نحو الأسفل أي رأسًا على عقب.
فمنذ ذلك اليوم أصبحت سارا بمثابة وسام شرف وعز تقلدته من جذعي إلى صدر الصخرة.
ففي الأيام اللاحقة كان كل من يمر بالطريق يقف أمام الصخرة التي كنت أنا قد تقلدت وسام الشرف هذا على صدرها، وكان ينظر في البداية بكل دقة إلى ما يراه معلقًا على الصخرة يبدو لو كان يقرأ كتابة أثرية على صدر الصخرة ثم تساوره الدهشة ويقف وقفة احترام وتحية لها ويمر. حاليًا فأنا مازلت منتظرة. أنتظر هنا وعلى هذا العرقوب منذ ما يقارب أحد عشر عامًا. متى ما يطلع علي أحد من البعيد. فأحدق على منعطف الطريق. لأني أنتظره «هو». قالت سارا إنه «هو» سيجيء. وخلال هذه السنوات أعددت عبارات لأقرأ عليه عند ما جاء «هو» إلى هنا ونظر إلى صدر الصخرة حيث تعلقت جثة سارا الهامدة. لقد همست هذه العبارات مرات عديدة في أذن الصخرة:
أنا كتابة
كتابة خالدة عن صمود جيل
بخنجر في صدري
معلقة على القلب الحجري للزمن
اسمي كتابة «سارا»
لقد حُكِكتُ بخط الدم
وهو خط الزمن
على القلب الحجري للأرض
هل ترون مازال الدمُ
يقطر من كل كلمتي
على الأرض؟
فشاهِدوا بأم أعينكم
في جثتي الهامدة
إرادة عزومًا مدهشة
تحلت بها امرأة
اسمها
نهاية الأغلال وتحطم السلاسل
أقرؤوا في جثتي
مدى الإجرامية الرهيبة للعصر
اسمي «طلوع»
يبشر بطلوع «شخص»
يذيب دفء اسمه الحنون
القلبَ الحجري للزمن
تعليق