روايات من طرق الشيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم تتعارض مع مسألة النص:
وهذا يعني أنه لم يكن وزيره ولا وصيه قبل ذلك
و الشيعه يقولون ان الامام يولد معصوم و يكون اماما مثل الامام المهدي المزعوم حيث أصبح اماما في عمر خمس سنوات فقط .
وسنسهب في مناقشة أسانيد هذه القصة ومتونها في حينه، ولكن ما يعنينا من هذه الرواية الآن هو ما نحن بصدده، ولا شك أنه قد تبادر إلى ذهنك شيء وهو: كيف خفي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى علي رضي الله عنه وعلى كل من حضر الوليمة مسألة النص بعد كل ما مر حتى لم نجد أحداً منهم قد استدرك ذلك، لا أقلَّ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يجد أن إمامته توشك أن تذهب إلى غيره بعرضها عليهم، أو أبيه الذي انتظر سبتاً ليرى وصي محمد صلى الله عليه وسلم وقد ولد؟
فإن أبطلنا كل ما مرَّ بك باعتبار هذه الرواية، لا نلبث أن نرى أخرى تسقطها هي أيضاً.. وهكذا، وهذه الأخرى تتمثل في أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذت الدعوة منحىً عاماً أخذ يعرض نفسه على القبائل، فجاء إلى بني كلاب، فقالوا: نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك، فقال: الأمر لله، فإن شاء كان فيكم أو في غيركم، فمضوا ولم يبايعوه، وقالوا: لا نضرب لحربك بأسيافنا ثم تحكم علينا غيرنا([1][1]).
فما الذي اضطره صلى الله عليه وسلم إلى هذا القول مع ما تقدم؟ أليس كان عليه أن يبين أن هذا الأمر قد تم قبل أشهر حين قال لعشيرته وهو ممسك برقبة ابن عمه: هذا أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فضلاً عن أن ذلك قد تم منذ مليوني عام قبل الخلق؟
وقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم القول نفسه بعد ذلك بسنين طويلة، وذلك لما جاءه عامر بن الطفيل في وفد بني عامر بن صعصعة في السنة العاشرة من الهجرة، وقال له: ما لي إن أسلمت؟ فقال: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال: تجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: ليس ذلك إليَّ، إنما ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء([2][2]).
وهكذا.. يستمر مسلسل خفاء النص عليه صلى الله عليه وسلم، حتى أواخر أيامه بمكة قبل الهجرة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج([3][3])، وقد أعرضنا عن ذكر الكثير من الروايات السابقة لذلك تحاشياً للتكرار، إذ إننا سنورد بعضها في حينها.
تقول رواية القوم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بوزيره ونصرته به، فقلت: يا جبرئيل، ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب([4][4]).
والطريف أن القوم يروون عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت نائماً بالحجر، إذ أتاني جبرئيل فحركني تحريكاً لطيفاً، ثم قال: عفا الله عنك يا محمد، قم واركب فَفِدْ إلى ربك، فأتاني بالبراق فركبت -ثم ذكر ما لاقاه في مسيره.. -إلى أن قال-: فإذا أنا برجل أبيض الوجه، جعد الشعر، فقال لي: يا محمد، احتفظ بالوصي -ثلاث مرات- علي بن أبي طالب المقرب من ربه، قال: لما جزت الرجل وانتهيت إلى بيت المقدس، إذا أنا برجل أحسن الناس وجهاً، وأتم الناس جسماً، وأحسن الناس بشرةً، فقال: يا محمد، احتفظ بالوصي -ثلاث مرات- علي بن أبي طالب المقرب من ربه، الأمين على حوضك صاحب شفاعة الجنة... ثم ذكر بقية القصة، وفي نهايتها قال لـه جبرئيل: الذين لقيتهما في الطريق وقالا لك: احتفظ بالوصي، كانا عيسى وآدم عليهما السلام([5][5]).
أي: رغم هذه الوصايا الست منهما عليهما السلام، لم يدرك صلى الله عليه وسلم مَنْ وزيره الذي أيده ونصره به، وافترض أن يكون رجلاً آخر سوى علي رضي الله عنه.
والطريف -أيضاً- ذكرهم على لسانه صلى الله عليه وسلم عشرات الروايات، يقول له فيها: إنه وزيره، ولعل أقربها إليك ما أوردناه آنفاً عند حديثنا عن بدء الدعوة.
وعلى أي حال، لنعرج مع القوم إلى السماء، وننظر ماذا حصل هناك.. قالوا: لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء، قالت الملائكة: نشهد أنك رسول الله، فما فعل وصيك علي؟ قال: خلفته في أمتي، قالوا: نعم الخليفة خلفت، أما إن الله عز وجل فرض علينا طاعته، ثم صعد إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة مثلما قالت ملائكة السماء الدنيا، فلما صعد إلى السماء السابعة لقيه عيسى عليه السلام فسلم عليه، وسأله عن علي، فقال له: خلفته في أمتي، قال: نعم الخليفة خلفت، أما إن الله فرض على الملائكة طاعته، ثم لقيه موسى عليه السلام والنبيون نبياً نبياً، فكلهم يقول مقالة عيسى عليه السلام ([6][6]).
وفي السماء الرابعة زعم القوم أنه صلى الله عليه وسلم رأى ديكاً بدنه درة بيضاء، وعيناه ياقوتتان حمراوان، ورجلاه من الزبرجد الأخضر، وهو ينادي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ولي الله، فاطمة وولداها الحسن والحسين صفوة الله، يا غافلين اذكروا الله، على مبغضيهم لعنة الله([7][7]).
وفي نفس السماء صلَّى بالأنبياء وكانوا مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، وسألهم جبريل: بم بعثتم؟ ولم نشرتم الآن يا أنبياء الله؟
فقالوا بلسان واحد: بعثنا ونشرنا لنقر لك يا محمد بالنبوة، ولعلي بن أبي طالب بالإمامة([8][8]).
وعندما وصل صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة سأله الله عز وجل: من لأمتك من بعدك؟ فقال: الله أعلم. قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين([9][9]).
وكأن القوم أرادوا أن يقولوا: إن صوت مائة وأربعة وعشرين ألف من الأنبياء -ولك أن تتخيل حجمه- وهم يقولون بإمامة علي بن أبي طالب، لم يكن له هذا التأثير؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم لم يتذكر ذلك بعد لحظات لما سأله الله عز وجل: من لأمتك من بعدك؟ ليقول: الله أعلم، ولعلها غفلة استوجبت تحذير ديكهم، ليقول: يا غافلين، فتأمل!
نبقى مع القوم في السماء السابعة، لنراهم يروون عن الرضا، عن آبائه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي إلى السماء نوديت: يا محمد، فقلت: لبيك ربي وسعديك، تباركت وتعاليت، فنوديت: يا محمد، أنت عبدي وأنا ربك، فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي على بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت: يا رب، ومن أوصيائي؟ فنوديت: يا محمد، أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم: مهدي أمتي، فقلت: يا رب، هؤلاء أوصيائي؟ فنوديت: يا محمد، هؤلاء أوليائي، وأحبائي، وأصفيائي، وحججي بعدك([10][10]).
ويرى القوم أنه بعد قراءته للأسماء نسي -أيضاً- أنهم أوصياؤه، كما أخبره بذلك ربه، فسأله في رواية أخرى للقوم: يا رب، من هؤلاء الذين قرنتهم بي؟ فنودي: يا محمد، هم الأئمة بعدك، والأخيار من ذريتك([11][11]).
وحين سأله: يا محمد، فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قال: إلهي، لا علم لي، فقال له: يا محمد، هل اتخذت من الآدميين وزيراً أو أخاً ووصياً من بعدك؟ فقال: إلهي، ومن أتخذ تخير لي أنت؟ فأوحى الله إليه: يا محمد، اختر علياً، فقلت: إلهي، ابن عمي؟.. الرواية([12][12]).
ولكن هل وقف الأمر على هذا؟
انظر إلى القوم -وبعد كل هذه التأكيدات والمواثيق وفي طريق العودة إلى الأرض وفي السماء الرابعة حيث ديكهم وتنبيهه للغافلين ومنهم واضع هذه الرواية- يروون أنه لما هبط النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء الرابعة ناداه ربه: يا محمد، قال: لبيك ربي، قال: من اخترت من أمتك يكون من بعدك لك خليفة؟ قال: اختر لي ذلك، فتكون أنت المختار لي، فقال: اخترت لك خيرتك علي بن أبي طالب([13][13]).
وعلى أي حال، حتى لا يطول مكثنا في السماء، نجتزئ بالإيجاز الذي أوردناه، فالروايات الشبيهة الواردة في ليلة الإسراء كثيرة([14][14])، وقد أوردنا شيئاً منها في أول الباب أيضاً، وكل واحدة منها تناقض سابقتها وتسقطها، فضلاً عن إسقاطها للباب بأكمله، وهكذا جميع الروايات الآتية.
نعود إلى الأرض، وتحديداً إلى مكة؛ حيث لا زلنا مع القوم ورواياتهم قبل الهجرة.
روى القوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه ليلة الهجرة: أرضيت أن أُطلب فلا أُوجد وتوجد فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك؟ قال: بلى يا رسول الله، رضيت أن تكون روحي لروحك فداء، ونفسي لنفسك فداء([15][15]).
لا شك أن وجه الدلالة غير خافٍ في الرواية، فافتراض القتل هنا، وفي روايات عدة سنأتي على ذكر بعضها لا يمكن توجيهها باعتبار أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي الخلافة بعده صلى الله عليه وسلم، فكيف يفترض أن يقتل أو يموت قبله، والأمر واضح ولا أعتقد أنه يحتاج إلى زيادة تعليق.
فهذا يدل على خفاء النص على النبي صلى الله عليه وسلم الذي يزعمون أنه نص على إمامة علي رضي الله عنه وهو في مكه قبل الهجرة للمدينة
([1][1]) البحار: (23/74)، إثبات الهداة: (1/142)، المناقب: (1/257).
([1][2]) إثبات الهداة: (1/141، 142)، وصي الرسول الأعظم: (21)، البحار: (18/75) (21/372).
([1][3]) وكان ذلك قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً، وقيل: بسنة وشهرين، وقيل: بسنة، وقيل: بستة أشهر، وقيل: غير ذلك -انظر: البحار: (18/302، 319).
([1][4]) سبق تخريجه.
([1][5]) كشف اليقين: (83)، البحار: (18/390) (37/314).
([1][6]) البحار: (18/303)، المحتضر: (139).
([1][7]) اليقين: (141)، البحار: (37/48).
([1][8]) البحار: (40/42).
([1][9]) الكافي: (1/442، 443)، غيبة الطوسي: (103)، الطرائف: (43)، غيبة النعماني: (45)، البحار: (18/306، 383، 403) (36/262، 280)، إثبات الهداة: (2/12، 134،153).
([1][10]) علل الشرايع: (5)، عيون أخبار الرضا: (1/238)، كمال الدين: (254)، البحار: (11/139) (18/345) (26/335) (52/312) (57/58) (60/303)، إثبات الهداة
1/482، 584، 585)، منتخب الأثر: (61)، تأويل الآيات: (2/878).
([1][11]) كفاية الأثر: (14)، البحار: (36/321).
([1][12]) كمال الدين: (238)، إثبات الهداة: (1/500)، البحار: (51/69) (52/276).
([1][13]) أمالي الصدوق: (352)، أمالي الطوسي: (218)، البرهان: (4/199)، كشف اليقين: (22)، البحار: (18/341، 371) (36/160) (37/291) (38/108) (40/13)، إثبات الهداة
2/70).
([1][14]) للمزيد انظر: البحار: (40/13)، كشف اليقين: (22)، أمالي الطوسي: (353، 364)، أمالي الصدوق: (386، 387، 504)، نور الثقلين: (3/99) (4/470)، إثبات الهداة: (1/548)، كفاية الأثر: (15)، البحار: (36/323).
([1][15]) إثبات الهداة: (3/596)، مدينة المعاجز: (75)، تفسير العسكري: (466)، البحار: (19/81).
منقووووووووووووووووووووووووووووول
روايات من طرق الشيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم تتعارض مع مسألة النص:
أول ذلك حديث يوم الدار أو بدء الدعوة، لما نزل قولـه تعالى: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214] حيث روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بني عبد المطلب وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب، وكان قد أولَم لهم، وبعد أن أكلوا وشربوا، قال: يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي؟ فأحجم القوم جميعاً إلا علياً قال: أنا يا نبي الله، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برقبته، وقال: هذا أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا. وهذا يعني أنه لم يكن وزيره ولا وصيه قبل ذلك
و الشيعه يقولون ان الامام يولد معصوم و يكون اماما مثل الامام المهدي المزعوم حيث أصبح اماما في عمر خمس سنوات فقط .
وسنسهب في مناقشة أسانيد هذه القصة ومتونها في حينه، ولكن ما يعنينا من هذه الرواية الآن هو ما نحن بصدده، ولا شك أنه قد تبادر إلى ذهنك شيء وهو: كيف خفي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى علي رضي الله عنه وعلى كل من حضر الوليمة مسألة النص بعد كل ما مر حتى لم نجد أحداً منهم قد استدرك ذلك، لا أقلَّ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يجد أن إمامته توشك أن تذهب إلى غيره بعرضها عليهم، أو أبيه الذي انتظر سبتاً ليرى وصي محمد صلى الله عليه وسلم وقد ولد؟
فإن أبطلنا كل ما مرَّ بك باعتبار هذه الرواية، لا نلبث أن نرى أخرى تسقطها هي أيضاً.. وهكذا، وهذه الأخرى تتمثل في أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذت الدعوة منحىً عاماً أخذ يعرض نفسه على القبائل، فجاء إلى بني كلاب، فقالوا: نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك، فقال: الأمر لله، فإن شاء كان فيكم أو في غيركم، فمضوا ولم يبايعوه، وقالوا: لا نضرب لحربك بأسيافنا ثم تحكم علينا غيرنا([1][1]).
فما الذي اضطره صلى الله عليه وسلم إلى هذا القول مع ما تقدم؟ أليس كان عليه أن يبين أن هذا الأمر قد تم قبل أشهر حين قال لعشيرته وهو ممسك برقبة ابن عمه: هذا أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فضلاً عن أن ذلك قد تم منذ مليوني عام قبل الخلق؟
وقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم القول نفسه بعد ذلك بسنين طويلة، وذلك لما جاءه عامر بن الطفيل في وفد بني عامر بن صعصعة في السنة العاشرة من الهجرة، وقال له: ما لي إن أسلمت؟ فقال: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال: تجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: ليس ذلك إليَّ، إنما ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء([2][2]).
وهكذا.. يستمر مسلسل خفاء النص عليه صلى الله عليه وسلم، حتى أواخر أيامه بمكة قبل الهجرة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج([3][3])، وقد أعرضنا عن ذكر الكثير من الروايات السابقة لذلك تحاشياً للتكرار، إذ إننا سنورد بعضها في حينها.
تقول رواية القوم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بوزيره ونصرته به، فقلت: يا جبرئيل، ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب([4][4]).
والطريف أن القوم يروون عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت نائماً بالحجر، إذ أتاني جبرئيل فحركني تحريكاً لطيفاً، ثم قال: عفا الله عنك يا محمد، قم واركب فَفِدْ إلى ربك، فأتاني بالبراق فركبت -ثم ذكر ما لاقاه في مسيره.. -إلى أن قال-: فإذا أنا برجل أبيض الوجه، جعد الشعر، فقال لي: يا محمد، احتفظ بالوصي -ثلاث مرات- علي بن أبي طالب المقرب من ربه، قال: لما جزت الرجل وانتهيت إلى بيت المقدس، إذا أنا برجل أحسن الناس وجهاً، وأتم الناس جسماً، وأحسن الناس بشرةً، فقال: يا محمد، احتفظ بالوصي -ثلاث مرات- علي بن أبي طالب المقرب من ربه، الأمين على حوضك صاحب شفاعة الجنة... ثم ذكر بقية القصة، وفي نهايتها قال لـه جبرئيل: الذين لقيتهما في الطريق وقالا لك: احتفظ بالوصي، كانا عيسى وآدم عليهما السلام([5][5]).
أي: رغم هذه الوصايا الست منهما عليهما السلام، لم يدرك صلى الله عليه وسلم مَنْ وزيره الذي أيده ونصره به، وافترض أن يكون رجلاً آخر سوى علي رضي الله عنه.
والطريف -أيضاً- ذكرهم على لسانه صلى الله عليه وسلم عشرات الروايات، يقول له فيها: إنه وزيره، ولعل أقربها إليك ما أوردناه آنفاً عند حديثنا عن بدء الدعوة.
وعلى أي حال، لنعرج مع القوم إلى السماء، وننظر ماذا حصل هناك.. قالوا: لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء، قالت الملائكة: نشهد أنك رسول الله، فما فعل وصيك علي؟ قال: خلفته في أمتي، قالوا: نعم الخليفة خلفت، أما إن الله عز وجل فرض علينا طاعته، ثم صعد إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة مثلما قالت ملائكة السماء الدنيا، فلما صعد إلى السماء السابعة لقيه عيسى عليه السلام فسلم عليه، وسأله عن علي، فقال له: خلفته في أمتي، قال: نعم الخليفة خلفت، أما إن الله فرض على الملائكة طاعته، ثم لقيه موسى عليه السلام والنبيون نبياً نبياً، فكلهم يقول مقالة عيسى عليه السلام ([6][6]).
وفي السماء الرابعة زعم القوم أنه صلى الله عليه وسلم رأى ديكاً بدنه درة بيضاء، وعيناه ياقوتتان حمراوان، ورجلاه من الزبرجد الأخضر، وهو ينادي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ولي الله، فاطمة وولداها الحسن والحسين صفوة الله، يا غافلين اذكروا الله، على مبغضيهم لعنة الله([7][7]).
وفي نفس السماء صلَّى بالأنبياء وكانوا مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، وسألهم جبريل: بم بعثتم؟ ولم نشرتم الآن يا أنبياء الله؟
فقالوا بلسان واحد: بعثنا ونشرنا لنقر لك يا محمد بالنبوة، ولعلي بن أبي طالب بالإمامة([8][8]).
وعندما وصل صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة سأله الله عز وجل: من لأمتك من بعدك؟ فقال: الله أعلم. قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين([9][9]).
وكأن القوم أرادوا أن يقولوا: إن صوت مائة وأربعة وعشرين ألف من الأنبياء -ولك أن تتخيل حجمه- وهم يقولون بإمامة علي بن أبي طالب، لم يكن له هذا التأثير؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم لم يتذكر ذلك بعد لحظات لما سأله الله عز وجل: من لأمتك من بعدك؟ ليقول: الله أعلم، ولعلها غفلة استوجبت تحذير ديكهم، ليقول: يا غافلين، فتأمل!
نبقى مع القوم في السماء السابعة، لنراهم يروون عن الرضا، عن آبائه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي إلى السماء نوديت: يا محمد، فقلت: لبيك ربي وسعديك، تباركت وتعاليت، فنوديت: يا محمد، أنت عبدي وأنا ربك، فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي على بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت: يا رب، ومن أوصيائي؟ فنوديت: يا محمد، أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم: مهدي أمتي، فقلت: يا رب، هؤلاء أوصيائي؟ فنوديت: يا محمد، هؤلاء أوليائي، وأحبائي، وأصفيائي، وحججي بعدك([10][10]).
ويرى القوم أنه بعد قراءته للأسماء نسي -أيضاً- أنهم أوصياؤه، كما أخبره بذلك ربه، فسأله في رواية أخرى للقوم: يا رب، من هؤلاء الذين قرنتهم بي؟ فنودي: يا محمد، هم الأئمة بعدك، والأخيار من ذريتك([11][11]).
وحين سأله: يا محمد، فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قال: إلهي، لا علم لي، فقال له: يا محمد، هل اتخذت من الآدميين وزيراً أو أخاً ووصياً من بعدك؟ فقال: إلهي، ومن أتخذ تخير لي أنت؟ فأوحى الله إليه: يا محمد، اختر علياً، فقلت: إلهي، ابن عمي؟.. الرواية([12][12]).
ولكن هل وقف الأمر على هذا؟
انظر إلى القوم -وبعد كل هذه التأكيدات والمواثيق وفي طريق العودة إلى الأرض وفي السماء الرابعة حيث ديكهم وتنبيهه للغافلين ومنهم واضع هذه الرواية- يروون أنه لما هبط النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء الرابعة ناداه ربه: يا محمد، قال: لبيك ربي، قال: من اخترت من أمتك يكون من بعدك لك خليفة؟ قال: اختر لي ذلك، فتكون أنت المختار لي، فقال: اخترت لك خيرتك علي بن أبي طالب([13][13]).
وعلى أي حال، حتى لا يطول مكثنا في السماء، نجتزئ بالإيجاز الذي أوردناه، فالروايات الشبيهة الواردة في ليلة الإسراء كثيرة([14][14])، وقد أوردنا شيئاً منها في أول الباب أيضاً، وكل واحدة منها تناقض سابقتها وتسقطها، فضلاً عن إسقاطها للباب بأكمله، وهكذا جميع الروايات الآتية.
نعود إلى الأرض، وتحديداً إلى مكة؛ حيث لا زلنا مع القوم ورواياتهم قبل الهجرة.
روى القوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه ليلة الهجرة: أرضيت أن أُطلب فلا أُوجد وتوجد فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك؟ قال: بلى يا رسول الله، رضيت أن تكون روحي لروحك فداء، ونفسي لنفسك فداء([15][15]).
لا شك أن وجه الدلالة غير خافٍ في الرواية، فافتراض القتل هنا، وفي روايات عدة سنأتي على ذكر بعضها لا يمكن توجيهها باعتبار أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي الخلافة بعده صلى الله عليه وسلم، فكيف يفترض أن يقتل أو يموت قبله، والأمر واضح ولا أعتقد أنه يحتاج إلى زيادة تعليق.
فهذا يدل على خفاء النص على النبي صلى الله عليه وسلم الذي يزعمون أنه نص على إمامة علي رضي الله عنه وهو في مكه قبل الهجرة للمدينة
([1][1]) البحار: (23/74)، إثبات الهداة: (1/142)، المناقب: (1/257).
([1][2]) إثبات الهداة: (1/141، 142)، وصي الرسول الأعظم: (21)، البحار: (18/75) (21/372).
([1][3]) وكان ذلك قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً، وقيل: بسنة وشهرين، وقيل: بسنة، وقيل: بستة أشهر، وقيل: غير ذلك -انظر: البحار: (18/302، 319).
([1][4]) سبق تخريجه.
([1][5]) كشف اليقين: (83)، البحار: (18/390) (37/314).
([1][6]) البحار: (18/303)، المحتضر: (139).
([1][7]) اليقين: (141)، البحار: (37/48).
([1][8]) البحار: (40/42).
([1][9]) الكافي: (1/442، 443)، غيبة الطوسي: (103)، الطرائف: (43)، غيبة النعماني: (45)، البحار: (18/306، 383، 403) (36/262، 280)، إثبات الهداة: (2/12، 134،153).
([1][10]) علل الشرايع: (5)، عيون أخبار الرضا: (1/238)، كمال الدين: (254)، البحار: (11/139) (18/345) (26/335) (52/312) (57/58) (60/303)، إثبات الهداة

([1][11]) كفاية الأثر: (14)، البحار: (36/321).
([1][12]) كمال الدين: (238)، إثبات الهداة: (1/500)، البحار: (51/69) (52/276).
([1][13]) أمالي الصدوق: (352)، أمالي الطوسي: (218)، البرهان: (4/199)، كشف اليقين: (22)، البحار: (18/341، 371) (36/160) (37/291) (38/108) (40/13)، إثبات الهداة

([1][14]) للمزيد انظر: البحار: (40/13)، كشف اليقين: (22)، أمالي الطوسي: (353، 364)، أمالي الصدوق: (386، 387، 504)، نور الثقلين: (3/99) (4/470)، إثبات الهداة: (1/548)، كفاية الأثر: (15)، البحار: (36/323).
([1][15]) إثبات الهداة: (3/596)، مدينة المعاجز: (75)، تفسير العسكري: (466)، البحار: (19/81).
منقووووووووووووووووووووووووووووول
تعليق