الدهون المتحوله
==========
حدثت تغيرات كبيرة في علم الحمية في السنوات العشر الاخيرة، فبفضل الانجازات العلمية اصبح من الممكن ليس فقط تحديد كيف ان المكونات المختلفة للطعام تؤثر على الصحة، ولكن كذلك دراسة هذا التأثير على مستوى الجزيئات، فقد اصبح من الواضح الآن، لماذا المواد الغذائية المفيدة كانت تعتبر تقليديا مفيدة (على سبيل المثال تحتوي الخضروات والفواكه على كمية كبيرة من مضادات التأكسد).
من ناحية اخرى، ظهرت امكانية ادراك: هل فعلا بعض المواد التي تعرف عليها جسم الانسان منذ زمن قريب نسبيا مأمونة؟ كما كان متوقعا ليس كل المواد الغذائية الطبيعية المركبة او المعدلة اثبتت نجاحها. وهو ما يشرح بوضوح تاريخ الدهون المهدرجة التي تستعمل على نطاق واسع في الصناعة الغذائية، وبالاخص تدخل في تكوين المارغارين.
اولئك الذين يتابعون اتجاهات علم الحمية، يذكرون الحملة ضد الملح والسكر (السم الابيض) واللحم المقلي والخضروات بالنيترات والسكريات وكذلك الدهون بشكل عام والدهون الحيوانية بالاخص. الآن تسترعي الانتباه الزائد وكما تسمى الدهون المتحولة.
ولكن اذا تم حذف كل ما يعتبره اخصائيو الحمية مضرا فلن يتبقى تقريبا شيء للاكل. لهذا السبب يتبادر الى الذهن هذا السؤال: هل الدهون المتحولة مضرة فعلا الى هذا الحد؟ وهل من الضرورة بسببها الامتناع عن المواد الغذائية المحبوبة والمعتادة؟
فلنبدأ من ان الدهون هي مكون ضروري للطعام، ومن المستحيل بأي حال من الاحوال الغاؤها بالكامل من النظام الغذائي. الدهون بالذات تخدم ك'احتياط للطاقة' لجسم الانسان، حيث ان الجسم يستطيع بسهولة تخزينها واستعمالها على قدر الحاجة. في الحقيقة، بعض من كمية الطاقة في الامكان ادخارها على شكل سكريات. لكن اذا كانت هذه العملية تسير بشكل جيد بالنسبة للنباتات فان مخزن السكريات عند الانسان والحيوانات محسوب على اساس حفظ مخزون قليل ولمدد قصيرة ولا يكفي لفترة طويلة. علاوة على ذلك، الدهون التي تأتي من الطعام تخدم كمادة بنائية لانشاء الاغشية الخلوية وبنى حيوية اخرى. وبالنسبة لجسم الانسان ليس على حد سواء ابدا اي دهون تصل اليه.
في جزيء أي دهن يمكن تمييز قسمين:
القسم الاول 'الذيل' الذي يتكون من جزيئ او جزيئين او ثلاث جزيئات طويلة الى حد ما من الاحماض الدهنية، و'الرأس' الذي يحدد وظائف الدهن في الجسم. على سبيل المثال، جزيئ الدهن النموذجي المحايد (الدهن الحيواني او الزيت النباتي) يتكون من رأس واحد (الغليسيرين) وثلاثة ذيول من جزيئات الاحماض الدهنية. ولهذا السبب تسمى هذه الدهون ثلاثيات الغليسريد. نوع آخر مهم من الدهون هو الفوسفوليبيدات الذي تبنى منه الاغشية الخلوية اي اغطية كل الخلايا الحية. الفوسفوليبيد له ذيلان من الاحماض الدهنية ورأس يتألف من بقايا الحمض الفوسفوري. نوع آخر من الدهون وهو السيراميدات يدخل ايضا في تكوين الاغشية الخلوية وعلاوة على ذلك، يخدم كناقلة للاشارات. رأس السيراميد يتكون من كحول السفينغوزين والذيل الوحيد يتكون من الحامض الدهني.
تعتبر الاحماض الدهنية مادة شاملة لتكوين الدهون. في الدهون المختلفة تماما، التي تنتمي الى كائنات مختلفة وتؤدي وظائف مختلفة، ممكن العثور على الاحماض الدهنية نفسها. مثل هذه الشمولية تسمح للجسم بتوفير طاقة كثيرة: عوضا عن انه في كل مرة يتم تركيب الاحماض الدهنية من العناصر الاساسية، ممكن ببساطة استعمال الجزيئات الجاهزة، المقطوعة من ثلاثيات غليسريد الزيوت ودهون الطعام. وجسم الانسان، فقد حتى مقدرته على تركيب بعض من الاحماض الدهنية، لانه تعود لدرجة ما على الحصول على هذه الاحماض من الطعام. هذه الاحماض تسمى بالتي لا تعوض بغيرها. وتنسب اليها احماض اللينوليك، اللينولينك والاراكيدونيك (على وجه الدقة يجب استبعاد حمض الاراكيدونيك من هذه القائمة، لانه ممكن ان يكون مركبا من حمض اللينوليك).
الفرق بين الدهون
في الامكان دائما رؤية على ملصقات المنتجات الغذائية المكونات التفصيلية مع الاشارة الى محتوى انواع الدهون المختلفة مثل المشبعة، غير المشبعة الاحادية، غير المشبعة المتعددة والمهدرجة. في السنوات الاخيرة في دول كثيرة تتم الاشارة كذلك وبصورة الزامية الى محتوى الدهون المتحولة. فلنحاول ان ندرك ما الفرق بين هذه الدهون من وجهة نظر الكيمياء والقيمة الغذائية.
يدل مصطلحا 'مشبع' و'غير مشبع' على درجة 'تشبع' جزيئ الحمض الدهني (او اي مركب هيدروكربوني آخر) بالهيدروجين. في الحمض الدهني المشبع كل الاماكن الشاغرة ملئت، وفي الحمض الدهنى غير المشبع توجد روابط ثنائية، تسمح بضم ذرات هيدروجين اضافية. اذا كانت الرابطة الثنائية وحيدة، فان الحمض الدهني يسمى غير مشبع احادي، واذا كانت الرابطة الثنائية اثنتين او اكثر فيسمى غير مشبع متعدد.
وهنا من المهم جدا ان تكون الاحماض الدهنية غير المشبعة الطبيعية موجودة في هيئة فراغية معينة اي الشكل المقرون Cis Form في الشكل المقرون ذرات الهيدروجين اثناء الرابطة الثنائية مرتبة في جهة واحدة من الهيكل الكربوني، لهذا السبب يلتوي الجزيء في هذا المكان. في الشكل المقرون للحمض الدهني يوجد شكل متحول - متشابه التركيب - صنو، وجزيء هذا الشكل المتحول يتميز بان ذرات الهيدروجين اثناء الرابطة الثنائية مرتبة في جهات مختلفة من الهيكل الكربوني.
في مثل هذه الهيئة جزيء الحمض الدهني يكون شكله مستقيما وليس ملتويا. بسبب الهيئة غير الصحيحة فان الاحماض الدهنية الموجودة في الشكل المتحول (الدهون المتحولة) غير قادرة كما يجب ان تؤدي وظائفها في تكوين البنى الحيوية.
بين السيولة والصلابة
كقاعدة، الدهون التي تحتوي على نسبة عالية من الاحماض الدهنية غير المشبعة تتمتع بسيولة جيدة ودرجة حرارة انصهارها اكبر (وهذا جزئيا يفسر بالشكل الملتوي للجزيئات التي تحول دون تبلور المادة). زيوت الزيتون، عباد الشمس، القطن، الصويا واللفت التي تحتوي على 75 - 90% من الاحماض الدهنية غير المشبعة، تظل سائلة عند درجة حرارة الغرفة. زيت النخيل وزيت الكاكاو، وكذلك الدهون الحيوانية - البقري، الغنم - بها 50-40% فقط دهون غير مشبعة وعند درجة حرارة الغرفة تكون في حالة صلبة. الزيوت غير المشبعة مهمة للغاية في عملية التغذية، ويكفي القول ان كل الاحماض الدهنية التي لا تعوض بغيرها تنسب الى غير المشبعة، لكن فيها نقص يفوق في الاهمية الميزات في نظر منتجي المواد الغذائية. كلما كانت نسبة الاحماض الدهنية غير المشبعة في الزيت كبيرة ازدادت صعوبة تخزينه. في الهواء الطلق وعند تسخينه يصبح بسرعة نتنا ويتصلب. على سبيل المثال، زيت الكتان يحفظ سائلا في قنينة مغلقة عاتمة، لكن اذا تم صبه على شكل طبقة رقيقة في الهواء الطلق (يزداد اتصاله بالاكسجين)، فانه سوف يتاكسد ويكون طبقة صلبة وهذا ما يستعمله منذ القدم الرسامون والنجارون.
وهذا ما يحدث بالضبط ولكن بصورة ابطأ مع زيت عباد الشمس وزيوت سائلة اخرى. وقد ساعدت في التغلب على هذا النقص تقنية هدرجة الدهون، اي الحصول من زيت نباتي رخيص على كتلة دهنية صلبة وثابتة للتاكسد - Salomasa اصبحوا يصنعون من هذه الكتلة الدهنية المارغارين ودهون الحلويات والطبخ ودهون الشورتينينغ Shortening.
آمنة أم قاتلة؟
زاد استهلاك الدهون المتحولة خلال عدة عقود في كل انحاء العالم، وبدا انه بالامكان الحديث عن 'التاريخ الطويل للاستعمال الآمن'، لكن ظهرت ابحاث تناقض مثل هذا الاستنتاج. ففي عام 1993 نشرت مجلة 'لانتسيت' مقالة كتبها وولتر فيليت اكد فيها ان استهلاك الدهون المتحولة يؤدي الى ارتفاع خطر الامراض القلبية - الوعائية. وسبب ذلك، ان الدهون المتحولة تحدث تغييرا في تناسب الليبوبروتينات (البروتينات الدهنية) ذات الكثافة المرتفعة والمنخفضة وباتجاه زيادة الاولى. وهذا بدوره يعتبر عاملا يمهد القابلية لمرض التصلب التعصدي. اثبت فيليت فرضياته بالحقائق: احصى استهلاك الدهون المتحولة في النظام الغذائي ل 85 الف امرأة سليمة، ومن ثم خلال ثمانية اعوام كان يسجل مستوى نسبة الاصابات بالامراض ونسبة الوفيات بسبب الامراض القلبية في هذه المجموعة. واتضح ان عدد الاحتشاءات وحالات الموت الفجائية بسبب النوبة القلبية ووضوح التصلب التعصدي اكثر وبشكل جوهري بين اؤلئك، الذين كانوا ياكلون المارغارين بكثرة طوال الاعوام الثمانية.
اظهرت الابحاث ان الدهون المتحولة تسلك سلوكا مخالفا للدهون المقرونة ليس فقط في المقلاة ولكن ايضا في الجسم. على سبيل المثال، وجود هذه الدهون المتحولة في تكوين فوسفوليبيدات الاغشية الخلوية يؤثر في عمل الجزيئات الزلالية، التي تنفذ الى الغشاء، والتي تسمى بالبروتينات عبر الغشائية Transmembrane، وهذا بدوره سيخل بنقل الاشارات، على سبيل المثال اثناء تفاعل الهرمونات مع المستقبلات، حيث ان المستقبلات تعتبر بالضبط بروتينات عبر الغشائية. هناك مشكلة في نقل المواد، حيث ان القنوات الزلالية لنقل الجزيئات عبر الغشاء تنتسب كذلك الى البروتينات عبر الغشائية. بما ان الفوسفوليبيدات تعتبر ايضا مواد خام لتركيب الجزيئات المنظمة لجهاز المناعة، فوجود الاحماض الدهنية فيها وهي في حالة Trans Conformation يؤدي الى خلل في الكيمياء الحيوية للعمليات الالتهابية. كل نتائج هذه التغيرات ستجري دراستها بعد، لكن ممكن تسمية بعض التاثيرات. فضلا عن ارتفاع خطر تطور التصلب التعصدي وامراض القلب والاوعية المصاحبة، وهي انخفاض حساسية خلايا البنكرياس للانسولين (النوع الثاني من مرض السكري) وتطور العمليات الالتهابية المزمنة والسمنة.
ومن غير المستبعد، ان الدهون المتحولة ايضا ترفع من خطر تطور بعض انواع السرطان، الا ان المعلومات التي تؤكد هذه الفرضية حتى الآن غير كافية. جملة القول اذا عرضنا لاجسامنا بدلا عن مادة بنائية سليمة متشابهات التركيب - المتحولة ذوات العيوب، فسوف تتشكل هياكل حيوية ناقصة ستبدأ بالاخفاق في حالات مختلفة. اذا، للذين يهتمون بصحتهم فمن الافضل تجنب الدهون المتحولة.
مشكلة عالمية
احدثت نتائج الابحاث العلمية الانطباع الاكبر على الدانمركيين. بدأ منتجو المواد الغذائية في البداية بتخفيض استعمال الدهون المتحولة بمبادرة ذاتية، وبعد ذلك صدر قانون في عام 2003، الذي بموجبه يجب ألا يزيد محتوى الدهون المتحولة عن 2% من اجمالي الدهن الموجود في المنتج. قارن العلماء أخيرا محتوى الدهون المتحولة في منتجات من 25 دولة. تم اختيار عن عمد المنتجات 'غير الصحية'، التي اثناء اعدادها يتم عادة استعمال كثير من المارغارين، مثل المعجنات، الشيبس، البطاطس المقلية، الفشار الخ..... اتضح انه في المنتجات الدانمركية متوسط محتوى الدهون المتحولة في عام 2005 لم يتجاوز 1 غرام للوجبة القياسية. هذا المؤشر في حالات منفصلة في 17 دولة من 25 بلغ 20 غراما، وفي عدد من الدول كان اكثر ارتفاعا.
في هولندا حتى لم يكونوا في حاجة لاصدار قوانين. منتجو المواد الغذائية هناك، وباستعجال من الرأي العام، حققوا بانفسهم نجاحات جوهرية في تحديد الدهون المتحولة. الآن البطاطس المقلية في مطاعم الوجبات السريعة الموجودة في هولندا تحتوي على حوالي 4% من الدهون المتحولة، في الوقت الذي فيه هذه النسبة في المتوسط تساوي 21% من الدهون المتحولة في الولايات المتحدة الامريكية. لكن حتى في الولايات المتحدة الامريكية حلت اوقات عصيبة لمنتجي الدهون المتحولة، لان من 1 يناير من عام 2006 يجب ان يشار على علبة المنتج الى كمية الدهون المتحولة التي يحتويها. عند الاخذ بعين الاعتبار ان كثيرا من المستهلكين قد سمعوا كثيرا عن ضرر الدهون المتحولة، فبالامكان توقع انخفاض الطلب على المنتجات التي تحتوي على مثل هذه الدهون وكنتيجة لذلك تخفيض انتاج واستعمال انواع المارغارين.
(عن مجلة العلم والحياة الروسية)
يتبع ....
==========
حدثت تغيرات كبيرة في علم الحمية في السنوات العشر الاخيرة، فبفضل الانجازات العلمية اصبح من الممكن ليس فقط تحديد كيف ان المكونات المختلفة للطعام تؤثر على الصحة، ولكن كذلك دراسة هذا التأثير على مستوى الجزيئات، فقد اصبح من الواضح الآن، لماذا المواد الغذائية المفيدة كانت تعتبر تقليديا مفيدة (على سبيل المثال تحتوي الخضروات والفواكه على كمية كبيرة من مضادات التأكسد).
من ناحية اخرى، ظهرت امكانية ادراك: هل فعلا بعض المواد التي تعرف عليها جسم الانسان منذ زمن قريب نسبيا مأمونة؟ كما كان متوقعا ليس كل المواد الغذائية الطبيعية المركبة او المعدلة اثبتت نجاحها. وهو ما يشرح بوضوح تاريخ الدهون المهدرجة التي تستعمل على نطاق واسع في الصناعة الغذائية، وبالاخص تدخل في تكوين المارغارين.
اولئك الذين يتابعون اتجاهات علم الحمية، يذكرون الحملة ضد الملح والسكر (السم الابيض) واللحم المقلي والخضروات بالنيترات والسكريات وكذلك الدهون بشكل عام والدهون الحيوانية بالاخص. الآن تسترعي الانتباه الزائد وكما تسمى الدهون المتحولة.
ولكن اذا تم حذف كل ما يعتبره اخصائيو الحمية مضرا فلن يتبقى تقريبا شيء للاكل. لهذا السبب يتبادر الى الذهن هذا السؤال: هل الدهون المتحولة مضرة فعلا الى هذا الحد؟ وهل من الضرورة بسببها الامتناع عن المواد الغذائية المحبوبة والمعتادة؟
فلنبدأ من ان الدهون هي مكون ضروري للطعام، ومن المستحيل بأي حال من الاحوال الغاؤها بالكامل من النظام الغذائي. الدهون بالذات تخدم ك'احتياط للطاقة' لجسم الانسان، حيث ان الجسم يستطيع بسهولة تخزينها واستعمالها على قدر الحاجة. في الحقيقة، بعض من كمية الطاقة في الامكان ادخارها على شكل سكريات. لكن اذا كانت هذه العملية تسير بشكل جيد بالنسبة للنباتات فان مخزن السكريات عند الانسان والحيوانات محسوب على اساس حفظ مخزون قليل ولمدد قصيرة ولا يكفي لفترة طويلة. علاوة على ذلك، الدهون التي تأتي من الطعام تخدم كمادة بنائية لانشاء الاغشية الخلوية وبنى حيوية اخرى. وبالنسبة لجسم الانسان ليس على حد سواء ابدا اي دهون تصل اليه.
في جزيء أي دهن يمكن تمييز قسمين:
القسم الاول 'الذيل' الذي يتكون من جزيئ او جزيئين او ثلاث جزيئات طويلة الى حد ما من الاحماض الدهنية، و'الرأس' الذي يحدد وظائف الدهن في الجسم. على سبيل المثال، جزيئ الدهن النموذجي المحايد (الدهن الحيواني او الزيت النباتي) يتكون من رأس واحد (الغليسيرين) وثلاثة ذيول من جزيئات الاحماض الدهنية. ولهذا السبب تسمى هذه الدهون ثلاثيات الغليسريد. نوع آخر مهم من الدهون هو الفوسفوليبيدات الذي تبنى منه الاغشية الخلوية اي اغطية كل الخلايا الحية. الفوسفوليبيد له ذيلان من الاحماض الدهنية ورأس يتألف من بقايا الحمض الفوسفوري. نوع آخر من الدهون وهو السيراميدات يدخل ايضا في تكوين الاغشية الخلوية وعلاوة على ذلك، يخدم كناقلة للاشارات. رأس السيراميد يتكون من كحول السفينغوزين والذيل الوحيد يتكون من الحامض الدهني.
تعتبر الاحماض الدهنية مادة شاملة لتكوين الدهون. في الدهون المختلفة تماما، التي تنتمي الى كائنات مختلفة وتؤدي وظائف مختلفة، ممكن العثور على الاحماض الدهنية نفسها. مثل هذه الشمولية تسمح للجسم بتوفير طاقة كثيرة: عوضا عن انه في كل مرة يتم تركيب الاحماض الدهنية من العناصر الاساسية، ممكن ببساطة استعمال الجزيئات الجاهزة، المقطوعة من ثلاثيات غليسريد الزيوت ودهون الطعام. وجسم الانسان، فقد حتى مقدرته على تركيب بعض من الاحماض الدهنية، لانه تعود لدرجة ما على الحصول على هذه الاحماض من الطعام. هذه الاحماض تسمى بالتي لا تعوض بغيرها. وتنسب اليها احماض اللينوليك، اللينولينك والاراكيدونيك (على وجه الدقة يجب استبعاد حمض الاراكيدونيك من هذه القائمة، لانه ممكن ان يكون مركبا من حمض اللينوليك).
الفرق بين الدهون
في الامكان دائما رؤية على ملصقات المنتجات الغذائية المكونات التفصيلية مع الاشارة الى محتوى انواع الدهون المختلفة مثل المشبعة، غير المشبعة الاحادية، غير المشبعة المتعددة والمهدرجة. في السنوات الاخيرة في دول كثيرة تتم الاشارة كذلك وبصورة الزامية الى محتوى الدهون المتحولة. فلنحاول ان ندرك ما الفرق بين هذه الدهون من وجهة نظر الكيمياء والقيمة الغذائية.
يدل مصطلحا 'مشبع' و'غير مشبع' على درجة 'تشبع' جزيئ الحمض الدهني (او اي مركب هيدروكربوني آخر) بالهيدروجين. في الحمض الدهني المشبع كل الاماكن الشاغرة ملئت، وفي الحمض الدهنى غير المشبع توجد روابط ثنائية، تسمح بضم ذرات هيدروجين اضافية. اذا كانت الرابطة الثنائية وحيدة، فان الحمض الدهني يسمى غير مشبع احادي، واذا كانت الرابطة الثنائية اثنتين او اكثر فيسمى غير مشبع متعدد.
وهنا من المهم جدا ان تكون الاحماض الدهنية غير المشبعة الطبيعية موجودة في هيئة فراغية معينة اي الشكل المقرون Cis Form في الشكل المقرون ذرات الهيدروجين اثناء الرابطة الثنائية مرتبة في جهة واحدة من الهيكل الكربوني، لهذا السبب يلتوي الجزيء في هذا المكان. في الشكل المقرون للحمض الدهني يوجد شكل متحول - متشابه التركيب - صنو، وجزيء هذا الشكل المتحول يتميز بان ذرات الهيدروجين اثناء الرابطة الثنائية مرتبة في جهات مختلفة من الهيكل الكربوني.
في مثل هذه الهيئة جزيء الحمض الدهني يكون شكله مستقيما وليس ملتويا. بسبب الهيئة غير الصحيحة فان الاحماض الدهنية الموجودة في الشكل المتحول (الدهون المتحولة) غير قادرة كما يجب ان تؤدي وظائفها في تكوين البنى الحيوية.
بين السيولة والصلابة
كقاعدة، الدهون التي تحتوي على نسبة عالية من الاحماض الدهنية غير المشبعة تتمتع بسيولة جيدة ودرجة حرارة انصهارها اكبر (وهذا جزئيا يفسر بالشكل الملتوي للجزيئات التي تحول دون تبلور المادة). زيوت الزيتون، عباد الشمس، القطن، الصويا واللفت التي تحتوي على 75 - 90% من الاحماض الدهنية غير المشبعة، تظل سائلة عند درجة حرارة الغرفة. زيت النخيل وزيت الكاكاو، وكذلك الدهون الحيوانية - البقري، الغنم - بها 50-40% فقط دهون غير مشبعة وعند درجة حرارة الغرفة تكون في حالة صلبة. الزيوت غير المشبعة مهمة للغاية في عملية التغذية، ويكفي القول ان كل الاحماض الدهنية التي لا تعوض بغيرها تنسب الى غير المشبعة، لكن فيها نقص يفوق في الاهمية الميزات في نظر منتجي المواد الغذائية. كلما كانت نسبة الاحماض الدهنية غير المشبعة في الزيت كبيرة ازدادت صعوبة تخزينه. في الهواء الطلق وعند تسخينه يصبح بسرعة نتنا ويتصلب. على سبيل المثال، زيت الكتان يحفظ سائلا في قنينة مغلقة عاتمة، لكن اذا تم صبه على شكل طبقة رقيقة في الهواء الطلق (يزداد اتصاله بالاكسجين)، فانه سوف يتاكسد ويكون طبقة صلبة وهذا ما يستعمله منذ القدم الرسامون والنجارون.
وهذا ما يحدث بالضبط ولكن بصورة ابطأ مع زيت عباد الشمس وزيوت سائلة اخرى. وقد ساعدت في التغلب على هذا النقص تقنية هدرجة الدهون، اي الحصول من زيت نباتي رخيص على كتلة دهنية صلبة وثابتة للتاكسد - Salomasa اصبحوا يصنعون من هذه الكتلة الدهنية المارغارين ودهون الحلويات والطبخ ودهون الشورتينينغ Shortening.
آمنة أم قاتلة؟
زاد استهلاك الدهون المتحولة خلال عدة عقود في كل انحاء العالم، وبدا انه بالامكان الحديث عن 'التاريخ الطويل للاستعمال الآمن'، لكن ظهرت ابحاث تناقض مثل هذا الاستنتاج. ففي عام 1993 نشرت مجلة 'لانتسيت' مقالة كتبها وولتر فيليت اكد فيها ان استهلاك الدهون المتحولة يؤدي الى ارتفاع خطر الامراض القلبية - الوعائية. وسبب ذلك، ان الدهون المتحولة تحدث تغييرا في تناسب الليبوبروتينات (البروتينات الدهنية) ذات الكثافة المرتفعة والمنخفضة وباتجاه زيادة الاولى. وهذا بدوره يعتبر عاملا يمهد القابلية لمرض التصلب التعصدي. اثبت فيليت فرضياته بالحقائق: احصى استهلاك الدهون المتحولة في النظام الغذائي ل 85 الف امرأة سليمة، ومن ثم خلال ثمانية اعوام كان يسجل مستوى نسبة الاصابات بالامراض ونسبة الوفيات بسبب الامراض القلبية في هذه المجموعة. واتضح ان عدد الاحتشاءات وحالات الموت الفجائية بسبب النوبة القلبية ووضوح التصلب التعصدي اكثر وبشكل جوهري بين اؤلئك، الذين كانوا ياكلون المارغارين بكثرة طوال الاعوام الثمانية.
اظهرت الابحاث ان الدهون المتحولة تسلك سلوكا مخالفا للدهون المقرونة ليس فقط في المقلاة ولكن ايضا في الجسم. على سبيل المثال، وجود هذه الدهون المتحولة في تكوين فوسفوليبيدات الاغشية الخلوية يؤثر في عمل الجزيئات الزلالية، التي تنفذ الى الغشاء، والتي تسمى بالبروتينات عبر الغشائية Transmembrane، وهذا بدوره سيخل بنقل الاشارات، على سبيل المثال اثناء تفاعل الهرمونات مع المستقبلات، حيث ان المستقبلات تعتبر بالضبط بروتينات عبر الغشائية. هناك مشكلة في نقل المواد، حيث ان القنوات الزلالية لنقل الجزيئات عبر الغشاء تنتسب كذلك الى البروتينات عبر الغشائية. بما ان الفوسفوليبيدات تعتبر ايضا مواد خام لتركيب الجزيئات المنظمة لجهاز المناعة، فوجود الاحماض الدهنية فيها وهي في حالة Trans Conformation يؤدي الى خلل في الكيمياء الحيوية للعمليات الالتهابية. كل نتائج هذه التغيرات ستجري دراستها بعد، لكن ممكن تسمية بعض التاثيرات. فضلا عن ارتفاع خطر تطور التصلب التعصدي وامراض القلب والاوعية المصاحبة، وهي انخفاض حساسية خلايا البنكرياس للانسولين (النوع الثاني من مرض السكري) وتطور العمليات الالتهابية المزمنة والسمنة.
ومن غير المستبعد، ان الدهون المتحولة ايضا ترفع من خطر تطور بعض انواع السرطان، الا ان المعلومات التي تؤكد هذه الفرضية حتى الآن غير كافية. جملة القول اذا عرضنا لاجسامنا بدلا عن مادة بنائية سليمة متشابهات التركيب - المتحولة ذوات العيوب، فسوف تتشكل هياكل حيوية ناقصة ستبدأ بالاخفاق في حالات مختلفة. اذا، للذين يهتمون بصحتهم فمن الافضل تجنب الدهون المتحولة.
مشكلة عالمية
احدثت نتائج الابحاث العلمية الانطباع الاكبر على الدانمركيين. بدأ منتجو المواد الغذائية في البداية بتخفيض استعمال الدهون المتحولة بمبادرة ذاتية، وبعد ذلك صدر قانون في عام 2003، الذي بموجبه يجب ألا يزيد محتوى الدهون المتحولة عن 2% من اجمالي الدهن الموجود في المنتج. قارن العلماء أخيرا محتوى الدهون المتحولة في منتجات من 25 دولة. تم اختيار عن عمد المنتجات 'غير الصحية'، التي اثناء اعدادها يتم عادة استعمال كثير من المارغارين، مثل المعجنات، الشيبس، البطاطس المقلية، الفشار الخ..... اتضح انه في المنتجات الدانمركية متوسط محتوى الدهون المتحولة في عام 2005 لم يتجاوز 1 غرام للوجبة القياسية. هذا المؤشر في حالات منفصلة في 17 دولة من 25 بلغ 20 غراما، وفي عدد من الدول كان اكثر ارتفاعا.
في هولندا حتى لم يكونوا في حاجة لاصدار قوانين. منتجو المواد الغذائية هناك، وباستعجال من الرأي العام، حققوا بانفسهم نجاحات جوهرية في تحديد الدهون المتحولة. الآن البطاطس المقلية في مطاعم الوجبات السريعة الموجودة في هولندا تحتوي على حوالي 4% من الدهون المتحولة، في الوقت الذي فيه هذه النسبة في المتوسط تساوي 21% من الدهون المتحولة في الولايات المتحدة الامريكية. لكن حتى في الولايات المتحدة الامريكية حلت اوقات عصيبة لمنتجي الدهون المتحولة، لان من 1 يناير من عام 2006 يجب ان يشار على علبة المنتج الى كمية الدهون المتحولة التي يحتويها. عند الاخذ بعين الاعتبار ان كثيرا من المستهلكين قد سمعوا كثيرا عن ضرر الدهون المتحولة، فبالامكان توقع انخفاض الطلب على المنتجات التي تحتوي على مثل هذه الدهون وكنتيجة لذلك تخفيض انتاج واستعمال انواع المارغارين.
(عن مجلة العلم والحياة الروسية)
يتبع ....
تعليق