رداً على بهتـان البينـة
إن من يفقد بوصلته تجاه الأحداث هو الذي تحركه الأجندات غير المرتبطة بمصالح شعبه ، والذي يؤثر مصالح الآخرين على مصالح أبناء شعبه مقابل أثمان بخسة تراه يتخبط في مواقفه ويتعثر في خطواته وفقا لما تمليه عليه الجهات التي ارتضى أن يكون بوقا مأجورا لها ينفث الأضاليل ويلبّس الأباطيل في محاولة منه لطمس وجه الحقيقة وإطفاء نور الحق وأنى لهم ذلك وقد تكفلت العناية الإلهية إظهار الحق ونصرته ولو كره مرضى القلوب
ومن المعلوم لدى العدو والصديق فاعلية المرجعية الشاهدة المتمثلة بسماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي ( دامت بركاته)وحرصها ودوام حضورها في توجيه الأمة نحو تكليفها الصحيح من بعد استشهاد شهيدنا الصدر الثاني (الذي لم يسلم من رماح افتراءاتهم وسهام تسقيطهم ، وتفننهم في تشويه صورته المباركة واختلاق الاتهامات الباطلة التي كانوا يرومون من ورائها قتله معنويا ليسهل بعد ذلك على الطاغية تصفيته جسديا) والميدان العراقي يشهد آنذاك بانحصار التوجيه والإرشاد للأمة بمحاضراته وأجوبته للاستفتاءات التي كان غيره ينئى بنفسه عن التصدي لإيضاح موضوعاتها وبيانها لما فيها من مواجهة لسياسات النظام الظالمة وتحدي لسطوة السلطة الغاشمة الحاكمة وقتها . وأوضح الأمثلة على ذلك موقفه من قرار السلطة البعثية الذي اشترط خلع حجاب الفتاة عند التقاط الصور للمعاملات الرسمية ،وأجوبته الواضحة في نقد انحراف تلفزيون الشباب الذي كان يشرف عليه مباشرة ابن الطاغية المقبور عدي صدام حسين فأين كان الآخرون مع حاجة الأمة لضبط بوصلة اتجاهها السليم عن تلك المواقف والتجاوزات على أحكام الشريعة إلا سلامية .
واستمرت مواقفه السياسية الشجاعة طوال تلك الفترة وغزت أفكاره وانتشرت في صفوف الجامعيين المثقفين تسد رمقهم الفكري وتغني كوامنهم الأخلاقية لتحصنهم من تيارات التضليل وممارسات الانحراف في ظل تلك الأجواء الضاغطة والخانقة .
في الوقت الذي كنتم انتم مشغولون بإطفاء وهج النهضة التي أطلقها الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وتركزون جهودكم على مضايقة ومحاربة أتباع الصدر الثاني الذي علمنا أن المقام الروحي للعالم ليس باللوذ وراء العمامة كما تفهمون ، بل بتجسيد قيم الحق وتمثيل أخلاق الإسلام والاحتذاء بسنة المعصومين (ع) وتحمل المسؤولية كاملة دون مداهنة أو مجاملة ،وإظهار علمه عند اشتداد الفتن وتلبس الزمان على أهله ،أما السكوت على الخطأ والانحراف وغياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل العمامة فلا يبقيها في مكان القداسة ومقام التبجيل ،بل إن الذي يزين العمامة ويجلل موقعها هو التزام صاحبها بمضامين العدل والإنصاف وتحلي صاحبها بشجاعة النقد والاعتراض للممارسات المنحرفة والسلوكيات الظالمة . وليكن مقياسك قول أمير المؤمنين (ع) (لا يُعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله).
والمعيار في الإسلام هو تتبع السيرة والمواقف وعرضها على الشريعة فأن وافقت فهي المعتمدة وإلا فلا. وكلنا يعلم إن المعصومين(ع) لم يتركوا فرصة إلا وانتهزوها في إيصال الموقف المفترض تبنيه من قبل الأمة في تحصيل حقوقها وتوجيه رسائل اللوم والتوبيخ أحيانا لسلاطينها الدنيويين، وبمقدار الإحاطة والتتبع لإحداث البلد التي شهدها بعد التغيير تجد للمرجعية الشاهدة المتمثلة بالمرجع اليعقوبي موقفا إزاء الأحداث المهمة وخطابات المرحلة التي زادت على(160)تشهد بذلك ابتدءاً من المظاهرة المليونية في ساحة الفردوس في 28 نيسان 2003 والتي طالبت بالانتخابات ورفضت مبدأ التعيين مرورا بمواقف مهمة كثيرة منها اشتراط المشاركة بمجلس الحكم برفع الفيتو الأمريكي المسلط عليه ،والبيان الذي أصدرته المرجعية احتجاجا على موقف بر يمر من الإسلام كمصدر للتشريع في قانون إدارة الدولة ودعت الجماهير للتظاهر ولبت الجماهير الدعوة ، ومشروع الحكومة الانتقالية وطرح المرجعية لآلية متكاملة للانتخابات في الوقت الذي كان الاحتلال يتذرع بذرائع شتى لتمييع هذا المطلب ،ومنها فتواها الشهيرة حول الانتخابات وعدتها المرجعية أوجب من الصلاة باعتبار أنها الوسيلة التي تضمن تداول السلطة بشكل سلمي ويكون للأمة من خلالها حضورا في تقرير مصيرها وتحول دون عودة الديكتاتورية والاستبداد ، وتوفر هذه الآلية للأمة فرصة المراقبة والمتابعة لمقدار التزام من انتخبهم ببرامجهم ووعودهم السياسية التي تشكل جوهر التعاقد ومضمونه مابين الأمة والحكومة ،فإذا عجزت الحكومة أو فشلت أو تملصت عن تحقيق وانجاز بنود العقد ولم تف بتحقيق برامجها الموعودة للجماهير الناخبة ،فإنها تكون غير مستحقة لدعم الجماهير وفاقدة لشرعية الاستمرار بالحكم وللجماهير أن ترفع يدها عنها وتحرمها من دعمها ومؤازرتها . وفي نفس الوقت فأن أمثال هؤلاء المتخلفين عن تحقيق وعودهم وبرامجهم السياسية التي كانت شرطا في اختيارهم من قبل الأمة ــــ يرفع عنهم دعم المرجعية الشاهدة لتبين للأمة وترشدها ولا تجعلها في حيرة أو يكون موقفها ضبابيا يستغله أولئك الساسة المتنصلين عن إنجاز وعودهم يخادعون الأمة ويوهموها بأنهم مرضيون أو مؤيدون من قبلها .
فالمرجعية الشاهدة أعطت الشرعية للآلية (التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات ) أما الحكومة فتكتسب شرعيتها من التزامها بوعودها واحترامها لشروط تعاقد الناخبين معها.
ومنذ تشكيل الحكومة أشّرت المرجعية على مكمن الخطأ وغلبة العقلية الاستئثارية والذهنية الأنانية وأعلنت موقفها من المنهج الخاطئ الذي أتبع في تشكيل الحكومة لكي توضح للأمة المنهج الصحيح من الخاطئ .
وكانت المرجعية على الدوام تنصح وتذكر وتنبه وتنتقد الحكومة والوفود الحكومية التي تزورها ، وخطابات المرحلة ونشرة الصادقين مليئة بهذه المضامين ووصول الوفود الحكومية للمرجعية لم يكن مناسبة لمدحهم أو الثناء على تقصيرا تهم بل كانت المرجعية الشاهدة تذكرهم وتنبههم على مغبة وآثار سياساتهم الأنانية التي قد تؤدي إلى تخريب البلاد . وهذا الاستقبال لا يتنافى مع عدم رضا المرجعية الشاهدة على تصرفاتهم ومواقفهم كيف وقد كان الأئمة عليهم السلام –رغم اعتقادهم بانحراف سلاطين زمانهم- يستغلون فرصة اللقاء باؤلئك المنحرفين لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر مراعاة لمصلحة الأمة المظلومة وليس مجاملة للحكام المنحرفين ولكن (أسمعت لو ناديت حيا ......ولكن لا حياة لمن تنادي)
أما وجود حزب الفضيلة في الحكومة هل سيجعلها شرعية ؟ فنحن ذكرنا إن المرجعية نصحت حزب الفضيلة بعدم الاشتراك في الحكومة لان منهج تشكيلها ليس صحيحا بل قام على التحكم والاستئثار والابتعاد عن الشراكة العادلة.
وانتقاد الانحراف والأمر بتركه ــــ خصوصا إذا كان أثره يتعلق بمصالح الأمة عامةــــ من أعظم الواجبات وأشرف أصناف الجهاد في سبيل الله تعالى ولا يوفق لفعله وتحمل ضريبة أداءه إلا ذو حظ عظيم وكان على الدوام هو ضمانة صلاح مسيرة الأمة واستقامتها بل أن الدين الإسلامي الحنيف وعلى لسان رائدة الإصلاح الزهراء البتول يعدّه علة وسببا لمصلحة العامة0
فهل هنالك ظلم أسوأ وانحراف أشنع مما يتحمله اليوم أبناء شعبنا المبتلى من جراء ممارسات المتنفذين في المشهد السياسي العراقي المنشغلين عن هموم الشعب وآلامه بالتسابق على قظم اكبر مقدار ممكن لخيرات وثروات الشعب العراقي والاستئثار بها تاركين نسوة وأطفال العراق يبحثون في حاويات القمامة عن طعام يسد رمقهم من دون أن يرف لهؤلاء جفن أو يتحركوا لإنقاذ هؤلاء البائسين المحرومين وميزانية العراق بلغت (41) مليار دولار؟؟؟
أم إهمالهم واستخفافهم بحماية ما تبقى من الروضة العسكرية الشريفة في سامراء رغم مرور سنة وأربعة أشهر على تفجير القبة الشريفة .بل إن التقارير الميدانية كانت تشير إلى إمكانية حصول تفجير لما تبقى من مرقدي العسكريين (عليهم السلام) ووصلتهم تلك التقارير من شهر شباط لعام 2007م ولم يتحملوا المسؤولية .
فهل نقد مثل هذه الممارسات يرضي الله ورسوله أم يغضبهم ؟
وهل السكوت عليها مبرر شرعا ولا يخدش بالساكت عن نقدها؟
ولكن القلب ما لم يعمر بالتقوى وينفض عنه أغلال التشبث بالسلطة لا يمكن أن يهتدي إلى الحق ولو أقمت له ألف دليل. ولله في خلقه شؤون.
هيئة أبو طالب ــ ع ــ الثقافية
27/7/2007م